`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
عبد السميع عبد الله
عبد السميع.. عندما تجلجل ضحكته تولد رسوماته
- قبيل الثورة تفجرت موهبة عبد السميع على صفحات روزاليوسف فى الحملة السافرة على القصر والفساد فكانت ريشته جديدة تماماً على الصحافة المصرية ..أبرز مايميزها الحركة فتكاد تشعر وأنت تنظر إلى الرسم أن الأشخاص يتحركون وأنك تسمع صوتهم .. وكان أول رسام كاريكاتير فى تاريخ الصحافة المصرية الذى يفكر لنفسه .. ففى البدء كان هناك رؤساء التحرير والمحررون الذين يضعون الفكرة التى يرسمها الرسام ، ولكن عبد السميع كان هو صانع شخصياته ، وصاحب أفكاره ، وعندما بدأت حياتى الصحفية فى ( روزاليوسف ) كانت ضحكته المجلجلة الخارجة من صميم القلب المدوية فى المجلة معناها مولد فكرة جديدة ، وبعد قيام الثورة واصل عبد السميع عمله بالنجاح نفسه ، فمهمة رسام الكاريكاتير سهلة حين يكون معارضاً ويسخر من النظام القائم وتصبح صعبة حين يكون مؤيداً لنظام الحكم ، وكان عبد السميع معادياً للإنجليز والقصر والأحزاب القديمة، وكان سعيداً بالثورة لكنه استطاع أن يكون ناقداً لها ، وابتكر شخصيات جديدة ، قبل الثورة مثلاً كان يرسم فى الصورة حذاء ضخماً صار يرمز للملك ، والشيخ متلوف يرمز للمنافقين وشهود الزور ، وبعد الثورة ابتكر سلسلة فى حديقة الحيوانات فإستطاع أن يستخدم رموزها الكثيرة : الأسد والنمر والثعلب ...إلخ فى نقد الثورة ورجالها فى المجالات التى تستحق النقد وعندما فرضت الرقابة ، كان كل رقيب يغير بعد أسبوع لأن الكاريكاتير استطاع أن ينفذ من رقابته ويصل للقارىء..
- كان الرسم هوايته وعندما أصبح حرفته وعمله جعل الكتابة هوايته، يصحبنى فى بيته من جدار إلى جدار حيث تحتشد لوحاته التشكيلية التكعيبية والتجريدية التى يغلب عليها اللونان البرتقالى والأزرق ، ويشد انتباهى إلى لوحة تكعيبية مأخوذة من جلسة زوجته وهى تحيك ثوباً لها .
- أعجزه مرض السكر ، بعد لوحته الأخيرة لوجه زوجته السيدة العظيمة ، عن أداء جهد الرسم فانصرف بكل طاقاته إلى ( الكتابة ) تلك الهواية التى كانت قد أثمرت مجموعات من القصص القصيرة من بينها مجموعة ( الجدار ) أصدرها عام 1979 ، لوحات قلمية لوجوه شخصيات منسية فى فى الريف أو قاع المدينة ، يتناولها بحنان يهش للخير فيها ويبتسم فى عفو عن شرها ، متفهماً لدوافع الخطأ والخطايا ، يصطاد توهج الحلم ويفصد التجاذب بين اليأس الدافع إلى الشر والأمل الواعد بالخير ، عينه عين واصفة تنزلق من السماء إلى الأرض وتنسحب جائلة من الخارج إلى أركان البيوت ترصد اللفتة والحركة وتسجل دقة القلب ووسوسة الصدر واختلاجات الأفكار موظفاً براعة الفنان التشكيلى مع بسمة الكاريكاتيرى اللاذعة ووراء كل ذلك رؤية شفت روحه النبيلة .
- فى إعتكاف مرضه أنهى عام 1984 ، دراما تليفزيونية عن ابن خلدون ، استكمالاً لثمار هوايته ( الكتابة ) التى كان منها مسرحيات ( البركة ) ، ( شهر زاد ) ، ( والمتنبى يجد وظيفة ) ، ( وأبو رجل ذهب ) و ( جسر الخوف ) ، ومجموعة قصصه ( عصافير ) ، ( السلسله ) .
- كثير وقيم وخصب كان عطاؤه الفنى والأدبى ، لكن أعظم عطاء له كانت نفسه الجميلة وأحاديثه الثقافية التلقائيه التى لم يسجلها للأسف.
طيب الله ثراه ..
أحمد بهاء الدين
جريدة الأهرام يناير 1987
عبد السميع المشاغب الفيلسوف
- لقد كان سعيداً بالثورة .. ولكنه استطاع أن يكون ناقداً لها .. واعتز بحرية رأيه فى كل المناسبات والعصور،،
- لا أجد فى الكتابة، عن رسام الكاريكاتير العملاق، عبد السميع (1916 - 1986)، صعوبة الخجل التقليدية، التى تعترى ذوى الصلة الشخصية، عندما يطرحون آراءهم شفاهة أو كتابة، فيمن ينتسبون إليهم، بعلاقة قربى، أو صداقة، وربما - مجرد - معرفة.
- فعبد السميع، بالنسبة لى- إذا أذنتم فى هذا المدخل الشخصى - كان رمزاً يتجاوز - بكثير- تأثير شلال أبوته الدافق، وكان معنى يعبر- باستمرار - أسوار رعايته الغامرة، التى أمعنت - ربما بتفصيل مدهش - بناء، وهندسة، تكوينى العقلى، والإبداعى.
- فلقد كان الرجل - دائماً - مساحة مشتركة بينى، وبين الناس، ليس - فقط - لأنه اختصنى، منذ نعومة أظافرى، بتحميل جهازى النفسى، والشعورى، بترسانة آرائه، فى شئون البلد، ورؤاه فى هموم الشعب، وليس - فقط - لأننى وجدت نفسى - بتأثير تلك الحمولة - أخوض غمار مسار علمى، ومهنى، جعلنى جزءاً من الساحة الصحفية، المشدودة إلى الناس، بعلاقة، تبادلية، يومية، نشطة، ربما كان الكاريكاتير أهم عناصرها .
- وإنما لأن ذلك الارتباط بين عبد السميع والناس، لم يك علاقة من طرف واحد، كتلك التى تربط الكثير من رموز، ونجوم النخب السياسية، والفنية، بهم .
- بل كان ارتباطاً من طرفين، يتجاوب فيه الناس، مع ذلك الحضور الطاغى، لروح التحريض الباسلة، التى حفلت بها رسوم عبد السميع - فى مناسبات وطنية مفصلية- وكأنهم أعطوها ثقتهم المطلقة، فأصبحت تحمل خاتم الاعتراف العام، بأنها معبرة عن رأى الشعب، وأن الريشة المقاتلة، التى رسمت خطوطها كانت: `من صميم الشعب`.. (ذلك الوصف الذى لم يجد إحسان عبد القدوس، بديلاً له، حين خط مقالاً شهيراً عن عبد السميع).
- بهذا المعنى يختلط الخاص بالعام، والشخصى بالوطنى، عندما أكتب عن عبد السميع، فأشعر، وكأن يداً، قد نزعت عنى، حجب الخجل الناجم عن علاقتى الشخصية به، ودفعتنى نحو محاولة تخطى الصعوبة الحقيقية، فى الكتابة عنه، ألا وهى شمولية، وتعقيد الظاهرة السياسية/ الفنية التى يمثلها.
- فنحن - قولاً واحداً - أمام رسام أسس لسابقتين فى تاريخ الكاريكاتير المصري هما:
- الالتزام السياسى للرسام.
- التوحد بين الرسام والفكرة
- فقبل عبد السميع، كان بعض الرسامين، يرسم فى عشر صحف، ومجلات، متناقضة الاتجاهات، متقاطعة السياسات، ويتبنى فى رسومه إلى كل منهم، ما يتوافق مع رغبات المطبوع، بما اختزل دور الرسام - واقعياً - فى وظيفة (المؤدى)! - ولكن الفلاح، المعتز بريفيته، وقف يحاج إحسان عبد القدوس، حين طلبه للعمل فى روز اليوسف 1946، بعدما شاهد رسومه، فى جريدة `السوادى`..
- واشترط - وهو الرسام المغمور الذى يمارس الرسم كهواية إلى جوار عمله فى مصلحة المساحة - ألا يهاجم الوفد، لمجرد كون هذا الهجوم من سياسة روز اليوسف وقتها، بل ولم يعمد إلى الانتقاص من الوفد - أبداً - إلا بعدما تغيرت قناعاته ذاتياً، وأصبحت منظومة الأحزاب التقليدية كلها، هدفاً متكرراً لهجمات ريشته، ولأفكاره الضاحكة الصاخبة، وصار مصطفى باشا النحاس، وفؤاد باشا سراج الدين، يظهران فى رسومه، فى هيئة نجمى الفكاهة العالميين: لوريل وهاردى!
- إلى ذلك فإن الاشتراك الفعال لذلك الرسام، فى الحملات السياسية الكبرى لروز اليوسف، قبيل ثورة يوليو، ضد الفساد، والأسلحة الفاسدة، وأركان مثلث الحكم (الإنجليزى - السراى - الأحزاب التقليدية القديمة)، جعل من رسومه كتيبة مدفعية متقدمة، تمهد الرأى العام، لحدث الثورة .
- ولكن استقلالية التوجه السياسى لعبد السميع، لم تجعله - أبداً - أحد قارعى الطبول للنظام الجديد، بمبرر، أو من دون سبب .
- وإنما اخترع الصيغة التى تمكنه من انتقاد نظام الثورة، فى إطار من الارتباط بها، وهو ما أوجزه الأستاذ أحمد بهاء الدين فى أحد أعمدته الصحفية، بقوله : ` كان عبد السميع سعيداً بالثورة ، لكنه استطاع أن يكون ناقداً لها .. واعتز بحرية رأيه فى كل المناسبات والعصور `.
- ومن هنا كانت أزمة مارس 1954 مثلاً، ساحة مواجهة انتقادية بين ريشة عبد السميع، والنظام الجديد، عبر سلاسل رسوم ذاع، وشاع صيتها، عن ` النفاق فى حديقة الحيوان `، والتى تحركت ريشته - فيها - ببراعة، مستخدمة وسائط إقناع متنوعة، عمدت إلى اختراق سقوف الرقابة السياسية الضاغطة، ومنها الاسقاط، والرمز، والتشخيص، والاستدعاءات من حكايا ` دبشليم الملك وبيدبا الفيلسوف `.
- وربما تحرك الفنان فى هذا السياق بوعى مؤداه ، أن الكاريكاتير لا ينبغى، ولا يمكن أن يتحول إلى بوق تعبوى، وأنه إذا فقد خاصية القدرة على التحريض، والأستقلالية، التى تمكنه، من مناوشة، ووخز، من يريد عندما يريد، فإنه سيصبح أداة تغييب، تغرق الناس فى بحور من الضحك، أو تسحبهم من بؤرة أى أزمة، إلى حوافها، وتخوفها، مهمشة دورهم، ومختزلة إياه، فى الضحك المجرد، غير القابل، أن يتحول إلى طاقة للتغيير، أو أساس لبناء موقف .
- ولم يك إرساء مفهوم الالتزام السياسى عند عبد السميع ، لينفصل - البتة - عن موضوع توحد الرسام مع الفكرة، فقبل عبد السميع - كذلك - كان السائد فى تعامل أى مطبوع مع الرسام، هو أن يقوم رئيس التحرير، أو بعض محررى المطبوع، بإمداده بالأفكار ليرسمها، وقد أسس الأستاذ محمد التابعى لمدرسة فى الكاريكاتير، يعد هذا الأسلوب خاصيتها المميزة ، سواء فى روز اليوسف (عندما أسسها مع السيدة فاطمة اليوسف والأستاذ محمد على حماد)، أو فى آخر ساعة، وأخبار اليوم (حين أسس الأولى عام 1944)، فقد كان الرسامان، الأرمنى أليكس صاروخان، أو المصرى محمد عبد المنعم رخا، ينفذان أفكاره ، لسنوات طويلة، أو كان رخا (منفرداً) ينفذ أفكار الأستاذ مصطفى أمين، ثم الأستاذ محمد عفيفى، والأستاذ مأمون الشناوى من مجلة ( الأثنين وصولاً إلى أخبار اليوم) .
- مدرسة أخبار اليوم
- بعبارة أخرى أصبح ذلك الأسلوب علامة على فهم أخبار اليوم للكاريكاتير الذى تواصل، حتى تلك الصيغة التى جمعت الأستاذ أحمد رجب، مع مصطفى حسين .
- وقد عبر رخا عن ذلك فى مقال منشور بمجلة الأثنين فى 23 أكتوبر 1944، بعنوان : ` كيف يفهمون الكاريكاتير ` فقال :` إن مصطفى أمين هو فابريقة أفكار رسوم كاريكاتيرية، نلتقى فيظل يتمشى فى حجرته واضعاً أصبعيه فى صديريته، ثم يملى علىَّ، وقد يعطينى فى خمس دقائق أفكاراً لخمس صور، ولا أدرى كيف عثر عليها `.
- أما صاروخان فيأكد ارتباط رسومه الكامل بمحمد التابعى، حتى فى طريقة دراسته لملامح بعض الشخصيات، توطئة للتعبير عنها بالبورتريه الكاريكاتيرى .
(حوار لأليكس صاروخان مع محمد أحمد عيسى فى جريدة الجمهورية بعنوان كلام بالكاريكاتير فى 30 سبتمبر 1971).
- مدرسة روز اليوسف
- أما المدرسة الثانية الكبرى فى تيار الكاريكاتير المصرى، فكانت مدرسة الأستاذ إحسان عبد القدوس، فى روز اليوسف، والتى بدأها معه عبد السميع، حين أصر - الأخير - على أن ينتج أفكاره بنفسه ثم يترجمها خطوطاً ومساحات على الورق .
- إذا كان اعتزاز الفلاح العمدة، برأيه، لا يتجزأ، لا ينفصل عن فكره، ولا ينبغى، أن يسلم دماغه، إلى آخر، أياً كان هذا الآخر، فقد كان اقراره بمبدأ الالتزام السياسى للرسام يعنى - ضمنياً - أن يقبل، أو يرفض، وفقاً لسياسة تحريره ، أو لسقوف حرية التعبير السائدة ، فى فترة بعينها، أو للمزاج الثقافى والاجتماعى السائد عند الناس .
- بل لقد كان يرى أن قبول الرسام لإملاء الفكرة عليه، يحدث - على المستوى الفنى - فصلاً سقيماً ومقيتاً، بين مضمون الرسم، وأسلوب التعبير المستخدم فيه، ويقترب به من الصيغة، التى بلورت نفسها، فى أكثر أشكالها وضوحاً، عند الأستاذ أحمد رجب، ومصطفى حسين، ألا وهى المقال الفكاهى، القصير، الذى يصاحبه رسم، والتى يحاول مصطفى حسين - الآن - التملص منها، لخلافه مع أحمد رجب، ليعود إلى صيغة الكاريكاتير الحقيقية، التى يوظف فيها قدراته الفنية الضخمة، توظيفا صحيحا ًغير أنه يواجه تعثراً، وصعوبة كبيرة، بعد أن تعود الجمهور على الشكل الذى كان يقدم له بوصفه (الكاريكاتير)، كما تعود على صيغة أخبار اليوم المهنية، بوصفها (الصحافة)، فيما لم يك ما يقدمه أحمد رجب ومصطفى حسين هو الكاريكاتير بالضبط، كما لم تك أخبار اليوم، هى الصحافة وحدها !!.
- كوميديا الموقف
- كانت رسوم عبد السميع، فى مدرسة إحسان عبد القدوس، مفعمة بالحرارة التعبيرية التى يولدها ذلك التوحد بين الفكرة والرسم، واستطاعت أن تخترع كوداً للتفاهم مع الجمهور، بحيث أصبح هذا الجمهور، قادراً على التقاط الرموز، والمعانى، حتى لو اضطر الرسام، إلى تمويهها، وإخفائها، تحت ضغط تراجيديا الحواجز السياسية والاجتماعية، متنوعة الدرجة والمستوى .
- ثم أن التوحد بين الفكرة والرسم، منح الكاريكاتير، فرصة مهمة لأن يلتصق بمفهوم كوميديا الموقف بأكثر مما يرتبط بكوميديا اللفظ ، إذ أن توهج التعبير، الناجم عن وحدة المنبع للفكرة والرسم، أديا - تلقائيا إلى إختصار التعبير بالكلم، ومن ثم الاقتراب شيئاً، فشيئاً من الرسوم بدون تعليق، التى تشارف معانى العالمية، والكونية، من دون صعوبات كبيرة، أو الرسم ذات التعليقات القصيرة، التى يمكن ترجمتها، أو استنباط معانيها، بيسر، لا ينزع عن الكاريكاتير، واحدة من أهم صفاته، وخصائصه، ألا وهى ` إنسانيته ` التى تعبر الحدود، والمسافات، وتتخطى الحواجز الثقافية، واللغوية .
- على أية حال، فإن نجوم الكاريكاتير الزاهرة، التى رصعت الحياة الصحفية، والسياسية فى مصر، بعد عبد السميع، وخرجت من عباءة صيغة (الرسام / المفكر)، كانت أكبر دليل، على صحة ذلك الأختيار : (صلاح جاهين - أحمد حجازى - جورج - بهجت عثمان - محيى الدين اللباد - ماهر داود - رجائى ونيس - إيهاب شاكر - نبيل السلمى - صلاح الليثى).
- وقد ملأت هذه الكوكبة المجيدة ، صفحات كل المطبوعات المصرية (جرائد ومجلات) برسوم، كانت تعبيراً مباشراً، عن رأى، وفكر، كل من هؤلاء المشاغبين الفلاسفة، والتى أصبحت - فى ذاتها - وثائق للتاريخ السياسى، والاجتماعى، لمصر، وعلامات طريقه، تحدد - بدقة - موقع ارتباط (الرسام / المفكر)، وانحيازاته السياسية، والاجتماعية .
- استقلاليته والتزامه
- إلى ذلك فإن تمسك عبد السميع باستقلاليته - مرة ثانية وثالثة - بعد قيام الثورة، واحتفاظه لنفسه، بالقدرة على نقدها، لم يُزل - أبداً - ارتباطه بالطروح الوطنية، والسياسية، والاجتماعية، للنظام الجديد، فإذا كانت رسوم عبد السميع - فى أبسط أوصافها - قبل الثورة هى رسوم (تحريضية)، فإن رسومه بعدها - فى أبسط أوصافها كذلك، هى رسوم (إصلاحية) وحين كان يشعر فى المرحلة الثانية من مراحل النظام الجديد (عصر السادات) أن قدرته على التعبير، أصبحت محدودة، كان يرتحل برسومه، من مطبوع إلى مطبوع (قومى أو حزبى ليس يهم، مجلة أو جريدة ليس يهم) بحثاً عن الحرية، والرسوم فى الهواء الطلق، وملاغاة الناس، وإيقاظهم، واستنفاذهم، من خدر النوم تحت الظلال الوارفة، لأشجار : العادى - والممكن - والواقعى !
- وربما كانت أفضل فترات عمل هذا الرسام والعمدة، هى التى أبدع فيها، مع رؤساء تحرير يرتبطون بروزاليوسف، ففى فترة رئاسة الأستاذ أحمد بهاء الدين للمصور، احتل الكاريكاتير مكانة متميزة، حتى أنه ظهر على غلاف المجلة لأول مرة منذ نشأتها، أو مع الأستاذ صلاح حافظ فى روز اليوسف، وكانت أكثر الفترات التى تعرضت فيها رسوم عبد السميع للمنع والتقييد هى فترة رئاسة تحرير الأستاذ يوسف السباعى، وفترتى تعامل الأستاذين مرسى الشافعى، وصبرى أبو المجد مع الكاريكاتير، فتوقف عبد السميع فى المصور عن تقديم الكاريكاتير المتعلق بالسياسة الخارجية، واكتفى بصفحة ملونة، بعنوان (بالألوان) تعرض فيها لقضايا محلية، كما توقف عبد السميع عند بلوغه السن القانونية، عن العمل مع صبرى أبو المجد، ولكنه عاد إلى المصور مع تولى الأستاذ مكرم محمد أحمد لرئاسة تحريره عام 1981.
- الفنان صاحب موقف
- كان يربط إسهامه الصحفى الفنى، بمدى اقتناعه بالعمل مع رئيس تحرير معين، ويتوقف إذا شعر أن تعامله مع رئيس تحرير - بالذات - سوف يفقد رسومه بعضاً من خصائصها السياسية .
- وربما كان فى ذلك تفسير كاف لترحال عبد السميع واسع النطاق بين المطبوعات المصرية فى العهد الثانى لنظام ثورة يوليو .
- فقد استقر- أولاً - فى روز اليوسف من 1946 إلى 1955، ثم انتقل إلى أخبار اليوم عام 1955 -1956، ولم يتواءم مع طبيعة الصحيفة أو مزاجها السياسى، على الرغم من أنها أفردت له ملحقاً ملوناً من صفحات أربع (أخبار الكاريكاتير) وامتلأت القاهرة عند انتقاله إليها، بأفيشات فى الشوارع (عبد السميع يرسم فى أخبار اليوم)، ومن أجل هذا قبل فوراً دعوة المرحوم صلاح سالم للرسم فى صحيفة الشعب، ومنها إلى الجمهورية جريدة الشعب حتى عام 1964، حين خرج ضمن الذين خرجوا فى مذبحة الصحفيين الأشهر إلى مؤسسة تعمير الصحارى، ورفض استلام عمله فيها، حتى طلب منه الأستاذ أحمد بهاء الدين أن يرسم فى المصور، ومجلات دار الهلال، وروز اليوسف (وقت إشراف الأستاذ بهاء المزدوج على الدارين). ثم رسم فى العدد الأسبوعى للجمهورية، مطلع السبعينيات، وقت رئاسة الأستاذ ممدوح رضا للتحرير، وكذلك فى جريدة السياسى، ورسم - كذلك - لفترات متفرقة، فى صحيفة الأهالى عندما أصدرها حزب التجمع التقدمى، وصحيفة الشعب لحزب العمل الاشتراكى .
- الجانب الفنى
- هذا عن الجانب السياسى فى مسيرة الفنان / العمدة، أما عن الجانب الفنى فقد استخدم أكبر عدد من الشخصيات، والرموز الثابتة لرسام مصرى، واشتمل رصيده على : ( الحذاء الملكى الذى يرمز للملك فاروق - لوريل وهاردى ` النحاس وسراج الدين` - غول الفساد - الشيح متلوف - النفاق فى حديقة الحيوان - البوليس النسائى - عنتر وهابيل ومكار وأبو الأفكار` شخصيات ثابتة لرسوم الأطفال - رجل الشارع - أبو جهل - الأستاذ حركات - الأستاذ بيروقراط - رجل الشارع العربى - الأستاذ مخلص - السلطان كحيان - المعلم ألبنده - الأستاذ مهروش ).
- وكان بعض هذه الشخصيات يرمز لظواهر مجتمعيه، أو لشرائح اجتماعية، والبعض الآخر ينسحب على شخصيات بعينها، مثل الحذاء الملكى الذى يشير إلى الملك فاروق (حين ظهرت صورة فوتوغرافية فى مجلة المصور يبدو فيها الملك فاروق يرتدى حذاء مفكوك الرباط، فالتقط عبد السميع هذه الصورة، وحولها إلى رمز كاريكاتيرى ثابت للملك)، وخلق ذلك الكود بينه وبين الجمهور حول الرمز، بحيث أصبح الحذاء يعنى عند القراء - مباشرة - حضرة صاحب الجلالة فاروق الأول، كما كانت شخصية أبو جهل تنسحب على الأديب الأستاذ إبراهيم الوردانى ( الذى كان قد كتب فى الجمهورية مقالاً قال فيه : ` إن الأدب اليونانى أدب عفاريت` فرد عليه د. طه حسين وكان رئيساً للتحرير قائلاً: ` هذا الإنسان رضى عن جهله، ورضى عنه جهله` وهنا فكر عبد السميع فى إبتكار شخصية (أبى جهل).
- كما كانت شخصية الشيخ متلوف تشير إلى أحد رجال الدين المشهورين، وأسمه على وزن متلوف / ومارس عبد السميع - عبرها، انتقاداً واسع النطاق للمؤسسة الدينية، ودخولها الزائد، فى كل مفردات الحياة الاجتماعية والثقافية للناس، كما هاجم المنحرفين من رجال الدين، مزدوجى المواقف والهوية .
- وقد يلزم أن نضع هامشاً - هنا - يشير إلى مستوى التسامح السائد فى مصر، فى الخمسينات، والذى كان يسمح بمثل هذا الوخز الانتقادى، من دون حساسيات، أو قرع طبول الحرب، أو استصدار صكوك النفى، أو العزل، أو التكفير، وربما وسع المجال - تلقائياً - أمام التفكير المنطلق، ومساحات الرماية الحرة بالسخرية والضحك.
- أما شخصية الأستاذ مخلص، فكانت ترمز إلى الرئيس أنور السادات نفسه، حين رأى الرسام أن حديث ` الوفاء ` عند الرئيس، لا يرقى إلى مرتبة الحقيقة، وأن نظرته إلى سلفه الرئيس عبد الناصر، كانت مشوبة بالكثير من التعقيدات، والتشابكات، التى تبتعد - كثيراً عن مفهوم الوفاء .
- محطات فنية
وعلى الجانب الفنى - كذلك - عمل عبد السميع على امتداد مسيرته الصحفية، والفنية ( أربعون عاما) إلى تغيير أسلوبه، خمس مرات متتالية، كالأتى:
- المرحلة الأولى: (روز اليوسف - أخبار اليوم - الشعب) واستمرت حتى
1959، وفيها استقرت شخصية الرسام بالرسم بخطوط عريضة بالفرشاة، أعطت رسومه إحساساً بالكتلة، وسخونة، وطبيعية فى الحركة.
- المرحلة الثانية : (الجمهورية) واستمرت حتى 1964، وفيها تأثر عبد
السميع باتجاهه إلى التصوير الزيتى (أقام ثلاثة معارض كبرى أعوام 1963 - 1966 - 1982) وعبر فيها الرسام عن الكتلة بخطوط رفيعة، مع عناية مقصودة وعمد إلى بعض التشويه المتناغم مع رؤاه فى التجريد والتكعيب، التى برزت فى رسومه التشكيلية.
- المرحلة الثالثة ` (المصور) حتى عام 1971، وفيها مال عبد السميع إلى
زيادة التفاصيل، والعناية بتأثير الظلال - مرة أخرى - مع ` التهشير` بسن الريشة.
- المرحلة الرابعة : (المصور والجمهورية) حتى عام 1978، وهى المرحلة
التى أبرز فيها وحشية ملامح شخوصه الكاريكاتورية واستخدم الخط المفرد، من دون ظلال، أو تهشير.
- المرحلة الخامسة : (السياسى والمصور) حتى 1984، وفيها اتجه إلى
التلخيص الكامل، والتعبيرية بأقل الخطوط سمكاً، وأكثرها بساطة.
- والواقع أن أسلوب عبد السميع الفنى لم يك يتطور على هذا النحو، تلبية لاحتياج داخلى ينزع إلى التغيير فحسب، ولكن هذا التغيير كان يأتى تجاوباً مع عناصر ثلاثة:
- أولاً : التغيير فى نوع الطباعة السائد، فاستغلال امكانات الطباعة بالروتوغرافور، أو بالأوفست، يختلف عن طبع الجرائد البارز، ومن ثم يعطى الفنان فرصة، لاستطعام الطعوم، وتجريب التجارب، والخوض فى لجة مغامرات فنية، لا يمكن الإحاطة بحدودها .
ثانياً : كان عبد السميع واحداً من أكثر فنانى الكاريكاتير فى مصر، تجاوباً مع التغييرات التى تطرأ - عالمياً - على شكل الكاريكاتير من ` كامينجز` إلى ` دافيدلو`، ومن` جيرالد سكارف ` إلى ` رالف ستيدمان` ومن ` شافال ` إلى ` تيم` ومن ` وليام ستيج ` إلى ` رونالد سيرل ` . وقد أسفر حواره الدائم والدؤوب مع تلك التغييرات، عن بناء رؤية جديدة فى عقله الإبداعى، تعمد إلى جعل وثائقه المرسومة - باستمرار - صورة عصرية، لا تحوى أشكالاً، قد لا تشبه الزمن الجديد، وربما أكمل هذا - من جانب آخر - نزوعه الأدبى المهم (أربع مجموعات قصصية ومسرحيتان) والذى أصبح عاملاً مضافاً، يعطى لغته المستخدمة فى الكاريكاتير، تلك المسحة، التى تشبه عصرها، بما جعل تجاوب الناس معه، أكثر سرعة، وتلقائية.
- ثالثاً : لما كانت رسوم الكاريكاتير هى وثائق لوصف العصر، فقد كان عبد السميع يضفى على أسلوبه - أحياناً - ما يحمل رأيه فى ذلك العصر، وليس غريباً - إذن أن يتنوع أسلوبه، فى السبعينات، ما بين (الوحشية) و(القتامة)
- لقد أسهمت عوامل ضغط مروعة، فى إزاحة ريشة عبد السميع المقاتلة، عن مجالها الطبيعى الحر، فى التعبير، والوخز، وإثارة عواصف الضحك والسخرية، ولدى ما يحملنى على الاعتقاد، أن تلك العوامل، قد أنهت - بطريق غير مباشر - حياة الرجل ذاتها، وبخاصة إذا أدرك أحدنا، حجم ذلك الارتباط العضوى، بين حياة عبد السميع، ورأيه .
- ولقد أسهمت ذات العوامل بدرجات متفاوتة - فى حصار ريشات مجيدة كثيرة، حتى ليخال المرء، أن الكاريكاتير قد حُددت إقامته، وراء أسوار، وقضبان التسلط، والغلاظة، وعدم التسامح، وتفكيك الخواص الطبيعية للبلد، وللشعب ومناخ السوداوية، والعدوانية، والادعاء، الذى ظلــل الجميع .
- وليس غريباً - إذن - أن تتساقط أوراق الشجرة السامية، للمشاغبين الفلاسفة، احتجاجاً، أو اكتئاباً، أو اعتدالاً، أو رحيلاً، فيما تفسح الساحات، لصيغ بديلة تعتمد (التنفيس) لرسوم (التحريض) فى حديثها إلى الناس، أو تنزع إلى (التنظير) لرسوم الكاريكاتير فى الندوات والتليفزيون، فيما هى غير ذات علاقة بالانتماء أو الانتساب، سوى إلى تلك الرغبة المستعرة فى إعادة كتابة تاريخ أكبر الفنون شعبية وديموقراطية، علها تفتعل لنفسها مكاناً لا تستحقه .
بقلم : د. عمرو عبد السميع
مجلة الهلال : ديسمبر 2003
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث