`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
أحمد محمد على عبد الكريم

- أحمد عبد الكريم يعرض لوحاته الجديدة فى باريس : يولد التشكيل من خلايا المادة وإيحاءاتها .
- استقبل المركز الثقافى المصرى فى باريس - ابتداء من الثانى من شباط ( فبراير ) الجارى - الأعمال الأخيرة للفنان أحمد عبد الكريم، ويشتمل المعرض على أكثر من ستين لوحة استخدم الفنان فيها معرفته التقنية العالية، فهو يصور بألوان التمبيرا والأكريليك المائية المضيئة على خامات ملصقة على أبلاكاش، وألياف النخيل أو شرائح من ورق الموز العريضة الملصقة بطريقة ورق البردى، وكثيراً ما يصور على أوراق البردى المرسومة سلفاً ما يسمح له باستخدام تأثير الطباعة فى تغطية أجزاء منها ، وقد ابتدع ايحاء مركباً فى بصرياته التوليفية معتمداً فيها الطباعة على الحفر المبدئية وذلك لتحضير ملمس الأرضية الايقاعى تنتظم فى الكليشة (وهى عبارة عن مادة اللينوليوم) أختام ساخنة ، يتأكل سطح الكليشة بطريقة منتظمة متعامدة مشكلة شبكة تكوينية أولى تحافظ على ايقاع مفرداته التشكيلية الخلوية والذرية ، التى ستترك بصماتها حتى نهاية العمل ، وهو يرسم هذه الحياكة بالألوان فإذا ما تماهت مع طبقات اللون التالية يستعيد طباعتها من جديد وهكذا .
- ويستخدم الفنان المصرى من جهة أخرى خامات الألياف النباتية الخشنة والبكر، مستمداً من طاقاتها السحرية الفرعونية التأثير الأسطورى والايكولوجى فى أن فالمواد هشة متآكلة مجففة أو محنطة متهالكة الأهداب رثة الخيوط تتموضع فى الفراغ التشكيلى وكأنها مخطوطة غامضة منتزعة من عالم الأبدية الذى يسيطر على هواجس المدافن المصرية، ورسومها الشمعية . فى شتى هذه الحالات يبدو احمد عبد الكريم ملوناً مرهفاً يرتشف رحيق المقامات اللونية النخبوية المنتزعة من فريسكات مصر القديمة، والألوان الشعبية البريئة التى تزغرد بفراديس فرحة، وجنائن مصبوغة بألوان الأعراس والفرح الدائم. بألوان الحنة والقرميد والشمع متناغمة مع زرقة نهر النيل والسماء، وخضرة النخيل المطوقة لضفافه، ناهيك عن المراكب ذات الأشرعة البيضاء. والقباب الريفية البيضاء أيضاً مناظر زخرفية متراكبة السطوح تذكر ببعض مناهج سجاد ويصا واصف الريفى، يقترح خياله عالماً مغتبطاً يستمد عناصره من سكينة الريف، وبالتالى فهو يعمل بالعين والذاكرة فى آن من خلال توازن دقيق بين مفهوم الفن الشعبى البكر والفن النخبوى المثقف لذا تبدو ألوانه وعناصره فى حال غفاء وتطريب دائم، تصدح بسعادة ضوئية وتهشيرات قزحية حلمية تتعشق خاماته وملامس سطوحه التأملية العميقة.
- لا شك أن تربية خياله الطفولى فى ربوع الصعيد والمنيا أثرت فى الحفاظ على هذه المشاهد ، وهذا ما يفسر استعاراته من الميثولوجيا الفرعونية التى درج على تأملها فى معابد أبى سنبل ووادى الملوك والمدافن المنتشرة فى كل مكان من هذه السطوح استعاد المفردات الهيروغليفية التصويرية من مثال حصانه المؤسلب وشكل المومياء المنمطة والمحنطة، وعنصر النخيل ونصف مفتاح الأبدية وطائر حورس الخ...
- يعتبر فن أحمد عبد الكريم فناً مركباً يعكس اتصاله بالريف الذى عاش فى كنفه، واستمد من نسخ مواده والأسطورة الفرعونية كما انعكست دراساته للرقش فى الفن الاسلامى من خلال بنائه الذرى الكتابى المتعامد مع شبكة الأرضية المحفورة بالأختام والوحدات والمفردات التشكيلية المهندسة.
- والفنان من مواليد العام 1954- يتحدث هو نفسه عن هاجسه الايكولوجى من خلال محاولته تنويع المعالجات اللمسية المتناغمة فى اللون لكل من المفردات التشكيلية وأرضياتها، وتبدو المعالجة التقنية أقرب إلى روح الصناعة والحرفية المحلية التى تعتمد على قوة اللمس خصوصاً أنه يستخدم الألياف النباتية المحلية والمواد النبيلة المستقاة من جسد طبيعة الريف المصرى .
- لعله من القلائل من الفنانين الباحثين الذين غدت دراساتهم النظرية محتوى عالمهم الابداعى، وأغنت الفراغ التشكيلى من دون أن تربكه بالتصور الذهنى والنظرى المسبق. ذلك أن التشكيل لديه يخرج من خلايا المادة وايحاءاتها الحلمية ولا يحقن بالمفردات الثقافية ، فتجربته تقيم توازناً صعباً بين ما يسمى عادة بالمزاج التأملى الأبولونى والحرية الخلاقة الديونيسية.
بقلم : أسعد عرابى
باريس
` بحبك .. بحبك .. بحبك .. يا مصر `
- هذا هو عنوان المعرض الذى يقام حالياً للفنان أحمد عبد الكريم وكيل كلية التربية الفنية جامعة حلوان وهو عبارة عن 25 لوحة ، تعكس فكر الفنان فى استحضار روح التراث المصرى القديم مستدعيا رموز هذا الفن مثل الملكة حتشبسوت ، رمسيس الثانى ، سيتى الأول ، الجميلة نفرتيتى ، إخناتون ، ورع حتب ، كل هؤلاء الملوك يترجم الفنان عقيدتهم ما بعد الوفاة وعقيدة الخلود وهى معالجة جديدة بألوان معاصرة وطرح جمالى بحيث تفترش الألوان مساحة كل لوحة لأكثر من مترين وكانت أول محطة يرسو فيها المعرض فى مدينة النور ` باريس ` حيث تفترش اللوحات المركز الثقافى المصرى ابتداء من اليوم ولعشرة أيام .. أما المحطة الثانية فسوف تكون العاصمة النمساوية ` فيينا ` فى مركزنا الثقافى هناك ، ولمدة أسبوع .
- لم يفت الفنان طرح مفردات مصرية لها معان رمزية جمالية مثل نجمة السماء، مفتاح الحياة ، الهدهد ، ومراكب الشمس .
بقلم : وجدى رياض
الأهرام : 6/ 12/ 2011
فى ` سيموطيقيا الفنون البصرية ` أحمد عبد الكريم يعيد صياغة الواقع بخامات مستهلكة
تتميز أعمال التشكيلى الدكتور أحمد عبد الكريم بأنها متصالحة مع البيئة من حيث التشابك الموضوعى بين عناصر العمل والمدلول الذى يقدمه من خلال تلك العناصر ولا يختلف هذا الأمر كثيراً بين اللوحات التى يعتمد فيها أسلوب التصوير التشكيلى والأعمال ثلاثية الابعاد التى تنتمى إلى الاتجاه المفاهيمى أو تكوينات الاعمال الفنية المركبة ففى كل الحالات تذهب أعمال الفنان أحمد عبد الكريم نحو البيئة لتستمد منها موضوعاتها التى هى بالضرورة اجترار لقضايا اجتماعية موجودة فى الواقع من حولنا وفى معرضه الذى افتتحه السفير المصرى محمد عبد الحميد قاسم والقنصل المصرى العام محمود عوف والمستشار الثقافى د.عاصم بركات فى قاعة مركز الخزامى بالرياض قبل أيام يواصل الفنان أحمد عبد الكريم تجربته فى توطيد العلاقة الدلالية بين الاشارات اللغوية الشفاهية والعلامات بوصفها مفردات بصرية وكانت هذه التجربة بدأت عملياً مع افتتاح معرضه العام الماضى تحت عنوان (سيموطيقا الألوان) فى محاولة لتبسيط المصطلح وتحويله إلى مفهوم بصرى لا لغوى وبشمولية أكثر جاء هذا المعرض حاملا عنوان (سيموطيقيا الفنون البصرية) وليس فقط (الالوان) كما هو الحال فى المعرض الفائت ومن اللافت للنظر فى هذا المعرض أنه جمع بين عدة اتجاهات فنية فقد ضم إلى جانب أعمال التصوير التشكيلى أعمالاً مفاهيمية ومجسمات وحتى فى أعمال التصوير أضاف الفنان عناصر وخامات تنتمى اساساً لتقنيات الأعمال المركبة كأن يضيف قطعة حديدية أو معدنية أو خشبية إلى لوحة مؤطرة فى برواز ومعلقة على الحائط، وهذا كله يؤكد لنا علاقة الفنان بالبيئة وعناصرها الطبيعية ، حيث تتجاور المفردات البحرية متمثلة فى المياه والمراكب والاشرعة مع مفردات زراعية تستدعى الحقول والنخيل والطيور والحيوانات وإلى جانب ذلك تتمدد على الأرض اعمال مفاهيمية تتكون من أشياء مهملة مثل مخلفات حوادث السيارات التى شكل الفنان منها موضوعاً حول (التفحيط) وما ينتج عنه من حوادث فى اطار مفهوم النقد الاجتماعى الذى يعرى بعض السلوكيات السلبية وقد دون الفنان عبارات مكتوبة بخط تلقائى تمثل نوعاً من الرفض لمثل هذه السلوكيات أو الظواهر ومع أن هذه الموضوعات كلها تصب فى دائرة الواقع الحياتى المعيش لم تغب عن الدكتور أحمد عبد الكريم مفرداته الخاصة التى تشير إليه كفنان مصرى فالروح المصرية القديمة والحس الشعبى العفوى والنزوع إلى مقومات الفنون الاسلامية كلها مطروحة بمفاهيم مختلفة وتقنيات فنية تفرضها طبيعة العمل.
بقلم : السيد الجزايرلى
اليوم 7-6-2006
أحمد عبد الكريم يقاوم الغربة بالرسم
فى معرضه الأخير بالقاهرة
نظراً للضغوط الاجتماعية والسياسية التى تعيشها الطبقات الدنيا فى مصر، يهرب هرم سنفرو بدهشور، من مكانه، ويتعقبه الفنان المصرى أحمد عبد الكريم فى محاولة لاسترضائه، حتى يعود إلى مكانه، ويدور حوار بينهما، تشارك فيه الكائنات، عبر 75 لوحة، شهدتها أخيراً قاعة بيكاسو بضاحية الزمالك.
مرة أخرى يخرج علينا الفنان د. أحمد عبد الكريم بمعرضه الجديد الذى يعد ترجمة صادقة لعشقه الدائم للطبيعة والتى تتراقص فى لوحاته من خلال خطوط ساحرة وريشة عفوية تحكى لنا تطور العلاقة بين الفنان والطبيعة . لم يكن هذا المعرض هو الأول من نوعه لهذا الفنان الموهوب بل سبقته عشرات المعارض والتى حققت فى جملتها نجاحات كبيرة لأحمد عبد الكريم الذى ولد عام 1954 ، وكانت الفنون الإسلامية وبنيتها التشكيلية قد استهوته منذ الصغر فحصل من خلالها على رسالتين الماجستير والدكتوراة عقب تخرجه فى كلية التربية الفنية بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف ليكون الأول على دفعة عام 1981 لم يضيع أحمد عبد الكريم وقتا ، فبجانب دراسته للحصول على الماجستير والدكتوراه والأستاذية فى مجال أسس التصميم الزخرفى كانت معارضه تلفت الأنظار عاما بعد عام وأول هذه المعارض عام 1983 فى أتيلية القاهرة كان بعنوان ` معماريات وجدانية ` ، تلا ذلك معارض أخرى منها ما هو فى القاهرة والإسكندرية وسوهاج ومنها ما هو فى باريس، والسعودية والنمسا .
يمكن تقسيم أعمال الفنان أحمد عبد الكريم إلى مراحل ، فالمرحلة الأولى تتمثل فى التحام فنى مع العمارة المصرية القديمة بخاصة القاهرة الفاطمية حيث تجسد اللوحات الفنية فى هذه الحقبة شكل القاهرة القديمة وحققت هذه المرحلة لأحمد عبد الكريم الخصوصية التى جعلته مختلفا عن باقى التشكيليين لذلك لم يتنازل عن عشقه للعمارة القاهرية القديمة ، ولكنه أضاف إليها الحواديت الشعبية المرسومة على جداريات هذه العمارة إضافة إلى بعض الموتيفات الشعبية المتمثلة فى الأشخاص والحيوانات والأسماك مستخدما فى ذلك المتغيرات الفنية التى تجمع بين المسطح والمجسم مع استخدام خامات أخرى كالقماش .
وقد ساعدته هذه الخامات أيضا بعد تقديم الإضافات إليها فى الانتقال إلى المرحلة التالية وهى الاهتمام ليس فقط بالعمارة والجداريات ولكن بالنخيل والنيل فى تزاوج بديع جمع بين تلاحم المعمار والنخيل والنيل ، وكان التجريب هو المنهج المسيطر على عقلية عبد الكريم طوال الوقت لذا اعتمد على المغامرة واقتحام المجهول والبحث عن آفاق جديدة ووسائط غير متداولة ، فرغم استخدامه بعض الأدوات التقليدية لتشخيص الملامح الإنسانية وكذلك إضافة الطيور والأشجار بشكل مباشر إلا أن ذلك أعطى لوحاته عمقا إنسانيا.
تأتى مرحلة أخرى فى مشوار عبد الكريم الفنى حيث يمكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة مراكب الورق والتى جاء اسمها كرمز يعبر بقوة عن حالة الفنان النفسية التى تغيرت بسبب الاغتراب فى إحدى الدول العربية فالاغتراب لم يكن جسمانيا فقط ولكنه كان نفسيا وجغرافيا وتاريخيا إذ جاء اتخاذ الفنان للمراكب الورقية نوعا من أنواع الاحتماء بالرسوم من حالة الغربة التى يشعر بها ، فنجد أن كل أعماله فى هذه الفترة جاءت لتعبر عن إرث حضارى موغل فى جسد التاريخ بشغب لونى بديع قد يصل أحيانا إلى درجة الحلم الغريب فى هذه الفترة التى جسدتها لوحات مراكب من ورق نجد اللون الأسود الحالى مسيطرا على معظمها.
بقلم : رشا عامر
الأهرام العربى 18-3-2007
تفاعلات الهوية فى قصص عبد الكريم المرئية
هل يمكن أن نرى القصة بدلاً من أن نقرأها؟! وهل يمكن للفنان التشكيلى أن `يرسم` قصة فى لوحته تروى العلاقة بين الإنسان والمكان والحيوان؟ هذا ما حاول أن يقدمه الفنان التشكيلى د.أحمد عبد الكريم فى معرضه الأخير الذى وضع له عنواناً جديداً على الحركة التشكيلية ففى قاعة بيكاسو قدم 45 عملاً بعنوان قصص قصيرة استلهمها الفنان من الريف العربى المصرى وخاصة منطقة دهشور التى تجمع بين الريف - الخضرة والحقول الممتدة من شاطئ النيل حتى بدايات الصحراء الغربية - والحضارة المصرية القديمة حيث أهرامات دهشور وأمنمحات الثالث وسنفرو.
يعتبر الفنان كل عمل فنى - لوحة- قصيرة مكوناتها اللون والحركة والخطوط والتكوينات .. وتعبر الأعمال الفنية أو القصص القصيرة عن الحياة اليومية بمنطقة دهشور - ناسها وأشجارها ونخيلها ومراكبها وطيورها وحيواناتها فى محاولة للدمج بين القديم والجديد.
والفنان د. أحمد عبد الكريم بدأ مشواره مع الحياة التشكيلية قبل تخرجه فى كلية التربية الفنية من خلال مشاركاته فى المعارض الجماعية ومنها المعرض العام والمعارض الجماعية التى تنظمها كلية التربية الفنية وجمعية محبى الفنون الجميلة .. ليقدم معرضه `معماريات وجدانية` الذى استقبلته قاعات ` أتيلية القاهرة ` سنة 1983.
وقد مرت حياة د.أحمد عبد الكريم الفنية بعدة مراحل أولها: مرحلة معمارية القاهرة القديمة وتعبر عن التحام الفنان بمعماريات القاهرة القديمة من أعلى قلعة `صلاح الدين الأيوبى` حيث أدخل متغيرات اللون والملمس والخط للتعبير عن مدى ما تعبر عنه أحجار وطرقات وشوارع القاهرة .. كما اتخذ الفنان الحكاوى الشعبية التى كانت مسطورة ومرسومة على جداريات معماريات القاهرة - بعد معالجتها وصياغتها من جديد - ليجمع بين المعماريات وحكاويها بالإضافة للرموز الشعبية الأخرى من رجال ونساء وخيول وأسماك، كما أدخل الفنان متغيرات تقنية تجمع اللوحات بين المسطح والمجسم.
وينتقل الفنان إلى مرحلة جديدة حيث ريف مصر فى منطقة دهشور تحديداً حيث الحضارة المصرية القديمة ملتحمه مع الريف المصرى - المكان والزمان والإنسان - ليقدم أعمالاً يتزاوج فيها الرموز المعمارية والنيلية والنخيلية.
ولعل سفر الفنان وأغترابه على المستوى الإنسانى - نفسياً - والزمانى - تاريخياً - والجغرافى - مكانياً - جعله يدخل مرحلة جديدة متخذاً من المراكب الورقية رموزاً تعبر عن حالته واغترابه ومحاولته الاحتماء بالرسوم التى كان يستشعرها هناك، واستمرت هذه الأعمال أربع سنوات هى فترة سفره وابتعاده عن مصر.
وبعودته إلى مصر عام 1997 بدأ الفنان يعود إلى الفن المصرى القديم وخاصة مرحلة ` أخناتون` والدولة الحديثة والصحراء والنيل.
وقد أقام الفنان عبر مشواره التشكيلى 21 معرضاً فنياً بدأها بمعرضه فى أتيلية القاهرة وكان آخرها معرض` ذاكرة الأشياء ` بقاعة المركز الثقافى المصرى فى باريس .. جدير بالذكر أن أحمد عبد الكريم يشارك فى المعارض الجماعية منذ أن كان طالباً بكلية التربية الفنية منذ عام 1983 وعرض أعماله إلى جوار آخرين بمعارض مسابقة الفنون التشكيلية للمجلس الأعلى للشباب والرياضة ومعارض مهرجان جامعة حلوان للفنون التشكيلية ومعارض الطلائع بجمعية محبى الفنون التشكيلية والمعرض القومى العام وصالون الشباب كما عرض أعماله ببينالى القاهرة الدولى السادس وغيرها من المعارض الجماعية.
حصل الفنان على مجموعة كبيرة من الجوائز منها الجائزة الأولى لمعرض الشباب للفنون التشكيلية فى مجال التصميم والإعلان -1981- والجائزة التقديرية من لجنة التحكيم فى فن الرسم - صالون الشباب الأول - وجائزة التصوير فى معرض شباب المصورين المعاصرين بكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا وغيرها من الجوائز.
يذكر أن الفنان أحمد عبد الكريم حصل على درجة البكالوريوس فى التربية الفنية بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف وكان الأول على دفعته .. ونال درجة الماجستير عن رسالته ` النظم الايقاعية ` فى الفن الإسلامى الهندسى. ثم نال درجة الدكتوراة وكانت عن تحليل محتوى نظم الزخارف الهندسية الإسلامية .. وهو يشغل الآن درجة أستاذ مساعد فى كلية التربية الفنية.
وللفنان أعمال مقتناه بمتحف الفن الحديث - 25 عملاً تصويرياً - بالاضافة لأعمال تجميل مجموعة من الهيئات والمؤسسات منها البنك المصرى الأمريكى وبعض المقتنيات لدى الأفراد والقاعات التشكيلية الخاصة.
وللفنان مجموعة ورش عمل أشرف عليها أبرزها ورشة عمل عن الأعمال الفنية المجهزة فى الفراغ بصالون الشباب 1999 وورشة عمل مع أطفال مرسى مطروح - واحة سيوة - عن مساندة الأطفال الفلسطينيين بعنوان ` الانتفاضة ` وبمشاركة الفنانين محمد عبلة وعبد الوهاب عبد المحسن وصلاح المليجى .. وورشة عمل أخرى مع أطفال مدينة رفح عن حرب أكتوبر بمشاركة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن.
بقلم : خالد يوسف
الموقف العربى 27-3-2007
هدهد الفنان أحمد عبد الكريم يطلق حكمتة من القاهرة
` الهدهد والمعدية` عنوان المعرض الشخصى الخامس والثلاثين للفنان المصرى أحمد عبد الكريم الذى أقامه الفنان بقاعة اكسترا بالزمالك فى القاهرة 2010 وضم خمسة وعشرين عملاً من تجربة جديدة للفنان مكونة من ستين عملاً أنجزها أحمد عبد الكريم فى السنوات الثلاث الأخيرة تحتوى على رموز وعلامات سيميوطيقية الفنون البصرية.
وحول معرضه قال الفنان أحمد عبد الكريم وهو أستاذ أسس التصميم بكلية التربية الفنية جامعة حلوان: إن الرموز والعلامات دلالات بصرية تعبر عن أشياء وأمور عديدة مثل البيئة التى يعيش فيها الفنان - ثقافة الفنان - رؤيته الفنية لكل ما يحيط به وما يدور فى مخيلته من أفكاره وطروحاته وأحلامه - أمنياته الخاصة به أو المجتمع الذى يعيش فيه وثمة أمور أكثر من ذلك.
وفى معرضه اتخذ أحمد عبد الكريم من البيئة التى يعيش فيها بقرية `دهشور` التى تحتوى مفردات رمزية تراثية من الحضارة الفرعونية مثل هرم سنفرو والهرم الأحمر الدهشورى والهرم الأسود الطينى لأمنمحات الثالث والد إخناتون وما يحيط بهم من تلال رملية تتماوج وتتلون طوال سطوع أشعة الشمس عليها منذ شروقها حتى غروبها وتستطيع أن تستشف المعانى وروحانية الأشياء وعبق التاريخ التراثي الذى فى حالة انتظار طوال الزمان والمكان ويطل بأمور لا تصل إلا لمتذوق من طراز رفيع يكون له إطار معرفى ذو عمق ثقافى وروحانى لاستقبال أشعة التجليات للشمس والقمر فى الليل والنهار فى تعاقب سرمدى له طعم الصفاء والراحة والخلود.
بجوار هذه التلال تقع القرية الدهشورية بمفرداتها من طيور تهاجر إليها طوال فصل الشتاء لتستقر على الجزر المنتشرة فى بحيرة `الملك` والتى تقع بين الأهرامات والقرية بمساحة تقترب من خمسمائة فدان ولكن يقف `الهدهد` ملك الطيور فى أنفة واستقلال وحرية وأناقة بين تلك الطيور فى تأمل وهدوء وصفاء وينظر بعينيه الضيقتين للطيور القادمة من ثلوج الشمال إلى أرض دهشور مرحباً بها فى أدب جم ودون تكليف معبراً عن ترحابه بتلك الضيوف العابرة من الشمال إلى الجنوب، والهدهد له صدى فى تاريخ الشعوب والأديان فهو رمز الحكمة فى الحضارة المصرية القديمة ورمز استشراف المستقبل فى القصص الدينى وله عمق فى الثقافة الشعبية المصرية، ولذلك اتخذه الفنان الدكتور أحمد عبد الكريم وكيل كلية التربية الفنية رمزاً درامياً مستقبلياً فى لوحاته، ودائماً ما يقف على قمم الأشياء فى لوحاته فهو فى مقدمة المعدية على رأس الأشخاص النساء والرجال والأطفال يدلهم على الخير والحب والنماء مهللاً بالقدوم لا ينظر إلى الخلف ولا إلى اليمين أو اليسار بل إلى الأمام دائماً .
والمعدية كما يشير الفنان أحمد عبد الكريم رمزأ أخر متلاحم مع الهدهد فالمعدية مركب دائم العبور من الغرب إلى الشرق والعكس على طوال ضفاف النيل بمصر المجيدة والمعدية رمز للعبور من زمان ومكان إلى زمان ومكان أخرين، ثم إنها المعدية الساكنة فى عقول وروحانيات الإنسان. فكثيراً ما نعبر عبر أذهاننا وعقولنا وتأملاتنا ونحن جالسون أو نائمون من هنا إلى هناك دون الحركة أو العبور الفعلى - فأنا هنا فى دهشور كثيراً ما أعبر منها إلى عالم آخر حيث كنت فى الماضى أو ما أتمنى أن أكون هناك فى المستقبل - العبور حالة من حالات الاندهاش والفرحة والحزن والبقاء والانتقال والرغبة فى التغير والحب واللهو، العبور مادى ومعنوى العبور حالة جمالية فى هذا المعرض يتصادق فيها كل من الهدهد والمعدية إلى رحاب العالم المفتوح والأفق السعيد والأمل فى حالة من حالات الاستقرار المنشود.
?

وهذا المعرض جاء بعد ثلاث سنوات من الإنتاج المستمر وحالة من حالات الهدوء والفرحة بعد فترة من السكون ومتغيرات الحياة التى قد تأتى بما لاتشتهى السفن ولكن قدر الله - وما شاء فعل - والأمر جاء بالهدهد والمعدية، الهدهد المتأمل إلى الأمام وإلى مستقبل الأيام إلى الأفق الرحب إلى العالم الصادق إلى كل لحظة تأتى بالفرحة والأمل.
والمعدية جاءت للعبور عبر الأفق فى رحاب الهدهد للوصول إلى الجديد والكريم والأمل المشرق.
والمتأمل للأعمال فى هذا المعرض يجد اللون له البطولة فى عناصر اللوحة فاللون الذهبى والدرجات الدافئة جاءت لتكمل رؤية الفنان لمفرداته، فاحتضان الهدهد الذهبى للهدهدة الذهبية وامتلاكه زمامها حالة من حالات الاستقرار على سطح اللوحة، وحضور المعدية بجوارهما فى حالة انتظار تعنى الكثير من المعانى ذات الدلالات المعنوية والبصرية والمستقبلية، فالكريم قادم إليهم داخل المعدية فى حالة كمون ، والهداهد فى حالة انتظار هذه الحالة الترقبية سوف تعلن عن ميلاد فجر جديد قادم مشرق .. ناصع .. دافئ .. تلتف حوله الرموز من الأسماك والنخيل والمراكب والأصداف والطيور ترفرف عليه معلنة زمن القدوم.
والفنان أحمد عبد الكريم خريج كلية التربية الفنية وكان أول دفعته عام 1981م ، وحصل على الماجستير عام 1985، وحصل على الدكتوراة عام 1990م ثم على درجة الأستاذية فى أسس تصميم الفن الإسلامى الهندسى عام 2000م ، ويعمل الآن وكيلاً لكلية التربية الفنية بالزمالك - جامعة حلوان.
بقلم : أحمد الشهاوى
نصف الدنيا 6-6-2010
أحمد عبد الكريم الهدهد والمعدية
بين عدد يقل عن أصابع اليد الواحدة من الفنانين الذين اغتربوا سنوات طوالاً فى العمل بالدول الخليجية الشقيقة بحثاً عن الأمان لمستقبل أولادهم، ونجحوا فى الحفاظ على جمرة الفن متقدة فى أرواحهم، نجد الفنان أحمد عبد الكريم، الذى كانت بدايته فى صالون الشباب أواخر الثمانينيات مبشرة بموهبة متميزة ، والحق أنه لم يخيب أملنا، حتى أنه كان يحرص على المجئ إلى مصر كل عام أكثر من مرة من منفاه الاختيارى لغرضين: الأول هو أن يشحن روحه وطاقاته الإبداعية بفيض من معطيات وطنه، والثانى هو أن يقيم بما أنجزه فى الغربة معرضاً لأعماله الجديدة، فيقدم لنا من خلاله فصلاً آخر من كتاب النيل الذى يعشقه، بما يتراقص فيه من قوارب حتى ولو كانت رمزية من الورق كلعب الأطفال، وبما يسبح فيه من طيور كالبط والإوز، وبما يحلق فوقه من عصافير وهداهد، وبما ينمو على شاطئيه من نخيل وأشجار، وبما يتراءى تحت سطحه من أسماك وفطريات ..
لكن الحنين كثيراً ما كان يأخذه إلى أبعد من ذلك بكثير، فيسترجع من التاريخ المصرى القديم رموزاً وتجليات للسحر والخلود، كالهرم وقناع توت ووجه إفناتون والطائر إيبس، والكثير مما تخبئه المقابر والمعابد القديمة، ليس كمحاكاة وصفية لكل ذلك، بل كأيقونات أو دوال رمزية مشفرة للإيمان إلى تراث يعيد إلى الذات المغتربة عن وطنها الشعور بالثقة والانتماء، وليشكل فى ذات الوقت لغة للتواصل الجمالى والمعرفى بينه وبين المتلقى، كونها رموزا مختزنة فى الذاكرة الجمعية وجزءاً من الوجدان القومى، وقد ساقته تلك الحالة من الحنين أيضاً لاستلهام الملاحم والبطولات الشعبية بفرسانها وخيلها وأميراتها، كما ساقته لاستلهام رموز الفنون الشعبية كعروسة المولد أو عروسة القطن أو الطين .. وما إلى ذلك من تجليات الذاكرة البصرية والوجدانية.
كانت كل تلك الأشكال حروف لغته الفنية التى يشكل بها جملاً إبداعية تنتمى إلى قريحته وحده، وقد تحرر من الوصفية المقولية أو الواقعية سابقة التنميط ، وخلت من التجسيم الأسطوانى ومن المنظور الهندسى ومن الحكائية السردية .. فكان حراً طليقاً فى التلاعب بعناصره بألوان وملامس وتحويرات فنتازية وغرائبية أحياناً، مليئة بتجليات الحلم ومسرات الفردوس وتهاويم الأسطورة وبساطة الفطرة الطفولية.
فى معرضه الأخير بقاعة إكسترا بالزمالك كان أكثر حرية وطلاقة، فراح يتماوج بألوان قزحية على أسطح لوحاته الضخمة مصطحباً أيقونته المفضلة وهى الهدهد، الذى جعل منه شاهداً وكاتماً لأسرار اؤتمن عليها منذ عهد النبى سليمان حتى اليوم، وحارساً يقظاً على قارب العبور أو المعدية التى تنقل البشر فى رحلة الأبدية، ورقيباً على بساتين الوادى وعلى مجرى النيل السارى، ومختالاً بعرفه الملكى ومنقاره الخطافى، ومن حوله جوقه المخلوقات الطيبة أبد الدهر: السمكة والبطة والشجرة والنخلة والحمار أيضاً .. منشدين أهزوجة الطبيعة السرمدية، ومن وراء الجميع على سطح اللوحات تأثيرات ملمسية مجعدة توحى بكتابات لغة أسطورية غابرة ، تلف كل شئ بعبق يأتى من وراء الزمن، وهنا وهناك يطل الهرم .. ولو حتى وسط قارب ورقى .. أليس أيقونة للخلود؟!
بقلم : عز الدين نجيب
مجلة الهلال يونيه 2010
إفتتاح معرض لأحمد عبد الكريم بقصر ثقافة الإسماعيلية
افتتح اللواء عبد الجليل الفخرانى محافظ الاسماعيلية ود. أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة معرض ` اخناتون التحول -2 ` للدكتور الفنان أحمد عبد الكريم وكيل التربية الفنية بالزمالك ومعرض صالون 6 التى يرأسها الفنان محمد فوزى النادى، وقوميسير الصالون أيمن حسنين بقصر ثقافة الاسماعيلية .
معرض ` اخناتون التحول- 2 ` للفنان أحمد عبد الكريم عرف كيف يمكن أن ننقل فن قديماً ` فرعونياً ` ونراه بعين حداثية تعيد كتابة المسلات والبرديات مرة أخرى بلغة معاصرة ، فتحيل أكفان الممياوات إلى حياة مشرقة بالأمل، أملاً فى استعادة حضارتنا الفرعونية مرة أخرى، لقد كانت الحضارة الفرعونية حضارة فن وما أحوجنا إلى استعادتها الآن.
وأشار الفنان أحمد عبد الكريم إلى أن المعرض يقدم رسالة هامة وهى كيفية التعامل مع التراث بطريقة معاصرة حتى لا يكون التراث سجناً لا نستطيع الخروج منه ولابد ألا نخجل منه.
ومعرض الفنان أحمد عبد الكريم يحمل عنوان ` إخناتون التحول-2 ` يضم 35 عملاً بين الوجه الاخناتونى والبرديات المعاصرة على الكتان الأبيض، وهناك عمل منفرد تحت مسمى فن التجهيزات فى الفراغ الداخلى حيث يتكون من بردية زرقاء عليها وجه مذهب لإخناتون ويقع أمامه بحيرة من الرمال تنبت منه أجزاء من وجه إخناتون لتؤكد فكرة التوحيد على أرض مصر.
`إخناتون ` التحول ` 2` هى فكرة فلسفية تخرج إلى حيز الوجود الجمالى من خلال علاقة الفنان بمتغيرين الأول: فلسفى، والثانى: تقنى، الفلسفى جاء من فكرة التوحيد الذى طرحها الفرعون `اخناتون` عن المتغيرات الفلسفية فى العقيدة المصرية القديمة ، فجاء التحول من محتوى فلسفى إلى محتوى فلسفى آخر أدى إلى التغير الغير مستمر فى العقيدة المصرية القديمة وهذه الفلسفة تمت ترجمتها إلى محتوى جمالى من خلال الوجه الشخصى لاخناتون والذى جاء فى هذا العرض لخمسة عشرة وجه متغيراً نتيجة تغير الوضع خلال متغيرات الحياة.
أما المتغير التقنى فجاء من خلال صب الأعداد المتنوعة من ماسك أخناتون والتعامل معه بحرية شديدة للحصول على متغيرات جمالية أخرى، أما عن كيفية تناول فنون التراث المصرى القديم ` الفرعونى` فيتم من خلال ثلاث مراحل، المرحلة الأولى هى كيفية قراءة التراث بروح جديدة ورؤية نقدية فاعلة والمرحلة الثانية استلهام التراث ودمجه فى متغيرات الفكر المعاصر الذى لم يتعايش معها التراث القديم، المرحلة الثالثة انتاج تراث جديد يضم المراحل فى بوتقة واحدة وعلى الزمن أن يحدد ما أن تغير التراث أو جدد، والمعرض من المعارض التى تقدم لفنانى الأقاليم كيفية التواصل مع الحضارات المتعاقبة على أرض مصر سواء من التراث الفرعونى أو القبطى أو الاسلامى أو الفنون الشعبية.
الجدير بالذكر أن الفنان الدكتور أحمد عبد الكريم من مواليد القاهرة عام 1954، حصل على درجة الدكتوراه فى التربية الفنية بعنوان `نظم تحليل الهندسات الإسلامية ` عام 1960، وشارك فى العديد من الجمعيات منها: عضو نقابة الفنانين التشكيليين بالقاهرة ، عضو جماعة` الأنسيا` باليونسكو فى باريس ` التربية عن طريق الفن` عضو لجنة تحكيم دولى ببينالى طشقند الأول 2001 أوزباكستان، كما أقام العديد من المعارض الخاصة منها: خمسة معارض بأتيليه القاهرة الأول بعنوان `معماريات وجدانية` عام 1983، الثانى بعنوان `حوار ملمسى وورق مكرمش` عام 1992، الثالث عام 1995، الرابع بعنوان `الإغتراب مراكب ورق `عام 1998، الخامس بعنوان `تباين الأزمنة` عمل فنى مجهز فى الفراغ عام 2001، معرض بقاعة المركز الثقافى بباريس بسان ميشيل بفرنسا عام 1994، إلى جانب معرض طواف بمحافظة سوهاج بقاعة الثقافة الجماهيرية عام 1991.
كما قام بتدريس العديد من المقررات بمرحلة البكالوريوس والماجيستير خلال عمله الأكاديمى منها: تدريس مقرر أشغال المعادن فى كلية التربية النوعية بالعباسية بالإضافة إلى العديد من الأبحاث المنشورة منها: `دور التراث كمدخل تجريبى فى التصميمات الزخرفية` بقاعة المركز الثقافى المصرى بباريس بسان ميشيل عام 1994.
بقلم : نجوى العشرى
الأهرام 5-8-2010
نفرتيتى وحتشبسوت فى رحلة إلى باريس
فى مصر المحروسة بيوت عديدة أقامها فنانون وأصبحت أوعية للإبداع تفيض بالسحر والجمال.
.. ولعل من بين هذه البيوت بيت ` الفن والحياة ` بكفر الشرفا من ضاحية المرج للمفكر الفيلسوف والمعلم حامد سعيد وهو أول بيت بناه المهندس حسن فتحى رائد العمارة البيئية المصرية عام 1942 قبل قرية الجرنه بأربع سنوات.
وهناك بيت الفنان راتب صديق وبيت الفنان زكريا الخنانى رائد فن الزجاج النحتى وزوجته عايدة عبد الكريم.
وفى ضاحية دهشور التابعة لمحافظة الجيزة.. تلك الجنة العذراء التى مازالت تذكرنا بروح الريف البكر الذى لم تلوثه ايادى المدينة وثورة التحديث.. يطل بيت الفنان أحمد عبد الكريم وسط خضرة ظلية كثيقة.. وهو بيت ريفى شعبى.
على مرمى البصر وامام مرسمه ثلاثة اهرامات من يراها فى البداية يتصور انها اهرامات الجيزة.. يقول: هنا تطل بحيرة بركة دهشور والتى على الجانب الغربى منها تطل تلك الأهرامات الثلاثة المعروفة بأهرامات دهشور: `سنفرو وامنمحتب الثالث والد أخناتون ودهشور الأحمر`.
حى السيدة زينب
وحول بداياته الفنية يكمل: ولدت ونشأت بحى باب الشعرية الذى قضيت فيه فترة قصيرة من طفولتى وانتقلنا بعد ذلك إلى حى السيدة زينب وتشبعت بالروح الشعبية هنا وهناك.. وأنا ادين بالمؤئرات الأولى لوالدتى.. فرغم انها لم تكن متعلمة الا انها كانت تمتلك ذكاء فطريا ككل الامهات المصريات.. كانت تتركنى ارسم عندما اكتشفت شغفى بالرسم وكلما اكتشفت امتلاء الكراسة بالرسوم تشجعنى وأفاجأ بكراسة جديدة تقوم بشرائها لى.. وفى مدرسة مصطفى كامل الاعدادية بلاظوغلى.. كان الاستاذ العطار استاذ التربية الفنية ياخذنى من الحصص الأخرى لأرسم وأشكل تماثيل وأوانى خزفية.
والتحقت بكلية التربية الفنية وتخرجت عام 1981 الأول على الدفعة.
ولما كان التراث التشكيلى المصرى شاغلى الأول فى كل عصورة فقد حصلت على الماجستير فى الفن الإسلامى والدكتوراه عام 1995 فى الفن المصرى القديم وعلاقته بالفن المعاصر.
إيقاع الجداريات الفرعونية فى أعماله يؤكد أحمد عبد الكريم على تواصل وخصوصية الفن المصرى.. والذى يتزاوج فيه الأصيل مع المعاصر.. التراثى مع الحداثى.. مستلهما ايقاع الجداريات الفرعونية مع سحر الاسطورة.. وتالق هذا بلمسته التعبيرية التى تقترب من الاحلام والرؤى فى افاق سيرالية.. فقد سافرت فرشاته على جناح الخيال خاصة وتحتفظ ذاكرته البصرية بالتراث المصرى القديم فى ابهى تجلياته مثلما نرى فى الالهة ` نوت` ربة السماء وزوجة الاله `جب` اله الارض والتى تناولها الفنان المصرى القديم فى حالة ابتلاعها الشمس عند كل غروب واعادة ولادتها عفية قوية ساطعة عند كل صباح.. وقد عمق هذا الحدث الاسطورى من خلال جمله التشكيلية وصياغاته ومنظوماته المتنوعة والتى تلغى المسافة بين الحلم والواقع وبين المنطقى والخيالى.
هنا يطل الثور المقدس.. ينساب بحركة الحياة من الشخوص الانسانية والحيوانات إلى المراكب.. مراكب الشمس التى اصبحت رمزا وتحولت عند عبد الكريم إلى مراكب ورقية سابحة فى فضاء الاعمال وتحولت الوجوه البشرية إلى اسماك.. كما تقف النساء رشيقات حالمات تستبدل وجوههن بملامح الاشجار وتيجان النخيل.
هو عالم شديد الطرافة يحتشد بالمفردات والعناصر المصرية من القلوب والنجوم والنباتات.. التى تشكل اهرامات مع الكراسى والمناضد وافراخ البط والجياد الرشقية.. ووسط كل هذا تموج حواء الشجرة وحواء النخلة وحواء السمكة رمزا للخصوبة فى حركات ايقاعية تعكس سر الحياة والخلود.
فى اعمال الفنان عبد الكريم نلتقى مع برديات مصورة جمع فيها ايضاً بين ملامح الحداثة.. وتعبيرية المعاصرة.
وما أجمل ان نرى الهرم هذا الكيان المعمارى الاسطورى الضخم عائما على الماء داخل مركبة ورقية وفى الافق يحلق السحاب فى سلام ومودة.. وما اشبه حواء السمكة والتى تمتطى دابة فى احد الاعمال حاملة مركبة وهرم غارقة فى زمن لا ينتهى.. ما اشبهها بفلاحة مصرية فى طريقها إلى الحقل.. انها اسطورة الوجود وذاكرة الاشياء للحب والمحبة فى هذا الزمن المصرى.
وقد تالقت اعماله الاخيرة فى تنوع وثراء ما بين لوحات الرمال والتى تبدو نقوشا على جدران الزمن المعاصر كما نرى فى لوحته المجسمة `الهدهد والسمكة` والمسكونة بالملامس المتنوعة والتاثيرات والنقوش فى حالة درامية ومذاق مختلف مع احدث اعماله التصويرية الملونة.. والحافلة بنبض اخر وايقاع جديد.
فى احدى اللوحات يقف الهدهد على احد المعابد الفرعونية وكانه يعلن هذا النبأ العظيم الذى يوصينا بالتمسك بحضارة الاجداد والتواصل معها.
ونطل من نافذة على مراكب الشمس بهيئة مراكب ورقية سابحة فى النيل غارقة فى ضوء ابيض مع الأصفر الأوكر البهى وتنساب النقوش فى مقدمة اللوحة بالبنى المشوب بالحمرة تجسد دنيا من التداعيات الزخرفية.. من اوراق الشجر وافراخ البط والاسماك فيها روح الطبيعة المصرية وحيويتها.
وتقف مركبتان فى كثافة ورسوخ فى احدى لوحاته بالاخضر الممتزج بالاصفر والبرتقالى.. على خلفية من طيات القماش التى تنقلنا إلى حالة من الايهام تتداخل مع الطبيعة المفتوحة.. وهنا يطل جواد مجنح فى نقوش من الاحمر معلق فى الأفق بمساحة من الزرقة.
نفرتيتى وحتشبسوت
وتعد احدث اعمال الفنان عبد الكريم تلك المجموعة من المعلقات او الشرائح التصويرية الطولية والتى سوف يعرضها بالمركز الثقافى المصرى بباريس فى الشهر القادم.
يقول عنها: جاءت فكرة الاعمال بعنوان ` بااحبك.. بااحبك.. بااحبك ` بعد تولى المراة المصرية منصب القاضى كما لو كان هذا فجر جديد للمراة المصرية فى الزمن المعاصر.. ولكن بالرجوع للتاريخ المصرى القديم نجد ان الملكة `تى` والدة اخناتون تمتلك قوة كبيرة فى الشخصية جعلته لايستغنى عنها كمستشارة قانونية كما يلجا اليها فى النواحى الحياتية الاجتماعية والدينية.. كما كانت زوجته جميلة الجميلات نفرتيتى ذات سطوة وراى حر جرئ مع اول من نادى بالتوحيد.. هذا الفرعون العظيم.
لقد كان للمراة فى الحياة المصرية القديمة دور حضارى كبير.. ولعلنا نتذكر الملكة حتشبسوت التى ينتسب اليها الان اجمل معابد البر الغربى بالاقصر `معبد الدير البحرى` والتى قامت برحلة الى بلاد الحبشة والصومال `بلاد بونت قديما` لاكتشاف منابع النيل وجلب الذهب والنباتات والطيور والحيوانات واول من اقامت على وجه الارض حديقة حيوانات ضمت فيها الاسود والنمور والقرود والفيلة وهذا مسجل على جدران المعابد.
وهناك الجميلة رع حتب التى يقف امامها زوار المتحف المصرى فى خشوع ورهبة ومحبة ولطف ووداعة لتامل وجهها الجميل.. انها المراة المصرية.
كل هذا وراء تلك الأعمال تأكيدا على قيمة المرأة المصرية.. ويضم المعرض 25 شخصية من رموز الفن المصرى القديم من الرجال والنساء على حد سواء بمثابة اضاءة على فكرة المساواة فى الحقوق بين المراة والرجل.. من بينهم نفرتيتى وحتشبسوت ورع حتب وتى مع اخناتون واحمس وتحتمس الثالث والد اخناتون. وهى معلقات على توال بالوان `الاكليريك` سريعة الجفاف.. على مساحات موحدة 50 سم× 20 متر.
والفنان احمد عبد الكريم يشغل حالياً وكيل كلية التربية الفنية وقد أقام العديد من المعارض بمصر وخارجها.
تحية تلك المساحات السعيدة.. التى هتفت بروح مصر وجمال مصر.
بقلم : صلاح بيصار
حواء 22-10-2011
قلب الهدهد فى قاعة بيكاسو
هو اللون يسبح فى سماوات اللوحة وأراضيها .. لون يغالب لوناً ليؤكد مفردة أو يبوح بسر حمله الفنان إياه ليبلغ أبصارنا به، ولون يخادعنا فنجرى خلفه علناً نبلغ منتهاه فيهرب فى خفة كأنه الضوء. إنها المغازلة التى أثرى بها أحمد عبد الكريم تشكيلاته ليستمر الحوار بيننا وبينها ..
اختار الفنان ` قلب الهدهد` عنوانا لمعرضه المقام بقاعة بيكاسو بالزمالك. والعنوان يوحى بمضمون الأعمال التى تشعرك بخفقان القلب وذبذباته التى سيطرت على كل الأعمال بالألوان الخطية المتناغمة فى تزايد وهبوط متبادلين، وبالمساحات اللونية المتدرجة والمتداخلة فى علاقات محكمة ليحقق الفكرة التى سعى إليها، وهى ترجمة دقات قلب الهدهد فى أرجاء لوحاته فى حين ظل الهدهد محتفظا بغموضه فى لون واحد متدرج أو لونين متداخلين ليحقق المعنى الذى يطالبك الفنان بالبحث عنه لكشف أسراره التى تحمل الحب بمعان كثيرة ، ويظل الهدهد يصدر ذبذبات النبض لتشكل العلاقات اللونية والمفردات والشخوص والمساحات التشكيلية بموسيقى نسمعها بأعيننا ونحسها بأفئدتنا باحثين عن مصدرها لنعود إلى قلب الهدهد الذى تصدر معظم اللوحات.
ولوحات الفنان المصورة بألوان الأكريلك المضيئة بها تقنيات لفنان متمكن من أسس التصميم والبناء، ولديه دراية بمفرداته وتواريخها وأثرها الأدبى الذى حول هذا الأثر إلى معنى تشكيلى بحس ووعى وبلغه بنائية محكمة .. وبين يقظة الفنان وحلمه اكتمل العمل بنفس التبادل. فالحلم يرى ما يرى، واليقظة تصوغ الحلم بأسس التصميم التى درسها عبد الكريم، والتى أحياناً ما تدخله فى صراع ومعادلة صعبة حتى لا يقدم تصميمات لونيه جامدة، فوعيه بهذه الإشكالية جعل إحساسه متدافقا باتجاه المعنى التشكيلى الذى كثيرا ما ينتصر إن الخطوط اللونية المتواترة المتدخلة، هى التى تخرج منها الأشكال، فالخطوط اللونية ترتبط باليقظة، والأشكال مرتبطة بالحلم، والتوفيق بينهما أمر شاق ومعقد ويحتاج إلى صدق وجدناه فى معرض أحمد عبد الكريم .
بقى ان نشير إلى ان الفنان أحمد عبد الكريم، من مواليده 1954، وحصل على درجة دكتوراه الفلسفة فى التربية الفنية بكلية التربية الفنية جامعة حلوان بعنوان ` تحليل محتوى نظم الزخارف الهندسية الإسلامية ` 1990، أقام العديد من المعارض التى تحمل عناوين فلسفية مثل (مراكب القمر - ذاكرة الأشياء - التحول - مراكب ورق -الهدهد والمعدية وأخيرا قلب الهدهد)، وحصل على العديد من الجوائز منها الجائزة الأولى لمعرض الشباب للفنون التشكيلية فى مجال التصميم والإعلان 1980 - 1981 ، والجائزة الأولى لتصميم ملصق الحفاظ على البيئة جامعة الملك سعود.
المملكة العربية السعودية 2001، وله مقتنيات بالمجلس الأعلى للشباب والرياضة ودار الأوبرا ومتحف الفن المصرى الحديث .
د. سامى البلشى
الأذاعة والتليفزيون 21-4-2012
قلب الهدهد فى أحدث معارض أحمد عبد الكريم
أقام الفنان أحمد عبد الكريم معرضه الجديد بقاعة بيكاسو للفنون 30 شارع حسن عاصم بالزمالك بعنوان قلب الهدهد.
فى أعماله يؤكد عبد الكريم على تواصل وخصوصية الفن المصرى ، والذى يتزاوج فيه الأصيل مع المعاصر .. التراثى مع الحداثى .. مستلهما إيقاع الجداريات الفرعونية مع سحر الأسطورة ، وقد تألق هذا بلمسته التعبيرية التى تقترب من الأحلام والرؤى فى أفاق سيرالية.
يعتبر فن أحمد عبد الكريم فناً مركباً يعكس اتصاله بالريف الذى عاش فى كنفه ، واستمد من نسخ مواده والأسطورة الفرعونية كماً انعكست دراساته للرقش فى الفن الإسلامى من خلال بنائه الذرى الكتابى المتعامد مع شبكة الأرضية المحفورة بالأختام والوحدات والمفردات التشكيلية المهندسة.
فى أعماله السابقة نرى فرشاته تسافر على جناح الخيال خاصة وتحتفظ ذاكرته البصرية بالتراث المصرى القديم فى أبهى تجلياته مثلما نرى فى الآلهة` نوت ` ربه السماء وزوجة الإله ` جب ` إله الأرض والتى تناولها الفنان المصرى القديم فى حالة ابتلاعها الشمس عند كل غروب وإعادة ولادتها عفية قوية ساطعة عند كل صباح ، وقد عمق هذا الحدث الأسطورى من خلال جملة التشكيلية وصياغاته ومنظوماته المتنوعة والتى تلغى المسافة بين الحلم والواقع وبين المنطقى والخيالى.
أصبحت مراكب الشمس رمزاً وتحولت عند عبد الكريم إلى مراكب ورقية سابحة فى فضاء الأعمال وتحولت الوجوة البشرية إلى أسماك ، كما تقف النساء رشيقات حالمات تستبدل وجوهن بملامح الأشجار وتيجان النخيل.
وتمثل رحلة عبد الكريم مع الإبداع رحلة من الدأب جعلته فى المقدمه مع قلة من أبناء جيله، وقد تألقت أعماله الأخيرة فى تنوع وثراء ما بين لوحات الرمال والتى تبدو نقوشاً على جدران الزمن المعاصر، ومن لوحاته المجسمة ` الهدهد والسمكة ` والمسكونة بالملامس المتنوعة والتأثيرات والنقوش فى حالة درامية ومذاق مختلف مع أحدث أعماله التصويرية الملونة والحافلة بنبض آخر وإيقاع جديد، فى إحدى اللوحات يقف الهدهد على أحد المعابد الفرعونية وكأنه يعلن هذا النبأ العظيم الذى يوصينا بالتمسك بحضارة الأجداد والتواصل معها.
فى أعمال عبد الكريم يتأكد عمق التزاوج بين سحر الطبيعة بدهشور التى يعيش فيها وبين تألق التراث المصرى، وقد اختار الفنان الهدهد كتيمة لأعماله فى الفترة الأخيرة لأنه أكثر من عبر عن التنبؤ بالمستقبل وهذا ما جاء فى قوله لنبى الله سليمان: `جئتك من سبأ بنبأ عظيم` يعد أيضاً مع البومة رمز الحكمة عند قدماء المصريين، بالإضافة إلى أنه ملك الطيور جمالياً. يقول الفنان: الهدهد يعنى بالنسبة لى العبور إلى زمان ومكان جديدين من خلال المعدية التى تعد رمزاً للانتقال والتحول.
كان أول معرض له تحت مسمى `معماريات وجدانية ` وجاء من وحى أعلى قلعة صلاح الدين على مدينة القاهرة، ويقول الفنان أحمد عبد الكريم : ومن هذا الارتفاع وجدت المعماريات يتوسطها مساجد مصر التاريخية: أحمد بن طولون والسلطان حسن وعمرو بن العاص فى تحاور وتآلف، ومن هنا جاءت مجموعة لوحات تشكل علاقات وجدانية بين هذه المعماريات، فهذا بيت كبير يلتف حوله مجموعة من البيوت الصغيرة فى أشكال غير منتظمة بينها علاقات حوار ومودة وتآلف كما لو كانت عائلات معمارية، يبزغ من بينها بعض النخيلات والأشجار التى تؤكد هذا التآلف وتضفى على المكان الحيوية، ثم جاءت تحولات الغربة بعد سفرى خارج مصر، ولاشك أن الغربة تلقى بظلالها على الفنان وعالمه، فكانت تلك المراكب الورقية التى أسقطها على السطح التصويرى بمثابة معادل نفسى، فهى مراكب النيل التى تحولت إلى أشكال صماء والتى تجمدت بفعل الغربة، وبعد عودتى استمرت نفس المراكب لكن بعد أن دبت فيها الحياة والحيوية وأخذت تطفو على النيل محفوفة بالنخيل.
وأتصور أن هذه المرحلة هى مرحلة استقرار فى حياتى من حيث التأمل والملاحظة للنيل والنخيل وبحيرة دهشور كما أننى أعيش على جداريات الفن المصرى انهل من مدرسة الفراعنة وعندما ينتابنى نوع من القلق أو الحيرة أو عدم الاستقرار أتوجه إلى مدينة الأقصر اتزود من تلك المدرسة التى تتجاوز كل الحدود فى الفكر والتصميم والروحانيات، اتوحد مع جداريات معابد هابو المليئة بالأفكار والتاريخ وأقف أمام معركة قادش ورحلات حتشبسوت لبلاد بونت وأعود إلى مرسمى،


وأحاول أن أكون ذرة من ذرات الفن المصرى القديم، ولكن بتلك اللغة التى نعيشها الآن، تقبض عليها اللحظة التصميمية على السطح التصويرى، فى محاولة للتواصل والحوار التشكيلى مع حضارة الأجداد.
ويستخدم الفنان أحمد عبد الكريم خامات الآلياف النباتية الخشنة والبكر، مستمداً من طاقاتها السحرية الفرعونية التأثير الأسطورى والايكولوجى فى أن فالمواد هشة متآكلة مجففة أو محنطة متهالكة الأهداث رثة الخيوط تتموضع فى الفراغ التشكيلى وكأنها مخطوطة غامضة منتزعة من عالم الأبدية الذى يسيطر على هواجس المدافن المصرية، ورسومها الشمعية. فى شتى هذه الحالات يبدو أحمد عبد الكريم ملوناً مرهفاً يرتشف حريق المقامات اللونية النخبوية المنتزعة من فريسكات مصر القديمة، والألوان الشعبية البريئة التى تزغرد بفراديس فرحة، وجنائن مصبوغة بألوان الأعراس والفرح الدائم. بألوان الحنة والقرميد والشمع متناغمة مع زرقة نهر النيل والسماء، وخضرة النخيل المطوقة لضفافه، ناهيك عن المراكب ذات الأشرعة البيضاء، والقباب الريفية البيضاء أيضاً مناظر زخرفية متراكبة السطوح تذكر ببعض مناهج سجاد ويصا واصف الريفى، يقترح خياله عالماً مغتبطاً يستمد عناصره من سكينة الريف، وبالتالى فهو يعمل بالعين والذاكرة فى أن من خلال توازن دقيق بين مفهوم الفن الشعبى البكر والفن النخبوى المثقف لذا تبدو ألوانه وعناصره فى حال غفاء وتطريب دائم، تصدح بسعادة ضوئية وتهشيرات قزحية حلمية تتعشق خاماته وملامس سطوحه التأملية العميقة.
لاشك أن تربية خياله الطفولى فى ربوع الصعيد والمنيا أثرت فى الحفاظ على هذه المشاهد، وهذا ما يفسر استعاراته من الميثولوجيا الفرعونية التى درج على تأملها فى معابد أبى سنبل ووادى الملوك والمدافن المنتشرة فى كل مكان من هذه السطوح استعاد المفردات الهيروغليفية التصويرية من مثال حصانه المؤسلب وشكل المومياء المنمطة والمحنطة، وعنصر النخيل ونصف مفتاح الأبدية وطائر حورس.
والفنان أحمد عبد الكريم من مواليد 13/8/1954 حاصل على بكالوريوس كلية التربية الفنية جامعة حلوان عام 1981 وماجستير التربية الفنية دراسة بعنوان (النظم الإيقاعية فى الفن الإسلامى الهندسى) جامعة حلوان 1985، ودكتوراه الفلسفة فى التربية الفنية بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان بعنوان (تحليل محتوى نظم الزخارف الهندسية الإسلامية) 1990، عين معيداً بكلية التربية الفنية قسم التصميمات الزخرفية جامعة حلوان عام 1981، ثم حصل على درجة أستاذ مساعد بكلية التربية الفنية عن مجموعة أبحاث فى مجال أسس التصميم الزخرفى جامعة حلوان 1994، وحصل على درجة الأستاذية فى مادة (أسس التصميم الزخرفى) بكلية التربية الفنية 2000 وعين وكيلاً لكلية التربية الفنية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، وله العديد من المعارض الفنية منها معرض ذاكرة الأشياء بالمركز الثقافى المصرى بباريس عام 2003، ومعرض الهدهد والمعدية بقاعة أكسترا عام 2010.
بقلم : نجوى العشرى
نهضة مصر 19-7-2012
!مصرية أحمد عبد الكريم
فى غمرة الاحداث تذكرت أحمد عبد الكريم، رسام مصرى أهرب إلى أعماله ، كلما استشعرت الخطر والغربة ، لم أقابلة كثيراً ، ولكن أعود دائماً إلى شريط مقابلتى معه، أتامل كلامه ، وسحنته الصعيدى، ومنطقة المصرى الخالص، وخطوطه التى تستلهم الموروث الشعبى أو الحضارى المصرى، ألجأ إليه كما ألجا إلى أشعار صلاح جاهين وفؤاد حداد عندما يدلهم الخطر وأشعر بأن هناك من يريد أن يقزم مصر أو يسخطها أو يختزلها، شاهدت على شاشة فصالاً فى عروبة مصر وقوميتها ويحزنك عندما ترى ان هناك من ينكر على ثورة يوليو ليس بعدها الثورى ولكن عمقها الثقافى والاجتماعى، ساعتها هربت إلى أعمال أحمد عبد الكريم كما اهرب الى اعمال راغب عياد وحامد ندا والاخوين سيف وادهم وانلى، هؤلاء هم البلد، والوطن ، والسماء، والأرض !
لم يتسن لى أن أكتب عن معرض أحمد عبد الكريم فى وقتها، ` قلب الهدهد ` قابلته وحاورته، ولكن أخذتنى ظروف البلد ولم أكتب عنه ، ولكن تذكرته هذه الأيام، لأنى تذكرت احساسى بالمعرض كمن يستعيد احساسه بثقافته وهويته.
يقول أحمد عن قلب الهدهد `هو قلب طائر ملك الطيور وأجملها فى زهد لونى رائع وذكاء فطرى لا حدود له `.
والهدهد لا تستطيع أن تجده بمفرده اطلاقاً فحبيبته الهدهدة ترافقه طوال الوقت من هنا إلى هناك ، يعزفان لحنا جمالياً موسيقياً فى تتابع كل منهما للآخر فى الطيران والارتحال من مكان إلى مكان، إلى آخر عبر الزمان، لهما رحلة صباحية وعودة مسائية، انه الحب، انه قلب الهدهد الجميل الخفاق، وطوال تأملى ومراقبتى للهدهد فى سماء دهشور الجميلة وأرضها `حيث مرسم أحمد عبد الكريم` استطيع أن أعترف وأزعم اننى تعلمت منه الكثير والكثير.
وكثيراً ما يهاجم الهدهد الكلاب والقطط والغربان ولكن بكل يسر ومن دون انفعال يرتقى بالطيران إلى السماء ويقف دائماً على مستوى أعلى فوق النخيل والأشجار أعلى من هؤلاء الاعداء وينظر لهم ويتأملهم فى حب وحنان ثم يطير إلى مكان آخر ويترك لهم المساحة يتقاتلون كل منهم مع الآخر وهو فى مكان أخر بدون اعداء.
بالطبع استفاد احمد عبد الكريم من وضع خاص للهدهد فى الثقافة الشعبية والدينية، ومن كون الهدهد لوحة تشكيلية متحركة اذ ان له عرفاً مميزاً على رأسه، اللون بنى فاتح وعرفه البنى مرقط من أطرافه بالريش الأسود ونصفه الأسفل أسود مرقط بالريش الأبيض فى نظم جميل، ولكن بعبقرية احمد حول الهدهد إلى ` موتيفه مصرية ` مثل موتيفات اخرى مثل السمكة والحصان والنخلة والشجرة والطائر والقارب وكأنها رموز ومخلوقات لم توجد الا فى مصر فقط !
بقلم : محمد مرسى
نصف الدنيا 3-8-2012
د. أحمد عبد الكريم: المقاومة بالفن أرقى سلاح للفنان والتشكيك أصبح وباء العصر
اختتم ثلاثية `الهدهد` بمعرض `بنت الجيران`
` الفوتوغرافيا والميديا المعاصرة أقرب إلى التعبير عن الثورة من التعبير الفنى` يجب أن يقنن اختيار الفنانين المشاركين فى المعارض الفنية سواء المصريين أو القادمين من دول أخرى، لأن تمثيل مصر بالخارج لابد وان يكون باختيار رسمى من الدولة، وليس عبثا الأجيال الجديدة تهرب من الأكاديمية ويميلون إلى الأعمال المركبة ويعتبرونها أسهل وليس لها ثوابت.
عندما تتوافر الفرصة للفنان التشكيلى للتعامل والتعايش مع عناصر الطبيعة بشكل مباشر فإنه ينتج عملاً فنياً له خصوصية وأكثر صدقاً وتعبيراً وتميزاً، وهو ما فعله الفنان التشكيلى الدكتور أحمد عبد الكريم بعد انتقاله من الإقامة بالقاهرة إلى قرية دهشور، وبحسب قوله: ` وجدت فى دهشور ما كان ينقصنى كفنان وكإنسان وهو تأمل الطبيعة بكل ما فيها ` فقد اختار الفنان `الهدهد` ملك الطيور والمتواجد فى بحيرة الملك كعنصر فنى شكلاً ومضموناً، اختاره ليكون بطلاً لمشروعه الفنى نفذه على مدار ثلاثة معارض متتالية بدأها بمعرض ` الهدهد والمعدية ` ثم معرض ` قلب الهدهد ` وختمها بمعرضه الحالى ` هدهد بنت الجيران ` المقام حالياً بقاعة بيكاسو للفن بالزمالك، الأعمال قدمها بفكر حداثى وابتعد عن المحاكاة الصريحة، على جانب آخر فقد حصل عبد الكريم مؤخراً على جائزة كتاب الفنون بمعرض القاهرة الدولى للكتاب 2014 على كتابه ` الفنون البصرية ` حول معرضه وحول كتابه الحاصل على جائزة معرض الكتاب، وعن قضايا الحركة التشكيلية كان لنا معه هذا الحوار:
حدثنا عن سبب اختيارك للهدهد ليكون أيقونه وبطلاً لثلاثية معارضك التشكيلية؟
بعد انتقالى من مصر للمعيشة والإقامة فى مرسمى فى قرية دهشور بما فيها من أماكن تراثية للحضارة الفرعونية مثل هرم سنفرو والهرم الأحمر والهرم الأسود الطينى لامنحوتب الثالث والد إخناتون، بجوار هذا المكان يوجد بحيرة `الملك، يقف `الهدهد` ملك الطيور، هو ملك الحكمة والفيلسوف الواثق الهادئ المدهش، يقف على القمم العالية من البيوت المرتفعة والمآذن والقباب والتلال، وجدت أن انتقالى ليس فقط مجرد تغيير لمكان، بل هو تغير على كل المستويات، تغيرات فكرية وفلسفية، وجدت فى الطبيعة ما كان ينقصنى كفنان وكإنسان، بدأت أترقب كل يوم عناصر الطبيعة وأنصت بتركيز لصوت النخيل وأنفاس الهدهد، الهدهد جذبنى له بشدة فهو رمز الحكمة فى الحضارة المصرية القديمة، ورمز استشراف المستقبل فى القصص الدينى، وله عمق فى الثقافة الشعبية المصرية، كان سفير لسيدنا سليمان يتحاور معه وهو من أبلغه عن بلقيس ملكة سبأ، وفى الثقافة الشعبية هو صديق الفلاحين يصفونه بالوفى، وحين يموت الهدهد فى الأرياف يأخذ ويدفن تحت عتبة البيوت اعتقاداً انه سوف يجلب لهم الخير، تابعته عن قرب بتحركاته وقفته وشموخه وصوته، ومن الجانب الشكلى قمت بتحويره كثيراً بعده اتجاهات وتحركات وهو يطير وهو واقف على أسطح البيوت وعلى الأشجار والنخيل، وهو عنصر مرن لدرجة كبيرة وقابل للمعالجات الفنية التشكيلية، ومهما كانت المعالجات فإنها لا تمحو من صفاته الأساسية الشكلية، وأيضاً الشكل لا ينفصل عن المضمون، وجوده مع عناصر الطبيعة له عدة أشكال، بمعنى إذا كان لقاؤه مع فروع الأشجار يأخذ شكلاً مغاير تماماً لوقفته على الأرض أو على المياه، بالإضافة لألوانه المتغيرة تبعاً لفترات الغروب والشروق.
كيف ترى حال الفن التشكيلى خلال الأعوام الماضية خاصة بعد ثورة يناير؟
لا استطيع أن أواكب الأحداث بمعرض فنى ولكنى انتظر لفترة أتأمل وربما أعبر عن كل الأحداث بشكل آخر، أنا مقتنع بأن الفوتوغرافيا والميديا المعاصرة أقرب إلى التعبير عن الثورة من التعبير الفنى، بصفة عامة أى فنان قدم معرض كل هذه الفترة الظلامية أقدم له الشكر والتقدير، المقاومة بالفن أرقى سلاح للفنان، والفنون كان لها نصيب من هجوم الإخوان، الثورة حدث ثقافى مازال مستمراً بالتأكيد سوف نستثمر هذا، القاعات الخاصة أيضاً لم تغلق قاعاتها واستمرت بفعالياتها والقاعات الرسمية، الكل قدم ما يستطيع، وعلى جانب آخر نجد أن الفعاليات التى يقوم بها أشخاص فرادى رغم أنها فعاليات مهمة للتواصل بين الفنانين وبين دول أخرى وتعد نشاطا سياحيا وثقافيا وتشكيليا تحتاجها مصر الآن، إلا أنها يجب أن يقنن اختيار الفنانين سواء المصريين أو القادمين من دول أخرى، لأن تمثيل مصر بالخارج لابد وان يكون باختيار رسمى من الدولة، وليس عبثا، أنا مع هذه الفعاليات ولكن مع التقنين والتدقيق فى المستوى الفنى والمعاير تكون لائقة ويتم الاختيار بلجان أفضل من الاختيار العشوائى أو اختيار المصالح، وفى النهاية الفن يفرز ويغربل، فالفن الحقيقى لا يضحك عليه أحد.
كأستاذ بكلية التربية الفنية تعمل على تدريس الفن .. كيف ترى الأجيال الجديدة من الشباب؟
الأجيال الجديدة بعضهم مبشر وبعضهم وقع فى حالة تأثر بالأستاذ الذى يعلمه الفن، وربما هذا ليس خطأ ، كلنا كان لنا أستاذ نموذج تعلمنا منه وتأثرنا به لكن بعد التأثير يأتى دور البحث عن الذات وعن الشخصية والتميز، تأثرت فى بدايتى بأستاذى عبد الرحمن النشار وعندما لاحظ تأثرى به طلب منى أن أبحث عن هويتى الفنية وكيف أكملها، ومن هنا يجب على كل أستاذ يجد أن الطالب أصبح يشابهه أن ينصحه بالبحث عن شخصيته.
إنما توجد قضية أخرى أن بعض الفنانين الذين يعملون أساتذة فى كليات الفنون لا يستطيعون تدريس الفن بالشكل المطلوب، والبعض الآخر استطاع أن يجمع بين وجوده على الساحة كفنان ونجح فى أن يكون معلم فن وعلم أجيالاً كثيرة، الأجيال الجديدة تهرب من الأكاديمية ويميلون إلى الأعمال المركبة ويعتبرونها أسهل وليس لها ثوابت، ربما هذا جيلهم ولكن الدراسة الأكاديمية الأفضل لأنها تتيح لهم فى المستقبل أن يكون ذو شخصية فنية حتى وإن كان سوف يتجه إلى الأعمال المركبة أو إلى التجريد، لا تجريد بدون أساس.
ما رأيك فى ` معارض الترقية ` والتى يقيمها أساتذة الفنون بالجامعة بهدف الترقى؟
لابد من تغيير معايير الترقية وأن تحذف هذه الجملة تماماً، فلا يوجد شئ اسمه معرض ترقية، إما فن أو لا فن، هذه الجملة تقلل من القيمة الفنية للمعرض الذى يقدمه الأستاذ الجامعى، البعض يعتمد على الجانب النظرى فى الترقية وكأنه نظير للمعرض، وهذا فخ، فالترقية تدرج وظيفى لابد أن يكون له معاير أخرى، بالتأكيد لو بحثنا سنجد أسماء كثيرة حصلت على لفب أستاذ دون أن يكون لها بصمة فنية تذكر، نحتاج إلى إعادة النظر فيها، لأن البقاء للفنان وليس للقلب.
حصلت مؤخراً على جائزة النشر بمعرض القاهرة للكتاب الدولى 2014 عن كتابك ` الفنون البصرية ` والبعض شكك فى تلك الجوائز.. ما تعليقك؟
بحسب إعلان المسابقة أن يتقدم صاحب الكتاب أو دار النشر للمسابقة ، العام الماضيين قدم الجوائز الراحل إبراهيم أصلان بطباعة الكتاب طبعة شعبية، وقد تشرفت أنى كنت أحد الفائزين عن كتابى `ا لنظم الإيقاعية فى جماليات الفن التشكيلى` ، وهذا العام تقدمت دار النشر بكتابى الجديد ` الفنون البصرية ` وحقيقة أنا لا أعرف من هم اللجنة وكنت أود أن أعرفهم حتى أقدم لهم الشكر، وهذه إيجابية أن يكرمنى احد لا يعرفنى، بينى وبين اللجنة المنتج الفنى فقط، وكثيرا ما نختلف مع اللجان، ومعروف أن لكل لجنة معايير وأسس للتقييم كما نفعل نحن فى لجان الاختيار للأعمال الفنية، وكثيرا ما نجد أن عملا فنيا تقبله لجنة وترفضه لجنة أخرى، وهذا ليس أمرا سلبيا، فالاختلاف أمر إيجابى فالنقاد لا يجتمعون على ثوابت، ولماذا التشكيك فى العمل وفى الأشخاص وفى اللجنة، يبدو أن التشكيك أصبح وباء العصر، وحين يتقدم فنان أو أديب بعمل فنى للخارج ويرفض لماذا لا نشكك فيهم، التشكيك فى مصر فقط. هذا جدل معاد ومكرر، ومن يشكك فى الجوائز هو شخص أراد شيئا من مسئول ولم يحصل عليه.
خسرت الحركة التشكيلية مؤخراً عدداً من الفنانين الكبار كان آخرهم الراحل محسن شعلان.. ما تعليقك؟
صدمة كبيرة، محسن شعلان رجل عاش مقهوراً ومات مظلوما، سجن سنه كاملة فى عهد الفساد وتحمل وجوده فى سجن شديد العقوبة وقاوم هذا القمع والقيد بالفن، خسارتنا كبيرة فى رجل أعطى الفن ما لم يعطيه غيره، اكتشف شباب كثيرين ودعمهم وهم اليوم نجوم مصر، وصدق عندما راهن بالشباب ولم يخسر رهانه.
بقلم : سوزى شكرى
روز اليوسف 16-2-2014
للمرة الثالثة.. الهدهد يعود
الرموز الفنية هى لغة كالكلمات يمكن من خلالها طرح الأفكار والموضوعات وبناء الخيال، فيتحول إلى واقع مرئى بين الألوان والخطرط، وكما عرف عن الأدب والكتابات من سلاسل وحلقات متتابعة كتلك الابداعات للأديب الراحل نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل، وغيره الكثير من النماذج التى توالدت على الأرض المصرية الخصبة.
وبما أن رموز الثقافة والفنون على اتصال دائم مهما اختلفت الأجيال، فقد تمكن الفنان د. أحمد عبد الكريم من عمل ثلاثية بعروض تشكيلية بنيت جميعها على `تيمة` ورمزية طائر الهدهد، ليفتتح مؤخراً أحدث معارضه بقاعة بيكاسو للفنون المعاصرة، تحت عنوان `هدهد بنت الجيران` قدم أكثر من 30 لوحة، وقد سبقه فى توالى وتتابع معرضان خلال الأعوام الثلاثة السابقة، بدأها بمعرض `قلب الهدهد` وبعد عام وعلى نفس النهج قدم تحت أسم `الهدهد والمعدية` لاستكمال الفكرة وخياله الذى أراد جمع عناصره فى استلهام من هذا الكائن والطائر، الذى وجد فيه د.عبد الكريم ضالته.
تحدث الفنان عن الهدهد: `كرمز لا يستهان به فقد خلقه الله سبحانه وتعالى وأيضاً ذكره فى القرآن الكريم والقصص الإسلامى وسير الأنبياء كقصص النبى سليمان وملكه سبأ، كما أن للهدهد العديد من الحكايات التى نسجت من الأثر ليصبح من المورثات المرتبطة بالعقائد والثقافة الشعبية لدى المصريين خاصة والعالم العربى على وجه العموم، فقد امتدت رسومه وتواصله من الناس من حولة حتى أنه ليزين المعابد والقصور الفرعونية القديمة.
وأكد أنه تفاجأ مثلنا بهذا الكم اللامتناهى من المفردات والجمالية التى استطاع استخدامها بواسطة رمز `الهدهد` فالطبيعة التى خلقها الله لنا ستظل تدهشنا وتبهرنا وتفوق كل ابتكاراتنا أو حتى أحلامنا. استخدم د.عبد الكريم الهدهد ليتعمق فى معانى انسانية تتعلق بالقلب والمشاعر وتجليات المتصوفين والتوحيد والخشوع، وبين نبضات المحبين والوجد والأشواق والتأمل، ثم استطاع بسهولة حملنا معه بمعرض بالجزء الثانى نحو مساحة أخرى واضعاً خطوطاً، تكشف عن الحواجز والمسافات التى تفصلنا عن الآخرين من أبعاد فكرية وثقافية تعوق تفاعلنا مع من يشاركوننا نفس الأرض، وأخيراً بتشويق لم يعتريه أدنى لمحات الملل بعرض الفنان سربه الأخير عن هذا الطائر متناولاً المزيد من الجوانب ومعبراً عن مزيد من الخبايا، لنرى فى لوحاته ارتباطاً حقيقياً بالمكان والزمان، وأيضاً إسقاطا لمشاعر الحب البريئة التى من خلالها نستكشف طبيعة قلوبنا وأحاسيسنا البكر وكأنه أستعاد من الهدهد صندوق ذكرياته القديم وبفنون تتلاحم مع المجتمع وتبث فينا مشاعر قد فقدت، نظراً لكل المتغيرات التى تحاصرنا من كل الإتجاهات، لتبقى السماء بلا حدود خانقة وفقط طائر الهدهد سيظل يتمكن من التحليق بعيداً عن كل الأنظار ويرجع فقط حين تعود للحياة فطرتها وجمالها.
بقلم : منار سليمة
الأهرام 17-2-2014
هدهد بنت الجيران فى قاعة بيكاسو
ألون طفولية مبهجة تليق بحالة الفرح التى صدرها لبنت الجيران وهدهدها .. بنت الجيران التى قصدها الفنان هى جارتى وجارتك فى السكن والعمل والحياة العامة .. والهدهد ليس مرسال غرام كما هيأه لنا عنوان المعرض بل مرسال سلام تفاعل معه بل مرسال سلام تفاعل معه الفنان أحمد عبد الكريم برؤيته الفلسفية علاقة الجيران بعضهم لبعض.
كنت بصحبة ابنتى هاميس لزيارة معرض `هدهد بنت الجيران` للفنان أحمد عبد الكريم بقاعة بيكاسو بالزمالك، وما أن أمسكت ابنتى بالبانفلت وقرأت عنوان المعرض ودارت بعينيها دورة سريعة وقالت: ` هل لبنت الجيران هدهد يتجسس على الفنان، أم هو هدهد الفنان يتجسس على بنت الجيران ` قلت لها انتظرى حتى أشاهد المعرض وسأجيبك رغم أننا هنا لمشاهدة معرضا للفن التشكيلى وليس قصة أدبية - كنا نتحدث ونحن نتابع المعرض - قالت هاميس: كان هدهد سليمان ينقل له الأخبار ويتجسس على خلق الله، فماذا يريد أن يقول الفنان؟ - وأكملت -قال الله تعالى: ( وتفقد الطير فقال ما لى لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتينى بسلطان مبين فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين إنى وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون صدق الله العظيم. قلت لها: ` لم يكن الهدهد جاسوساً ولكنه يمتلك قوة إبصار عالية ساقته جناحاه ليرى ما يحدث فى سبأ وينجذب له `، وأثناء الحديث حضرنا الفنان وسألته هاميس عن بنت الجيران.
قال لها الفنان: ` بنت الجيران هى التى تجاورنى بالمكان الذى أنا فيه فهى أنت حالياً باعتبارك موجودة بالمكان الذى أنا فيه، وهى من تقابلنى فى الشارع والمواصلات والعمل وجارتى الفعلية بالسكن.
قلت للفنان: ما هى رؤيتك الفلسفية لطائر الهدهد؟ أجابنى: الهدهد له حضور جمالى فى الطبيعة، كما أنه له مرجعية جمالية فى الحضارات المصرية، فهناك شجرة الهدهد التى تمثل رمز الحكمة عن الفراعنة. وفى الفن القبطى موجود بالوحدات الزخرفية فى الملايات والمفروشات. وفى الفن الإسلامى يزخرف الهدهد العديد من الخزفيات. ويعتبر الفن الشعبى وجود الهدهد رمزا للخير ففى الريف عندما يموت الهدهد يدفنوه بعتبة البيت أملا بحلول الخيرات.
يتميز الهدهد بحسن مظهره ورشاقته وله `عرف` على رأسه بنى اللون مرقط من أطرافه بالريش الأسود ونصفه الأسفل أسود مرقط بالريش الأبيض منقاره معقوف طويل وقوى وأجنحته دائرية وأرجله قصيرة وذيله مربع وحين يستثار ينفخ ريش رقبته ويتحول ريش مؤخرة رأسه إلى شكل مروحى.
استطاع الفنان أن يتفاعل مع الهدهد كونه حالة فنية خاصة به، واختاره ليكون رمزا يحقق من خلاله فكر وفلسفته الجمالية ويتخطى الشكل التقليدى له إلى حالة من الوعى الصوفى ليتحول إلى رمز وإشارة بصرية لمفهوم خاص له دلالاته التى أكدها الفنان بتجاوزه للتفاصيل واهتمامه بالمعالجات اللونية والظل والنور، والحركة الإنسيابية فى التشكيل الخطى الذى يتكامل مع هرمونية البناء فى تأكيد الكتلة والموضوع، وجاءت تلقائيته المبنية على وعى فى تناول الألوان المبهجة رسالة بصرية أخرى تعطى معانى إضافية لإبداع الفنان.
د. سامى البلشى
الإذاعة والتليفزيون 1-3-2014
أحمد عبد الكريم يختتم ثلاثية الهدهد فى قاعة بيكاسو
اختتم الفنان أحمد عبد الكريم ثلاثية الهدهد والتى بدأها بقلب الهدهد، الهدهد والمعدية، لينتهى بهدهد بنت الجيران بجاليرى بيكاسو بالزمالك. وسط الأمواج والأحداث التى نحياها قرر أن يقدم معرضاً عن الهدهد، ليؤكد أن الفنان احدى أدوات مقاومة التخلف الذى تعرضت له مصر، على يد جماعة أرادت أن تقبر الفن والإبداع بصفة عامة. ومن ثم على المبدع الوقوف لبناء مجتمع أفضل يخلو من التطرف والعصبية..
وفى تعليقه عن المعرض قال عبد الكريم: ان الهدهد هو العامل المشترك والأعلى لمعارضى الثلاثة، ولكنى قررت فى هذا المعرض الدخول فى مرحلة جديدة ومتزامنة مع بعضها . معرضى السابق ` لهدهد والمعدى ` كان يعبر عن بعدين: بعد المادى وأخلاقى ، والآخر بعد فلسفى والذى يتمثل فى بعد المسافة الثقافية بين الناس وبعضها ، فالفرد يمكن له أن يسافر عبر الخيال والفكر. وتابع `عبد الكريم` بأن الهدهد له أكثر من مستوى فى التفكير، منه المستوى الحضارى والذى يتمثل فى الجداريات القديمة أو بعض البرديات التى رسم عليها الهدهد، ولا ننسى أن المصرى القديم وجد فى هذا الطائر تفاصيل تظهر جمالياته من حيث اللون والشفافية، كما وجدوا له نحتاً على الأحجار. كما يوجد بعد فلسفى للهدهد وهو بعد الحكمة، كما يوجد له مستوى ثان من المعرفة فى الفن القبطى والأمثال الشعبية. كما أن المعرض لم يقتصر على تناول الهدهد فقط ولكنه تضمن رحلة العائلة المقدسة ورسم للنخلة لما تمثله من قيمة. وأذكر حديثا للرسول صل الله عليه وسلم يقول فيه ` أوصيكم بعماتكم النخلة ` قدمت بحيرة دهشور.
يسعى `عبد الكريم` إلى تقديم أعمال تخص البيئة المصرية، حيث يوجد لدية مرسم فى دهشور، وأمامه ثلاثة أهرامات، وهذا يعد بمثابة بيئة متكاملة من نخل ومياه وبحر وسط صحراء وامرأة جميلة تزن الحياة، أشاهد التقاء آخر طرف أخضر من النيل مع أول طرف من الصحراء الغربية، حيث يمثلان تضافراً قوياً، تلك البيئة توحى لى بالكثير، حتى لو لم أكن فنانا ترغمنى على حب الفن، كما أعشق تأمل الطبيعة.
وعن استخدام `عبد الكريم` للرموز قال، كان لدى معرض اسمه ` السيموطوقيا` علم العلامات ذات الدلالات المعرفية، حيث اكتشفت أن كل حياتنا رموز وعلامات وقد شعرت أن هذه الدنيا قائمة على هذه الرموز التى لا نفهمها أو نعرفها، موضحاً أن الفن التشكيلي لغة عالمية، ليس به صوتيات لكن رؤية موضوع وصورة ، والصورة خير من ألف كلمة.
كما قدمت فى معرضه `سيموطوقيا الفنون البصرية ` بحثين، حيث تعلم الكثير من خلاله المعرض وأتاحت له قراءة المعارض. مشيرا إلى أن بداية الموضوع تتحول من فلسفة إلى فن مرئى بحضور جمالى، فالفرق بين الشاعر والفنان هو أن القصيدة يمكن سماعها ومنحها أكثر من تفسير، ولكن لوحة بها `سمكة وطائر وكرسى` ما يحدث بينها يتم تفسيره حسب رؤية الفنان التشكيلى وثقافته وتقاليده.
وعن كتابة نظم تصميم الفنون البصرية، الذى فاز بمعرض الكتاب مؤخراً وقال: يقدم الكتاب رؤية معاصرة لدراسة وتذوق الفنون البصرية من خلال أربعة محاور وهى: نظم تصميم الرسوم التحضيرية وعلاقتها باللوحة الزخرفية، التصميم بين التلقائية والقصدية، نظم التصميم بفن التجهيزات فى الفراغ ` الأنستاليشن آرت ` ودور المضامين العقائدية فى تصميم مقبرة تحتمس الثانى فى وادى الملوك بالأقصر.
بقلم : سماح عبد السلام
القاهرة 11-3-2014
أحمد عبد الكريم: الفن المصرى القديم مدرسة كبيرة
` فى هذا اللقاء، يتحدث الفنان التشكيلى المصرى أحمد عبد الكريم عن تجربيته، حيث يتوقف عند أبرز المحطات الفنية التى مر بها، مستعرضاً نظرته إلى واقع الفن التشكيلى `.
` المرأة أجمل ما فى الدنيا وهى مصدر إلهام وسعادة `.
يرتبط الفنان التشكيلى أحمد عبد الكريم بالبيئة المصرية والطبيعية، حيث يستوحى منها معظم أعماله ليقدم أعمالاً فنية متصالحة معها. وهو تميز بعشقه الكبير للرموز والدلالات والعلامات المعرفية، التى قدم من خلالها رؤية تشكيلية غنية، أسهمت فى توطيد العلاقة بين الإشارة اللغوية الشفاهية والعلامة بوصفها مفردة بصرية. وهو يؤكد فى هذا الحوار `أن الفن المصرى القديم هو مدرسة كبيرة `.
ثلاثية الهدهد
اختتمت فى معرضك ما قبل الأخير ` هدهد بنت الجيران ` ثلاثية الهدهد، والتى بدأت بــ ` قلب الهدهد ` و` الهدهد والمعدية `، فماذا تقول عن هذا المعرض؟ وما مدى العلاقة التى تربطك بهذا الطائر؟
إن الهدهد هو العامل المشترك والأعلى لمعارضى الثلاثة. ولكنى قررت فى هذا المعرض الدخول فى مرحلة جديدة ومتزامنة مع بعضها، معرض `الهدهد والمعدية` كان يعبر عن بعدين: البعد المادى والأخلاقى، والآخر بعد فلسفى والذى يتمثل فى بعد المسافة الثقافية بين الناس. فعلى المستوى الحضارى يتمثل الهدهد فى الجداريات القديمة أو بعض البرديات التى رسُم عليها. كما يوجد بُعد فلسفى للهدهد وهو بُعد الحكمة. وله أيضاً مستوى ثانٍ من المعرفة فى الفن القبطى والأمثال الشعبية. كما أن المعرض لم يقتصر على تناول الهدهد فقط، ولكنه تضمن رحلة العائلة المقدسة ورسماً للنخلة لما تمثله من قيمة.
هل لك أن تعطينا نبذة مختصرة عن كتابك ` نظم وأسس التصميم` والذى فاز مؤخراً فى معرض الكتاب؟
يقدم الكتاب رؤية معاصرة لدراسة وتذوق الفنون البصرية من خلال أربعة محاور وهى: نظم تصميم الرسوم التحضيرية وعلاقتها باللوحة الزخرفية، التصميم بين التلقائية والقصدية، نظم التصميم بفن التجهيزات فى الفراغ الــــ ` أنستليشن آرت `، دور المضامين العقائدية فى تصميم مقبرة تحتمس الثانى فى وادى الملوك فى الأقصر.
رؤى مختلفة
ماذا عن الحركة النقدية وما تعانيه من غياب عن الحركة التشكيلية؟
منذ كنت طالباً فى كلية التربية الفنية وأنا أسمع المقولة الشهيرة: ` لا توجد حركة نقدية فى مصر والعالم العربى`. ربما يكون هناك بعض الحق فى ذلك، ولكن يوجد أيضاً أناس جادون والنقد فيه رؤى مختلفة. لكن فى الوقت نفسه، لا توجد لدينا مدارس تخرج نقاداً، فليست لدينا طريقة لصناعة النجم العربى، إذ لابد أن يُشار إليه من الغرب حتى نؤمن بأهميته. فالفنان محمود سعيد مثلاً، عندما اشترى الغرب إحدى لوحاته، قيل إنه فنان مهم. كما أن الفنون الإبداعية تتأثر بسوء الحالة الاقتصادية والسياسية فى مصر وأحياناً تكون مصدر إلهام.
تكامل الفنون
فنون الحداثة وما بعدها، هل يمكن لها أن تؤثر فى فنون الكلاسيكية التقليدية أو تلغيها؟
عندما قدم الفنان الفرنسى مارسيل دو شامب ` العجلة والكرسى` ، قيل إن هذه هى نهاية الفن التشكيلى. ثم خرجت بعد ذلك الوحشية والتكعيبية ثم الـــــ `مودرن آرت `. الفن التشكيلى يجر ويسحب وراءه مفكرى ومتذوقى العالم إلى ما لا نهاية. لقد أصبح الفن جزءاً من السينما، كما أصبح التعبير الشعرى لوحة تشكيلية والسينما جزءاً كبيراً من الفن التشكيلى وكذلك الشعر بات لوحة بصرية. ومنذ عشرين عاماً، تم تصنيف الفن كفنون بصرية، وهذه الفنون هى أول ما يقع عليه البصر أو تصنعه يد الإنسان ويدركها بحاسة البصر. لكن الـــ `ميديا آرت` والـــ `بيرفورمانس` سيقدمان فنوناً أخرى جديدة، بينما الرسم والنحت والخزف هى مدارس فنية موجودة بالفعل. والدنيا ستتغير، ولكن التصنيفات الجاهزة للتقنية انتهى عصرها.



هل تنتمى إلى اتجاه أو مدرسة فنية معينة ؟
أنا أنتمى لأن أـكون مصرياً. وأى فنان وصل من المحلية إلى العالمية، إنما وصل لأنه يحترم ذاته ويخدم وطنه وثقافته، ولأن عينه ليست على فنون الآخرين. الفنون يمكن أن ندرسها ونتذوقها، ولكن من دون الاقتباس منها. كل من يمشى أو يعمل فى الشارع يعد فناناً. فبائع الترمس يقدم أنستليشن ` بطريقة عرض بضاعته.
هل تنحاز إلى أشكال فنية معينة لتقديمها من خلال أعمالك؟
أقدم أعمالاً تخص البيئة المصرية. لدى مرسم فى دهشور، حيث يوجد أمامى ثلاثة أهرامات ` سنفرو` ، ` دهشور الأحمر` و` أمنحوتب الثالث` لدى بيئة متكاملة من نخل ومياه وبحر وسط صحراء وامرأة جميلة تزين الحياة. أشاهد التقاء آخر طرف أخضر من النيل مع أول طرف من الصحراء الغربية، حيث يمثلان تضافراً قوياً. تلك البيئة توحى لى بالكثير. وحتى لو لم أكن فناناً، فهى ترغمنى على حب الفن، كما أنى أعشق تأمل الطبيعة.
من الملاحظ إن للمرأة حضوراً طاغياً فى معظم معارضك، فماذا تمثل لك المرأة كفنان؟
المرأة أجمل ما فى الدنيا. فقد خلقها الله للرجل. وبالتالى، لا يمكن أن نغفل القانون الربانى أو أن تنفصل المرأة فى مكان بمفردها، وكذلك الرجل. المرأة ليست أنثى بالمعنى البسيط أو المتعارف عليه، إنما هى الأخت والحبيبة والزوجة. هى مصدر إلهام وسعادة حقيقية لكل الشعراء والمبدعين والفنانين، حيث إنها تجسد حالة احتواء حقيقية ولها الدور الكبير دائماً.
رموز وعلامات
تستخدم العديد من الرموز والعلامات فى المرأة ليست أنثى بالمعنى المتعارف عليه ولكنها مصدر سعادة واحتواء حقيقى للمبدع أعمالك بصورة كبيرة، فما دلالة ذلك؟
كان لدى معرض اسمه ` السيموطوقيا `، أى علم العلامات ذات الدلالات المعرفية. فلقد اكتشفت أن كل حياتنا هى عبارة عن رموز وعلامات. حيث شعرت بأن هذه الدنيا قائمة على هذه الرموز التى لا نفهمها أو نعرفها. الفن التشكيلى لغة عالمية، وصحيح أنه ليس فيه صوتيات، ولكن الصورة خير من ألف كلمة. والفرق بين الشاعر والفنان هو أن القصيدة يمكن سماعها ومنحها أكثر من تفسير. ولكن فى لوحة فيها سمكة وطائر وكرسى، فإن ما يحدث بينها يتم تفسيره بحسب رؤية الفنان التشكيلى وثقافته وتقاليده.
أصول فلسفية
يبدو أن دراستك الأكاديمية لم تؤثر فى حياتك كفنان بقدر ما تجلى أثر معرفتك الأصول الفلسفية فى ما وراء الأعمال. فما السبب؟
إن الفن الإسلامى مرتبط بالإسلام. ولا يوجد شئ فى القرآن يشرح لنا الفن الإسلامى أو مميزاته أو الألوان. لكن، بعدما قدم لنا هذا الفن فى المساجد والبيوت، أصبح فناً حياتياً ودينياً.كما أننا لم نر بيوت الفن المصرى القديم، ولكنها موجودة فى المساجد والمعابد والمقابر. الفنان أحياناً تكون عنده فلسفة تؤكدها لوحاته وأشكاله. ولكنى لم أتخذ من الفن الإسلامى مصدراً للوحاتى. الفن الإسلامى فن صارم يُحسب بالسنتيمتر والحركة. وأنا أسكب ألواناً كثيرة، وهذا ما أحدث لى نوعاً من التوازن. وبعد ذلك فضلت أن أكتشف الفن المصرى القديم، فوجدت أنه مدرسة كبيرة جداً. ولن نستطيع أن نعرف ما هى الأصول الفلسفية الجادة وراء هذا الفن، غير أن الدين هو الذى يوجه الناس لعمل الفن أو الفن لخدمة الدين.
غريزة فطرية
ما خطوط اللون الأساسية التى تنطلق منها؟ وهل لك عادات أو طقوس معينة؟
ليست لى خطوط معينة أنطلق منها، إنما أبدأ من أعلى سطح اللوحة، حيث أضع الألوان، ثم أكتشف الأشياء. فليست لدى مسطرة أسير عليها، ولكنى أنفعل بالفكرة حتى أصل إلى شئ معين ثم أبدأ التجويد. كما أننى لا ألزم نفسى بطقوس أو عادات معينة أثناء الرسم، فهو يأتى بمفرده. إنه غريزة فطرية. وعندما يقترب ميعاد المعرض، أشعر بخوف شديد، فأبدأ الرسم. لذا، قررت ألا أحجز المعرض إلا بعد الانتهاء من الرسم.
الفن والبيئة
أخيراً، كيف ترصد دور الفن فى خدمة المجتمع؟
للفن دور جميل فى هذا المجال بالتحديد. للفن دور حتمى وأساسى فى البيئة وفى تغيير سلوك الفرد فى الداخل والخارج. ولكن لابد من الانتباه لذلك والاستفادة منه.
بقلم : سماح عبد السلام
زهرة الخليج 18-10-2014
علاقة الرسوم التحضيرية.... بالعمل الفنى
هناك علاقة تتميز بالحيوية، تربط دوما بين العمل الفنى بصورته النهائيه بالرسوم التحضيرية وتكشف عن جوانبه المتعددة عندما كان فكرة فى مراحلها الأولية، تثير وتؤرق وجدان الفنان بتنويعاتها المتغيرة. ومن الملاحظ أيضاً أنه بقدر ما تتضمنه تلك التحضيرية من ثراء وابتكارية حول الموضوع المراد التعبير عنه بقدر ما ينعكس اثر ذلك عليه، ويكسبه صدقاً وتأصيلاً.
وعلى الرغم من أهمية الرسوم التحضيرية ، نجد أن البعض الآخر يقف معارضاً لها، على اعتقاد أنها تحمل قدراً أكبر من وعى الفنان، وهذا فى حد ذاته يتنافى مع ما يتصف به الفن بعامة من حيويه وتلقائيه، نتيجة لذلك فان الاعمال المسبوقة بالرسوم التحضيرية - حسب الرآى المعارض - تقل فيها الحيوية والناحية الوجدانية. ونحن نرى العكس من ذلك فإن الإنتاج الفنى المسبوق بالرسوم التحضيرية ، يكون بمثابة فروض تشكيلية لموضوع واحد بجوانبه المتعددة مما يتيح مجالاً أوسع للرؤيا أمام الفنان المبدع لاختيار أقربها لتحقيق فكرته أو الدمج فيما بينها، ومن جانب أخر تعتبر ايضاً مثيراً لتدفقات قد تأتى بالمبتكر.
وأقرب الأمثله على تلك الرسوم التحضيرية وارتباطها بالعمل النهائى رائعة بيكاسو (الجورنيكا)، فالمتأمل لها يدرك التغيرات التى مر بها العمل حتى وصل إلى صورته النهائيه، والتى تعتبر اختزالاً جمالياً.
والفنان أحمد عبد الكريم ينهج نفس المسار، فالأعمال المعروضه هى تنويعات مختارة من رسوماته التحضيرية، والتى تغوص بحثاً فى موضوع يؤرق وجدان وخيال الفنان وهو ( الحنين للوطن)، فنراه يتناوله بثراء وتنوع من خلال طرح العديد منها بما تتضمنه من رموز وعلامات، تحث وتدفع المشاهد، دفعاً للتأمل تارة ، وإطلاق الفكر بجوانبه المتنوعة تارة اخرى، سعياً للأقتراب وسبر أغوار المضمون المطروح، ولذا فإن هذه الرسومات فى مجملها نأمل أن تأتى بالجديد الذى يضاف لرصيد الفنان الزاخر.
أ.د حمدى عبد الله


على شاطئ عروس البحر الأحمر حط طائر النورس فاستضافه أتيلية جدة للفنون الجميلة فى غرة افتتاحاته الأولى. والطائر صاحب جولات متعددة فى مواطن المراكز الثقافية الحضارية المستنيرة ، وهو أحد أبرز فنانى جيل الشباب فى الحركة التشكيلية العربية عامة والمصرية خاصة أنه الفنان الدكتور... أحمد عبد الكريم
يفرد النورس خمسين جناحاً فنياً هى عدد لوحاته فى المعرض الأول له بالمملكة الذى يأتى فى إطار التلاقى العربى فى جميع المجالات مستفيداً من هذه الانطلاقة الواعية للحركة الفنية والثقافية السعودية التى يمنحها صاحب السمو الملكى الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز الرئيس العام لرعاية الشباب كل ما يمنحها أفاقاً أكثر رحابة واتساعاً.
فى الافتتاحات الأولى التى يبدأ بها أتيلية جدة للفنون الجميلة مشواره فى طريق اثراء الحركة التشكيلية السعودية بحث واصرار على التميز نرجو أن نحققه من خلال معرض هذا الفنان الذى يمضى بثقة وثبات وتجديد له اعتباره طوال أكثر من خمسة عشر عاما هى عمره الفنى .
ذلك هو أملنا فى هذا المعرض. أما التقديم الحقيقى للفنان د.أحمد عبد الكريم فيتولاه اثنان من كبار النقاد الفنانين العرب د. أحمد نوار رئيس المركز القومى للفنون التشكيلية ورئيس قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، والاستاذ الفنان كمال الجويلى رئيس جمعية النقاد التشكيليين المصريين بالقاهرة.
وعلى موعد دائم مع خطوات أخرى لفنانين هم بحق من الأسماء الراسخة والواعدة فى الفن التشكيلى.
بقلم : هشام قنديل

تجريبية أحمد عبد الكريم
يلمح المتابع لإبداعات الفنان/ أحمد عبد الكريم، التشكيلية عبر ما يقارب سنوات عشر، أنه تجريبى بالسليقة.. باحث متأمل.. قلق.. اكتسب عبر مسيرته الطموحة قدرة فائقة على الفرز والتجاوز والتبلور والصعود الهرمى من مرحلة إلى مرحلة..
وقد وجد نفسه وذاته - فى هذا الإطار- مؤخراً بين `تيمتين`.. المثلث الهرمى شبه الثابت والمرتكز على المستقيمات.. تقابله حركة مرنة مانجة صاخبة مندفعة هادرة لا تهدأ ولا تعرف السكون...
هذا الحوار بين الساكن الأسطورى الجليل، وبين المتحرك العارم، هو بلورة لكل تجريبيته السابقة، خلص إليها نقية متجردة من كل تأثيرات سابقية، لكن قلق الفنان وطموحات ذاته المستقلة، أحدثا هذا التطور الملحوظ ، بحيث تكشفت شخصيته الخالصة وبصمته المتميزة المنفردة...
أتصور أن أحمد عبد الكريم - تبعا لهذا السياق - قد بهرته فى طفولته وصباه المبكر أهرامات الأجداد التى صدمت للزمن عشرات القرون وآلاف السنين.. كما بهرته فلسفتهم.
هذا الحوار الدائم بين المتحرك الثابت والساكن، والذى تبلور أمام بصيرته، قد أعاد إليه شحنة كامنة فى الأعماق مرتبطة بنضارة خيال الطفولة وبراءتها وانبهارها بضخامة الكون المحيط ، فتحول المثلث إلى شراع من ورق تتقاذفه الأمواج فيما يشبه حلم اليقظة أو يقظة الأحلام...
ليس صعباً على المتابع لأعمال `عبد الكريم` أن يلمح مع الوهلة الأولى فى أعماله الجديدة أنه وضع يده ووجدانه خالصين صافيين على الطريق.. مشاركا بجدارة وصدق ونقاء فى إثراء حركتنا التشكيلية بين الخلصاء الحقيقين - من المبدعين...
الناقد : كمال الجويلى

الفنان/ أحمد عبد الكريم
فنان ديناميكى الشخصية.. كانسان وكفنان مبدع.. دؤوب.. باحث.. متعمق..
دائرى الرؤية.. حلزونى التفكير.. ومتعدد الأبعاد والتقنيات..
فنرى فى العموم التشكيلى لأعماله تنوع المفردات وتأكيد عملية البناء والتصميم واضحة وخاصة فى المجموعات الفنية الموحدة ذات الفترة الزمنية المكثفة بالأنتاج.. والتى نرى فيها العناصر الرأسية النماء.. والمستقيمة ذات نهائيات مرنة تحطم النمط الهندسى الصريح..
والفنان يتحرك فى مساحته البصرية بأفكاره وأدواته بذكاء محققاً اندماجاً عضوياً لعناصر البناء والتشكيل.. وهذا البعد يشكل قضية هامة فى أعمال الفنان..
والرسم فى أعمال الفنان تتحرك فيه عناصر البناء المحكم حيث تمتد الدرجات الظلية ذات المساحات المتدرجة إلى اعماق التعبير المجرد اللانهائى وتصطدم الموجات الضوئية بما يسمى بالعنصر الثابت كمفردة لتتناغم فيه حركة بصرية موسيقية، تتجلى فيها التوليفات الخطية والبؤر الضوئية.. وتتعالى أنماط البناء الرأسى لتتعاظم نهايات الاشكال بزخارف تمتد آثارها إلى عمق تاريخى محدد بالفنون الاسلامية القديمة..
وتظهر (الاصابع.. النبات) فى عدة لوحات نرى فيها التحول بين الطبيعة والانسان.. بين حركة البناء للايدى ذات الخمس أصابع والنبات ذات الخمس وريقات لتتناسق حركة الاشكال والصوت المرئى من عمق توليفى موسيقى.. ويتوسط هذه المنظومة الحصان الرمز.. وهذه المجموعة تؤكد على دلالات فلسفية لأستخدام الرمز والمفردة فى قالب تجريدى تعبيرى جديد..
ويطالعنا الفنان بمجموعة جديدة تتركز فى موضوع محدد.. Tima ويتداخل فيها المد والجزر ما بين الدرجات الرمادية البيضاء إلى الداكن منها ومن العمق القاتم الأسود إلى حرارة الألوان الدافئة...
المركب الشراعى الورقى (اللعبة).. والدوامة، هى مركز التغلغل فى هذا الموضوع.. ومركز الحصار.. وعنصر الحركة.. والمقاومة.. والدفع.. والأنطلاق فتتسم المجموعة بالاستيلاء الحركى على الشكل المركزى.. تذكرنا بحركة البندول.. حيث نرى الشكل (المركب) كعنصر ذات دلالة أنسانية تاريخية وكعنصر شعبى نراه فى حالة الدوران والبحث عن الخروج من دائرة الدوامة.. ومن دوامة المجهول واللون الاسود قابض على المسطح بشكل بناء قدرى للفكرة..
.. والفنان يمتلك قدر كبير من الحضارة الابداعية..
.. والفنان من جيل يؤدى دور أكاديمى له أهمية فى أواخر القرن العشرين.. ليؤكد هذا الجيل على أهمية الفن فى حياة الانسان فى ضوء متغيرات ثقافية وفكرية أدت للكشف عن قيم جديدة للفن..
أ.د. أحمد نوار

عاشق التراث الحضارى
أحمد عبد الكريم فنان يعشق التراث.. التراث الحضارى والذى يتجلى فى الحضارة الفرعونية والإسلامية.. التراث الشعبى.. التراث الجغرافى والبيئي متمثلاً فى الطبيعة من أرض ومناخ وعبقرية إنسان.
كل هذا إنما يشكل الخلفية الثقافية والفكرية للفنان.. بوعى شديد ينحو الفنان أحمد عبد الكريم إلى البعد الميتافيزيقى فى هذا التراث الثرى. ويتضح هذا الوعى فى كيفية استدعاء كل هذه القيم التراثية فى صياغة معاصرة مؤكداً أو مبرهناً على أن التراث كائن حى دائماً يعطى الكثير إذا ما اقتربنا منه بوعى وبصيرة. هو نبع لا ينضب أبداً فى كل الأزمنة.. فقط على المبدع أن ينقب وينبش بين ثناياه. كل هذا يطل علينا فى أعمال الفنان من خلال صياغاته لعناصر بناء الصورة.
الإنسان عنصر هام وحاضر دائماً فى بناء الصورة. فهو غالباً المحور الذى تتمركز حوله كل العناصر.. فهو المخلوق والمؤهل لحمل الرسالة ومكلف بتوصيلها... لذا فمن النادر أن تخلوا صورة للفنان أحمد عبد الكريم من الحضور الإنسانى وضوحاً وتلميحاً، ولكن شكل الإنسان هنا يأخذ بعداً تعبيرياً خاصاً. فهو لم يعد الإنسان المحدود المعالم بل هو يتحول إلى الإنسان المطلق.. فالإنسان نفسه يتحول بتراكيبه المختلفة والمتنوعة إلى رسالة ذات بُعد ميتافيزيقى.. حيث يأخذ فى بعض الأحيان بعداً أسطورياً فى بنائه لكى يؤدى رسالة تشكيلياً.. فهو إنسان نصفه السفلى بشرى بتشريحه الواقعى بينما الجزء العلوى قد يتحول إلى شجرة مستدعياً فى هذا تلك الشجرة المعطاءة التى ترضع طفلاً فى التراث الفرعونى. إنها إيزيس واهبة الحياة.. وكأنها إشارة إلى أن الأصل هو الإنسان حيث يوحى إلى الجذور الثابتة فى الأرض.. إنها تلك الثقافة المتأصلة فى الإنسان المصرى منذ القدم. إنها ثقافة الإنسان الزارع أنها ثقافة الحضارة الزراعية.. أول حضارة على وجه الأرض ويصبح الإنسان فى أعمال أحمد عبد الكريم هو أوزوريس الذى ينشر الخير والنماء حيث نرى الجماعات من هذا الإنسان الأسطورى المكون من نصفه إنسان ونصفه شجرة. تسير متلاحمة وكأنها رمز لانتشار الأمان والاطمئنان فى ربوع الوادى أو هى إيزيس التى تنشر الحنان والحب والأمومة الخلاقة وتارة نرى الرجل والمرأة فى علاقة وئام ملؤها الحب والحنان فى تشكيل يقترب فى البناء الفرعونى.. فأحياناً تبدو وكأنها تمثال رمسيس الثانى على واجهة معبد أبو سنبل... ومرة تقف فى مقدمة الصورة متداخلاً مع بقية العناصر ذائباً معها فى كيان واحد على الرغم من تصدره للمشهد.. فقط. اختلف فى لونه الساخن والذى أكده ما يحيطه من ألوان باردة وأخرى على هيئة `سلويت` فى ألوان باردة ويحيطه أيضاً ألوان باردة يفصلهما فقط اختلاف المعالجة وأحياناً فى جمع أسرى تقف على الشاطئ فى انتظار المعدية وفى داخل داره يتشاركان هو وزوجته فى حمل سمكة رمزاً للخير بينما يظلهما عش لطيور وكأنها تحميهم.
ومن العناصر الهامة فى أعمال أحمد عبد الكريم عنصر الطائر. لاسيما طائر الهدهد بشكل أساسى ثم البط والأوز ونادراً ما نجد عملاً يخلو من طائر الهدهد الذى يرى فى أعمالها هنا وكأنه حورس الحارس الأمين يقف أحياناً على قاعدة وكأنه نصب تذكارى صيغ من رخام أبيض.. بينما فى عمل آخر تتراص مجموعة من طيور الهدهد فى خطوط أفقية متوازية فى علاقة حوار بينها وبين بطتين أسفل التصميم وفى عمل آخر هدهد يقف على النهر.. بينما آخر يهبط من السماء وكأنهم يحرسان تلك المعدية التى بدى ركابها فى حالة اطمئنان كامل وكأنهم أمينو لهذ الحارس الساهر عليهم وفى حوار بين هدهدين حيث يبدو الحوار عنيفاً من حركة الأجنحة التى بدت وكأنها تحولت إلى أقواس.. ومرة أخرى وفى صفوف أفقة لمجموعة من الهداهد والتى جاءت الصفوف العلوية تقيم حواراً فى هذه المرة مع النخيل والمراكب.. ولكن الكل يتوجهون نحو الضوء القوى من الجانب الأيسر من الصورة وكأنهم يستقبلون بزوغ الشمس فى مطلع النهار وفى مستطيل مضئ يتهادى طائرى هدهد فى هدوء تام نحو مجموعة من الزهور حيث تؤكد هذه العلاقة الرومانسية وفى علاقة أسرية حميمية. يطل طائر الهدهد الضخم من أعلى... ويقف وكأنه علق فى السماء حامياً الأم وهى تحتضن فرخها الصغير. وفى عمل آخر يقف طائر الهدهد فى أعلى الصورة فى حوار مع الإنسان.. ثم يخرج بين ثنايا الخلفية ومحلقاً فى السماء كسحابة تظله من يقظ حرارة الشمس وكأنه لا يريد أن تحس به الكائنات الأخرى فهو دائماً الحارس وإنه كائن غير مرئى وعلى المعدية نجد الهدهد دائماً يقف يطمئن هو ويطمئن ركابها... وفوق المعدية يحلق الهدهد بينما يشير فى هدوء يحيط بها البط والأوز. ويتصدر المشهد فى أحد الأعمال واقفاً على مركب وكأنه إله فرعونى بُعث من جديد إلى الحياة... وفى أحد الأعمال يخلق الهدهد من الأرض والنيل وكأنه يسكنها أو أنها تسكنه.
السمكة من العناصر الحاضرة أيضاً فى معظم أعمال أحمد عبد الكريم... تارة تصبح بضخامة المعدية التى تمشى كظلها فى المياة بنفس حجم المعدية ومرة تدخل فى نسيج الخلفية... ومرة تصبح إلهاً يركب مركب مذكراً بقرص الشمس الذى يركب مراكب الشمس فى الحضارة الفرعونية بينما يحرس المركب من الناحيتين صفين من الطيور تقف وكأنها جنود حراسة فى حالة انتباه... وعندما تكون السمكة ضمن ركاب المعدية يصبح لها بُعداً آخر فهى العنصر الأضخم والأكبر... وحينما تصبح السمكة هى حوت `يونس` `علية السلام` بداخلها معدية بها عاشقان مطمئنان ينظر إليهم ذلك الحوت الذى يحتضنهم بعين حانيه استعارها الفنان من المصرى القديم، وكأنه يقول أن صفة الحماية والحنان من صفات الشخصية المصرية بينما يقف فوق هذا الحوت هدهد عند المقدمة وتأكيداً لحالة الاطمئنان يتجه الحوت وبداخله العاشقات وكذلك توجه الهدهد من فوقه إلى مجموعة من الزهور مؤكداً حالة الرومانسية التى تغلف الصورة... ويتحول الحوت فى عمل آخر إلى صديق محب ترسل بإشارات هذا الحب على شكل قلب إلى المعدية تتجه نحوه حيث نرى صدى هذه الرسالة فى القلوب الثلاثة التى تسكن المعدية... وأحياناً تتحول السمكة إلى كائن تخرج منه النباتات وكأنه أرض خصبة تشارك فى النماء المعدية... وأحياناً تتحول السمكة إلى كائن تخرج منه النباتات وكأنه أرض خصبة تشارك فى النماء.
وأحياناً تتحد السمكة مع الهدهد والنباتات فى كيان واحد... وأحياناً السمكة تصبح جزءاً من ساتر يطل من ورائه النيل حيث تسبح فى ضوء الشمس المراكب على صفحته وفى عناصر الطبيعة التى أكدها الفنان أحمد عبد الكريم فى أعماله فروع الشجر بأوراقها المتنوعة... الزهور... والنخلة. فمن فروع الأشجار وأوراقها صاغ الجزء العلوى من الإنسان الذى تحول إلى شجرة... كذلك نجد هذا العنصر من ورق الأشجار والفروع منتشر فى مجموعة من الأعمال. أما الزهور فغالباً ما يستخدمها الفنان فى حالة رغبته إضفاء حالة من الرومانسية على العمل...
أما النخلة فواضح أن لها مكانة خاصة عند الفنان لدرجة أنه فى عمل من الأعمال قد جعل من النخل عشاق... فبين نخلتين قريبتين من بعضهما فى علاقة تمارس رسم بينهما قلب مؤكداً حالة الحب بينهما.
أما عنصر المركب فلقد رسم الفنان ثلاثة أنواع من المراكب... مراكب النيل.. مراكب الورق... المعدية وهى العنصر الذى أولاه الفنان الأهمية الكبيرة بين هذه العناصر حيث أن المعدية استخدمها الفنان وكأنها رمز للعبور من حالة إلى حالة... من جانب إلى جانب... فتحولت بذلك إلى كونها ليست فقط معدية ولكنها حياة كاملة بكل ما تعنيه الكلمة فعلى ظهر المعدية تنمو الأشجار وتبنى المنازل ويصطحب الإنسان ومعه ما يحب... الزوجة والحبيبة... الأصدقاء... وأحياناً تتحول إلى قهوة بلدى وأحياناً تتحول إلى سفينة نوح يحمل عليها الإنسان وأسباب الحياة... البشر... وحتى الحمار... والحمار هنا له وضع خاص بالنسبة للفنان فهو لم يرسم حيواناً آخر غيره سواء على الأرض أو فى المعدية.. وذلك لأن الحمار... ذلك الصديق النبيل للفلاح المصرى له خصوصية دون كافة الحيوانات عند الفلاح... ذلك (حمار الأسية) دون كلل أو ملل وبصبر عجيب حيث أننا نجد أحد الأعمال قد خصص للحمار... يسير على الأرض... يركب المعدية ولا يشاركه فى هذا العمل سوى الهدهد على استحياء حيث يتوارى ولا تظهر منه سوى أجزاء بسيطة... وفى أحد المعديات والتى ترصصت عليها كراسى قهوة بلدى نجد أنه فى مقدمة المعدية قد جلست على أحد الكراسى ملكة فرعونية فى ثوب أبيض يعلوها طائر الهدهد كل هذا فى تصميم منفتح مرتبط بخبرة بعدية بعناصر الطبيعة فى علاقاتها... بأنهارها وبحورها... جبالها كل هذه العلاقات بين عناصر الطبيعة إنما تحس بشكل مباشر فى أعمال أحمد عبد الكريم كلها...
فليس هناك علاقة بين عناصر الصورة فى تصميم مغلق... بل دائماً هو تصميم يأخذنا إلى اللامتناهى إلى الطبيعة الكونية فى بناء العالم من حولنا ولكن فى علاقة تخرج من منطق المحدود إلى بُعد آخر... ليعكس حقيقة العلاقة الكونية بين هذه العناصر... علاقة التوحد بين الجزء لتحقيق الكل... فمركب تسبح فى فضاء السماء... وربما شجرة تنمو فوق مركب... وربما بحيرة فى السماء يسبح فيها طائر... ربما معدية سابحة فى الماء افترشتها كراسى القهوة البلدى وكأنها امتداد طبيعى للأرض... وتارة لمسات عريضة حرة تشكل فى بعض الأحيان سُحب... وأخرى أمواج بحر هادر... وأشجار تسير على أقدام البشر... وشموخ طائر الهدهد فى وقفة على قاعدة عملاقة ذاد من صرحيتها أفق لبحر خلفها وكأنها نصب تذكارى لحارس على هذه الأرض، وهذا الإنسان إلى تحول إعلاه إلى شجرة إنما يجلس على أريكة تراثية فى الفن الإسلامى سابحة فى السماء متخطياً منطقة الجاذبية المدرك إلى جاذبية روحية أخرى تعلو إلى المطلق أنه حلم الإنسان أن يصبح شجرة مثمرة ومحلقاً فى سماء تعلو فوق عالم الإنسان الضيق وحيث تصبح عشاً حانياً وصافياً لأفراح طائر أودعته أمة آمنة مطمئنة عليهم... ويتخطى الفنان منطق النسب والحجوم بين العناصر... فربما طائر أكبر من مركب بما فيها وربما طائر أكبر حجماً من شجرة أنه منطق البناء الفنى والصدق فى التعبير الفطرى بل وإستيعاباً لمنطق بناء العمل الفنى من فنون الحضارات... ولاسيما تراث الحضارة المصرية القديمة وحين يشعرنا الفنان بحديث الهدهد فى حواره مع آخر فى أحد الأعمال التى أكدت هذا الحوار بأنه قام ببناء هذا العمل على طائرى هدهد فقط. وكأنه الدنيا كلها قد خلت من حولهم وحتى تتنصت فتسمع صوتهما... إنها حالة من حالات العبقرية فى صياغة العمل ومفهوم التصميم فى بناء حديث... وكأنها الفنان فى هذا العمل يذكرنا بقصة الهدهد مع سيدنا `سليمان` عليه السلام... وفى كثير من الأحيان يبدو البناء وكأن العناصر تقف فى منظر طبيعى... سماء فى الأعلى وأرض يعلوها مساحة من الضوء فى أعلاها تلامسها مع السماء مؤكداً باقتدار المنظور محققاً به أبعاد الصورة... ولكن هذا المنظر الطبيعى يفاجئك بأن العناصر التى تتحرك عليه ليست بهذا المنطق البصرى... فيحرك على أرض المنظر شجر يسير على أقدام... وعلى الرمال تسبح معدية ليسكنها فلاح وزوجته ومعهم رفيقهم الدائم وهو الحمار... وتتحرك الرمال من المعدية إلى نهر تسبح فيه سمكة ضخمة تشكل ظلاً للمعدية وبحجمها... إنها علاقة سريالية وعالم استبطانى شديد الخصوصية... منظر آخر يعلوه سماء حمراء أمامها مبانى قبابها زرقاء وتقف على مساحة مضيئة.. كل هذا يأتى فى مساحة أقل من ثلث مساحة الصورة... ويبقى الجزء الأسفل والأكبر الذى يتحول إلى نهر تسبح فوقه مراكب... ويخلق على صفحة مياهه أشكال لطيور ونخيل فى حالة من التعبيرية الوحشية ولكى يتحقق كل هذا البُعد الميتافيزيقى الذى يحتضن عالم الفنان أحمد عبد الكريم فنجد أن الفنان اتبع أسلوب تقنى لتحقيق هذا ` البُعد الميتافيزيقى` فهو يبدأ بأن يغطى المسطح بمجموعة من الألوان والتى تقوم بدورها فى استفزازه واستنفار الحالة الإبداعية عند الفنان... ويبدأ حوار المواجهة بين الفنان والمسطح هذا... والفنان هنا ليس لدية فرض مسبق يفرضه على المسطح بل كل ما عنده هو الإحساس بحالة خاصة تجاه المسطح... هذه الحالة تبدأ باختياره المجموعة اللونية التى افترش بها المسطح... ويبدأ الحوار بين الفنان والمسطح حيث يصبح المسطح هنا بعد أن اكتسته الألوان نداً عصياً للفنان... وهنا يبدأ الخيال يؤدى دوره مستعيناً بتك التداعيات التى تبدأ فى استدعاء الذاكرة البصرية للخروج بعناصر الصورة من تحت ستار الألوان المنتشرة على المسطح... ويبدأ الفنان فى تحديد الخطوط الخارجية للعنصر بأنه يحيطه بنغمات مبتكرة فى تشكيلها... هذه النغمات والتى تخرج وكأنها فى النهاية نسيج لخيوط متماسكة ومنتشرة فى اتجاهات مختلفة فى درجة نصوع أوعتامة... لأنها فى غالب الأحيان ما تكون للون واحد بدرجات أضواء وظلال حول كل عنصر... وهكذا تبدأ معالم الصورة تتضح ثم تبدأ معلام تتضح ثم تبدأ الإضافة كعناصر وأشكال أخرى يمكن أن يضيفها الفنان بعد ذلك. لكن فى كل الأحوال يترك الفنان للخلفية اللونية التى قام بتحضير المسطح بها وجود وحضور حيث أنه بين هذا النسيج من النغمات الخطية إنما يترك لها فى توجهاتها المختلفة ليحدد اتجاهات هذه النغمات الخطية.
أما العناصر كالنخلة... أو الطائر... فيبقى للخلفية الدور الأساسى والرئيسى فى تشكيلها... وهنا تبدو فى النهاية المساحات المخططة بلون واحد تقريباً... وكذلك الأشكال وكأنها قد تشكلت بألوان كثيرة... وتلعب هذه الألوان أحياناً دور الضوء أو الظلال فى بناء الشكل أو فى حركة الخطوط... وأحياناً ما تكون هناك لمسات بفرشاه عريضة فى حركة عنيفة تحمل شحنة تعبيرية عالية... ولخبرة الفنان الكبيرة ومقدرته الإبداعية يترك لهذه اللمسات الحرية فى أن تلعب دورها فى بناء الصورة حتى أنه يترك لتلك الحالة التعبيرية أيضاً تدخل فى تشكيل العناصر الأخرى كالمراكب والطيور بل وربما أن تعطى فى النهاية إيحاء بسماء ملبدة أو بحر هائج.
وهكذا عندما نقف أمام أحد أعمال أحمد عبد الكريم إنما نجد أنفسنا أمام بناء جديد للعمل الفنى فليس هناك تصميماً بالمعنى المتفق علية فى الفن لكننا أمام بناء وتصميم جديد ومختلف. تصميم ثرى استطاع الفنان من خلال تحقيق توازنات جديدة فى البناء وذلك من خلال توزيع العناصر على المسطح والتى جاءت وكأن الفنان لا يفرض على أى عنصر لونه أو موقعه أو حتى ربما شكله. إنما الفنان هنا يخضع لفرض العنصر ما يريد من تحقيق ذاته من مكان على المسطح ومن لون ومن شكل... بل ومن اختيار العنصر الذى يجاوره...إنها حالة من حالات التداعى التشكيلى الفنى لبناء الصورة... وهنا يتحقق بُعداً هاماً وهو كيفية تحقيق هذه العلاقة بين الخيال والبعد الميتافيزيقى وبين هذا المنطق فى البناء والشكل... إنها قدرة كبيرة لفنان كبير استوعب التاريخ وعاش المعاصرة كذلك نجد أن اللون والضوء عند الفنان أحمد عبد الكريم إنما يؤكد تلك الخصوصية ويساعد فى تحقيق هذه الرؤية الميتافيزيقية... فالألوان فى علاقاتها دائماً تتبع منطقاً خاصاً... ألوان لا تخشى التجاور الذى حرم فى فترة من تاريخ التصوير... بل جاءت الألوان فى تناسق غير تقليدى... لكن قدرة الفنان استطُاع أن يحقق هذا التحاب والعشق بين ألوان ربما كانت خصومات الماضى، والضوء بما صاغه لنا من هذا النسيج بما يحتويه من أشكال تذكرنا بلعبة البحث عن الغير مرئى لتكتشف فى النهاية `رجلاً أو امرأة` أو سمكة أوطائر أو شجرة أو رسم لقلب... أو بيت.
أحمد عبد الكريم فنان محب للفن عاشق لعمله يملك الطاقة والصبر الكثير وتلك صفة العاشقين ويتضح هذا من أسلوب المعالجة والتقنية... والتى تعطينا فى النهاية عالماً شديد الخصوصية. إن العالم الفنى لهذا الفنان إنما يشع طاقة إيجابية تسمو بالمتلقى إلى أبعاد تعلو فوق الواقع المحدود والضيق إلى عالم أوسع وأرحب وأجمل.
أ.د .مصطفى عبد المعطى

الهدهد والنخلة والسمكة أبطال معرض د. أحمد عبد الكريم
-دائم البحث .. لذلك دائما ما يخرج علينا خلال معارضه بأعمال فنية ذات حالة خاصة ومتميزة .. فاتخذ من الطبيعة متكأً لمفرداته الجمالية بعد أن انتقل بمرسمه إلى دهشور لنجد الهدهد تارة بطلا لأعماله وتارة أخرى النخلة أو السمكة أو المركب .. متأثرا خلال معالجته بالحضارات المصرية القديمة المختلفة والرموز المستجلبة من الفن الشعبى .. ومع ذلك كان يشغله الفن الإسلامى بصفة خاصة منذ دراسته فى كلية التربية الفنية .. فاشتغل عليه بحثاً وتجريباً فنياً حتى حصل على درجة الماجستير عن رسالة بعنوان - النظم الإيقاعية فى الفن الإسلامى الهندسى - ثم درجة الدكتوراة عام 1990 حملت عنوان ` نظم تحليل الهندسيات الإسلامية `، موضحاً من خلال ذلك أن الحضارة الإسلامية أثرت تاريخ الإنسانية بكل أبعاده .
-عبر لوحات آخر معارضه الفنية التى أطلق عليها عنوان ` تحية إلى الواسطى` .. المقامة بجاليرى الزمالك للفنون اغترف فناننا د. أحمد عبد الكريم من نهل تصاوير المخطوطات الإسلامية بكافة تطورات مدارسها من المدرسة العربية والمغولية والصفوية والتيمورية .. ليقدمها لنا ذات نكهة معاصرة .. ليعيد التعريف بواحد من جيل العباقرة الذى يعد من أهم الفنانين الذين ابتدعوا السمات الفنية الخاصة والمعايير والتقاليد التى عرف بها الطابع الفنى لما يسمى بالمدرسة العربية لفنى الرسم والتلوين .. وهو الفنان العراقى يحيى بن محمود الواسطى حيث تمثلت فى تصاويره ذروة الرسوم الإسلامية فى القرن السابع الهجرى والثالث عشر الميلادى عبر مصوراته فى مخطوط ` مقامات الحريرى ` التى تعد من أشهر الكتب الأدبية الإسلامية .. وتأتى أهميتها فى نقل ملامح المجتمع البصرى فى العهد العباسى من شخصيات إجتماعية ورسم معالم المدن آنذاك إلى تفصيل عادات أهل ذلك الزمان الذى لم يعد قائما .
-عبر مجموعة منتقاه من المقامات أعاد عبد الكريم صياغتها معتمداً فى حلوله التكوينية على السمات العامة لفن المخطوطات الإسلامية بشكل عام التى تتميز برسم الوجوه من وضع ثلاثة أرباع والملابس الفضفاضة .. ذات الأكمام الواسعة يلتف حولها عند العضد أشرطة عليها كتابات وزخارف .. كما تميزت رسومه بالبساطة وعدم التعقيد دون إتباع لقواعد المنظور أو الضوء والظل والبعد عن التجسيم والميل للتسطيح والتجريد .. كذلك نجده يميل للتحوير والتبسيط فى رسوم الأشجار والنبات والجبال والعناصر الزخرفية .. ومع هذا فإن الصور تنبض بالحياة والحركة ..
- أما العناصر الآدمية فصورت بشكل إصطلاحى دون مراعاة أى نسب ذات مفهوم رمزى حيث أن الشخص الأكثر أهمية يرسم أكبر حجماً من باقى الأشخاص .. كذلك رسمت العمائر بطريقة إصطلاحية مبسطة .. ورسم المياه والأسماك بطريقة زخرفية بعيدة كل البعد عن التجسيم .. ويظهر هذا الإسلوب الزخرفى أيضا فى رسم طيات الملابس .
- ولم يفت عبد الكريم رسم بعض الحيوانات مثل الإبل والخيل.. ليظهر الجمل بطلا منفردا فى لوحة تارة وتارة أخرى يظهر وسط مجموعة من الجمال .. وبذلك أعطى للجمل شخصية خاصة تختلف عن أى جمل آخر .. وبأسلوبه الخاص أظهر طريقة فريدة فى رؤية الأشياء والحيوانات التى كانت جزءا من نسيج حياة الأفراد لتلك المرحلة ليعطى تلك اللحظة حق تقديرها باعتبارها جديرة باهتمام الفنان وريشته .
- وعلى عكس الإسلوب المتبع لمدرسة الواسطى - المدرسة العربية- التى لم تكن فيها مساحات الصور محددة بإطار .. ودون أى تلوين للخلفية وكذلك نادرا مانجد مايدل على أرضية بل كانت تعتمد على خط أرض واحد دون وجود أى عمق .. ليتخطى عبد الكريم فى بعض لوحاته هذه القوانين ليظهر عمق المدرسة المغولية..وسماء المدرسة التيمورية والزخارف الإصطلاحية لقصور المدرسة الصفوية . . مستفيدا وجامعا بين التأثيرات الشرقية والإيرانية .
- وفى أعمال أخرى يستغل عبد الكريم أقواس رقاب الجمال ليرد عليها بإيقاع قوس زخرفى معاكس فى الإتجاه مفعمة بمفردات شعبية ولتعزيز الجانب الزخرفى، استعان فناننا بالأشكال المختلفة المستوحاه من العناصر المسيحية والساسانية والشرقية لتضيف قيما جمالية تتجاوز الحقيقة البصرية .
- وفى لوحة أخرى يطرح عبد الكريم مفهوم البعد الثالث عبر عمل بروز نحتى لمركب ذى ملامس مختلفة عن باقى اللوحات ..
- كما أجاد عبد الكريم استخدام القيم اللونية البراقة والزاهية بدقة .. خاصة اللون الأحمر والذهبى مما رفع مستوياتها التعبيرية تماشيا مع أسلوب الواسطى من خلال تناغمها مع خطوطه لتحديد قسمات ملامح الشخوص العربية .
- إن أبرز مقومات الفنان د. أحمد عبد الكريم الفنية القابلية الممتازة على الاقتراض من كل المعطيات الفنية التى وصلت إليها فنون الإنسانية وإعادة تركيبها وصياغتها بإسلوب معاصر .. لذلك استطاع الربط بين الماضى والحاضر .. ووفق فى تحيته للواسطى .
بقلم : شيماء محمود
الكواكب 17-1-2017
أحمد عبد الكريم
- تداخلات متصلة من زمن بعيد .. يمتد بصره ليرى تواريخ من ألف عام .. يقف عند حكايات قديمة، ويقرأ كل مافيها ، وماتخبئه ، وبعضا من خيالات الرواة .. ..يستقر بصره على مقامات الحريرى فيكون أرقه .. كيف يعيد ذكراها .. تدفعه الحكايات وخطوط ` يحيى بن محمود الواسطى` فيمتطى ظهر الخيول والجمال ويسير بين الحكايات، فيتكشف الجديد فيشهر فرشاته التى توقظ فى الشخوص وتحرك المفردات ، وتعيد الحياة للكائنات .. تحركها ، وتعيد توزيع الحياة .
- انجذب الفنان أحمد عبد الكريم إلى مقامات الحريرى التى ألفها محمد الحريرى البصرى ، وهو من أوائل أدباء عصر الأدب العربى ( 446ه هـ / 1054 م- 6 رجب 516 هـ / 11 سبتمبر 1112 م) وهى من أشهر المقامات الأدبية التى تعتمد على السجع والبديع بأسلوب مبتكر تدور حكاياتها بين شخصين بأسلوب تمثيلى بديع
- وهى كما جاء بمقدمتها ` خمسون مقامة تحتوى جد القول وهزله، ورقيق اللفظ وجزله . وغرر البيان ودرره . وملح الأدب ونوادره . إلى ماوشحتها به من الآيات ، ومحاسن الكنايات، ورصعته فيها من الأمثال العربية، واللطائف الأدبية ، والأحاجى النحوية، والفتاوى اللغوية ، والرسائل المبتكرة ، والخطب المحيرة ، والمواعظ المبكية ، والأضاحيك الملهية ` .
- وبعد 127 عاما تقريبا تناولها الرسام والخطاط العربى الشهير ` يحيى بن محمود الواسطى` عام 1237 ميلادية ، وأحياها من جديد بمئة منمنمة تترجم أحداثها برؤية تشكيلية تعبر عما تناولته، وممهورة بتوقيعه لتعود المقامات بثوب جديد ويكون لها الفضل فى تسجيل أول عمل فى التصوير يعرف اسم مبدعه.
- ويلتقطها الفنان أحمد عبد الكريم فاتحا نافذة جديدة لنطل منها على إبداعاته التى تأخذنا لمشاهدة أوسع لتلك النصوص الخمسين بكل مافيها من جمال وما يرافقها من إبداعات تشكيلية .
- وقام الفنان بتوظيف ابداعات الفنان ` الواسطى ` فى تشكيلات لوحاته فربط بينا وبين أسلوبه الخاص وتيماته التى عرف أسلوبه من خلالها فى تناول الطبيعة من وجهة نظره من خلال الهدهد الذى يجو السهول والوديان، ويعتلى الأشجار ، ويعبر الأنهار.
- وفاجأنا الفنان عبد الكريم بانطلاقة مختلفة عن أسلوبه الذى دار فى فلكه فترة كبيرة فغير فى أرضيات وخلفيات لوحاته من خلال الرسم بالماء وتذويب الأكليرك ليتحرر اللون مع معايشة تأثيرات رخامية يقوم بالتفاعل معها وتشكيل بعض العناصر والمفردات الخاصة به من وريقات ونخيل وتشكيلات زخرفية قبل جفاف اللون ، ويضيف مايراه متوافقا ومنسجما مع هذه التأثيرات فى مراحل أخرى من التشكيل .
- وقد أخذ عبد الكريم صورا كاملة للفنان ` الواسطى ` وكيفها بصياغة لونية تخصه ، وفى بيئة تشكيلية تميز بها ، وحذف وأضاف فى لوحات أخرى . فأصبح لدينا ثلاثة اتجاهات تحكم فيها الفنان وهى مساحات الصدفة التى بنى عليها عالمه، ومنمنمات ` الواسطى ` التى تناولها، وأسلوبه الذى عرفناه من خلاله ليقدم مزيجا تشكيليا جديدا أنتج من خلاله عددا من الأعمال المترابطة المتميزة ، والتى تأكد فيها التناغم والإيقاع بين التشكيلات الثلاثة .
بقلم : د. سامى البلشى
الإذاعة والتليفزيون 21-1-2017
البحث عن الذات
- افتتح مجمع الفنون ، فى الأسبوع الماضى دورته الجديدة بعد أن سحب البينالى الرابع اذياله بإيجابياته وسلبياته عقب ثلاثة أشهر كان فيها ضيفا ثقيلا على قائمة الاتنظار .. وفى الطابق العلوى من المجمع احتلت أعمال الفنان الصاعد احمد عبد الكريم ، اربع حجرات ازدحمت بتجاربه التى يحرص دائماً على أن يقدم فيه جديدا يضيفه إلى رصيده المتعدد الجوانب والأساليب ..
- وكواحد من أبناء كلية التربية الفنية فإنه يحمل فى جعبته كما كبيرا من التجارب التى اكتسبها منذ ايام الدراسة ، ولهذا لا يدهشنا أن نرى المنهج التجريبى يشغل تفكيره ويسيطر على جميع نشاطاته كاستمرارية لنشاتة الداسية التى تعتمد أساسا على محاورة الخامات المتعددة الطبائع واستضافتها بحثا عن لغة جديدة وعنصر تشكيلى يضاف إلى قائمة الابجديات السابقة مما يتيح لدائرة التعبير اتساعا أكبر وتنوعا أكثر ..
- وبمتابعة أعمال الفنان الشاب منذ نزوله إلى الساحة كفنان مبدع سنة 1983 نجد أن إيقاع الكشف والبحث يزداد سرعة ووثبا ، فهو يحاول أن يجعل لكل معرض يقيمه محورا يدور حوله ، واسما يحدد سماته مثل ` معماريات وجدانية ` المثلث الأبيض ، حبر أسود على ورق أبيض ، حوار بين الاشكال والملابس ، ويبدو أن العنوان الاخير هو الطريق الذى آثر ان يواصل فيه رحلته ، باعتبار الشكل والملمس العنصرين الأساسسيين فى عملية التشكيل ، فجعلهما حجر الزاوية فى جميع أعماله محاولا استخراج عصاراتهما الكامنة إلى آخر قطرة .. وحريصا على التعامل مع الأشياء بمنطق تحليلى يقوم على الحسابات الرياضية والقوانين الكونية باعتبارهما المقومات الطبيعية التى يقوم عليها أى عمل إبداعى مهما اختلفت فيه لغة التعبير وطريقة الأداء.
وإذا كان التجريب يعتمد اساسا على المغامرة واقتحام المجهول وطرق آفاق جديدة بحثا عن وسائط غير متداولة ، فإنها بالنسبة للعمل الفنى مثل السلم الموسيقى ، ومثل النتائج المعملية التى تتم فى حقول التجارب حيث لا ينبغى الاكتفاء بالتجربة و إنما ينبغى استثمارها لما ينفع ويفيد .. والفنان ` أحمد عبد الكريم ` يدرك بوعى ناضج هذا المطب الذى يقع فيه كثير من الفنانين الاستعراضيين الذين يعتمدون على الشكل وحده .. ولذلك يلجأ إلى مضمون معنوى يبثه فى الأشكال المبتكرة .. مضمون يساعد الشكل ولا يفرض عليه ` مضمون ليس من الضرورى أن يكون أدبيا أو وصفيا ، وإنما يكون بمثابة القلب النابض للوحة والعبق الذى يشح منها وينفذ إلى الأعماق ....
- ويتجسد طموح الفنان فى لوحته العملاقة التى يكثف فيها حلمه الكبير بأن تنهض مصر وتنطلق كالبراق وبالأشكال الموميائية والأفق المشرق وبالعديد من الرمزيات التى يعبر بها عن الموضوع مؤكدا قدرته على التاليف والرسم بنفس القدرة الادائية التى تفوق فيها إلى حد كبير ...
- ورحلة التجريب والتحدى تتعرض أحيانا للكبوات حيث تغوص فى ثناياها الملامح الشخصية والسمات الفردية ، ويتسيد فيها العقل وتختفى الومضة الإنسانية أو البذرة الذاتية التى هى أروع هبات السماء للإنسان باعتبارها القلب النابض الذى يحرك ما سواه من الوسائط والمتعلقات .. وهذه نتيجة طبيعية يتعرض لها كل مغامر يختار الطريق الصعب .. ولهذا لابد لمعرض بهذا الكم وهذا الاندفاع والحماس أن تتفاوت فيه درجات التوفيق ، وياحبذا لو انتقى الفنان من هذا الكم الكبير خير النتائج وقدمها فى معرض خاص كمحصلة ناجحه لهذه التجربة الطموح ، وكعلامة متميزة فى مشواره الطويل الذى يعلن عن مولد فنان جاد ، يصعد السلم بإيمان وثقة وإصرار يحسده عليه أبناء جيله .

بقلم : حسين بيكار
من كتاب أفاق الفن التشكيلى
` الهدهد والمعدية ` ودهشور الجنة العذراء
- فى مصر المحروسة بيوت عديدة ، أقامها فنانون ، وأصبحت أوعية للإبداع تفيض بالسحر والجمال ، وتسمو بالفن .. وكل بيت يعكس شخصية الفنان .
- وهناك بيوت تعد بمثابة مدارس ، تحاورت فيها الأفكار ، وتخلقت الصور ، وتسابقت وتلاحقت قيم التعبير..ولعل من بين هذه البيوت بيت ` الفن والحياة ` بكفر الشرفا ، للمفكر والمعلم حامد سعيد ، وهو أول بيت بناه المهندس حسن فتحى رائد العمارة البيئية المصرية عام 1942 قبل قرية الجرنة بأربع سنوات ، والذى أصبح مدرسة تبنت الحوار والتفاعل مع التراث المصرى والطبيعة المصرية.
- وقد كتب حامد سعيد عن الطبيعة يقول : ` إن الطبيعة ومشاهدها ، وما توحى به ، وما تعطيه بالنسبة لنا أم كبرى، ومربية أولى ، ومحبوبة أثيرة نسعد بهديها ونعترف بفضلها / وننتشى بوصلها ، ولاحد لما ندين به لها ، وقد توالت بيوت الفن المحفوفة بسحر الطبيعة ، والمسكونة بالعمارة التراثية من العمارة الشعبية الريفية ، أو العمارة ذات اللمسة الإسلامية .
- فى ضاحية دهشور التابعة لمحافظة الجيزة .. تلك الجنة العذراء التى ما زالت تذكرنا بروح الريف البكر ، الذى لم تلوثه أيادى المدينة ، وثورة التحديث .. يطل بيت الفنان أحمد عبد الكريم ، وسط خضرة ظلية كثيفة من أشجار الموز والمانجو ، مع أربع نخلات حارسات من أركانه وزواياه الأربع .. وهو بيت ريفى شعبى ، يحتوى على مصاطب ، وقبة تعلو حجرة النوم .. لم تمتد إليه المحارة الأسمنتية ، ولكن كسوة من الطمى والطين النيلى .
- أهرامات دهشور
- وفى عام 1991 تحققت أمنيتى بمساعدة د0 فرغلى حيث يقع على مرمى البصر ثلاثة أهرامات، من يراها فى البداية يتصور أنها أهرامات الجيزة ..
- يضيف : هنا تطل بحيرة بركة دهشور، والتى على الجانب الغربى منها تطل تلك الأهرامات الثلاثة المعروفة بأهرامات دهشور .. وهذا المناخ الجغرافى الخاص أعطى تنوعا فى الرؤية والخيال والمفردات، فالمياه تتقابل مع صحراء دهشور فى شريط واحد ، مما يزيد عدد التنوع والثراء لكل من النباتات والطيور التى تتردد على المكان طوال العام..
- الطفولة والمؤثرات الأولى
- الخيال : نعود إلى شخصية الفنان عبد الكريم والبدايات الأولى ، والمؤثرات فى الطفولة ؟
- يقول : ولدت ونشأت بحى باب الشعرية الذى قضيت فيه فترة قصيرة من طفولتى ، وانتقلنا بعد ذلك إلى حى السيدة زينب وتشبعت بالروح الشعبية هنا وهناك .. وأنا أدين بالمؤثرات الأولى لوالدتى .. فرغم أنها لم تكن متعلمة ،إلا أنها كانت تمتلك ذكاءاً فطرياً ككل الأمهات المصريات ..
- كانت تتركنى أرسم عندما اكتشفت شغفى بالرسم ، وكلما اكتشفت امتلاء الكراسة بالرسوم تشجعنى ، وأفاجأ بكراسة جديدة تقوم بشرائها لى .. وفى مدرسة مصطفى كامل الإعدادية بلاظوغلى .. كان الأستاذ العطار أستاذ التربية الفنية يأخذنى من الحصص الأخرى ، لأرسم وأشكل تماثيل وأوانى خزفية.
- وحصلت بعد ذلك على دبلوم المدارس الثانوية الميكانيكية بترتيب الأول على الجمهورية ، ومن العشرة الأوائل فى الرسم الهندسى والصناعى .. وعملت بعد ذلك رساما فى معهد العلوم التكنولوجية بالتبين ، وكان هذا المعهد مسؤولا عنه الخبراء الروس ، وعندما قام الرئيس السادات بطردهم تم إغلاقه .. وهنا فكرت فى الحصول على الثانوية العامة ` منازل` ، ووفقت والتحقت بكلية التربية الفنية وتخرجت عام 1981 الأول على الدفعة بمجموع 92.6 % .. ولاشك أننى مدين بالكثير لأساتذتى بالكلية .
- ولما كان التراث التشكيلى المصرى شاغلى الأول فى كل عصوره ، فقد حصلت على الماجستير فى الفن الإسلامى والدكتوراه عام 1995 فى الفن المصرى القديم ، وعلاقته بالفن المعاصر.
- وأول معرض شخصى؟
- جاء أول معرض لى تحت مسمى` معماريات وجدانية ` ، وجاء من وحى أعلى قلعة صلاح الدين على مدينة القاهرة ، ومن هذا الارتفاع وجدت المعماريات يتوسطها مساجد مصر التاريخية : أحمد بن طولون ، والسلطان حسن ، وعمرو بن العاص فى تحاور وتآلف .. ومن هنا جاءت مجموعة لوحات تشكل علاقات وجدانية بين هذه المعماريات ، فهذا بيت كبير يلتف حوله مجموعة من البيوت الصغيرة فى أشكال غير منتظمة ، بينها علاقات حوار ومودة وتآلف ، كما لو كانت عائلات معمارية .. يبزغ من بينها بعض النخيلات والأشجار التى تؤكد هذا التآلف وتضفى على المكان الحيوية .
- ثم جاءت تحولات الغربة بعد سفرى خارج مصر .. ولا شك أن الغربة تلقى بظلالها على الفنان وعالمه .. فكانت تلك المراكب الورقية التى أسقطها على السطح التصويرى بمثابة معادل نفسى ..فهى مراكب النيل التى تحولت إلى أشكال صماء ، والتى تجمدت بفعل الغربة .
- وبعد عودتى استمرت نفس المراكب ، لكن بعد أن دبت فيها الحياة والحيوية ، وأخذت تطفو على النيل محفوفة بالنخيل .
- ومفهومك للعمل الفنى المركب ` الانستليشن` ؟ .
- هو بالنسبة لى يمثل فى الهرم المقلوب ، والذى يعنى انعكاس الأوضاع مما كان حادثا من قبل 25 يناير.. تجسيدا رمزيا لتلك الحالة التى عاشتها مصر طوال 30 عاما .
- وقد تشبع الفنان أحمد عبد الكريم بروح الطبيعة .. ظهر هذا من خلال أحدث معرضه ` الهدهد والمعدية ` والذى أقيم فى العام الماضى بقاعة اكسترا .. قلنا له ما المعنى والعلاقة بين الهدهد والمعدية ؟
- الهدهد أكثر من عبر عن المعدية بالنسبة لى ` جئتك من سبأ بنبأ عظيم ` ، وهو مع حكايته مع سيدنا سليمان يعد أيضا مع البومه رمز الحكمة عند قدماء المصريين بالإضافة إلى أنه ملك الطيور جماليا .. وهو يعنى بالنسبة لى العبور إلى زمان ومكان جديد من خلال المعدية التى تعد رمزا للانتقال والتحول.
- وأتصور أن هذه المرحلة هى مرحلة استقرار فى حياتى من حيث التأمل والملاحظة للنيل والنخيل وبحيرة دهشور ، كما أننى أعيش على جداريات الفن المصرى ، أنهل من مدرسة الفراعنة وعندما ينتابنى نوع من القلق أو الحيرة ، أو عدم الاستقرار أتوجه إلى مدينة الأقصر أتزود من تلك المدرسة التى تتجاوز كل الحدود فى الفكر والتصميم والروحانيات .. فى محاولة للتواصل والحوار التشكيلى مع حضارة الأجداد.
- وفى تصورى أن الفنانين الشبان الذين يأخذون تجاربهم من الغرب ليس لهم شواطىء ولا بدايات ولا نهايات .. التراث المصرى ملىء بالروحانيات ، وروعة التشكيل والتعبير ، وعلينا أن نتأمله ونستوعبه من أجل ترسيخ دور الفنان المصرى المعاصر على مستوى العالم .
- وتعد أحدث أعمال الفنان عبد الكريم تلك المجموعة من المعلقات أو الشرائح التصويرية الطولية ، والتى سوف يعرضها بالمركز الثقافى المصرى بباريس فى شهر نوفمبر القادم .
يقول عنها : جاءت فكرة الأعمال بعنوان ` بااحبك .. با احبك .. با احبك ` بعد تولى المرأة المصرية منصب القاضى ، كما لو كان هذا فجر جديد للمرأة المصرية فى العصر المعاصر .. ولكن بالرجوع للتاريخ المصرى القديم نجد أن الملكة ` تى ` والدة إخناتون تمتلك قوة كبيرة فى الشخصية ، جعلته لا يتغنى عنها كمستشارة قانونية ، كما يلجأ إليها فى النواحى الحياتية الاجتماعية والدينية .. كما كانت زوجته جميلة الجميلات نفرتيتى ذات سطوة ورأى حر جرىء مع أول من نادى بالتوحيد.
- ... هذا الفرعون العظيم.
- لقد كان للمرأة فى الحياة المصرية القديمة دور حضارى كبير.. ولعلنا نتذكر الملكة حتشبسوت التى ينتسب إليها الآن أجمل معابد البر الغربى بالأقصر ` معبد الدير البحرى ` والتى قامت برحلة إلى بلاد الحبشة والصومال ` بلاد بونت قديما، لاكتشاف منابع النيل ، وجلب الذهب والنباتات والطيور والحيوانات ، وأول من أقامت على وجه الأرض حديقة حيوانات ، ضمت فيها الأسود والنمور والقرود ، والفيلة ، وهذا مسجل على جدران المعابد.
- وهناك الجميلة رع حتب، التى يقف أمامها زوار المتحف المصرى فى خشوع ورهبة ومحبة ولطف ووداعة لتأمل وجهها الجميل .. إنها المرأة المصرية .
- كل هذا وراء تلك الأعمال التى ستعرض بالمركز الثقافى المصرى بباريس فى نهاية هذا العام إن شاء الله ، تأكيدا على قيمة المرأة المصرية .. ويضم 25 شخصية من رموز الفن المصرى القديم من الرجال والنساء على حد سواء ، بمثابة إضاءة على فكرة المساواة فى الحقوق بين المرأة والرجل .. من بينهم نفرتيتى وحتشبسوت ورع حتب وتى مع إخناتون وأحمس وتحتمس الثالث والد إخناتون . وهى معلقات على توال بألوان ` الأكليريك ` سريعة الجفاف .. على مساحات موحدة 50 سم × 20 متر.
- والفنان أحمد عبد الكريم يشغل حاليا وكيل كلية التربية الفنية .. قلنا له ماذا تمثل لك كلية التربية الفنية ؟
- كلية التربية الفنية فيها حالة اجتماعية ربما لا نجدها فى كليات أخرى .. حالة من المودة والمحبة تسود هيئة التدريس مع الطلاب .. ولقد كنت محظوظا لأننى درست الفن على أيدى مجموعة من الأساتذة الكبار من رموز الحركة التشكيلية المصرية والذين ساهموا فى تكوين شخصيتى كطالب وفنان درسوا لى الرسم والتصوير والخزف والنحت والطباعة ، والتصميم ، وأولهم سعد الخادم وجاذبية سرى وعبد الغنى الشال .
- و.. عالمه
- فى أعماله يؤكد أحمد عبد الكريم على تواصل وخصوصية الفن المصرى .. والذى يتزاوج فيه الأصيل مع المعاصر .. التراثى مع الحداثى ... مستلهما إيقاع الجداريات الفرعونية مع سحر الأسطورة .. وقد تألق هذا بلمسته التعبيرية التى تقترب من الأحلام والرؤى فى آفاق سيرالية .. فقد سافرت فرشاته على جناح الخيال خاصة وتحتفظ ذاكرته البصرية بالتراث المصرى القديم فى أبهى تجلياته مثلما نرى فى الآلهة ` نوت ` ربة السماء وزوجة الإله ` جب ` إله الأرض والتى تناولها الفنان المصرى القديم فى حالة ابتلاعها الشمس عند كل غروب وإعادة ولادتها عفية قوية ساطعة عند كل صباح .. وقد عمق هذا الحدث الأسطورى من خلال جملة التشكيلية وصياغاته ومنظوماته المتنوعة والتى تلغى المسافة بين الحلم والواقع وبين المنطقى والخيالى .
-هنا يطل الثور المقدس .. ينساب بحركة الحياة من الشخوص الإنسانية والحيوانات إلى المراكب .. مراكب الشمس التى أصبحت رمزا ، وتحولت عند عبد الكريم إلى مراكب ورقية سابحة فى فضاء الأعمال وتحولت الوجوه البشرية إلى أسماك .. كما تقف النساء رشيقات حالمات تستبدل وجوههن بملامح الأشجار ، وتيجان النخيل.
- هو عالم طقوسى شديد الطرافة يحتشد بالمفردات والعناصر المصرية من القلوب والنجوم والنباتات .. التى تشكل أهرامات مع الكراسى والمناضد وأفراخ البط والجياد الرشيقة.. ووسط كل هذا تموج حواء الشجرة وحواء النخلة وحواء السمكة رمزا للخصوبة فى حركات إيقاعية تعكس سر الحياة والخلود.
- فى أعمال الفنان عبد الكريم نلتقى مع برديات مصورة جمع فيها أيضا بين ملامح الحداثة .. وتعبيرية المعاصرة.
- وما أجمل أن نرى الهرم هذا الكيان المعمارى الأسطورى الضخم عائما على الماء داخل مركبة ورقية ، وفى الأفق يحلق السحاب فى سلام ومودة .. وما أشبه حواء السمكة والتى تمتطى دابة فى أحد الأعمال حاملة مركبة وهرم غارقة فى زمن لا ينتهى ... ما أشبهها بفلاحة مصرية فى طريقها إلى الحقل .. إنها أسطورة الوجود وذاكرة الأشياء للحب والمحبة فى هذا الزمن المصرى .. ودعوة روحية عبر كونية الوجود رغم ما يحيط بعالمنا المعاصر من ضغوط وصراع ومآسى الحروب التى تنشب من لحظة لأخرى، تفصل المدن الممزوقة بالحدود المصطنعة والحواجز الوهمية.
- وفى أعماله عموما نلمح رشاقة وانسياب الخطوط وطلاقة التكوينات التى تنقلنا من حالة درامية إلى أخرى ، ومن إيقاع إلى إيقاع .. مسكونة بالدهشة وحيوية المساحات التى تتوقد بالأضواء والظلال.. إنها معزوفة الطبيعة.
- وتمثل رحلة عبد الكريم مع الإبداع رحلة من الدأب جعلته فى المقدمة مع قلة من أبناء جيله وقد تألقت أعماله الأخيرة فى تنوع وثراء ما بين لوحات الرمال والتى تبدو نقوشا على جدران الزمن المعاصر، كما نرى فى لوحته المجسمة ` الهدهد والسمكة `و المسكونة بالملامس المتنوعة والتأثيرات والنقوش فى حالة درامية ومذاق مختلف مع أحدث أعماله التصويرية الملونة .. والحافلة بنبض أخر وإيقاع جديد.
- فى إحدى اللوحات يقف الهدهد على أحد المعابد الفرعونية وكأنه يعلن هذا النبأ العظيم الذى يوصينا بالتمسك بحضارة الأجداد والتواصل معها .
- ونطل من نافذة على مراكب الشمس بهيئة مراكب ورقية سابحة فى النيل غارقة فى ضوء أبيض مع الأصفر الاوكر البهى، وتنساب النقوش فى مقدمة اللوحة بالبنى المشوب بالحمرة ، تجسد دنيا من التداعيات الزخرفية .. من أوراق الشجر وأفراخ البط والأسماك فيها روح الطبيعة المصرية وحيويتها.
وتقف مركبتان فى كثافة ورسوخ فى إحدى لوحاته بالأخضر الممتزج بالأصفر و البرتقالى .. على خلفية من طيات القماش التى تنقلنا إلى حالة من الإيهام تتداخل مع الطبيعة المفتوحة ..وهنا يطل جواد مجنح فى نقوش من الأحمر معلق فى الأفق بمساحة من الزرقة النيلية .
فى أعمال عبد الكريم يتأكد عمق هذا التزاوج من سحر الطبيعة بدهشور وتألق التراث المصرى .
- تحية لتلك المساحات السعيدة ..التى هتفت بروح مصر وجمال مصر.

مجلة الخيال العدد ( 23 ) فبراير 2012
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث