`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
سيد عبد الرسول إبراهيم
الفنان سيد عبد الرسول .. من التراث إلى الحداثة والجمهور
- رغم أن الفنان سيد عبد الرسول ` 1917 - 1995 `عاش فى قلب الحركة الفوارة بمدارس الفن الحديث فى منتصف القرن العشرين بين مصر وأوروبا، ورغم تطلعه الدائم إلى الحداثة، وحسه التجريبى المرتفع، بحثا عن رؤى عصرية فى البناء الجمالى وفى أشكال التعبير والمواد المستخدمة،فقد ظل حتى النهاية ملتزما بالحفاظ على خصوصية مصرية تضرب بجذورها فى منابع حضاراتنا المتعاقبة، وتتفاعل -فى ذات الوقت - مع تيارات الحداثة وتطورات العصر، وفوق ذلك : تملك شعيرات التواصل الجمالى - بغير ترخص - مع أذواق الجماهير وثقافتها المتوارثة والمتراكمة طبقة فوق أخرى .
- كان التحدى الثقافى أمامه صعبا خلال فترات المخاض الثورى لمصر بين الأربعينيات والستينيات من القرن الماضى، استجابة لعواصف التغيير المتمردة على لوحة البورتريه والمنظر الطبيعى وآنية الزهور وتمثال الصالون، بأذواق طبقة برجوازية تبحث عن زينة مصطنعة تجمل الواقع على غير حقيقته، وكان توجه الفنانين المتمردين فى مصر نحو محراب الفنون الغربية ، بعد أن أطاح فنانو أوروبا بالمعايير المستقرة للفن منذ مئات السنين، فلم يعد هدفهم تحقيق المتعة بل الاحتجاج والاستفزاز بغرائب الأفكار والوسائل ، متخذين من التجريد والسريالية والتكعيبية والرادائية مثلا تحتذى للتعبير عن الرفض أو عن عالم من الكوابيس والأحلام ، وتجاهل فنانونا أن تلك الاتجاهات جاءت كردود أفعال لواقع أوروبى فقد أهدافه ومثله العليا تحت نظم رأسمالية أنهكتها الحروب ودفعت بالإنسان إلى الاغتراب عن نفسه ووطنه.
- وفى مقابل هذا الاتجاه الذى تبنته فى مصر جماعة ` الفن والحرية ` فى الأربعينيات، جاءت جماعة ` الفن المعاصر ` لتنسحب غائصة إلى الأعماق السفلية للواقع الشعبى، ولتخرج منها بمنتج فنى يكتسى بمسوح الشعوذة والغيبوبة الحضارية، وتجد خلاصها فى تجليات الأحلام، والرؤى الميتافيزيقية والأسطورية، أما جماعة `الفن الحديث` التى تزامن ظهورها مع الأخيرة، فجاء سعى أعضائها نحو القيام بدور سياسى وملتزم للفن، تعبيرا عن الطبقات الكادحة والمقهورة والمتطلعة للعدل والحرية، مرتبطا بعدم معرفتهم لحروف الأبجدية الجمالية التى يستطيع بها المواطن المصرى قراءة عمل فنى، فغرقوا - بدورهم - فى محاكاة أساليب الفن الحديث فى أوروبا، محاولين إلباسها للواقع المصرى كموضات عصرية، والجميع فى المردود الأخير، يتخذ من أسس ذلك الفن المستعار مرجعيته الأساسية، حتى لو تدثر أحدهم -هنا أو هناك- بسمات خارجية من الثقافة الشعبية هذا التحدى الثقافى الذى واجهه عبد الرسول فترة شبابه ونضجه الفنى هو الذى حرضه دائما للبحث عن صيغة أخرى للفن، تبدأ من ذاتيته الحضارية العميقة، وتتواصل مع إنجاز `محمود مختار` خلال الثلث الأول من القرن العشرين، ومن واكبه من جيل الرواد العظام، خاصة `عياد` و `سعيد` و `ناجى ` كل بمنهجه ورؤيته الخاصة للعلاقة بين الأصالة والحداثة.. بين الخصوصية والعالمية .. بين الجمالية المجردة واللغة المشتركة مع الإنسان العادى .
- إن القضيتين اللتين انشغل بهما - أى الذاتية الحضارية فى تفاعلها مع الفن العالمى، وبناء جسر للاتصال الجمالى بالجمهور- قد أنجبتا فى النهاية حلا خاصا به لتلك المعادلة الصعبة ، وتمثل هذا الحل فى عدة قيم موضوعية وأخرى جمالية، صاغ من خلالها مشروعه الفنى الذى تحول إلى نموذج حاول الكثيرون الاقتداء به أو محاكاته، ما جعل منه تيارا وقف - على امتداد نصف القرن الماضى- صامدا أمام التيارات الأخرى بكل بريقها ونفوذها، وظل عبد الرسول `سيدا ` عليه بالفعل، برغم تواضعه الجم وإنكاره للذات.
- كانت حزمة القيم الموضوعية تتلخص فى أن الفن كان دائما جزءا من حياة الإنسان المصرى ومعتقداته، ورباطا للجماعة الشعبية فى مواجهة عوامل القهر والتهميش والإذابة لهويته ، مثلما كان التعبير الفنى بالنسبة لفنانى الحضارات القديمة فى مصر، أو بالنسبة للفنان الشعبى على مر العصور مرتبطا بصور الحياة اليومية وبقيمة العمل، وبحميمية العلاقات الإنسانية،وبمشاعر الحب والسلام والخصوبة، وبتجليات التعايش الإيجابى مع الطبيعة التى يستمد منها رزقه عن طريق الزرع والحصاد والصيد ،كما يستمد ماءه من النيل وهو شريان الحياة والتواصل حين تعبره القوارب متنقلة بين ربوع الوادى حاملة البشر والثمر والحجر.. كما كان هذا التعبير الفنى مرتبطا دائما بأفراح الشعب ومناسباته الدينية والموسمية ، وبطقوس الحج والزواج والميلاد والسبوع ، بما تزخر به من ممارسات الرقص والغناء وألعاب الفروسية والتحطيب وغيرها .. ومضمون تلك القيم جميعا هو حب الحياة وحب الناس وحب الأليف، بل وحب الحيوان والطير بنفس القدر، كما تقوم على الروح الجماعية التى تتوحد فى سبيكة متماسكة، وعلى تعميق التفاؤل والأمل فى الغد، وعلى إعلاء معانى الرضا والتسامح والخصوبة والتآلف مع الطبيعة والكون ، وتلك هى سمات الإنسان المصرى على مر العصور .ألم تكن تلك الموضوعات والقيم هى المثيرات المعنوية لجميع أعمال عبد الرسول تصويرا أو حفرا أو نحتا أو خزفا ؟.. بلى ! .. إذ كان إنتاجه لا يخرج عن تلك القيم الموضوعية، وأولاها قيمة العمل، التى تتجلى فى لوحات العمل فى الزراعة أو صيد الأسماك ، أو عمل المراكبية بقواربهم المنسابة فى نهر النيل سواء فى رحلات الصيد الجماعية أو فى نقل الأهالى من مكان إلى أخر، كما تتجلى فى لوحات جلب الماء من النهر ، أو فى لوحات غزل الثياب، أو فى لوحات الذهاب والعودة مع الحيوانات لفلاحة الأرض وكأنه مشهد تاريخى يتكرر ويتواصل منذ الأزل، مثله مثل مشهد حاملات الجرار بالماء من النهر ، وحاملات السلال إلى السوق .. وثانيتها قيمة الاحتفالات الشعبية، التى تبدو فى لوحاته عن أفراح القرية فى مناسبات الزواج والحج وغيرها بما تشمله من جلسات السمر ورقص الفتيات والخيول وألعاب البرجاس والتحطيب.. وثالثتها قيمة الحب، وتتمثل فى لوحاته عن المحبين العاشقين فى براءة فطرية، وتبدو من خلالها وجوه فتياته المستديرة كرغيف خبز ناضج، حاملة مشاعر الرضا والتفاؤل بما يحمله الغد، كما تبدو من خلالها العلاقة الحميمة بين الإنسان وحيواناته وطيوره الأليفة معبرة عن حبه للحياة والخصوبة والصبر، مثل الديك الذى جعله بطلا للعشرات من تماثيله الخزفية، وكذا الثور والحمار وغيرهما، مما ترددت نماذجها فى مجالات فنه المختلفة باحترام ومحبة شديدين.. ورابعتها قيمة الروح الجماعية.. وما أكثر ما نجده فى لوحاته من صور الجموع الغفيرة، سواء من البشر أو من الخيول أو من النوعين معا.. ويؤكد الفنان فيها نموذجا فرديا بحركة وشكل معينين، ويكرره بانتظام جاعلا من تشابه العناصر وتكرارها المنتظم فى صفوف متراتبة على مسطح اللوحة إيحاء مجازيا للمعنى العميق فى طبيعة الشعب: الكل فى واحد. لكن هذه الموضوعات جميعا - رغم نبلها - لا تكفى لخلق قيم فنية جديرة بالبقاء، لأن ` الموضوع ` ليس إلا ذريعة للفنان ينطلق منها لإبداع جمالى جديد فما هو الجديد الذى استحدثه عبد الرسول حتى بات يشفع لموضوعاته المألوفة لنا فى الواقع، ليجعل منها أعمالا ذات حياة متجددة برؤى جمالية ؟
- إن هذا الجديد يأتى من جنس القديم، وهو التراث الحضارى والفن الشعبى، بعد أن حررهما الفنان من مثاليتهما الطقوسية وجمودهما الزمنى، واستخلص منهما مجموعة القيم الجمالية القادرة على التواصل والتفاعل مع المتلقى من دون تعال أو إسفاف.
- أولى هذه القيم : الحس الزخرفى، الذى يقوم على التنسيق الهندسى المتوازن للعناصر الفنية، الذى ينظم مساحة اللوحة بتقابلات خطوط الطول وخطوط العرض ويقسمها إلى مربعات ومستطيلات تسكن بداخلها الشخوص بعد تلخيصها وتبسيطها إلى أقصى حد ممكن، ما يجعل منها أنماطاً دالة أو علامات رمزية تصلح للتكرار المنتظم عبر منظومة ممتدة إلى ما لا نهاية من الأشكال، وإذا كانت الزخرفة من عوامل التزويق البصرى، فهى كذلك من عوامل الطرب اللحنى للعين وتعد عنصر جذب لغالبية الجمهور . وهكذا صنع عبد الرسول ألحانا بصرية بإيقاعات تطريبية تعادل ما نجده فى الموسيقى الشعبية من إيقاع منتظم ورتيب وما نجده فى الموسيقى العربية من تكرار ` للمازورة `النغمية بمعيار ` الربع تون`.. وقد تتخذ الزخرفة شكلا مباشرا بوحدات زخارف الكليم الشعبى، ثم نراها تنتقل من الأزياء إلى خلفية اللوحة. ولا ننسى أن هذا الطابع ظل مرتبطا - داخل الوجدان المصرى - بموروثات السحر والمعتقدات الروحانية غير الخاضعة لمعايير العقل، وأنه - أى ذلك الطابع - بات يجرى مجرى المياه الجوفية العميقة فى أعماق المصريين حتى بعد زوال الدوافع والمعتقدات والحاجات النفعية إليه ، وبهذا يختصر الفنان نصف الطريق إلى ذائقة ووجدان مشاهد اللوحة، حيث تجد صدى يتردد بداخل نفسه كما يتردد اللحن القديم الغامض مجهول المغنى والملحن.
- أما نصف الطريق الآخر فيختصره الفنان باستعارة بعض العناصر الجمالية فى التراث الفرعونى والقبطى والإسلامى والشعبى، بدءا من التسطيح، مضحيا بالمنظور الهندسى والتجسيم الأسطوانى للأشخاص والأشياء، ومرورا بتحديد العناصر بخط خارجى يؤكد تماسك التكوين، وإيقاعه المتكرر ،أو بمحاكاة رسم الوجوه والأجسام بأوضاع جانبية وأمامية ، وبتقابلات عكسية أو متواجهة تذكر برسوم المقابر المصرية القديمة، دون تعويل على صحة النسب التشريحية وعلى المشابهة الفوتوغرافية للواقع، أو بالربط بين أمامية اللوحة وخلفيتها دون بعد منظورى فتصبح أقرب إلى عمل الفنان الشعبى، وأحيانا أخرى تصبح أقرب إلى تصميم سجادة تتداخل فى عناصرها الأشخاص والطيور والأشجار والقوارب والبيوت والمآذن والقباب فى وحدة هندسية وعضوية فى آن... وقد تصل هذه الاستعارة من التراث إلى رسوم `أقنعة الفيوم` أو إلى العروسة الشعبية، أو إلى رسوم الأطباق الزخرفية فى مصر الفاطمية، وفى أحيان أخرى نجده يلخص المشخصات تلخيصا زخرفيا مستوحى من مصبعات الخرط الخشبى، ويصففها تصفيفا يذكرنا بقطع المشربية، وتحفل هذه الاستعارات التراثية جميعا بالحركة داخل السكون، على خلفية من الملامس الناجمة عن ألوان مركبة تأكلت بفعل الزمن أو الحريق .
- وإذا كانت هذه وغيرها من السمات الأسلوبية المستلهمة من فنون تراثية فى أعمال سيد عبد الرسول .. فما والجديد الذى أضافه إذن ؟
- الجديد هو كيفية توظيف هذه السمات المستلهمة بأسلوب حداثى،يجعلها تتخلى عن تاريخيتها وطقوسيتها، لتنتمى إلى لغة الجمال المجردة، ولتشيع فى اللوحة عبق التاريخ وليس مادته وروح الفن الشعبى وليس سذاجته، وحس الزخرفة الإسلامية وليس حرفيتها، ويجعلها توحى بواقعية المشهد دون أن تحاكى عناصره الخارجية وتعطى طابع ` التزيين ` دون أن تقع فى ديكوريته .
- وتجليات ذلك كله نجدها فى ملامح كثيرة: مثل قدرته على التلاعب بالعناصر التشخيصية والزخرفية بعيدا عن `السيمترية ` أو التماثل الهندسى الجامد، حتى يجعلها أحيانا مائلة فى أوضاع شبه منحرفة فوق أرضية لونية موحدة، خاصة فى الأعمال التى تضم مجاميع من الأشخاص أو الخيول أو القوارب، حيث يشكلها وفق منظورعين الطائر متفرقة فى مجموعات على مسطح اللوحة أو على سطح المياه التى تنتشر فوقها القوارب وشباك الصيادين، وتظهر بينها مربعات هندسية متقاطعة بدرجات اللون الأزرق، وهو ما يفعله فى لوحات أخرى تنتشر فوقها صفوف الأشرعة أو البيوت والقباب، أو الأشجار الصنوبرية المسحوبة بشكل بيضاوى وسط مجاميع الخيول بحركتها المنتظمة ، ويتمادى فى أعمال أخرى ليصل إلى مشارف التجريد عبر تقسيم مسطح اللوحة إلى مستطيلات ومربعات متقابلة أو متعارضة يضم كل منها زوجا من الأشخاص، الذين تم الاستغناء عن أذرعهم وأصبحوا رموزا تجريدية للإنسان المطلق فى ثنائيات متناغمة، وهو فى حقيقته تقسيم أرابيسكى لمسطح اللوحة ، تتشارك عناصره المجردة فى صنع معزوفة تطريبية الإيقاع، وفى بعض اللوحات يعمد إلى كسر هذا الإيقاع المنتظم بحركة مخالفة لحركة المجموعة، مثل لوحته ` حاملات الجرار` وهن يسرن بحركة منتظمة على خط أمامى واحد، ثم يكسر هذه الحركة فجأة بفتاة تنحنى على الأرض بجرتها.
- إن رهان عبد الرسول لم يكن على الموضوع أو على الاستلهام من التراث فحسب، بل - قبل ذلك - كان رهانه على تحقيق هارمونية نغمية بعلاقات الأشكال والألوان والخطوط والمساحات والملامس، تقترب أحيانا من شكل البلاطات الخزفية الناعمة، وأخرى من شكل الفسيفساء بلمسات صغيرة متجاورة ومتماوجة الألوان ، وثالثة تقترب من سطوح الجدران القديمة المتأكلة بعوامل التعرية، ورابعة تبدو اللوحة أقرب إلى حالة من العزف المنفرد بلون واحد مثل ` المونوكروم `إذ ينساب وينضج أو يرشح على جميع العناصر التشخيصية فوقها، فتعطى تأثيرا أنثويا ساخنا، أو فردوسيا حالما، أو تطريبياً راقصا.. ونجد نفس هذه التأثيرات على أعماله فى الطبعة الفنية الواحدة `الحفر `، أو فى أعماله الخزفية المسطحة أو المجسمة، مع اختلاف تأثير الخامة والتقنية فى كل نوع.فعالمه الفنى مشروع واحد ينم فيه الجزء عن الكل، وتشيع فيه روح واحدة بخصائص ينفرد بها مبدعه !
- وإذا كانت مسالك الحركة الفنيةعبر عشرات السنين الماضية قد أفضت بنا إلى فوضى عارمة قادتنا بدورها إلى طرق مسدوده أو إلى فضاءات مجهولة لا تبشرنا إلا بالغربة أو المتاهة أو فقدان الهوية ، فحسبنا أن نستنهض أعمال هذا الفنان وغيره ممن امتلكوا مشاريع أصيلة للفن القومى، وأن نبث فيها الحياة، بمد الجسور بينها وبين الشعب الذى جاءت من وحيه ومن تاريخه وثقافته ..عندئذ فقط يمكن أن تتساقط المشروعات الهشة والدخيلة علينا من تلقاء نفسها، حيث لا يصح فى النهاية إلا الصحيح .
عز الدين نجيب
الهلال

- الفنان سيد عبد الرسول من رواد المدرسة ` الشعبية ` اذا جاز هذا التعبير تلك المدرسة التى تزعمها الفنان الرائد راغب عياد .
- فالفن الشعبى ياخذ من التقاليد المتوارثة التى تمسى الحياة فى مجملها الموجودة من حولهم بكل عاطفة وانفعال انه فن امتص المؤثرات الخارجية .. كما يفرض نفسه دون وعى الفنان الشعبى المنتج له وتنبع قيمة الفن الشعبى فى حد ذاته من ارتباطة الوثيق بالجانب التطبيقى الحرفى ويخرج من الرغبة فى اضافة اللون والرقة للاشياء التى تستخدم فى الحياة اليومية .
