جمال كامل
جمال كامل .. الغوص ` تشكيليا ` فى البورترية
- جمال كامل واحد من أهم وأشهر فنانى جيل الرواد فى الرسم الصحفى ، بدأ إبداعه من خمسينيات القرن الماضى وحتى ثمانينياته ، حصل جمال كامل الذى ولد فى محافطة أسيوط عام 1926 ، على دبلوم مدرسة الفنون الجميلة - كلية الفنون الجميلة حاليا - قسم التصوير عام 1984 ،وتتلمذ على يد الفنان الكبير أحمد صبرى رائد فن البورترية فى مصر ، وتأثر به بشدة خاصة فى أسلوبه الفنى وتصويره للبورتريهات ، فسار على منواله فى تحليل شخوصه والغوص فى أعماقها بحثاً عما يميزها من النواحى الفكرية والتشريحية .
- عمل بعد تخرجه فى كلية الفنون الجميلة كرسام صحفى فى دار ` الهلال ` حيث قام برسم العديد من الأغلفة والرسوم الداخلية ، ثم انتقل بعدها للعمل فى مجلة روزاليوسف كرسام صحفى وتدرج فى مناصبها وصولا إلى منصب المستشار الفنى للمؤسسة ، كان خلالها الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين دائما ما يتدارس معه حول فكرة لوحة الأسبوع التى كان لابد أن تعبر عن معنى سياسى أو اجتماعى ، وراح يرسم شخصيات ساخرة فى المتن مع تعليقات أكثر سخرية ، بالإضافة إلى رسومه للشخصيات بريشة حرة مميزة ، وبخطوط ميكانيكية مدروسة ، وصور شخصيات نجيب محفوظ على صفحات مجلة ` صباح الخير ` .
- أقام ` كامل ` ثلاثة معارض فردية فى الولايات المتحدة الأمريكية ،وأقيم معرض لأعماله بقاعة النيل فى عام 87 بعد عام من وفاته ، كما أقيم معرض لأعماله بقاعة الدبلوماسيين الأجانب بالزمالك ، عرضت أعماله فى الرسم الصحفى ضمن المكرمين فى معرض الرسوم الصحفية الدورة الأولى بقصر الفنون مارس 2004 ، كما عرضت أعماله فى معرض ` الوجه الآخر لفنانى صاحبه الجلالة ` بأتيليه القاهرة فى عام 2007 ، وحصل بعد وفاته على نوط الامتياز من الطبقة الأولى بمناسبة اليوبيل الماسى ( 75 عاما ) بكلية الفنون الجيلة عام 1983 .
بقلم : أحمد سميح
مجلة روزاليوسف -2009
موسيقى الألوان وانسانية الشكل
- حين استدعى الاسكندر الأكبر الفنان ` أبل` ليكون مصوره الشخصي، لم يكن يدرى أننا سنؤرخ لبداية ظهور ` فن البورتريه` أو ` فن تصوير الوجوه`، وقد خاض هذا الفن مشوارا طويلا فيما بعد حتى أكتملت صورته في مصر فى العصر القبطى (40-250م) .. وفى أوروبا خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر .. وها هو فى عصرنا الحديث.. فى بلادنا.. ويطل علينا مع فجر القرن العشرين حتى تكتمل صورته فى المعرض الذى ستقيمه قاعة الدبلوماسيين الأجانب، لفناننا الكبير: جمال كامل.
- ربما لم يلتق الكثيرون من محبى الفنون الجميلة بلوحات جمال كامل، إلا على أغفلة ` مجلة صباح الخير ` وفى الرسوم المصاحبة لقصص كبار الأدباء على صفحات ` روز اليوسف ` وكبريات الصحف والمجلات . ومرجع ذلك أن هذا المعرض هو أول معارض الفنان فى القاهرة، وكان ينبغى له أن يقام منذ 22 عام.. منذ أن تخرج الفنان فى مدرسة الفنون الجميلة العليا.. ألا أنه آنذاك كان يحمل بين جنبيه - ككل أبناء جيله ـ تلك الفكرة المثالية التى تنادى بأن اللوحة الفنية لا يحق لصاحبها أن يعرضها إلا إذا كانت جديرة بالمتاحف.
- نفس الفكرة التى منعت بول سيزان العظيم ـ مفجر حركة الفن الحديث ـ من أن يقيم معرضاً فرديا، حتى قبيل رحيله ستة 1906... ولو تأملنا محتويات المعارض الجماعية التى تقام في بلادنا بين أسبوع وآخر، بل وفى بلاد أخرى لبحثنا عبثا عن لوحات `البورتريه` كما نبحث عن قطع الماس في صحراء من الرمال.
- هكذا اختار جمال كامل الطريق الصعب . اختار أن يدخل من الباب الضيق ..حيث لا مجال لطغيان الأساليب الفنية على إنسانية الإنسان.. أجمل الكائنات جميعا كما يقول الخالق.. وكما يردد الفنان فالإنسان فى عينى جمال ، ليس هو تلك الملامح الظاهرية فقط شأنه شأن الشجرة أو البرتقالة أو المنظر الطبيعى كما يرى سيزان وليس هو العينان والأنف والشفتان.. كما يرى معظم مصورى البورتريه. إنما هو سيمات نفسية ووجدانية وآمال وأحلام .
- هذا هو البعد الرابع الذى وضعه جمال كامل فى شخصياته التى تتسم دوما بالرقة والهدوء والدماثة واللياقة وهى سمات يتصف بها الفنان نفسه هكذا يختار هو نماذجه ولا يترك لها ان تختاره إنه لا يرى إلا كل ما هو خير فى الانسان، معتقدا أن كل ما هو غير ذلك من نقائص قدر لا دخل لصاحبه فيه .
- إن ترجمة هذه الانسانية الى ألوان وخطوط وأشكال مهمه صعبة وعسيرة التحقيق إلا إذا بلغ الفنان قدره خارقة على التعبير وقد أصبحت أدوات هذا التعبير لا تحتاج منه إلى لحظة تفكير أعنى بعد أن يصبح اختيار اللون المناسب.. والخامة المناسبة سواء كانت الزيت أو الجواش أو الباستيل أو الخط والشكل المناسبين، بعد ،أن يصبح كل ذلك سهلا هينا مستجيبا لأنامله بمجرد ورود الخاطر الفنى على دنيا خياله، فنحن لا نتصور أن بيتهوفن حين أبدع رائعته الأخيرة وهو أصم كان فى حاجة لآن يتأكد من صحة الـ `دو` أو الـ `فا` لأن مفاتيح البيانو كانت تستجيب لخاطره فورا دون وعى أو تفكير.
- وهكذا إذا تأملنا لوحه فى معرض الفنان جمال كامل كلوحة` الفتاة ذات المنديل` الملونة بالجواش، تصورنا أن بقع الألوان قد عرفت مكانها فى أنحاء اللوحة فقفزت من الباليته لتستقر حيث هى ولم تكن ريشة الفنان سوى وسيلة أنتقال فحسب كل بقعة عرفت درجتها وشدتها ونصوعها وسمكها ومساحاتها نستطيع أيضا أن نتصور أن جمال حين نظر إلى الفتاة أن يرسمها تخيلها باقة من الزهور تشكلت على هيئة وجه مصرى فيه كل فتنة الأرض الطيبة وزخارفها كانت ألوان الجواش هى الخامة المناسبة لما فيها من رقة ونضارة ثم كان الحلم، الذى دام ساعة وبعض الساعة ليفيق بعده الفنان وقد تجسد أمامه فى لوحة ` الفتاة ذات المنديل`.
- يختار الفنان النموذج ويختار معه نوع الألوان فى نفس الوقت. فلكل بورتريه مفتاح كمفتاح الصول فى الموسيقى وحين يختار الموسيقار مفتاح مقطوعته، فإنه لا يفعل ذلك عبثا. إنه البداية التى على أساسها يتحقق الخاطر الفنى على أكمل وجه. وقد اختار جمال كامل لفتاته ذات المنديل مفتاح اللون. إلا أنه أحيانا يختار مفتاح الشكل أو الفورم، كما حدث مع وجه فتاة أخرى حيث كانت ألوان الزيت هى الوسيط الذى يؤدى إلى تحقيق الهدف. كانت فتاة شعبية يتفجر وجهها بالحيوية كالتفاحة النضرة الناضجة. فالخاطر الفنى يرد على خياله متكاملا حتى ليكاد يراه مرسوما على قماشه وليس عليه سوى أن يساعده على الظهور ولكن... مهما اختلفت مفاتيح اللوحات أو مداخلها، فلكل وجه طابعه الإنسانى الرقيق الهادئ المطمئن.
- فى لوحات جمال كامل .. تبدو شخصية اللون.. والخط.. والشكل.. أو الفورم، تماما كما تبدو فى لوحات كبار التجريديين... إلا أن جمال، يضيف الخلجة الإنسانية، وينفخ الروح فى تلك الخطوط والأشكال والألوان فتستوى وجها يطل علينا من إطار اللوحة كأنه فرح بالحياة الجديدة.
- وقد تتزاحم الألوان فى خاطر الفنان ذات ساعة لم يتوفر فيها النموذج أو الموديل المناسب هنا يهرع الفنان إلى قماشه فتتنقل الألوان من خياله إليه لتصبح تآلفا فريدا من الأزرق والأحمر يسفر عن وجه تعبيرى الطابع.. فتطل علينا ` سيدة مجهولة` بعيون واسعة وسمات غريبة وهى من البورتريهات النادرة فى معرض الفنان التى لا نموذج لها. وبعد 32 عاما من الابداع.. لا يتحرج الفنان الكبير من عرض باكورة أعماله ، ضمن عرضه الأول الذى يضم عشرات اللوحات، من بينها لوحة ` الفقر` وهى تفصيله من مشروعه لنيل الدبلوم سنة 1948، تؤكد موهبته الأصيلة التى صقلتها الممارسة اليومية عبر هذه السنين الطوال فاكتسبت ما نراه من طلاقة وتدفق.
- ورغم أن المعرض لن يضم الجانب الصحفى من إبداع الفنان إلا أن الرسوم المصاحبة للقصص.. ولوحات الأسبوع التى كانت تتوسط أعداد روز اليوسف فى الستينيات ما زالت عالقة فى أذهان محبى الفنون الجميلة إنها تكثف عن بعد آخر لقدرة الفنان وطلاقته التعبيرية. كانت فكرة ` لوحات الأسبوع` هى المسح الاجتماعى لقطاعات المجتمع المصرى. وكانت فرصة الفنان الرقيق المجامل لكى يصور أشخاصا لا يعرفهم. فحملهم كل ما عرفه من نقائص الإنسان ورذائله بخطوط وأشكال تمزج بين الرسمين الإيضاحى والكاريكاتورى.
- إلا أن جمال كامل .. قد وصل بفن ` البورتريه` إلى قمة رفيعة.. وسط بحر الأساليب المستحدثة التي أغلقت الكثير من إنسانية الإنسان.
مختار العطار
من كتابه رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر - الجزء الثانى
مايسترو الفرشاة والألوان
تمر هذا الأسبوع ذكرى رحيل أستاذى الفنان جمال كامل ، قد لا يعرف شباب الفنانين وطلبة كليات الفنون اسمه ، فقد رحل عن عالمنا منذ ثمانية وعشرين عاما، هو ظاهرة فنية وإبداعية لا تتكرر كثيرا وأحد أساتذة فن البورتريه فى مصر .
قضى ما يقرب من أربعين عاما يقدم رسوما للصحافة حيث عمل بدار ` روزاليوسف ` منذ عام 1950، كانت أعماله ثورة فى فن الرسم الصحفى، حيث احتوت على القيم الفنية العالية، وذلك من حيث التكوين والتعبير واستعمال الألوان بجرأة وحرية، قال عنه صديقه الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين ` إنه يملك أجمل ريشة `.
حقق جمال كامل المعادلة الصعبة ما بين الالتزام بالتعبير الجمالى والالتزام بالتعبير الواقعى، استطاع أن يسجل الروح المصرية بمهارة فائقة على الورق وعلى قماش اللوحات . قدم أعمالا لفتيات بمناديل بنات البلد ونساء الأحياء الشعبية بالملاية اللف ومدخنى الشيشة وعازفى الربابة، كما قدم لوحات لراقصات شرقيات وشعبيات تفيض بالحيوية والحركة .
فى بداية عمله بروزاليوسف قدم بابا أسبوعيا بالحبر الشينى تحت اسم ` لوحة الأسبوع` قدم فيه مسحا اجتماعيا لقطاعات المجتمع المصرى خصوصا الطبقة المتوسطة فى فترة الخمسينيات وحتي 1960 حيث قام بنقد عاداتنا بأسلوب يمزج بين الرسمين الإيضاحى والكاريكاتيرى.
عبر فى تلك الرسوم عن أحلام وآمال الإنسان البسيط ونقائضه خلال حياته اليومية، كان مثل الفنان الأمريكى المعروف نورمان روكويل الذى صور الحياة اليومية الأمريكية على غلاف مجلة بوست.. تألقت ريشته مع روايات صديقه إحسان عبد القدوس، فقد كانت رسومه هى الترجمة التشكيلية لمشاعر وعواطف إحسان.
كما قال الكاتب كامل زهيرى كما أبدعت ريشته الرسوم لرباعية صديقه الكاتب الراحل فتحي غانم ` الرجل الذى فقد ظله` ولا أحد ينسى رسومه المدهشة لرواية ` الغبى` لفتحي غانم أيضا، وقد رسم جمال كامل لفتحى غانم لوحة بالأسلوب التكعيبى وهو يكتب رواية ` الجبل` .
عندما صدرت مجلتنا `صباح الخير` عام 1956 بدأ جمال كامل رسم غلافها أراد أن يتذوق المواطن العادى أعمالا فنية مثل التى يراها فى المعارض، فقام برسم بورتريهات بألوان الزيت الباستيل لفتيات مصريات من مختلف طبقات الشعب، عكس فى وجوههن السحر والفتنة بالوجه الشرقى، وقد شاهدته فى سنواته الأخيرة وهو يقضى أياما فى رسمهن بمرسمه فى ` صباح الخير` ليكون بعد ذلك أغلفة للمجلة .
عشق جمال كامل الإنسان وكان يراه أجمل المخلوقات ولذلك أحب فن البورتريه وأصبح أحد أساتذته ووصل بهذا الفن إلى قمة شاهقة لا ينافسه فيها إلا الفنانون بيكار وصبرى راغب.
فى أعمال جمال كامل يبدو اهتمامه الشديد بتجسيد الكتلة أو الفورم والتعبير بالبقع اللونية، ولذلك كان الإحساس بالصرحية هو الصفة المميزة لأعماله كانت شخوصه التى يرسمها تبدو لنا فى ثقل وأبعاد بارزة وتظهر كتماثيل ملونة تبرز من سطح اللوحة يصبغها بألوانه الدافئة الجميلة ولمسات فرشاته الحية، ويرجع اهتمامه بالكتلة لتأثره بالفنان الفرنسى سيزان الذى كان يحبه ويراه أهم فنان فى تاريخ الفن، وقد بدا تأثير سيزان عليه فى لوحاته الشهيرة لصديقه عبدالحليم حافظ ، تطل علينا شخوص بورتريهاته فى وداعة ورقة وتبصرنا بحيويتها وجمالها وإنسانيتها لم ينقل جمال كامل الوجه الإنسانى نقلا حرفيا ولكن كان الينبوع وبداية رحلة التخيل والإبداع فى عالم الألوان التى كان يسقطها بملء فرشاته لمسة بجوار لمسة لتعطينا فى النهاية سطح اللوحة الذى تراه عيوننا، ويبرز فى النهاية الشكل فى حقيقته المادية. سجلت ريشته مشاهير الثقافة والفن فى عصره من عبدالحليم إلى أم كلثوم وسناء جميل ويوسف شاهين وفتحي غانم وتوفيق الحكيم وغيرهم .
وهذه اللوحات باقية فى بيوت أصحابها رغم رحيلهم وكما قال إحسان عبد القدوس ` الفن لا يموتى ` .
جمال هلال
مجلة صباح الخير 25/ 11 /2014
معرض الفنان جمال كامل فى برلين
- أقام المكتب الثقافي المصري، معرض فني للوحات الفنان الراحل جمال كامل بعنوان `شاهد على العصر`، وذلك بمقر السفارة المصرية ببرلين.
وقد حضر افتتاح المعرض كريمة الفنان الراحل هالة جمال كامل وحضر الافتتاح ما يقرب من 60 شخصا من الألمان المهتمين بالثقافة المصرية إلى جانب الجالية المصرية والعربية وأعضاء السفارات الأجنبية.
وقد قام المستشار الثقافى الدكتور أحمد فاروق غنيم، بتقديم الفنان والتحدث عن تاريخه الطويل والمشرف فى رصد ورسم المجتمع المصرى بريشته المعبرة، كما قام الدكتور بدر عبد العاطى السفير المصرى ببرلين بتقديم درع المكتب الثقافى الي كريمة الفنان الراحل.
جدير بالذكر أن الفنان الراحل من رواد الصحافة الفنية وعمل فى مؤسسات صحفية عملاقة كروز اليوسف وصباح الخير وتتميز أعمالة بمحاكاة الواقع والمجتمع المصرى، وسوف يستمر المعرض مقاما لمدة شهرين وبعدها سوف ينتقل الى عدد من العواصم الأوربية.
كما تم عرض فيلم من إنتاج المركز القومي للسينما التسجيلية عن الفنان جمال كامل يتضمن آراء معاصريه من الأدباء والصحفيين كالكاتب الكبير احسان عبدالقدوس والدكتور مصطفى محمود والصحفي الكبير صلاح حافظ.
البوابه : 9-3-2018
الفنان جمال كامل.. عاشق الروح المصرية
- كانت لوحاته لا تخطئها العين، فهى مصرية الهوى والمزاج، دافئة الأحاسيس مشرقة الألوان، مفعمة بالحيوية التى تخطف العين، ولأنه رحل عن عالمنا منذ أكثر من ثلاثين عاما، فقد لا يعرف الكثير من طلاب الكليات الفنية وشباب الفنانين اسمه.
- يعتبر الفنان جمال كامل `1926 - 1986` أحد القلائل الذين سجلوا جمال وثراء الروح المصرية فى أعمالهم، ولا أحد ينسى لوحاته الرائعة للرقص الشرقى والشعبى ومناديل بنات البلد، ونساء الأحياء الشعبية بالملاية اللف ومدخنى الشيشة وعازفى الربابة، ولذلك كانت رسومه تسجيلا حقيقيا لوجه مصر، وكانت أعماله مرآة لعصره.
- لقد استطاع عبر رسومه فى مجلتى صباح الخير وروز اليوسف نشر الذوق الفنى لدى الجماهير العريضة، فهو أحد الرواد الأوائل الذين أدخلوا الفن فى الصحافة مع الفنانين: بيكار والحسين فوزى وعبد السلام الشريف وحسن فؤاد، قضى ما يقرب من أربعين عاما يقدم رسوما كانت ثورة فى الرسم الصحفى، لقد وصل بمستوى الرسوم الصحفية إلى المستوى الصحفى من حيث التكوين والتفاصيل المعبرة واستعمال الألوان بجرأة وحرية، وعندما سئل لماذا رسمت للصحافة قال: `وجدت الناس لا يذهبون للمعارض الفنية فقلت أزورهم أنا فى بيوتهم من خلال الصحافة`. لقد وجد نفسه منجذبا للصحافة وذلك بسبب نزولها للناس ومعايشتها للمجتمع فقد أعطت الصحافة للفن نبض الحياة اليومية.
- تخرج جمال كامل فى كلية الفنون الجميلة عام 1948 وكان ترتيبه الأول فى جميع سنوات الدراسة، تتلمذ فى الكلية على يد أستاذه الفنان أحمد صبرى رائد فن البورتريه، وقد تعلم منه التعبير باللمسة الواحدة من الفرشاة والاهتمام الشديد بالرسم من حيث النسب والضوء والظل، وأيضا كيفية بناء الكتلة أو الفورم فى الشكل المراد رسمه، ولذلك كان الإحساس بالصرحية هى السمة المميزة لشخوص جمال كامل فيما بعد.
- بعد التخرج ينتظر دوره فى التعيين بالكلية كمعيد ولكن الروتين أضاع حلمه وعليه الانتظار، ودعاه الفنان عبدالسلام الشريف للعمل بدار الهلال بشكل مؤقت حتى يأتى التعيين.
- كان الرسم الصحفى فى تلك الأيام أقرب للرسم التوضيحى ولا يحمل قيمة فنية كبيرة، ولكن جمال كامل قال لنفسه لماذا لا أجعل الرسوم الصحفية رسوما ذات مستوى متحفى، ومع أول قصة له بدار الهلال أحضر موديلا ليرسم القصة وكأنه يرسم لوحة لمعرض، وهناك تعرف على صديقه الكاتب إحسان عبدالقدوس الذى كان يعمل بمجلة الاثنين بدار الهلال إلى جانب عمله الأساسى بروزاليوسف.
- فى عام 1950 يتولى إحسان عبدالقدوس رئاسة تحرير روزاليوسف وطلب من جمال كامل العمل معه، ورغم صغر مرتب روزاليوسف بالمقارنة عما كان يتقاضاه بدار الهلال قبل جمال كامل على الفور عرض إحسان.
ويبدأ فى روزاليوسف مرحلة جديدة حيث قام برسم باب أسبوعى بالحبر الشينى تحت اسم `لوحة الأسبوع` وأيضا باب لوحة `الناس` حيث قدم رسوما تقدم سلوك وآمال وأحلام المصريين من الطبقة الوسطى فى الخمسينيات والستينيات، وكانت بأسلوب يمزج بين الإيضاحى والكاريكاتيرى.
- وعندما أنشئت مجلة صباح الخير عام 1956 كان أول فنان يقدم البنت الحلوة على الغلاف، حيث أراد أن يتذوق المواطن العادى أعمالا فنية مثل التى يراها بالمعارض، فقام برسم بورتريهات بألوان الزيت والباستيل لفتيات مصريات من مختلف طبقات الشعب، وقد صور فى وجوههن ذلك السحر والفتنة التى بالوجه الشرقى، وكان يقضى أياما فى رسمهن بمرسمه بصباح الخير لتكون بعد ذلك أغلفة للمجلة.
- فى `روزاليوسف` تألقت ريشته مع أعمال صديقه إحسان عبدالقدوس فقد رسم كل رواياته مثل `أنف وثلاث عيون` و`النظارة السوداء` و`أنا حرة` وغيرها وقد قال إحسان عن ذلك: `أدمنت تعبير جمال كامل عن قصصى كأن أى قصة أكتبها لا تتم إلا برسم لوحة لجمال كامل`، كما رسم الكثير من روايات أصدقائه الكُتاب مثل الروائى فتحى غانم الذي تألق ريشته معه فى رباعية `الرجل الذى فقد ظله` ورواية `الغبى`.
- ينتمى جمال كامل للمدرسة التأثيرية، حيث يعبر بألوان الطيف عن الشكل الذى يريد تصويره، ولكنه يختلف عن التأثيريين فى إصراره على تجسيد ما يرسمه فى كتلة مادية لها ثقل ووزن وأبعاد بارزة، إنه يرسم الحقيقة وليس طيفها مثل التأثيريين، ولهذا نحس أمام لوحاته أن شخوصه تماثيل ملونة تبرز من على سطح قماش اللوحة وتغرينا بأن نمد يدنا لنتحسسها، وسبب هذا ذوقه العالى فى اختيار ألوانه حيث وظفها لبناء الفورم أو الكتلة.
- أحب جمال كامل الإنسان وكان يراه أجمل المخلوقات، ولذلك أحب فن البورتريه ووصل به لقمة شاهقة لا ينافسه فيها إلا الفنانان بيكار وصبرى راغب، وقد تأثر بثلاثة فنانين عالميين هم الهولندى رمبرانت والإسبانى فلاسكيز والفرنسى سيزان.
- تبهرنا بورتريهاته بحيويتها وبألوانها الدافئة، وتطل علينا فى إنسانية وجمال وتفرد ووداعة، ويرجع ذلك إليه حيث لا يصور الشكل والملامح الخارجية للشخص الذى يجلس أمامه ليرسمه، ولكنه كان يلتقط روح وأعماق الشخصية المرسومة.
- ولذلك سعى مشاهير الفن والثقافة فى عصره للجلوس أمامه ليرسم لهم بورتريه، مثل: عبدالحليم حافظ وعادل إمام ويوسف شاهين وسناء جميل وأحمد بهاء الدين وغيرهم، ولا أحد ينسى لوحته الرائعة لعبدالحليم حافظ والتى رسمها بأسلوب أقرب للتكعيبى.
- الكتابة عن أستاذى جمال كامل هى اجترار لذكريات جميلة، واسترجاع وحنين للبدايات الأولى معه حيث التحقت بمجلة صباح الخير على يديه، وقد كان مرسمه فى تلك الأيام فى المجلة مضيفة لأصدقائه وتلاميذه، ومنه تعلمت أن فن الرسم ليس خطوطا وألوانا ولكنه فلسفة ورؤية خاصة من الفنان للعالم من حوله.. لقد كانت أياما جميلة لا تنسى.
جمال هلال
مجلة صباح الخير: 17-7-2019
|