`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
حسين يوسف امين
صانع المبدعين
- ارتبط اسم الفنان الراحل/ حسين يوسف أمين بصياغة الشخصية الفنية لنجوم الابداع الحديث : عبد الهادى الجزار وسمير رافع وحامد ندا وإبراهيم مسعودة ومحمود خليل وكمال يوسف وسالم الحبشى .
- وتكفى هذه الاسماء قيمة الرجل الذى كان استاذا منتجا وملهما للمبدعين فلم يكن يتوقف ابدا عن اشعال جذور التعبير الفنى عند تلاميذه ومناقشتهم وقد نذر حياته لرعايتهم ثقافيا وذهنيا واعدادهم للتطور ولقيادة الفن الحديث بكل اقتدار .
- ولد الفنان الثائر حسين يوسف أمين عام 1904 فى مدينة القاهرة والتحق بمدرسة المحمودية الاعدادية ومارس الرسم تحت رعاية الفنان / حبيب جورجى، ثم التحق بمدرسة المعلمين العليا وتخرج فيها وكان نمودجا للتلميذ والطالب المتألق ذهنيا وفكريا. اما فى الفن فقد شهد له استاذ الاجيال حبيب جورجى الذى كان وقتئذ علماً من أعلام التعليم الفنى وراعى الفن الفطرى شهد له بأنه يحمل الكثير من الفكر والموهبة القوية .
- وقد دفعه طموحه إلى السفر الى فرنسا عام 1924 ومنها إلى أسبانيا حيث درس اللغة الأسبانية ثم إلى البرازيل حيث أقام هناك حتى عام 1929 .
- وقد حصل حسين يوسف أمين على الدبلوم (سان باولو) فى فلسفة الفن وتاريخه من البرازيل ثم رحل الى فلورنسا بإيطاليا حيث اشتعلت الجوانب الإبداعية عنده فحصل على دبلوم الاكاديمية الملكية للفنون الجميلة بفلورنسا .
ـ هكذا اجتمعت فى حسين يوسف الدراسة العلمية والفنية للفن وفلسفة الابداع كما انه لم يكن بعيدا عن دراسة النظم السياسية والاجتماعية التى اعقبت الحرب العالمية الاولى وانتقال شرارة الثورة من أوروبا الى مختلف بلاد العالم .
- كان حسين يوسف أمين فى الخامسة عشرة من عمره عند قيام ثورة 1919 العظيمة وشهد بنفسه الكثير من التفاصيل لحركة الشعب المصرى تحت قيادة سعد زغلول وبعد عودته الى مصر انضم الى تدريس الرسم ووضع الاسس التربوية والعملية لهم مع أحمد شفيق زاهر ومحمد عبد الهادى ويوسف العفيفى وحامد سعيد وفتوح الرافعى والغرابلى وغيرهم من المؤسسين للتربية الفنية وأنظمة التدريس فى مختلف المراحل لذلك المنهج المبنى على الدراسة والعلم والبحث والفكر الاصيل الثورى مركزا على أن يكون الفن محليا ومعاصرا .
- أنشأ حسين يوسف أمين علاقة حميمة مع تلاميذه من النوابغ وفتح بيته لهم ملازما لافكارهم ناقدا لاعمالهم مرشدا لهم فى كل مراحل الانتاج الفنى وأسس جماعة الفن المعاصر وقد كانت التعاليم الغربية تفرض وجودها على الساحة الفنية وكانت النزعة الرومانسية هى امل الفنان، فدفع بتلاميذه الى التعبير عن المشاهد الشعبية والتعرف على مايخفيه الشعب المصرى من خرافات واسباب تخلف الاحياء الشعبية ورجل الشارع وفتح اعينهم على المدرسة السيريالية والتعبيرية فى آن واحد.
- كان المعلم حسين يوسف امين يشارك تلامذته كأستاذ مخلص مبدع يشاركهم التجربة كاملة يرسم ويزور معهم الموالد والشوارع والحوارى الضيقة كما ذكر لى الفنان الراحل عبد الهادى الجزار عام 1962 ولم يكتف بذلك بل اهتم بالحوارات العامة فأقام المحاضرات وكتب المقالات وكان يقراها فى الجلسات الخاصة محاورا .
- وفى عام 54 اصدر الناقد ايمية ازار كتابا بالفرنسية عن جماعة الفن المعاصر وقد ابرز فية الدور الذى لعبه حسين يوسف امين وبعد سنوات قليلة اصبحت هذة المجموعة من ابرز الاسماء فى عالم الابداع المصرى وقد عاش الفنان حسين يوسف امين حتى توفى فى 16 اغسطس 1984 بعد ان ضرب المثل فى الاستاذية والعطاء والابداع واصبح هذا الفنان صانع للمبدعين وراعى قلما يتكرر .
مكرم حنين
جريدة الأهرام
الرائد حسين يوسف أمين .. مشوار البحث عن الهوية
- تألق الرائد والفيلسوف الفنان حسين يوسف أمين فأنشأ جماعة الفن المعاصر التى تمخضت عن عملاقين يملكان الموهبة الإبداعية والثقافية الرفيعة والأداء العالى هما : عبد الهادى الجزار ، وحامد ندا ، وقد أسفرت جهودهما عن فن مصرى يتسم بالمحلية والعالمية شكلا ومضموناً .
- وبظهور حسين يوسف أمين فى منتصف الأربعينيات نادى بضرورة تكوين جماعة الفن المعاصر على أنها رسالة وهدف مقابل الحالة التى كان عليها الواقع الفنى المصرى آنذاك واقعاً تحت سطوه الأجانب الذين تتلمذ على أيديهم عدد من الفنانين المصريين ، وكانوا فى قلب الحركة السيريالية العالمية .
- كان نداء حسين يوسف أمين هو البداية من جديد فالمعاصرة عنده كانت هى الغوص فى متن المأثورات الشعبية وإحلال التقاليد والقيم المصرية الأصيلة، وفى العام الأول انضم إلى هذه الدعوة فنانون ملتزمون بحكم انتماءاتهم وبرغم انحيازهم إلى تحديث الأساليب والتكنيكات وتجديد التراث ، كانوا يريدون فناً مصرياً خالصاً ذا شخصية مصرية مستقلة .
- وفى عام 1946 أسس حسين يوسف أمين جماعة الفن المعاصر من تلاميذه فى المدارس الثانوية، وأقامت الجماعة معرضها الأخير فى متحف الفن الحديث بالقاهرة بإشراف الناقد `إيميه آزار ` ثم نقل هذا المعرض إلى المركز الثقافى الإسبانى بالإسكندرية.
- ومن خلال تجربة حسين يوسف أمين ورفاقه من جماعة الفن المعاصر نجد أننا نقف أمام منعطف بالغ الأهمية فى مسيرة الفن المصرى المعاصر، فقد عبروا عن حياة الناس وطقوسهم اليومية ورموزهم وأساطيرهم عبروا عنها من الداخل وليس من مظاهر، غاصوا فى صميم تلك الحياة ، انتشوا بإيقاعات الزار وحلقات الذكر وبرائحة البخور ورطوبة الحجرات الصيقة المعتمة، واستشعروا تداخل الموت مع الحياة ، فلم يسعوا إلى تجميل البيئة كالتأثيريين، بل استهدفوا الجمال الممزوج بالمرارة يصورون العوالم التحتية المطحونة من البشر فكانت رسومهم خشنة ولافحة الضوء ورمزية ، وربما قبيحة ، كما اهتموا بالتعبير عن الموضوعات القومية قبل الثورة ، وعن معارك التحرير والعدالة والمساواة بعدها .
- وهذا التحول فى مسار الفن المصرى المعاصر استلزم وجود مرشد من أصحاب الوعى والخبرة تجسد فى شخصية الرائد حسين يوسف أمين ، الذى حرر فنانى الجماعة تدريجياً من سلطان السيريالية الأوروبية والاستغراق فى التأملات الميتافيزيقية ليلتفتوا إلى اكتشاف ملامح التراث المحلى واستبدال مصادر اللاوعى التى أرساها فرويد ويونج بعالم الأساطير والخرافات الشعبية المصرية ورموزها السحرية ذات الدلالات التراثية والحياتية الممتدة .
- كان حسين يوسف أمين مصوباً أولى اهتمامه للكشف عن العذوبة الخافية فى خشونة الموضوعات ، ويبدو فى بعض أعماله متأثراً بهنرى ماتيس، كان شعاره لا فن بلا علم ولا علم بلا مدرسة، ولا مدرسة بلا تربية صحيحة ومنزل مناسب .
- ولقد لعب الفنان حسين يوسف أمين دوراً تاريخياً فى حركة الفنون التشكيلية فى مصر .
نجوى العشرى
جريدة الأهرام - 2010
حسين يوسف أمين .... صانع المبدعين
- كان حسين يوسف أمين فناناً تشكيلياُ متميزاً، بما تمتع بع من بصيرة نافذة، وذوق رفيع، ومن عطاء كبير ظل يقمدمه طوال حياته ، فظهر كمعلم للكثير من الأجيال، حيث بدا للجميع أنه نموذج نادر فى سلوكه تجاه الفن، وأنه صاحب مدرسة فنية، بل رائد ، له أسلوب بسيط واضح، تتميز لوحاته بمستواها الرفيع فى التكوين والتلوين وقوة التعبير .
- كان يمتلك مهارة متفردة ، تجلت فى الشخصية التى يرسمها بأسلوب يميل إلى التبسيط والاقتصاد فى الدرجات اللونية ، كما كان له أسلوبه المميز، عبر تخصصه فى رسم الاسكتشات، وبما حفلت به رحلته من خطوات واثقة وإيمان راسخ بالفن وتاريخ طويل من الإنجازات، أهله لأن يحصل على لقب الرائد بجدارة، وكان فنه تلخيص حياةعلى مسطح، حياة لها ماض وحاضر ومستقبل صنعه كتكوين وعلاقات يتقرب بها من الشخصية التى يعبر عنها اللون واللمسة.
- وانطلاقاً من ثقافته البصرية العميقة، اتسمت خطوطه بالأنسيابية وتكويناته بالإحكام إذ كان يضفى على اللوحة شيئاً من سكينة روحه... ووداعتها، لهذا جاء أغلبها حالماً.. رقيقاً .
- كانت خطوطه موجزة، وتكويناته محكمة، لا تفقدها التجريدية شكلها ومعناها وجمالها، ولذا خرج من عباءته الكثير من الفنانين الذين استفادوا من أستاذيته وتعلموا منه على المستويين الفنى والإنسانى.
- ترك بصمة مشرفة على الحركة التشكيلية.. باعتباره أول من قام بتمصير اللوحة ، بما كان له من أثر عميق على الأجيال التى تتلمذ على يديه ، أثر تركز فى قدرته على التعبير بالملامح، وعما تكنه الشخصيات من عواطف ونزوات ومشاعر وأحاسيس ، فلوحاته تمتاز باللمسات الحساسة القوية والألوان الشفافة الصريحة.
- وكان لموهبته أثر كبير على فنه إذ برزت خصوبته القصوى فى التلوين وتجلت براعته فى امتصاص ألوان الطيف، وسكبها فوق لوحاته بغزارة متدفقة وكأنما كان يغنى بفرشاته . كما تميزت أعماله بالشموخ والوضوح، والبراعة فى رسم الطبيعة الصامتة والإسكتشات ، التى تجعلك تحس إزاء لوحاته بألفة بينه وبين ما يصوره، إنه من الفنانين الذين خلقوا ليضيئوا بفنهم وخبراتهم حياة مجتمعهم حتى لوكان ذلك على حساب حياته الشخصية .
-غاص فى أسرار اللون ، فأصبح عنده عمق وبناء وقيمة وتحليل نفسى، لا مجرد طلاء سطحى، وتغن بالجمال والبهجة على أنغام ألوانه الشجية السابحة فى أطياف النور ومفاتن الحياة..
- قدرته وعظمته كفنان حقيقى... ترجع إلى أنه استطاع أن يتجاوز عالمنا الراهن فنجح فى أن يتخذ من كل خبراته المعيشة أداة لتفسير العالم، وكان لاعتداده بنفسه وشخصيته القوية وإصراره على بلوغ الحق دور كبير الأثر فى مسيرة حياته الفنية، وهو ما جعل منه أحد نجوم `جماعة الفن المعاصر ` التى ظهرت فى النصف الثانى من أربعينيات القرن العشرين تلك الجماعة التى اهتمت بالتعبير عن الحياة الشعبية من خلال التفسير الميتافيزيقى والتشخيصى لسلوك أبناء الطبقات الشعبية كان نداؤه هو البداية، فالمعاصرة عنده تكمن فى الغوص حتى القاع فى متن المأثورات الشعبية، وإحلال التقاليد والقيم المصرية الأصلية، على أساس أنها عناصر لبطولات وطنية، واستخدام الرموز المتخمة بمكنونات الضمير الشعبى باعتبارها موجودات قدسية الطابع فى حد ذاتها .
- إن `الشخصية المصرية ` فى مواجهة المحتلين كانت بحاجة إلى رحيقها الغائب، كانت بحاجة إلى إعادة تصنيف وتصحيف الصيغ مختلة السياق والأوصاف .
- وكان معنياً إلى حد كبير بمسألة التعبير عن بنية ` الشخصية المصرية ` الجديدة من خلال الرمز من ناحية، ومن خلال التأكيد على فكرة الكبرياء والانتصار لجماليات الواقع المصرى الذى ظل مهاناً لزمن طويل من ناحية أخرى فتعبير الشخصية المصرية كان وارداً `كاحتمال` فنى، ورد فعل يعكس رغبة هذه الشخصية فى الخروج والتحرر من رقبة الاحتلال، ومن طغيان الطبقة البرجوازية ولذا تحلت تلك الشخصية بشعارات الثورة الى تفجرت تطالب بالعدل الاجتماعى، وبالتطهير ، وبتصفية الإقطاع، وبإعادة الأرض إلى الفلاحين، وبحق المصريين فى العمل ضد الامتيازات الأجنبية .
- كانت أعماله تمثل نوعاً من الطموح الفنى والسياسى، وآنذاك انتشرت وسائل تعبير، تطرح مجموعة موضوعات، تمثل واقع الفلاح المصرى، وتمجد العمل، وتسجيل الإنجاز .. وبوجه عام كانت لوحات حسين يوسف أمين تمثل حالة من حالات الانتصار الذاتى، والكبرياء الوطنى، كما كانت أيضاً تتميز بقدر معقول من الصدق ضمن لها - من بين ما ضمن - الاستقبال الجماهيرى الطيب، والتفهم اللازم، فكان فنه يقف فى مواجهة المحتل الأجنبى والعمليات المتواترة من الغزو الفنى والثقافى والفكرى لمصر .
صانع المبدعين :
- حسين يوسف أمين رائد من رواد حركة الفن المصرى الحديث فى القرن العشرين وهو مصور حوشى الطابع ، أولى اهتمامه للكشف عن العذوبة الخافية فى خشونة الموضوعات الشعبية وقوة حضورها، ويبدو فى بعض أعماله متأثراً بهنرى ماتيس وبالخط المحيط بالعنصر، لكن الدور الأكبر الذى لعبة فى الحياة التشكيلية أنه كان معلماً ومفكراً يرجع إليه الفضل فى تشكيل ` جماعة الفن المعاصر ` التى قلبت موازين الفن فى النصف الثانى من الأربعينيات وضمت إليها مجموعة من فنانى الشباب الموهوبين آنذاك: حامد ندا، عبد الهادى الجزار، سمير رافع، إبراهيم مسعود، أحمد ماهر رائف، سالم الحبشى، كمال يوسف، محمود خليل أولئك تلاميذه الذين دفعهم دفعاً إلى تكسير القوالب والثورة على التقاليد البرجوازية فى صناعة الصورة الفنية، وبالتعبير عن الجوهر الشامل للجمال الذى يتمثل فى القيمة التى تطرحها رسالة الفنان، وفى الخيال المتحرر المعبر عن الهوية والمجتمع، بحثاً عن التحرر من القالب الأجنبى الذى كان يسود الفن آنذاك .
- كان يتقن ست لغات ، وكان شعاره : ` لا فن بلا علم ولا علم بلا مدرسة ولا مدرسة بلا تربية صحيحة ومنزل مناسب ` وقد اعتكف فى بيته فترة من حياته، اكتأب وانطوى على نفسه بعد انشغال تلاميذه عنه، عندما صاروا نجوماً ، وعندما هاجر ولداه إلى أمريكا وعاش هو مع رفيقة عمره حتى الممات، وكان السلطان حسين كامل هو من أصدر أمراً بتعليمه الفن فى الخارج .
- لعب دوراً تاريخياً فى حركة الفنون التشكيلية فى مصر، وارتبط اسمه بصياغة الشخصية الفنية لنجوم الإبداع الحديث، عبد الهادى الجزار، سمير رافع، حامد ندا، إبراهيم مسعود، ومحمود خليل، كمال يوسف، سالم الحبشى .
- وتكفى هذه الأسماء للدلالة على قيمة الرجل الذى كان أستاذاً منتجاً، وملهماً للمبدعين، فلم يكن يتوقف أبداً عن إشعال جذوة التعبير الفنى عند تلاميذه ومناقشتهم فى كل الأفكار ، وقد وهب حياته لرعايتهم ثقافياً وذهنياً، وإعدادهم للتطور ولقيادة الفن الحديث بكل اقتدار .
- مارس الرسم تحت رعاية الفنان حبيب جورجى ، ثم التحق بمدرسة المعلمين العليا وتخرج فيها ، وكان تموذجاً للتلميذ والطالب المتألق ذهنياً وفكرياً ، وقد شهد له أستاذ الأجيال حبيب جورجى، الذى كان آنذاك علماً من أعلام التعليم الفنى، وراعياً للفن الفطرى ، شهد له بأنه يحمل الكثير من الفكر والموهبة القوية .
- وقد دفعه طموحه إلى السفر إلى فرنسا عام 1924، ومنها إلى إسبانيا حيث درس اللغة الإسبانية ثم إلى البرازيل حيث أقام هناك حتى عام 1929 .
- حصل على الدبلوم من سان باولو فى فلسفة الفن وتاريخه بالبرازيل، ثم رحل إلى فلورنسا بإيطاليا حيث اشتعلت الجوانب الإبداعية عنده فحصل على دبلوم الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة بفلورنسا .
- وهكذا اجتمعت فيه الدراسة العلمية والفنية وفلسفة الإبداع ، كما أنه لم يكن بعيداً عن دراسة النظم السياسية والاجتماعية التى أعقبت الحرب العالمية الأولى وانتقال شرارة الثورة من أوروبا إلى مختلف بلاد العالم .
- كان فى الخامسة عشرة من عمره، عند قيام ثورة 1919، وشهد بنفسه الكثير من تفاصيل حركة الشعب المصرى تحت قيادة سعد زغلول وبعد عودته إلى مصر عمل على تدريس مادة الرسم، بالمدارس المصرية ووضع الأسس التربوية والعملية لها مع أحمد شفيق زاهر ومحمد عبد الهادى ويوسف العفيفى وحامد سعيد وفتوح الرافعى والغرابلى.. وغيرهم من المؤسسين للتربية الفنية، وأنظمة التدريس فى مختلف المراحل التعليمية، وكان منهج هؤلاء الأساتذة مبنياً على الدراسة والعلم والبحث والفكر الأصيل الثورى مع التركيز على أن يكون الفن محلياً ومعاصراً .
- أقام هؤلاء المؤسسون فى المدارس التى عملوا بها `جمعيات الرسم ` وكونوا فيما بينهم `جمعية الرسم والألوان المائية ` ثم أنطلقوا عليها اسم ` جماعة الرعاية الفنية `.. وكانوا ينشرون أفكارهم بين تلاميذهم فى جمعيات الرسم بالمدارس الثانوية ، ويشجعونهم على الالتحاق بكلية الفنون الجميلة بعد إتمام دراستهم الثانوية محملين بأفكارهم المناهضة للأساليب التقليدية فى الفن، وقرابة عام 1930، عند عودته من أمريكا الجنوبية، وجد المتلقى المصرى نفسه أمام تصوير يعكس روح الحياة الشعبية، ووجد المتلقى والفنان على حد سواء نفسه أمام حياة جديدة، ما جعل الفنانين - ومن ضمنهم راغب عياد - يشعرون بالحاجة الملحة إلى تصوير ذى علاقة بمصر .
- جلب جديدا فى منحاه التصويرى، وإدراكه للتكوين، والاستحواذ على الموديل، وكان غريباً أنه - وإن لم يكن يرفض التعاليم الأكاديمية - تحرر مبكراً منها، وقد أوصلته خبراته العديدة، وموهبته الفريدة وقدرته على المقارنة والتقاط أوجه الشبه، إلى اكتشاف ضرورة التحريف فى الأشكال .
- بدأ أنطباعياً، يرسم البورتريهات، ولكن سرعان ما شق طريقاً خاصة به فى المدرسة التعبيرية، ممهداً بذلك السبيل للجزار ، ندا ، رافع .. وقد توصل إلى تحرير الإضاءات تبعاً للاحتياجات التشكيلية والسيكولوجية للعمل الفنى .
- أقام علاقة حميمة مع تلاميذه النوابغ، وفتح بيته لهم، ملاوماً لأفكارهم، ناقداً لأعمالهم، مرشداً لهم فى كل مراحل الإنتاج الفنى، وكانت التعاليم الغربية تفرض وجودها على الساحة الفنية، وكانت النزعة الرومانسية هى أمله، فدفع بتلاميذه إلى التعبير عن المشاهد الشعبية، والتعرف على ما يخفيه الشعب المصرى من خرافات ، وأسباب تخلف الأحياء الشعبية ورجل الشارع، وفتح أعينهم على المدرسة السريالية والتعبيرية فى آن .
- كان يشارك تلاميذه كأستاذ مخلص، مبدع ، يشاركهم التجربة كاملة ، يرسم ويزور معهم الموالد، والشوارع، والحوارى الضيقة ، كما لم يكتف بذلك ، بل اهتم بالحوارات العامة، فأقام المحاضرات، وكتب المقالات، وكان يقرأها فلا الجلسات الخاصة معهم .
- واستطاع أن يحافظ على هوية كل موهبة من المواهب الثمانى، وأن ينمى استقلالهم، فلا نجد أى تشابه بينهم فى التقنية أو فى الأداء ، وإن كانت البنية الأساسية واضحة إلا أن كلا منهم كانت له شخصيته المستقلة .
- كانت توجهاته تهدف آنذاك إلى تأمل الطبيعة، والتعمق فى أشكالها ، وتسجيل ما لا تلاحظه العين للوهلة الأولى ، وكان الطابع العام ` جماعة الفن المعاصر ` فى تلك المرحلة ، هو الأمانة فى الدراسة عن الطبيعة ، ما أدى إلى اكتشافهم تلك القوانين الميكانيكية التى تحكم حركات النمو فى الأجسام الجامدة ، وهى نفس الدراسات التى اشتهرت بها مدرسة حامد سعيد ، ولكن مدرسة حامد سعيد توقفت طويلاً عند هذا الحد ، ولم تتطور إلا قليلاً ، فى حين كانت هذه المرحلة فى مدرسة حسين يوسف أمين مجرد بداية ومقدمة لمراحل أخرى تالية .
- قام بتوفير المناخ الثقافى السليم لتنمية قدرات أعضاء الجماعة الفنية والفكرية وكانت ثقافته العالمية، وتفتحه الذهنى عاملاً أساسياً فى إنضاج شخصياتهم الفنية فى عمر مبكر، ما هيأ لهم الفرصة لأن يؤدوا دوراً مهماً ومؤثراً فى تطور الحركة الفنية فى مصر وإثرائها منذ الأربعينيات .
- إذا كان الفن ركناً أساسياً فى بناء أية حضارة، فلا يمكن الاستغناء عنه، لأنه ببساطة ضمير الأمة، ووجدانها الذى يحمل شخصيتها المتفردة، ويظل عامل الزمن هو المصفاة الحقيقية للإبداع الفنى، والمعيار الدقيق فى الحكم على قيمة الفنان وقد تجلى هذا المعنى عبر العديد من المعارض الاستعادية التى أقيمت للفنان حسين يوسف أمين، ذلك الفنان والمفكر الذى كان يملك القدرة والثقافة التى أهلته لأن يقوم بتجربته الرائدة فى تنمية مواهب من انتقاهم من بين تلاميذ مدرسته، وكان لشمولية نظرته وعمق فهمه ودوره التربوى أثر كبير فى إنضاج موهبة من اختارهم لعضوية `جماعة الفن المعاصر ` التى كونها عام 1946 تلك الجماعة التى كانت أفكارها من أهم المؤثرات فى تشكيل أسلوبهم الفنى، فجاءت أعمالهم تجسيداً لمثالياتها فى التعبير بعمق عن الشخصية المصرية الصميمة وما تطويه داخلها من أصالة، وتأكيد الصلة الوثيقة بين الفكر والفن واعتبار العمل الفنى كالأدب وسيلة لنقل فلسفة ما .
- وقد رحل الفنان حسين يوسف أمين فى 16 أغسطس 1984، بعد أن ضرب المثل فى الأستاذية والعطاء والإبداع وأصبح صانعاً للمبدعين وراعياً قلما يتكرر .
د . إيناس حسنى
مجلة الخيال - أغسطس 2010
خبيئة حسين يوسف أمين
- ساهم فى تكوين الرؤية الكونية البكر لتلاميذه، حيث نجد التشابه الكبير بين أعماله والأعمال المبكرة لكل من الجزار ورافع وندا
- بدا لنا طوال نصف قرن أو يزيد أن الدور التاريخى للفنان حسين يوسف أمين (1904- 1984) لايزيد على تأسيس `جماعة الفن المعاصر`عام 1946، التى ضمت تلاميذه فى المدرسة الثانوية (عبدالهادى الجزار وسمير رافع وحامد ندا وماهر رائف وكمال يوسف وإبراهيم مسعودة ومحمود خليل ومجلى والحبشى.. لقد اختصره النقد وتاريخ الفن فى هذا الدور وحده ، أما مكانته كمبدع فبقيت شاحبة متواضعة مقارنة بمواهب تلاميذه وعبقرياتهم اللافتة .
- لم يحاول النقاد تقييم وزنه الإبداعى من خلال ما أتيح لهم الاطلاع عليه من صور مطبوعة بالأبيض والأسود ؟ لأعماله ضمن مقالات قديمة، إضافة إلى أنه لم يقم بعرضها فى معرض خاص طوال حياته ، فلم يتعرفوا عليها منذ الخمسينيات، وكان الناقد الوحيد المنتظر منه إنصافه هو إيميه آزار، الذى عاصر جماعة الفن المعاصر منذ نشأتها وكتب عن فرسانها فى كتابه ` التصوير الحديث فى مصر `، لكن الكتاب ظل ما يقرب من نصف قرن حبيس لغته الفرنسية غير المتداولة فى حياتنا الثقافية ، فضلا عن ندرة النسخ المطبوعة منه منذ عام 1961، ومن ثم ظل حسين يوسف أمين حبيسا معه أو هكذا ظننا، بالرغم من أن هذا الفنان عاش بيننا طويلا محتفظا بكامل أعماله حتى عام 1984، بعيدا عن الأضواء ودراسات الباحثين إلا قليلا ، وهؤلاء بدورهم ركزوا على دوره الريادى للجماعة دون تقييم أعماله الفنية ، وكانت المفاجأة عندما ترجم الكتاب عام 2005 بالمجلس الأعلى للثقافة على يد الأديبين الكبيرين إدوار الخراط ونعيم عطية ، حين تبين أن إيمية آزار لم يتحدث عن فن ` أمين` إلا قليلا جدا، نسبة إلى تحليله المستفيض لأعمال تلاميذه ولدوره التاريخى فى قيام الجماعة !
- وها هى قاعة المسار بالزمالك ترد الاعتبار إلى هذا الفنان الكبير بإقامتها معرضا شاملا لأعماله فى شهر مارس ، على خلفية من لوحات تلاميذه ، وكثير من لوحاته أنجزه فترة ارتباطهم الأبوى به خلال عقد من الزمان بدءا من النصف الأول من الأربعينيات، ليتضح منها مدى التأثير الفنى القوى الذى تركه عليهم ، وتؤكد لنا مسيرته الإبداعية أنه كان فنانا حداثيا من الوزن الثقيل، ذا حس ابتكارى متجاوز لعصره فى مصر، وربما أقول إنه كان أكثر فهما واستيعابا لمدارس الفن الغربى الحديث وأكثر استفادة منها فى أعماله بروح مصرية متفردة، أكثر من أعضاء جماعة الفن والحرية التى سبقت إعلان جماعته بسبع سنوات بفرسانها الثلاثة رمسيس يونان وكامل التلمسانى وفؤاد كامل ، فكان هو الأقرب منهم إلى الحس الشرقى بمذاق مصرى صميم فى كثير من أعماله ، بالرغم من تأثرها بمؤثرات سيزانية أو جوجانية أو ماتيسية من الناحية البنائية للوحة، وبتوجهات حوشية أو سريالية أو تعبيرية من الناحية الفكرية.
- وسوف نلاحظ كذلك أنه ساهم فى تكوين الرؤية الكونية البكر لتلاميذه ، حيث نجد التشابه الكبير بين الأعمال المبكرة لكل من الجزار ورافع وندا وبينه، ليس- فحسب- من خلال اختيارهم مفردات من الطبيعة دأب هو على توظيفها فى لوحاته، مثل قواقع البحر الهائلة، والنساء العاريات يولدن من داخلها والخيول الأسطورية بأعرافها المتهدلة كشعور النساء والأشجار الوحشية التى تستحم بينها الصبايا الكاعبات وملامح الحياة الشعبية الساذجة ، بل كذلك من خلال تجاوزهم لمحاكاة بعض مفردات الواقع فى البيئات الفطرية نحو عوالم فنتازية أو أسطورية أو سيريالية أو كونية، تميزت لدى كل منهم بشكل مختلف عن الآخر مع مراحل تطوره الفنى والفكرى ... لقد أوجد لهم حسين يوسف أمين - عن طريق أعماله الفنية وأفكاره الفلسفية على السواء- التربة الثقافية التى نبتت فيها مواهبهم وتشكل من خلالها وعيهم ، حتى شبوا عن الطوق، وتجاوزوا بطيرانهم الفضاءات المنخفضة، محلقين كالنسور فى الفضاءات الشاهقة.. عندئذ- ويا للحزن! - لم يعودوا إلى عش النسر العجوز.. أستاذهم الذى اعتزال الحياة الفنية والعامة فى مرسمه النائى قرب أهرام الجيزة، وهو يتابع نجاحاتهم بسعادة الأب الفخور بأبنائه.. ومن بدرى بأية مشاعر أخرى كان يتابعهم!
- ورغم تأثيره الفنى القوى هذا عليهم ، فثمة ما يميزه عنهم جميعا حتى مراحل نضجهم الأولى بعد استقلالهم عنه: وهو الألوان الحوشية بالغة النصاعة والتوهج، والخطوط الواثقة بالغة الإيجاز والتعبير بعيدا عن الوصف والمحاكاة الخطوط الطبيعية ، وعلينا أن نتخيل مدى الجرأة فى ذلك فى ظل سيطرة الأسلوب الأكاديمى الشاحب والناقل للطبيعة الذى كان سائدا فى الحركة الفنية عندما ظهر ` أمين`.. وعلى رأسها أعمال الجيلين الأول والثانى باستثناءات قليلة مثل أعمال محمد ناجى وراغب عياد وسيف وانلى، بل بعد ذلك فى جيل الشباب التالى لجيلى الرواد، فى ظل غلبة الحس اللونى القاتم والطابع المأساوى للخطوط الغليظة السوداء فى أعمال جماعة الفن والحرية التى سبقت جماعته بسنوات ، وهيمنه ` الموضوع الدرامى`على تعبيراتهم الفنية، هذا فوق دقة تصويبة نحو الهدف بفرشاته ودسامة ألوانها وهى تبنى معمار اللوحة، متأثرة برسوخ تفاحات سيزان وبدائية فتيات جوجان وحوشية عربيات ماتيس وشاعرية سرياليات ماجريت.. لكن من غير الإنصاف حصره فى تلك التأثيرات الأوروبية ، ولعلى أظن أنه كان يترك نفسه لما هو أقوى منها تأثيرا على نفسه ، وهو الحس الشعبى الفطرى بعفويته وطزاجته، وهو حس امتزج فى غموض بحس الطبيعة العذراء فى أمريكا اللاتينية التى عاش فترات فى بعض بلدانها مثل البرازيل ، وفى أوروبا التى عاش فترات أخرى فى بعض بلدانها مثل فرنسا وإيطاليا، خاصة وأنه حصل على دراسته الأكاديمية للفن بمدينة فلورنسا قبل أن يعود إلى مصر عام 1931 .
- وعندما عاد إلى مصر بدا وكأنه قرر أن يبدأ من جديد ، ويختار الطريق الصعب بالتعبير عن الطبيعة الداخلية لا الخارجية، عن الطاقة الكامنة فى الشخصية المصرية التى وجد ما يميزها فى المرأة النوبية، ولم يكن تفضيله رسمها نصف عارية بدافع جسدانى أو حتى كموضوع للدراسة التشريحية، بل كمستودع للطاقة المكبوته، وربما كان هذا ما يفسر أن أكثر نماذجة من الراقصات الشعبيات ، وإن لم يحرص على تصويرهن فى أوضاع الرقص الشرقى بتأودات الإثارة المعهودة ، فلم يكن همة تسجيل حركات الرقص أو تحقيق الإثارة الحسية، بل كان تحرير المرأة ومنحها دور البطولة بجانب الرجل، الذى ظهر غالبا كعازف على الأرغول أو الناى أو كضابط للإيقاع على الطبلة.
- وعندما أقول إنه اختار الطريق الصعب بهذا الموضوع ، فإنما أعنى أنه اختار للفن مضمونا نهضويا فى سياق الحراك الاجتماعى والسياسى الذى كان يتفجر بمصر آنذاك ، وفى إطار اختياره الفكرى لدور الفن، الذى يترجمه بيان (مانيفستو) الجماعة فى معرضها الثانى عام 1948 الذى كتب فيه :
- ` لم يعد منطق الفن المعاصر يتمشى مع منطق هذه الفنون التى نزل بعضها إلى مجرد تسجيل المنظور (...) واهتم بعضها بالبراءة والنقاء الفطرى(....) وبعضها كان يستخدمه طلاب الرفاهية كمتعة، وأكثر من هذا فقد استعمل الفن كوسيلة لستر آلأم الإنسان فى بعض ظروفه وتغطيتها بالمظاهر الزائفة... لكن الفن المعاصر يأبى إلا أن يقف جنبا إلى جنب مع قمة الفكر الحديث ، وهو يرمى إلى عكس ما ترمى إليه الفنون السطحية التى تجهل أو تتجاهل سر الحياة وسر علاقتنا بها. إن الفن أداة للغزو والمعرفة ، فقد أصبح مالكا لنفسه وقائدا لوعى الناس، بعد أن ظل وقتا طويلا يعمل فى خدمة المطامع المستورة أو أداة لهو وتسلية `.
- إن من يكتب مثل هذه الكلمات لا يمكن أن يرسم لوحات تعبر عن عكس ما ترمى إليه تلك الكلمات ، ومن ذلك استثارة الحواس وإشباع المتعة السطحية من خلال تصوير الأجساد العارية ، كما حاول بعض المعارضين لفنه وفن جماعته من أساتذة ومفتشى التعليم الثانوى، أى من رؤسائه المباشرين، أن يتهموه به عند إقامة ذلك المعرض عام 1948 ، ولنا أن نتخيل مدى سطوة هؤلاء وتأثيرهم فى الرأى العام- بل وفى كل بيت به تلاميذ بالمدارس- بمثل هذا الاتهام ، فى بلد تعد القيم الأخلاقية والدينية عمود ارتكازه الثقافى، فضلا عن تمتعهم بسلطة البيروقراطية المهيمنة على مصائر أمثال حسين يوسف أمين من مدرسى التعليم العام!..
- وكم هو مدهش أن يكون من تصدى للدفاع عنه وعن جماعته هو وزير المعارف العمومية (التعليم) الدكتور عبد الرازق السنهورى، الذى قام بافتتاح المعرض بنادى خدمة الشباب، حيث صرح بعد بضعة أيام من الأفتتاح بصحيفة المصرى قائلاً :
`هذا الفن يحمل فى ذاتة دلالة عميقة ، وإن كنت لم أتوصل إلى الفهم العميق لكل ما يعبر عنه إلا أننى مقتنع على أى حال بأنه يصور عصرنا وأنه سوف يكون له تأثير حاسم على الفن المصرى `.. يالها من نبوءة تحققت تماما بعد سنوات قليلة من إطلاقها! ..
وعلى لسان من ؟ .. مفكر عظيم يقود وزارة التعليم !.. وكان من نتيجة ذلك ترقية حسين أمين (بدلا من عقابة الذى كان يضمره به رؤساؤه) إلى مصاف المديرين الرئيسيين.. حسبما كتب إيمية آزار فى كتابه ` التصوير الحديث فى مصر`.
- لقد اعتبر إيميه آزار أن دور ` أمين` فى الفن المصرى الحديث بمثابة معجزة بتأسيسة جماعة الفن المعاصر، ليس فقط بتحرير المصورين من العرضى الزائل بغية استجلاء الجوهر الباقى، وتخليص توجههم التشكيلى من الحكايات الأدبية ومن الترجمة الحرفية للأشياء، وتدريبهم على تألف اللوحة وتماسكها ، وإنما- كذلك- بتحريرهم من أن يصبحوا نتاجا ثانويا للمدارس الأوروبية، . ومن أن ينخرطوا فى اقتفاء خطى بعض كبار أو صغار فنانى أوروبا المعاصرين، وبدفعه لهم إلى اختيار ما يعبر عن مصر وعن الانتماء إليها مراهنا على أنهم آتون من أوساط اجتماعية كانت قيم الفن والفكر مغلقة أمامها تماما ، بل ومن أوساط تعتبر الفن إثما وخطيئة ، وهو الرهان الذى فاز فيه، لأن هؤلاء الشبان وجدوا رسالتهم الذاتية فى أعماق العقل الباطن المضمر تحت الصمت وعدم الرؤية والقلق الدرامى لأوضاع هذه الأوساط التى نبتوا وتربوا فيها وأخذوا عنها ضميراً متمرداً شكلهم على شاكلته ومن هنا تولد الطابع الشعبى المعتم، الدرامى ، القاسى، الحزين، معبرا عن الغالبية الكبرى للسكان، وعن الجذور العميقة التى تربطهم بتراب بلدهم ، فكان الطابع المصرى الخالص لعطائهم... ويمكننا- لأول مرة أن نقول ( والحديث لا يزال لإيمية آزار) إن مصر من خلال عطاء فنى متقد ، متأجج بالحياة شديد الإلحاح، تحتج ، وتتمرد ، وتؤكد وجودها، كما كانت الثورة الفنية المصرية تحتج على أوضاع ألف عام ، وكانت تلك الثورة الفنية- على نحو ما - نتيجة يقينية وانتصارا ليقظة الضمير الاجتماعى الذى يعبر عنه عطاء المصورين المصريين الشبان ورسالتهم الملحة، ومع ذلك، فإن هذا الرجل الذى صنع تلك المعجزة بإشعال الثورة الفنية سالفة الذكر، لم يخصص له إيمية آزار فى كتابه إلا أقل من صفحة واحدة لتقديم عالمه الفنى وتحليل رؤيته الجمالية ومناقشة أبعادها ، مع التسليم بأن هذه الصفحة عرض مكثف لجوانب تميزه ، حيث ذكر أنه، وإن لم يرفض تعاليم المتاحف ، إلا أنه تحرر مبكرا مما جلبته معها عصرنه التقاليد الشرقية ( لعله يشير بذلك إلى فن المستشرقين أو الفنانين الأوروبيين الذين استلهموا الشرق) ... معتبرا أن ذلك بالنسبة ` لأمين ` نوع من الديكور المفتعل، وعلى العكس من ذلك فإنه يعرف كيف يضفى على شخوصة حياة مقنعة ، ومواقف، ويبث فيهم حركة تقيم للعمل نبضه النفسانى، وأن خبراته العديدة وموهبته المتفردة على المقارنة والتقاط أوجه الشبه، قد أوصلته إلى اكتشاف ضرورة التحريف فى الأشكال، وإلى التوفيق أحيانا بين أساليب جد متباينه فى جوهرها، كما بين السريالية والتعبيرية .
- وتعرض لتأثره فى بداياته بالمدرسة الانطباعية، لكنه سرعان ما شق طريقه الخاص فى المدرسة التعبيرية بعد عودته إلى مصر، ممهدا بذلك السبيل لرافع والجزار وندا، وأشار إلى توصله إلى تحرير الإضاءات تبعا للاحتياجات التشكيلية والسيكولوجية للعمل، وإلى الحوار اللونى فى لوحاته بين الأخضر الداكن والبنى ( الفان دايك) والأحمر والأصفر.
- ... ها نحن نستعيد من طيات النسيان والتجاهل قامة استثنائية جديرة بالخلود ، لعلها تكون قدوة لأساتذتنا المعاصرين الذين- مع كل الاحترام- لا يعيشون إلا لأنفسهم، فى مناخ تهيمن عليه روح الفردية على أى مشروع للوطن، أو خارج الذات، وتحية تقدير لقاعة المسار التى حررت هذه الخبيئة ` لتنقذها من المجهول.
- ولا أستطيع - فى النهاية - أن أمنع نفسى من توجيه عتاب صغير إلى أصحاب القاعة ، لطبعهم` كتالوج ` المعرض باللغة الإنجليزية وحدها، وكأنهم يحددون بذلك نوعية جمهورهم، ناسين أن توجه ` أمين` وجماعته كان أساسا لأبناء مصر البسطاء قبل الأجانب والأثرياء!.
بقلم : عز الدين نجيب
مجلة الهلال - مايو 2010
رائد الفن المصرى المعاصر حسين يوسف أمين (1904-1984)
- .. هو الأستاذ الفيلسوف والفنان المفكر الذى علم كوادر الحركة الفنية الحديثة فى مصر والعالم العربى، من بينهم الرسام الملهم الراحل: عبد الهادى الجزار (1925-1966) والرسام المفكر سمير رافع - المهاجر إلى فرنسا منذ الخمسينيات، والرسام الراحل: حامد ندا.. وغيرهم.
- قبل أن نستطرد فى إلقاء الود على الدور الهام الذى قام به هذا الرائد المنسى، ينبغي أن نوضح معالم المسرح الذى جرت عليه الأحداث..
- بعد العصور الوسطى فى أوروبا، انفراط عقد النقابات الفنية بما كانت تفرضه على الفنانين من قيود رجال الدين المتزمتين. وتفككت ورش المقاولين واستوديوهاتهم بعد عصر النهضة فتحول الإبداع الفنى فى العصر الصناعى عن هدف إمتاع السادة والملوك والأمراء ورجال الدين وتحقيق أغراضهم السياسية. تحول إلى التعبير الذاتى عن مشاعر الفنان وخلجات نفسه. ورويداً رويداً أصبحت الفنون الجميلة من لوحات وتماثيل كالشعر والأدب والموسيقا. تعبيراً عن روح الفنان ونظرته للحياة، بوصفه قلب الشعب النابض. وانسحبت هذه الحرية الطارئة على الخامات ذاتها، فظهرت الفنون التشكيلية بوصفها تهجيناً بين المسطحات والمجسمات ومختلف الخامات.
- كانت بلادنا آنذاك تغط فى نوم عميق تحت وطأة الغزو العثمانى اللا إنسانى منذ سنة 1517 حتى الحملة الفرنسية فى نهاية القرن الثامن عشر، ثم تولى محمد على باشا دفة الأمور سنة 1805، وبدأت النهضة الحضارية المستمرة حتى يومنا هذا. وكانت التأثيرات الأوروبية تسود الإبداع الفنى المصرى بدرجات متفاوتة على طول السنين. فمتى بدأت أول حركة فنية ذات هوية مصرية شكلاً وموضوعاً ومضموناً؟؟
- حين نتحدث عن الهوية لا نقصد أن يستخدم الفنان موتيفات إسلامية وفرعونية فالأمر بعيد عن الشكلية وقد أصبحت الآن التراثية من أبجديات ومفردات اللغة التشكيلية، بما فى ذلك عناصر الفنون الشعبية والبدائية وما قبل التاريخ، وناهيك عن التراث الإسلامي والقبطي والفوعونى. لقد انتشرت هذه العناصر والأساليب فى أنحاء العالم بعد أن أصبحت شعوبه كأنها تحيا فى قرية صغيرة بفضل التكنولوجيا ووسائل الاتصال السريع.
- لم يكن إنشاء مدرسة الفنون الجميلة فى القاهرة سنة 1908 مجرد فكرة طريفة خطرت على بال البرنس يوسف كمال، بل كانت تغيراً كيفياً لتطور كمى بعيد الجذور فى الثقافة المصرية. بدأ منذ إرسال `محمد على` بعض المصريين إلى فرنسا لتعلم مختلف الفنون والعلوم. وفى نهاية القرن التاسع عشر كانت القاهرة تحفل بعدد من الرسامين والمثالين، تنتشر ستوديوهاتهم حول حديقة الأزبكية وفى شارع محمد على. هكذا كان إنشاء مدرسة الفنون الجميلة نتيجة منطقية لجهود سابقة، وبداية مشوار طويل يسهم فى بناء ثقافتنا المحلية. ولا مجال للجدل فى أن نظام التعليم آنذاك كان أوروبيا أكاديميا قلبا وقالبا. إلا أن الاتجاه نحو الهوية المصرية - من حيث هى موضوع ومضمون - لم ينبثق من داخل الفنون الجميلة، بل من خارجها في لوحات الفنانين الرائدين دارسى القانون: `محمد ناجى` و`محمود سعيد` بالإضافة إلى تماثيل `محمود مختار` ولوحات راغب عياد ويوسف كامل من خريجى المدرسة. ثم شهدت نهاية العقد الرابع من القرن العشرين اتجاهات فكرية وأسلوبية متعارضة بين خريجي الفنون الجميلة الذين استلهموا المدارس الفرنسية والإيطالية، وخريجى مدرسة المعلمين العليا الذي استلهموا المدرسة الإنجليزية فى رسم الطبيعة المحلية بالألوان المائية. وفريق ثالث رافض لأي اتجاهات لا تعالج القضايا الاجتماعية والإنسانية بقيادة الشعر والأديب الراحل: جورج حنين (1914-1973)، الذى كان قد عاد لتوه من الخارج ليعلن بيان السيريالية المصرية ثم يؤسس جماعة الفن والحرية سنة 1938.
- كان حسين يوسف أمين ضمن جماعة الدعاية الفنية - كما يذكر الباحث سمير غريب - ففي كتابه الميداني السيريالية في مصر والدعاية الفنية هى الجماعة التى أسسها سنة 1928 بعض خريجى وطلبة مدرسة المعلمين العليا بزعامة `حبيب جورجى`.
- كان الفنانون من أعضاء هذه الجماعة وغيرهم من خريجي مدرسة الفنون الجميلة يركزون على الجماعات الفنية بأساليب متنوعة، أما جورج حنين فكان يتجه نحو قلب المجتمع والجماهير البشرية العريضة بلا طابع محلي. ويتضح من الاسم الذي اختاره لجماعته وهو `الفن والحرية` أنهم يعنون بالموضوع والمضمون قبل أى شئ آخر، ومما يشير إلى عالمية اهتماماتهم أنهم رفعوا شعار `يحيا الفن المنحط` حين صادر `أدولف هتلر` فى ألمانيا النازية الإبداع الفنى غير الأكاديمى سنة 1938 بدعوى أنه فن منحط.
- هذا هو المسرح الذى كان مهيأ لحسين يوسف أمين - العائد من إيطاليا سنة 1931 ليلعب دوره التاريخى.. تعرف قبيل الحرب العالمية الثانية وخلالها على تيارات الحركة الثقافية المصرية وبخاصة ما يتعلق بالفنون الجميلة وما كانت الحرب تضع أوزارها حتى أعلن تكوين `جماعة الفن المصرى المعاصر` سنة 1946، مستفيداً من خبرات الجماعات الفنية المحلية، ومن تجاربه في دول مختلفة كإيطاليا وفرنسا والمكسيك والبرازيل وكان عمره آنذاك يناهز الثانية والأربعين. تمثلت معالم أهداف الجماعة الجديدة فى إبداع رائدها نفسه. فقد كان رساما ملونا تخرج في أكاديميتي `ساوباولو` و`فلورنسا`، لكن لوحاته اتسمت بالحداثة بمقاييس تلك السنين. إذ حفلت تكويناته بعناصر رمزية سيكولوجية وميتافيزيقية. وسادها جو شعبي مصري ووحدات شائعة تركت بصماتها على أعمال تلاميذه مثل `عبد الهادي الجزار` وحامد ندا في مطلع حياتهما، قبل أن تتبلور الشخصية الفنية لكل منهما فيتعمق `الجزار` في الموضوعات الشعبية المحلية والقضايا الإنسانية الكبري، ويتجه ندا إلى تعبيراته العاطفية المبنية على الرموز الفرويدية.
- ولد حسين يوسف أمين في القاهرة في أسرة على حظ لا بأس به من الجاه والثراء. كان موهوبا منذ طفولته. التحق بالمدرسة المحمدية الابتدائية حيث التقي بأستاذه حبيب جورجي الذي كان فيلسوفا ومفكرا تربويا، يعتمد على استنهاض القدرات الفطرية لدى الإنسان. ورعايتها ومساعدتها على النمو والازدهار، ربما كان هذا اللقاء المبكر عاملاً هاماً وراء انضمام حسين إلى جماعة الدعاية الفنية بعد عودته من الخارج، بل كان له أثره في تشكيل الجماعة. فقد تبنى `حسين يوسف أمين` تلاميذه فى مدرسة فاروق الأول الثانوية سنة 1942، وكانوا هم الأساس الذى قامت عليه. جماعة الفن المصري المعاصر بعد أربع سنوات. تكونت سنة 1916 منهم ومن آخرين من طلبة الجامعة. بينهم: عبد الهادى الجزار ومحود خليل وسمير رافع وإبراهيم مسعود وحامد ندا وآخرين. كانت أول حركة فنية ذات هوية مصرية أصيلة شكلاً وموضوعاً رافقهما ثلاثة نقاد فنيين وضعوا عنها مؤلفات توضح أهدافها ورسالتها وكان لهم الفضل في إبراز دورها التاريخي على الصعيد العالمى لأنهم كتبوا باللغة الفرنسية نظراً لقصور حركة النقد العربية آنذاك. كما كان لحسين أمين علاقات خارجية واسعة وكان يتقن عدة لغات أجنبية كالإنجليزية والفرنسية والإيطالية والبرازيلية والعربية بطبيعة الحل. وكان منزله بالهرم ملتقى أهل الفكر والفن والثقافة.
- يتصدر النقاد أصحاب الفضل في تسليط الضوء على الجماعة: حبيب عازر (المعروف باسم ايميه آزار).. والكونت البلجيكي: فيليب دار سكوت.. والسيد/ اتين ميريل، الذى وضع كتاباً بالفرنسية سنة 1954 عن الرسام الراحل `محمود خليل` الذي كان من أبرز أعضاء الجماعة موهبة وعطاء.
- كان أعضاء الجماعة يترددون على بيت أستاذهم حيث يوفر لهم الأوراق والأقلام والألوان والقماش وأدوات الإبداع، فضلاً على الطعام والشراب ولفائف التبغ والمكتبة المفتوحة العامرة بكتب تاريخ الفن والنقد الفني والعلوم الإنسانية والآثار والفلسفة وعلم النفس والتاريخ العام وشتى ألوان المعرفة، كانوا يقضون الوقت بين الإبداع حيناً والحوار أحياناً إلى أن ينبلج الفجر وهم على هذه الحال فيكملون السويعات الباقية نياماً حتى يعود الترام إلى المسير فينطلقون إلى بيوتهم شاركت الأستاذة قدرية أحمد فؤاد في رعاية تلاميذ حسين أمين بعد زواجهما على أثر لقاء في أحد المعارض التربوية سنة 1943. كانت في ذلك الحين مدرسة الرسم في مدرسة الأميرة فوزية الثانوية. وكانت المعارض التي يقيمها حسين لتلاميذ مدرسة فاروق الأول الثانوية تثير ضجة فكرية في الوسط الفني والتربوي، فما تكاد تقام حتى يؤمها القاصي والدانى من المعنيين ليروا مفاجآت تلاميذه وحوارييه وكثيراً ما كان يعرض أعماله الشخصية في فن الرسم والتلوين.
- ولرائدنا الملهم لوحات ذات دلالة تشير إلى منهجه الفكري والأسلوبي. بل نجد في عناصرها وموضوعاتها الجذور البعيدة لإبداع تلاميذه الذين أصبحوا فيما بعد قادة الفن الحديث في مصر والعالم العربي - ونعني الراحل `عبد الهادي الجزار` بنوع خاص، الذى أضاء بعبقريته النصف الثانى من الخمسينيات والأول من الستينيات. تمثلت فى لوحة قمة الازدهار الاجتماعى والإنسانى فى مصر، وبخاصة في لوحتيه الرائعتين المتحفيتين: `السد العالى` و`السلام`.
- كانت رسالة حسين أمين هى صناعة الفنانين. لذلك رفض العمل كأستاذ فى مدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة بعد عودته من فلورنسا بإيطاليا سنة 1931، وفضل تدريس اليافعين فى المرحلة الثانوية، قبل أن تتيبس عقولهم ويداخلهم الغرور. وبينما كان أقران تلاميذه فى المدارس الأخرى يرسمون ما يوضع أمامهم آنذاك من مكعبات خشبية وطيور ميتة محنطة، كانوا هو يرسمون الصخور والنباتات الشوكية والواقع والطبيعة الحية ومشاهد مثيرة من الخيال كانت معارضهم التربوية ذات طبيعة خاصة، تثير خواطر المسئولين عن التربية ومدرسى المدارس الأخرى.
- ... ولكى نبدأ القصة من أولها نعود إلى المدرسة المحمدية الابتدائية حيث كان طلبة المعلمين العليا يتدربون على التدريس. اكتشفوا موهبة الطفل `حسين` فأفردوا لرسومه جناحاً خاصاً ضمن المعرض العام الذى أقاموه لتلاميذ المدرسة فى نهاية العام. أثارت رسوم الطفل الموهوب اهتمام السلطان حسين كامل عند زيارته للمعرض، فأصدر أمراً بتعليمه الفن فى الخارج على نفقة الدولة. وشب الطفل وأصبح فتى فى العشرين من عمره وآن أوان بعثته سنة 1924. لكن الوالد التركى الذى تعلم فى الجامعة الأمريكية فى بيروت، كان موظفاً كبيراً فى مصلحة الكسوة الشريفة، ذا نزعة أرستقراطية ورفض أن يصبح ابنه ضابطاً بحرياً. وهكذا رحل إلى فرنسا على نفقة أبيه الذى سرعان ما اكتشف أنه يتنقل بين بلدان أوروبا ويختلف إلى معارضها ومتاحفها فتوقف عن إرسال المال، ومضى حسين في طريقه فسافر إلى إسبانيا ثم إلى البرازيل حيث حصل على دبلوم أكاديمية `ساوباولو` في فلسفة الفن وتاريخه، وهناك اشتغل بالسياسة وانتخب عضواً فى البرلمان. لكن الانقلاب الذى أطاح بالحكومة سنة 1929 اضطره إلى الهرب إلى إيطاليا حيث حصل على دبلوم أكاديمية فلورنسا للفنون الجميلة ثم عاد إلى مصر سنة 1931.
- اتخذ مرسماً في الحمزاوى بمجرد عودته إلى أرض الوطن وبدأ نشاطه الإبداعي، وأعاد اتصاله برفاق الطريق الذين أسهموا معه فيما بعد فى تأسيس اتحاد أساتذة الرسم، وأصدر مجلة باسم الاتحاد كانت المنبر الثقافى الوحيد الفنى الذى يصدر باللغة العربية حول الفنون الجميلة وحياة الفنانين والمدارس الفنية.
- كان شعاره: لا فن بلا علم. ولا علم بلا مدرسة. ولا مدرسة بلا تربية صحيحة ومنزل مناسب. ومضى يطبق هذه الفلسفة على تلاميذه وحوارييه الذين انتقادهم بعناية وصدقت فيهم نظرته، فأصبحوا جميعاً - بدرجات متفاوتة - من كوادر التغير الثقافى العظيم الذى حدث فى مصر والعالم العربى بعد الحرب العالمية الثانية.
- إذا تأملنا ما تحت أيدينا من لوحات الرائد المنسي الكبير - والتى مازالت أرملته تحتفظ بها - نجد أنه وازن بقدر متكامل بين الشكل والموضوع والمضمون، مع الاهتمام بالفكر الإنساني والقضايا الاجتماعية، ولا تنضوي تكويناته تحت مدرسة أسلوبية بذاتها. بل تستفيد من منجزاتها جميعاً. نجد فيها جوانب واقعية وتعبيرية وميتافيزيقية سيريالية ورمزية وتجريدية وغيرها، لكنه ليس انتقائياً بل أصيلاً يحول أفكاره وخيالاته غير المرئية إلى تشكيلات ملموسة مرئية. للوحات تأثير حاسم على نفس المتلقى: وبخاصة فى سلسلة لوحات بعنوان `أهل الفن` صور فيها حياة الطبقات الدنيا فى الأحياء الشعبية مُعَبراً عن تعاساتهم التي تَتَخَفى فى أثواب بهيجة. طرق موضوعات الأفراح الشعبية والمقاهى البلدية من عدة زوايا. بالإضافة إلى لوحات بألوان الباستيل متوسطة المساحة حافلة بعناصر رمزية كالخيول والنساء على شاطئ البحر، معتمدا فيها على دراساته المستفيضة فى علم النفس، ولتلميذه `عبد الهادى الجزار` لوحات فى هذا الإطار السيريالى على قدر كبير من الإثارة والحيوية، كذلك تلميذه الرسام الراحل `حامد ندا` متأثراً بهذه التيمة، وكثيراً ما يرسم فتاة عارية تطير فوق ظهر حصان. كما صور المناظر الغربية الموحية بالقلق والتوقع، بأسلوب شبه تجريدي كسلسلة لوحات تلال المقطم، أما صور الوجوه أو البورتريهات فارتقى بها إلى درجات رفيعة من التعبير الدرامي المستمد من الخطوط المستطيلة والألوان الصريحة، والتغاضى عن التفاصيل المملة والاتجاه قدماً إلى التعبير عن الخلجات الإنسانية.
- انسحبت موضوعاته ومعالجاته الفنية على أعمال تلاميذه، فشبوا يصورون الوجه الآخر للمجتمع المصري وجه يختلف عما كان يصوره حبيب جورجى وجماعة الدعاية الفنية من عشاق المناظر الخلوية بالألوان المائية أو خريجي الفنون الجميلة على اختلاف مشاربهم: أحمد صبرى بوجوهه الأرستقراطية ويوسف كامل ومشاهد الريف والفلاحين الأصحاء السعداء وراغب عياد بتكويناته الكاريكاتورية البهيجة كما تختلف عن رسوم السيرياليين ممثلين فى لوحات كامل التلمساني، المتسمة بعالمية الفكر والبعد عن العناصر المحلية والبيئة الواقعية.
- كانت لوحات حسين يوسف أمين ومن حوله تلاميذه أصداء لما يجري على أرض الواقع المصري، من حيث الموضوع والمضمون أو القضية! لكنها - في نفس الوقت - تنسج خطوطها وألوانها وتكويناتها واستطيقيتها بوجه عام على منوال حديث خارج على الأكاديمية الباردة والكلاسيكية المتزمتة. حداثة تكتيكية تتسم بالأصالة وتمد جذورها إلى التراث المحلي للفنون الشعبية، ولا تبتعد عن التراث الإنساني بعامة قديماً وحديثاً. كان الرسم في نظره فكرة ورأياً وتعبيراً عن حالات نفسية واجتماعية. كتب في ذلك المقالات وألقى المحاضرات وعقد الندوات منذ عودته من الخارج، وبعد تكوين الجماعة وضع عدداً كبيراً من التخطيطات والعجالات تبلور هذه الآراء لكن الوقت لم يتسع لتحويلها إلى لوحات كاملة منتهية. رسمها بالجواش والباستل (40x50سم) واعتمد على الأسقاط الفوري للمشاعر والأفكار دون تجويد أو تهذيب، توزعتها أطراف بشرية وعناصر رمزية كالقواقع والخيول والنساء، تتناثر فوق الرمال والكثبان وأمواج البحر، في تشكيلات أسطورية ومناظر موحشة تثير الخيال وتقلق البال. وتكشف عن أستاذية الرائد المنسى في تحقيق التكامل بين الشكل والمضمون في لغة مرئية تتفق مع الثقافة العصرية، ولا تستعلى على إدراك رجل الشارع.
- فى عام 1964، أحيل المفكر الكبير إلى المعاش.
- لكن تلاميذه وحواريوه قد شبوا وأصبحوا نجوماً مرموقة في دنيا الفنون الجميلة، وانشغلوا عنه بالتزامات الحياة. فأعتكف واكتأب وانطوى على نفسه وانصرف إلى كتبه يقتل وقته بعينيه الكليلتين. لم يرد على الخطابات التى أرسلها الأوفياء من تلاميذه البعيدين لكنه كان يتصل برفاق الطريق من جيله حتى رحلوا الواحد بعد الآخر، وما لبث ولداه المهندسان أن هاجرا إلى أمريكا تاركينه مع رفيقة العمر التى شاركته المسيرة، ووفرت له الظروف التى أتاحت له أن يؤدى دوره التاريخى فى بناء الثقافة المصرية الحديثة.
الناقد د./ مختار العطار
من ( كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر - الجزء الأول )
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث