`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
إسماعيل دياب
إسماعيل دياب : فنان فى مهب اللون
- يسكن لوحته، ويستدفئ بألوانه كان وحيداً. إنه الفنان إسماعيل دياب، وكان ذلك هو الإحساس الأول الذى انطبع فى ذاكرتى بعد لقائى الأول به فى أوائل السبعينات.
- قارئ نهم، رسام يقضى أكثر من عشرين ساعة يومياً بين أقلامه وألوانه وصوره.
- تخرج فى كلية الفنون الجميلة قسم التصوير فى منتصف الستينات وُتتلمذ على فنانين كبار، عبد الهادى الجزارـــ عبد العزيز درويش ـــ حامد ندا ـــ عز الدين حمودة.
- ولد بالإسماعيلية، وجاء إلى القاهرة لدراسة الفنون فى منتصف الخمسينات وكان شقيقه الاكبر محمود دياب يدرس القانون.
-عاش إسماعيل مرحلته الجامعية فى عوامة على النيل وسط نخبة من الفنانين رفاق دربه.
- فى تلك السنوات تغيرت الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر وارتفعت الرايات الاشتراكية والقومية وبرزت على الساحة تيارات ومذاهب فنية اختلط فيها الوطن والسياسة.
- فى تلك السنوات بلغ الصراع بين المذاهب حداً فاصلاً وفارقاً وكان السؤال.. الفن لمن؟
- هل الفن للمجتمع أم للحياة؟
- فى الأدب انقسمت الحياة الثقافية واشتعل الصراع بين د. لويس عوض ود. محمد مندور من ناحية وبين د. رشاد رشدى من ناحية أخرى.
- كان الدكتور لويس يدعو لتغيير المجتمع بالفن، بينما يدعو رشاد رشدى للحياة الخاصة.
- على الساحة الفنية كان هناك بقايا الجماعات اليسارية من الخبز والحرية، وهناك الواقعيون الاشتراكيون، في طليعتهم حامد عويس وحامد سعيد، وكان هناك الرمزيون والتجريديون أيضاً.
- أنتقل إسماعيل من هيئة الكتاب إلى الأهرام إلى دار المعارف.. كان يتقن رسم الشخصيات التاريخية التى لم يرها ولكنه قرأ عنها وعرفها وألفها وأحبها: المقريزى ـــ ابن سينا ـــ الفارابى ـــ ابن الفارض ـــ ابن عربى ـــ ابن رشد.
- مئات الشخصيات التاريخية رسمها إسماعيل دياب في سلاسل ودوريات ملأت المكتبات على مدى أكثر من نصف قرن.
- أما رسوم الأطفال فقد أبدع إسماعيل مجموعات هائلة من الصور والرسوم. لم يكن إسماعيل بمعزل عن التيارات السياسية والفنية التى صخبت من حوله. اهتم بالسياسة ولم ينتم لأى جزب أو تيار، وحافظ على سلامة شعوره وإحساسه الفنى.
- فى السنوات الأولى من إقامته فى العوامة الشهيرة كان شقيقه محمود قد تخرج فى كلية الحقوق وأصبح قاضياً فى ديوان الحكومة.. يكتب المذكرات القانونية ويجمع الحجج والأسانيد حتى أصبحت مذكراته قطعاً فنية اختلط فيها الأدب والقانون والتاريخ. - كان محمود قارئاً متميزاً وفناناً فى أعماقه يتأمل ما حوله ومن حوله، وأثناء تردده على شقيقه فى عوامته جذبه عالم الفنانين وراح ينصت لأحاديثهم وحكاياتهم.
- وكان إسماعيل يحكى له التفاصيل ويروى القصص والحكايات التى غيرت حياة محمود دياب فانتقل من عالم القانون إلى عالم الأدب وكتب روايته الأولى ` الظلال فى الجانب الآخر`.
- قصة جماعة من الفنانين يعيشون فى عوامة تتقاطع علاقاتهم العاطفية والنفسية والجنسية من خلال تحقيق فى جريمة قتل.
- كانت الرواية حدثاً فنياً وثقافياً، وكان شقيقة إسماعيل أحد أبطال هذه الرواية، وقد انتجتها السينما فيلماً يحمل نفس الاسم للمخرج غالب شعث وبطولة نجلاء فتحى ومحمود يسن.
- لمع اسم محمود دياب وتألق وكانت شهادة نجيب محفوظ قوية ومؤثرة فقد اعترف نجيب محفوظ بأن هذه الرواية قد أوحت له بروايته ` ثرثرة فوق النيل، ` حيث جرت أحداثها فى عوامة مماثلة.
- خطوتان للأمام
- أصبح إسماعيل هو الرئة الأدبية والاجتماعية لقصص وروايات ومسرحيات محمود دياب، كان إسماعيل يجوب الشوارع ويلتقى بالفنانين من كل الاتجاهات، وفى المساء يحكى لمحمود ما رأى وما سمع.
- الشقيقان العجيبان.. واحد فى الضوء وآخر غارق فى اللون.
- جاءت مسرحية ` الزوبعة` لمحمود دياب بمثابة زوبعة فعلية فى المحيط الثقافى والفنى فقدمها المسرح القومى، وكان محمود أصغر الكتاب سناً وسط كوكبة: الفريد فرج ــــ ميخائيل رومان ـــ نعمان عاشور ـــ يوسف إدريس ـــ توفيق الحكيم ــ سعد الدين وهبة ــ صلاح عبد الصبور ـــ على سالم.
- أما إسماعيل فقد راح يرسم أغلفة الكتب وصور الأطفال وحكايات التاريخ العربى والإسلامى ويجمع الحكايات والقصص والطرائف لأحاديث المساء بينه وبين شقيقه.
- وقع الشقيقان فى غرام الكاتب الروسى الرهيب ` دوستويوفسكى` أما محمود فقد كتب عدة سيناريوهات لأهم أعمال هذا الكاتب مثل ` الجريمة والعقاب `ـــ الأخوة كرامازوف ـــ الأبله.
- وأما إسماعيل فقد أبدع أهم وأجمل أعماله الفنية أشباح ` دووستويفسكى` وفيها يصور الكاتب جالساً بلحيته تتطاير فوق رأسه الصفحات والطيور الغريبة.
- لوحة بالزيت ظلت معلقة فى مرسمه ورفض بيعها
- فى السبعينات حصل إسماعيل على مرسم بالمسافرخانة. قصر قديم بدرب الطبلاوى بالجمالية ملكاً لأسرة محمد على قيل أن الخديوى إسماعيل مولود فى هذا القصر.
- وكانت ` المسافر خانة` تضم مراسم الفنانين: حامد ندا ـــ البنان ـــ عز الدين نجيب ـــ عدلى رزق الله وغيرهم. وكنا نتردد ـــ نحن طلاب الجامعات الذين يحبون الرسم ويحاولونه ـــ كنا نتحلق حول إسماعيل دياب وهو يرسم تبهرنا ريشته وحساسيته، كان حنوناً وعطوفاً ومعلماً وإنساناً في منتصف التسعينات احترقت المسافرخانة واحترقت مراسم الفنانين وأكلت النيران كل أعمال إسماعيل دياب.
- كان الحدث مأساوياً وفاجعاً لكن رد الفعل لدى إسماعيل كان مفاجئاً فقد راح يضحك من أعماقه وهو يردد: ها أنذا أولد من جديد !
-وكان يقول: عدنا إلى السطح الأبيض! لم يندم، ولم يبك أعماله المحترقة، وظل يرسم ويضحك ويسأل: هل جئنا إلى الحياة إلا لكى نرسم؟!
- قبل الرحيل
- ثلاثون عاماً وانا أركض خلفه: فى الجوامع والكنائس القديمة وأطراف المدن وأسواق الجمال وورش الحرفيين، وعندما أصدرت ديوان الأول في نهاية الثمانينات رسم لى لوحة الغلاف وكتبت له قصيدة لا تحمل اسمه بعنوان ` مرثية ليس هذا أوانها`:
- ` من تواريخ ما قبل أيامنا نرسم الراحلين عطوراً`
- ونكتب من لغة لا تخون سوانا
...
- من تواريخ ما قبل وحشتنا
- ها أنت ترسم مأذنة
-وتضاجع راهبة
- وتنام
- فتصحوا على لوحة فارقتها الحياة
- وترسم آنية موحشة
- وغزالاً تفزع من لسعة السطح
- وامرأة تشتهى واقفة
- آه مما يدق على علب اللون
- مختبئاً خلف أقلامك البوص
- والحامل الخشبى
- فيخلع سجادة
- ويشق وسادة
- ثم يطفؤ شمعتنا / إنه الموت مستيقظاً كيف أكتب مرثية فى الظلام؟
***
- بعدما فرغ من قراءة القصيدة، أطرق فى خجل وقال مداعباً: سأرسمك مجرداً من أية امرأة! ورسم لى صورة فريدة بالزيت مازلت أحتفظ بها على حائط غرفتى.
- كان إسماعيل يعشق قصص الكاتب الروسى تشيكوف ويحلم برسم كل شخصياته التى أحبها، وبالفعل شرع فى الإعداد لهذا المشروع ووضع أساساته لكن النيران لم تمهله لكى يتم مشروعه ، كما كان يحلم بترميم كل المواقع الأثرية فى مصر العتيقة.
- سافر إلى ألمانيا فى نهاية السبعينات وشارك في ترميم كاتدرائية عتيقة فى إحدى المدن مع صديقه وزميل دراسته الفنان عبد الغفار شديد.
- كانت تجربة غنية وقوية تعلم فيها إسماعيل فنون الترميم وعاد وهو يحلم بالمشاركة فى مشروعات مماثلة ولكن ذلك لم يحدث أبداً.
- رسم إسماعيل الوجوه والأماكن والطيور والحيوانات والطبيعة الصامتة وغير الصامتة وعلى شواطئ رودس بجزر اليونان كان يقضى صيفه يرسم ويتأمل ويجدد ذاكرته البصرية.
- كان عفياً مملوءاً بالحماس والفن، عندما كتب محمود دياب روايته ` أحزان مدينة يروى فيها قصة الإسماعيلية من خلال أسرته البسيطة والعجيبة والاستثنائية كان إسماعيل وراء كل التفاصيل والأحداث وكأنه ` اسكتش` مرسوماً بالرصاص لهذه الرواية البديعة.
-كان محمود دياب عروبياً وقومياً صادقاً. سافر السادات إلى القدس وتم عزل مصر فانتفض وسافر إلى دمشق وألقى خطاباً فى اتحاد الكتاب يحذر فيه من هذه الموجة العدائية لمصر وكتابها وفنانيها وعاد مأزوماً متألماً حزيناً، وظل فى عزلته حتى مات أوائل الثمانينات.
- كان إسماعيل يتردد على شقيقه المتعب، يستمع إليه ويقرأ مقاطع من ` الكراسة الزرقاء` التى ضمت آخر كتابات محمود دياب، تأملات حزينة ومقاطع تبلغ حد الشعر.
- أحلام وكوابيس واتهامات وآراء ومخاوف
- كانت الفكرة التى استبدت بمحمود أن الصهيونية العالمية قد خططت للاستيلاء على العالم فاشترى قطعة أرض لتكون مسرحاً يقدم الأعمال المسرحية للرد على هذه ` الهجمة` وأطلق عليها` الأرض المحررة`.
- فى الكراسة الزرقاء هناك نداءات يوجهها محمود لشقيقة إسماعيل: الأرض التى سكنتها الآلهة تهتف بك تعالى فالجرح لا يزال محشواً بالملح، وليس لنا أن نفرح حتى نملأ الأرض بالدموع عمق قدم ـــ كما قال معلمنا الأكبرـــ يقصد ` دستويوفسكى` ـــ وفى نداء آخر يسأل إسماعيل: هل كان علينا أن نكتب بدمائنا قصة مدينتنا؟ وهل انفتحت الأبواب ليرانا من حولنا؟ـــ نحن لم نرهم.. لقد جاءوا فى ثيابهم السوداء.
- كان محمود حاداً وقاسياً على نفسه وكان إسماعيل رقيقاً جريحاً مهموماً متوجعاً فى صمت، وعندما يجتمع الشقيقان فإن هناك شخص ثالث يروى ويكتب ويرسم ويتعذب.
- فى الكراسة الزرقاء يوصى محمود شقيقه الفنان لا تقف لمن وقفوا فى طريق الخير وأشهروا السلاح فى وجه الأطفال، ولا تصافح من عبث في أوراق زماننا.. لن يضير الشاطئ لو عزف السباحون عن النزول إلى أمواجه العالية، سأبنى مسرحاً حتى لو تكلم الصمت وحده على خشبته الداكنة.
- أما آخر الوصايا: انسحب قبل نزول الستار ساعتها فقط لن يراك أحد وستنعم بالوحدة على سطحك الأبيض ــ اجعل من موتك خطاً ولوناً وسحابة فالطيور سوف تستيقظ حتماً، إياك أن تفزعها.
- الغريب أن الصور التى رسمها إسماعيل قبل الحريق كانت تفر من براويزها، بينما راح إسماعيل يلاحقها خارج اللوحة.
- بعد الرحيل
- رحل محمود دياب تاركاً شقيقه وحيداً. أما إسماعيل فقد خاض معركة الوحدة بما احتوته من تحولات فكرية وروحية وفنية، كانت روح إسماعيل القلقة تبحث عن شاطئ والرسم عزاءه وسلوته، كان يقرأ كتابات الصوفيين الكبار ويتلمس طريقاً للخلاص الروحى وكنت أراقب تحولاته وأسئلته وعذاباته التى لا تنتهى، تمنيت لو كتب سيرته وحياته ولكنه لم يفعل.
- على صخرة أمام شاطئ الإسكندرية سألته متى تكتب؟ أجابني مبتسماً بعدما أفرغ من الرسم.
- فى مسرحية ` رسول من قرية تميرة للاستفهام عن مسألة الحرب والسلام ` ذلك القروى الفصيح الذى أرسلته قريته إلى العاصمة لمقابلة المسئولين والاستفهام عن الحرب والسلام بعد حرب 1973.
- كان الحوار المكتوب بالمسرحية هو نص كلمات وعبارات إسماعيل كما رواها لشقيقه، لقد عاش إسماعيل مع شقيقه أثناء كتابة المسرحية حتى ظننا جميعاً أن إسماعيل هو الذى كتب الحوار.. كان إسماعيل مولعاً بالحوار مع الآخرين يجالسهم على المقاهى ويصغى لعباراتهم ونكاتهم ثم يعيدها خلقاً آخر وحديثاً آخر رغم بحة صوته، فلا تكاد تتبين ما يقوله، كنت أفهم كلماته بإحساس فعباراته متبورة وكلماته مقطوعة وصدق إحساسه كاملاً.
- وفى اللقاء الأخير معه كان ملتحياً ومتوهجاً.. قلت له مداعباً أراك: على طريق `بيكت` فى مسرحية ` شرف الله` للكاتب الفرنسى جان أنوى ذلك الفنان البوهيمى الذى اعتلى عرش البطريركية فأصغى لضميره وعارض الملك وفر إلى الصحراء.. ضحك عالياً ومنحنى كتاباً عن ` ابن خلدون`ـــ قلت: ترجلت بين الحسين والإسماعيلية ما أكثر الموت يا صاحبى والحنين اختيار وقبل أيام من وفاته اتصل بأصدقائه وكأنه أراد أن يطمئن عليهم قبل اختياره.
إسماعيل دياب وداعاً.
بقلم : أحمد إسماعيل
من كتاب :( أحوال مصرية) 2005
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث