ـ الفنان عامة والمصرى خاصة طوال تاريخه يعبر بصدق وعن قرب عما ما يراه ويعيشه فى حياته ومجتمعه، وذلك من خلال تفاعله التام والمتنامى مع محتواهما الشكلى والبصرى والاجتماعى والسياسى والرياضى وخلافه، مما يجعله شاهداً على العديد من التحولات الظاهرة والباطنة أحياناً وموثقاً لها بالعديد من الأعمال وبالطرق الفنية المختلفة والأدائية والوصفية والميتافيزيقية أحياناً حتى ليجعلنا نغوص داخل مكنون النفس البشرية وما يذهب بها إلى عالم الإبداع .
- والفنان فارس أحمد فارس من الفنانين اللذين يجعلون لأنفسهم قدماً وساقاً فى هذا المجال، وهو التعبير عن المجتمع من خلال تلك الومضات للحياة فى الحارة المصرية .
- فنرى فى أعماله العناصر الإنسانية والهندسية والحيوانية فى وحدة واحدة أساسها الإحساس التركيبى الشكلى والنفسى والانفعالى . فالعناصر الإنسانية وأهمها فى لوحاته المرأة، نراها فى حركات وزوايا وأشكال مختلفة تشعرك بالدفء والتواصل وكثيراً مانراها ملفوفة بكثير من الأقمشة التى تحمل ثنيات تقترب من الكتل الحجرية وكأنها منحوتة داخل العمل التصويرى، فهى تسعى أحياناً ، تهرب أحياناً، تهرول أحياناً تعيش فى حلم لونى ملئ بالعواصف والدوامات، حزينة غالباً . ذات علاقات حميمة بالمكان والزمان رغم اغترابها ، ثم تلك الحوارات الصامتة مع الطيور فى همس دفين .
- وفى عناصره الهندسية نرى أنها مستوحاة عن قرب أحياناً أو بعداً تكراراً من الوحدات الإسلامية وخاصة تلك المثلثات والتى كأنها عرائس الجوامع التى تحف الأسطح لتعطى المهابة والخشوع ، ثم الدائرة ومابها من حوارات ، والمربع وتمايلاته، والأشكال المعمارية الداخلية فى عمق التكوين لتكون حجرات متداخلة داخل العمل الفنى ذات نوافذ صغيرة معظمها مغلق، ثم الهلال والنجمة والخطوط الأربيسكية والمراكب الورقية والدوامات النفسية وهى فى حالة من الهروب إلى الخيال .
- ثم تلك العناصر الحيوانية، والتى تعتبر هى مبعث الحركة داخل اللوحات فنجد الطائر الساكن والمتحرك والذى يجمع بين العصفور والحمامة فهو نسيج من خيال الفنان، ثم تلك السمكة التى تدل على الخير وهى مرسومة وملونة ببساطة شديدة هى بساطة الفنان فارس، ثم ذلك الحصان الذى نراه فى حالات متغيرة مليئة بالحذر وفى حركات ورقصات وثكنات، ثم الشجرة والقمر الدائرى والديك وهو فى حوار مع امرأة حزينة شجية . وتتشابك كل تلك العناصر فى مساحات طولية وعرضية بين المربع والمستطيل . أحياناً يعلوها مساحة مسطحة وكأنها باب أو قبو، أو عناصر لونية تقف وتتحرك حول كل تلك العناصر فى توائم شكلى ولونى تعبر عن هيام الحالة الشجية التى يعيشها الفنان وكأنها ومضات لونية ذات إشعاع نفسى دفين نجدها بجوار بعضها وتتناسخ من ذاتها أحياناً لتؤكد قدرة الألوان والأشكال على تأكيد الشكل والفراغ وأصالة الفنان فارس .

واقع جمالى جديد

- من أجل خلق وقائع جمالية جديدة بأبعادها التعبيرية والوجدانية، أرتبط الخيال بالأداء عند الفنان/ فارس أحمد فارس فى معرضه المقام حالياً فى المركز المصرى للتعاون الدولى أستطاع أن يبتدع أنغاماً جديدة بأحداث تأثيرات غير تقليدية فى ألوان موحيه وعناصر تصويرية وزخرفية أحدثت صدمة بصرية عند المشاهد، ناشئة عن اختلاف مصادر التشكيل والتى تألفت من وحدات مختلفة جمعت بين الرسم الملون المسطح والمجسم مما ساعد على اكتساب الاعمال معانيها من صياغة الفنان/ فارس لها مستهدفاً تجسيد دلالات تنقل للمشاهد مدى استجابة حواسه إلى التراث المصرى وخاصة القبطى.
- أدرك فارس القيم الفنية الكامنة فى التراث القبطى، كما أنه لم يستطع التخلى عن أسلوبه التأثيرى فى لوحات تمثل العنصر الأساسى فى أعماله، وجمع بينها بطريقة سهلة تشبه إلى حد كبير فى تجميعها الافاريز القبطية والإسلامية التى تشبه أشغال ( البرودرى ) .
- فى معظم أعماله يحيل الأطار ( البرواز ) الخارجى دوراً أساسياً فى تكوين اللوحة، ولكنه بوعى كامل يجمع بعض وحدات التراث من عصور متعاقبة ليجسدها فى الجوانب الأربع للوحة موحياً للمشاهد برموز الحضارات المصرية، ورغم اختلاف مصادرها التراثية إلا أنه نجح فى تحقيق تناغم تتوحد فيه المعانى والرموز.
- وعلى جانب آخر سيطرت فكرة الموزاييك فى أعماله الكبيرة، فكل وحدة فى مربع أو مستطيل او حتى شكل غير منتظم جمعها ورتبها بحيث يحقق وحدة بين العناصر عن طريق التنظيم الجيد لأجزاء التصميم مما يوحى أيضاً للمشاهد بإمكانية استمرار هذا التجميع إلى أبعد الحدود وهذا ما يربط المشاهد بكنوز الحضارات المصرية ، التكرار ، الافاريز تشكيلات الارابيسك والحديد الزخرفى ، ايقاعات متعددة مع الاحتفاظ لكل عنصر بمكانه فى التكوين الكلى حتى يساهم فى خلق التكامل فى العمل .
- إن كل وحدة سواء كانت رسم ملون أو تصوير مجسم هو قطعة موزابيك لها لونها ودلالتها وملمسها جمعت من أجل خلق وقائق جمالية جديدة تربط بين العاطفة والتفكير .

الناقد الفنان / حسن عثمان