`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
بكرى محمد بكرى

-قصائد ودواوين نسجت بالكلمات وكانت وحيا نسج من خلاله الفنان بكرى محمد بكرى .. ألوانه خيوطا وخطوطا إبداعية على ثمرة الخشب مخلوطة بطمى كفر الشيخ مسقط رأسه والتى شهد فيها منذ صغره توقدا فكريا ثقافيا ألهب ريشته فحطت على مسطحاته إبداعاته الصادقة .
فنان .. يرسم
-عرفته قبل أن ألقاه من خلال أعماله المتميزة المشاركة فى المسابقات المحلية التى كنا نشارك فيها أثناء دراستنا الجامعية، عبق الشرق يفوح من ألوانه ومفرداته، البنى الداكن يحتويه ويسيطر على فرشاته المحملة بكم من المشاعر وفيض من الأحاسيس ، زرته فى معرضه بقصر ثقافة الشاطبى بالإسكندرية واستلفت نظرى احتفاظه بنفس الباليته كما هى إلا إنها تغيرت فى بعض الأعمال، فسألته عن ذلك فأجاب :
- بالفعل عندى ` باليته ` واضحة كما رأيت من البنيات إلا أن هناك بعض الأعمال تحمل إشراقه لونية حيث أننى بين كل مجموعة لوحات أريد أن أستمتع باللون ، ففى لوحة ` الطفل والطائرة ` استمتاع باللون ، الطفل ` ريليف ` ولو تتبعت التطور من المسطح إلى الريليف فسوف تشعر إنها تنمو - ولها أصول- وتستمر فى التجربة ، وتتكثف ورغم ذلك فان روح اللون فى هذه اللوحة متفائلة للغاية، فاللون مشرق رغم أن الموضوع حزين جدا ، فهناك احباطات وصلب للطفل، عموما أنا استمتع بالنقائض الموجودة فى اعمالى ، وهى ليست لمجرد كونها نقائض لكنها تخلق نوعا من التوازن ، وأنا مقل فى استخدام اللون لأننى أعتبر أن الاستخدام المسف فى اللون يمحو الرؤية، يعنى الاستخدام يكون بصريا .
- ولان التشكيل لغة الفنان ، ولابد من أن يجود فى لغته ويبنى عبارات صحيحة، ولان عند بكرى الرؤية هى الأساس، فالبديل التشكيلى المحض فى أعماله راق جدا كالذبابات والنسيج والطعنات الموجودة بالخشب كل ذلك فى ظل وجود عالم أخر يدعو للأمل والغربة فى آن واحد، فلوحاته منتهى التألق داخل الظلمة، حيث أنها مظلمة والشعاع يدخل عليها ليكتشف ما بداخلها ، وهناك رؤية متشائمة لواقع قد يكون محبطا لكن هناك أيضا أمال غير عادية ، فشعاع من الأمل لديه المقدرة على الاختراق .
- أعلم أنك انتهيت من مناقشة رسالة الماجستير هل هناك علاقة بين أعمالك وموضوع الرسالة ؟
- أجاب بالتأكيد : فالرسالة بعنوان `استلهام التراث المصرى القديم فى التصوير المصرى المعاصر ` وفيها تأكيد بأن التراث الشرقى هو صاحب الفضل فى الثورة الحديثة للفن ، ولو رأينا المستشرقين فنجد ` بول كلى `، استمد اللون من الشرق ، من زياراته لتونس ومصر ، ` ماتيس ` كذلك، الفن المصرى القديم هو منتهى الحداثة، ومن يستطيع استيعابه بشكل صحيح سيجد إمكانيات من ناحية التكنيك، والتوظيف بالخلفية الشكلية والمضمون بالتالى الريليف فى اعمالى مستمد من التراث واللون فى الريليف موجود فى الفن الفرعونى .
- كيف تستطيع السيطرة على اللون ؟
- بمعاملة خاصة، وصبر فلوحة ` يمامتان ` تحمل درجات من الفضى والذهبى ويتم السيطرة عليها بتداخل ألوان أخرى فاليمامتان تطيران يخترقهما شعاع من الألوان المبهجة تضمحل ، ويبرق فى جزء أخر جو من البرودة ، وممكن أن يكون هذا العمل مستوحيا من المعدية فى الإسكندرية وهى عبارة عن بحر وبحيرة وبها مملكة للطيور المهاجرة ، فإحساس الصفاء والبرودة فى وجود الدفء فى اليمامتين مشهد بسيط عادى لكنه يعبر ببلاغة عن حياتى الخاصة !
بالأشعار !
- موطنك كفر الشيخ ومقيم بالإسكندرية واضح إن لها أثرا كبيراً فى أعمالك ؟
- الحقيقة لا ! هى مرحلة ما، لكن كفر الشيخ مازالت وستظل تحتوينى بدليل أن كل الحروف المسمى بها الأعمال هى قصائد شعرية تستطيع قراءتها : ` سرينادا ` قصيدة لعلى قنديل، وهو صديق وشاعر أعتبره من قمم الشعراء وقد توفى وعمره 23 عاما ، أبيات دافئة تناديك :
` اطفىء الشمع تقم .. لا يناديك باسمه غير ليل التائهين وسرير الغرباء` .. الكتابة تدخل فى نسيج اعمالى من خلال رؤيتى ومن لا يعرف على قنديل لا يمكن أن يكتشف هذه المسألة، فهى أسرار عملى واعتقد أن رسالتى من خلال اللوحة .
- هل كفر الشيخ فى الحروف المسمى بها الأعمال فقط ؟
- أبدا ، فالجاموسة كعنصر موجودة فى لوحة بها طفل وطائر وهلال وما يشبه النهر من خلال تألق ضوئى ، هذه هى كفر الشيخ ، وهى ليست مجرد مدينة نشأت فيها لكنها ككل القرى تعيش فى وحشة ، تنام مبكرا وداخلها آمال مطحونة وأنت تعرف أن البنات بالذات يحكم عليهن ألا يرين المدن الحديثة : يولدن ويعشن ويتزوجن، ويمتن فيها، لذلك لا أستطيع أن أرى الطبيعة بشكل منفصل عن مأساة الواقع، أعمالى كلها تتحسس الواقع وكفر الشيخ تحتوينى أما الإسكندرية فقد عشت فيها والبحر له سطوة، والطيور كذلك ، ونفس الشقاء العجيب فى الطائر والبحر والبرد والرطوبة، والمؤثرات الثقافية جعلتنى اتجه نحو التراث، واستخدامه كباليته .
- الفنان بكرى محمد بكرى مبهورا جدا بثمرة الخشب كل أعماله على نسيجها، وقد كتب قصيدة وحيدة فى نسيج خشب - يحتوى البروزات التى تكون الجزر والمدن والالتفافات والتحصينات .
- يقول الفنان : أعمالى كلها على الخشب أترك آثار الخشب، وتستطيع أن تشعر به، وأنا أخرج من هذا النسيج الخشبى كبداية للعمل حتى انتهى منه ، ثم جعلت الخشب يظله كثيرا ثم بعد ذلك استخدمت اللون البنى لاحافظ على ثمرة الخشب ولونه، واصنع تناغمات لونية مترابطة.
لاتسأل عن على، سرينادا، الحلم يطلع من الشرق، متواليات المغنى والنهر، قصائد على قنديل ، يتحدث الطمى لعفيفى مطر ديوان يحمل ` ملامح ` و` الدائرة ` و` الميلاد ` و` نقوش على جدار الليل ` كلها مسميات لأعمال الفنان .
- سألته : بم تفسر ارتباطك بالحروف المسمى بها أعمالك من قصائد ودواوين الشعراء.
- أجاب : هناك درجة من الثقافة العالية جدا فى ظرف حساس بالنسبة لنا جميعا وهى فترة الستينات، إمكانية إتاحة القراءة والاستمتاع بحضور صلاح جاهين والأبنودى وسيد حجاب، وكذلك صلاح أبو سيد ومحسنة توفيق فى سهرات وندوات بكفر الشيخ، أعطت حالة من التوقد الثقافى والرغبة فى تثقيف وامتاع الناس بالفن الرقى، هذا ما صنع داخلى الرغبة فى التعبير بأدواتى وجعلنى أؤمن برسالتى فتألق الثقافة فى كفر الشيخ واشتعالها ، كل هذا كان له أثر داخلى .
- ماذا عن متواليات المغنى والنهر ؟
- رسمتها فى ألمانيا وبدأت فكرتها شعرت بأننى مصرى وسط هذا الجو، الحنين للمنبع والذكريات بدأت تطل على، وأحسست أننى لا أستطيع الانصهار ورافض للتغيير وشعرت بأننى عنصر مختلف، والثقافة لا تغير الذاكرة والفكرة، حنين جارف احتوانى ليس لمصر أو كفر الشيخ ، لكن لتلاقى الأنهار الأربعة فى قريتى ` القنطرة ` شعرت بالحنين لكل ما كنت آراه.
محمد الناصر
مجلة نصف الدنيا

- يمزج الفنان بكرى محمد بكرى فى هذه اللوحات بين المعالجات التقليدية القديمة لفن الحفر على الخشب، وبين الابتكارات الجمالية الحديثة. فهو يحتفى بمنجز هذا الفن المعروف فى التراث الإسلامى والشعبى بأدائه الزخرفى التعبيرى وبقيمه التجريدية الخالصة، ويطعمه بعناصر ومفردات تشكيلية حديثة بواسطة التصوير البارز بالحفر على قوالب ومساحات خشبية متنوعة، ويستخدم خامة الزيت كأداة لونية تكسب الأشكال المصورة حيوية ومذاقاً خاصاً. وتحرر حركتها وإيقاعها من جاذبية الأرضية الخشبية المصمتة، والتى تشكل الأساس المعمارى للتصميم.
- يتكئ بكرى فى اللوحات على الحرف العربى كمثير جمالى، ويصنع من أشعار على قنديل ومحمد عفيفى مطر، وبعض أيات القرأن الكريم وشائج بصرية، تساهم فى إنضاج الشكل، وإقامة نوع من الحوارية الفنية بين لغة الشعر، ولغة الحفر من ناحية، وبينهما وبين جماليات الخط العربى من ناحية أخرى. ويحرص على أن تظل هذه الحوارية مفتوحة على الشكل والتكوين، تتحرك فى فضاء اللوحات بليونة وتلقائية. ونلاحظ أن هذه المتكاءات تتشرب جوهر الخامة التقنى، وتشف عن حدوسات جمالية، تتخطى ما ترشح به من هواجس ودلالات شعرية مسبقة، كما أن الفنان لا يتعامل مع هذه المتكاءات على أنها مجرد حلية، أو زخرف فنى، أو قيمة خارجية مضافة إلى اللوحة، يفرًغها في وحدات مستقلة، ثم يقوم بلصقها فى التكوين، وإنما هى جزء أساسى من نسيج ولغة الحفر نفسه. تساهم فى بناء الشكل والفراغ، وتنويع مساقط النور والظل، وتهميش زوايا الأشكال والمساحات والخطوط، وكسر حدتها الهندسية البارزة، وفى الوقت نفسه، تسطيح التضاد الباده بين مساحات البارز والغائر فى اللوحات. وفى أحيان كثيرة تلعب هذه المتكاءات الشعرية دور الناظم لكل أبعاد اللوحة، وتشكيل فى الوقت نفسه المفتاح الدلالى لها، حيث تكشف عن مخزون اللوحة الروحى والجمالى، صانعةً نوعاً من التجاوب النغمى، أو ما يشبه الصدى لأجواء اللوحة الباطنية.
- فى لوحة بعنوان` لا تسل عن على` يتسيد البناء الهرمى المثلث بشكله المتقاطع والمتجاور، فراغ اللوحة من أسفلها إلى أعلاها. وعلى أضلاعه الخارجية تتناثر المقطوعة الشعرية فى تدفقات خطية متشظية وملتبسة، يصعب قراءتها، أو وضعها فى نظام معين. وفى أعلى اللوحة صورة بارزة لطائر يحلًق، وفى الوقت نفسه، يبدو كأنه محاصر بحزوزات خطية منثنية ومتعرجة، ومتقاطعة إلى حد التماهى على جناحى الطائر نفسه.
- إن سؤال القصيدة يتوحد مع سؤال اللوحة، فكلاهما يحلق فى فضاء الوجود، متسربلاً بمتاهته الخاصة، باحثًا عن الجوهر النقى للحياة وفى أسفل صورة الطائر فى اللوحة ثمة رزازً لونى شفيف.
- يتبدى على هيئة وحدات مربعة صغيرة، مطلية بنثار من الأزرق الفاتح، والأبيض المخفوق بحمرة وردية والأصفر المطفى.
- يخفف هذا الرزاز اللونى من ثقل مساحات اللون البنى الطبيعى للقالب الخشبى، الضارب فى اللوحة بتدرجاته المختلفة. والصقول بطبقة من صبغة ` الجمالكة` الشمعية كما يضفى على اللوحة جواً شعرياً مسكوناً بالدهشة والتأمل العميق.
- فى معظم اللوحات نلاحظ وجود شريط أزرق أو أحمر أو أخضر، له بريق معدنى يخترق الضوء والظل فى إشعاعات بصرية خاطفة. وبرغم أن هذا الشريط خاصة حين يستمد وجوده من نسيج الحفر نفسه ينجح فنيًا في إظهار ثراء اللون والخامة، وإبراز الأبعاد المختلفة للتكوين، وإضاءة مساحات النور والفراغ فى ثنايا الأشكال والخطوط، إلا أنه حين يتشكل من خطوط زيتية عابرة على جسد اللوحة يتحول إلى مجرد حلية خارجية مقحمة على اللوحة وعلى النسيج الرفيع للحفر نفسه.
- يبقى أن أحيى الفنان بكرى محمد بكرى فى هذه الإطالة السريعة على عالمه الخصب المرتبط بعمق وأصالة الإنسان المصرى، والذى يعيد إلى فن الحفر بهاءه الفنى الرفيع، بعيداً عن ثرثرة الاستهلاك الشعبى والمماحكات الشكلية الرخيصة.
بقلم: جمال القصاص
مجلة : إبداع ( العدد 6 ، 7 ) يونيو1997
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث