حورية السيد مصطفى السيد
الزجاج الشفاف وسيلتى فى التعبير
- حورية السيد فنانة أدواتها الزجاج وأنفاسها المنظمة، التى تطلقها عبر أنابيب من الزجاج لتخرج منها أشكالاً فنية تعبر من خلالها عن شفافية الروح ونقائها ، تهتم بالكتلة وهدفها الابتعاد عن الألوان المعتمة ومحاولة البحث عما هو شفاف ، لذلك وقع اختيارها على الزجاج الشفاف ليكون وسيلتها فى التعبير.
- تفضل حورية السيد تنفيذ أعمالها من خامة الزجاج الشفاف غير مبالية بالألوان للوصول إلى الشفافية المصاحبة للإنسان وتستخدم نوعا من الزجاج يسمى ` البيركس ` وهو زجاج حرارى نقى يختلف عن الزجاج العادى فى شفافيته ، وخاصة إذا أرادت إضافة بعض الملامس والفقاعات وغيرها ،ذلك أن الزجاج العادى يحتاج إلى درجة حرارة أقل عند التشكيل، فهو قد يلائم الأعمال المصممة أو التى تنفذ عن طريق الصب فى الأفران .
- أنبوب الزجاج ..
- الأدوات التى تستخدمها حورية فى صنع أعمالها من الأشكال الفنية تنحصر فى مائدة مكسوة بالقماش الحرارى مثبت عليها ` باشبورى ` متصل بثلاثة خراطيم أحدها متصل بأنبوبة أكسجين والأخر بأنبوبة غاز وثالثها بكمبروسر الهواء ،تقف خلفها وتمسك بيدها أنبوب الزجاج وتعرضه للحرارة من طرفيه وهى مرتديه قفاز اليد الحرارى ، وتقوم بالتشكيل بيدها أثناء النفخ فى الأنبوب المعرض للحرارة لتشكل العمل الفنى الذى ترغب فى نحته عن طريق تنظيم أنفاسها من البطء إلى الإسراع،وأحياناً تستخدم أداة صغيرة تشبه الملقاط وتسمى بالجفت لسحب بعض أجزاء فى العمل الفنى .
- الورشة الفنية وقد تعلمت حورية فن التعامل مع تلك الأدوات الخشنة ، من خلال تجوالها داخل الورش الفنية بين العمال أثناء التشكيل بالزجاج ، فهو من الخامات الصعبة فى تشكيله ويحتاج إلى درجات حرارة عالية وتفهم لطبيعة الخامة عن حب وأن يكون الفنان أكثر حساسية له حيث يتطلب منه معرفة التوقيت الذى يحتاج فيه التشكيل إلى زيادة فى النفخ أو تقليله ، وخبره النفخ على الزجاج هى إحدى الصناعات الشعبية اليدوية التى انقرضت منذ وقت طويل وكانت تتم بشكل تلقائى واستغرقت حورية عامين حتى تعلمت النفخ ، واستطاعت التعامل معه كما تزيد وبأسلوب علمى .
- قوالب حرارية
- وهناك جزء من العمل الفنى ينفذ عن طريق الصب وهو ما يحتاج إلى قوالب حرارية من الحديد أو الزهر، وهذا القالب مكون من مجموعة أجزاء للحصول على العديد من النسخ ، وتقول حورية : أفضل استخدام قالب من النحاس مع الزجاج البيركس وقوالب الحديد والزهر للزجاج العادى ، وطبعا هناك اختلافات ما بين الاثنين ، فعندما اضع قالب الحديد الذى به الزجاج العادى فى الفرن ، لا يمكن أن أفتح الفرن حتى يبرد العمل تماما ، وهو ما يستغرق ساعات طويلة ، أما القالب الذى يحتوى على الزجاج البيركس فهو يتحمل فتح الفرن تدريجيا وهو ما زال فى حالة السخونة .
- الهرم الزجاجى :
- وعن أسلوب عملها وفلسفتها فيه تقول حورية : تتميز اعمالى بالشفافية وتشغلنى فكرة فلسفية عن الإحساس والتأثر بفكرة الروح التى نشعر بها ولا نراها ، والتقنية عندى عن طريق النفخ من خلال زجاج البيركس ، وقد وضح هذا الأسلوب وهذه الفلسفة عندما قمت بتصميم الهرم الزجاجى المنفصل الذى حصلت به على جائزة صالون الشباب ، وهو عمل يعبر عن خروج الروح وعودتها إلى الله سبحانه وتعالى من خلال وجود أجسام شفافة تتطاير فى الهواء داخل الهرم الزجاجى وترتفع إلى أعلى. وأكاد أكون الوحيدة فى مصر التى تعمل على النحت الزجاجى باستخدام النفخ ولا أشعر بأن العملية صعبة ولكنها دقيقة وتتدخل فيها عوامل الإحساس والتعبير فى المقام الأول والرسالة الفنية والإنسانية التى أصيغها من خلال أعمالى الفنية التى تعبر عن جمال الشكل وشفافيته ونقائه .
الناقدة : ثناء رستم
مجلة أخر ساعة 20 /5 /2009
تشكيل الروح بالزجاج
- رأيتها لأول مرة وهى جالسة داخل أتيلييه القاهرة للفنانين والكتاب عام 2004 فى صمت تنظر وترتقب أحاديث من حولها فى لهفة وشوق، وبإنصات تمر الساعات حتى يقودها أحد الجالسين فى حوار لحل ذلك الغموض الذى تتصف به هذه الفتاة الصامتة، فإذا تحدثت يندهش لحوارها المستمع إليها لثقافتها ودرايتها بالعلوم الإنسانية، وفى صوت خافض يكون حوارها عن الفن والروح والجسد والشفافية ..هكذا كان لقائى بها حين نبشت ما بداخلها لكى أعرفها . - الفنانة حورية السيد مصطفى خريجة التربية الفنية عام 1999، وكانت براعة الحديث حين ذكرت موضوع رسالتها ` للماجستير ` وعنوانها ( القيم الجمالية للتوليفية فى فنون الحداثة وما بعد الحداثة) ومنذ نهاية دراستها وهى تعمل بالتصوير الزيتى، وسرعان ما تبدل هذا الاهتمام إلى الكتلة، ولا أقصد بالكتلة هنا النحت ولكن هدفها هو البعد عن الألوان المعتمة ومحاولة البحث عما هو شفاف ،ووقع الاختيار على خامة الزجاج، فشفافيته ونقائه يؤكد وجودية الروح التى تحرك الجسد ،فالجسد شئ أما الروح فهى أقرب إلى الميتافيزيقية ولكنها موجودة بالإحساس ،فإذا اختفت الروح تركت الجسد خاليا هكذا كما نراه داخل تلك الخامة الزجاجية، ولأهمية هذا الموضوع وهو الروح والجسد وقع الاختيار على (فلسفة الخلود عند الشعب المصرى فى حضاراته المختلفة حتى وقتنا الحاضر ) وهو موضوع رسالة الدكتوراه . - وفى الأسابيع القليلة الماضية التقينا مرة أخرى وكان اللقاء عن غير موعد وتذكرت حينها هذا الحوار ، وكعادتى حاولت أن أنبش ثانية فى ما بداخلها لمعرفة ما توصلت إليه فى العامين الماضيين ،فسألتها عن أخر أخبارها الفنية. فإذا بها تضع أمامى مجموعة من الأعمال النحتية المنفذة بخامة الزجاج كانت تحملها إلى إحدى قاعات العرض، فاستفزنى إصرارها على تحقيق حلمها الذى حدثتنى عنه سلفا، وأكدت لى أن وراء هذا الصمت بحث وإصرار ودأب، وبعدها دار الحديث بيننا عن تقنيات هذه الخامة وكنت أظن أن هذه الأعمال نفذت عن طريق الصب، وكانت المفاجأة حين أدركت المغامرة التى قامت بها الفنانة حورية حين تجولت داخل الورش بين العمال والحرفيين لاكتساب خبرة `النفخ ` وهى إحدى الصناعات الشعبية اليدوية التى انقرضت منذ وقت طويل حيث اختفت التماسيح والغزلان وبعض الحيوانات التى كنا نراها وبائعيها على أرصفة الشوارع حين كنا أطفالا. فهنأتها على مشوارها الصعب الذى سارت فيه خلال عامين لكى تصل إلى هذه التقنيات الفنية لهذه الخامة ، وكانت أكثر استفزازاً لى عندما علمت أن هذه الأعمال نفذت داخل حجرة صغيرة بمسكنها الذى تعيش فيه. - ما بين أنبوبتى الأكسجين والغاز وكمبورسر الهواء تعيش الفنانة حورية فى بحث وتجريب استعدادا للقيام بأول معارضها ( التشكيل بالزجاج ) أو ( الزجاج والتشكيل) .. ليس مهما هنا تلك المسميات فجمال الشكل وشفافيته ونقائه أهم ما تتصف به أعمال الفنانة . - وما رأيته من أعمال جعلنى أكثر إصرارا على زيارتها ورؤية هذه الورشة التى رحت بخيالاتى إلى أنها مليئة بالأجهزة والمعدات والأدوات وسرعان ما تكشفت الحقيقة عند لقائى بها هناك، لم يكن بالحجرة سوى ترابيزة مكسوة بالقماش الحرارى مثبت عليها باشبورى متصل بثلاث خراطيم، أحدهما متصل بأنبوبة أكسجين والآخر بأنبوبة الغاز وثالثها بكمبورسر الهواء وهى تقف خلفها وأمامها البشبورى الذى يقوم بتنفيذ القطعة من الألف إلى الياء مستخدمة قفاز اليد الحرارى للتشكيل بيدها مباشرة دون استخدام بعض الأدوات الصغيرة `الجفتات` أحياناً، وأمام هذه التقنيات كان حوارى معها وكانت إجابتها . - تجولت داخل الورشة الفنية بين العمال لكى أتعلم التشكيل بالزجاج فهو من الخامات الصعبة فى تشكيله، ويحتاج إلى درجات حرارة عالية وتفهم لطبيعة الخامة عن حب وأن يكون الفنان أكثر حساسية له حيث يتطلب منه معرفة التوقيت الذى يحتاج فيه التشكيل إلى زيادة فى النفخ أو تقليلة ، ولا تلقائية هنا لكونى دارسة للفن فإننى أضيف بعض التفاصيل والتشريح أحيانا عن طريق النفخ . - أفضل تنفيذ أعمالى من خامة الزجاج الشفاف غير مبالية بالألوان للوصول إلى الشفافية المصاحبة للإنسان ، ولكننى قمت بتلوين قطعة واحدة على سبيل التجربة عن طريق إكساب القطعة اللون بعد الانتهاء من التشكيل بالرش ثم وضعه داخل الفرن لتثبيته فى درجة حرارة أقل من درجة انصهار الزجاج ، أما استخدام الزجاج الملون كعجينة واحدة ففكرة غير مطروحة الأن لكنها لا تختلف كثيرا عما أقوم به سوى استخدام الأنابيب الزجاجية الملونة مع التغيير من لون إلى آخر كلما أردت تغيير اللون . - استخدم نوعا من الزجاج يسمى ` البيركس ` وهو زجاج حرارى نقى يختلف عن الزجاج البلدى فى شفافيته وخاصة إذا أردت إضافة بعض الملامس والفقاعات وغيرها. - الزجاج البلدى يحتاج إلى درجة حرارة أقل عند التشكيل، فهو قد يلائم الأعمال المصمتة أو التى تنفذ عن طريق الصب فى الأفران . - يمكن الحصول على أعمال مفرغة أو مصمتة بالطبع وهذا يرجع إلى نوع الأنبوبة الزجاجية إذا كانت مفرغة أم مصمته. - أما عن الأعمال التى تنفذ عن طريق الصب فهى فى حاجة إلى قوالب حرارية بالحديد الزهر أو النحاس ، وهذا القالب مكون من مجموعة أجزاء للحصول على العديد من النسخ ، يفضل استخدام البيركس لقالب من النحاس، والحديد الزهر للزجاج البلدى وهذا يرجع إلى اختلافات درجات الحرارة ، وهناك اختلاف آخر بينها فالزجاج البلدى لم أستطع فتح الفرن حتى يبرد العمل تماما أما `البيركس ` فهو يتحمل فتح الفرن تدريجيا وهو مازال فى حالة السخونة . - أستطيع أن أوقف التشكيل عدة ساعات أو أيام عند تنفيذ العمل الواحد ولكن هذا يتطلب عند الرجوع إليه ضرورة تعرضه مرة أخرى لدرجات حرارة مختلفة تدريجيا حتى يصل إلى درجة الحرارة التى تكسبه طواعيه عند التشكيل . - يمكن لحام أجزاء زجاجية فى العمل الواحد وهذا يتطلب استخدام نفس نوع الزجاج والسمك وإلا سوف يتم فصله بعد مرحلة البرودة . - أننى اختلف شكلا ومضمونا عن الفنان زكريا الخنانى والفنانة عايدة عبد الكريم حيث أعنى فى أعمالى بالشفافية والروح وهما يؤكدان آن فى أعمالهما على طبيعة البيئة والأرض والتاريخ مستخدمين الزجاج البلدى عن طريق الصب فى قوالب داخل الفرن لتأكيد فكرتهما، أما التقنية عندى فعن طريق النفخ من خلال زجاج ` البيركس `. - شكرتها لحسن استقبالها ودأبها وإصرارها على تحقيق الحلم غير كاتمة لأسرار تجاربها بل شعرت بسعادة غامرة حين عرضت عليها رغبتى فى إقامة ورشة عمل مع طلاب قسم النحت بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا . - وأخيرا يتأكد أن النحت وما به من صعوبات ومشقة ليس من إبداعات الرجال فقط ، وما زال فى مجال النحت أسرار وخامات وتقنيات تبحث عن فنانيها .
بقلم / د. إيهاب عبد الله
مجلة بورتريه نوفمبر 2006
بالزجاج حورية .. تحلق بلا أجنحة
- كثيرة هى تلك الأعمال الفنية التى خاطبت الجسد وجسدت الشكل عبر اللون بجميع درجاته ومؤثراته ، ولكن فنانتنا كان لها رأى آخر حينما غاصت فى أعماق الروح تنطلق معها فى عالم شفاف يهرب من حصار المواد والأمكنة والألوان إلى آفاق سرمدية عبر أسمى معانى النقاء الروحى .. - أبحث عن أفكار تجسدت فيها قيمة الروح مثل فكرة إيزيس والعذراء مريم . - إنها الفنانة الشابة حورية السيد التى اختارت لنفسها خامة الزجاج لكى تحلق من خلالها إلى عالم لانهائى من الشفافية . - قررت حورية أن تبحث عن خامة تساعدها على البحث عن الروح التى تعد هى أبقى من الكتل اللونية الصماء، فانصرف فكرها إلى الزجاج لأنه شفاف وخامته تذهب معها أينما أرادت أن توجهها فى التكوين، بالإضافة إلى النقاء الروحى الذى تمتاز به تلك الخامة . حورية خريجة كلية التربية الفنية حاصلة على درجة الماجستير فى الحداثة وما بعد الحداثة واستطاعت أن تخط لنفسها درباً مختلفاً فى التعامل مع فلسفة الشفافية . ( إن شفافية الزجاج ليست وحدها التى تجسد ما أهدف إليه لكن أنفاسى التى تشكل الزجاج وتمنحه الروح التى تجرى فى عروق التكوين لتخرج الأنثى كاملة الأنوثة.. وتترجم نبضات الرجل وإرهاصات عقله وقلبه التى أحب تجسيدها ) . - حورية أقامت العديد من المعارض كل معرض فيها يمثل مرحلة فنية مختلفة لانها فى كل مرة تضيف إلى الشفافية فيه (لكى أكسب الزجاج زينته الروحانية أبحث عن أفكار تجسدت فيها قيمة الروح مثل فكرة إيزيس والعذراء مريم ، والتى تلعب الروح فيها دور البطولة ، وأستغل شفافية الزجاج لأقدم ذلك المعنى، كذلك فى تجربتى الذهاب إلى السماء والبعث والخلود كلها أفكار حرصت على التعبير عنها ، وحاولت أن أجسد فيها قيمة الروح باستخدام البلكس والإكرليك الشفاف والألوان الشفافة ) . - حورية يسيطر على تكوينها الفكرى والفنى فكرة الخلود ، وأن الفن الخالد هو الذى يذهب بعيداً عن مجرد النظر ويخترق الإطار الضيق إلى مجال أكثر شفافية لكنه غير مرئى مثل الروح ، دائماً أعمل على المفاهيم المصرية القديمة.. والإسلامية والقبطية والتى تنشد العالم الآخر تماماً مثلما فعل الفراعين مما أعطى أعمالهم الخلود من تماثيل ومقتنيات أنها كانت إبداعات من أجل الروح والعالم الآخر .
أحمد الزهيرى
بروفيل
فى المعرض العام الـ 32 تألق النحت المصرى .. وسوق عكاظ
- حورية السيد : استعانت بخبرة وفلسفة والتزام هذا الفنان العظيم ( حامد سعيد ) هى تبحث عن الروح فى التصوف فنادتها شفافية الزجاج قدمت عملاً رومانسياً يحوى جماليات الأنعكاسات الزجاجية بيضاء نقية تمثالها ( حضن ) لرجل وامرأة يرنو إلى التلخيص والحداثة .اختارت وضعية مبتكرة إذ تخرج حواء من جذع آدم واحتفظ التمثال بذلك التوازن المريح .
نجوى صالح
جريدة القاهرة الثلاثاء 14/ 7/ 2009
الخلود فى الفن المصرى
- تمتد أعمالها فى مجالات فنية عديدة من النحت الزجاجى والأشكال المجسمة والأعمال الفنية المركبة وكذلك التصوير .. واعمالها عموما تمثل مساحة خاصة فى التشكيل والتعبير تنقلنا خلالها إلى آفاق تناقش بعض الأفكار والمفاهيم الفلسفية مثل الخلود والروح النورانية وشفافية الحب من وجهة نظر تنتمى لاحساس المرأة .. وكل هذا يتأكد على وجه الخصوص خلال تلك الأعمال الشفافة من التماثيل الزجاجية التى تجسد التعبير المصرى ` النور فى البنور ` والتى تمتد فى أشكال تتحاور بين الهمس والسكون .. وفى أعمال أخرى تقدم مزيجا من تلك الأشكال النورانية مع أخرى معتمة وكأنها تعكس لمعنى السالب والموجب .. المادى والروحانى .
- تألفت أعمال الفنانة حورية بمعرضها الذى أطلقت عليه ` وميض ` انعكاسا لأفكارها الشاعرية والفلسفية المجردة .
بقلم : صلاح بيصار
مجلة حواء- 2010
التشكيلية المصرية حورية السيد : نحت الزجاج لا يحتمل السهو أو الخطأ
- لا يحتمل النحت على الزجاج السهو أو الخطأ، فأية ضربة أزميل أو سكين أو حتى فرشاة فى غير موضعها تكسر العمل بكامله هذا النوع من الفنون يحتاج إلى دقة وصبر، وهو ما تحرص عليه الفنانة التشكيلية حورية السيد التى أثبتت ذاتها فى هذا المجال من خلال تقديم منحوتات بارزة سبقتها أعمال تجهيز فى الفراغ، وهى تؤمن بأن النحت مجال ملىء بالاكتشاف والتأمل ولا يقبل من يستهين به، ومن ثم تعاملت معه بمنتهى الجدية والصرامة، بل والتحدى، فخرجت أعمالها تتحدث عن نفسها... وفى الحوار التالى مزيد من التفاصيل:
- كان لافتاً استخدامك خامة الزجاج فى أعمالك الأخيرة التى ضمها معرض `نور الشكل` فى دار الأوبرا فى القاهرة ما السبب، وما الفارق بين الزجاج وبين الخامات الأخرى؟
- الزجاج خامة قريبة إلى بطبيعتها الشفافة النورانية، ولكنها لا تقبل الخطأ تعاملت مع الكتل المصمتة باعتبارها أكثر قوة، وتتمتع بالشفافية أيضاً، ومع الوقت والتجريب أدركت أن لكل خامة صفات يجب أن تعرفها وتحترمها قبل التعامل معها. طبيعة البازلت قاتمة وقوية لا تقبل الإضافة، وعندما تحذف يجب أن تكون أخذت القرار النهائى، لأن لا مجال للرجوع فيه، والغرانيت عنيد ما دمت لا تعرف أسراره وطبيعة تكوينه، وللبرونز رونق خاص يكون غالباً لشكل صُنع من الطين المرن الذى يقبل الإضافة والحذف، ولكن أيضاً ينبغى أن تعرف طبيعته، وكيف تحافظ على مرونته، لأنه يجفّ ويتشفق وربما ينكسر. الجبس بدوره يصبح عندما يجفّ كالحجر السهل الذى تستطيع تشكيله، ولكنه أيضاً يحمل صفات الطين، إذ يقبل الحذف والإضافة. أما البوليستر فمادة مصنعة وهى أيضاً بديل لنموذج صنع فعلاً، فضلاً عن أنها خفيفة تقبل الصدمات، ورخيصة مقارنة بالبرونز. عموماً، لكل خامة صفات وملامح وأدوات وطريقة تشكيل، ويبقى أن فكرة العمل هى ما يقرر الخامة.
- ما التحدى الصعب الذى يواجهك كنحاتة؟
- كيفية صياغة الفراغ داخل أعمالى النحتية، وأن يكون منحوتاً كما الكتلة، وأن تكون العلاقة بينهما متناغمة ومتزنة، فتتعايش الكتلة الشفافة مع المعتمة فى علاقات مختلفة.
- ماذا عن أبرز أعمالك المشاركة في معرض `نور الشكل`؟
- أبرز أعمالى فى معرض `نور الشكل` تمثال جالس لامرأة فى وضع `ماعت`، وتعنى العدالة عند المصرى القديم، ولكن ببورتريه معاصر وبشعر حر يطير، وجسد شفاف مضىء يرمز إلى النورانية، ورأس بلون البشرة الطبيعى، ما يؤكد حالة الإنسان، برأس حر وجسد منير.
- القوة الكامنة
- تتعدد الموضوعات فى معرضك، فما السبب؟ وما هى الفلسفة التى تسعين إليها من تنوع الخامات والتقنية والأحجام؟
- أميل إلى الموضوعات الميتافيزيقية منذ كنت طفلة أبحث عن القوى الكامنة وراء الطبيعة التى تؤثر فى حياتنا، وكنت أفكر دائماً فى ما يحدث للإنسان بعد الموت، وما هو مصيره، وكيف تشكلت بدايات الحياة الأولى منذ بدء الخليقة؟ وبحثت كثيراً فى الديانات السماوية وغير السماوية كافة، وفي الأساطير والحكايات والفلسفات المرتبطة بذلك، محاولة إيجاد أبعاد تشكيلية لها معايير خاصة بى وبرؤيتى لها.
- قدمت أعمال تجهيز لفتت الأنظار حدثينا عن أبرزها.
- كان عملى التجهيزى الأول عن `البعث والخلود`، جاء بين مجالات النحت والعمارة والرسم، وكان شفافاً كالماء يبدو كأنه موجود وغير موجود، عبارة عن دوامة كبيرة على شكل حلزون يدخل فيها المشاهد وكأنه فى حالة طواف فى مسار دائرى، وكلما تعمّق فى العمل تظهر رسالة مرسومة خطية ولكنها غير مكتملة وعندما يدخل المسار الثانى، يتراكب الجزء غير المكتمل على جزء جديد يكمِّله، وعندما يدخل المسار الثالث تظهر الرسالة كاملة متراكبة على بعضها بعضاً وتظهر غرفة دائرية فيها تمثال زجاجى فى وضع أفقى معلق من السقف فى مستوى نظر المشاهد، فمن ينظر إلى أعلى يرى تمثالاً زجاجياً يصغر تدريجاً في وضع أفقي حتى يتحول إلى كريستالة أو مجموعة من الكور الزجاجية الكثيرة فى سقف العمل، وهى مرحلة الخلود أو الصعود العلوى وارتبطت الرموز الموجودة فى العمل برمز مصرى قديم وقبطى وإسلامى، وتؤكد مرحلة والصعود.
- أما العمل الثانى فهو `الذهاب إلى السماء`، فى مجالى النحت والعمارة، حيث اتخذت النسب والمقاييس الخاصة بهرم سقارة ونفذت بشكل أصغر وشطرت الجزء العلوى بطائر معلق فى سقف قصر الفنون فى الأوبرا، وأخرجت منه تماثيل شفافة كثيرة ناشدة السماء أيضاً. نفذت العمل نفسه مجدداً، ولكن أخذت المقاييس والنسب الخاصة بهرم خوفو بشكل أصغر وشطرت الجزء العلوى لتخرج منه تماثيل زجاجية شفافة مع فتحات فى قاعدة الهرم على شبكية هندسية يخرج منها ضوء ليزر. والعمل كله من خامة الزجاج والفولاذ المقاوم للصدأ، واقتنته مكتبة الإسكندرية.
- ماذا عن `رحمته سبقت عدله`؟
- `رحمته سبقت عدله` عبارة عن مشهد الحساب الذى تتضمنه بردية وجدت فى كتاب الموتى ورُسم فيها لحظة وزن القلب فى كفة مع ريشة ماعت فى الكفة الأخرى رسمت المشهد كبيراً بخامات النحاس والأكريليك والزجاج، ولم يحتو على أى لون غير النحاس الذهبى لقدسيته فى الديانات كافة فى الأعلى، وضعت مجموعة من التماثيل الزجاجية الشفافة متراصة منتظرة الحساب، وفى أسفل الميزان تلتف قاعدته بقماش أخضر سندس من الحرير، الذى يوجد على أضرحة الأولياء وهو رمز للجنة. أما أمام الميزان فوضعت قماشاً من الكتان يرمز إلى الكفن. كذلك لعبت الإضاءة أسفل قاعدة الميزان كرمز للنورانية، والكفة التى تحمل ريشة ماعت أطول من تلك التى تحتوى القلب. وعندما عُدت إلى الأسطورة، وجدتها تقول إن صاحب القلب الملىء بالآثام تكون كفته ثقيلة، والرسالة التى أراد أن يقولها لنا المصرى القديم إن الله يحاسبنا برحمته لا بعدله.
- نسب وتناسب
- ماذا عن اتجاهك إلى النحت بخامات الغرانيت والبازلت والزجاج وتقديمك بعض الأساطير؟
- قدمت بهذه الخامات أعمالاً تجريدية قائمة على استخلاص دراسات من النسب والعلوم الرياضية المقدسة الخاصة بالمصري القديم والتي تحوّلت إلى رموز تلعب فيها الموسيقى الشكلية وتؤثر في السلام النفسى والبدنى للإنسان استخلصت الشكل لأحوله إلى شبكيته الأولى، وبنيت عليه بقوانينه نفسها، وأحياناً غيّرتها لأضيف إليها بعض الحيوية انتقلت لاحقاً إلى مرحلة نحت شخوص الأساطير برؤيتى الخاصة، محاولة معايشتها مع الحاضر مثل `نوى`، تلك المرأة المتكورة على نفسها فى شكل بيضة، إذ ترمز إلى بداية الكون وتكوينه، كذلك صغت `إيزيس` فى تمثالين مختلفين، واحدة تضع حورس على رأسها كما هى الحال مع تمثال خفرع فى المتحف المصرى القديم، والأخرى امرأة على شكل قارب وفى الوقت نفسه هى عروس النيل أو البحر ذيلها هو شراعها، وتمثال `عندما تلعب نوت` لامرأة تمارس لعبة صعبة من الجمباز، وفى الوقت نفسه تحافظ على اتزانها فى الهواء.
الفكرة والتحدى
- يكمن التحدى لدى الفنانة حورية السيد في صياغة ما يجول في خاطرها فى جملة نحتية. تقول فى هذا المجال: `عندما أفكر فى عمل جديد يظهر لى فى البداية كطيف أو حلم اقترب منه أكثر وأكثر محاولة تجسيده فى عمل فنى، سواء كان نحتاً أو تجهيزاً. من ثم، أحاول جمع المعلومات والحكايات والأساطير كافة التى ارتبطت به وأرسم مجموعة من الإسكتشات التى تصور بعض ملامحه، أو أنجز نموذجاً أو أكثر أحياناً، ثم أبدأ فى العمل نفسه محددة له الخامة والأبعاد والأدوات التى استخدمها`.
- تتابع: `العمل الفني بالنسبة إلي فكرة تأتي في لحظة، ولكن تحتاج إلى وقت طويل لدراستها، ومعرفة كيف تتشكل لأشرع في تنفيذها. حتى في مراحل التنفيذ ربما تأتي تداعيات لتغيِّر بعض الخطوات أو الملامح، فأبدأ فوراً بتغييرها حتى لو كانت المراحل السابقة أخذت مني وقتاً ومجهوداً، فكل ما يهمني خروج العمل بالشكل الذى نقرره معاً أنا وهو`.
بقلم : سماح عبد السلام
الجريدة الكويتية 18-7-2017
|