`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
سوسن عبد اللطيف عامر النجار
باحثة تعزف لحنها المميزعلى أوتار الفلكلور
-هى باحثة وفنانة مبدعة تخرج أعمالها مضفرة فى حدود عضوية يمتزج فيها الفكر والفن معا… نرى فى لوحاتها الغزيرة الألوان ملامح خاصة متميزة لها مذاق الغناء والطرب الشرقى الممتد فى عروق التاريخ.. فيطفو أمام مخيلتنا `التخت`.. وإيقاعات (القانون ) نافذة إلى جذور الموروث فى خبايا الوجدان ..
- تستخدم الحالمة فى أجواء التاريخ غير الرسمى وأصدائه ( سوسن عامر ) رقائق الذهب والفضة توشى بها ألوان بالتتها الزاهية الحارة والغزيرة.. تضم فى اللوحة العديد من الألوان المتنافرة، فتلين بين يديها وتتناسق وتنسجم فى هارمونية متوازنة توازى تنغيمات الموزاييك… كل هذا يطفو على السطح فى رقة شديدة وكأنما دون أن تدرى الفنانة، تحمل العمل الفنى انعكاسا لطبيعة الأنثى ورؤيتها الخاصة للحياة والوجود.
- يتسلل من ثنايا تكويناتها المنمنمة عطر يثير ذكريات التجوال بين دكاكين العطارين.. ومع ذلك فهى تخرج برؤية معاصرة لتراث الفن الشعبى..فهى لا تأخذ رموزه وموتيفاته بشكل مباشر ، ولا هي حتى تحورها أو تلخصها، بل (تقطرها) وتخرج لنفسها ( توليفتها) الخاصة.. ربما من خلال خبرة الباحثة العاشقة للفلكلور والمحومة دوما بين أجوائه..
- سوسن عامر تقدم لنا ذلك ( الكولاج ) الخاص أو ما يشبه الكولاج من خلال بالتة ثرية ، تأخذنا فى رحلة مع الألوان تلخص بصدق تجربة السنين…
كمال الجويلى

الفطرة والدراسة واقترانهما باحترام التراث
-هذه الكلمات كتبها جون راسكين فى أواخر القرن الماضى وكما هى صالحة لذلك الزمان فإنها صالحة أيضا لهذا الزمان .
- وتجمع سوسن عامر بين التراث والفلكلور والأدب والألوان.. وتأتى الألوان خاصة فى المقام الأول.ألوان منثورة فى سيل من شذرات الذهب وومضات البرق المنعكسة، تشغل مستويات متعددة يتداخل بعضها مع بعض ويعتلى بعضها بعضاً، وتتلألأ فى تكوينات غامضة، خاصة وفريدة ، يفوح منها عبق التاريخ .
- وتقول الفنانة إنها `أيقونات` إذا أدركتها العين فجأة ، أثارت فى الذاكرة أعمال دافنى وس. صوفيا وروبولوف وأنستاتسيس الكنائس القبطية ولكنها فى واقع الأمر تكوينات تجريدية تصل إلى حدود `الانفورمال`، منفذة على الزجاج بتقنيات مختلطة ومتآلفة ، ومطعمة بقطع من القماش والشباك والأوراق المفضضة والمذهبة، والألوان والأحبار .. خليط من الأصالة الخلابة تتغنى فيه الفنانة بأساطير بلادها وأبطال ملاحمها .
- وأعمال الفنانة كلها صغيرة الحجم، قوامها جزازات من أقمشة قبطية وبيزنطية وجزازات من الديباج الفاخر تبعث فى الذهن نقوش أواخر عصر الفيوم القديم وقيشانى قرطبة ومآذن الأزهر الشريف .
- إن نبضها صادق ومتفتح مفتوح على مصراعيه أمام العالم كله، فأكثر الخلجات عمقا تكتسب أبعادا عالمية، وتتسع آفاقها فى أعمال `كالتراث` و`الشجرة` و`أدم وحواء`، حيث يلوح كل شئ كأنه يتراءى من مرآة، من مياه تحت وهج الشمس، من زجاج الكاتدرائيات ومن أجواء المساجد، إن ما يدهش فى الفنانة هذا التدين الغامض الجذاب.. إحساس دينى وبالطبيعة وباستشعار الموجودات والعالم والإنسان والزمن من خلال عبادة كونية تفيض بها نفسها وتتحول عندها إلى لوحات ألوان وخطوط وخلفيات ومشاهد وشواهد .. شواهد رائعة فى معرض يدعو إلى التذوق وإلى التأمل .
روجييروباتاليا ترجمة د . سلامة محمد
أستاذ الأدب الايطالى جامعة عين شمس
سوسن والضوء الهامس
- الفنانة سوسن عامر من الفنانات اللاتى حافظن على طابعهن الفنى دون مواربة..! اعتمدت على مرجعية أصيلة من عمق الفن الشعبى المدفون فى وجدان العادات والتقاليد الاجتماعية.. واختارت مفرداتها وعناصرها لتؤسس عليها دلالات عميقة المعنى وبتلقائية محبوكة البناء التشكيلى، والفنانة حاصلة على بكالوريوس كلية التربية الفنية، ولها مساهمات وأنشطة فنية نذكر منها المعارض الخاصة بقاعة المركز الثقافى المصرى بباريس الأعوام 1972، 1984، ومعرض بالأكاديمية المصرية بروما العام 1983، بالإضافة إلى كثير من المعارض الجماعية والقومية بمصر، كما حصلت على جائزة صالون القاهرة العام 1972، جائزة البحث من لجنة الفنون الشعبية عن كتاب ( الرسوم التعبيرية فى الفن الشعبى العام 1991) ، وحصلت على جائزة فى مسابقة تجميل دار الأوبرا عن لوحتها ( فن التراث القديم العام 1991 ) كما حصلت على جوائز فى معرض الأعمال الفنية الصغيرة أعوام 1993، 1996، كما شاركت فى معارض هامة أقيمت بالخارج، منها معرض الفنانات العربيات (واشنطن العام 1994)، معرض الفن المصرى المعاصر (بيروت العام 1995) ، معرض الفنانات المصريات (بكين 1994، 1995 )، معرض طشقند ( 98 ، 2003).. الطيور والوجوه الإنسانية والنبات والسماء مفردات ومكنونات الفراغ الكونى للوحات الفنانة أسكنتهم عبر فضائها فى بناء حركى غير ساكن فالطيور تسبح فى الفضاء فى مركزية متكررة الدوران ومتوالية التناغم المتكامل.. وكأنها رقصات على صوت موسيقى آتية من باطن السماء وعمقها اللامتناهى، وطاقة مجالية تحرك كل طائر وارتباطه بالآخر فى جاذبية متحدة التنوع الايقاعى للحركة كمنظومة متشابكة تتحد وتنتشر وفق عالم شعورى بالغ العمق والإحساس المرهف الذى يتجاوز حدود الخامة والتقنية بتلقائيتها البليغة، وألوانها الأيقونية اللامعة والمذهبة أحياناً وتهشيراتها الهامة لتحدد أشكالها دون التأثير على قوام المفردة.. مؤطرة بذلك المجال المغناطيسى للطيور السابحة والتى تمتد رؤوسها بإيماءتها الحانية وفق حركة إنسانية عاطفية بينما يظل وجه فتاة يحتضن وجهها طائراً أصفر اللون وذيله أحمر اللون فى حميمية وشعورية دافئة، والسمة المميزة لضوئها كونه مسَّاً يتواتر وميضه من الأصفر والأحمر والأزرق عبر سيمفونية فضائية لطيور حالمة تتعايش وتتجاذب فى دوران كونى فى اللا جاذبية الكونية، فالضوء نابع من هذه الطاقة الهلامية التى تدور فى فلك هذه المصفوفة المتحركة النابعة من إحساس صادق وروح امتلأت بعبق الفن الشعبى وأصالته..والفنانة سوسن عامر مليئة بالحب، هادئة الملامح بشوشة الوجه، ابتسامتها فى طيورها وأشجارها وسمائها ووجوهها فإبداع الفنان لا ينفصل عن وجدانه وعقله وكتلة مشاعره وعمق إحساسه.
أ.د / أحمد نوار
جريدة الحياة - يناير 2005

- فى الندوة التى أقيمت بجمعية خريجى الفنون الجميلة برمسيس أضاءت ضيفتها الفنانة سوسن عامر على تراث الإبداع التشكيلى المصرى بطول التاريخ فى جانبه الشعبى بدءاً من الفن القبطى إلى الفن الإسلامى خاصة العصر الفاطمى وحتى الآن وقد صاحب هذا عشرات التصاوير والتفاسير التصويرية .
- وقد أشارت إلى تلك الأساطير والمرويات الشعبية وكيف كان الفنان الشعبى التلقائى يصيغها بإحساسه البديهى فى قوة تعبيرية.. مثلما نرى فى حكاية `الانبا بولا والانبا انطونيوس` وكان الانبا بولا منكبا على العبادة فى صومعته لا يهتم بالطعام والشراب يأتيه الغراب كل يوم بنصف رغيف.. وفى يوم جاء لزيارته الأنبا أنطونيوس فأتاه الغراب برغيف كامل.. وقد صور الفنان الشعبى تلك الحكاية التى تأخذنا على جناح الخيال.. بأسلوب شديد الغنائية مسكون بالبساطة والتلقائية.. وأيضاً تصاوير لمارى جرجس والتنين ومارى مرقص والأسد
- ومن الفن الشعبى القبطى تنقلنا إلى الفن الشعبى فى العصر الفاطمى.. من عروسة المولد التى تتوهج بسحر اللون وسحر النور.. بعيون لوزيه هامسه محلقة.. إلى العروسة الونيسة والتى شكلها الفنان الشعبى من العاج والعظم .. عرائس صغيرة.. كل عروسة تشكيل وكل تشكيل مساحة من التعبير .
- ومن هذا العصر تعرض الفنانة مجموعة من `مناقيش الكعك ` وكيف كان يشكلها الفنان فى أشكال متنوعة.. تجمع بين ثراء التشكيل وفصاحة التعبير فى صور طيور وحيوانات وزهور .. وهى مازالت محفوظة للآن بالجمعية الجغرافية .
- ومع بيوت النوبة صحبتنا الفنانة سوسن عامر إلى هناك.. إلى عظمة المعمار الشعبى البديهى والذى يشتمل على الفتحات والممرات والكوى والمنافذ.. مع هذا الإيقاع والتناغم والذى تشتمل عليه الواجهات من الزخرفة والنقوش.. والتى تنساب فى وحدات متكررة من الزهور والأوراق النباتية والتشكيلات الهندسية لوحدة المربع والمثلث.. وقد سيطر اللون الأبيض رمزاً للصفاء والنقاء ويمتد حديث الفنانة إلى فن الوشم فى عصرنا الحالى .. وكيف أنه يعد واحدا من الفنون الشعبية التى تحمل قيما تشكيلية عديدة .. وهو عالم يتألق فيه عنتر وعبلة وأبو زيد الهلالى وغيرها من الصور الشعبية التى تؤرخ لروح الشخصية الفنية الشعبية وهى تنقلنا إلى مساحات من التشكيل والتعبير.. نقشها الفنان الشعبى بروحه الطليقة.. من آفاق الآفاق إلى أعماق الأعماق وفى النهاية جاء عالم سوسن عامر.. من هذا النبع الصافى.. جاءت أعمالها من هذا المعين الذى لا ينضب .. من خلال استلهام كل هذا العالم الشعبى وهضمه.. وافراز أشكال و إيقاعات جديدة.. تجمع بين الأصالة والمعاصرة.. بين هذا الموروث وبين تلك اللمحة العصرية.. والتى جعلت من أعمالها مساحات شديدة العصرية مسكونة بروح الشرق الفنان.. غنائيات مصورة تحلق بين الواقع والخيال .. تمتطى فيما طفلة صغيرة سمكة .. مع الزهور والأمواج واسراب الطيور.. وتقف عروسة المولد ملكة متوجة محفوفة بالطيور والنخيل والشموس.. وتتحاور عرائس البحر تحت الأغصان المثمرة ..
- والفنانة سوسن عامر أستاذ غير متفرغ بكلية التربية الفنية بالزمالك ..أقامت وشاركت فى العديد من المعارض بمصر وإيطاليا وفرنسا وبيروت وطشقند .. وحصلت على منحة دراسية لدراسة التصوير الزيتى فى أكاديمية الفنون بروما ..
- تحية إلى مساحات من السلام والمودة.. من الفنان الشعبى إلى سوسن عامر .. فنانة صاغت عصير الوجدان الشعبى فى أعمال من التعبيرية الحديثة .
صلاح بيصار
مجلة حواء 2004
سوسن عامر .. والبحث في منجم الفن الشعبي
تجاوزت سوسن عامر (1933) في حبها للفن الشعبي حدود التقليد والوقوع فى محاكاة الإبداع الشعبي الأثير لديها الي فضاء جديد كتب باسمها ، فقد جمعت بين حب الألوان من خلال نسجها للوحات تشي بتراث طويل والبحث العلمي في مجال الفنون وإن كان الفن الشعبي برموزه وتراثه وغموضه هو القاسم المشترك الأعظم فى المجالين .. حيث يقول عنها الناقد ` كمال الجويلي ` : هي باحثة فنانة مبدعة تخرج أعمالها مضفرة في وحده عضوية يمتزج فيها الفكر والفن معاً .. نرى في لوحاتها الغزيرة الألوان ملامح خاصة متميزة لها مذاق الغناء والطرب الشرقي الممتد فى عروق التاريخ .. فيطفو أمام مخيلتنا التخت .. وإيقاعات آلة القانون نافذة الي جذور الموروث في خبايا الوجدان .
استعارت من الذهب والفضة لونيهما
سوسن عامر .. والبحث في منجم الفن الشعبي
تأثرت بحامد عبد الله وأفكاره في تجاوز القواعد الأكاديمية لفن الرسم الي آفاق غير مسبوقة
وإذا كان الفن الشعبي .. هو مصدر وإلهام ` سوسن عامر ` ومفتاح تفسير لوحاتها ، فهي تشترك فى ذلك مع العديد من الفنانين الذين اتخذوا من هذا أحد مصادر إلهامهم بما يحمله من أصالة وثراء ، وصدق وحيوية متدفقة وتعبير مؤثر عن وجدان الضمير الجمعي للغالبية حيث استمد الفن الشعبي عموماً رؤاه من تراكم خبرات ومهارات وقدرات على مدي طويل ، جاءت تلبية لاحتياجات حياتية سواء سيكولوجية ونفعية او جمالية ، وكما كانت الفنون الشعبية بزخمها مصدراً لإلهام الفنانين كنمط فني له كيان وسمات وأسلوب مميز ، يرجع للفنانين التشكيلين والنقاد فضل الكشف عن معالم هذه الفنون وقيمتها الفنية ، فقد شهد فجر الحركة الفنية الحديثة والمعاصرة ، محاولات حثيثة لربط الحاضر بالماضي عندما اتجه جيل الرواد أمثال مثال مصر الأول ` محمود مختار (1934- 1991)، محمد ناجي (1888- 1982) ، محمود سعيد (1897 - 1964) ، راغب عياد ( 1892 - 1982) ` الي التعبير عن طريق الموضوعات المستمدة من الحياة الشعبية فى تحول واضح لما كان سائداً في هذه الأثناء ، من لجوء الفنانين الأجانب الذين كانوا يقيمون في مصر الي البلاط القصور وتصوير أفراد الطبقة البرجوازية.
فقد اختار ` محمود مختار ` فتيات الريف موضوعاً أثيراً لإبداعاته مجسداً نموذجاً نادراً للمرأة ليرتفع بالموضوع والنموذج الذي صاغه بقيم جمالية الى مستويات راقية ليسد بذلك فجوة عن رحلة المحمل والألعاب الشعبية كالنقرزان ، المزمار التحطيب فى الوقت الذي ذهب فيه محمود سعيد الى أسلوب قرب فيه بساطته من رؤاه من منطلقات الفنان الشعبي سواء التلقائية والعفوية ، وطرق بناء عمله الفني كاعتماده علي تقسيم اللوحة الى مستويات أفقية .
الجيل الثاني
ولم يقتصر ارتباط الرعيل الاول فى الحركة الفنية بالفن الشعبي فقط ، فقد اتجه أيضا عدد غير قليل من أفراد الجيل الثاني الي مخيم الفنون الشعبية في محاولات جادة لإقامة جسور وحلقات اتصال بين الماضي والحاضر ، البعض اتخذ من رسوم الوشم ورسوم عنترة التى تزين المقاهي الشعبية عناصر أساسية لإبداعاتهم ، فيما اتجه البعض الآخر الى الموضوعات الشعبية الخاصة بكشف الطالع .. أبرز رواد هذا الجيل ` سمير رافع ` ، ` عبد الهادي الجزار ` ، ` حامدا ندا ` ، ` جمال السجينى ` ، وامتد الخط الذي بدأه الرواد ليظهر جلياً فى إبداعات الفنانين جيلاً بعد جيل للكشف عن جوانب جديدة ، يمكن الإفادة منها فنياً من منجم الفنون الشعبية بهدف التأصيل وترسيخ مفاهيم الارتباط بالهوية والجذور.
ويتجه تيار الارتباط بالفن الشعبي فى مسارين المسار الاول : اقتصر على مسايرة النزعة الشعبية فقط دون إضافة حقيقة ، اما المسار الثاني : اتجه فيه بعض الفنانين الى استلهام الزخارف والنقشات الشعبية ، بما تحمله من طابع تجريدى فمن زخارف الحصر ونقشات التطريز ، واشكال أنية الفخار والرسوم والوحدات البصرية الهندسية على المنسوجات والبرادع ، حيث تكشف فهم الزخارف العربية المجردة .
أما تجربة `سوسن عامر` الإبداعية فاتجهت الى البحث عن روح الحكاية الشعبية الأسطورية ، عندما نسجت من عناصر الطبيعة التى لها دلالات واضحة في التراث الشعبي لوحاتها ، حيث نرى الشجرة تتخلي عن وظيفتها فى الطبيعة لصالح القيم التعبيرية والسرد ، باعتبارها أيضاً حاضنة لحكايات البشر وأحلامهم ، كما ترى ` سوسن عامر ` في عروسة المولد التى اكتشفها الفنان الشعبي عنصراً درامياً أحاطتها بالطيور البيضاء ، والنخيل المزدهر وهالة الزخارف التراثية المحببة الى النفس والتى تمثل تاريخاً طويلاً يحتضن رأس وجذع العروسة . واتسقت معالجة `سوسن عامر` لموضوعاتها مع طبيعة الفن الشعبي فقد جاءت أشكالها وخطوطها تعكس بساطة متناهية وتلقائية في الاداء تصل في بعد الاحيان الى فطرة الفنية ، سواء فى تناولها للعناصر او طريقة الأداء التى تشبه الأيقونات التى تحتضنها الكنائس القبطية ، لكنها في الحقيقة عمل فني استثنائي نظراً لخصوصيته الخالصة ، فيما نفذت أغلب لوحات `سوسن عامر` علىالزجاج تلك الخامة الأثيرة لدي الجميع في الوقت الذي أضافت إليه خامات أخرى كالأوراق المفضضة أو المذهبة التى تضفي إحساساً بالبهجة والألفة ، وبعد ان تلصق هذه الأوراق على سطح لوحاتها وتؤكد الخطوط وترسم التفاصيل بالألوان الأحبار وخاصة الحبر الشينى ، فنطالع خليطاً ساحراً من الأصالة والأساطير ، ويذكرنا بنقوش أواخر عصر الفيوم القديم وقيشاني قرطبة ومآذن الأزهر الشريف وقباب الكنائس وأشكال أبراج الحمام .
تنطلق `سوسن عامر` من إحساس دفين أن الجمال سر الوجود والتدين والورع فيما يشبه العقيدة الراسخة ، فقد جاءت أعمالها أشبه بقصيدة صوفية تبحث عن المعاني في الناس والأشياء وتسبح بقدرة الخالق .
بنت الثورة
عندما انطلقت ثورة يوليو فى العام 1952كانت `سوسن عامر` تتجه الى بلوغ العشرين من عمرها ، فتوحدت مع منطلقات الثورة فى التغيير والتطوير خاصة عندما تأثرت بالفنان `حامد عبد الله ` (1917- 1985) أحد المجددين المبشرين فى النصف الثاني من القرن العشرين والذي يشترك مع الفنانة وفي الانتماء الى حي المنيل بجزيرة الروضة ، ذلك الحي الذي ارتبط بالواقع الجديد للثورة والتغيير فانتقل من بيئته الزراعية الى مجتمع مصري مدني ((مكاناً)) يستقطب المثقفين وطبقة الموظفين الجدد .. حيث تقول `سوسن عامر` : لقد تأثرت بحامد عبد الله ورغبته الأكيدة فى تجاوز القواعد الأكاديمية الى آفاق جديدة غير مسبوقة وانحيازه الى رؤى تعكس هويتنا ، تلك الأفكار التى التف حولها العديد من الفنانين والفنانات عبر مرسمه بجزيرة الروضة ، فقد كان يتردد على المرسم `إنجي أفلاطون` ، `صفية حلمي حسين `، `رجاء الخولي` (اخت المفكر لطفي الخولي) ، `بدر حمادة` ( زوجة فنان الكاريكاتير بهجت عثمان).
من جزيرة الروضة وسط القاهرة اتجهت `سوسن عامر` شرقاً الى القاهرة الإسلامية وشارع المعز لدين الله بداية من قلعة صلاح الدين حتى حي الجمالية ، تنقب عن ملامح وسط القاهرة اتجهت `سوسن عامر` شرقاً الى القاهرة الإسلامية وشارع المعز لدين الله الفاطمي بداية من قلعة صلاح الدين حتي حي الجمالية ، تنقب عن ملامح الأصالة وتتعرف على كنوز التراث المعمارى ، وصور الحرف التقليدية التى أبدعها الفنان المسلم ، كما تجولت في حى مصر القديمة حيث أغلب المزارات القبطية أو الإسلامية وحصن بابليون والكنيسة المعلقة .
لم يقتصر اهتمام `سوسن عامر` على الآثار سواء القبطية أو الإسلامية بل ارتادت أسواق القاهرة الشعبية كسوق المنيب يوم الثلاثاء وسوق إمبابة يوم الجمعة وغيرها تسجل حركة الناس وشغفهم بالشراء بألوانها التى استعارت من الذهب والفضة لونيهما.
سيد هويدى
القاهرة - 30-8-2005
الفنانة سوسن عامر تستخرج الرسوم التعبيرية من الفن الشعبى
- اشتهرت الفنانة ` سوسن عامر ` بأبحاثها الميدانية فى الفن الشعبى وخاصة فنون الوشم ، وهى التى يتم تسجيلها على البشرة بطريقة تجعلها لاتزول أبداً ، وتتم فى الموالد والأسواق الريفية .. وقد انعكس اهتمام الفنانة بهذا النوع من الفن الشعبى فى لوحاتها ، التى لم تتأثر فيها بالوحدات والعناصر الشعبية فحسب ، بل امتد هيامها إلى حد رسم عدد من أعمالها بنفس خامات وأساليب الفنان الشعبى الذى يعرض تصميماته على الزبائن مرسومة خلف الزجاج بأصباغ وأوراق معدنية براقة الألوان ليختار منها الريفيون مايشِكون به جلودهم، على أنها رسمت أيضاً القاهرة ومآذنها بالإضافة إلى خيالاتها وأحلامها ، فأضاف اهتمامها الفكرى طابعاً شعبياً إلى لوحاتها حتى لتبدو كالأيقونات ، يشيع منها عبق القدم .
- وأسلوبها يقترب من براءة رسوم الأطفال مع اهتمام واضح بثراء الألوان وحبكة التكوين .
- الطفولة الحالمة
- ولدت الفنانة عام 1935 بجزيرة الروضة وكانت منذ خمسين عاما تمتلىء بحدائق الفاكهة والأشجار المعمرة .. أمام بيتها كانت ترتفع شجرة جميز عتيقة أطلقوا عليها اسم `شجرة المندورة ` ، يقصدها بعض الناس يعلقون على جذوعها أعلاماً ملونة ،وبعض النساء طالبات الحمل أو الزواج يخطين سبع مرات فوق أحد فروعها الضخمة التى تهبط حتى تكاد تلامس الأرض لترتفع من جديد .. وأفكر أننا فى طفولتنا كنا نتسلق جذوع هذه الشجرة لنقطف ثمارها قبل أن تنضج ، وعندما نكتشف أنها غير صالحة للأكل نتراشق بها فى طريق عودتنا من المدرسة الابتدائية .
- فتحت الفنانة عينيها لترى اختلاط الخرافات بالواقع وكيف تسير الحياة العملية إلى جانب العالم الذهنى الذى يعيش فيه بعض فقراء المدينة .. لكنها بدأت تتأمل هذه الشجرة الضخمة وتراها من جديد عندما شاهدت رساما يأتى كل يوم ليجلس أمامها ويسجل أشكال فروعها .
- فى المدرسة الابتدائية كانت تحصل على درجات متفوقة فى مادتى الرسم والأشغال اليدوية ، وقد وهبها المناخ المحيط بها تميزاً واضحا فى عنصر الخيال .. وكانت تعمل فى بيتها سيدة عجوز اسمها ` أم عبد الله ` لديها مخزون لاينفد من ` الحواديت ` والقصص الشعبية والحكايات التى تشحذ خيال الفتاة الصغيرة وهى تذكر بعضا من أحلام يقظتها عندما عاشت فترة طويلة تصل إلى بضعة أيام وهى فى حالة أشبه بالحلم اللذيذ متصورة نفسها فى هيئة حصان مجنح أو ممتطية بساط الريح تقطع المسافات وتعبر السموات ، تتطلع إلى الأرض وماعليها وتنتقل إلى حيث شاء خيالها محققة كل ماتعجز عن تحقيقه فى الواقع . لهذا كثيرا مايظهر حصانها الطائر فى لوحاتها حتى اليوم .
- جيل الخمسينات
- تفوقت فى دروس الرسم التى كانت تستمع خلالها لإحدى الحكايات ويطلب منها التعبير عن أحد مواقفها بالرسم ، وعندما أنهت دراستها الثانوية التحقت بمعهد معلمات الفنون سنة 1953 ، وقد تغير اسم هذا المعهد إلى معهد التربية الفنية للبنات ثم ضُمَّ إلى معهد التربية الفنية للبنين وأصبح حالياً : كلية التربية الفنية
- خلال دراستها الجامعية انضمت إلى مجموعة من الطالبات تميزن بالشغف بالبيئة الشعبية والاهتمام بدراسة الأشكال الفنية التى ينتجها الحرفيون ، فكن يقضين أوقاتا طويلة فى حى الحسين وخان الخليلى ، ويترددن على كلية الفنون الجميلة ومراسم كبار الفنانين ، شغوفات بالمعرفة واستيعاب أعلى مستوى فنى معاصر .. وفى الوقت نفسه كانت دراستها فى المعهد تتضمن جرعة فنية كبيرة ، فدرست الطبيعة الحية والجامدة ، والتكوين الفنى والزخرفة بالإضافة إلى تاريخ الفن وعلم التشريح .. أستاذاتها هن الفنانات ` كوكب يوسف ` و` جاذبية سرى ` و` زينب عبد الحميد ` و` عليا صبرى ` .
- وهكذا انغمست فى حياة فنية كاملة طوال السنوات من 1953 حتى 1957 .. تلك السنوات التى تمثل طفرة فى الحياة المصرية : اجتماعية وسياسية وفكرية ، ترددت خلالها هى وصديقاتها على مرسم الفنان `حامد عبد الله ` وزوجته الفنانة ` تحية حليم ` فتعلمت أسلوباً متحررا فى الفن يختلف عن الأسلوب الأكاديمى الذى تتلقاه فى المعهد ، وفى هذا المرسم التقت بشعراء وأدباء ومثقفين متخصصين فى مختلف المجالات ، واستمعت إلى مناقشاتهم وتعرفت على أفكارهم ، كما زارت معارض الفن بانتظام حيث كان متحف الفن الحديث يقدم معارض متتابعة لمختلف الاتجاهات الفنية، وهى لاتزال تذكر المعرض الذى أقيم عام 1956 للاتجاهات الحديثة وأشرف على إعداده الناقد ` حبيب عازار ` فى هذا المعرض كان كل فنان يشارك بلوحة من أعماله ويضع لافتة صغيرة تحتها تحمل شعاراً أو مقولة يعبر بها عن اتجاهه الفنى .. فكتبت جاذبية سرى تحت لوحتها : ( الفن هو الحياة ) ، وكتب فؤاد كامل ( ليس فنا مالم يكن حلمًا ) بينما كتب آخر يقول ( أنا قلق فأنا موجود )..... فى تلك الفترة توثقت علاقتها بالفنانتين انجى أفلاطون وتحية حليم.
- ( المشاركة فى حرب السويس )
- عند انعقاد مؤتمر باندونج فى منتصف الخمسينات شارك معهدها فى مواكب الزهور التى طافت شوارع القاهرة بهذه المناسبة ` وأسهمت فى زخرفة نموذج لمركب أقيم تحت إشراف الفنانة `جاذبية سرى `التى قامت بدور ملحوظ خلال تلك السنوات فى الفن والسياسة .
- لقد تم تشكيل أفكار الفنانة ` سوسن عامر ` وأسلوبها خلال تلك الفترة ، وعندما وقع العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 خرجت مع الفنانين برسومها إلى الشوارع ، وعندما أطلق صلاح جاهين أغنيته ( ياحمام البر سقف ...) رسمت لوحتها المعبرة عن هذه الأنشودة وحفرتها فى مادة ` اللينوليوم ` ثم طبعتها لتوزع على المارة الذين كانوا يتوقفون لمشاهدة معارض الفنانين التى نظمتها جريدة المساء مع اتحاد خريجى كلية الفنون الجميلة .. ولاتنسى الفنانة تلك الأيام التى تحققت خلالها درجة عالية من الوحدة الفكرية بين المثقفين ، وكان لأيام مابعد حرب السويس أعمق الأثر فى تكوين شباب ذلك الوقت وصياغة توجهاتهم .
- (التخصص فى الوشم )
- فى تلك المرحلة اكتشفت الفنانة أبعاد الفن الشعبى وتعلمت كيف تحترمه وتستفيد منه ، استمعت إلى محاضرات ` سعد الخادم ` أحد الرواد المتخصصين فى دراسة الفنون الشعبية وتحليلها ، وكان يتحدث عن الملابس الشعبية وألوانها والحرف المختلفة المتوارثة وفلسفة التشكيل الشعبى ، ويقدم عروضا بالشرائح الملونة خلال محاضراته ...
- رسمت تخطيطات واسكتشات فى خان الخليلى والأسواق الريفية بالجيزة وإمبابه على أطراف القاهرة ، وتعرفت على المعلم ` أحمد سعيد ` المتخصص فى الوشم بالجيزة والمعلم ` حمودة متولى ` الشهير باسم ( شرشر الوحيد ) وهو الذى يحترف الوشم فى منطقة إمبابه وقد توارث هذه الحرفة عن أجداده .
- اهتمت الفنانة بهذا اللون من الفن الشعبى وراحت تتعرف على رموز فى اللوحات الشعبية التى يعرضها أصحاب هذه الحرفة على زبائنهم لاختيار ما يناسبهم ، هذه اللوحات مرسومة خلف الزجاج بخامات مختلفة منها الأوراق المعدنية المفضضة والمذهبة .
- كان الانتعاش الثقافى يدفع كل فنان إلى اختيار اتجاه يتحمس له ، فبدأت سوسن عامر فى جمع لوحات الوشم المرسومة خلف الزجاج ، وإذا تعذر عليها اقتناء واحدة كانت تسجلها بنفس خطوطها وألوانها حتى تكون مطابقة للأصل ، وتستفسر عن معنى رموزها وأصولها التاريخية ومناسبات استخدام كل شكل ، فاكتشفت أن هذه الرسوم لها جذور عميقة فى التاريخ ترجع إلى أيام الإيمان بالسحر قبل ظهور الديانات السماوية ، لهذا كان لها مكانة عميقة فى التاريخ ترجع أيام الإيمان بالسحر قبل ظهور الديانات السماوية لهذا كان لها مكانة عميقة فى نفوس العديد من الأميين والفقراء من الفلاحين وسكان الأحياء الشعبية بالمدن .
- وبعد دراسة طويلة صبورة ، تجمع لدى الفنانة عدد كبير من هذه الرسوم تشكل دراسة متكاملة وتسجيلًا علمياً لفرع هام من فروع الفنون الشعبية ، وتظهر أهمية هذا الجهد فى وقتنا الحاضر عندما نعرف أن هذا النوع من النشاط التكميلى اتجه إلى الاختفاء وانطمس معظمه ، تحت تأثير التطور السريع فى المجتمع وانتشار كراهية الوشم ، فبدأت رسومه فى الانقراض .
- إن مجموعة الرسوم التى سجلتها الفنانة جزء من التراث ، وقد قدمته عام 1982 فى كتاب كبير يحمل عنوان ` الرسوم التعبيرية فى الفن الشعبى `.
- إذا تأملنا موضوعات لوحاتها نجد أن بعضها مأخوذ من الحكايات الشعبية المتوارثة ، مثل موضوع عنتر وعبلة الذى عالجته أكثر من مرة ، أما ` البراق ` فهو نفس حصانها المجنح الذى طار بها فى طفولتها وحلق فوق المدن والحدائق خلال أحلام يقظتها .
- ومن بينها موضوعاتها نلمح ` الأسطورة ` لكنها لاتتخذ شكلًا واحدًا ، إن شجرة ` المندورة ` تسيطر عليها عندما تفكر فى الأساطير لكنها ترسمها بطريقة جديدة أو بمعنى أدق بالهيئة التى كانت تتمنى أن تراها عليها ، مشذبة ومنتظمة تعشش بين أغصانها العصافير الملونة ؛ لقد رسمت الأشجار عدة مرات فى لوحات مستقلة ، مرة على مساحة مستطيلة رأسية ومرات على مساحات مربعة وهى فى معظم لوحاتها للشجرة تهتم بإبراز خشونة الملمس وكأنها بقايا نحت بارز على جدار قديم تعرض لعوامل التعرية فضاعت الألوان القوية ولم يبق إلا الملمس والتعرجات التى تعطى ظلالا حادة.
- وهناك مجموعة من اللوحات تطلق عليها اسماً من التراث القديم ، نفذتها بطريقة الكولاج ( قص ولصق) ، وأضافت بعض خطوطها وألوانها لتوثق الروابط الشكلية بين ` الصور الملونة ` المركبة منها تلك اللوحات . معظم الصور المطبوعة التى تستخدمها صور لقديسين ووجوه رومانية موزعة فى دوائر أو مساحات بيضاوية غير منتظمة الإطار ، تربط بينها بصبغاتها وألوانها المعدنية البراقة ، إنها تعطى إحساسا بالقدم وآثار الزمن الطويل .
- ويشيع فى عدد من أعمالها جو رومانتيكى كما فى لوحة ` فتاة فى النافذة ` ، إذ تظهر الفتاة وعلى بسارها زهور وعلى يمينها حمامة وديعة ، بينما النافذة معلقة فوق مجموعة من المآذن والقباب .. أما إطار النافذة أو إطار الصورة داخل الصورة فهو مزخرف بوحدات من الورود الملونة ، والفتاة تصبغ خديها بلون أحمر قوى متأهبة للحب والزغاريد .
- نفس الروح الرومانسية المحلقة نلمسها فى لوحة تصور مبنى خياليا ، كله من الزجاج الملون الشفاف بينما الفتاة تطل من النافذة ، وحصان أبيض مختال يتجه إلى باب هذا المبنى المطلة على الجانب الآخر ، وكأنها أختها كما فى الحكايات الشعبية أو ربما تكرار تشكيلى لنفس البطلة تأكيدا لحالة انتظار الحصان الأبيض الذى يرمز إلى الفارس الشاب .
- بقيت لوحتها عن القدس التى أطلقت عليها اسم ` السلام على الأرض الطيبة ` هذه اللوحة تتوسطها قبة يحلق فوقها قديس ، بينما تحيط بالمشهد صور قديسيين وأيقونات دينية . وهكذا تثبت الفنانة أن استغراقها فى الخيال وفى الأحلام وفى الأساطير والحكايات لم يبعدها عن أحداث عصرها التى لها أعمق الأثر فى نفسها ، فعبرت عن مأساة ` مدينة السلام ` بهذه اللوحة التى صاغتها بأسلوبها الخاص .
- ( أقوال فى فنها )
- تركز الفنانة فى دراستها للتراث على علاقته بالأسطورة والفكر المتوارث ومن بين اهتماماتها شغفت بالأيقونات القديمة ، فزارت العديد من المناطق الأثرية فى مصر التى لاتزال تحتفظ بالأيقونات القديمة وتعرضها ، وخلال زياراتها لأوربا اهتمت بمشاهدة المتاحف والتعرف على الأيقونات القديمة ، وفى أسبانيا لفتت نظرها التماثيل الملونة .
- وقد أمضت عاما كاملا فى دراسات مسائية مع الدكتور ` زاهر رياض ` بالكلية الإكليريكية بالقاهرة ورسمت عددا من الأيقونات فى مرسم الفنان ` إيزاك فانوس ` المتخصص فى صياغة الأيقونات والتى قام بدراستها فى باريس على يدى فنان روسى الأصل يعلم تلاميذه أسرار رسم الأيقونات الروسية القديمة .
- وعندما أقامت الفنانة معرضها فى إيطاليا كتب عنها الناقد ` روجبير باتاليا ` يشرح أعمالها ويوضح جوانب الجمال فيها ..
- قال ` الفطرة والدراسة عندما ترتكز على احترام الطراز وحب الماضى فهى غالبا ماتحقق فناً رفيع المستوى ` هذه الكلمات كتبها الناقد الانجليزى ` ` جون راسكين ` فى أواخر القرن الماضى ، وكما كانت تنطبق على الفن فى زمانه ، فهى لاتزال صالحة لزماننا الحالى .
- وتجمع الفنانة سوسن عامر بين عناصر التراث والفلكلور والأدب والألوان وتحتل الألوان المكانة الأولى فى أعمالها ، ألوان متناثرة كأنها شذرات من الذهب أو ومضات البرق منعكسة على سطح اللوحة ، تحتل مستويات متعددة يتداخل بعضها مع بعض ويعتلى بعضها بعضاً وتتلألأ فى تكوينات غامضة ، لها خصوصيتها وتفردها يفوح منها عبق التاريخ .
- تسميها الفنانة أيقونات ، وهى ربما تذكرنا بالرسوم القبطية لكنها فى واقع الأمر تتجه اتجاهاً تجريدياَ يصل إلى حد الشكل المطلق .. أعمالها منفذة بطريقة الرسم تحت الزجاج ، وهى لاتلتزم بمنهج تقليدى ثابت وإنما تستخدم أساليب مختلطة ومتآلفة ، فهى تطعم رسمها أحيانا بقطع من القماش أو الشباك والأوراق المعدنية بالإضافة إلى الألوان والأحبار، إنها خليط أصيل وخلاب تتغنى فيه الفنانة بما يشبه الأساطير وأبطال الملاحم .
- وأعمال الفنانة كلها صغيرة الحجم تتكون معظمها من وحدات مشتقة من فن ` القباطى ` الذى اشتهرت به مصر خلال القرون الوسطى ، وربما من الأقمشة البيزنطية والديباج الفاخر الذى يذكرنا برسوم الوجوه المكتشفة فى الفيوم من عصر الحكم الرومانى لمصر ، كل هذا مختلط بمآذن القاهرة الحديثة وقباب مساجدها .
- إن نبضها صادق ومتفتح ، فأكثر الخلجات الشخصية عمقا تكتسب عندها أبعاداً عالية وتتسع آفاق لوحاتها المعبرة عن ` التراث ` و` الشجرة ` و` آدم وحواء ` حيث يبدو كل عنصر وكأنه يتراءى منعكسا فى مرآة ، أو فى مياه تحت وهج الشمس .
- إن فنها مشحون بنوع من التدين الغامض الجذاب . إنه إحساس عميق يقدس الطبيعة ويحس بحقيقة الموجودات والعالم والإنسان والزمن ، إنها عاطفة تفيض بها نفسها وتتحول على يديها إلى لوحات وألوان وخطوط وخلفيات ومشاهد وشواهد ، إنها أعمال رائعة تدعو المشاهد إلى التذوق والتأمل .
- وقد كتب عنها فنان آخر يصف انطباعاته كلما تطلع إلى أعمالها يقول :
` عندما تتطلع إلى أعمالها يستقبلك الموال البلدى بنغمه الشجى وترن فى أذنك الزغرودة التى تدغدغ المشاعر ، وتحتفى بك الأسطورة الشعبية بعبقها الفواح .وتحتضنك الألوان الزاهية التى تشع من صندوق جهاز العروسة أو المنديل أبو أوية ، أو عروس المولد .
- ووسط بريق الورق المذهب والمفضض ، نستمع إلى قصص ` أبوزيد الهلالى ` وست الحسن والجمال والبراق ، التى يزفها هذا البريق وهى فى طريقها إلى قلبك المتعطش إلى كل ماهو صادر من أعماق بيئتك ومن الذين يسكنون دروب القاهرة القديمة .
- وفى مواجهة مايحاصر مجتمعنا من مظاهر المدنية الغربية ، التى تكاد تخنق البقية الباقية مما توارثناه عن الأجداد ، تقف الفنانة سوسن عامر بإصرار شديد على حافة التراث تغترف من تقاليده وعراقته وتصوغها لوحات لها ذلك المذاق الشعبى الذى يتسم بسذاجته وبراءته وفطرته ، مستخدمة مختلف الخامات من ورق مذهب وخيوط وأصباغ وقطع المرايا والترتر ، مستعيرة أشكال الوحدات الشعبية التى يتسم بها الوشم. إن هذا الإبداع المتخصص يثرى المحصلة الفنية المعاصرة لأنه أكثر المحاولات التصاقا بجذور الفن الشعبى الأصيل .
بقلم : صبحى الشارونى
مجلة : إبداع ( العدد 12 ) ديسمبر 1986
الفنانة سوسن عامر بين شمولية الرؤية وتلقائية التعبير
- ما بين الميلاد عام 1933وحتى الوفاة عام 2017 مشوار فنى طويل للفنانة الراحلة سوسن عامر دأبت فيه على تقديم أعمال فنية مميزة تحمل بين ثنايها مورث مميز يتسم بالخصوصية والأصالة النابعة من رحم البيئة الشعبية المصرية
- حيث جاءت تجربة `سوسن عامر` حالة إبداعية متفردة اتجهت بها إلى البحث عن روح الحكاية الشعبية الأسطورية، عندما صاغت موتيفاتها من عناصر الطبيعة التى لها دلالات واضحة في التراث الشعبي أثرت لوحاتها، باعتبارها قاصة لحكايات البشر وأحلامهم، اتسقت معالجة موضوعاتها مع طبيعة الفن الشعبي فقد جاءت أشكالها وخطوطها تعكس بساطة متناهية وتلقائية في الأداء تصل في بعض الأحيان إلى الفطرة الفنية وبساطة السرد والإنشاء، سواء فى تناولها للعناصر أو طريقة الأداء التى تشبه الأيقونات، فنطالع خليطاً ساحراً من الأصالة والأساطير، تنطلق من إحساس عميق بأن الجمال سر الوجود ساعية للبحث عن المعاني المتأصلة والمؤثرة فى نفوس البشر حيث تقدم لنا الفنانة من خلال أعمالها صياغات ورموز متعددة تحمل في مضمونها تأثر بتاريخ وتقاليد الماضي في مجال الفن الشعبي فالرمز له صبغة تشكيلية تتمثل في وجود العمل الفني وبجانب أن له طبيعة تصويرية ووجدانية وذهنية تتمثلان في مجمل الانفعالات الحسية تجاه الفكرة الموضوعية التى تعيشها الفنانة والمراد التعبير عنها في لوحاتها حتى تبدو كالأيقونات يشع منها عبق القدم والتاريخ ورسوم الأطفال وتلقائيها وثراء الألوان وكذلك حبكة التكوين وكلها من أهم السمات الأساسية لأسلوب الفنانة حيث حرصت في معظم لوحاتها أن تظهر فيها صياغة الشجرة كذلك حرصت على استخدام الألوان القوية والملمس والتعرجات التي تعطى ظلالا حادة لتعكس البعد التاريخي والحضاري وأصالته وأيضا إبراز الفكر المعاصر للفنانة من خلال أسلوبها في صياغة عناصرها الفنية ،`والفنانة ترتكز في دراستها للتراث على علاقته بالأسطورة والفكر المتوارث كما تجمع بين عناصر ورموز التراث والفولكلور والألوان، حيث تحتل الألوان المكانة الأولى في أعمالها مجتمعة مع بقية العناصر بشكل شمولى جمعى يوكد على ثراء واكتمال أعمالها الفنية.
** موضوعات لوحاتها:
- إذا تأملنا موضوعات لوحات الفنانة نجد أن بعضها مأخوذاً من الحكايات الشعبية المتوارثة مثل موضوع عنتر وعبلة والذي عالجته أكثر من مرة أما البراق فهو نفس حصانها المجنح الذي طار بها فى طفولتها وحلق فوق المدن والحدائق خلال أحلام يقظتها وخيالها الخصب الذى ساعدها على اكتشاف عالمها الفنى وبنائه بحرفية وثراء ،ومن بين موضوعاتها نلمح الأسطورة لكنها لا تتخذ شكلا واحدا بل تسعى دائما إلى الابتكار والتجديد فى بناء صياغاتها الفنية التى تتسم بالتنوع والاختلاف ساعية للثراء والتنوع فى شكل ومضمون أعمالها حيث تتسم الفنانة بإصرار شديد على إحياء التراث حيث تغوص في تقاليده وعراقته وتبنى صياغاتها وتكسبها المذاق الشعبي مؤكدا من خلال لوحاتها على تلقائية التعبير وبساطة الموضوع حيث صاغت الفنانة العنصر الآدمي المتمثل في صياغة عنصر المرأة بشكل شديد الغنائية مسكونة بالبساطة والتلقائية كما صورت عروسة المولد بشكل يتسم بتوهج الألوان والنور المنبعث من بناء الصياغة الذي شكلها به الفنان الشعبي حيث تأثرت به الفنانة ولجأت إلى صياغة العنصر الآدمي بشكل ثرى يوحى بفصاحة التعبير، وقد حرصت على أن تجمع بين الأصالة والمعاصرة في بناء صياغتها فجعلت من صياغتها مساحات شديدة العصرية مسكونة بروح الشرق حيث تظهر صياغة المرأة في أعمال الفنانة بأكثر من شكل مرة كعروس البحر ومرة أخرى كعروس المولد وكلها من الموروثات الشعبية وعروسة المولد ابتكرها في الأساس الفنان الشعبي وصاغتها الفنانة في أعمالها بشكل جديد نجد أنها حرصت على إيجاد علاقة درامية أحاطت عنصر العروسة بالطيور بالبيضاء والنخيل المزدهر وهالة الزخارف التراثية المحببة إلى النفس والتي تمثل تاريخا طويلا يحتضن رأس وجذع العروسة وظهرت صياغاتها بأشكال وخطوط تعكس بساطة متناهية وتلقائية في الأداء تصل في بعض الأحيان إلى الفطرة الفنية.
- كما صاغت بعض العناصر الحيوانية ممثلة فى الحمامة الوديعة والحصان الأبيض المختال الذي يرمز إلى الحبيب أو الفارس المترقب وهما صياغتان تتسمان بالتبسيط والتلخيص المعبر عن العنصر وكذلك شكل السمكة العنصر الشعبي الذي يرمز للتكاثر والخير الوفير والنماء وهى صياغة أسطورية تحمل معاني ومفاهيم سحرية.
- كما اعتمدت هذه الصياغات على عنصر الخط في بنائها في بعض الأحيان والمساحة في الأحيان الأخرى كما تم تكرارها في أكثر من عمل لتؤكد على معاني مختلفة مثل النماء والوفرة لعنصر السمكة والإخاء والتلازم لعنصر الحمامة والفروسية والشباب لعنصر الحصان وهى دلالات شعبية مستوحاة من الأساطير الشعبية ، كذلك صاغت العنصر النباتى ممثلا فى النخيل والورد تكررت هذه الصياغات في معظم أعمال الفنانة سوسن عامر بشكل مباشر وأكدت عليه وهى عناصر شعبية صيغت بشكل يحمل كثيرا من البساطة والتلقائية وجاء اللون ليؤكد على بنائية الصياغات بشكل مباشر.
- كما صاغت العنصر الهندسى ممثلا فى القباب فقد صاغتها الفنانة بشكل مبسط لا يحاكى الواقع ولكن يعبر عنه فى إيجاز شديد فهي تأخذ هيئة نصف دائرة المميزة للقباب دائما يعلوها الهلال بشكل متكرر فى جزيئات مختلفة حيث صاغته بشكل مسطح من الأمام (الواجهة) ومثلت بعض الصياغات الأخرى فى علاقة تكاملية مع صياغات القباب بشكل متكامل، وأكدت الفنانة في صياغتها للعناصر والموتيفات على علاقتها بالأسطورة والفكر المتوارث والذي تصوغ به أعمالها الفنية بحس شعبي أصيل يتسم بالسذاجة والبراءة والفطرة بشكل يثرى المحصلة الفنية الشعبية المعاصرة.
** أسلوبها فى اللوحات:
- برعت الفنانة في صياغة عناصرها في تكوينات تتسم بالاتزان والتكامل وطبقت أسلوب تحديد العناصر والمفردات التشكيلية بالخط الأسود، كما صاغتها بشئ من التخليص والتبسيط واهتمت بتفاصيل العناصر التي تقوم برسمها وإبراز قيمتها التشكيلة والتى لخصت مفرداتها وتناولتها ببساطة وتلقائية مع المحافظة على تفاصيلها الزخرفية ، واستخدمت مفرداتها كاملة مع شئ من التلخيص والتبسيط ونظمت مفرداتها فى علاقات تميزت بالفطرية والتلقائية داخل الأعمال الفنية.
- كما استخدمت مفرداتها ورموزها بصورة متكاملة في علاقة بسيطة ومتنوعة، وبالرغم من التبسيط والتلقائية في صياغة مفرداتها إلا أن مفرداتها تحمل شحنات تعبيرية قوية تظهر بوضوح داخل اللوحات.
د. أمجد عبد السلام عيد
جريدة القاهرة 2 مارس 2021
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث