حول رؤية الفنان - السيرة الذاتية - قطاع الفنون التشكيلية

- ( إذا كان الرجل يمشى على الأرض فذلك ليس هو الكاريكاتير حيث يبدأ الكاريكاتير عندما يمشى على الحائط ورسام الكاريكاتير الجيد هو القادر على رسم أى شئ فى الدنيا لأن مخزونة الذهنى والبصرى يستوعب آلاف المرئيات من وجوه ونباتات وحيوانات وبيوت).
-هكذا يقول فنان الكاريكاتير حسن حاكم ابن مصر والسودان والفيلسوف الساخر بالخطوط والمساحات والفكرة الذكية اللماحة والتى تأتى دون تعليق فى معظم الأوقات لا تعتمد على كلمات وتعد أشبه بالبرق السريع تحتج إلى التأمل والتفكير.
* ريف أنشاص :
- حسن حاكم فنان مصرى من أصل سودانى ولد فى أنشاص فى إحدى قرى محافظة الشرقية سنة 1929 وأحب ريفها وامتلأ بخضرتها كما تأمل شخصياتها من الفلاحين فى الحقول والفلاحات الجالسات عل الأبواب ساعة العصارى ودنيا الناس فى الأسواق ومشاهد الموالد الشعبية والأفراح كان والده ضابطا فى الحرس الملكى بقصر الملك وعاش حاكم طفولته وسط عدد من أبناء العاملين فى الخاصة الملكية من بينهم الشاعر السودانى جيلى عبد الرحمن الذى وهب حياته للشعر والحرية والكاتب المسرحى والقصاص فاروق منيب صاحب المطرود وعابرو السبيل .
- وكان لقاء هؤلاء الثلاثة من الطفولة إلى المرحلة الثانوية فرصة كبيرة تعرفوا فيها على الأدب الثورى الجديد وعلى أفكار العدالة الاجتماعية ومجابهة مظالم الإقطاع وحقوق الفلاحين التى كانت تضيع سدى.
- وعند حصول حاكم على `التوجيهية` الثانوية العام انتقل مع أسرته ليدرس الفنون الجميلة بعد أن ظهرت موهبته فى الرسم مثلما انتقل أيضا صديقاه للدراسة الجامعية فى العاصمة وأصبح بيت أسرة حاكم بضاحية عين شمس بمثابة بيت العيلة يلتقى فيه الرسامين والكتاب والسياسيين والفنانين .
وتخرج حاكم من كلية الفنون الجميلة عام 1958وقبل أن يتخرج كان قد دخل مجال الصحافة وأصبحت خطوطه معروفة على صفحات المساء التى صدرت عام 1956 مع مجلات دار الهلال .
-فهو يقول كنا ثلاثتنا فاروق منيب وجيلى عبد الرحمن وأنا التحقنا بجريدة المساء فى عهد الأستاذ خالد محى الدين وكنا نحلم كان حلمنا بعد سنوات الشتات والهجرة أن نقضى شيخوخة هادئة نسترجع فيها سنوات الكفاح والعطاء ومراحل الصبا والشباب .
- وكانت بدايته فى الصحافة فى مجلة كان يصدرها أحد الوفديين اسمها النداء لكن صاحب المجلة لم تعجبه رسومه فتركها ولكنه التقى بصاحب دار الهلال المرحوم أميل زيدان حاملا رسومه عن طريق أحد الأشخاص الذى أعطاه الفرصة ليرسم فى مجلات الدار : المصور والاثنين والدنيا وحواء والكواكب وميكى وسمير...وقد سانده كثيرا فى ذلك الوقت الفنانان الكبيران حسن فؤاد وجمال كامل .
- شارك حسن حاكم فى أو عمل سينمائى مصرى `تيتى ورشوان ` مع الفنانين مصطفى حسين وعبد الحليم البرجينى ويتناول هذا العمل فن رسوم الكارتون فى السينما المصرية وقد انتجته مؤسسة السينما بإشراف المخرج السينمائى الراحل أحمد بدر خان عام 1957 وكان يدور حول أحد مشاغبات أحد التماثيل فى المعابد المصرية فى صورة خيالية حيث ينشط هذا التمثال بالنهار ويشاغب حارس المعبد ثم يعود لصورته كتمثال فى المساء .
- وكان حاكم أحد المؤسسين لمجلة كروان وهى مجلة أطفال صدرت أسبوعية عن دار التحرير للطبع والنشر فى يناير عام 1964برئاسة تحرير نعمان عاشور وإشراف فنى مصطفى رمزى بشعار مجلة البنات والصبيان وكان من بين رساميها الأساسيين مع حاكم اللباد ونبيل تاج وهبة عنايت ومجدى نجيب وبهجت ومصطفى رمزى .
- كان الهدف منها أن تكون عربية الطابع والشخصية لكنها لم تعش طويلا .
*هو ومجلة العربى :
- فى عام 1964 قرر الموافقة على عرض زميله السابق فى دار الهلال المرحوم حسنى زكى أحد مؤسسى مجلة حواء للعمل بالكويت فى مجلة العربى وعاش هناك ولمدة 28 سنة وكانت إقامته هناك فترة من النشاط المتدفق قام فيها بالاشتراك فى العديد من المعارض الدولية وفاز فى معرض صوفيا برس باعتباره واحدا من أفضل رسامى العالم .
- وعاد إلى مصر بعد الغزو العراقى على الكويت وفى القاهرة ساعد فى إصدار مجلة كاريكاتير المصرية فى إصدارها الأول بعد عودته بعام وعمل فيها كرسام ومستشار فنى .
- وكان له دور كبير فى تشجيع شباب الكاريكاتير فقد قدم الفنان الراحل سامى بديوى والفنان سمير عبد الغنى وغيرهم لأول مرة عبر صفحات هذه المجلة رسوم دون كلام فى رسوم حسن حاكم الكاريكاتيرية نعيش لحظات من التأمل مع رشاقة خطوطه وانسيابها وتألقها وهى تعكس لعالم من البراءة والتلقائية فيها شفافية الروح خاصة ومعظم شخوصه يحملون فى تعبيراتهم الطيبة والمرح وهى شخوص متصالحة مع ما حولها وهو يلجأ إلى المفارقة الذكية كأن نرى شخصين حفاة من ملابس رثة ممزقة يلتقيان بعد غيبة يقول أحدهما للآخر أنت فين يا باشا ويقدم شخص لآخر جيبى بنطلونه بعد أن يكون قصها بالمقص قائلا تشترى جيوب تحط فيها فلوس؟!!
- وفى مفارقة أخرى نرى بطل رفع الأثقال محمولا على كتفه صديقه الذى يحمله مع الحديد وسط تهليل وعلامة النصر لثلاثة أشخاص !! .
- ونطل على أحد الرسوم التى نرى فيها أسرة الأب والأم والابن كل يحمل بندقية فى مطاردة ذبابة طائرة فى الهواء .
- ويقول الزوج الفقير المعدم لزوجته داخل محل نجف مشيرا إلى نجفة ضخمة إيه رأيك نشترى دى للأولاد يذاكروا عليها ؟!!
- وربما تصل المفارقة إلى ذروتها حين يصعد شخص إلى رأس تمثال فرعونى ضخم على سلم حاملا بندقية مصوبها إلى رأسه قائلا له قوم قدامى !!
- واكتفى حاكم فى رسومه الأخيرة بدون تعليق خاصة وهو يقول لا يهم أن تفهموا ما أرسمه وإن كان الناس قد يفهمونه بعدد وقت فالرسام يموت ولكن يظل ما يتركه مؤثرا لفترة طويلة والحقيقة حكاية عدم التعليق على رسوماتى تعلمتها من الفلاحين أيام الملكية كنت أراهم يقولون رأيهم فى الملك دون كلام ودون صوت فقط بالحركة وحركة الشفاه ومع ذلك كنت ألمس بيدى البلاغة الشديدة فى رأيهم .
- وليس أجمل من أن نرى شخصا حافيا يدع قدمه العارية على القدم الخشبية أمام ماسح الأحذية والاثنان يضحكان !.
- ونرى خروفين واقفين وسيدة تقوم بعمل بلوفر بالتريكو من فروة أحدهما مباشرة حيث يبدو جزء من جسده العارى من الصوف وهو ما أخذه البلوفر!!.
- العجيب أن فنانا حاكم طرق الأهرامات فى رسوم عديدة هل كان يدرى أنه سوف يجئ يوم ويسخر منه البعض بل ويأتى أحدهم ويطالب بإزالتها وهو هنا كأنه يقدم رسالة يقول فيها احذروا القادم الكاريكاتير ليس مجرد سخرية ولكن قد يكون واقعا وحقيقة غير أن الفارق هنا أن حاكم يصور افتتان الأجانب بها.
فى أحد الرسوم نرى أحد الأهرامات بلا قمة أو رأس بينما نرى شخصين خواجة وشخص يسير وراءه يحمل له تلك الرأس المقطوعة !! وفى رسمة أخرى نرى شخص يحمل الأهرام أما اثنين من الخواجات فى محاولة لتهريبه كما نرى اثنين من الأهرامات الثلاثة اختفى أحدهما ويعاين ذلك أحد الحراس ونرى الهرم الأكبر قطعت رأسه المثلثة بالسكين ووضعت بجواره ويقول حارس لآخر .. وهربوا !!
* نفيسة ومرسى :
- أما عن الثنائى نفيسة ومرسى والذى قدمه حسن حاكم فى سلسلة من الرسوم بمثابة دفتر أحوال الحياة اليومية لهما فقد وصل بها إلى ذروة السخرية والروح الإنسانية هما زوجان مسنان متهالكان مرسى قانع بحالة مستسلم لشيخوخته يجلس أغلب الوقت أمام التليفزيون أما نفيسة مازالت تحلم بعودة الماضى وأن تسترجع حياتها وحيوتها معه مرة أخرى لذا فهى تسخر منه عادة من سلبيته معها تقول له مرة فى أحد الرسوم الصيف بيجى يا مرسى تقولى فى الشتا.. والشتا يجى تقولى فى الصيف !! وتقول له فى رسم آخر طيب خلى التليفزيون ينفعك !!
- وهكذا يستمر الحوار السلبى بينهما بلا فائدة وكان حاكم يقول إنه لا عودة لما كان رغم مكابرة النفيسة نفيسة وعايزنا زى زمان قول الزمان ارجع يا زمان .
يقول الفنان مصطفى حسين عن صديقه حسن حاكم : لقد بدأت رؤيته للعالم ولكل ما حلوه تتكثف وتتعمق وأخذ يتحرر بجرأة شديدة من الناحية الفنية من الخوف والجمود والقوالب المحفوظة وأطلق لخياله العنان بلا حدود إما مشاغبا أو ساخرا أو ممارسا للعبث واتسمت رسومه فى الفترة الأخيرة من حياته خصوصا بالجنوح إلى الرمز والعجيب أن المتلقى لا يمتلك إلا أن يحب شخوصه فى كل الأحوال.
- ويأتى التقدير والاعتراف بدوره وفنه فيحصل حاكم على جائزة مصطفى أمين لأحسن رسام كاريكاتير عام 1992 وأثناء المعرض الدولى الذى نظمه اتحاد منظمات الكاريكاتير `فيكو ` بمصر عام 1996 نظم الفنان محمد عفت أمسية وصف فيها رئيس الاتحاد حاكم بأنه يوازى أهرامات مصر وأنه واحد من احسن رسامى العالم وشارك فناننا فى معرض `مصر الفرعونية ` عام 1997 بقاعة الهناجر بدار الأوبرا .
- وفى عام 1998 رحل عن عالمنا بعد أن ترك ثروة تعبيرية فى فن الكاريكاتير هذا الفن المشاكس .
- وحسن حاكم هو الأخ الأكبر للفنان محمد حاكم الذى لا يقل عنه موهبة وفنا والذى تألقت رسومه بمجلات روزاليوسف ويرسم بصحف مصرية عديدة..
وابنته الفنانة الشابة الموهوبة رباب حسن حاكم رسامة الأطفال المتميزة وصاحبة التجارب وورش العمل مع الأطفال لعل أهمها ما قدمته مع أطفال الشوارع بالمشاركة مع السيناريست جمال صدقى والفنان أحمد أسامة والمصور روجيه أنيس وجاء فى معرض كنا فى الميدان بمثابة شهادة من البراءة والنقاء بالرسوم على الثورة مع هؤلاء الأطفال .
- تحية إلى روح حسن حاكم الفنان خفيف الظل مبدع الرسوم التى عبرت بحق عن واقع الإنسان المعاصر وجسدت وجدان مصر .