- ان تلك المقدمة عن الفن الشعبى كانت من الضرورة كى نلقى بعض الضوء على اعمال الفنان القدير فان اكتشاف سيد عبد الرسول رموزه ومفرادته كانت من خلال تأمله للفنون الشعبية والاستلهام منها فى مقتبل حياته الفنية التى بناها طوبة طوبة بنفسه .. فهو فنان عصامى دخل القسم الحر فى كلية الفنون الجميلة بالقاهرة ومكث فيها من عام 1942 : 1946 وبعدها حصل على البعثة الداخلية فى المرسم وذلك لتفوقة حيث مكث فى المرسم ثلاث سنوات عاش وسط الحضارة المصرية القديمة وذلك فى شتاء وخريف كل سنة قضاها فى المرسم وفى الصيف والربيع الى القاهرة الفاطمية .
- كان يدرس ويبحث الى ان توصل الى اصول الفنون الشعبية المستمدة من العادات والطقوس والاساطير والسحر حيث اكتشف سيد عبد الرسول رمزه ومفرداته من خلال تلك النماذج الشعبية وببساطة وجد الفنان مظهراً جديداً للصراع بين تلقائية الحس والمفهوم الثابت الذى يفرض الجمود ولكنه بعث فيه الحياة من جديد .
- وفى عام 1958 حصل الفنان سيد عبد الرسول على جائزة الدولة التشجيعية عن لوحته ` الصباحية ` وكان اول فنان تشكيلى يفوز بتلك الجائزة الكبيرة فى حينها وتمثل تلك الصورة فلاحات القرية فى ملابسهم الشعبية الزاهية .. ذات النقوش التجريدية وهن يحملن جرار الماء وصوانى الفطور والازهار والورود للعروس التى لا تفارق بيت الزوجية الا بعد مدة طويلة .. شكل الشخوص فى حركات مواجهة وجانبية ليخرج بعيداً عن الترتيب والنظام الفرعونى .
- وبتلك الصورة الجديرة بالاهتمام والتى تعد احد معالم الفن المصرى المعاصر .. دخل سيد عبد الرسول فى زمرة الفنانين والاساتذة المصريين الكبار اللذين نظموا الى حد ما العلاقة بين الفلسفة العقلانية المعاصرة والتراث الشعبى والاستلهام منه هذا التراث التى تزيد الهوة العميقة يوميا بينه وبين الفكر العالمى الحديث ومنجزات العلم والتقنية المتقدمة .
- فاذا لاحظنا نظرة سيد عبد الرسول للاشكال المنبثقة من التراث الشعبى نجدة قد اختصر واختزل الشكل الى عناصره الاساسية واعادة نباؤه من جديد .. بمدلول موضوعى يبرز ويظهر ثيمته الفنية ومضمون جوهره انه كان يربط الشكل بنعل التجريد ومن ثم يدخله الى مجال المعقولية ولما كان هناك غياب للطبيعة بشكلها الواقعى نسبيا فى مرحلة الفنان الاولى عندما رسم الشخوص بازياتهم الشعبية وفى احتفالاتهم التقليدية الشهيرة .. الا انه فى مرحلة رسمه للاحصنه والفرسان .. ادخل بعض عناصر الطبيعة من اشجار ونباتات كمفردات مكملة لاشكال الافراس العربية الاصيلة .. لذى الايقاعات تتردد مع تعدد الزخارف وتنوع وحداتها وانسجام القيم اللونية وانسياب الخطوط بكل اتجاهاتها ومما زاد قيمة الايقاعية فى لوحاته هو تكراره للافراس باشكالها المرسومة وحركتها وتقابلهم مع بعضهم .
- وفى مرحلة سيد عبد الرسول الاخيرة اكد على حضور الطبيعة داخل الخير الفنى وتسجيلها ورصد علاقاتها الجمالية باسلوب شبه واقعى تتخلله تصوراته الفلسفيه الشعبية للاشياء فمناظره الخلابه من المختزن داخل ذاكرته البصرية لا تشكل الطبيعة بصورتها الكلاسيكية بل تصور الواقع المرئى فى اطار القيمة الجمالية المنبعثة من فلسفة الشكل واللون والخط .
- لقد استطاع الفنان سيد عبد الرسول خلق عالما متفردا ليصبح شخصية فنية قائمة بذاتها لها كل المقومات المتكاملة الخالدة فى الحركة المصرية المعاصرة متسما بالاصالة والمعاصرة معا مستمداً الشكل المصرى القديم والزخارف العربية الاسلامية والمفردات الشعبية التلقائية ليشيد من جديد فن يحكى تاريخ الفن والفكر الانسانى .
محمد حمزة


- افترشت قاعات مجمع الفنون بالزمالك أعمال رائد الفن الشعبى الفنان سيد عبد الرسول فى معرضه الاستعادى الشامل والذى امتد بالتنوع والثراء .. من التصوير والحفر إلى الخزف والنحت .. ليس فقط لأن الفنان له بصمته الخاصة والمتسعة فى استلهام الفن الشعبى ولكن أيضاً لأن أعماله تمثل ترياقا من سموم العصر .. فهى أعمال شديدة الخصوصية تتحدى العولمة .. حيث تعد بمثابة مساحة مضيئة فى الفن المصرى المعاصر .. تؤكد على تواصل الحضارة المصرية .. فقد استلهم الفنان تلك الروح المسكونة بالنبض والهمس والحيوية وقوة الحياة . فجاءت أعماله أنشودة طويلة شديدة التألق والعذوبة تصدح بغنائيات الألوان بل وموالا مرئيا ينقلنا من حالة إلى حالة . كل لون إيقاع وكل إيقاع معنى .. يعكس للتفاؤل والسلام والطمأنينة والإشراق .. فى أعماله استجاب الفنان عبد الرسول لهذا التعبير الحقيقى الصادق من الجموع إلى تصوغ أحلامها وأشواقها من خلال حصيرة أو طبق من القش الملون أو وعاء من الفخار وربما عروسه من الجص وسوار وما شا الله من الفضة .. كما امتزجت أخيلته ورؤاه الإبداعية بتلك الرسوم التى نطالعها على واجهات البيوت الريفية بحرى وقبلى وتلك التصاوير التى تعبر عن البطولات والملاحم الشعبية .. لكنه نقل كل هذا إلى عالم له إيقاعه الخاص .. عالم تعبيرى يموج بفنتازيا الألوان .. بعيداً عن اللون المباشر فى الفن الشعبى فتضئ أعماله وتتوهج .. تومض وتبرق وتنساب فى هدوء وبلاغه بالبنفسجى والأخضر والكريم والأحمر النارى والروز والبرتقالى .. تمتد من الطقوس والأفراح المسكونة برقصات الخيل والتحطيب وعازفى الربابة والأرغول والمنشدين والرقصات الإيقاعية لصبايا الريف مع تلك الثنائية الخالدة التى تصور الرجل والمرأة فى أسمى العواطف والتى تألقت فى الملاحم الشعبية ففى أعماله نطالع عنتر وعبلة وياسين وبهيه وشفيقة ومتولى .. وما أجمل أن نرى حاملات الجرار والأوانى الفخارية والأوعية فى أكثر من لوحة .. فاتنات ريفيات مصفوفات فى حركات إيقاعية .. غارقات فى النقوش والزهور والورود تذكرنا بمنطق الصف فى الجداريات الفرعونية .. كما اقتنص الفنان صور الحياة اليومية بالريف المصرى من الأسواق التى تزدحم بحركة البشر .. والعمل فى الحقل .. مع تصويره للأسرة الريفية .. بملامح الرضا والسماحة على الوجوه وابتسامة على الشفاه .. ولقد جاء صندوق الدنيا الذى يطل بالسحر ودهشة الصور والحكايات تتويجا لمعنى الفن عند سيد عبد الرسول .. فهو فن لكل البشر من كل الطبقات مع قيمته التشكيلية والتعبيرية الرفيعة .
- وشخوص الفنان الكبير تستطيل فى رشاقة وانسيابية فى تلخيص شديد بوجوه تطالعنا بنظرة أمامية وكأنها تتحاور معنا فى سلام ومودة .
- وفى آخر مراحل حياته تطلع إلى الصفاء فى الأرض والسماء فجاءت أعماله حول حركة الحياة على النيل من القوارب والمراكب الشرعية بتلك الأشرعة البيضاء تبتهل ضارعة تتعانق مع الأفق غارقة فى زرقة لا تنتهى تتوحد مع رقرقة المياه وحيوية الشباك وتطل أعمال سيد عبد الرسول الخزفية امتدادا لعالمه التصويرى مسكونة بنفس الروح الشعبية .. أعمال مخروطية شديدة الرصانة .. ولقد بهرته الفنان القلة الفخار باستدارتها البديعة مع أبريق أسبوع فجاءت الأشكال ترديدا لها من حاملات الجرار وحاملة الإبريق لكن يظل الديك بتعبيراته العديدة والمتنوعة صورة للحركة والإنسيابية رمزا لهذا الصياح الذى يبشر بنور الصباح سلاما على سيد عبد الرسول فنان الشعب وتحية إلى أعماله بعمق الوجدان المصرى .
صلاح بيصار
مجلة حواء 2004
الضوء من الداخل
-عندما نتأمل أعمال الفنان الكبير الراحل سيد عبد الرسول فى معرضه الأخير بمجمع الفنون بالزمالك نكتشف جزءاً من تاريخ الحركة الفنية ونتلمس بأعيننا جذور ثابتة امتدت إلى أعماقها .. ونسمع خربشة فرشاته على سطح اللوحة وينساق خيالنا خلف أشجاره الممدودة إلى السماء والمرصوصة رصاً حكيماً، كما نرى الخيول المتوازية والمتنامية فى منظومات رياضية متبادلة، كل مجموعة عكس الأخرى، وإبداع ملهم وفى استقامة رشيقة مشدودة تقف الفلاحات فى إيقاع موسيقى معمارى متوازٍ ممطوط رأسياً.. يذكرنا بأجساد إل جريكو الممتدة إلى السماء بفعل جاذبية عليا من الداخل، استطاع سيد عبد الرسول أن يجعل للضوء مسافات نافذة فى جسد اللوحة، لا هو الضوء الشمسى ولا هو الضوء الصناعى.. ولكن هو ضوء مُشعُّ وآتٍ من المسام اللونية ومن جسد اللون المتماسك على السطح وذلك بفعل طاقة المشاعر المتدفقة من روح الفنان أثناء صياغته ومعالجته لمفرداته على سطح اللوحة، فهى حالة اندماج للمشاعر باللون، وأيضاً اندماج للمشاعر بالحالة الإبداعية الكلية،فعندما نقف أمام إحدى لوحات سيد عبد الرسول نشعر بدفء وسكينة ونلمس حواراً بصرياً عميقاً يحمل عبق ثقافة مجتمع، مغزول فيه تراثه الشعبى الغنى بالإشارات والعلامات الدالة على إبداع هذا المجتمع ، وعندما نتتبع ضوء سيد عبد الرسول نجده ممتداً إلى فنانين استقوا منه علامات اختزلتها ثقافته فى وعائها الحى بالذاكرة، فقطته الممدودة أفقياً تأثر بها الفنانون عبد الحميد الدواخلى وآدم حنين وعبد المنعم الحيوان، وديوكه الخزفية تأثر بها الرزاز، أما لوحاته فقد امتد أثرها فى أعمال الفنانين عبد الوهاب مرسى وعمر النجدى وغيرهم .. هذا هو الضوء الحقيقى الذى يسرى فى الوجدان متخللاً الأفكار والرؤى مدعماً إياهما بالبناء التشكيلى والعمق الجمالى مشكلاً حلقة من حلقات الوصل فى تاريخنا الفنى الطويل، والمصفوفات المعمارية للأشجار والناس والخيل والمنازل أفقياً ورأسياً هى سيمفونيات ممتدة متأصلة فى فننا المصرى القديم على جدران المعابد وعلى البرديات وعلى جدران المقابر .. كلها شواهد لفن أصيل فى الماضى والحاضر .
أ.د./ أحمد نوار
جريدة الحياة - 2004
رقصات الخيل والمزمار .. وموال من مصر
فى متحف سيد عبد الرسول
- فى قاعة أنيقة تطل على حديقة خضراء بضاحية مدينة نصر .. تمتد أعمال الفنان سيد عبد الرسول بمصرية شديدة تتألق على الحوائط والزوايا والأركان فى تنوع وثراء من التصوير والحفر الى الخزف والفخار والنحت .
- من بين الأعمال كانت تطل الخيول الراقصة .. تهتز طربا على ايقاع المزمار البلدى والربابة والأرغول فى لوحة مواجهة لها وفى حضرة صبايا الريف ، واللائى خرجن يتطلعن من فتحات صندوق الدنيا بلوحة مجاورة .
- كان هذا المشهد بمثابة همس شاعرى اتخاذ وفرح صامت يصدح بغنائيات اللون يردد بداخلنا ` اتفرج يا سلام` هذا التعبير الشعبى الذى يتواءم مع عالم الفنان عبد الرسول الذى رحل عن دنيانا منذ أربع سنوات واحتفت أسرته بفنه فجاءت هذه القاعة بمنزله بمثابة متحف صغير يضم أعماله طوال رحلته الفنية لاكثر من خمسين عاما وكانت تلك المناسبة فرصة للدخول الى عالمة.
أبو زيد وعنتره..-
- ولد سيد عبد الرسول عام 1917 بحارة الجوانية بالجمالية .. حارة حانية ودودة من حارات قاهرة المعز المسكونه بسحر الابهاء والكوى والمنافذ وخلاصة الوجدان الشعبى .. تحتضن فيها البيوت فى تواؤم وانسجام بالقباب والمأذن والأضواء والظلال .
- ومنذ بداية الطفولة تربى على تلك الصور والأخيلة والتى كان يطالعها وهو فى طريقه الى الكتاب .. صور تشبعت بها روحه الشقيقة من مواكب الطرق الصوفية الى عازفى الربابة والمداحين الجوالين وتصاوير عنتره وأبى زيد الهلالى والظاهر بيبرس وسيف بن ذى يزن ` ..
- تتصدر الحوانيت الصغيرة ومتاجر المنى فاتورة مع بديع الألحان لخالد الذكر ` سيد درويش` والتى توحدت مع ثورة 19 وجسدت تلك المشاعر والاحاسيس الوطنية التى حملت رياح التغيير فى الادب والفن والموسيقى
- وكان يطربه هذا المشهد الذى يطالعه فى كل عام مع قرب قدوم الحجيج ويق أمامه طويلا .. حيث تنساب الخطوط فى سذاجة وتلقائية من فرشاه نقاش الجمالية يغمسها فى شتى الالوان على واجهات البيوت يصور مراكب تتهادى على الماء وجمالا تشق الصحراء وقطارا بمدخنة ونخله وحمامات وورود وأزهار.
- وعند قدوم المولد النبوى الشريف تطل عروسة المولد على الرفوف الخشبية تضخ بالبهجة من تلك الألوان الصارخة .. وكانت تطول قامته يتطلع اليها يود لو تكبر وتكبر ختى تصير فى حجمة حتى يهمس اليها وتتحدث اليه عن هذا السحر الشعبى الذى لا ينتهى.
- داخل الكتاب وفى كل يوم يغيب عن الشيخ ويغمس قلمه البسط فى دواة الحبر وتسرح يده فوق اللوح الصفيح يصور كل ما تمتلىء به عيناه فى الذهاب والعودة من تلك المباهج التى تجسد عمق الروح المصرية .
- وبعد حصوله على الابتدائية من مدرسة محمد على ولشدة تعلقة بالفن يلتحق بالمدرسة الايطالية للرسم والنحت ` لينوناردو دافنشى وبعد تخرجه عام 1938 تقرر المدرسة ارسالة فى بعثه الى ايطاليا لتفوقة ، ولكن موسولينى يدخل الحرب ويعطل الفنان سيد عن الذهاب الى هناك وتتعطل المدرسة ايضا ويجد نفسة فى الشارع ، لكن اصرار الفنان بداخلة يواصل الابداع بلا قيود ولا حدود متمثلا طه حسين ال1ى سكن حارته ` الجوانية` من قبل وكانت الايام دليلا له على الاصرار والتوثب حتى التحق عام 1924 بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة ومع صراعه مع الطين والالوان تتلمذ على يد استاذة الرائد أحمد صبرى لمدة أربع سنوات بعدها يتجه الى ايطاليا ليحصل على أكثر من دبلوم من أكاديمية روما ويدرس هناك الززخرفة وفن الميدالية والحفر وهناك يستوعب اتجاهات الفن المعاصر مع تمثلة لتراث بلاده الذى ترسب بداخله فتتمتزج التقاليد التصويرية الغريبة بالروح الشرقية الاصيلة التى تعمقت فور عودته حين سافر الى يبة ` الاقصر` بعثة بالمرسم هناك لمدة ثلاث سنوات ..
- امتلأ فيها بآيات الابداع الفرعونى وسحر الطبيعة والنبض الشعبى فى جنوب الوادى كل هذا جعل منه مع الفنان سعد كامل رائدا من رواد المدرسة الشعبية التى بدأها الفنان الكبير راغب عياد .
- صبايا صندوق الدنيا..
- اذا كان الفنان سيد عبد الرسول قد استلهم الفن الشعبى المصرى عموما فى أعماله الا أنه خرج به الى ايقاع جديد بما يجعله ايقاعا يمثل اضافة متسعة فى الابداع التشكيليى عموما.
- لقد استفاد الفنان من كل الصور الشعبية بدءا من الحصير القش الملون والكليم الشعبى والمفارش والبسط الى الحكايات والملاحم والاساطير مع عزيزة ويونس وصندوق الدنيا .
- من هنا يمتد عالمه بين الطقوس والافراح الشعبية وبين أنشطة الحياة اليومية بمعنى أخر يمتد بين التحطيب ورقصات الخيل وعازفى الراباة والارغول والدفوف والمنشدين والرقصات الايقاعية لصبايا الريف نع هذه الثنائية الخالدة للرجل والمرأة التى تصور الحب كما لوكانا عنتر وعبلة ، أو ياسين وبهية ، وربما حسن ونعيمة الى تلك اللحظات الحياتية التى يقتنصها الفنان من الريف المصرى مثل فتاتين تغزلان القطن كما فى لوحة المغزل وحاملات الجرار والسوق والعمل فى الحقل وتجميع الفتيات والنظر من الشرفة
وشخوص عبد الرسول تستيل فى رشاقة وانسيابية فى تلخيص شديد يقترب من التجريد وقد يتمثل ايقاع الجداريات الفرعونية من حيث النسق التشكيليى كما استعان بمنطق النظم الهندسى لتلك النقوش الآدمية المرسومة على جدران مقابر الأشراف بمدينة طيبة ولكن بمفهوم معاصر جعلها تتزاوج مع روح العديد من النقوش والزخارف الشعبية .
- وألوان الفنان تمثل سطوحا خشنة الملامس يغلب عليها اللون البنى بغموضة وامتداده فى الزمن مع الآحمر الوردى والأزرق والاخضر الزيتونى والكريم والبنفسجى وفى الغالب تحدها خطوط سودراء غير منتظمه .
- وفى أخر مراحل حياته الفنية تطلع الى الصفاء وفى الأرض وفى السماء فجاءت كل أعماله حول حركة الحياة على النيل من القوارب والمراكب الشراعية صورها كلها من علو شاهق بمنظور عين الطائر وجاءت الاشرعة البيضاء كأكف تبتهل ضارعةتتعانق مع الأفق غارقة فى ززرقة لا تنتهى من مياه صافية .
- معزوفات خزفية ....
- وينقلنا الفنان فى أعماله من التصوير الذى يتميز بالاختزال الشديد الى التشكيل فى الفراغ من نحت وفخار مع تلك المعزوفات الخزفية الصغيرة والتى استلهم فيها تجارب زوجته أستاذة الخزف وفنانة الحلى د. ليلى السنديونى.
- وتطل أعماله المجسمة عموما امتددادا لعالمة التصويرى مسكونه بنفس الروح الشعبية وكلها أعمال مخروطية شديدة الرصانة لقد بهرت الفنان القلة الفخار باستدارتها البديعة قلة الشرب وابريق السبوع فجاءت الاشكال ترديدا نغميا لها .. مع مسحة من القدم تدخل بنا زمن بعيج حيث يغرق السطوح فى اللون المؤكسد من البنى والأزرقالى الاخضر والزيتى .
- وتتألق الاعمال فى تشكيلات متنوعةو من حاملات الجرار والرعاة والثور والمرأة الجالسة وحاملة الأبريق لك يظل لديك بتعبيراته العديدة والمختلفة فى أكثر من شكل من الاتزان والسكون الى الحركة والرشاقة رمزا لهذا الصباح الذى يبشر بنور الصباح .
- من داخل المتحف الصغير تحية الى روح الفنان سيد عبد الرسول والى أسرته التى كان لها هذا الفضل.
بقلم : صلاح بيصار
مجلة : الهلال ( يناير 2000 )
الغوص فى الموروث يولد جدلية إبداعية
- الفنان المصري سيد عبد الرسول إبراهيم ولد عام 1917 بالقاهرة ورحل عن عالمنا عام 1995يعد من رواد المدرسة الشعبية المصرية حيث سار في الاتجاه الشعبي بخطى ثابتة ليؤكد ويضيف إليه ملامحه المصرية الأصيلة بجانب تأثره الشديد بالتراث الشعبي المصري والفن الفرعوني والقبطي والإسلامي، زادة الحقيقى في بناء رؤاه التشكيلية التي استطاع بها أن يخلق عالما متفردا وشخصية فنية قائمة بذاتها، لها كل مقوماتها المتكاملة وتساهم في بناء مدرسة مصرية معاصرة تتسم بالأصالة والمعاصرة، والفنان تناول الحياة والأفراح وحياة القرية وموضوعات المولد، والحصاد والنيل بجانب موضوعات من وحى البيئة المصرية يوم الصباحية رقص الخيل، والأسواق والمراكب بجانب تصويره للحياة الشعبية من مقاهي وبيوت ومساجد فمصادر الفن لديه عديدة ومتشعبة منذ نشأته.
** بناء
- والعمل الفني عند الفنان يتكون من شكل بنائي لعناصر زخرفية تتجاوز، في تقسيمات هندسية لتمثل الخلفية بينما يتصدر العنصر الأساسي المقدمة في العمل ليحتل الاهتمام الأكبر في اللوحة حيث تأخذ المفردات الصغيرة دورها في إكمال مسطح اللوحة للأشكال الأساسية وأحيانا تقوم تلك العناصر بدور الحشوات الزخرفية.
** أسلوب
- بدأ الفنان متأثرا بالاتجاه التأثيري محددا أعماله بخطوط سوداء ثم اتخذ لنفسه أسلوبا يجمع بين السمات الفنية للتراث المصري في صورة عامة وبين تفرده في المعالجات التشكيلية والتكنيكية، حتى وصل إلى أسلوب تجريدي رمزي اتسم بالتسطح وبتلقائية الشكل الشعبي والذي يتقرب من فن الطفل أحيانا ليؤكد الفنان على الشكل الإنساني في البيئة المصرية في معظم لوحاته، حيث يتحول إلى عنصر رئيسي في بناء العمل الفني، كما تركزت أشكاله على محاور هندسية، فهو يصنع في لوحاته خطوطاً أفقية مستمرة تتعامد عليها شخصياته الواقفة والجالسة، كما تقوم العناصر بصنع الحوار في لوحاته من خلال تكرارها بإيقاعات متنوعة، لا يميل الفنان إلى ترك فراغات في اللوحة بل يحشد صياغاته التى تذخر جميعها بالتفاصيل متأثرا بالفن الإسلامي، حيث نلاحظ أن الألوان فى لوحاته تعكس الصفاء من خلال اختياره لمجموعات لونية صريحة تميل إلى الواقعية، وقد عمد الفنان إلى إثراء الشكل المسطح بالنقوش الخاصة لزكرشة الملابس وفى وجهات البيوت، فهو بذلك يقترب إلى الاتجاه التنقيطي في الأسلوب، كما تتأكد المصادر الشعبية وتتألق أيضا في أعماق الفنان لتظهر بجلاء من خلالها الحياة الريفية والمظاهر الشعبية والرموز والزخارف المختلفة باحثا دون ملل يخاطب الآخر ويصل إلى العالمية من خلال التعمق في البيئة المحلية ويحمل صفة المعاصرة المتأصلة في الجذور المصرية، كما اعتمد الفنان في معظم أعماله الفنية على الصياغة الآدمية في البيئة المصرية والذي يعتبره الفنان عنصرا رئيسيا في بناء عمله الفني.
** هويه
- يؤمن الفنان بهويته المصرية وثراء وعمق حضارة بلاده وتعدد وتعاقب الحضارات المختلفة على أرض الكنانة مما تسبب للفنان فى تولد جدلية إبداعية تحسه وتدفعه للتمرد على التعليم الأكاديمي النمطى والبحث عن الجديد من حيث الفكر والمضمون، سعيا للملاحظة والتأمل والبحث على جدران المعابد وفى بطون المقابر حيث تأثر بشكل واضح فى أعماله بالفن الفرعوني وأستعار منه التبسيط والتجديد في جماليات الخط وإيقاعاته متأثرا أيضا بالفن القبطي وبدائع الفن الإسلامي، استلهم واستوحى قوانين إبداعية بثها في نسق إبداعي جسدها بشكل ملحوظ فى أعماله من منطلق التأثر الشديد بالموروث .
** سمات
- نلحظ فى أعمال الفنان سمات تشكيلية كالتنوع والثراء وكما أن له بصمته الخاصة والمتسعة في استلهام الفن الشعبي فى أعمال شديدة الخصوصية حيث تتكامل الصياغات التصميمية وموتيفات الفنان مع البناء التشكيلي للعناصر في صياغات فنية أقرب في شكلها العام إلي مقومات فنون الأطفال بما تحمله من تبسيط وتحريف تلقائي كما أنها تعكس البهجة والبساطة وصفاء النفس الداخلي والخارجي بمظاهر الأشياء وهو يبحث فقط عن الشكل الجمالي لعناصره وأشكاله المستقاه من البيئة الريفية، حيث سعى الفنان إلي تأكيد مصادر البيئة والتراث في أعماله لتتضح بجلاء من خلالها الحياة الريفية والرموز والزخارف المختلفة والتي تؤثر وتنعكس على صياغاته مفرداته التصميمية من خلال التعمق في البيئة المحلية والتراث الشعبي المصري محققا صفات المعاصرة والمتأصلة في الجذور المصرية ويظهر ذلك بوضوح فى صياغاته التصميمية والتشكيلية لأعماله الفنية البديعة.
** انسيابيه
- تتسم الصياغة الآدمية لدي الفنان بالرشاقة والانسيابية بجانب التلخيص الشديد والنظرة الأمامية التي تتصدر الأعمال الفنية في وضع مفعم بالحركة والإيقاع المنتظم داخل سياق العمل الفني تميزت صياغاته بالاستطالة وإظهار الجسم في أوضاع مختلفة بجانب اهتمام الفنان بزركشة ملابس شخصياته حيث تتولد فيها لغة تشكيلية تؤكد ترابط تلك الصياغات ، كما استخدم الفنان الزخارف والرموز الشعبية البنائية على ملابس الشخصيات الآدمية لتحدث تكامل وتناغم داخل اللوحة، إلى جانب اعتماد التقسيم الهندسي في خلفية العمل والربط بين أجزاء مفرداته وصياغاته الفنية، كما اهتم فى بناء صياغاته الآدمية برسم الوجه وكذلك الأرجل ، تميزت أعماله بهدوء الحركة كما تميزت الخطوط لدية بالليونة والانسيابية والإيقاع في تحديد معالم صياغاته التصميمية وفي تناوله للعنصر الآدمي الذي يمثل محور الاهتمام لدى الفنان .
** تداخل
- كما استخدم الفنان الحصان كرمز شعبي يدل على البهجة والفرح والانطلاق في صياغات متداخلة مع الشكل الآدمي فتظهر صياغته للحصان وقد امتطاه إنسان ليصبح جسم الإنسان والحصان واحدا مكملا وكذلك صياغة الماعز، الأوز، القطة حيث صيغت بشكل يوحي بالرشاقة والحركة في معظم أعماله وهكذا عالج الفنان عنصر الحيوان بالتلخيص يمثل فيه الخط الخارجي أساسا للصياغة كما بالغ في الحركة فهو ساكن أحيانا ومتحرك في أحيان أخرى وكل صياغاته الفنية تنم عن حس شعبي مبسط بأسلوب عضوي يظهر بوضوح فى خطوطه، كما عالج الفنان الصياغات التصميمية بأسلوب شعبي زخرفي ليؤكد على تأثره بالبيئة المحلية الشعبية في نسق أكد على ترابط العمل كما امتزجت مخيلته ورؤاه الإبداعية بتلك الرسوم التي نطالعها علي واجهات البيوت الريفية في بحري وقبلي من خلال تلك التصاوير على جدران هذه المنازل التي تعبر عن البطولات والملاحم الشعبية من خلال العمارة الشعبية .
** اشارات
- اهتم بالعناصر والموتيفات ممثلة فى العمارة الشعبية والحصان والفرسان والفلاحات تلك الصياغات التي ظهرت كإشارات ومضامين واضحة الدلالة والتأثير حيث اعتمد في لوحاته على جذور تراثية بوجهة نظر معاصرة وحيوية وقيم جمالية خالصة وليس تقليدا حيث استمد الفنان عناصر عالمه الفني من الحارة والريف والمولد والأفراح فنجده يصور مباريات التحطيب ، ورقصات الخيل وكذلك عازف الربابة والأرغول بجانب الوحدات التراثية التقليدية المعروفة والمحببة والتى تحمل دلالات رمزية كوحدة المثلث وغيره من الصياغات التي تمثل عفوية وبساطة الفنان الشعبي.
د. أمجد عبد السلام عيد
صحيفة اوكر للفنون التشكيلية العربية الصادرة من ليبيا مارس 2021
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث