`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
سمير رافع محمد
طليعه الفنانين.. فى سنوات الغضب
- سمير رافع رسام ملون ملهم متفتح الذهن والقلب. ظهر فى حركتنا الفنية فى منتصف الاربعينيات واختفى من سمائها سريعا كالشهاب فى مطلع الخمسينات، تاركا وراءه شريطا من الضوء على طريق الفن المصرى الحديث .
- كان فى طليعة الطليعة التى قادت افكار الشباب ومشاعرهم فى سنوات الغضب و التمرد و الرغبة العارمة فى التغيير ، بعد الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1952 .
- أودع ` سمير رافع ` هذا المضمون الراقى.. المشع .. الملتهب جميع لوحاتة مهما اختلفت عناصرها وتكويناتها المبتكرة وموضوعاتها الميتافيزيقة.
- تعتبر اعماله من كلاسيكيات الفن المصرى الحديث. اما هو فيمثل الحركة التالية لجيل الرواد المعروفين : سعيد وناجى وكامل وعياد. ولوحاته التى ابدعها فى صدر شبابه منذ قرابه الخمسة و الثلاثين عاما، مازالت صامدة للزمن، تسترعى انتباهنا وتثير اعجابنا وافكارنا وخيالنا.. وتخاطب فى نفوسنا شيئا أزليا.
-انها تزداد بالقدم تالقا واشعاعا، كروائع الشعر والأدب والموسيقى: كاشعار المتنبى.. وروايات شكسبير .. وسيمفونيات بتهوفن ..

مختار العطار
القاهرة - نوفمبر 1987
رحل وحيدا فى باريس .. ويعد من رواد الموجه الثانية فى الفن التشكيلى المصرى
- من يشاهد المعرض المقام فى `قاعة بيكاسو` فى ضاحية الزمالك بالعاصمة المصرية، يعتقد للوهلة الأولى أنه أمام تجربة حديثة من الأعمال الفنية التشكيلية المحفزة على التفكير والتخيل والاستمتاع بالفوارق الهشة بين مفردات المادة والروح والإنسان والحيوان والنبات. إنه معرض الفنان المصري سمير رافع، الذي تغرب في أوروبا قبل أن يلقى نحبه قبل نحو خمس سنوات. وحين تكتشف أن تجربته الغنية التى تعود لما قبل منتصف القرن الماضى، ما زالت قادرة على الصمود والمنافسة، تتملكك رغبة، ليس فقط لمشاهدة المعرض من جديد، بل لمعرفة الكثير عن هذا الفنان الغني والمستغنى، الذى كان عازفا بطبعه عن الشهرة والأضواء .
- ومن النادر فى البلاد العربية أن يقتفى المتذوقون للفن أعمال فنان بعينه، إذ اعتاد غالبية الناس التعامل مع ما هو موجود أمامهم من أعمال، وما تلقى به مقادير المعارض التشكيلية الكثيرة المنتشرة فى القاهرة. لكن بالنسبة إلى أعمال الفنان سمير رافع، فإن الوضع يبدو مختلفا، وكأن هذا الفنان أصبح على موعد من مرحلة جديدة من الشهرة وإثارة الجدل، بعد موته. وما يثير الشجون فى أعماله المتنوعة بألوانها وتعبيراتها الخلابة، تلك الظلال التى تأتى من سيرته الذاتية، حيث عاش غريبا في بلاد الأغراب. فرغم أنه من أهم مؤسسى حركة الفن التشكيلى المصرى الحديث، فإن سمير رافع اختار لنفسه الغربة، وأمضى فترة كبيرة من أخريات حياته فى اقتفاء أثر كبار الفنانين العالميين، بل التقى الكثير منهم وجها لوجه، وتدارس معهم مستقبل الفن واللون والتعبير بالفرشاة. ولد رافع فى مطالع القرن الماضى، وبالتحديد فى عام 1926. وكان على موعد مع طريق طويل لإعادة تشكيل المفردات الحياتية وإدخالها فى سياقات مختلفة. واقترن ولعه بالرسم والتصوير بولعه بالكتابة الفنية، التى سخر لها نصيبا من وقته.. بدأ حياته بتأليف كتاب عن تاريخ الفن، واستمر فى كتابة ما يرى أنه مفيد ومهم للقراء، من مقالات ومقابلات مع كبار الفنانين العالميين، مثل سلفادور دالى، وبابلو بيكاسو، وخوان ميرو، وجياكوميتى ودى كيركو، وغيرهم من أبرز فنانى القرن العشرين. ولم يكن رافع فنانا منقطعا للفن وحسب، بل شارك فى عدة أحداث سياسية مهمة شهدتها المنطقة العربية فى القرن الماضى، منها الثورة الجزائرية، فأقام لفترة فى الجزائر، وكان خلالها قريبا من الزعيم الثوري، الرئيس الجزائري فيما بعد، أحمد بن بيللا. وجرت عليه بعض مواقفه السياسية، مشكلات عدة، ليعود إلى باريس مواصلا فيها حياته في محراب فنه، وحيدا ومريضا، حتى وفاته فيها في عام 2004، حيث ترك وراءه نحو ألف لوحة، وأكثر من ثلاثة آلاف رسم .
- ويضم المعرض الضخم الذى خصصته قاعة بيكاسو فى القاهرة لأعمال رافع مجموعة مختارة ومتميزة من أهم أعماله، يعود بعضها لأيام صباه الأولى، حتى أيامه الأخيرة التى اتسمت بقلة إنتاجه الفنى. وترى فى لوحاته التى اصطفت على جدران القاعة مجسمات لملامح بشرية وحيوانية ونباتية ذات ألوان منطفئة تعبر عن غربة الفنان وعذابه. تخرج رافع في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1948 من قسم الزخرفة. وكان لبعثته إلى فرنسا للدراسة، في الخمسينات، وحيازته درجة الدكتوراه فى تاريخ الفن من جامعة السوربون، وما تلا ذلك من سفر إلى الجزائر،علامة فارقة فى مسيرته الفنية، نظريا وعلميا .
- ويمثل رافع الحركة التالية لجيل الرواد المعروفين من أمثال سعيد وناجى وكامل وعياد. وتنقسم لوحاته إلى عدة مراحل فنية، منها رسومه الأولى وهو فى مرحلة الصبا فى أواخر ثلاثينات القرن الماضى، لكن الفترة الأكثر نضجا تبدأ بمرحلة تشمل أعماله في فترة الأربعينات (حتى 1947)، وتتميز بكثرة إنتاجه لأعمال ذات ملامح سريالية بألوان أحادية خافتة، تمتزج فيها المخلوقات في وجوه معبرة عن الوحدة وعن التحول أيضا، وكأن الفنان كان يريد أن يقول إن الكائنات تنتمي إلى أصل واحد، وإن تعددت أشكاله. أما المرحلة الثانية فهى تشمل الأعمال التى أنجزها رافع فى عام 1948، وتبدو ملامح هذه الأعمال أكثر وضوحا رغم انتمائها للمدرسة السريالية نفسها، إلا أن ألوانها وخطوطها كانت أكثر تحديدا وأكثر لفتا للانتباه، بل أكثر استحواذا على لب المشاهد. أما الأعمال التي جاءت بعد ذلك، خاصة بعد سنة 1949، فقد بدا أن الفنان رافع كان يزيد من تكويناته اللونية والتجريدية، مع محاولات لربط هذا العالم الخيالى بالواقع المصري بتفاعلاته وإرهاصاته التى سبقت ثورة عام 1952. كما تضمنت لوحاته جانبا مما أنجزه خلال إقامته بقية عمره بباريس، وكذا أعماله التكعيبية، وتلك التى أدخل فيها تشكيلات عدة على مفردات المرأة. ترى وجه امرأة مهزومة الملامح بجواره وجه كلب بعينيه الصغيرتين، كرمز على الوفاء. وترى وجه امرأة منتصرة ومقتدرة، وبجواره نظرة الذئب الغادرة، كأنه يتربص بها .
بقلم : عبد الستار حتيته
الشرق الأوسط - 2010
عن الغربة والوطن والإبداع .. ذكريات وأعمال .. سمير رافع
- `ذكريات وأعمال سمير رافع`أحدث الكتب التى صدرت عن مركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى المنبثق عن مكتبة الإسكندرية، وذلك بدعم من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.. للكاتب والفنان عبد الرازق عكاشة. والفنان سمير رافع أحد أعمدة الفن التشكيلى المصرى رغم غيابه عن مصر وغربته فى فرنسا قرابة خمسين عاماً.. إلا أنه طل يرسم: ويجرب فى محترفه بباريس ويصادق الفنانين العالميين والمصريين ويحتك بهم ويكتب الدراسات النقدية عنهم..فصادق جورج حنين ورمسيس يونان وحسن التلمسانى والتقى مع بيكاسو الفنان الأسباني المقيم فى باريس ..
- يقول الفنان عبد الرازق عكاشة فى كتابه الذى يقع فى 176 صفحة من القطع المربع إن سمير رافع جلس يحكى ذكرياته مع أصدقائه ويقص عن أسماء أثرت فى حياته، وأخذ يسرد عن بداية تأسيس مدارس الحداثة فى مصر.. ثم ذكر أن أستاذنا شفيق رزق يعكف على الجماعة من حيث الإنتاج والعرض ، منذ إنشائها فى عام 1940 تحت رعاية وبرئاسة سمير رافع وهو الذى نظم المعرض الأول عام 1941 على جدران مدرسة فاروق الأول وكان ذلك على نطاق لا يضم إلا أهالي وأصدقاء طلبة المدرسة.
- ولا شك أن الطريقة التى اتبعها عبد الرازق عكاشة فى كشف جزء كبير من لغز حياة سمير رافع من النواحى الإنسانية والاجتماعية كان له أثره الكبير فى خوض تلك التجربة الصعبة فى الكتابة عن فنان شامخ مثل سمير رافع.. الأمر الذى دعاه إلى التركيز على الحياة اليومية والاجتماعية للفنان سمير رافع ، وقد ابتعد كثيراً عن المصطلحات الفنية المعقدة التى تبعث على الاكتئاب من الفن وتبعد كل من يقترب إليه .. لذلك كان أسلوب `عكاشة` هو الأمثل فى فك طلاسم حياة الفنان `رافع ` وإلقاء الضوء على ملامح عديدة من سلسلة سنواته فى الغربة بعيداً عن الوطن، فكان `رافع ` منغلقاً على نفسه طيلة الوقت.. يرسم ويكتب بعيداً عن مخالطة الناس إلا القريبين جدأً منه حتى أن بعض أصدقائه المصريين أرادوا أن يلتقوا به عندما سافروا إلى باريس فما كان منه إلا أن أغلق الباب فى وجوههم .. ومع هذا فكان دقيقاً جداً.. يسجل كل ما يحدث له ولأصدقائة فى شكل دوسيهات خاصة يوماً بيوم ومرحى بأخرى، فلا تفوته فائته فى تسجيل كل ما يقابله فى الحياة. ولقد كان ` عكاشة ` ذكياًُ جداً عندما قسم الكتاب إلى فصول قصيرة وكل فصل يضم مجموعة من العناوين الفرعية التى تدعو القارئ لاستكمال قراءته فى سهولة.. فضلاً عن استخدام أسلوب التحقيق الصحفى فى بعض الأحيان كتوجيه الأسئلة إلى سمير رافع وهو يجيب .. فكان لهذه الطريقة أثر طيب لمداومة القارئ للتواصل مع صفحات الكتاب.. ورغم أن جعبة الفنان سمير رافع لانهائية، فهى تحوى الكثير من الأسرار والمقابلات والحياة الاجتماعية الخاصة.. إلا أن عبد الرازق عكاشة قد تمكن من فك بعض هذه الرموز والأسرار وتقديمها للقارئ لعل الصورة تتضح أمام كل متصفح للكتاب .
- ولقد كانت المفاجأة فى الصفحات الملونة لهذا الكتاب التى تحمل مجموعة كبيرة من اللوحات الزيتية الملونة والاسكتشات أن هناك العديد من موضوعات لوحاته كانت خافية على الكثير مثل تصوير المناظر الطبيعية والمراكب النيلية والأشجار والطبيعة الصامتة بجانب بعض الاسكتشات عن صور الزجاجات والأباريق والفاكهة وخلافه.. وهذا يتعارض تماماً مع ما كان يصوره فى لوحاته عن علاقة المرأة بالذئب.. وإن كان هذا طبيعياً لأى فنان تشكيلى متمرس، فالموضوعات عنده تتغير وتتبدل من مرحلة لمرحلة.. فمن المناظر الطبيعية إلى الطبيعة الصامتة إلى الموضوعات ذات الصبغة الفلسفية.
- يقول `عكاشة ` بعد وفاة سمير رافع: دخلنا المنزل.. كانت خطواتى تتراجع إلى الخلف، كنت مثقولاً مذعوراً كأنني لم أدخل هذا المكان من قبل، رغم أنى دخلته عدة مرات.. فقد كنت أظن أن الصالة هى المرسم، وأن التكريس والإهمال هنا شئ طبيعى فى حياة رجل مسن وفنان مهم، لكن عندما شاهدت بقية حجرات المنزل، واستنشقت رائحة المكان الكريهة، أحسست كأني لم أر هذا المكان من قبل. ويضيف `عكاشة `: تعالت صرخات عمال شركتى الصغير لأعمال الديكور الذين حضروا معى للمساعدة، وصعقت ابنته من هول ما رأت، نعم لقد دخل الزمن ولم يغادر المكان منذ 82 عاما عاشها الفنان، لقد دخل الزمن من الشباك فاستقر ولم يخرج، افترش أرض المرسم والبيت، ويعثر أوراقه، ونشر رائحته على أحبال غسيل الذاكرة الحية لدينا فى هذه اللحظة .
- ثم يقول : ففى كل مكان قصاصات ورق مدون عليها أفكار رافع، حتى ورقة لف قوالب السكر الصغيرة كان يكتب عليها، ويدون علاقاته وأحزانه وأفراحه .. أما أكياس الملح فكتب عليها مر الكلام، وأوراق البنك كتبت عليها آراؤه فى الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية، حتى كرتون البيتزا والقصاصات الصغير لم يلق شئ منها فى الزبالة .
- وأخيراً وجد الفن التشكيلى نافذته الحقيقية من خلال هذه المجموعة من الكتب التى يشرف عليها د/فتحى صالح وياسمين عبد النور من خلال مركز توثيق الحضارى والطبيعى..
بقلم : عادل ثابت
الكواكب - 9/ 10/ 2012
سمير رافع .. فى قاعة إبداع السريالى المغامر مع الأسطورة الشعبية
- سمير رافع ، أحد هؤلاء الذين امتزجت فى تجربتهم الثقافية بالسياسة بالفن حيث يعد إبداعة إحدى الحلقات المهمة فى حركة التشكيل المصرية والعربية سواء على مستوى القيمة الفنية أو بأعتبار ذلك الإبداع انعكاسا لمرحلة الغليان والتمرد ونشاط الحركات الثورية.
يعتمد بناء اللوحة على الخطوط الرأسية والأفقية التى تتشابك وتتلاقى وتحصر أحيانا بينها الكثير من الخطوط المائلة والمنحنية والمقوسة فى بعض الأطراف.
هو فنان لم يسمع إلى شهرته فى مصر رغم تريعه على مساحة شديدة الخصوصية فى تاريخ فننا المعاصر ، هو تنويعة أخرى على لحن قصص النجاح المبهر فى الغرب فى مجال الفن التشكيلى ، أصبح فى سن مبكرة للغاية ، أحد فرسان مدرسة السريالية ، لكنة رغم المستقبل الواعد ، وفى ظروف غامضة ، قرر أن يهاجر إلى فرنسا واتخذ من باريس منفى اختياريا له ، وهناك بهر النقاد وفتحت له اوروبا كبريات قاعاتها لعرض أعماله ، وتم اقتناء الكثير منها فى أهم متاحف الحديث العالمية ، وقد أعجب به الفنانان العالميان ` بيكاسو ` و` سلفادور دالى ` ونسج الفن وجنونة خيوط صداقة بين الثلاثة ..
ميلادة
ولد ` رافع ` فى حى السكاكينى بالقاهرة فى الخامس عشر من أغسطس عام 1926 لأب كان يعمل محاميا ، ومنذ صباه بدت علية سمات التفرد والذكاء ، فكان نابغا فى دراسته مستأثرا بحب أساتذته خاصة أستاذ مادة التربية الفنية ` حسين يوسف أمين ` والذى لعب دورا مهما فى حياته فقد أحبة حب الصديق والاستاذ وكان مشجعا له ومحفزا على تحقيقة خطوات سريعة فى عالم الفن ، بعدما وجد علامات النبوغ تطل من عينية مبكرا ، فأخذ بيدية ودفعه لاقامة معرضة الاول وهو فى سن السابعة عشرة ، وكان ذلك فى مكتبة قطان بالقاهرة عام 1943 ، واختيرت إحدى لوحاته لتنضم إلى متحف التربية والتعليم وكانت باسم ` القواقع ` وقد ذهب ` رافع ` بعد ذلك ليشاهدها قبل سفرة إلى باريس فوجدها قد اختفت وكان ذلك لغزا لم يجد له إجابة طيلة حياته .
تخرج فى كلية الفنون الجميلة ( قسم فنون زخرفية ) وكان أول دفعته عام 1948 وحصل بعدها بعام على دبلوم معهد التربية وكان أيضا أول الدفعة ثم عين معيدا فى الكلية .
رافع والسريالية
وفى هذه الاثناء شارك فى ` جماعة الفن والحرية ` التى يقودها ` جورج حنين ` وشارك فى تأسيس `جماعة الفن المعاصر ` وكتب الكثير من النقد التشكيلى وكانت كتاباته ذات صدى كبير .
تأثر ` رافع ` بأفكار ` جورج حنين ` السريالية وتتلمذ فى الكلية على يد الفنان الكبير ` بيكار ` وكان صديقا له . ووقع الاختيار على لوحته ` الزمن ` للاشتراك فى معرض مصر ـ فرنسا فى كبرى قاعات الشانزليزيه عام 1949 .
خطى سريعة
ولـ`سمير رافع ` أسلوب خاص فى تعبيراته وفلسفته فى إبراز أفكاره ، وهو يهدف إلى التعبير خلال التأمل والتعمق فى الاشكال ..
أخذ ` رافع ` يشق طريقه فى عالم الفن بخطى سريعة ولمع نجمة فى سماء القاهرة فى الاربعينات والخمسينات وكان نشطا فى العديد من الاتجاهات الفنية كالتصوير والنحت والحفر والزخرفة والفن الشعبى حتى انه قال عن نفسة آنذاك إنه يستطيع أن يجسد مجموع الحركات الفنية المصرية .
وبعد نجاحة المدوى فنيا وجه إلية الدعوة الناقد الفرنسى ` موريس سافان ` للسفر إلى فرنسا والإقامة هناك لرسم فن السجاد المصرى فى باريس وكان ذلك فى عام 1948 ، لكن وزير المعارف المصرى آنذاك ` طه حسين ` رفض سفره لأن الكلية تحتاج إلى كفاءته .
رحلته الى باريس
لم تكن رحلته الى باريس مفروشة بالورود ، ولم يكن يعلم أنها أبدية تحفها الصعاب والعقبات ليشق طريقا وعرا ممهدا لإقامة حياة إنسانية معقولة له ولاسرته الصغيرة . نجح مرات وفشل مرات . وفى ظل هذه الصعاب عادت زوجته وابنه إلى القاهرة وظل هو فى قلب باريس يعيش فى وحدة وعزلة ويرسم ، كما ظل يصارع فى اجتهاد للحصول على الدكتوراة وكسب لقمة عيشة وأخذته العزلة عن الناس فيما عدا أصدقائة الفنانين ولوحاته .
عاش ككاتب ومفكر وباحث ورسام . ففى عام 1953 كتب مقالا عن تأثره بأحداث ثورة يوليو فى مصر ونشر فى جريدة ` البلاغ ` المصرية أكد فيه الصلة بين الفن والمجتمع ودور الفن فى حياة الفرد والمجتمع .
رموز ودلالات فى إبداعات رافع
هناك بعض السمات الرئيسية فى تجربة ` رافع ` مثل وجود هاجس ميتافيزيقى مغلف بالحزن والغربة مع بعد كونى يغلف العمل الفنى ويصبغة بطابع ملحمى ، كما تتعدد الثنائيات فى لوحاته لا سيما الوجود والعدم ، والحياة والموت وتظل المرأة إحدى المفردات الرئيسية فى أعمالة ، باعتبارها وعاء الكون ومصدر الموجودات الحبيبة أو الجميلة أو القبيحة أو الحنون ، أما على مستوى التكنيك فنلاحظ فى أعماله تكريسا واضحا لفكرة استخدام الخط الخارجى المعتم ثقيل القوام بدلا من الاعتماد على الحلول الواضحة فى توظيف مساحات الظل والنور ، كما ينحى الفنان جانبا ذلك البعد الثالث الوهمى وهو مايجعل البناء فى أعماله كما لو كان نوعا من القص واللصق ، ولعل ذلك يذكرنا بجماليات رسوم الحوائط فى الحارات الفقيرة وواجهات البيوت النوبية .
ثمة رموز شعبية فى أعمالة تجعلنا نرى المرئى وكأنه حلم عابر ، نرى فى رسومة الأسماك والدراويش وعين الحسود ، الدموع والرمل والأطباق الخاوية والتمائم والعشاق والعرايا والطبيعية الحية والميتة ، بل إن القط والكلب فى لوحاته ليسا مجرد حيوانين أليفين بل ذئبين مفترسين ! وكل ذلك تم تناولة ببراعة وخصوصية تجسد غربة المكان ووحشة الزمان وعذاب الروح لدى فنان غادر وطنه ولم يعد إلية عبر 50 عاما اختار ذلك طواعية ..
لقد كان ` رافع ` فنانا معجونا بالقلق ، مسكونا بهاجس التجريب ، لم يترك خامة إلا وجربها بدءا بالزيت وانتهاء برقائق المعادن !
رافع وحسين يوسف أمين
كتب ` حسين يوسف أمين ` فى مقدمة كتالوج معرض ` جماعة الفن المعاصر فى مايو 1948 : `سمير رافع كفان سريالى فى انتاجة نظرة فلسفية عاطفية عميقة ، تتحدى حدودها مظاهر تأثير البيئة فهو يتحدث بوجهة نظرة كإنسان يعبر عما يعانية ويشعر به من عواطف وفلسفات إزاء العالم فى مجموعة كوحدة متامسكة شاملة فى لون جارف حاذق من التعبير يظهر فيه تأثير الأفق الثقافى الواسع الذى يعيش فية الفنان بكيانه وهو ديناميكي النزعة ، يتناول مظاهر الطبيعة كوسيلة للتعبير عن حالة معينة . ويرى الوجود فى حركة دائمة وتفاعل مستمر مع العقل البشرى ` يؤكد ` جيرالد ميساديية ` أن فن ` سمير رافع مختلف عن فن كثير من الفنانين الحديثين إذ لا يقف عند الجمال الشكلى بل يهدف إلى التعبير خلال التأمل والتعمق فى الاشياء والاشكال مظهرا هذا فى كتلها وهذه الأهداف تصل به الى فنون وإغواء الفنانين الايطاليين الميتافيزيقيين أمثال دى كيريكو وموراندى .
بناء اللوحة
يعتمد بناء اللوحة على الخطوط الرأسية والافقية التى تتشابك وتتلاقى وتحصر أحيانا بينها الكثير من الخطوط المائلة والمنحنية والمقوسة فى بعض الاطراف وإذا كان الفنان يخدعنا عن طريق الأطراف المقوسة وشبة الدئرية فسرعان ماتعود للخط المستقيم سواء رأسيا أو أفقيا وسواء من أسفل اللوحة إلى أعلاها أو من اليسار إلى اليمين او من اليمين إلى اليسار ، فالفنان يحسب حسابتا عقلانيا لكل شكل وكل تحريف وكل خط ينقطع يتصل فى شكل آخر
يستغل رافع اللوحة من السطح الى العمق من الداخل سواء عن طريق ترتيب العناصر وتجاورها أو احجامها وتناسب العلاقات بين الاحجام وبما يضفى ذلك السحر على اللوحة سواء من تأثير الالتزام بواقعية بصرية معينة للأشكال أو بما يضيفة من إضافات جمالية تنتشر فى أرجاء اللوحة باستخدام أكثر من أسلوب للإضاءة .
المرأة والرجل
وإذا كان ` رافع ` فى الكثير من أعمالة يضع المرأة وحدها أو الرجل وحدة أو معا فى مشاهد أقرب إلى الواقع التخيلى أو ما وراء الواقع أو الواقع الاسطورى حيث تنتفى القصة أو الموضوع ويبقى الفعل والحركات والأشخاص مرتفعين على مستوى أى قصة عادية بل أشخاص كرموز باقية من حكايات وأساطير قديمة تكدست حتى أرتفعت على الزمان والمكان فقد يكون الحدث الموجود فيه دلالة الحدث الاسطورى وبما يحمله من جو بيئى مصرى شعبى فيصبح أقرب إلى الاسطورة الشعبية وإلى ما توحية فى الفن الحديث خاصة فى المدرسة السريالية .
ينتصر ` رافع ` فى أعماله بشكل عام للإنسان وللمرأة فبرغم من ربطها دائما بالأرض فهى محور اللوحة دائما سواء من الناتحية الفكرية أو التشكيلية حيث تلتقى وتتقاطع العناصر عندها وكأنه يعتبر المرأة هى الارض وهى أصل الوجود كما يقلل من قيمة الفراغ ويزيد من حجم كتلة المراة وضخامتها فتسيطر على اللوحة وتنتصر لمستقبل البشرية .
إضافة سمات شعبية معينة وكعناصر تستخدم لتؤدى دورا وسمات أسطورية منها تراثية ( الباب والاكره وبراويزه الخسبية ، المرآة الكرسى الشعبى ، الصندوق الخشبى ، صندوق العرس والقط ) استعمال أكثر من تصور شكل تراثى مما اضفى على اللوحة شكلا أسطوريا . استخدم الاضاءة بشكل جمالى حيث التدرج وانتقال النغمات وحصر المناطق الغامقة فى الاطراف والقائمة فى بؤرة اللوحة .
رافع والفن المصرى القديم
تأثر ` رافع ` بالتصوير الفرعونى وهذا واضح فى لوحته الشهيرة ` العائلة المصرية ` وكذلك تأثر بالتصوير الاسلامى وهذا واضح فى لوحة ` المرأة والطائر الازرق ` ومؤثؤات غربية من خلال تأثرة الشديد ببيكاسو وليجيه ويتضح ذلك من خلال اكتشاف الفنان لأعمالها ومدى تأثرة بهما سواء عن وعى أو دون وعى فى أعمال من مراحلة الفنية المختلفة.
أما عن تأثر الفنان ` سمير رافع ` بالفن المصرى فيؤكد الكونت دارسكوت أنه تغلغل وتشبع به ويمكن تلخيص فنه بثلاثة مقومات : نظام الخط والاحجام واستعمال الدرجات الصافية ذات الطابع المصرى وأخيرا الروح العالمية . فاسلوبه فى الخطوط والاحجام يشبه النزعة البنائية فى النحت الفرعونى فى بساطة الوسائل المستعملة وقوة المواقف غير المتحركة الكلاسيكية وللدلالة التطبيقية على تأثير الفن المصرى القديم على الفنان ` سمير رافع ` وتشبعة به كروح متغلغلة داخل أعماله الفنية يتضح ذلك فى لوحته الشهيرة ` العائلة المصرية `.
يعتبر ` سمير رافع ` شاهد عصر على حركة الفن المصرى الحديث فى مطلع الأربعينات حتى وفاته عام 2004 حيث عاش فترة الثورة الفنية والشعارات الرومانسية التى سادت العالم فى وقت من الاوقاف ، وكانت لها أصداء فى القاهرة ..
يذكر أن تم افتتاح معرضة بقاعة ` إبداع بالزمالك ، وسوف يستمر إلى 7 يناير 2016 .
د. إيناس حسنى
القاهرة - 2015/12/29
سمير رافع.. والضمير المصرى
- فى صباح الخميس الماضى افتتح مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية معرضاً تاريخيا مهماً للفنان الرائد سمير رافع، وحضر حفل الافتتاح نخبة من فنانى الإسكندرية والقاهرة ونجل الفنان: ساهر سمير رافع، والفنان محمد درويش الذى يرعى المجموعة ، وقد افتتح المعرض الفنان الكبير أحمد فؤاد سليم قومسيير المعرض والمايسترو شريف محيى الدين مدير مركز الفنون. ويعد هذا المعرض فرصة نادرة لمحبى ودارسى الفنون والمثقفين متاحة لمدة شهر كامل لمطالعة ذلك التراث المهم لفنان عاش أقل من نصف قرن من حياته بمصر.
- وعاش أكثر من نصف هذه المدة فى فرنسا، وقد كان فى حياته القاهرية ملء الأسماع بطروحاته الفنية المتطورة، ومشاركته فى كل الجماعات الفنية الطليعية التى عاصرها منذ دراسته الثانوية إلى أوان هجرته إلى فرنسا، كجماعة الفن والحرية التى أسسها الشاعر جورج حنين ورمسيس يونان وفؤاد كامل، وجماعة الفن المصرى المعاصر التى أسسها أستاذه ومكتشفه حسن يوسف أمين مع عبد الهادى الجزار وحامد ندا وأحمد ماهر رائف وآخرين، وذلك قبل أن يتخرج فى كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1948- قسم الزخرفة- ثم حصولة على دبلوم المعهد العالى للمعلمين، ثم بعث إلى فرنسا للدراسة عام 1963، حيث استقر هناك منذئذ متنقلاً بين باريس والجزائر التى شغل فيها بعد التحرير مباشرة مناصب عدة نتيجة لصداقتة بالرئيس أحمد بن بيلا ورفاقه أثناء كفاحهم فى سبيل التحرير، ويبدو أن سمير رافع أصبح مقلاً فى الإنتاج الفنى مركزاً على إجراء اللقاءات الحوارية مع أبرز فنانى أوروبا فى الستينيات، حيث التقى بسلفادور دالى- بابلو بيكاسو- خوان ميرو- جورجيو دى كيريكو- فرناند ليجيه- جياكومتى- بفزنر- كوكتو وغيرهم وقد نشر كامل زهيرى تلك الحوارات بعنوان ` مذكرات فنان مصرى فى باريس` على صفحات مجلة الهلال، وحين كان رئيساً لتحريرها منذ أواخر الستينيات.
- هل صدقت نبوءة ` بابلو بيكاسو` حينما أشار فى أحدى خطاباته التى ترجع إلى أول يونيو 1960 بأن ` أعمال سمير رافع أصبحت أكثر مصرية وهو فى باريس` ؟، لا أظن ذلك، فإن أعمال الفنان فى المرحلة الأخيرة من الفترة الباريسية المطولة كانت بمثابة اجترار لرصيده الابداعى الحيوى فى المرحلة القاهرية، ولكنها لم تحتفظ بالنبض الدافئ والسحر الذى تمتعت به الأعمال المبكرة.
- أما فترة الخصوبة والتوهج الابداعى والانخراط فى قضية اجتماعية سياسية، فقد تجلت فى المعارض الخمسة التى أقامتها جماعة الفن المصرى المعاصر اعتباراً من عام 1946، وفى عام 1951 أقام رافع أول معرض فردى لأعماله التى صورها فى الفترة من 1945 إلى 1951 بنادى المحامين بالقاهرة.
-وقد لفت المعرض اهتمام ` الكونت دار سكوت` البلجيكى، الذى سبق وألف كتاباً عنه ` مصورى ونحاتى مصر الحديثة ` نشر فى بروكسيل، وكان قد تعرف على أعمال سمير رافع لأول مرة فى معرض ` مصر فرنسا ` فى باريس عام 1949، الذى أشرف على إقامته محمد محمود خليل بك رئيس جمعية محبى الفنون الجميلة- حيث عرض سمير رافع لوحة ` من وحى مصر ` ولخص ` دار سكوت ` الشخصية الفنية لسمير رافع فى أن بها تحويراً نوعياً لأشكال ودرجات ألوان نقية، ونزعة رمزية، كل ذلك مع روح الكلاسيكية يحكمها الاتزان والرسوخ.
- وقسم دار سكوت أعمال سمير رافع أنذاك إلى ثلاث مراحل: الأولى تمتد من عام 1945 إلى بداية 1947، وفيها بدأت تتفتح شخصية الفنان، ويمثلها لوحة ` دافنشى ` التى تبشر بميله المبكر فى التعبير عن الأنثى المتحولة إلى عالم الحيوان وعالم البنات، تظهر فى هذه المرحلة أيضاً ملامح سريالية ملموسة، وميل نحو الألوان المونوكرومية أحادية اللون، واللوحات فى هذه المرحلة معبأة بالرموز المباشرة، كما فى أعمال ` الزمن ` و` فلسفة تشاؤمية ` و` أرض مصر ` و` الوادى الأخضر`.
- المرحلة الثانية من 1947- 1948 وفيها أصبحت ألوانه أكثر سطوعاً وتحرراً، وتميزت بالتحامه بالجذور الكامنة فى الفن الشعبى المصرى، التى أعطته خصوصيته المميزة واستخدام العجائن اللونية السمكية مع استمرار النزعة الرمزية والشخصية السريالية.
- المرحلة الثالثة: تبدأ من عام 1949، حيث ازداد فيها ميله إلى استخدام الدرجات اللونية المباشرة والميل نحو التجريد الرمزى، وتتراوح أعمال سمير رافع فى الخمسينيات بين الموضوعات الوطنية كالمقاومة الشعبية فى بورسعيد، وبين الموضوعات الميتافيزيقية الإنسانية التى يتجنب فيها التعبيرية ملامح خصوصية بالبيئة أو السحنات أو الرموز المصرية، أو التى لا تنتمى إلى أى جنسية أو وطن.
- وبعد هذه الفترة أبدع سمير رافع مجموعة تجارب بالغة الأهمية من حيث سبقها فى حركة الفن المصرى الحديث وهى مجموعة كولاجية استخدم فيها تباينات الخامات والتعامل مع الأضواء الساقطة عليها.
- فى معرض سمير رافع الذى أقيم بين 5 إلى 12 أبريل 1951 بدار نقابة المحامين بالقاهرة، باسم جماعة الفن المعاصر قدمه حسن يوسف أمين وولهام فيولا رائد فنون الأطفال فى سويسرا وجيرالد ميسادييه من جريدة البورصة القاهرة التى تصدر بالفرنسية، يشير فيولا إلى موضوعات التعبير عند الفنان والجانب المأسوى والميتافيزيقى وإلى تعبيره عن الزمن والخلق والفناء حاملاً رسالة فنية جديدة وعن تصويره المبتكر للمنظر الطبيعى المصرى الذى تنيره الإضواء الحمراء والصفراء.
- ويشير ميسادييه إلى لوحه الزمن التى صورها رافع أثناء انخراطه فى ` جماعة الفن والحرية `.
- وأن هذه اللوحة أعلنت عن عبقرية الفنان الشاب بقوة، موضحاً أن فنه لا يقف عند الجمال الشكلى، بل يهدف إلى التعبير خلال التأمل والتعمق فى الأشياء والاشكال الإنسانية فى لوحاته ذات الكتل الثقيلة مترددة بين الحيوانية والنباتية فى دنيا الأحراش المورقة العذراء المحاطة بالصخور ذات الأجواء العريقة والسماء التى تنبعث فيها النجوم المجهولة فيها تظهر صورة مصر المختبئة المختلفة كثيراً عن مشاهد الكارت يوستال.
- ويقول: عجينته اللونية غنية ثمينة وألوانه صلبة وتكويناته قوية سلسة، تصل بها تعبيراته إلى الأعماق برموزه وألحانه الأولية.
- هذه سيرة مختصرة لفنان مصرى عظيم تبنى وزملاؤه السعى لإرساء فن مصرى معاصر يتفاعل مع التيارات الفنية الحديثة من التعبيرية إلى السريالية والرمزية، معبراً عن واقع الإنسان المصرى وتداخل الواقع والأسطورة والفن الشعبى فى بنية إبداعية جديدة، ومن هنا جاءت الأهمية الاستثنائية لهذا المعرض الذى يقيمه مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية، الذى يديره المايسترو شريف محيى الدين، كما يأتى المعرض ضمن الهدف المحورى للمركز الرامى لتوثيق بانوراما الفن التشكيلى المصرى فى القرن العشرين.
بقلم : د. مصطفى الرزاز
جريدة : الوفد 26-11-2006
سمير رافع وتواصل الأجيال
- كان معرض المصور ` سمير رافع ` يناير1988 ألمع معارض الشهر الماضى بما جاء به من عبق الأربعينيات حيث الجماعات التشكيلية التى أحدثت تحولات رئيسية فى الحركة التشكيلية المصرية ، وجعلت ` الفن ` يلامس واقع البيئة . وهموم الناس بنفس الدرجة التى يستلهم بها لغة التصوير المعاصر الغربى مروراً بإنجازات عصر النهضة .
- لم تكن تلك الجماعات جزراً مهجورة بل متفاعلة وقد ظهر تأثيرها المتبادل على - سبيل المثال - فى الملامح الأسلوبية . وفى كثير من تفصيلات الملامح الإنسانية كضخامة الأطراف وخشونتها وفطرية الوجوه .
- وربما كان الأهم هو الاشتراك فى كسر` هيبة ` اللوحة الكلاسيكية ، `وحيادية ` الأسلوب الأكاديمى . ومد خطوط الاتصال مع واقع الناس .
- ان الأسلوب - الأب - المسيطر على أجنحة تلك الجماعات هو` الأسلوب التعبيرى ` وإن ظهر بأوجه متعددة . فقد ظهر وجهه ` السيريالى` فى جماعة ، ووجهه` الرمزى ` فى جماعة أخرى .. وهكذا.
- لهذا لم يكن مستغرباً أن تلمح بعض الاستعارات ` السيريالية ` فى أعماله الأولى مشاركاً فى هذا جماعة ` الفن والحرية `. توجهها إلى هذا الأسلوب وإن حاول أن يستلهم بواسطة هذا الأسلوب - بعض كلاسيكيات التصوير الغربى ، ولم يحل هذا الاستلهام دون ظهور الطابع الذاتى . فظهرت ` المرأة الأسطورة ` كياناً جامعاً بين حسية الجسد الإنسانى وخشونة بعض مظاهر النبات كما فى لوحة ` دافنى` .
- ويلتقط ` رافع ` من ` المرأة الأسطورة ` لحظة تحولها إلى نبات ، والتزم فى تلك اللوحة - بل قل فى لوحات تلك المرحلة - بكثير من النسب الواقعية، وأسس تصميم عصر النهضة بما يتميز به من رصانة واتزان سكونى ، واقتصاد فى اللون، وقد بالغ ` رافع ` فى هذا الاقتصاد ... وإن تمرد عليه فى فترة الخمسينيات، فظهرت الألوان صريحة متألقة . إن الإيحاءات الروائية تجد ملاذاً فى ` التعبيرية ` و ` السريالية ` و` الرمزية ` .. لهذا تتيح للمشاهد استخلاص عديد من القراءات .
- وبالنسبة لى .. أعترف بأن تلك اللوحة تصدمنى كلما وقعت عيناى عليها ، وأهرب منها إلى لوحة أخرى .. رغم احتفاء نقاده بها ومن أبرزهم الناقد ` الكونت دار سكوت ` الذى قال : ] يمكن للمتفرج أن يتخيل نفسه ` أبولون ` وقف فجأة عن مواصلة الجرى بينما ` دافنى ` الهاربة تتحول إلى شجرة غار [ وسأتصور نفسى ` أبلون` فماذا أرى ؟ أردافاً مثيرة .. وجلداً ناعماً .. وما تكاد ترتفع العينان إلى العمود الفقرى حتى يصاب صاحبها بالهلع .. ففى موضع العمود الفقرى تتصلب أنياب شرسة مخترقة جسد دافنى الجميل ويتشعث شعرها وينتحل شكل الأفرع الخريفية الحادة !![..
- وإذا كانت تلك الصدمة قد جاءت من المفارقات ` السيريالية ` فإننا نتعاطف مع استفزاز عالم لوحة أخرى بعنوان افتراضى لنقل إنه ` خراب ` ونتقبل تحريضه لنا بصدر رحب ! .. فقد احتشد بكل العناصر المنطقية ، والمتسقة التى تدعونا إلى الوقوف .. مع الفنان فى موقفه من واقع يراه كريهاً ...
- فالأشجار منخوبة ، وثمار الذرة مرتع للدود ، والأبقار تبدو على البعد تائهة منكسرة . والسماء ملبدة بالغيوم . والظلال الممتدة توحى بالوحشة ، وفروع ، وأوراق الشجرة والنبات تستنجد بالسماء وتتلوى ألماً .
- ويظهر اللون صريحاً فى مواضع كثيرة من اللوحة موحداً بين ` المبنى والمعنى` فالقريب ملون بالألوان الساخنة والبعيد بالألوان الباردة ، ويتشكل بالقريب والبعيد مسرحاً مأسوياًّ ، يستفز فى المشاهد كوامن الغضب والنفور - ليس من اللوحة بالطبع - ولكن من صورة الواقع كما رآها الفنان .
- تحتل مفردة ` المرأة ` ركيزة محورية فى لوحاته ، وتتأرجح بين الرمز والواقع وهى فى معظم الحالات عارية تكشف عن صلة قربى بإنجازات عديد من كبار المصورين المعاصرين أمثال ` بيكاسو ` و` رووه ` و` ماتيس ` وغيرهم . كما تكشف فى نفس الوقت عن صلة القربى بجوهر المنحوتات الفرعونية من حيث وضوح المعالم وسكونية التكوين .. أو بمعنى أدق ما يطلق عليه ... الحركة الداخلية ، كما تظهر فى نموذج بعنوان افتراضى ` الراحة ` .
- حيث يظهر فى اللوحة شكلان إنسانيان يتعاكسان فى وضعيهما المسترخى، ويتأبطا كلاهما ذراع الآخر، ويقف على رأس أحدهما جرو يبدو مندهشاً، ومكملاً فى نفس الوقت دائرة التكوين الثنائى ، نفذت اللوحة عام 1953 وتظهر الألوان واللمسات بها أكثر صراحة والبعد - أو عمق اللوحة أكثر تلخيصاً . فى حين تحتل المرأة مركز البطولة يظهر الرجال هامشياً مشلول الإرادة .
- وتحتل البطولة الثانية ` السمكة والطائر`: رمزين للإخصاب والحرية. إن هذا المعرض يستحق دراسة تحليلية موسعة لا يتسع لها المجال الآن - ربما أتيح لى أو لغيرى - فيما بعد القيام بهذه الدراسة.
بقلم : محمود بقشيش
مجلة الهلال : فبراير 1988
سمير رافع وإنتاجة الفنى
- عثر الفنان د. سامى رافع فى مكتبته على دراسة نادرة كتبها الناقد الكونت دراسكوت ، ` عضو المجمع الملكى لتاريخ الفنون والآثار ببلجيكا ، وعضو الجمعية البلجيكية للنقاد والفنانين ` وهى عن شقيقه الفنان الراحل سمير رافع وعالمه .. ويعد سمير رافع أحد جماعة الفن المعاصر التى أسسها المربى حسين يوسف أمين من تلاميذه بمدرسة حلوان ومدرسة فاروق الأول ومدرسة الحلمية .. وهى من أهم الجماعات الفنية فى تاريخ الإبداع المصرى المعاصر ، وكانت تضم ، بالإضافة إلى فناننا ، كلا من الفنانين : عبد الهادى الجزار - حامد ندا - إبراهيم مسعودة - أحمد ماهر رأفت - محمود خليل .. وغيرهم .. وقد ارتكزت على الخرافات والأساطير والطقوس الشعبية .. وكان معرضها الأول عام 1946 ، واستمرت حتى عام 1951 .. بعد أن حددت ملامحها وشخصيتها فى السريالية الشعبية.
- وتقدم ` الخيال ` الدراسة كاملة كما نشرت فى كتيب عام 1951:
- ليس هدفنا هنا أن نقدم سمير رافع ، ففنه قد تعدى الحدود الضيقة للدائرة التى كان يعيش فيها، وظهرت بعض أعماله الفنية فى عدة معارض وخاصة فى سنوات 1946 ، 48 ، 49 فى معارض جماعة الفن المعاصر التى ينتمى إليها. لم نكن حينئذ حاضرين لكى نتنبأ بمستقبله ولم نعرف فنه إلا فى معرض ` مصر فرنسا ` الذى أقيم فى باريس عام 1949، فهناك ، وعند رؤيتنا للوحته المسماه ` وحى مصر ` ، ثار اهتمام قادنا إلى دراسة فنه دراسة أكثر عمقاً . ولقد ساعد على ذلك اتفاقية التبادل الثقافى بين مصر وبلجيكا، تلك الاتفاقية التى أوحت إلينا كتابنا عن ` مصورى ونحاتى مصر الحديثة ` الذى نشر فى بروكسل ، وهذه المحاولة استوحت مراجعة الفنون الحديثة فى مصر ، وضعنا فيها الفنانين الذين درسنا أعمالهم فى نطاقهم التاريخى ، وهذا الأسلوب هو الأسلوب الوحيد لوضع القيم فى أماكنها الخاصة بطريقة محكمة علمية أكثر منها نقدية0
- وسمير رافع مع بعض من زملائه الشباب الذين نرجو أن نتكلم عنهم فيما بعد .. قد أكد فنه بقوة جارفة، ولكن ها هو يؤكد انبثاقه فى المرة الأولى التى يعرض فيها وحده ، وكان ذلك فى أبريل سنة 1951، ويثبت كلية فى هذه المرة مركزه على مسرح الفن المصرى ، لقد خرج سمير رافع من هالة الظل حيث ظل يدرس بمعونة أساتذه ونقاد وعوا رساله فنه وتعرفوا منذ البداية قيمة ما يقدمه للفن، ولقد وضح ذلك المعرض الأخير الذى أقيم فى نادى المحامين بالقاهرة مكانة هذا الفنان فى البناء الذى ما زال فى دور التشييد فى مصر ، تلك المكانة التى تعرفنا عليها من قبل وقلنا عنها إنها تعبر عن نهضة الفنون الجميلة فى هذا البلد.
- وقد يتساءل الفرد: بماذا نعرف فن سمير رافع ؟ الإجابة بأنه ` تصوير حديث ` تكفى ولذا يستلزم الأمر إيضاحاً . تطلق صفة ` حديث ` على هذا التصوير ، إن فن الرسم يظهر تحويراً نوعياً للأشكال ، ولأن ألوانه مكونة فى غالبها من درجات لونية ، زد على ذلك أن الروح المنبثقة من تلك الصور تكاد لا تعتمد ظاهرياً على الخضوع التام للشىء وتحتجب وراء ستار من الرمزية، ولكن سمير رافع يجدد رغم ذلك كله الفن الكلاسيكى ، ولتذكر نظرية ` أوجينيو دورس` عن الموجات التى تتابع.. أى أنها تتلاحق فى مجرى التاريخ ` الفن الباروكى مقابل الفن الكلاسيكى ، إنها على حسب الأزمان تتابع الأشكال الطائرة كتمثال اللاؤوكون ` والفنان لميكلانجلو وروبنز ودلاكروا والأشكال الثابتة كالفن الفرعونى والفنان روفائيل ودافيد.
- والأشكال التى حركها سمير رافع لا تطير، وإذا رؤيت لها أحياناً حركات معلقة ، إن تلك الحركات يحكمها الاتزان ونظام الأعمال الكلاسيكية.
- وهناك فكرة خاطئة يراد بها اقتران الفن الحديث بعدم الاعتراف بالاتزان الأكاديمى ` قلة إدراك ` كما يقال من الواجب أن تحارب أمثال تلك التعريفات فى الفن ، إنه لم يعد من الممكن الادعاء بأن مانيه وديجا وسيزان وبيكاسو وبراك ماتييس لا يعرفون أن الفنان لا يمكنه أن يعبر بحرية عن خاصة نظرياته إلا بعد أن يقوى أسسه الفنية وأسلوبه ، لا بناء على أساس نماذج أكاديمية لكن على أساس الطبيعة ذاتها ، وكل أسلوب آخر لا ينتج إلا أعمالاً لا يمكنها الصمود أمام الزمن ، فهناك لوحات قديمة أو حديثة تبهرنا بمظهر سوف لا يمس إحساساتنا فى المستقبل ، بينما لوحات أخرى قد يكون مظهرها غير مألوف ولكنها تمس بعمق ثنايا تفكيرنا.
- ولوحات سمير رافع التى عرضت حديثاً تقدم صورة كاملة تمتد من سنة 1945 إلى سنة 1951، إنها نتيجة لخطواته الاستاتيكية طيلة خمس سنوات فى عمل مستمر لعدد من السنوات أكبر، أمضاها فى الدراسة من أجل التقدم المستمر ، وتلك اللوحات تبين لنا محاولات الفنان المستمرة للتفوق على نفسه .
ويمكن للناقد المتنبه أن يتبين فى أعماله ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى : إذا أمكن تسميتها مرحلة ، وتمتد من عام 1945 إلى بداية عام 1947، تبين التنفيذ المخلص للدراسات المكتسبة، ولكن شخصية الفنان بدأت منذ تلك المرحلة فى البحث عن نفسها عن طريق الرغبة الطبيعية فى التعبير ، وذلك واضح فى لوحته ` دافنى ` التى يمكن اعتبارها كنموذج لتلك المرحلة ، ويمكن للمتفرج أن يتخيل نفسه أبولون وقف فجأة عن مواصلة الجرى بينما دافنى الهاربة تتحول إلى شجرة غار ، وسيكون هناك دافنى أخريات فى أعمال سمير رافع لتعبر فى مظاهر مختلفة عن نظريات الفنان المتجددة ، إذ أن الفنان سوف يظل مخلصاً لأشكاله الأنثوية المرتبطة كلية فى تفكيره الخالق بوسطها الحيوانى والنباتى، فعالم سمير رافع منبثق من الأرض ، ويجد مصدره الأول فى الطبيعة ذاتها.
- ويلاحظ فى الأسلوب الأول خضوع الفنان للأجسام ومحاولة البناء المعمارى للمساحات وإراداته فى التوزيع الواضح للأحجام ، والألوان يغلب عليها اللون الواحد ، بينما تستعير اللوحات ` استعارة مؤقتة لبعض مبادىء سيريالية كما هو الظاهر فى ` الزمن ` و ` فلسفة تشاؤمية ` و ` أرض مصر` و ` الوادى الأخضر ` ، كما أن تلك اللوحات تثقلها رمزية ظاهرة سوف تخف فى المستقبل.
- وفى مرحلتة الثانية : 1947-1948 يعطى سمير رافع أهمية أكبر للألوان ما زالت أسس فنه كما كانت لم تتغير ، ولكنها اتخذت أشكالاً أكثر نضجاً كما هو ظاهر فى لوحته ` السلام ` وتخرج درجات ألوانه - التى كانت مظلمة - عن دورها الحيادى لتكون امتزاجات لونية متحررة وأكثر وضوحاً، فهناك لوحات ` التناسل ` و ` حراس جبل المقطم ` و ` البغاء` حيث ما زالت تتزاحم القصص، ولكن تتأكد جرأة الأسلوب اللونى ، فيمكن التعرف على مزايا الخطوط والألوان المنبعثة رأساً من الفنون الشعبية حيث ينتج من تكاملها وحدة خالصة فى مصريتها لا يمكن أن يوجد لها مثيل فى الاتجاهات الأوروبية ، وبناء هذه اللوحات يحتفظ بالاتزان الواعى الموجود بصفة دائمة فى كل أعمال الفنان حتى فى أعمال 1950 ، فهذه الأعمال الأخيرة تستعمل فيها العجينة اللونية السميكة بالطريقة التعبيرية ، كما يلاحظ ذلك فى لوحتى ` طبيعة صامتة ` و ` أصدقاء الليل ` ، ففى هذه اللوحات يزداد دور الأحجام حتى ينتج التوازن بينها وبين سخاء الألوان.
- والمرحلة الثالثة تبدأ عام 1949 بتنظيم متزايد للاتجاهات المختلفة حتى تصل إلى إنتاج تلك اللوحة ذات الأهمية الكبرى ` العائلة المصرية ` ، ونلاحظ منذ ذلك التاريخ اختفاء الرواسب الأدبية كما نلاحظ التجريد المتواصل للغة البلاستيكية ، فاستعمال الدرجات النقية وضع فى خدمة نظرية خالقة تشمل كل عناصر التكوين، بعض لوحات هذه المرحلة تستلفت الاهتمام مثل لوحة ` التزين ` بألوانها الحمراء والخضراء ولوحة ` المرأة والطائر الأزرق ` ذات الإيقاع العربى ، ولوحة ` الصيادون فى ضوء القمر ` أو لوحة ` زوجة الصياد ` ذات الأسلوب التجريدى.
- ويمكن تلخيص فن سمير رافع بثلاثة مقومات : نظام الخط والأحجام واستعمال الدرجات الصافية ذات الطابع المصرى وأخيراً الروح العالمية ، فأسلوبه فى الخطوط والأحجام يشابه النزعه البنائية فى النحت الفرعونى فى بساطة الوسائل المستعملة وقسوة المواقف غير المتحركة الكلاسيكية .. وعندما ينظر المرء إلى تجمع هؤلاء الأشخاص لا يمكنه إلا أن يتذكر فى إحدى اللوحات ` الحوار المقدس ` فن القرن الخامس عشر الإيطالى، ورغم ذك فإن سمير رافع ينتمى أساساً إلى الطراز الإسلامى وذلك واضح من ميله للأشكال الهندسية فى الخطوط ، وفنه هو فنه الخالص ولا يمكن عمل أية مقارنة بينه وبين اتجاهات مدرسة باريس ، ففيه ألوان شرقية تدين مميزات تكاملها إلى أساسها الشعبى .
- وأخيراً ، فإن الروح التى تنبثق من تلك الأعمال تميل إلى العام أو العالمية ، فالأشخاص بمواقفهم وملابسهم ومحيطهم ، لا ينتمون إلى الأشكال الزائلة للصور الشخصية ولا إلى تحديد مناظر معينة ، فهناك نوع من التخلص من الحدود فى العالم الذى يبدعه سمير رافع يجره ويجرنا وراءه إلى ما بعد العالم الشرقى ، نحو عالم أفكار أساسية وحقائق أزلية ، ووحدة الحركة والمكان والزمان التى دعت إليها الفنون الكلاسيكية قد تحققت هنا لأنها متخلصة من حدود العمل الفردى والمكان الجغرافى والوقت الحاضر ،إلا أن تلك الوحدة لم تفقد صفتها الإنسانية إذ إنها ناتجة من منابع الطبيعة تبعد عن مشاكل حياتنا رغم صهرها فى بوتقة الجمال ثم إعادة تشكيلها فى نظام تحدده قوى الفنان الخالقة.
- وهذه العالمية .. عن وعى أو عن غير وعى .. تجيز لنا أن نلمس فى سمير رافع أحد أهم عناصر الجيل الجديد فى مصر .. وعلى معاصرية أن يتعرفوا عليه الآن وأن يتلمسوا فيه أحد عناصر مستقبلهم الفنى.
بقلم الناقد: الكونت دراسكوت
مجلة الخيال العدد ( 38 ) مايو 2013
سمير رافع الفنان الأسطورة
- سمير رافع رسام ملون .. يعرفه جيدا نقاد الفن التشكيلى وفنانو ومثقفو الأربعينات والخمسينات فى مصر . ولد فى 15 أغسطس سنة 1926 فى المنزل رقم 43 شارع النزهة بحى السكاكينى فى القاهرة . عاش فى مصر حياة ثقافية قصيرة لم تتجاوز السنوات العشر ( 1944 - 1954 ) سافر بعدها إلى فرنسا ولم يعد إلا لبضعة شهور قطع بها استمرار تلك الهجرة الطويلة . ترك بصمة قوية على مسيرة الحركة الثقافية المصرية خلال تلك السنوات القليلة التى قضاها بين ظهرانينا . شارك بالفكر والعمل النشط فى الحركة السريالية بزعامة الشاعر : جورج حنين ( 1914 - 1973) وحركة الفن المصرى المعاصر بريادة الفنان الفيلسوف : حسين يوسف أمين( 1904 - 1984).
- ما كاد يشب عن الطوق حتى شارك جماعة السرياليين حياتهم فى البيت المملوكى العتيق الذى اتخذوه مقرا لهم ، البيت رقم 4 بشارع درب اللبانة بحى القلعة ، الذى يشتهر حتى الآن باسم ` بيت الفنانين ` ، المنزل الذى شهد جانبا من حياة عمالقة الفكر والأدب - المصرى الحديث : محمود مختار (1891- 1934) صاحب تمثال نهضة مصر ، والرسام الملون محمد ناجى ( 1888- 1956) صاحب اللوحة الصرحية التى تحمل العنوان نفسه نهضة مصر .كان يصورها بينما تمر مظاهرات ثورة 1919 تحت النافذه ، والمهندس العالمى حسن فتحى ( 1900 - 1989 ) صاحب نظرية عمارة الفقراء . مرورا بالفنانين المتمردين : رمسيس يونان ( 1913- 1962) ، فؤاد كامل ( 1919- 1973 ) ، كامل التلمسانى ( 1915- 1972 ) وآخرون رافقهم سمير رافع فى التألق الفكرى فى سنوات الغليان التى أرهصت لثورة 23 يوليو سنة 1952، اشترك فى مسابقة سنة 1950 ، جائزتها بعثة رسمية إلى جامعة السربون بفرنسا لدراسة تاريخ الفن وفلسفته طوال تسع سنوات ، فكان ترتيبه الأول بين المتسابقين . تعطلت البعثة قليلا بعد ثورة يوليو لكنه سرعان ما تغلب على العقبات وغادر القاهرة إلى مدينة النور .
- تطايرت الأخبار منذ رحيله ، عن حياته الفنية والفكرية والشخصية ، قصص كالأساطير عن دوره فى الثورة الجزائرية ورفقته لين بيللا أحد قادتها وأول رئيس للجمهورية . حكايات درامية عن سجنه وتعذيبه بعد الانقلاب الذى قاده بوميدين على بن بيللا واعتقاله ، استمرت الحكايات تترامى من باريس إلينا وكان آخرها فى عام 1998 ، حين وقع فريسة لعملية نصب كبرى دبرتها مؤسسة فرنسية، استولت على مقتنياته التى لا تقدر بثمن .مائتا لوحة من أعمال مشاهير فنانى العالم : بابلو بيكاسو ، وسلفادور دالى ، وجورج براك ، وأندريه لوت .. وغيرهم كثيرون. كان يحتفظ بهذه الروائع فى أحد البنوك لفرط الحرص عليها لقيمتها الفنية والمادية .اتفقت معه المؤسسة على شراء هذا الكنز بثلاثة مليارات من الفرنكات الفرنسية ( حوالى 1600 مليون جنيه مصرى ) لم يحصل منها إلا على مليار واحد ثم أعلنت المؤسسة إفلاسها ، وطبعت صور تلك المقتنيات النادرة فى كتاب على درجة بالغة من الأهمية ، حيث أنه يستدرك نقصا خطيرا فى كتب تاريخ الفن ، توجد نسخة من هذا الكتاب المهم مع الكاتب كامل زهيرى النقيب الأسبق للصحفيين وزميل الفنان سمير رافع فى فترة الشباب والتمرد فى ` بيت الفنانين `.
- حين يرسم القدر خطوط المستقبل لإنسان ما ، يضع فى طريقه عدة ` مصادفات` تفضى إلى هذا المستقبل المرسوم .هكذا توافقت سنوات الدراسة للفتى سمير رافع مع عمل الفنان الرائد حسين يوسف أمين كمدرس لمادة الرسم فى مدرسة فاروق الأول الثانوية بالقاهرة ، بعد رحلة طويلة إلى فرنسا والبرازيل والمكسيك وإيطاليا حيث درس فن الرسم والتلوين فى أكاديمياتها ، عاد من تلك الرحلة سنة 1931 ، التقى بعد بضع سنوات بكوكبه من الفتيان الموهوبين الذين أصبحوا حوارييه فى المسيرة التى تبحث عن الهوية المحلية ، التى أوحشته طوال سنوات اغترابه بالخارج .هكذا التقى بسمير رافع الذى أصبح من تلاميذه فكرا وفلسفة وابداعا ًجنباً إلى جنب مع عبد الهادى الجزار وحامد ندا وإبراهيم مسعودة وماهر رائف ومحمود خليل ، نخبة من الموهوبين الطليعيين الذين أصبحوا من كبار الفنانين فيما بعد ، استجابوا لتعاليم الأستاذ الرائد وأسس بهم جماعة الفن المصرى المعاصر ، التى أقامت أول معارضها سنة 1946 ، ووضع مقدمة كتالوجها على هيئة بيان يحدد الطريق نحو فن ذى هوية مصرية.
- إلا أن هناك جماعة أخرى شاركت الرائد المعلم فى اجتذاب سمير رافع عند التحاقه بالكلية الملكية للفنون الجميلة سنة 1943 . وجماعة السيرياليين التى استهوته دعوتها المناهضة للأساليب الأكاديمية - وهو الذى شب فى أسرة يسودها مناخ ثقافى ، فالوالد من رجال القانون يحتفظ بمكتبة عامرة بصنوف المؤلفات المتنوعة. يشتغل بالمحاماة فى كل من القاهرة وقليوب حيث الأهل والأرض . سمير هو أكبر الأبناء الأربعة ، يليه سعيد رجل الأعمال ثم الدكتور سامى الفنان الكبير صاحب نصب الجندى المجهول فى أرض الاستعراضات فى مدينة نصر ، ومن بعده الدكتور سامح أستاذ الفلسفة وصاحب المؤلفات المعروفة .أما الوالدة فكانت تقضى وقت فراغها فى أشغال التطريز الجمالى.
- لم يشاهد أحد من النقاد المصريين أعمالا إبداعية لسمير رافع بعد رحيله إلى باريس . كل ما نعرفه عنها إنما نستقيه من إبداعه الذى مازال محفوظا لدى شقيقه الدكتور سامى رافع . قرابة الخمسين ، تتراوح بين تصوير زيتى على كرتون ( 7× 100 سم ) ، وتخطيطات سريعة صغيرة بألوان الزيت أو بالأحبار والأقلام . تتنوع موضوعاتها بين تكوينات يلعب فيها شكل الرجل دورا ً أساسياً . يصورة تارة مع سمكة أو طائر أو شمعة أو أمرأة أو رجل آخر أو أكثر .وتارة يرسمه مع مجموعة من القطط أو قطة واحدة . وقليلا ما صوره مع كائنات أخرى كالعصفور والحصان ـ أما موضوعات المناظر الطبيعية فيتضح فيها أنه استكمل ابداعها داخل جدران مرسمه وليس فى الخلاء مثل الانطباعيين . ويلاحظ فى لوحات الطبيعة الصامتة التى تصور الزهور والفاكهة والخضراوات ، أن ألوانه وتشكيلاته بعيدة عن محاكاة الواقع شكلا وموضوعا ، اعتمد فيها على التعبير بالملامس ورمزية الألوان وتغيير النسب الأكاديمية مع تكوين غير منطقى لا يخلو من التلميحات والايحاءات . كل ذلك فى إطار ذى نكهة شعبية تكشف عن نفسها فى الطابع الأسطورى لأعماله والعناصر التى نلتمسها فى أشكال الوشم أحيانا. لا يخفى على عين الناقد أن أعمال سمير رافع قبل هجرته إلى فرنسا ، تجمع بين الأسلوب السيريالى الذى يشبه الكوابيس ، وبين استلهام عناصر الفن الشعبى والأساطير الفرعونية وتنطوى على صدق الفنان وإيمانه بابداعه ، بالرغم من أنه ورفاقه فى الفترة التى سكنوا فيها بيت الفنانين كثيرا ما كانوا فى المساء يشعلون النار فى لوحاتهم التى رسموها فى الصباح.
- كان يصور الأفكار والفلسفة وليس الأشخاص والأزهار وما يراه فى البيئة من حوله. كما يتضح من فكرة احراق اللوحة بعد تصويرها ، أو إهمالها عشرات السنين لدى شقيقه ، أن أهدافه من العملية الابداعية كانت تتحقق فور الانتهاء منها .لا يعنيه ما يحدث بعد زوال التوتر العصبى والاحتشاد النفسى والتوهج الذهنى الذى كان يحس به قبل التفريغ الذى يتحقق خلال النشاط الابداعى .
- قد يتشكك أحدنا فى مصداقية تحليلنا لموقف سمير رافع من إبداعه الفنى ، وتفسيرنا لعملية إحراق اللوحات التى كان يمارسها مع رفاقه فى بيت الفنانين ، وواقعه أهماله لرصيد ضخم من اللوحات الفريدة لدى شقيقه فى القاهرة ، مثل لوحة ` الزمن ` الشهيرة ، التى تصور رأس رجل عجوز ، منظورا من الجانب ( بروفيل ) يبدو وقورا مهيبا يوحى بالخلود والقدم والاستمرار . يسند ذقنه على قبضة يده اليمنى ، ويتهدل شعره الأشيب خلف رأسه حتى يصل إلى كتفيه . يحتار المتلقى فيما إذا كان الرأس لرجل من البشر أو لتمثال من حجر لا يبلى . تحفة فنية صورها فى التاسعة عشرة من عمره وهو فى عنفوانه الابداعى وتوقده الفكرى .أعاد رسمها وتلوينها وصياغتها بعد قرابة السنوات العشر تتميز بالتكامل بين الموضوع والمضمون والأبعاد الاستطيقية والأداء العالى ومناسبة الخامة والأسلوب.
- فكرة بلوغ الفنان هدفه فور انتهاء العملية الابداعية ، وعدم اكتراثه بمصير إنتاجه ، فكرة لها أكثر من سابقة فى العصر الحديث .الفرنسى بول سيزان ( 1839- 1906) أبو فن الرسم والتلوين الحديث ، كان يقيم فى قرية ` اكس لوبان ` حيث ورث عن والده بيتا ومبلغا من المال يدر عليه خمسمائه فرنك فرنسى كل شهر ، أغنته عن الحاجة إلى تسويق أعماله .
- كان يطوف بربوع القرية حاملاً أدواته حتى يتوقف فى الناحية التى تثير اهتمامه وتساعده على تحقيق نظريته اللونية ، يعكف على قماشه لعدة ساعات لا يعنيه خلالها حركة الضوء شأن الانطباعيين ، كان يقصر اهتمامه على التجسيم باللون ، وليس بالتظليل كما كان يفعل سلفه الإيطالى ليوناردو دافنشى ( 1452 - 1519 ) ، كان سيزان حين ينتهى من رسم لوحته يتركها فى الخلاء ويمضى ، لا يعنيه أن يأخذها الفلاحون ليسدوا بها فراغات شبابيكهم التى تحطم زجاجها ، حين جاءت بعثة متحف اللوفر بعد وفاة سيزان ، نظرت الفلاحات من نوافذ بيوتهن المتواضعة ، وهتفن بأعضاء البعثة : لدينا لوحة من أعمال سيزان ` .
- وكانت البعثة تشترى تلك اللوحات بفرنكات معدودة ، بينما تساوى الآن ملايين الدولارات ولا يوجد متحف فى العالم يرغب فى التفريط فى إحدى مقتنياته منها ، لم يقم سيزان معرضا فى حياته الطويلة سوى مرة واحدة سنة 1906 وهى السنة التى توفى فيها وحضر الافتتاح محمولاً على محفة .
- سمير رافع الإنسان الأسطورة
- أما الهولندى : فنسنت فان جوخ ( 1853 - 1890) الذى أطلق على صدره الرصاص وهو فى شرخ الشباب ، بعد أن صور آخر لوحاته التى تبدو فيها الغربان تحلق فوق حقول القمح . يفسر بعض النقاد المعتمدين انتحاره ، بأنه وضع حدا لحياته ، حين لم يجد فى جعبته جديدا يضيفه إلى فن الرسم والتلوين . لم يكن هدفه تسويق لوحاته وكان يحيا على معونة شقيقه ` تيو`، ويحدثنا التاريخ أنه لم يبع لوحة واحدة خلال السنوات العشر الأخيرة من حياته ، ولم تكتب عنه الصحف سوى بضعة سطور مرة واحدة طوال ذلك العقد ، ولم يكن يتوانى عن الرسم والتلوين دون انقطاع حتى أخر يوم فى حياته .
- هكذا نرى من استقراء سلوك سمير رافع ، أنه لم يكن يريد بلوحاته سوى أفراغ الشحنة الفكرية والانفعالية ولا يعنيه بعد أن يقضى لبانته بمصير اللوحات التى قامت بهذه المهمة .
- فى منتصف الثمانينات أقامت الوسيطة الألمانية أورسولا شيرنك عرضا لمختارات من لوحات سمير رافع الكبيرة ، فى قاعة رجب التى كانت تشغل الطابق العلوى من السفينة التى يتخذها الدكتور حسن رجب معهدا لأوراق البردى على شاطىء النيل بالجيزة .
- الصور المرافقة لهذه السطور التقطناها لبعض تلك اللوحات ، لنزيح الستار عن أفكاره وفلسفته قبل أن يغادرنا إلى فرنسا وكان عمرة آنذاك يناهز الثمانية والعشرين عاما ، كان قد أنهى سنوات تعليمه العالى فى الكلية الملكية للفنون الجميلة ، ودراسته طوال عامين فى قسم الرسم فى معهد التربية للمعلمين بجامعة إبراهيم باشا ( عين شمس حاليا) حيث تخرج سنة 1950 ، ولم يتمكن من السفر إلا بعد أربع سنوات . ثم انقطعت أخباره لأعوام طويلة ، نسجت أثناءها من حوله الحكايات والشائعات التى ذكرنا بعضها فى مطلع حديثنا .
- لم يتردد سمير رافع على القاهرة شأن رفاقه الفنانين المصريين المهاجرين : أحمد مرسى سيد درويش وجورج البهجورى ، رجائى كراس ووديع المهدى ، والمثال أدم حنين .
- الجميع يقيمون المعارض فى القاهرة وبعضهم يشترك فى المحافل الدولية باسم مصر كما فعل البهجورى فى بينالى النحبة باللاذقية فى سبتمبر 1999 ،أما سمير رافع فلم يزور القاهرة سوى مرة واحدة لبضعة أشهر ، كما أسلفنا القول ، كتب خلالها بعض المقالات لمجلة ` الهلال ` حين كان صديقه كامل زهيرى رئيسا لتحريرها ، ثم عاد إلى فرنسا ، من الجدير بالملاحظة أنه لم يقم معرضا واحداً فى مهجرة طوال تلك الغيبة الممتدة ، أنه يحيا فى باريس فنانا محترفا ، يرتبط بوسيط يدير قاعة عرض ويحتكر تسويق ابداعه .لا نعرف شيئا عن طبيعة هذا الابداع الذى يتفرق لدى المقتنين أولاً بأول .المصريون الذين زاروه فى باريس ، كانوا يلتقطون به فى الأماكن العامة بعيدا عن البيت والمرسم ، قابله الناقد سمير غريب فى مطلع الثمانينات ، أثناء إعداده لكتاب السيريالية فى مصر ` .التقى به عدة مرات وسجل تلك اللقاءات على شرائط تحدث فيها سمير رافع عن حياته ومغامراته الفنية والسياسية واستعان بها سمير غريب فى إصدار كتابه ` الهجرة المستحيلة فى منتصف عام 1999 رجعنا ليه فى رصد الوقائع التى وردت فى مقالنا هذا ، لكن لوحات ما بعد الهجرة ما زالت فى طى الغريب لا ندرى عنها شيئا ولا توجد بين أيدينا صور فوتوغرافية لها سوى النزر اليسير كلوحة ` حى القصبة ` فى الجزائر .
- كان والد سمير رافع مثقفا ، كما أسلفنا القول ، وكان هو أكبر الأبناء فظفر بعناية خاصة . حرص والده على تعليمه القراءة والصلاة قبل دخوله إلى المدرسة .وبلغ من النباهة أن ألحقوه فى الصف الثانى بمدرسة الظاهر الابتدائية التى كانت أربع سنوات حينذاك ، كما صادف أن كان إسماعيل القبانى رائد التربية الحديثة فى مصر ناظراً لمدرسة فاروق الأول الثانوية التى التحق بها سمير، وكان صديقا لوالده ويختار التلاميذ لتقوم بتجاربه التربوية .كما كان والده يصحبه كل أربعاء إلى صالون عباس محمود العقاد ، وإلى صالون إسماعيل القبانى فى أيام الجمعة حيث التقى بصاحب نظرية الفن الفطرى فى مصر حبيب جورجى ( 1982- 1965) .
- عدة مصادفات كالعادة تصحب سيرة بعض الموهوبين ، ليصنعوا من أنفسهم شيئا يقتحمون به صفحات التاريخ .هكذا لاحقت الظروف السعيدة سمير رافع ومن بينها التقاؤه بالرسام الملون فؤاد كامل (1919- 1973) الذى أصبح فيما بعد من رواد المذهبين السيريالى والتجريدى .
- دبر فؤاد كامل لصديقه أول معارضه فى مكتبة قطان بشارع قصر النيل وهو مازال فى سن السابعة عشرة ، توالت معارضه بعد ذلك فى نقابة المحامين 1951 ، وفى مكتبة ` سميث` التى كان يديرها لطف الله سليمان المعروف باتجاهاته الماركسية وعلاقته بالسيرياليين الذين أطلقوا على أنفسهم ` جماعة الفن والحرية ` .
- بدأت صلة سمير رافع الفكرية بباريس من خلال صداقة جورج حنين بأندرية بريتون ( 1896 - 1966) صاحب البيان السيريالى الشهير ، وأصبح سمير رافع عضوا فى جماعة الفن والحرية .الأمر الذى يقدم تفسيرا للنكهة الفكرية غير المنطقية فى لوحاته ، واختلاطها بنجاح مع الرموز المصرية المحلية ، وعناصر الفن الشعبى ومضامينها التى تشكل لحمة الفن المصرى المعاصر وسداها ، تلك الظاهرة التى نلمسها فى أعمال عبد الهادى الجزار (1925- 1966 ) وحامد ندا ( 1924- 1990 ) قبل أن يتحول الثانى إلى المذهب الشبقى ( ايروتزم).
- وحتى عام 1944 ، كان سمير رافع قد احتك بكل الجماعات الفنية ذات الطابع الفلسفى ، التى اجتاحت الحركة التشكيلية المصرية، فى عام 1945 كلل جولته الفكرية بابداع لوحة ` الزمن` : رائعته التى أصبحت علما عليه ، بعد عشر سنوات أى سنة 1955 أعاد رسمها وتلوينها فور هبوطه على مدينة النور .
- كانت بعثته تستهدف دراسة تاريخ الفن فى جامعة السوربون طوال تسع سنوات ، يعود بعدها إلى الكلية التى لم يكن بها متخصصون لتدريس هذا العلم المهم ، وإذا كان الشىء بالشىء يذكر ، فقد بقيت الكلية تعانى من هذا القصور عشرات السنين بعد أن خذلها سمير ، لم تتغلب عليه إلا فى العام الدراسى 1998 حين استقدمت الدكتور عبد الغفار شديد - وهو عالم مصرى متخصص يقوم بتدريس هذه المادة فى كلية الآداب بجامعة ميونخ بألمانيا .قام على الفور بتأسيس قسم تاريخ الفن ، على نسق ما يجرى فى أرقى أكاديميات أوروبا .انتدب له تسعة علماء من الجامعات المصرية ، متخصصين فى مختلف فروع تاريخ الفن :الفن الإسلامى والقبطى واليونانى والرومانى وعصر النهضة والمصرى القديم .. إلخ ومع ذلك فما زال هناك قصور ، إذ يقوم على تدريس تاريخ فن التخصص للسنوات النهائية فى الكلية ، أساتذة غير متخصصين حاصلين على دكتوراه فى فلسفة الفن وليس تاريخ الفن.
- المدخل لتذوق وتفسير وتفهم أعمال سمير رافع ، يصبح شديد الوضوح لو أننا تأملنا كلمات البيان الذى وضعه حسين يوسف أمين رائد جماعة الفن المصرى المعاصر ، فى مقدمة كتالوج معرضها الأول ، الذى أقيم فى مدرسة الليسية بباب اللوق بالقاهرة سنة 1946، كان سمير رافع يناهز العشرين من عمره حينذاك .كان البيان المشار إليه هو الإطار الفلسفى الذى يحكم النشاط الإبداعى للجماعة . ونستطيع أن نتبين فى أعمال أعضاء الجماعة أشكالاً مختلفة لتطبيق كلمات البيان ومضامينه .يقول فى البيان نقلا عن كتاب الهجرة المستحيلة : إن قيمة العمل الفنى تتفاوت بقدر ما تختلف نسبة امتزاج الفكر والاحساس معا.وعلى الفنان أن يكون بداخله فيلسوف ليصل إلى القمة .وعليه ألا يسجن نفسه مع القيم الشكلية والأوضاع الجمالية المجردة . التطور هو فكر العصر وعلى الفن أن يرتبط بالحياة .
- وصل سمير رافع إلى باريس أول مرة فى نهاية يوليو 1954 مبعوثا إلى جامعة السوربون ، ثم تركها بعد عشر سنوات إلى الجزائر فى يونيو 1964 ، ثم كر راجعا إلى فرنسا فى يوليو 1969 .. محطما ومريضا .
ولنا عودة إلى هذه القصة المثيرة التى لعب فيها دور البطولة واحد من أهم شخصيات الحركة التشكيلية فى مصر
بقلم : مختار العطار
مجلة المصور 11-12-1999
رحيل سمير رافع .. ` جبرتى ` اللوحة التشكيلية
- الناقد الفنان عبد الرازق عكاشة المقيم فى باريس اقترب فى السنوات الأخيرة من الفنان الراحل سمير رافع وكانت جلساتهم فى باريس تدور حول أدق التفاصيل التى يذكرها الفنان عن حركة التشكيل المصرى ومواكبته لها حتى الستينيات .. وخلال فترة العامين الأخيرين بدأ الناقد عكاشة فى الإعداد لكتاب حول الفنان رافع وكان يطلب منه مراجعه وقراءة بعض مسودات كتابه واكتملت أوراق الكتاب قبل رحيل الفنان بشهور باسم ` العودة المستحيلة ` . ونقدم مقالين للناقد عكاشة هما من أوراق كتابه الذى لم يطبع بعد عن الفنان الراحل الكبير يتناول فى المقال الأول رحلة سمير رافع التشكيلية وفى الثانى مراودة فكرة العودة لمصر وتهربه منها .
- سمير رافع هو ابن جيل شق باطن الأرض المصرية حتى يخرج منها كنز الثقافة الجديد ، كان عضوا بارزا فى العديد من الجمعيات المصرية التى أسست على أرض الكنانة منذ 1938 وهو المولود لأب محام كان صديقاً شخصياً للنحاس باشا مولود فى 1926 ونلاحظ هنا نضجه المبكر واطلاعه المستمر وتفتح عقله بالقراة والنشاط فلوحته القواقع التى فازت فى صالون القاهرة 1938 دفعت برمسيس يونان بأن يدعم صداقته ويدعو للتعرف والانضمام على جماعة الفن والحرية .. ويعتبر محمود سعيد أن هذه اللوحة من أهم إنتاج ذلك العام.
- ثم أسس هو بنفسه جماعة الفن المعاصر مع سالم الحبشى وكمال يوسف ثم انضم إليهما الجزار بعد عامين وحامد ندا فى 1942 وأخيراً انضم للجماعة حسين يوسف أمين فى عام 1946 حين رشحه لهم الأستاذ شفيق رزق كى يبحث لهم عن قاعة عرض فى عام 1946 أى بعد مضى أربع سنوات وثلاثة معارض على تأسيس الجماعة.
- والفنان د.سمير رافع وهب نفسه للفن واعتبره هدفه الأول والأخير لأنه يملك ملكات خاصة منذ الطفولة فكان يرسم بالنهار ويجهز ملفات حكم القضايا مع والده فى الليل ، لذلك أمتلك دقة المعلومة ، معنى تحديد الأشياء والمعرفة بالكلمة براعة الحكم ، يقظة وفطنة المبدع مدعومة بفصاحة اللسان فى سرعة رفع الحجاب عن أشياء كثيرة نعرفها عن الحركة الفنية المصرية أو لا نعرفها .
- أثناء أحاديثى مع أ.د سمير رافع وجدته يملك شجاعة غير مسبوقة فى رصد الحقائق ويملك قوة غير عادية فى تحديد الأشياء والضرب مباشرة على وتر حساس ونغمة صادقة ، إن ما نقوله نحن فى النقد فى صفحات عديدة قد تجد الأستاذ سمير يحدده فى جملة واحدة ، لأنه كان يملك من الخبرة والعلم والدراسة ما يجعله يفك شفرات طلاسم أشياء عديدة داخل أعقد اللوحات التشكيلية ، إنه صريح يقول لك مباشرة إن هذا العمل لا يعجبه أو إن هذا العمل جيد دون لف ودوران كما يفعل بعض النقاد أصحاب المصالح مع العلم أنه لم يقدم نفسه كناقد لكنه فنان وباحث أظن أن الحركة الفنية المصرية لم تستفد من عمله بالقدر الكافى فحين حدثنى هو عن أن توفيق الحكيم طلب منه مذكراته مع فرنان ليجيه كى يكتب لها المقدمة ويقدمها إلى الصحافة المصرية ` سمير غريب طلب المذكرات للنشر وكامل زهيرى فعل نفس الشىء` لكن هناك ظروفا ما حالت دون نشر هذه المذكرات ، وهنا أظن أن الظروف لم تكن ضد المذكرات ولا ضد سمير رافع أظن أن الظروف ضدنا نحن لأننا حرمنا من نعمة المعرفة ، التعلم الدراسة والبحث من وراء هذه المذكرات ، أظن أنه حتى الجيل اللاحق على سمير رافع لم يشرب من المياة الجارفة التى تخرج من بين أنامله كما يجب فما هو حالنا نحن الأجيال البعيدة عن هذا الجيل ؟
- كانت جلساتى مع الأستاذ سمير لمعرفة كيف أسس وشارك فى بدايات حركة الفن المصرى الحديث فها هو تاريخ الفن المصرى الحديث يمشى أمام أعيننا ونحن نصم الآذان ، فدكتور سمير رافع تاريخ حقيقى كان يمشى على قدمين أمامى كان يحفظ الأسماء جيدا يدهشك أنه يحفظ حتى التاريخ لحظة بلحظة بعيد دائما تنسيق الأشياء وتحديدها دون تحريف أو تجريف لحقائق تظهر عن ظهر قلب يحدثنا دائما عن لحظات لقائه داخل حركة التشكيل المصرى بأسماء كنا نضع لها نماذج الشرف والحكمة وخدعنا فيها كثيراً ، ثم يحدثنا عن أسماء رحلت وظلت رغم القيمة الحقيقية لها ، كنت فى بداية معرفتى بالأستاذ سمير أقابله مرة كل أسبوعين حيث حرصت على التعرف إليه وشرف الجلوس معه وحرص هو على التعرف على شخصى البسيط ووضع فى الثقة لذلك أصبحت اللقاءات أسبوعية ثم تحولت إلى مرتين وثلاث فى الأسبوع نأكل ونشرب سويا نتصادق فى المشى والحديث فكان يزرع فى الرغبة فى الحلم والأمل من خلال الفن وأزرع فيه رغبة واحدة هى ضرورة العودة ، العودة إلى التحليق فى سماء مصرنا العزيزة بعد ما يقرب من 40 عاما ، وحين رجعت لمصر ووجدت قاعة بيكاسو بشكلها البديع ثم وجدت الصديق الكاتب الصحفى عبد السلام فاروق والأستاذ حسن عثمان كلهم أمل وإصرار على عودة الأستاذ سمير رافع من وراء ذلك كما حدثنى صديقى عبد السلام فاروق رغبة الوزير الفنان فاروق حسنى فى حتمية إقناع أستاذنا الكبير والمعلم سمير رافع سقراط الفن المصرى فى العودة كى يحلق فى الفضاء الذى هجره منذ عام 1954 كى يجلس مع فرنان ليجيه ويسجل معه أحاديثه التى سبق الإشارة لها ثم يحاور سلفادور دالى عن طريق صديقته ` مشيل` الفرنسية وكان يعرف بيكاسو عن طريق الفنان الكبير أمادى أوزثفان وأندريه لوت ، يبدو أن سمكة النيل خرجت من مصر صغيرة كى تسبح فى نهر السين فى توحيد الأفكار فهو ابن التاريخ المصرى ابن حقيقى وليس ابنا على سبيل الربط التاريخى وهذا ما يكشفه فنه وما تكشفه أبحاثه ، فدكتور سمير رافع ذهب يبحث عن العلم والفن كى يرشدنا نحن فنانى مصر ، ذهب يبحث يرفع ويكشف حجاب طلاسم الحداثة كى نتعرف عليها من العمق وليس كالقشور كما نفعل الآن فى بعض المناسبات أظن أن د.سمير رافع امتلك الرغبة والقوة والإرادة فى أن يقدم لنا علمه رغم الزمن الطويل لعمره المديد .. فى حديث سابق فى جلسة فى مصر مع الفنان عدلى رزق الله قال لى تصريحا مهما بسؤاله عن سمير رافع قال :` إن سمير رافع أهم عقل مفكر فى تاريخ الفن المصرى المعاصر `.
- وهنا أفتح أقواساً أخرى من خطاب الأستاذ سمير الذى قدمه لى من تحليل لحديث دار بينه وبين سعد الخادم فى عام 1943 حول الصراع بين المهارة اليدوية والتقنيات ونكشف فى الخطاب صراع أوروبا نفسها الذى تعيشه اليوم فمن شاهد صالون ` الفياك ` التظاهرة العالمية عام 2002 سوف يكشف أسرار خطاب الأستاذ سمير الذى كتبه منذ نحو 59 فها هى أوروبا من خلال صالون ` الفياك ` تقدم هذا العام طرحا للصراع بين المهارة والتقنية لذلك احترمت فرنسا الأستاذ واعتبرته خبيرا دوليا فى فصل النزاع وتحديد هوية لوحات العديد من فنانى الحداثة مثل دبيفه وفرنان ليجيه.
- هوية اللوحة المصرية
- حين أتحدث مع الأستاذ سمير رافع يقول لى :إن حامد عبد الله كانت له رواية مهمة جدا أفادت الفن المصرى ` نلاحظ الاحترام بين فنانين من جيل شبه متقارب وإن كان عبدالله أكبر فى السن ` ويقول أستاذنا دكتور سمير ` عبد الله رأى أن المدرسة الفرنسية الممثلة فى أحمد صبرى والمدرسة الإيطالية الممثلة فى يوسف كامل يمكن جمعها فى صحن مدرسة واحد كى ينصهرا ويخرجا لنا رواية جديدة تخص الفن المصرى الحديث ` .
- قال هذا أستاذنا سمير دون أن يؤكد ماذا أضاف هو بنفسه إلى حركة الفن المصرى واسمحوا لى بأن أقدم رواية مبسطة عما أضافه هو إلى حركة الفن المصرى من خلال تعرفى المباشر على أعماله حين بدأت فى وضع أرشيف فوتوغرافى لها.
- توحد الفن والإنسان
- عند تعرفى على أستاذنا سمير رافع ووجدت أن أعماله لا تنفصل عن حياته حيث يقول هو بنفسه إن أعماله تعكس دائما حياته كمرايا شفافة تنعكس عليها الصورة المباشرة وهنا نجد أن بيكاسو نفسه اكتشف الخيط هذا عند د. سمير رافع وقال له : ` يا سمير أعمالك هى مذكرات تعكس صور حياتك `.
لذلك نجد أن د.سمير رافع ` جبرتى ` جديد فى مسار اللوحة التشكيلى كما أنه يدمج فلسفة الحياة الاجتماعية مع فلسفة جماليات بناء العمل فمثلا نجده فى بعض أعماله بعد فترة الجزائر حيث عمل مستشاراً للرئيس ` بن بلا ` كمسئول عن الثقافة وتأسيس متحف الفن الحديث وكلية الفنون هناك ثم يتم القبض عليه من قبل ` بومدين ` بحجة أنه يخطط مع لطف الله سليمان كى يحتل عبد الناصر الجزائر هنا تأتى أعمال الفنان فى هذه المرحلة ذات إبداع يحمل درامية عالية وتغلب عليها فكرة الجمجمة والبناء اللونى شديد الدراما وهى أصعب مجموعة من وجهه نظره خاصة بالنسبة للمتلقى لما تحمله من بناء شديد العتمة هذه المجموعة على سبيل المثال تؤكد على عدم انفصال الفنان عن حياته الاجتماعية كمبدع تشكيلى.
- أما الفترات السابقة فنجد منذ البداية ركائز أساسية يعتمد عليها الفنان فى إبداعه فهو مفكر من طراز خاص فنجده يطرح فكرة جديدة ويجد لها حلولا تشكيلية توازى الفكرة حتى لا يحمل الفلسفة والفكر على حساب الحلول التشكيلية لكنه فى توازن عقلى شديد يجد الحل التشكيلى الموازى للفلسفة الفنية فى العمل الفنى فمنذ البداية قدم لوحة ` القواقع ` التى أستند عليها الجزار فيما بعد كحل لأعماله ، واعتبر جورج حنين اللوحة هى تأسيس لفكر سريالى عند رافع وفازت اللوحة بالجائزة الأولى فى صالون القاهرة بينما د. سمير رافع نفسه كان يعتبر اللوحة هى نواة تأسس لفكره الخاص وتأكيد سمير رافع نفسه كفنان .. هذا الاحساس داخله دفعه لتأسيس أكاديمية خاصة للفنون فى الفجالة مع كامل التلمسانى وراتب صديق وحسن التلمسانى الأخ الأصغر لكامل ، ولم يتعرض ناقد من قبل لتأسيس هذه الأكاديمية فى عام 1938 وكانت الأكاديمية فى حى الفجالة فى منزل جدته .
- وفى المرحلة التالية نجد أن الدكتور سمير رافع منذ بداية الأربعينات بدأ يغير فى لحمه اللوحة وجلدها التى كانت تغلف اللوحة المصرية فى السابق من تكوينات تميل إلى الأكاديميات ، ورغم أنه كان أستاذا أكاديمياً فى الفنون الجميلة لكنه كان مولعا بالتجديد ففى أعماله فى بداية الأربعينات بدأ يلغى فكرة البعد الثالث ورسم طبيعة خضراء خلف الشكل الأساسى وبدأ وكـأنه ` بونار ` المصرى يغطى اللون باللون ثم يعود ويكشفه فى أماكن محددة فكرة إبداعية ولونية جديدة يطرحها علينا .. مثلا فى لوحة الفلاحة التى تحضن بطة والتى رسمها عام 1943 وتفاصيل الجسم وكيف تمسك السيدة المصرية بالبطة فى حضنها وأبعدها بعض الشىء حتى يفصح لنا عن صدرها.
- وفى اللوحة يرسم عدة خطوط حفرية بالقلم المسنون تدلنا على عشقه للرسم كحالة ، ففى دفاتر أستاذنا سمير فى الفترة من عام أربعين حتى عام 1948 نجد حلولاً هائلة لفكرة الخط حين كان يذهب إلى حديقة الحيوانات فى القاهرة ويأخذ ألوانه وأوراقه ويحاول إيجاد حلول كما يطرح عليهم الأستاذ شفيق رزق ثم يدون أسفل الرسمة لماذا رسم هذا المنظر الذى يرسمه أحيانا عدة مرات ، ثم يكتب بخط اليد عن رأى الشخص الذى كان يصاحبه فى هذه الرحلة مثل فؤاد كامل أو يوسف سيده أو إبراهيم مسعودة وغيرهم.
- ويقول أستاذنا د.سمير: ` فى هذه الفترة فى الحقيقة كنت مهموما بفكرة بناء اللوحة أو صنع اللوحة كيف أصنع لوحة بمزاج خاص وبعيد عن فكرة الاستسهال لذلك نجده دائما يعيش فى هذه الفترة من خلال الأعمال بمزاج فنان باحث ومنقب فى صحراء اللوحة عن كنوز جديدة فى طريقة صنعها منذ البداية.
- نص صغير
- وهنا نفتح أقواساً أخرى للدلالة حول نص صغير كتبه الأستاذ رافع بخط يده عام 1943 فى مرحلة الطيور والنساء هذه المرحلة التى قدم فيها حلولا أخرى للصراع بين المرأة كحالة من النعومة وبين الطيور المفترسة .. فى النص يقول الأستاذ فى إشارة تحت الرسم ` الشخبطة وعنف الخطوط دون تفكير أو حساب تعبر بصدق وقوة أكثر من الخطوط المنسقة الأكاديمية عن وحشية الاعتداء .. فالرسم السريع بالشخبطة الأوتوماتيكية مثل أثار مخالب الطيور الجارحة `.
- ثم نجد أنه يدون تحت الرسمة عبارة أخرى لها دلالة فبخط يده يكتب ` التكبير بالزيت لهذا العمل حسب نصيحة جورج حنين لعرضها فى المعرض القادم الأرضية حمراء الصقور سوداء المرأة بيضاء 1944 ` وأظن أنه وضحت هنا طريقة عمل الأستاذ رافع ، فهذه الفترة يرسم بوجدانية فكرية أولا والوجدان له ضرورة حتمية مهمة ثم يعيد إنشاء اللوحة بفكر عقلانى إبداعى ثم يعتمد على فلسفة أخرى وجديدة أثناء الانتقال باللوحة إلى مرحلة أخرى والغريب أو المدهش أنه كان يؤسس فى هذه المراحل الأولى عالمه وحده بالطبع حدث هناك تبادل أفكار ونقل لوحات منه واقتباس فكره عند العديد من الفنانين كما حدث فى عدة لوحات نقلت نقلا عن راتب صديق أو عن عبد الهادى الجزار ، وهنا يقول ` إننا كنا نتفق على هذا لأنى أرى أن فلسفة الفن قائمة على أن الكل فى واحد `.
- لكن رافع يميزه هذا الابتكار حتى فى لوحات مثل الصرخة مثلا نجده يقدم رواية أخرى تماما لما قدمه إدوارد مونخ أو ` مونش ` إن صرخة رافع كانت مبكرة لكنها كانت مثل الكابوس الذى يطارده وهذه نبوة مبكرة لما حدث معه فيما بعد خاصة بعد رحلة الجزائر وانفصاله عن زوجته فى ظل دراما عالية الأحداث.. هذه الدراما التى تطل على عالم د.سمير رافع لم أجد كودا أفك به شفراتها ..لكنها قدر تاريخى كان كالرفيق بالنسبة للفنان ، ففى دفاتر أعماله العديدة كرسوم يحب أن تنشر نجده يرسم بنت خاله فى القرية التى انتحرت ثم يرسم الشيخ إسماعيل لحظات مرضه يرسم حتى بيوت قريته ` طنان ` حزينة ، العنصر البشرى فيها قليل لكن منظور السريالية المصرية الجديدة يجعله لا يرى فى القرية أحيانا غير هذا القط الذى يطل من خلف أحد المنازل البعيدة حيث توجد مساحة واسعة أمام المنازل تجهز الرؤية البصرية للاستعداد لتفحص البيوت وتأملها دون شوشرة خارجية.
- الخطوط الفنية
- عند ضربات الخطوط يرى الأستاذ سمير أنها تؤكد دون تفكير القوة التعبيرية فى العمل نجده يداخلها فى الألوان الزيت أيضا وكأنها خيوط منسوجة من بطن بعضها أو مفتولة بقوة ربط طنعتها يد قوية العضلات. إن خطوط د. رافع لا تفارق أعماله لكن فى عام 1948 يقدم لنا عملاً مميزاً جداً ` لرجل وامرأة ` فى تحليل لونى جديد بسيط وحنان مطروح مدموج بفلسفة بسيطة أو فلسفة البساطة ، فى هذه اللوحة تحديدا قد نجد خبرة غير عادية فى تبسيط الأشياء والإمساك بها ، فكم اللوحات التى نقف أمامها للتحليل كبير جدا فالأستاذ كان ينتج ويعمل ويفك ويحل شفرات الأشياء لكن الأهم أنه كان يطرح الأفكار ، يفتح الأبواب على مصراعيها للأسئلة للبحث وطرح الأفكار ففى لوحة حواء وأدم المرسومة فى 1943 نجد نضج هذا الفكر حين رسم لأول مرة الأشجار وكأنها رجال ونساء وفى جانب أخر رسم مجموعة بيض كل عنصر يلتحق بالأخر ويعانق بعضهم البعض كوحدة وحدت العديد من التدخلات والأنسجة المرتبطة عضويا ،إنه أبدع فى نسج هذه الوحدة بين العناصر أما التقنيات فهى غريبة لا يمكن أن نستدل عليها بسهولة فالعمل مشغول بحذق تقنى وأداء عالى الحس عكس لوحات الزيت ، لذلك أجد أن الدكتور سمير يعد فنانا كبيراً لكنه رسام مهم ومهم جداً يعرف كيف يعزف بالأقلام وكيف ينسج ألياف لوحاته.
بقلم : عبد الرازق عكاشة
جريدة القاهرة 9-3-2004
سمير رافع والهجرة المستحيلة
- لمع اسم الفنان سمير رافع كأحد نجوم طليعة الحركة الفنية فى سماء مصر بعد الحرب العالمية الثانية بين أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين ومغادرته الوطن من أجل استكمال دراسته فى جامعة السوربون فى باريس .. ومن يومها حتى وفاته لم نسمع عنه سوى أخبار متناثرة ولم نشاهد له لوحات حديثة سوى صور فوتوغرافية يرسلها بين الحين والأخر .
لنقرأ له مقالاته السبع التى نشرها صديقه الصحفى الكبير كامل زهيرى فى مجلة ` الهلال ` عامى 1968، 1969 تحت عنوان ` مذكرات فنان مصرى بباريس ` ، حين كان رئيسا لتحريرها .. ثم فى أواخر عام 1987 شاهدنا نعرضا استيعاديا للوحاته التى أنتجها قبل رحيله من عام 1945 حتى 1953 عرضها شقيقه الفنان سامى رافع بمجمع الفنون بالزمالك.
- وفى أغسطس عام 1998 أرسل خطابا لشقيقه مكون من أربعين صفحة عن ` الاقتباس الممسوخ ` لأعماله الفنية التى مسخها صديقه كمال يوسف .. وعرضها فى الولايات المتحدة بعد تشويهها ، وكانت أخر أخباره عندما نشر الناقد الصديق سمير غريب كتابه عنه باسم ` الهجرة المستحيلة ` .
- عاش ونصفه في باريس ونصفه الآخر فى مصر
- فى عام 1951 كتب عنه الناقد البلجيكي الكونت دارسكوت conte d`Arochot كتابا بعنوان ` سمير رافع وأعماله ` باللغتين العربية والفرنسية ، قال فيه : يمكن تلخيص فن سمير رافع بثلاث مقومات : نظام الخط ، والأحجام ، واستعمال الدرجات الصافية ذات الطابع المصرى ، وأخيراً الروح العالمية .. فأسلوبه فيه الخطوط والأحجام مشابهة للنزعة البنائية فى النحت الفرعونى، فى بساطة الوسائل المستعملة .. وقسوة المواقف غير المتحركة .. الكلاسيكية .. وعندما ينظر المرء إلى تجمع هؤلاء الأشخاص لا يمكنه إلا أن يتذكر فى إحدى لوحاته ` الحوار المقدس ` فى القرن الخامس عشر الإيطالى .. ورغم ذلك فإن سمير رافع ينتمى أساسا إلى الطراز الإسلامى وذلك واضح فى ميله إلى الأشكال الهندسية فى الخطوط وفنه هو فنه الخاص .. ولا يمكن عمل أية مقارنة بينه وبين اتجاهات مدرسة باريس .. ففيه ألوان شرقية تدين مميزات تكاملها إلى أساسها الشعبى .
- ربما كان سمير رافع أول تلميذ مصرى يقيم معرضا خاصا لأعماله الفنية .. ولم يتجاوز عمره السابعة عشرة .. وكان من الطبيعى أن يلتحق بمدرسة الفنون الجميلة العليا ` كلية الفنون الجميلة ` بالقاهرة عام 1934 ، التى تخرج فيها وليعمل مدرسا للفنون الزخرفية .. وتاريخ الفن .
- وتحقق حلم سمير باختياره كمبعوث لدراسة تاريخ الفن ، والحصول على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون بباريس بتشجيع من وزير المعارف الدكتور طه حسين فى ذلك التاريخ .. ويشد رحاله إلى فرنسا عام 1954 .. ولم نتوقع رحيله إلى الأبد عن الوطن .
- وفى باريس تعرف على كبار الفنانين ونجح فى اكتساب صداقتهم حتى إن الفنان بابلو بيكاسو أهداه لوحتين من تصويره .. كما ألقى العديد من المحاضرات باللغة الفرنسية .. بينها محاضرة عن الفنان المعمارى لوكور بوزيه Le Corbusier .. أحد مؤسسى الحركة النقابية .
- وعام 1964 ذهب إلى الجزائر ليعمل مستشاراً للفنون الجميلة فى وزارة التربية الوطنية لمدة أربع سنوات .. وفى العام الأخير أصبح أستاذا لتاريخ الفن الحديث فى كلية الآداب .. جامعة الجزائر
- ولكن رافع وقع ضحية لشك السلطات الجزائرية والمصرية أيضا.. بعد انقلاب بومدين على بن بيلا .. وذلك لمعرفته الوثيقة ببن بيلا التى ترجع إلى عام 1949 حين كان يدرس فى القاهرة ، وفى يوليو 1969 زادت المشاكل التى تعرض لها فى الجزائر لاتهامه فى محاولة تهريب بن بيلا من المعتقل .. وهكذا اعتقلوا سمير رافع وألقى به فى السجن منفردا .. وعندما خرج من السجن رحلوه من الجزائر دون تمكينه من أخذ ممتلكاته وإبداعاته الفنية .
- وكان الاضطهاد والمطاردة ثم الاعتقال فى الجزائر سببا فى انهيار نفسيته وضعف حالته الصحية ليعود إلى باريس مريضا .. متهالكا .. وحيدا .. لتبدأ رحلته الثانية هناك يجرى فيها أولى العمليات الجراحية عام 1972 تبعتها ثلاث عمليات أخرى .. وظل طريح الفراش لا يستطيع ارتداء الحذاء لمدة أربع سنوات ` 1972 - 1976 ` .
- وبالرغم مما حدث للفنان رافع من متاعب قاهرة .. إلا أنه لم يستسلم ولم يضيع وقته سدى .. بل كان يرسم بالرصاص والحبر رسوما سريعة وهو قابع على السرير فى شقته بباريس وسط لوحاته وابداعاته ومقتنياته الكثيرة من كبار الفنانين .. التى تصلح لإقامة متحف متكامل .
- اقتنى سمير رافع طوال حياته فى فرنسا ما يربو على 200 لوحة .. أغلبها من كبار الفنانين العالميين مثل بيكاسو ، جياكومتى ، لوكور بوازية .. أندرية لوت .. جون ديبيفيه ..وأميدى أوزنفان وآخرين ، وفى أواخر ثمانينيات القرن العشرين عرفت إحدى الشركات المتخصصة فى بيع الأعمال الفنية عن تلك المقتنيات لتتفق معه على بيعها لحسابه .. حيث قدرت الأعمال بنحو خمسة ملايين دولار .. وطبعت لها كتالوجا فاخرا.
- وأقامت لها مزادا فى ضاحية فرساى عام 1990 وحققت بيع جميع اللوحات .. إلا أن الشركة أعلنت إفلاسها .. وهكذا وقع الفنان فريسة لحالة نصب عالمية .. ومازالت القضية منظورة أمام المحاكم الفرنسية .
- فى كتاب ` الهجرة المستحيلة ` للناقد سمير غريب .. يقول رافع عن مسيرته الفنية وأسلوبه وتقنياته .. بأنه منذ عام 1942 وهو يشيد لوحاته كما يصمم المهندس المعمارى المبانى .. وأصبح الرسم بالنسبة له سلسلة من الحسابات الرياضية المترابطة ببعضها جيداً .
- يمر أى عمل فنى يبدعه سمير رافع بثلاث مراحل رئيسية تتخللها مراحل ثانوية أو مكملة عديدة .. فالمرحلة الأولى هى مرحلة الانطلاق والارتجال الحر للفكرة .. دون أى قيود فهو يحاول ابتكار وتخيل أشكال وعلاقات بين الأشكال .
- وفى المرحلة الثانية يقوم بتنظيم المحصول التشكيلى من تجاربه الأولى .. حتى يكتسب الدقة مستخدما الحسابات الهندسية والرياضية داخل إطار الفراغ التصويرى .. المتمثل فى أبعاد السطح .. المستقبل للأشكال والخطوط والألوان .. وهنا يجد الفنان صعوبة ما فى مزج وتزاوج الحرية الشخصية بالقوانين العالمية الدائمة .. التى تتعدى الأهواء الشخصية المتغيرة .. وهذه الصعوبة تفسر كثرة المحاولات المتتالية فى رسومه التحضيرية .. وتجاربه العديدة .
- وأخيرا تأتى المرحلة الثالثة ليترك العمل الفنى بعضا من الوقت حتى يهضمه .. ويمتزج داخل نفسه بحيث يمكنه التعبير عنه بعد ذلك بشكل تلقائى يتميز بالحرية والسليقة .
- إن الفنان سمير رافع لم يهتم بالعناصر المادية المحددة بل كان اهتمامه ينصب على الترابط الروحى الفنى الخاص به .. ثم يبدأ فى التصحيح .
- وأتذكر فى شرحه لى تكوينه وترابطه فى لوحته عن ` السلام ` أحد مقتنيات متحف الفن المصرى الحديث ، عند زيارتى له فى بيت الزوجية ، تلك اللوحة المستلهمة من لوحة الفنان الإسبانى فرانسيسكو جويا الثالث من شهر مايو 1808، التى أنجزها عام` 1814 - 1815 `.
-ولكن سمير رسم بأسلوبه المتميز مع تلوينه اللوحة بألوان معبرة .. وصارخة عن الموقف المأساوى .. من قتل الأبرياء وذلك بعيد عن بالته ألوانه الأصلية .
- وظل رافع فى هجرته .. يرسم ويصور الموضوعات نفسها التى تميز بها قبل مغادرته القاهرة إلى الأبد .. فلم يحدث له تغير شكلى أو اتخاذه أسلوبا آخر .. لدرجة أن البعض يقول إنه لم يحدث له تطور جديد .. رغم حدوثه بالفعل من ناحية التقنية وسيطرته على العمل ، لكن الروح نفسها .. هى مزيج من العقل الباطن والواعى .. مع الحساب الرياضى .. وأشكاله الحرة والتوق للعودة إلى الوطن .. حيث امتزجت كل هذه المتناقضات فى أعماله الفنية تراثه الأصيل بشاعريته وإنسانيته والحنين إلى جذوره مع خياله السوريالى الخاص جدا به .
- ويقول للناقد سمير غريب عام 1994 : أنا حاليا فى فترة أشعر فيها بأن نصفى هنا فى باريس .. ونصفى الآخر فى مصر . ولهذا تبدو كل شخوصه فى لوحاته الأخيرة مقسومة إلى نصفين ويؤكد ذلك أن الأسلوب الفنى ليس مجرد طريقة فى الرسم .. وليس مجرد استخدام أسلوب ما أو عجائن وألوان .. إنه فى النهاية هو العمل الفنى الذى نراه يتميز الفنان سمير رافع بأنه مفكر وباحث وناقد موسوعى وفنان .
- ولم أشاهد سمير رافع قط بدون كتاب يتصفحه أو يقرأه فى انتقالنا بالترام من حى السكاكينى إلى الزمالك حيث تقع كلية الفنون الجميلة أو العودة ولن أنسى مطلقا محاضراته عن الفن المحفورة فى مخيلتى وذاكرتى .. خصوصا المحاضرة التى ألقاها ردا على محاضرة أندرية لوت الفنان والناقد الفرنسى ووجهة نظره عن الفن .. وأيضا محاضرته كأستاذ للتاريخ وهو يشرح لنا لوحة بيكاسو الشهيرة ` الفتاة والمرآة ` التى لا تستطيع التفرقة بين الفتاة وصورتها المنعكسة على المرآة .. امتزاج كامل بين الحقيقة والوهم .
- وإذا قلبنا صفحات الماضى وبحثنا بدقة فى حق الفنون الجميلة فيما بين الحرب العالمية الأولى والثانية .. نجد أن الفنون انطلقت من عقالها بحرية متناهية .. بينما كان الاسلوب الأكاديمى مسيطراً ولا يسمح بالسير أبعد من الحركة الانطباعية .. حيث ضاق الفنانون الشباب بهذه القيود وتمردوا عليها .. وكانت أفكارهم تدور حول ضرورة تحطيم المثل الأكاديمية وإقامة قواعد وأصول جديدة تتلاءم مع ما لمسوه من تحولات فى المجتمع المصرى .
- وكانت ظلال الشك والقلق تمتزج بألوان الفنانين وأشكالهم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث تأسست الجماعات الفنية التى أخذت تكيل الهجمات العنيفة على فنانى الصالونات وكان بينها ` جماعة الفن المعاصر ` التى أسسها الفنان حسين يوسف أمين من تلاميذه الواعدين : سمير رافع ، عبد الهادى الجزار ، حامد ندا ، إبراهيم مسعودة ، أحمد ماهر رائف ، محمود خليل ، كمال يوسف وسالم الحبشى ، حيث تبوأ سمير مركز الصدارة للمجموعة ، لتميزه بثقافته الفنية الواسعة وتخيلاته وابتكاراته المهمة .
- وفى رأيى الخاص ، فإن لوحته التى أطلق عليها اسم ` الزمن ` تعد إحدى البصمات الفنية المعاصرة فى مسار الحركة المصرية الحديثة .
- وهناك أعمال عديدة أخرى تسجل الحالة الاجتماعية القلقلة والثورة النفسية فى مجالاته الحسية ومشاعره الإنسانية من بينها لوحة ` وحى مصر ` التى عرضت فى باريس عام 1949 .. ولوحاته التى شاهدناها فى معرضه المقام بنقابة المحامين فى القاهرة عام 1951 .. وجلست أغلب الأيام معه أتأمل ابداعاته واستقبال الزوار .. من بينها لوحات ` الأسرة ` ، `حمامة السلام` دافنى ، مشاعر خفية ، حراس جبل المقطم ، فلسفة تشاؤمية .. الوادى الأخضر ..ديناميكية .. حياة الإنسان .. أصدقاء الليل .. مشاركة وجدانية .. الأم .. المرأة والقط .. الطائر الحبيس .. صيادو السمك .. الطائر الأحمر .. والكثير و الكثير من اللوحات التى لم يراها فى مصر إلا البعض اليسير.
- وأتمنى أن نشاهد أيضاً بعضا من روائعه التى نسجها فى المهجر بروحه ودمه بعد نقلها إلى مصر .. ليتبوأ سمير رافع مكانته الفنية العالية كأحد الطلائع فى الحركة العالمية المعاصرة .
بقلم : محمد حمزة
جريدة القاهرة : 30- 3-2004
لوحات العملاق سمير رافع تنتظر من يشاهدها !
- بعد أن استعادتها وزارة الثقافة من فرنسا
- شهد قصر الفنون حدثا فنيا وثقافيا مهما مساء الخميس الماضى بافتتاح المعرض الاستيعادى الضخم للفنان الراحل سمير رافع والذى ضم 441 لوحة تصوير ورسم ، بعد أن نجحت وزارة الثقافة فى اعادة أعماله المتميزة إلى مصر عقب وفاته فى باريس العام الماضى .. والغريب أن معرض الفنان العملاق لم يستقبل إلا أعداداً قليلة من الجمهور فى يوم الافتتاح رغم أهميته الكبيرة التى ربما لن تتكرر خلال سنوات طويلة قادمة وفور عودة الأعمال إلى مصر فى 23 نوفمبر الماضى تم تشكيل لجنة لفتح الصناديق القادمة من باريس.
- برئاسة الفنان محسن شعلان وعضوية أحمد راضى خبير الترميم وعبد النبى مرسى مدير المعارض القومية والعالمية ويوسف حمدان مدير إدارة مراكز الفنون وعضوية قانونى ومالى وبحضور السيدة سحر رافع ابنه الفنان الراحل .. وانتهى عمل اللجنة إلى وجود 1069 لوحة زيتية و 16851 اسكتش رسم و48 كرتونة ممتلئة بالكتب إضافة إلى 318 لوحة زيتية وجرافيكية من مقتنيات سمير رافع الخاصة لفنانين أخرين وبعض الأوراق واليوميات الخاصة بخط يدة والعديد من الصور الفوتوغرافية بما يثرى تاريخ هذا الفنان .
- أعمال دبلوماسية
- وكان وزير الثقافة أصدر قرارا فور علمة بإمكانية تعرض أعمال الفنان الراحل للبيع فى المزاد بالخارج بضرورة إعادة جميع الأعمال إلى مصر على نفقة وزارة الثقافة عن طريق الحقيبة الدبلوماسية بالتعاون مع المكتب الثقافى للسفارة المصرية فى باريس .
- كما صدر قرار بتشكيل لجنة برئاسة الفنان آدم حنين وعضوية الفنانين د. طه حسين والفنان حلمى التونى والفنان محسن شعلان لاختياره اللوحات التى سيتم اهداؤها للوزارة وتقدر بخمسة وعشرين عملا زيتيا لمتحف الفن المصرى الحديث ..
- وهذه الأعمال المعروضة حاليا بقصر الفنون تعرض فى مصر لأول مرة وتمثل نماذج ومراحل مما نفذه الفنان السيريالى الكبير سمير رافع خلال أكثر من خمسين عاما منذ هجرته من مصر إلى فرنسا فى أوائل الخمسينات ..
- وفى هذا المعرض يعتبر حدثا فنيا وثقافيا مهما بكل المعايير ولم يخطر على بال أى فنان أو مشاهد فنى فى الحركة التشكيلية أن يشاهد هذا الكم من الأعمال الفنية الزيتية ومن اسكتشات الاحبار والرصاص لسمير رافع الذى اختفى عن الساحة الفنية لأكثر من خمسة عقود ولا نعرف من أعماله إلا أربعة أعمال فقط من مقتنيات متحف الفن المصرى الحديث وهى من الأعمال التى قدمها فى الاربعينات مثل سفره إلى باريس أو من خلال كتابات النقاد ومؤرخى الحركة التشكيلية المصرية الذين تناولوه كفنان مؤثر فى الحركة السيريالية المصرية مع الفنان عبد الهادى الجزار وحامد ندا .. وإلى هنا وبمجرد سفره إلى باريس انقطعت سبل وصول المعلومات التى تكفل متابعة هذا الفنان المتميز والذى يعد أحد أهم علامات الحركة التشكيلية العربية ولكنه فى باريس أغلق الأبواب على نفسه تماما وعلى لوحاته التى لم يشاهدها حتى اقرب المقربين إليه.. كما أنه لم يحضر إلى مصر مطلقا ولم يقم معرض واحد باستثناء معرض اقامه شقيقه الفنان سامى رافع أواخر الثمانينات 1989 فى مجمع الفنون بالزمالك وجميع الأعمال العائدة للفنان تثبت قدر مكانته الرفيع كفنان واستاذيته الابداعية والتقنية فهى تضم وتمثل علامات واضحة لما حققه الفنان الراحل أثناء فترة ابتعاده عن الوطن إلا أن معظم مواضيعها وملامحها لم تبتعد عن المجتمع المصرى بمنهجه الفنى السيريالى الذى بدأه فى الأربعينيات ولم يبتعد به عن الحس الابداعى المصرى الذى أتسمت به سيرياليته فى بدايته وليعد هذا المعرض بالنسبة لمنظومة المعارض المصرية هو أهمها على الاطلاق وهو بحق حدث فنى ربما لن نشهد مثله على مدى عقود قادمة لما تمثله هذه الأعمال من قيمة فنية عالية إلى جانب أهمية الفنان سمير رافع ( 1926 - 2003) الذى يمثل الحركة التالية لجيل الرواد المعروفين محمود سعيد .. محمد ناجى .. يوسف كامل .. راغب عياد.
- تمرد
- وقد كان لأعمال سمير رافع صدى عالمى مما جعل الناقد البلجيكى الكونت دارسكوت ينشر كتابا عنه وهو شاب منذ أكثر من نصف قرن عام 1951 وهو يعد أول كتاب ينشر عن فنان مصرى فى ذلك الوقت وقد جاء هذا الكتاب بعد سنوات قليلة من ظهور الفنان فى الحركة التشكيلية فى منتصف الأربعينيات وكان فى الطليعة التى قادت أفكار الشباب ومشاعرهم فى سنوات التمرد والرغبة العارمة فى التغيير بعد الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1952 وتعتبر أعماله هذه من كلاسيكيات الفن المصرى الحديث ..
- ونذكر ما كتبه الناقد الفنى جيرالد ميسادييه بمناسبة معرضه فى أبريل 1951 والذى تصدر كتالوج المعرض بعد أن نشره فى لابورس ايجيسيان والذى أفتتحه محمد يوسف همام بك وجاء فيه ` يذكر هواة الفن فى القاهرة لوحة عرضت عدة مرات فى معارض الفن الحر حوالى 1945 تمثل وجها لا يظهر عليه تقدم السنين ولا ينعكس فى عينيه أى بريق ذا شعر طويل أشعت يتكىء على أيد صلبة متحجرة لحمها شأنك من التقلبات الجوية - ممثلا الزمن - قوة تعبيرها نجحت فى ترك تأثيرها فى كثير ممن رأوها وكانت إحدى اللوحات الأولى التى أعلنت عن العبقررية الجديدة للفنان المصرى الشاب سمير رافع ` .. وأضاف وأنه ليظهر لنا حقيقته ومظهره بطريقة جلية جديرة بالمعرفة تستطيع أن تجعله يتزعم الحركة الفنية عند الشباب المصريين .. فيبدو فن سمير رافع مختلفا عن فن كثير من الفنانين الحدثيين إذ لا يقف عند الجمال الشكلى بل يهدف إلى التعبير خلال التاأمل والتعمق فى الأشياء والأشكال فظهر هذا فى تكتلها وهذه الأهداف تصل به إلى فنون وأغواء الفنانين الايطاليين الميتافيزيقيين أمثال دى كيريكو وموراندى`.
- وقبل ذلك بثلاثة أعوام كتب عنه الناقد ولهلم فيولا فى مجلة ` دير بوند ` السويسرية عام 1948 قائلا :` سمير رافع عمره 20 سنة يصور انسانية القرن العشرين : مدافع وأدميين يندفعون إلى المياة . . بومه تخطف منهم فأرا وأخرى تتطلع إلى المأساة الانسانية .. سمير رافع ليس لديه اندفاع بيكاسو الحركى الذى نراه فى ` جيرنيكا ` ولكنه يقول شيئا أخر وصوره ` الزمن ` و ` حديث الشفق ` و ` الخلق والغناء ` تحمل رسالة جديدة .. وهو أيضا يصور المناظر الطبيعية مثل ` حراس جبل المقطم ` ` سلسلة مرتفعات فى شرق القاهرة ` وهى صورة تمثل الطبيعة المصرية التى تنيرها الأضواء الحمراء والصفراء `.
- غربة
ومنذ أكثر من خمسين عاما سافر الفنان الشاب سمير رافع للأعداد والحصول على رسالة الدكتوراه وهناك التقى ببيكاسو وجياكوميتى وفرناند ليجيه وكان لهم مناقشاتهم حول الفن والحرية والغربة والقيمة والابداع واكتشف بيكاسو فى لوحات سمير الهندسية والمعمارية المصرية القديمة.
- وعاش سمير فى بداية غربة بين باريس والجزائر وأصبح فى الجزائر مديرا للمتحف الوطنى ثم حدثت مشاكل - أظنها سياسية أو مخابراتيه - تم بعدها ترحيله من الجزائر إلى فرنسا نهائيا.
- ومن الكتاب المصريين كتب عن الكاتب الكبير كامل زهيرى قائلاً: ` الموهبة كالجريمة لابد أن تكتشف .. هذا ما كنت أقوله فى شبابى ضاحكا عن أصحاب المواهب خاصة موهبة الرسام سمير رافع الفذة وقد انكشفت مبكرا موهبته الغنية الفياضة وهو لا يزال فى صدر الشباب .. وكان سمير رافع أول الدفعة مع مرتبة الشرف فى معهد التربية العالى للمعلمين 1949 وكان معيداً فى الفنون الجميلة أيام الفنان الكبير حسين بيكار وأستاذه حسين أمين ولكن موهبة الرسام سمير رافع كانت تبدو لنا كالقذيفةلابد أن تصل إلى بعيد `.
- وهذا الفنان الكبير الذى جاءت حصيلة إبداعه مشحونة فى سبعة صناديق ( 1069) لوحة زيتية و ( 6751) اسكتش وهو يمثل تراثاً فنياً ثمينا لواحد من أهم فنانى السيريالية المصرية كانت أعماله معرضة للضياع لولا مسارعة وزير الثقافة فاروق حسنى بإصدار قرار وزارى رقم ( 381 ) لسنة 2004 بأن يتحمل قطاع الفنون التشكيلية تأمين وتغليف وشحن الأعمال الفنية الخاصة بالفنان الراحل من باريس إلى القاهرة كى يقام معرض كبير يليق بتاريخه الفنى وتاريخ الحركة التشكيلية المصرية.
- عرض 441 لوحة فى قصر الفنون تلخص مشواره الابداعى المتميز
- وبالفعل شوهدت الخميس الماضى ( 17 فبراير ) هذه الأعمال الشديدة الروعة فى قصر الفنون بالجزيرة ليتأكد الدور الأمين الواعى الذى قام به وزير الثقافة للحفاظ على تراث مصر التشكيلى الذى هو ملك للإنسانية والأجيال القادمة والذى أهدت أسرة الفنان متحف الفن المصرى الحديث 25 عملاً زيتياً تمثل مراحل ذلك الفنان المصرى العملاق الذى للأسف لم يحضر افتتاح معرضه الا عدد قليل فى قصر الفنون والذى اعتاد على استقبال عدة مئات من المشاهدين فى معارض تقل قيمة عن هذا المعرض المدهش .
بقلم : فاطمة على
مجلة أخبار النجوم 26-2-2005
سمير رافع هذا الساحر القديم
- أخيراً عاد معنا سمير رافع إلى موطنه ، وسمير رافع أيها السادة هو الفنان المتبرم والسائر على سيخ التمرد الساخن ، وهو من خرج من مصر فى عام 1954 ليعيش فى باريس ، ويقضى هناك قرابة نصف القرن ، يرسم ويرسم ، ويحفر فى ذاكرته ليستخرج على اللوحات وطنا يخصه وحده ، فقد كانت له ` مصر ` تخصه وحده ، لا يشرك فيها أحدا الا بقدر ما يشخصها بجنونه المتتابع الحركة .
- ويغمرك احساس عارم أنه استطاع أن يحتفظ من مصر بتراب الألوان القديمة التى كانوا يرسمون منها على المعابد .
- وحين وصلنى نبأ موت سمير رافع ، قلت لابد أن تهبه القاهرة حياة جديدة .. صحيح أنى لم أكن أعرفه على المستوى الشخصى ، وحين وصلت إلى باريس عام 1964كان هو قد غادرها إلى الجزائر ، وهناك التقى بصديق لى حياته هى خلاصة الانسانية ، وكنت أتابع ما يكتبه سمير رافع فى مجلة ` الهلال ` عن المثال السويسرى جايا كوميتى ، وكان جيا كوميتى يذهلنى برؤيته لهشاشة الوضع البشرى ، تلك الهشاشة التى ورثها عنه المثال المصرى الكبير كمال خليفة ، وأن اختلفت روح كل منهما عن الآخر ، ولكنى لم أر لوحة واحدة لسمير رافع اللهم الا فى صور باهتة تسىء إلى الفن كله والفنانين أيضا .
- وقام الفنان فاروق حسنى باقتحام دنيا ` قابيل وهابيل` أى دنيا أسرة الفنان الراحل ، تلك الأسرة التى انقطع عنها وكأنه والد قطط لا والد بشر.
- ولأن فاروق حسنى عاش فى باريس ، فلابد أنه قد رأى الفنان بدليل أن الفنان كتب اسمه فى جواز سفره كأول شخص مسئول عنه فى حالة حدوث أى مكروة ولحظة أن حدث المكروه الأعظم فى حياته الخاصة بانتهائها ، تقدم فاروق حسنى بمشاعر النيل الفياضة تجاه كل من اضاف ولو خطوة بسيطة فى دنيا الفن ، وقامت وزارة الثقافة بأذابة جليد البيروقراطية العتيد ، تلك البيروقراطية التى قد تسمح بدخول المبيدات السرطانية ، ولكنها تترصد اللوحات وكأنها أشياء ضارة بحياة البشر ، على الرغم من أن البيروقراطية لو تعلمت كيفية أدراك الفن لاسترد القائمون عليها جدراتهم بأن يكونوا بشرا لهم قدرة على احترام النفس .
- وقفت أمام هذا الفيض من ثراء المراحل المختلفة فى حياة هذا الفنان الذى سمعت عن شراسته الكثير ، حتى خيل إلى أنى أسمع عن أمل دنقل قديم ، وكان أمل أكثر البشر حنانا وتقديراً لمن يحبهم ، وكان كل منا يعتز بصداقة الآخر .
- حدثت سمير رافع الباقى على جدران قصر الفنون المتواجد فى ساحة الأوبرا ، وقلت له : ` لقد تقلبت كثيرا بين مدارس الفن ، وهنا شبهه تأثير لبيكاسو وبراك وكثير من نجوم القرن العشرين التى سطعت فى سماء باريس ، ولكن ظلت مصر التى هربت منها تمسك بقلبك ولا تعطيك فرصة للآفلات منها `.
- ولا يمكن أن أنهى هذه السطور دون أن أقول لفاروق حسنى : شكرا على ترويضك للصقور الجارحة والنسور التى طارت بعيدا فقد أعدت لنا أجمل ما فاضت به حياة هذا الفنان الذى رحل عنا ليستقر خالدا فى قلب هذا الوطن.
بقلم : منير عامر
العالم اليوم 26-2-2005
سمير رافع عاش ورحل ... بعيداً عن أرض الوطن !
- معرض شامل ومتنوع للفنان الراحل سمير رافع افتتح بقصر الفنون بأرض الأوبرا .. اهتزت معه الحركة التشكيلية فى مصر .. وأصبح المعرض مزارا للفنانين المحترفين والهواة على حد سواء .. وطلبة الكليات الفنية المتخصصة .
- وسمير رافع المولود فى عام 1926 فى القاهرة ، كان نابهاً منذ طفولته فقد استلهم الثقافة والقراءة من والده المحامى .. وفى سن العشرين رسم لوحة مهمة جداً بعنوان ` الزمن ` وبدأ نجمه الفنى يلمع منذ ذلك الوقت وفى تألق مستمر وتجدد وتطور فى أسلوبه عبر خياله الخصب ، ومن القرية إلى الحلم السريالى .. إلى الصراع الجسدى بين الإنسان وذاته ، فهو يحمل بداخله روافد إبداعية عديدة ظهرت كثيراً فى أعماله التى تحمل رسوم العرى الجسدى ، لكنه كان لا يهدف إليه بذاته بقدر ما هو تعقيدات مختلفة وإسقاطات وارتباطات نفسية بين الأشياء وبعضها .
- من الملاحظات المهمة فى مسيرة الفنان سمير رافع والتى اكتشفت بعد رحيله ، أنه كان يقوم بعمل رسوم تحضيرية تصل إلى العشرة للعمل الفنى الواحد وبالرجوع إلى هذه الرسوم نجدها لوحات أو اسكتشات مصغرة مكتملة الأركان وكان لا يقوم بتنفيذ لوحاته الزيتية إلا بعد مشوار طويل من الدراسات والاسكتشات فهو يحسب للعمل بناءة وطريقة تكوينه من خلال رحلة الرسوم التحضيرية .. فهو باحث جيد فى إدراك التقنيات التى تخدم جماليات أعماله التشكيلية .. كما كان يسجل بشكل جانبى بعض الملاحظات والدراسات عن طريقة رسم كل لوحة مؤيدة بالتواريخ.
- بلاشك .. اتسمت أعمال سمير رافع بالحلم السريالى وارتبطت أعماله التصويرية بزوايا تشكيلية متعددة فى سن مبكرة ، وكان القلق الصادر عنه أساساً لتلك اللوحات السريالية ولوحات القواقع.
- ترك سمير رافع مصر قاصدا باريس عام 1954 لتكمله مشواره الفنى والمعرفى ، وفور وصوله اتصل بكل من ` أندريه لوت` و ` حامد عبد الله` وغيرهما وكان هناك مقهى للمصريين ، كانوا يتجمعون فيه بميدان الأوديون ، وتدور خلاله الأحاديث حول مصر والتطور الحادث فيها .. ثم تعرف على الفنان الفرنسى المعروف ` فرنان ليجيه ` .
- هذا المعرض الضخم الذى افتتحه الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة ، هو جزء ضئيل من إنتاجه الفنى الضخم ..فهو يملك رصيداً هائلاً من اللوحات والاسكتشات والرسوم الملونة لموضوعات إنسانية وموديلات .. وكان حريصاً على ترتيب مثل هذه الأعمال ترتيبا يسمح بمشاهدتها وتبويبها وتنسيقها بسهولة إن هذه المجموعة الكبيرة من أعمال سمير رافع هى توثيق حقيقى لمرحلة مهمة فى حياة فنان كبير عاش ورحل .. فى الغربة بعيداً عن أرض الوطن .
بقلم : عادل ثابت
مجلة الكواكب : 8-3-2005
لوحة سمير رافع تخصّه ولو تأثر ببيكاسو ومور والفن المصرى القديم
- أعماله عادت من باريس إلى القاهرة
- سمير رافع غير المعروف مصرياً وعربياً بما تستحقه إنجازاته التشكيلية رحل عن دنياه التى سجن نفسه فيها، وكانت باريس هى منفاه وسجنه الفنى إن جاز التعبير.
- من هو سمير رافع؟
- ولد سمير رافع عام 1926. بزغ اسمه وهو طالب حيث كتب عن تاريخ الفن كتاباً، اشترك فى تأسيس جماعة الفن المعاصر، وكان يزامله الجزار، حامد ندا، ماهر رائف، مسعودة، كامل يوسف. كان سمير رافع هو الأكثر تقديراً والأهم منذ البداية. قابل بيكاسو وحاوره بندية. قدمه بيكاسو لجياكوميتي وقامت بينهما صداقة استمرت. حاور سلفادور دالى وكانت لوحته `الزمن` المنشورة مع هذا النص موضوع النقاش الذى انتصر فيه الفنان لنفسه. شارك فى الثورة الجزائرية وكان مقرباً إلى بن بيللا. بقدوم بومدين أصبحت حياة الفنان وحياة أسرته فى خطر بعد الاتهامات التى وجهت إليه. عاش في باريس بعد نجاته - ذهبت أسرته إلى مصر - وحيداً، غريباً، معتزلاً وفى النهاية مريضاً، أنتج وأنتج واحتمى بلوحته التى أصبحت ملاذه الوحيد.
- وعاد
- باطل الأباطيل. الكل باطل. والفن ليس قبض الريح.
- تعود ألف لوحة وثلاثة آلاف رسم بعد مجهودات مضنية من وزارة الثقافة قادها الفنان فاروق حسنى وساهم فيها رجل الأعمال نجيب ساويرس ودعمها ابنه `ساهر` والساهر حقاً على تراث أبيه. رحل الرجل الذى غادرنا وعاد الفنان وعادت أعماله إلى قلب `الأم` التى تستحق والتى أعطت ابنها الموهبة والتى لا تعطيها إلا للندرة النادرة من أبنائها. ألم اكتب فى سيرتي الذاتية: باطل الأباطيل.. الكل باطل.. والفن ليس قبض الريح.
- لا أعتقد أن باريس كتبت كلمة واحدة عن رحيل فنان اختارها موطناً ثانياً له. نردد فى القاهرة الآن حكاية سمير رافع الفنية بألق خاص وشجن خاص أيضاً، فما أثرانا وما أغنانا بأعمال سمير رافع الغنية.
- يثير معرض الفنان سمير رافع، والتى توزعت أعماله المعروضة بين قاعات قصر الفنون والتى اتسعت لـ500 لوحة وقاعات مجمع الفنون والتى اتسعت لمئتى لوحة أخرى، ويثير هذا العرض الكبير والشامل كثيراً من القضايا الفنية على الساحة العربية التى انتمى إليها الفنان بلوحته وبوعيه وعراقة ثقافته، ولنترك حياته الشخصية لئلا نكتوى بنارها مثله، فكفاه عذاب الوحدة والمرض. تدعونا مائدة سمير رافع الفنية كفنانين فاعلين أو نقاد مساهمين، أو مؤرخين موثقين ومدققين إلى العمل بموازاة هذا العرض الثرى فنياً وفكرياً.
- لا ينتمي كلامى هذا إلى النقد الذى لا أحمل أدواته، ولا التأريخ الذي لا أقدر عليه، ولكن كلماتى هى رؤية فنان لأعمال تستحق التزود والتعامل الجاد الذى يثير المتعة الفنية الحقة لمن يريد.
- العقل والعاطفة
- تمثل أعمال سمير رافع الزواج الذى لا ينفصم بين العقل والعاطفة، أو الوجدان أو التلقائية الفنية. أقول هذا لأننى أرى أن حركتنا الإبداعية ما زالت تنظر إلى الفنان المثقف بعين ريبة، كأن الإبداع يأتى من مناطق لا تمت إلى العقل والذهن!! كان سمير رافع فناناً مثقفاً بفتح القاف ومثقفاً بكسر القاف أيضا.
- يستطيع الفلاح بناء تعريشة بتلقائية تدعونا إلى الاحتماء بظلها لكن بناء صرح كالهرم يحتاج إلى زواج العقل والمعرفة بالوجدان. يستطيع عازف الناي أن يشجينا بصرخة نايه وقت الغروب لكن البناء السيمفونى يحتاج إلى البناء العقلى احتياجه إلى العاطفة. تستطيع الأم بغنائها لأبنائها أن تعطينا السكينة، لكن كتابة المعلقات تحتاج إلى العقل مثل احتياجها إلى الوجدان.
- وكان عقل سمير رافع الحاضر في بناء لوحته، وفى مضمونها كأول ظهور للعقل فى الفن المصرى وجاوره وعاصره، وتقاسم معه تلك الهبة فنانى الأثير إلى قلبى أيضاً رمسيس يونان والثالث راحلنا عن باريس أيضاً حامد عبد الله.
- والساحر هو فنان مثقف أثرى الإنسان الأول وعاونه على الحياة، ورؤية لوحة سمير رافع يجب أن تدخل من باب التذوق العقلى مثلما تدخل من باب التذوق الوجدانى.
- لوحة سمير رافع
- امرأة تسيطر
- رجل يصارعها
- حيوان ذئبى شرس
- طائر يبدو أحياناً
- نبتة أو نباتات متوحشة
- هذه هى مفردات لوحة سمير رافع، يتجاورن، يتجاذبن، يتهامسن، يصرخن، يهللن، يتصارعن يتقاتلن، ويتضاجعن، ينهش الحيوان الذئبى لحم الأنثى، يهاجمها لاغتصابها، تقاتله، تصارعه، تسجنه ويسجنها، تلتهمه ويلتهمها، تحيطهما هالة من حيوانات برية شرسة تساهم فى دراما المشهد المصور، يتبدى الطائر أحياناً شاهداً أو نذيراً، قدرى الوجود والسمت، سماء ثقيلة، أو أفق صغير مغلق وضاغط إلى حد الاختناق، يساهم فى ثقل اللوحة بناء مغلق محكم. الأشكال نحتية الوجود، معمار اللوحة طاغٍ وهندسى، وهنا نستطيع أن نفكر فى استفادات الفنان من تاريخ الفن ومن الفنانين، هوى يصل إلى حد العبادة للخط فى الفن المصرى القديم، ناهيك عن الكتلة الصامتة، الشاخصة الأبدية الوجود.
- لوحة تكررت من دون تكرار
- هنا لا بد من التوقف لإثارة سؤال يبدو لى مزاحماً لتوارد أفكارى أمام لوحات سمير رافع.
- لماذا لم يتطور `الموضوع` كثيراً فى أعمال سمير رافع منذ بداياته فى الأربعينات، وتألقه فى الخمسينات، وإخلاصه وانغلاقه على لوحته ونفسه منذ السبعينات، وإلى يوم رحيله وخلاصه؟
- هل كان الإيمان بعبقريته باعثاً على الاستكانة وعدم الرحيل لاكتشاف آفاق جديدة للوحته!؟
- قد يكون هذا سبباً - لا أحب الاستنامة والاعتقاد به كثيراً - خصوصاً إذا أضفنا إلى إيمانه بذاته، نقداً واكب أعماله منذ بداياته فى شرخ الشباب يقول إنه `الأمل فى فن مصرى عالمى`، أو يقول إنه `الأكثر موهبة`، و`الأفضل إنتاجا`، و`الأهم كفنان فى جماعة الفن المعاصر`، ونسمع أيضاً أن بيكاسو قال عنه: هذا بيكاسو مصر! وأنا لا أرتاح إلى هذا الوصف، بل وأعتبره إقلالاً من قيمة سمير رافع الفنية، والتى لا أخفى إعجابى بها.
- هل كانت الغربة والعزلة عن منبع إلهامه هى التى دفعته إلى الحفاظ على ما اغترفه من وطنه الأم، حيث أوجد لنفسه سجناً وشرنقة أحاط به لوحته وحافظ عليها، وأغلق على نفسه لئلا يضيع فى أفق - - غربى كان على دراية به نظرية سابقة على رحيله إلى أوروبا، وزادت هذه المعرفة بحياة نصف القرن المتصلة التى عاشها فى مدينة باريس؟
- هل كان العشق المستحيل، والعطش الذى لم يرتو أبداً فى مضاجعة فكرته الأثيرة عن الصراع فى الطبيعة والوجود الإنسانى، والذى جعلنى أطلق على لوحته ` لوحة الصراع `؟
- رسم اللوحة مرات ومرات وأحياناً التكوين نفسه، الإضافات لا تلحظها العين العابرة، لكنها موجودة ومتحققة لمن يريد التعمق والاستزادة والاستمتاع الفنى.
- هل كانت تلك هى طبيعته الفنية، والتى علينا بقبولها بل واحترامها طالما أن هذا هو ما قدمه لنا الفنان وما جادت به عبقريته، خصوصاً أن التجربة وصلت إلى كمالها برحيل الفنان.
- التأثير والتأثر
- يقول البعض إن هناك تشابهاً بين أعمال الجزار وسمير رافع، وأنا أرى غير ذلك تماماً وسأدلل على قناعتى. كانت لوحة الجزار فى مرحلته الموازية لأعمال سمير فى الخمسينات لوحة تهتم بمعتقدات الشعب، المتحلقين حول الأضرحة، الممارسين لشعائر أسطورية غيبية، عالم الزار، والوشم، وزيارة الأضرحة، عالم سحرى طقسى، أما عالم سمير رافع فهو عالم مادى، يصارع فى الواقع لا غيبية هناك بالمرة، بل هو صراع من أجل البقاء حتى لو كان ثمن البقاء هو فى التهام الآخر، ما أبعد الشقة بين العالمين وإن تكررت هناك بعض الشواهد الخادعة، مثل الكرسى الشعبى، أو القط أو... فالاختلاف واضح وبيّن بل وصريح.
- أيضاً ستثار قضية التأثر ببيكاسو، لكننى أقول لقد أخذ من آخرين غير بيكاسو وهم كثر، أذكر منهم رفرناند ليجيه خصوصاً فى البناء وزهور الصلب والحديد، أخذ من جياكوميتى فى بعض الطبيعة الصامتة، أخذ من هنرى مور، كما أخذ من كثيرين، لكنه أنتج لوحة سمير رافع ليس إلا، وهذه سمة إيجابية فى أعماله.
- سمة إيجابية وليست نقيصة لأن لوحة سمير رافع استفادت من تاريخ الفن، فالأيقونة القبطية ماثلة أمام عينيه مثلما ماثل أمامه الفن المصرى القديم وهذا دليل على معاصرة الفنان.
- يدّعى سمير بأنه هو كاتب مانيفستو `جماعة الفن المصرى المعاصر`، ونلاحظ هنا تلازم المصرية التى بحث عنها سمير رافع فى لوحته واعتمد فى هذا على تراث فنى يعود فى بعضه إلى سبعة آلاف عام، ومعاصرة حاول دائماً التهامها منذ نعومة أظفاره وهذا يفسر لنا اختياره لباريس، لكنه بالطبع ليس بالسبب الوحيد.
- وإذا اتفقنا معاً على أن زاد الفنان وزواده يكمن فى الطبيعة / الحياة / الذات/ الإنتاج الفنى السابق واللاحق إن أمكن.
- كلمة أخيرة
- معرض شامل يثير فى الحركة التشكيلية العربية التفكير فى أهمية `توثيق` أعمال وحياة فنانينا، وبعد التوثيق تثير قضية `تقويم` أعمال فنانينا، وبموازاة التقويم لا بد من عمل الأبحاث الجادة للرسائل الجامعية.
- وكلمة أخيرة أهمس بها فى أذن المسئولين العرب عن الفن التشكيلى صارخاً:
- متى يعبر معرض شامل الحدود إلى البلاد العربية؟ ومتى يستمر المعرض الشامل لأشهر ثلاثة تتيح للمتلقى الاستيعاب والاستمتاع بهذا الكم الهائل من اللوحات؟ ومتى ستصدر كتب الفن الحقيقية؟ متى؟ متى؟
بقلم : عدلى رزق الله
الحياة 23 - 3- 2005
اسكتشات ولوحات الأربعينيات وأوائل الخمسينيات هى الأكثر إبداعاً على الإطلاق
- أما ما بعد ذلك حتى التسعينيات يمكننى أن أقول وهذا رأيى الخاص ولا أراء مطلقة فى الفن - أن لوحاته فى بلاد الغربة باريس هى أعمال استدعاء ذاكرة واستحضار قدرة إعادة تصور لنفس المواضيع والأشخاص وقد أخذ الفنان اسكتشاته التى رسمها فى مصر معه فسجنته داخلها .. ويبدو واضحاً للغاية من الرؤية الخارجية أنه فنان عاش نصف قرن فى الموقع الزمانى والمكانى لبؤرة الفن العالمى وتياراته باريس وما جت به من حركات فنية وفلسفية وسياسية وأدبية بعد الحرب العالمية الثانية قلبت عالم الإبداع وكان من المتوقع لإنسان يتفاعل مع زمان ومكان هو اختاره أن يتأثر بمحيطه ولو قليلا دون أن يفقد هويته الخاصة إلا أنه على مدى خمسين عاما كان يتغذى على رصيد إبداعه الأول فى مصر بنفس الشخوص والعلاقات والمشاعر والأدوات .. فظل سمير رافع يعيش بأربعينيات وخمسينيات مصر فى أواسط ونهاية الألفية الثانية الباريسية .. لذلك حين عمل الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة على إعادة أعماله كان بذلك يعمل على إسكانها زمانها ومكانها المفقودين.
- وفى الرؤية لستمائة لوحة مجتمعة بدت واضحة علامات سيطرة ماضية على حاضرة حتى كاد يخنقه وتغذى لوحاته على حياة عجوز قديمة لذلك سأضع فى عدة نقاط ما قد يدعو للتأمل فى تجربة سمير رافع المثيرة والغريبة ربما بإعادة التأمل اقترب من الفهم لأعمال ما بعد الأربعينيات وأوائل الخمسينيات التى أبدعها فى مصر وما اصطبغت به لوحات باريس السبعينيات حتى نهاية القرن الماضى بما جعلها تبدو لوحات متحجرة قديمة متصابية مقلدة لنضرة لوحاته القديمة .. وهذة النقاط التى تساعدنى على الرؤية أهمها جميعا جمود الزمان والمكان .. الذى عمل على تقدم خط الأفق وانغلاق البعد المكانى .. وبالتالى انغلق وتكور الشكل وانغلق الزمن بل وارتد للوراء فبدت لوحات ممسرحة ذات بعد وزاوية واحدة .. بشخوص بلوكية ` بلوكات ` جاهزة .. فبدت الوجوة والعيون وقد قتلها كثرة الاستهلاك أو ربما من طول الاختباء فى خندق الذكرى مما أدى إلى صراع مستمر بين المسخ الحيوانى والمسخ البشرى من كثرة الاستغلال الحسى المريض لهما .. وبدت غرفه القديمة خانقة الجدران كاشفة عن دوائر مفرغة داخل العقل .. ولتطل لوحاته علينا أو نطل عليها عبر نافذة قفص صندوقى فى مقدمة اللوحة من اعتصار الذاكرة .. فضاق أفق تصور الآخر وموت الذكرى بالرتابة والتكرار .. أو ربما بما أصابها بما يشبه الوعى المصعوق بخطوطه الشوكية وحدتها .. فى محاولته المستميتة كى يسترد ما تعذر استرداده .
- ومعنى ما ذكرت - من وجهه نظرى - أن الفنان سمير رافع توقف إلى درجة كبيرة نفسياً وإبداعيا عند الأربعينيات ومنتصف الخمسينيات .. ولم أصدق أى رجل هذا بكل هذا الثقل والعبقرية الذى يظل يعمل ما يقرب من خمسين عاما لمجرد تكرار شكل ومعالجة قديمة تزداد إلحاحا عليه .. فعادة رسوم الأربعينيات لا يمكن إنجازها فى الستينات وبالعكس ..لكنها أصبحت فيما بعد صورا من صور يحاول إنجازها فى التسعينيات لتعبر هذه اللوحات أكثر ما تعبر عن مدى إدراكه لما يفعله فى لوحاته التى بدت كمجلدات أو سجلات فنية وأن كل شىء عنده تمت جدولته ليصبح سيرة نفسية مكررة لتجارب قديمة مبدعة باهرة رائدة ليحولها عبر السنين إلى لوحات لتجارب تعصف بالعقل معبرة عن تقدم فنان عبقرى حثيثا تجاة الماضى.
- لذلك تدفعنى جولة رؤية بين أعماله سواء بطريقة ذاتية أو منهجية لأفكر كيف كانت مصر فى أعماله خلال الأربعينيات وكيف أصبح هو خلال التسعينيات .. ولأقترب من هذا فإننى لابد والعودة إلى مفاهيم الذاكرة وانسداد الذكرى وتكتلها أو تكلسها .. لكن عند سمير رافع كان هناك فى البداية تدريب وتمرين للذاكرة - هذا ما أعتقده - وأنه كى يسترجع المعلومات فهناك حالة التذكر التى بها كان ينسخ المعلومة من الذاكرة أما ما مر به من حالة التعرف هو استدعاء المعلومة مزودة بمعرفة أخرى رسبت فيما مضى فى الأربعينيات ` .. والمهم هنا الذاكرة الحسية غير القابلة للتحليل والتى تمسك بالذاكرة كالصدى ونادرا ما تستنسخ أما المعلومة البصرية لدى الفنان سمير رافع فقد حملت برموز وشخوص أيقونة أو رمزية كان فيما أعتقد كى يفتش عنها بعيداً عن الاسكتشات القديمة ربما كان يغلق عيونه للحظة ليحتفظ بالصورة واضحة لكل شىء رأة .. لكن حين يحاول تحليل التفاصيل تتضاءل الصورة لذلك لوحات فرنسا تضاءلت تفاصيلها التى كانت تزدحم وتمتد عرضا فى مقدمة اللوحة وعمقا إلى داخلها فى مرحلة الأربعينيات .. لكن كانت له محاولات ناجحة بالتمرين للذاكرة بكثرة الاسكتشات الدائمة التى زادت من سعة الذاكرة الرمزية .
- وسأسرد مثالاً قد يكون صائباً فى علاقاته وشخوصه والاختباء وراءهم حتى اختبأوا هم منه وكان يضطر لاستدعائهم بالمعلومة التى أكثر من استخدامها لتوصيفهم مثلما يوصف شىء أو فكرة فى مسجل توصيفى ففى أخر لوحة رسمها مؤرخه بخط يده فى 7 أبريل 2003 عالج محاولا الاستعانة بالكلمات بدلا من الألوان فرسم امرأة وكلب وبالكلمات التى هى وسيلة المعرفة كتب أسفل الرسم التخطيطى للوحة : الأرضية حمراء - المرأة بيضاء - الكلبة سوداء .. فهو هنا حالة لفنان يوصف ولا يقدم تصويرا لأنه بالفعل كل شىء تمتد جدولته ` ربما يرى ناقد آخر فكرة هذا العمل بطريقة أخرى `.
- وقبل أن أتطرق إلى حالة الإبداع وليس اللوحات تفصيلا فإنى سأبدأ بملاحظة واضحة للعناصر التى يعمل بها والتى تثير الإشفاق بهيئة أبطاله رجالا ونساء أو كلاباً ومسوخا وقد بدت وجوههم فى أغلبها شبه خضراء أو صفراء مخضرة كطالب المياة الآسنة أو كأنها وجوه خرجت من ثلاجات الموتى نكاد نشم الرائحة الشمعية للأكفان المعزولة عن الهواء .. وهذا لا يقلل من قيمة العمل لأنه يعكس حالة نفسية صادقة لكنها ملاحظة بدت لى واضحة ولن أطيل فى هذا لكنى سأقدم مثلا لما طال لوحاته المعزولة عن الهواء داخل خندق الذكرى ففى لوحة نشرت على غلاف كتالوج معرضه فى 5 أبريل 1951 نرى فيها رأسين متلاحمين متداخلين .. رأس رجل ورأس كلب . واستمر هذا التلاحم بين الكائنين فى عدة لوحات نموذج منها لوحة مؤرخة فى 1973 لنفس الاثنين وهى على نفس حالة التآلف والامتزاج النفس والعضوى على مدى سنوات حتى تذأب الكلب وأصبح بوجهه الذئبى الحقيقى فاختبأ منه رفيقه الرجل اختباء مادياً داخل قفص حديدى كحبس اختيارى كعقاب ذاتى .. وهذا ما رأيناه جميعا فى عديد من لوحاته الحديثة .لذلك تبدو اسكتشاته ولوحاته الباريسية هى تقطير للذاكرة المستدعاة لتبدو فى مجملها كصناديق داخل صناديق من الوعى .. وأخر اللوحات الداخلية فى كثير منها تبدو محاصرة بشكل متزايد تكثيفا وقصدية كى تحقق وجوده مع التكثيف الدرامى والتقنى من الفنان كى تتحمل اللوحة فرض اقتناع العبور خلال حدود فاصلة من الحقيقة والذاكرة متمسكا بالحرفية الموضوعية لأشكال قديمة ..لذلك تبدو لوحاته كمشهد مسرحى متوقع للذاكرة يعرض مشهداً وليس حياة .. فنرى شخوصه وحيواناته فى المقدمة فى عرض أدائى حسى ونفسى لما خلف الحدث داخل مساحة مكان يشغله شخوصه ويملأون فراغ كأنهم داخل نفق أو حجر تماما كرؤيته الفنية القادمة من الماضى .. ليتوجه فى لوحاته مباشرة المشهد الأدائى التمثيلى متفادياً أى بعد أو عمق حتى لا يسقط فى حافة ما بين الذاكرة وطزاجة الإبداع الذى جعله يتشكل من نفس مواقف قديمة مرت فيغير رسمها ويوقع مسجلا التاريخ القديم والتاريخ الجديد معا فكثير من لوحاته لها تاريخان .
- ولى ملاحظة أخرى على أوضاع شخوصه والحجرات الضيقة نراهم شخوصاً وحيوانات لا يتجهون من مكان لآخر .. لا يتحركون إلا فى علاقات حسية مقيدين كوتد فى المكان ومن هذا المكان والمشهد والإطار الواحد كانت محاولة تفجير الوعى الفردى الذى بدلا منه جاء بتفجير لوحات أسميها لوحات بيولوجية إن جاز هذا .
- أما وتديه الجسد فى المكان فهذا تميز سمير رافع الخاص منذ الأربعينيات حيث شخوصه بدت ككتل حجرية خارجة من الأرض أو رابضة فوقها لا تتحرك ربطت زمانها بالمكان لكنه كان إبداعه الخاص وابتكاره الرمزى فى زمن خاص .. إلا أن هذه الشخوص الحجرية لحقت به فى باريس وقد انفك عنها التكتل لتصبح علاقة تجريدية مسطحة توحى بالكثافة الرابضة.
- ورغم الكثافة كتكتل والتقنية العالية إلا أن اعتمد على الخط بصورة كبيرة ليأخذ عبر اللوحات فى التوحش وليصبح خطه القاسى الحاد معيار التقسيم الأول لوجود اللوحة فيما يخص استحضار غير المرئى أمام البصر أو المفقود منه بقسوة لا نظير لها لتصبح فى لوحاته الأخيرة خطوطاً شوكية حادة حوافها إبرية دامية . نبع عنها عالم منحنى الظهر غير مستقيم وهو غير حقيقى لم يتوجد لكنه استرجع كى يسجل لا ليكون خطاً مرئياً من حدود وجودنا كما فى لوحات الأربعينيات وأوائل الخمسينيات وليصبح الاستحضار القاسى لشخوصه فوق خط أفقى مباشر فى المقدمة مقصود منه أن يضعه الفنان شرطاً ووسيلة صادمة للفهم الجسدى للعلاقات بين شخوصه وحيواناته كأسرع طريقة للوصول إلى الأعمال الحسية الفورية المفترضة ليصدم العين ويحاصرها ببخار بصرى رغم وضوح اللون والخط إلا أن هناك غبار وعى كثيف يفصلها عن حقيقتها ووجودها فذلك الوجود فى المكان الناقص والمجهول وعدم الرؤية الممكنة للأفق اللا ممتد يجعل دائما شيئاً ما لا يتواجد .. صعب مناله .. يخص الفنان وحده .. يخص ماضيه الذى أخذ فى تقليبه على مدى نصف قرن فقد خلالها طزاجة وبراءته وروعة وجوده الفريد رغم التقنية العالية العبقرية إلا أن روح العمل فقد بصيرته من طول حبسه فى ظلام خندق الذاكرة وظلام مرسمه بعيدا عن الضوء ورؤية ما حوله .
- لذلك حين أقيم المعرضان فى قصر الفنون ومجمع الفنون كانا معا هما الدليل على ماضية الذى لم يغادرة ولم نر فيها دليل توقعاته المستقبلية لكنه أيضاً دليل على تلك العبقرية المستميتة فى قدرتها على تجربة العقل وحصاره حتى سد عليه منافذ تلقى الجديد .. فقد اعتمد بالكامل على تدريب الذاكرة محاصرا لها فربما كانت آلاف الاسكتشات التى جاءت مع الألف لوحة كانت هى تدريبه الدائم على ألا ينسى باستخدام نفس أبجدياته القديمة التى استبدعها رائعة فى الأربعينيات ليعيدها مرارا وتكرارا وكان من الممكن تحريرها لو طورها وجعلها تنمو حرة كفرع جديد لجذر قديم ضارب فى التجربة والخبرة القديمة . إلا أنها من كثرة التكرار فقدت فى معظمها - وليس جميعها - حلاوة الصوت البشرى الذى ملأ صداه الحى اسكتشات الأربعينيات الذاكرة الشفهية بدلا من البصرية فقد سعى حثيثا لزراعة أوضاع من الذاكرة حتى يرضى متطلبات عينة الداخله .وإن كانت هناك ميزات حقيقية لزرع الذاكرة البصرية والاعتماد عليها فهى أيضا لها عيوب خطيرة فى الاعتماد الزائد على أنماط بعينها فوق أى اعتبار للبصر حتى إننى أتصور أنه حتى قبل أن يسمح ليديه بالبدء فى الرسم كان ما يأتى على السطح كل مرة اختصار للاختصار البصرى النفسى القديم من ضمن ملاحظات غزيرة لحياة سابقة ثم أخذت تتقادم بالذاكرة ثم أخذ يخمن بخبرته الطويلة الغزيرة ` وهذا فيما عدا اسكتشاته التى رسمها لأصدقائه فى باريس ومعارفه من فنانين ` ، واتضح هذا فى رمزية ألوانه فاستخدامه بكثرة اللون الأصفر المائل للاخضرار يتضمن رمزية اللون القمرى البارد رمز الشك وعدم اليقين .. وظهرت رمزية المتاهة الداخلية - داخل شخوصه - بما بدا عليهم من القلق الذى يخنق عيبه وكأنه ينتظر مخرجاً من متاهة - كذلك بدت فى خطوطه المتصلة فى شبه سلسلة متداخلة لكنها بالفعل تكشف عن مهارة وخبرة فى التعامل مع الخط لا نظير لها وسأقفز إلى رمزية الذئب والخوف منه فى اللاشعور الجماعى وفى المعتقدات الشعبية البشرية القديمة إذ كان أول شىء يراه الإنسان هو الذئب فإن الإنسان يصاب بالخرس .. وكذلك شخوص سمير رافع.
بقلم : فاطمة على
جريدة القاهرة 29-3-2005
عندما تتحول الغربة إلى ألوان ونساء . وذئاب
- سأستكمل المقال السابق حول أعمال الفنان الماهر الكبير سمير رافع بادئه من منطقة خط أفق اللوحة المادى والمعنوى للوحات الأربعينيات وأوائل الخمسينيات (فترة وجوده فى مصر) المبهرة والتى يمتد فيها الأفق لأكثر من مستوى إلى عمق اللوحة موحيا ببدء الزمان عند الحافة ليمتد وينتهى بشكل متميز مع بانوراميه مستقبلية الرؤية .. وسأقارنه بلوحات باريس ` الغربة ` حيث المنفى الاختيارى للفنان وبه أصبح لخط أفق اللوحة أهمية كبيرة كمدلول إلى درجة ما أحادى الرؤية .. فشخوصه وحيواناته نراها قائمة وممددة فوق خط عرضى فى مقدمة اللوحة وفى مواجهة المشاهد مباشرة دون أية امتدادات بصرية أو معنوية إلى داخل عمق اللوحة .. وخط المواجهة بهذه الطريقة أوحى فى كثير إن لم يكن فى كل لوحاته تقريبا بتوقف المستقبل والامتداد فارتبط الزمن بانعدام خط الأفق التقريبى لهذا نرى شخوصه منكفئة على ذاتها ومكتفية فى علاقات متبادلة بين امرأة وذئب أو طائر أو امرأة ورجل وكلب فى علاقات متداخلة يبدون ككائنات متكورة عند مستوى سطح الأرض أو عند الخط الأفقى للوحة الذى انسحب إلى المقدمة من الجانبين.
- وأيضا خط أفق اللوحة مكانه الطبيعى ممتد إلى الداخل وببراح ، كما فى لوحات الأربعينيات كاستعارة مرئية لتوازن الإنسان وبيئته وأيضا لتوازنه النفسي مع الأبعاد والفراغ ، مما يفتح احتمالات لمظاهر متعددة المستويات إنسانيا .. لكننا نجد خط أفق لوحات الفنان سمير رافع فى باريس وقد انغلقت منذ أول لحظة مع أول خطوة إلى داخل اللوحة فى المقدمة مباشرة .. مكان الصفر .. صفر افتراضى .. صفر انعدام الزمان والمكان والجاذبية رغم ثقل شخوصه النحتى والتى سبق ووجدناها فى لوحات الأربعينيات ذوى ثقل للكيان الآدمى بأحلامه وطموحاته وإحباطاته ، بينما فى باريس أصبح لشخوصه من التكتل النحتى مجرد ثقله النفسى ، كأنهم نشاؤا فى مكان مؤقت لفعل مؤقت .
- واتطرق لقيمة أخرى لامتداد أفق اللوحة فى قدرته على الإيحاء بأن هناك مجالاً لإعادة الإنشاء والتخيل أو الإبداع فى اللوحة ، إلا أن الفنان سمير ورغم عبقريته وموهبته الفذة سد هذا المجال تماما.. مجال التكشف العقلى.. لذلك مع انسداد أفق اللوحة فى لوحات باريس، فإن مدى الرؤية ومدى الوعى الذى يتضمن كل شئ لا يرى إلا من موقع محدود ضيق ذاتى ونسيبى .
- وأتذكر هنا عبارة مهمة للفيلسوف ` هوسرل ` فى كيفية أن ` معنى الشئ لا ينشأ فى الأشياء نفسها لكن فى السياق أو الأفق ` .. فهل نرى سياقا أو أفقا فى لوحات سمير الغربة وحتى أواخر القرن الماضى ؟ .. لذلك أعتقد أن الفنان استعاض عن مدى الرؤية وبالتالى مدى الوعى باستخدامه المفرط للخط السميك الحاد القاسى الذى ربما قصد به أن يعبر عن وعى أو وجود كتصنيف لأشكال مؤقته نبعت من مصدر آخر قديم فى صورة سابقة على وجودها الحالى .
- وعلى قدر ما يكون لخط أفق اللوحة من قدرة على التكشف وامتداد الوعى والرؤية ، أرى الفنان - ربما - أراد الاختباء بقطع الرؤية الممتدة على المشاهد وعلى شخوصه .. فهنا الاختباء جاء من أجل الشىء ذاته (إنشاؤه للوحة الغربة) وضده .. ورغبة من الفنان الكبير فى أن يكون غير مرئى ، وربما هذا تحديدا هو ما حد من قدرته على رؤية الخارج معتمدا على تصوراته الحسية المتصورة بعبقرية داخل دهاليز النفس وليس الواقع . وهذه الدهاليز الداخلية رأيناها فى لوحاته جدران مطبقة إلى حد الاختناق بعدما كانت فى الأربعينيات حجرات لها منظور و عمق وفيها راحة الإحساس والمعايشة .. ثم بعد الجدران المطبقة نراه استبدالها وراء قضبان ظهرت فى لوحاته الأخيرة بعد ما ساءت علاقات شخوصه وكلابه التى تذأبت ربما بفعل تذؤب الغربة ، والتى معها أصبح إنسان لوحاته أحيانا ضحية وأحيانا ذئبا خارج القضبان فى تبادل للأدوار بين الذئب والرجل فى متاهة نفسية تعج بالقضبان والذئاب .. وأنا أشاهد هذه اللوحات فى تبادلية الأدوار الشرسة وأيهما يلتهم الآخر ، لينفرد بالمرأة تذكرت حكاية قصها الحكيم الصينى` تشوانج تزد ` : ` بأنه حلم منذ أربع وعشرين قرنا بأنه فراشة .. وحين استيقظ لم يعرف ما إذا كان رجلا حلم من قبل بأنه فراشة أم أنه فراشة حلمت الآن بأنها رجل ` .. كذلك أيهما الحقيقى .. سمير رافع أم الذئب ؟ .. سمير رافع مصر أم باريس ؟.. أيهما الأصل وأيهما التهم الآخر ؟.. عموما .. أيا من كان التهم الآخر فإن كل ما نأكله على المدى الطويل لحم بشرى .
- وعلى المدى الطويل أيضا التهمت سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات والعقد الأخير من القرن الماضى توهج إبداع الأربعينيات والخمسينيات واقتاتت عليه طويلا وحولته إلى حالات بعيدة جدا عن عالمه الحقيقى المرئى الذى تألق به ومعه على أرض مصر وهى الأعمال الإبداعية الرائعة الحقيقية الباقية فى رحلة سمير رافع الفنان العبقرى الرائد فى بلده .
أما حالات التذؤب والقضبان أراها هى التغير الجوهرى عبر نصف قرن مر على إبداعه الأول ، حيث كانت فيه الأسرة والرجل والطفل والطائر والسمكة والقط والنبتة الخضراء والشجرة والثور والكلب يمارسون شعائر الحياة فى حلقات دائرة بحيوية الحياة وبأبعاد مستقبلية جلية .. ففى لوحات الأربعينيات القى الفنان فى كل ركن من أرضها أشكالا قابلة للنماء والتمدد إلى العمقين النفسى والمادى لتؤلف فى مجملها صوتا صادقا يمجد الحياة فى عالم أسر بديع يملؤه الغموض والإثارة .. ومع ذلك مع إعادة رؤيتى لبعض من لوحات فنان مصر الكبير فى أربعينيات القرن الماضى استشعر فى بعض منها بأنه هناك فى مكان ما ذئب مختبئ يترقب لم يكن أمام عين الفنان ولا ورائه ولا إلى جانبه ، بل كان فى كل مكان فى وقت واحد .. هذا الذئب المختفى فى عالمه القديم أثارته الغربة وضيق الجدران والوحدة فأطل برأسه وبكل الشراسة على الفنان وعالمه .. بينما الشخوص لا تعذبها بدرجة كبيرة الشراسة حولها فقد استسلمت وانتهت إلى تعذب بعضها البعض فى سلسلة من اللوحات .
- وفى عودة للوحات الأربعينيات وأوائل الخمسينيات للفنان سمير رافع وهى حقيقة متنفسنا الوحيد والرائع والإبداع الأكثر صدقا فى مجمل إبداعات سمير رافع نجدها بعالمها البسيط المفتوح جعلت الفنان فى باريس يعتقد أن هذه المواضيع البسيطة تعطيه مساحة للمناورة ليقدم فى باريس صورة تلفت الانتباه إلى عالمه الذى كان ممتلئا بالفعل بالمعلومات البصرية التى استبدلها بالمعلومات التشكيلية .
- وحينها بدت صور باريس أمام عينيه كحقيقة إلى نفسها لا تمت إلى الحالة الوجدانية القديمة إلا بالشبه لذلك زاد اعتناؤه بالتقنية أى زاد اعتناؤه بجسد اللوحة بدلا من حقيقتها الوجدانية .. لقد حاول الفنان سمير رافع باستماته التكامل والتواصل أو الالتئام مع حياته السابقة فتعلق بتلك المناطق العالقة فى حياته التى بها حقق نجاحات سابقة قبل الهجرة ، لكنه لم يحل قضاياه الفنية فى تطور رأسى من الماضى كطريقة للتواصل مع الحاضر على مدى نصف قرن لتبدو محصلة هذه العبقرية الفنية النادرة لوحات عالم للسيرة الذاتية أكثر منها عالم للفكرة .. سيرة سارت على مدى نصف قرن بين استسلام الرغبة وإرادة الإبداع .
بقلم : فاطمة على
جريدة القاهرة 5- 4- 2005
سمير رافع ( 1926- 2004 ) واختيارات الفنان
- يمثل الفنان سمير رافع حالة فريدة فى حركة الفن التشكيلى المصرى ، ولقد ساهمت عوامل عديدة فى إضفاء هالة مثيرة حول إبداعه الفنى ، ومن أهمها هجرته عن وطنه وإقامته الدائمة فى باريس منذ قصدها عام 1954 فى بعثة دراسية للحصول على درجة الدكتوراه فى تاريخ الفن من جامعة السوربون ، وفيما عدا سنوات قلائل قضاها فى الجزائر فإنه ظل مقيما ً فى فرنسا حتى وفاته .
- ومصدر الدهشة فى هجرة الفنان أن أعماله الفنية المبكرة كانت تشى بروح مصرية خالصة ، كما تنم عن ارتباط وثيق وعشق وفناء فى أرض الوطن ، ومن العوامل أيضاً زمالته لنجمى فن التصوير المصرى المعاصر أن عبد الهادى الجزار وحامد ندا فى عضوية جماعة ` الفن المعاصر ` منذ تشكيلها بريادة حسين يوسف أمين عام 1946، تلك الجماعة التى كان لها دور رئيسى فى توجيه الإبداع الفنى نحو مصادر جديدة تعتمد على تأكيد ملامح ذاتية للفن المصرى باستيحاء الموروث الشعبى والتقاليد الفنية المحلية ، كما أن من بين العوامل المثيرة كذلك حياة الفنان الباريسية التى أتاحت له الفرصة للأقتراب والاختلاط بالأوساط الثقافية الفرنسية ، والحوار مع نجومها اللامعة فى سماء الفن العالمى.
- مفاجأة وتساؤل:
- وفى معرضه الضخم الذى أقيم فى قاعات قصر الفنون خلال الشهر الماضى وضم معظم انتاجه ، توافرت فرصة طيبة - كنا فى شوق لها - للمتابعة الدقيقة لتجربة الفنان ، وملاحظة ما ألم بها من تغيير ، وما حدث فيها من تطور منذ بداية تجربته عام 1945 وحتى قبل رحيله ، وقد أصيب المرء بالحيرة والدهشة حين يجد أن عظمة تجربة الفنان وقوة أدائه وذروة عطائه الفنى لم تتخط تلك المجموعة المتميزة من الأعمال التى نفذها فى باكورة حياته الفنية ، والتى صنعت شهرته ووضعته فى مصاف المجددين فى مسيرة فن التصوير المصرى ، أعمال مثل ` من وحى مصر ` و ` الزمن ` و ` أرض مصر ` و ` الوادى الأخضر ` و ` البغاء ` و ` أصدقاء الليل ` ( وهى لوحة اقتناها رائد التصوير المصرى الحديث محمود سعيد ) فتلك المجموعة التى أبدعها الفنان فى الفترة من 1945 وحتى 1951 ، تجد فيها إيماءات قوية وارتباطاً بالمشهد المصرى ، كما أنها تعكس بلاغة تشكيلية فى الصياغة والبناء وهى تتناغم مع إبداع زميليه فى جماعة الفن المعاصر وتشترك معهما فى الكشف عن وجه جديد لفن التصوير المصرى بما تحمله من دلالات وما تشى به من رموز ذات صلة وثيقة بالشخصية المصرية بكل أبعادها التاريخية والثقافية .
ويتجول المرء فى أرجاء القاعات منقباً عن عمل يهز وجدانه ويلمس شغاف قلبه ويثير فيه الرؤى والأفكار ، مثلما فعلت وما زالت تفعل أعماله الأولى ، ولكنه لا يجد سوى أعمال - على كثرتها - بسيطة فى أدائها وفى تناولها الفنى ، ساذجة فى موضوعها وفكرتها ، كما يشعر كما لو أنه سبق وقد رأى شبيهاً لها من قريب أو من بعيد ، ويحس المرء بالحسرة على موهبة الفنان التى لم يزدها الزمن تألقاً وبريقاً ، وثارت فى النفس تساؤلات كثيرة حول موهبة الفنان ، وكيف تنضج ويصان توهجها لتؤتى ثمارها على أحسن ما يكون من القيمة الفنية الرفيعة ، وإذا كان التشجيع والرعاية فى البدء عاملين مهمين لإنضاج التجربة ، فلقد توفرا لسمير رافع الذى لفت الأنظار إليه فى أول معرض يقيمه عام 1951 فى نادى المحامين بالقاهرة ، مما دعا الناقد البلجيكى الكونت دارسكوت لأن يصدر عنه كتيباً بعنوان ` سميررافع وفنه ` والذى صدر بالقاهرة عام 1951 ، حيث رأى فيه أن سمير رافع ` أحد أهم عناصر الجيل الجديد فى مصر ` كما أوضح ` أن ألوانه الشرقية تدين مميزات تكاملها إلى أساسها الشعبى `.
- فماذا حدث للفنان حتى لا يستمر إبداعه بنفس القيمة وعلى نفس المستوى الرفيع ؟ وما هى المبررات المنطقية التى يمكن أن تكون أسباباً مقنعة ؟ وفى محاولة لرصد هذه الأسباب فإنه تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من أصحاب المواهب الواعدة لا يدركون أهمية أن تأتى اختياراتهم فى بداية حياتهم وبعدها أيضا لصالح تجربتهم الفنية ، حتى لا تتعرض موهبتهم للذبول والضياع ، فالموهبة مثلها مثل البنات يحتاج فى نموه النمو السليم إلى عوامل عديدة من تغذية سليمة ومناخ صحى ملائم ورعاية دائمة حتى ينضج ويكتمل ويثمر ، وفى حالة مثل موهبة سمير رافع التى نعتقد أنها كانت مؤهلة للقيام بدور رائع فى فنى التصوير المصرى ، فإن اختياراته - كما يبدو لنا - لم تساعد على اتمام هذا الدور ولم توفر الفرصة لموهبته لكى تتألق كما كان ينبغى أو يتوقع لها .
- دراسة الزخرفة بدلاً من التصوير
- وكان ذلك الاختيار فى رأينا أول اختيار غير موفق لسمير رافع ، حين فضل أن تكون دراسته فى الفنون الجميلة فى تخصص الزخرفة بدلاً من فن التصوير كما كان ينبغى وكما فعل زميلاه الجزار وندا ، ولم يتح هذا الاختيار للفنان الفرصة لتدعيم تكوينه الفنى وإثراء موهبته ، فلا شك فى أن الدراسة العملية اليومية لمدى أربع سنوات لطالب موهوب مثل سمير رافع كانت ستنمى قدراته الأدائية ، وتجعله أكثر حصافة وبلاغة فى استخدام اللون ، حين يقوم طيلة سنوات الدراسة بالتدريب على عملية مزجه وخلطه بالطريقة التى تناسب رؤيته ، وذلك عملية حرفية وتقنية ليست بالهينة ، وهى لا تقل دقة عن تعلم الموسيقى كيف يتعامل مع أوتار آلته ، ويدرب أصابعه على التحكم و السيطرة عليها ، واستخراج الألحان العصبية والحساسة منها.
- ولم يقتصر تأثير تفضيل سمير رافع لفن الزخرفة - مجالاً لدراسته - على مهارته الحرفية وقدراته الأدائية التى بدت بسيطة ومتواضعة ، وإنما امتد هذا التأثير أيضا على كيفية التعامل مع موضوعات لوحاته التى أخذت تميل إلى السطحية أيضا ،أسلوب التحليل للعناصر والأشكال الآدمية والحيوانية ، فهى لا تعكس فهماً واعياً لتناسب علاقات الأجزاء ببعضها البعض ، وخاصة حين يتناول الفنان الوجوة والأطراف ، فقد جاءت ساذجة فى تحليلها وركيكة فى تصميمها ، وحين يقارن فى هذا المجال بزميلين الجزار وندا فسوف نجد مساحة واسعة من الاختلاف ، وبشكل خاص عند ندا الذى بلغ فى تحريفاته الفنية للأشكال حداً بعيداً ، ووصل إلى درجة ابتكار نسب جديدة لها جات مبررة تشكيلياً ، ومتسقة متلائمة ، تستريح لها العين وتألفها ، بل وتسعد بتناسقها رغم غرابتها.
- غربة الفنان
- وكان اختيار الغربة عن الوطن هو الاختيار الأكثر إثارة لسمير رافع ، فقد كانت غربة مبالغاً فى قسوتها جعلته يبتعد عن مصر وأن يعيش فى بلاد غريبة بكل ما تعنيه هذه الغربة من اغتراب عن روح المكان ومناخه الثقافى المحمل بعبق التاريخ ، وابتعاده عن صوره وأشكاله ومشاهده التى مثلت للفنان فى بداية تجربته منبعاً أصيلاً لعناصر ومفردات لوحاته فهل قدمت هذه الغربة للفنان امكانيات جديدة لمواصلة تجربته الفنية بما يكفل لها النضج الكامل وجعلها أكثر شمولاً وأكثر عمقاً؟ أم أن هذه الغربة قد جردتها من كل ما هو أصيل واستبدلته بما هو منقطع الصلة بالجذور؟ .
- وهل يصدق على غربة الفنان التشكيلى ما يصلح من فنون إبداعية أخرى كفنون الأدب من شعر ورواية مثلا ؟ أما أن تعامل الأديب مع الأفكار الذهنية الخالصة يسمح لها بابداعها فى أى وطن ، مثلما نجد عند شعراء المهجر أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة؟
- إن تجربة سمير رافع كما تتضح معالمها فى اعماله العديدة التى أنتجها فى الغربة ، أخذت فى الابتعاد عن بداياته الأولى ، وتأثرت إلى حد كبير بالأجواء الثقافية المختلفة التى انخرط فيها فى باريس ، لذلك تجد أصداء المذاهب الفنية التى كانت سائدة هناك تنعكس على أسلوبه الفنى ، وكذلك تجد بعض ملامح أساليب الفنانين المعروفين أمثال بيكاسو وأندريه لوث وماتيس وغيرهم واضحة فى لوحاته ، وتراه أحياناً تكعيبى النزعة ، وفى أحيان أخرى يستخدم الألوان الساخنة بطريقة انفعالية مثل أتباع المدرسة الوحشية ، كما أنه بحكم تكوينه الفكرى والثقافى قد انجذب أيضاً للمدرسة الرمزية ثم التعبيرية التى استعار طرق أداء فنانيها ، وكذلك الموضوعات التى طرقوها فأصبحت محفوظة من كثرة ما ألفت العين رؤيتها ، مثل العلاقة بين القط والسمكة ، أو بين المرأة والذئب أو الكلب أو الوحش ، وعموماً فإن الفنان قد اتجه فى معظم انتاجه فى الغربة إلى رسم ثنائيات أصبحت مثل ` الكليشيهات ` فى الفن الأوروبى المعاصر ، أما الصياغة التشكيلية فقد جاءت بسيطة تكاد تقترب من أساليب الهواة فى طريقة التصميم والإنشاء ، وضاع منها عنصر الرسوخ الذى تميزت به أعمال الفنان الأولى ، فى الوقت الذى أضاف فيه عدم الإلمام الاحترافى بتقنيات فن التصوير ضعفاً إلى التحويرات والمعالجات لعناصر لوحاته الآدمية والحيوانية.
- دور ثقافى مفقود :
- ولم يكتف سمير رافع بهجرة الوطن ، لكنه إزداد إمعاناً فى البعد والمخاصمة ، فنأى بنفسه عن المشاركة فى بناء حركته الفنية الوليدة ، والتى كانت فى أشد الحاجة إلى تواجده الثقافى والفنى ، بموهبته العالية وامكانياته الفكرية والثقافية المتميزة ، وترك الساحة خالية للمدعين والفنانين المزيفيين .ففيما عدا بعض المقالات التى أرسلها من باريس ونشرت فى مجلة الهلال فى الفترة من 1968 إلى 1969 بتأثير من صديقه كامل زهيرى حين كان يتولى إدارة المجلة فإن سمير رافع لم يبد أى اهتمام أو اكتراث بوجوده الفنى فى مصر ، ويبدو وكأنه كان متعالياً على أن يكون له حضور فى المشهد التشكيلى المصرى ، معتبراً نفسه - لصلته القريبة من نجوم الفن فى القرن العشرين - أعلى مرتبة وأكثر قيمة ، وأنه طالما أصبح قريباً من دوائر الشهرة - الفنية العالمية فإنه سوف يطول بعضاً منا ، وهذا تصور - إذا كان صحيحاً ً - فإنه يكون وهماً ، فهو لم يصبح فناناً عالمياً ، فى نفس الوقت الذى لم يتح الفرصة فيه لموهبته أن يأتى نتاجها - كما كان يتوقع - جزاً من تاريخ مصر الفنى وقمة من قممها الإبداعية السامقة.
بقلم:. صبرى منصور
مجلة : الهلال ( عدد مايو 2005 )
بعد العزلة الباريسية الطويلة أعمال الراحل سمير رافع تصافح جمهوره فى معرض بالقاهرة
- نظمت قاعة ` بيكاسو ` فى حى الزمالك بالقاهرة معرضاً لافتاً للفنان التشكيلى المصرى الراحل سمير رافع / قدمت من خلاله نماذج من أعماله الفنية التى قام بإنجازها فى مختلف مراحل حياته العمرية والتى أنتج أغلبها خلال إقامته الطويلة بالعاصمة الفرنسية باريس ، والتى عرف عنه خلالها بعده التام عن الأضواء وانعزاله الشديد داخل مسكنه ومرسمه.
- ورغم قسوة هذه الرحلة الطويلة ، إلا أن ثمارها لم تكن كلها مرة .فقد ترك سمير رافع مخزونا ضخما من الأعمال المتميزة ، حاز أغلبها على إعجاب المشاهدين لها على اختلاف مستوياتهم الثقافية .
- تناول المعرض مجموعة هائلة من أعمال الفنان الراحل التى طغى على أغلبها الشجن فبدت وكأنها تعزف مقطوعة موسيقية حزينة الايقاع رغم ما تملكه من جرأة شديدة ، كانت طيلة الوقت شغل الفنان الشغل فى عكس تمرده الملحوظ على أحداث وأمور كانت تحيطه وظلت تطارده بشكل دائم .
- العجيب فى الأمر هو صبر الفنان وقناعته بهذا القدر البسيط من الحضور الإبداعى وبعده الدائم عما يحيطه من أضواء ، كذلك اكتفاؤه الذاتى بما حققه من وجود فى بداية ظهوره ضمن كوكبه الجيل الثانى فى حركة الفن المصرى الحديث فرغم قوة أعماله وحداثتها وحساسيتها العالية ،إلا أن الجانب الأعلى فيها ذلك الانفعال الزمنى والحركى إضافة إلى إمكانيته العالية فى تحقيق شىء من التوازن اللونى خاصة فى سلسلة من الأعمال التكعيبية التى احتلت المرأة داخلها الدور الأساسى ، ناهيك من استخدامه مفردات ورموزاً مساعدة لها كالعقرب مثلاً أو الكلب ، رابطاً بين كل المفردات الأساسية منها والمساعدة فى شكل درامى منظم بعيدا عن فوضى الزخم الشكلى أو الفكرى الذى كان متوقعاً منه بعد كل هذا الوقت من الثورة والألم والانعزال .
- تتميز أيضاً بعض أعمال سمير رافع بالمعاصرة لبعض القضايا ، كالسلام الذى أراده وجسده فى حمامة مثالية ناصعة الألوان نقية الطليعة ، أو الجمال المفتقد وسط مجتمع فوضوى نعيشه الآن فى حلقة من المفردات القصصية التى عالجت هذه القضية ، فى مرحلة مبكرة من أعماله ، الأمر الذى يجعلنا ندرك حرصه الشديد على التسجيل التاريخى رغم عدم مبالاته التى لحظها الجميع وتأثره القاصر على تحقيق هذا التسجيل بعيداً عن أعين الآخرين ، مكتفياً بما رسمه فى ما بينه وبين أدواته وخاماته المختلفة ، محققاً فى نهاية كل ذلك خصوصيته القادرة على تسجيل حالة معادلة من الوجود فوق صفحات التاريخ الإبداعى الذى يؤكد خصوصيته كأحد الرواد فى مسيرة الفن المصرى الحديث .
بقلم : فدوى رمضان
الشرق الأوسط 7-2-2008
سمير رافع .. عاش غريباً بفنه القريب
- تصارع الوحوش لكى تكون ..هل تحقق حلمها فى لوحات رافع ؟ .. تهزم تارة وتنتصر .. تتبادل الأدوار فى فرح وحزن ، وفى كراهية وحب ، وفى تحد واستسلام .. إنها الحياة.
- اهتم الفنان الراحل سمير رافع ( 1926- 2004 ) بقوة الفكرة ، وبأهميتها الفلسفية ، فناقش قضايا كثيرة فى لوحاته من خلال اختياره للرموز والإسقاطات التى توحى بأشياء كثيرة فالمرأة رمز العطاء والحب وأحياناً الضعف .
- تمارس هذه الصفات فى لوحاته فى مجابهة وحش مفترس أحياناً تنتصر عليه ..وأحياناً تصارعه بتكافؤ ، وكثيراً ما تستسلم له ، وربما تضاجعه .. وهو يمثل الذكورة والسلطة ، وأحيانا ً الند .
- يلخص الفنان فى الخطوط ويهتم بانسيابيتها وليونتها ، ويحسب لكل خط حسابه ، وقد استفاد فى هذا من الفن الفرعونى فى تناول حديث ، وتأثر أيضاً بكبار الفنانين الذين عايشهم والتقى بهم أمثال بيكاسو ، وسلفادور دالى .. أيضاً معاصرته وزمالته لعبد الهادى الجزار ، وحامد ندا ، والثلاثة كانوا يبحثون فى الرمز ومعنى المفردات الموحية التى تعبر عن موضوعات حياتية .
- ويتميز رافع بأنه رسام وملون جيد، أدخل ثقافته ووعيه فى كل موضوعاته ، وكانت له حسابات عقلية فى بناء اللوحة وطريقة تلوينها . تشعر فى لوحاته بتزاوج العقل والوجدان الذى يعتمد على البساطة المعقدة، البساطة فى التلخيص والتعقيد فى المضمون الفلسفى والفنى ، وفى كثير من الأحيان تحس الألم والمعاناة بما فى لوحاته من تراجيديا معبرة عن الحالة التى يعيشها ويراها سواء التى حملها فى ذاكرته من مصر أو التى عايشها فى باريس وهرب منها ليختار منفاه الاختيارى فى مرسمه .
- واللوحة كائن حى مأزوم مثل صاحبه يحاول الإفصاح عن أسرار كثيرة يبوح بها أحياناً ، وأحياناً يترك المشاهد يبحث ويتأمل ، إلا أنه فى كل الأحوال يحرص على قواعد الإبداع من اتزان العمل وتناغم المفردات والخطوط ، والاهتمام بتأكيد الكتلة وعلاقتها بما حولها من فراغ مكمل ومعبر عن الموضوع المطروح .
- يعد الراحل سمير رافع واحداً من الجيل الثانى` جيل الرواد الثانى` ومن البارزين فى تأسيس حركة الفن التشكيلى المصرى الحديث من منطلق مناهضة تقييد الحريات والحث على التفكير والتمرد ، والبحث عن دور اللون والتعبير داخل العمل الفنى . وقد احتفت قاعة بيكاسو بالزمالك بأعماله الفنية فى مراحلة المختلفة منذ صباه وحتى رحيله.
بقلم : د. سامى البلشى
مجلة الإذاعة والتليفزيون 14-8- 2010
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث