`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
ليلى محمد عزت

- عرفت الحركة الفنية المصرية ليلى عزت حين قدمت فرسها الجامح المحبوك فى رسومها وتصاويرها الزيتية منذ الستينات . كان رسم الحصان فى غدوه ورواحه وفى غضبة وطموحه وحزنة مغامرة محفوفة المخاطر بين بحار من تصاوير الحصان التى حفل بها تاريخ الفن منذ القديم وقد ظل ماثلاً فى الاذهان حصان مايكل انجلوا العملاق الذى لم يقدر له أن يرى النور ثم حصان الفرنسى الشهير جاك لويس دافيد الذى صار رمزا لكلاسيكات القرن الثامن عشر معادلا للصعود وللهبوط النابليونى معبراً عن الانتصار مرة وعن تراجيديا البطل الاسطورى مرة ثم اخيرا حصان يوجين ديلاكروا الرومانسى العاصف الذى أعاد الى الحصان تراث الفرس الاغريقى مغموسا فى ثقافة القرن التاسع عشر محتشدا بتلك المشاعر الجياشة للقوة و للكبرياء وللنبل تلك التى حقنت عواطف المشاهدين زمناً طويلاً.
وفى الاربعينيات المصرية كان هناك دائما ذلك الحصان الذى قدمه لنا سيف وانلى ( 1906/ 1978) فى دوائر السيرك كان حصانا عارما يذيده الجمال سحرا وتعلو هامته تلك الزينات التى تذكرنا بتجليات العوام لحظة الفرح الشعبى وفى السيتنيات ايضاً كان هناك أحمد مرسى (1930) بحصانه الذى ظل دائما معادلاً لحياة شعب مكرسا تضاريس جسده لرمز تحملها وتلوذ بها هموم وطن .
إنما استطاع حصان ليلى عزت ان يفلت من محنة التعبير النمطى برغم ان الحصان قد خرج على سطح لوحاتها محملاً بتراث التاريخ الفنى جميعه غير انة بدا اكثر حرية وعافية فهو حصان عريق يبدو عربيا غير أنه بلا إطار وبلا نسب وبلا تفاصيل وبلا أحزان او انتصارات بل حصان من لاصاحب له حصان لانعرف متى يكف عن الصخب يبدو لنا قادرا على الطيران من فوق الارض ولكنا لانعرف متى يبدا فعلا الطيران باجنحة الباطنية .
كانت ليلى عزت قد خرجت من استوديو الارمنى المصرى أشود زوريان بعد ان ظلت على يديه منذ 1950حتى 1955 وتعلمت انذاك قوة اللمسات الخطية على القماشه التى عرف بها زوريان وعلى يدية عرفت كيف تشكل الضوء من اللون وعركت سكينة العجائن وتلك العلاقة العضوية بين الخط المتصاعد وبين الاتساع الفضائى لذراع الرسام وتعلمت ليلى عزت انئذ ان وهم السطح المرسوم سيظل دائما هو فضاء الفنان وأفقه بل انة برهان لحظة الفيض الغامر حين بدات عروضها فى الستينيات المبكرة- كان هناك ايضا عفت ناجى التى اخذت تقتحم عالم الحداثة منذ النصف الثانى من الخمسينيات واخذت مع الفنان الراحل سعد الخادم تتملى معنى العناصر الابجدية فى بلاد النوبة القديمة وكانت تحيه حليم قد رسمت قاربها النيلى الشهير بالوانه الجبلية ذات الاغنيات البدوية وكانت جازبيه سرى هى الاخرى قد هجرت عالم البراءة اليومية فى الخمسينيات الى بيوت المدينة وحواريها وفى المقابل كانت السيتنيات ذاتها قد شدت النطاق وعكفت على نحت دورها الحى فى رحيق المجتمع .
وفى المرحلة التاليه كانت ليلى عزت قد أخذت تفتش فى الجسد الانسانى وكانت الالوان هى الاخرى قد أخذت تحقق بالدرجات المعتمه ثم اسدلت فوقها غيما وضباب بين النور وبين الظل وبدا جسد المراة التى ترسمها ليلى عزت ممسوسا بالعافية غير انة عليل بضعفة البشرى اذ ذاك كان ذلك الجسد المرسوم معا معادلا لفرسها الحر. المهوم فى الفضاء كفراشة العسل ومنذ منتصف السبعينات كانت ليلى عزت قد دلفت الى تجربة الحداثة فى الفن واخذت منذ اذا تتحرر من فكرة ان الماضى هو سند الفنان المبدع فلم يعد الوجه الانسانى او الفرس او المراة موضوعا لترحها وانما هى تلك الرؤية البصرية التى تتملى برهان العقل باكثر مما تتملى مواضيعة الطبيعية يعنى الانتصار بالفن من حاله ماقبل الحداثة الى حاله الحداثة يعنى من حالة الميتافيزيقا الى حالة العقل انئذ بدات ليلى عزت مرحلتها الراهنة التى تطابق فيها بين امكانيات جسد الفنان العضلية وبين رشق الفرشاة على مساحة الرسم انه الجسد يرسم من وحى حركتة معبرا عن ومضة التكثيف متحديا اللحظة الزمنية التقليدية لفعل الرسم تلك هى التجربة التى عرفها مسطح الفن ب Informal أى اللانظامية او اللاشكلية واعتمد فيها على مفهوم الجستوال Gestual أى الاداء مع استثمار الحركة و الايماءة التى يتصف بها جسد المبدع .
فى تلك الاعمال التى أنجزتها ليلى عزت فى السبعينات ونراها اليوم فى أبهاء قاعة إخناتون رقم (2) فى مجمع الفنون بالزمالك سوف نعيد قراءة وتامل تلك الفنانة خلال رحلتها الطويلة منذ نهاية الخمسينيات حتى اليوم نعيدها الى مسرحها الحى الذى ربما يكون قد خذلها يوما ونتلمى مع المشاهدين أربعين عاما من الابداع ومن يوميات الفرح والعذاب .
أحمد فؤاد سليم

مأساة المرأة والإنفجار
- لست أدرى أن كانت هناك ثمة علاقة بين انقلاب سيارة الرسامة `ليلى عزت` وانقلاب أسلوبها فجأة من التشخيصية التعبيرية` إلى التجريدية المطلقة كانت تقود عربتها السبور الزرقاء بسرعة منذ عام 1980،على كوبرى الجامعة فصدمتها سيارة ألزمتها الفراش عاما كاملا، بعد شفائها عرضت فى `قاعة السلام` الرسمية عشرات اللوحات كاملة التجريد، مختلفة تماما عما كانت تبدعه طوال عشرين عاما خلت، من 1960 حتى 1980، لم تطلق أسماء على لوحاتها الجديدة لكنها فى حديث خاص أشارت إلى تصوير فكرة الانفجار، لأنها ترى كل شئ فى العالم فى حالة انفجار.. لوحات كحمم بركانية تشكلت فى تكوينات رهيبة من درجات الأحمر والأصفر.. تتخللها ثغرات سوداء كأنها فجوات مظلمة فى جهنم.
- كل من تابع شخصية ليلى عزت وأعمالها، يعرف أنها فنانة تعبيرية مهما حاولت التجرد من المضمون، وهى قارئة للفلسفة .. مستمعة متفهمة للموسيقى الرفيعة، تجيد عدة لغات، وعدة مهارات منها رقص الباليه، وعزف البيانو، والفروسية التى تدربت عليها منذ كان عمرها خمس سنوات، يبدو أن والدها - المهندس الثرى - كان ينتظر باكورة انجابه ولدا، فلما جاءت بنتا أعدها لتتقن الفروسية التى كان يهواها ويحقق فى مضمارها، بطولات عالمية عرفناها منذ بزغ نجمها فى الستينات: تعبيرية الطابع .. إنفعالية الأسلوب ... إجتماعية المضمون. مضمون غامض مستخف يشبه جبل الثلج .. لا يظهر إلا سبعة فقط فوق سطح الماء .. ينبغى للمتلقى أن يغوص فى لوحاتها بخياله وفكره حتى يستشف كل المعنى والمغزى، زمان .. فى المرحلة التى رسمت فيها موضوع (الخيول) كان تعبيرها واضحا والرمز بسيطا، مضمون الصراع العاطفى العاصف والتفجر الحيوى، وفى مرحلة موضوع` النساء`.. دار ` المضمون` حول مأساة المرأة فى عالم يحكمه الرجال ..
- ولدت فى `حى الظاهر` بالقاهرة لكنها شبت كالزهرة فى أرض والدها فى قليوب على مسيرة نصف ساعة من العاصمة، ثمانية عشر عاما عاشتها فى الريف تتلقى تعليمها بالقاهرة، تملأ صدرها بالهواء النقى وأريج المحاصيل قبل السادسة من كل صباح .. وتنهب الحقول بفرسها منذ نعومة أظافرها برعاية والدها الذى كان ينظر إليها بعين المستقبل على أنها فارسة بارزة مثله فى المحافل الدولية، ألحقها بالمدرسة الألمانية لتتعلم اللغة التى درس بها علوم الهندسة فى سويسرا، حادثتها والدتها بالفرنسية .. ودرست الآداب بالمراسلة فى لندن عن طريق المعهد البريطانى، كما تعلمت` رقص الباليه` فى ` معهد سونيا ايفانوها` الذى كان فى ميدان التوفيقية. كذلك الموسيقى والعزف على البيانو، أما `فن الرسم` فقد فطرت عليه، مارسته منذ عرفت كيف تمسك القلم والألوان، استحضر والدها المدرسين إلى البيت، وما كادت تشب عن الطوق حتى التحقت باستوديو (ذوريان) الشهير.. الذى علم الكثيرين ممن لم يلتحقوا بمدرسة الفنون الجميلة. كان أمام المتحف المصرى، بمثابة أكاديمية خاصة درست فيها المناهج التقليدية فى هذا المجال طوال خمس سنوات (1950 - 1955) .. لم تضع قدمها على عتبة الحركة التشكيلية الا بعد خمس سنوات أخرى، معرضها الأول سنة 1960 أحدث دويا فى الوسط الفنى ووضعها فجأة فى دائرة الضوء..
- فى مطلع مشوارها مع موضوع `الخيول` .. كانت تشخيصية جافة الخطوط، فى نهاية السنوات السبع التى استغرقتها تلك المرحلة، بلغت بأدائها قمما رفيعة من الطلاقة والموسيقية والتعبير الشاعرى الفياض بالعاطفة القوية، خطوط بليغة وضربات سريعة سديدة، لم ترسم الفرس والحصان كشكل ظاهرى جميل، بل صورت النيل .. والأصالة .. والمبادرة.
- مأساة المرأة والانفجار!
- فرق شاسع بين تشكيلات الخيول واللاتشخيصية التى تحولت اليها سنة 1980، مجرد توزيعات تلوينية وملامس .. إيقاعات وإتزان بين الداكن والناصع تذكرنا العفوية والاسقاط الفورى الانفعالى بالأمريكى جاكسون بولوك (1912 - 1956)، لكن` تعبيرية` ليلى فى مسلسل `الانفجار` تتضح فى ضربات السكين والفرشاة العريضة والخربشة، وروح عدم الاكتراث فى التكوين والخطوط إن وجدت، تضرب (النظم اللونية) إلى الأحمر والأسود.
- بهدف إضفاء تعبير` صوت` الإنفجار! أما وضوح مجرى شعر الفرشاة وإنزلاق السكين على شكل تسلخات .. فيكشف عن العنف والسرعة اللتين تم بهما الإبداع .. ` طاقة` مكبوتة ` تنفجر` على صفحة القماش، اللوحة هنا هى (البديل الحضارى) للاجهاش بالبكاء .. أو الإغراق فى الضحك .. أو حتى إلقاء آنية على الأرض ليتناثر حطامها فى كل مكان. تفريغ طاقة. توتر يحتاج إلى استرخاء عن طريق ` النشاط اللونى` إن صح التعبير، من هنا .. يبرز معنى ` الإنفجار` لا تخلق الفنانة شيئا من لا شئ، إنما تعبر عن إحساس ذاتى مريردفين مفعم بالتوتر والضيق، بالرغم من رقة حاشيتها، وبشاشتها، وروح المرح التى تكسو حديثها، الصدق الذى تتسم به لوحاتها، هو الذى يجتذب انتباه الذواقة ويحتويه .. ويدفعه إلى الحلم والتفكير!
- ستوديو ليلى عزت فى معادى القاهرة يستخفى داخل حديقة سامقة الاشجار كثيفة النباتات، مكيف الهواء والمراوح تتوزع الأركان غير تقليدى فسيح، بلا أبواب داخلية، مجرد بهو رحب تصعد منه الاعمدة كأنه معبد، الكشافات العشرة القوية تنزلق على قضبان حديدية مثبتة فى السقف، تفرش الجدار المقابل بضوء ساطع يبرز التفاصيل المثيرة للوحات المتراصة، جدران كاملة من الزجاج، تتراءى خارجها الأشجار والنخيل بدرجات الاخضر الزرعى، يغص الداخل أيضا بنباتات الظل الجميلة القوية: اللاتانيا والديكورا والاسبدسترا والانتوريوم .. فضلا عن البوتس المتسلق فى الاركان والمكرميات المدلاة.
- أوانى الزرع الفخارية، بعضها داخل تلابيس نحاسية والآخر بلونه البنى المبقع برشح الماء والتلميح الضارب للبياض .. مناضد، تحف خشبية وخزفية، تذكارات من البلاد التى زارتها، من أقصى الشرق فى اليابان إلى أقصى الغرب فى بريطانيا أنية تبرز منها أجزاء أرغول قديم ينقل خيالك فجأة إلى شط الترعة .. والمقهى البلدى فى قليوب، أنابيب الألوان وأنواع السكاكين والادوات وعلب المساحيق وكل ما تحتاجه من خامات، كراريس وكتب، ستائر، مناضد التحضير، سور كسور الحديقة بلوه الخشبى بلا طلاء .. يفصل ركن الرسم عن باقى المكان.
- تفترش رسمها (التجريدية) و(شبة التجريدية) من جدران المرسم تقريبا، لكننا نلمح نماذج من مراحل سابقة متناثرة هنا وهناك، موضوعات وأساليب ومضامين تركت انطباعا لا ينسى فى أذهان النقاد والمتابعين.
- بين عامى 1970 و1975 انصرفت إلى التعبير عن `مأساة المرأة` تعلق هى فى سخرية على هذه اللوحات بأنها `مأساة الرجل` رغم أنها تصور نساء على درجة رهيبة من التعاسة والتمزق، إذا تحرينا الدقة أدركنا أنها ` مأساة الإنسان` إنسان العصر، المطحون بين قوى لا قبل له بها، مضيع بينها كما كان الاسلاف مضيعين بين العواصف والصواعق والزلازل تميز شكل المرأة عندها بضربات سريعة قوية تتناثر منها الالوان رذاذا مختلف المساحات تتسم بعدم التلوين قاصرة على الخطوط واللمسات السوداء .. والمساحات الرمادية المقتصدة السريعة، الأمر الذى يجسم روح المأساة فى كل من: التعبير والرسم والتكوين والتلوين، تعتمد تلك المرحلة على عنف الخط على خلفية بيضاء فى لون القماش المرسوم، من الممكن ادراج هذه المجموعة فى اطار اتجاه السادومازكيوم الذى ظهر فى السبعينات فى كل من غرب أوربا وشمال أمريكا.
- (المرأة الراكعة) -70 x 100 سم - 1971، لوحة نموذجية للمرحلة التى نتحدث عنها، سيدة تركع على ركبتها، تتضرع وتبتهل وتسترحم بلا أمل، خطوط سوداء كأنها سهام تخترق اللوحة فتتناثر قطرات اللون الاسود فى شتى الانحاء، عنيفة، .. فورية .. كأن الفنانة تقذف القماش بفرشاتها محملة بالالوان فينتشر الرذاذ بعمق تعبيرات القهر والهزيمة.
- تساير هذه المرحلة أيضا (المضمون) الذى ساد الغرب آنذاك، من حيث الدفاع عن المرأة وإعلاء قضيتها والذود عن حقوقها ..
- خلف السور الخشبى داخل الأستوديو الفسيح .. يستقر حامل الرسم ومنضدة عليها أنابيب ولوحة ألوان وسكاكين منوعة وفراجين بينها واحدة يزيد طولها على نصف متر، تمسكها كالسيف لتضع لمسات من بعيد تحكم بها الاتزان والتوافق العام، ثم المقعد تتبعثر من حوله اللوحات التى تعمل فيها، ربما عشر لوحات فى وقت واحد، تمل من واحدة فتنتقل للثانية، تملها بدورها فتتناول الثالثة .. وهكذا، فنانة نشطة .. ملولة .. متعجلة الحركة .. ينضح إبداعها بسماتها الشخصية، سواء (التعبيرى الرمزى) أو (التعبيرى المجرد) أو التجريدى المطلق، أو شبه التجريدى تعمل بسرعة تخطر لها فكرة فى اللوحة الرابعة أثناء رسم التاسعة .. فتقفز إليها، مادام الامر لا يتعلق بالطبيعة المنظورة .. يصبح التنقل سهلا بين اللوحات من حولها.
- إبداعها نزوات خيالها، مرآة أفكارها وإنفعالاتها وأحاسيسها، نلاحظ أن كل معرض من معارضها تنتظمه روح خاصة تختلف عن السابق واللاحق، كل معرض على حدة يتسم بتوافق الجو النفسى العام، واتساق كل من الفكرة والاسلوب والنظم اللونية .. والمضمون، إلا إذا ضم نماذج من مراحل مختلفة.
- فى جانب من المرسم يكاد يكون منعزلا، تصطف مجموعة من اللوحات الصغيرة (30 x 40 سم)، فى كل منها رسمت يدين تتعانقان أو تتحاوران، تتشابكان بشكل ما، حركات الرسغ والاصابع والأنامل تذكرنا بدروس ` رقص الباليه` التى تلقتها الفنانة من طفولتها إلى يفاعتها، اتجهت لبعض الوقت إلى التعبير بأشكال الايدى عن المشاعر الإنسانية واتخذتها (رموزا) لما أرادت أن تقول، سبق أن رفعت صوتها عاليا مع `سيمفونية الخيول` و`ملحمة النساء المعذبات`، لكنها هدأت من نبرتها فى `سلسلة الأيدى` قبل أن تصمت فى `مرحلة التجريد المطلق` وتكتفى بالتعبيرات الشكلية الغامضة.
- بين عامى 1976 و1978، أبدعت مجموعة لوحات صغيرة أيضا `40 x 50 سم` نتبين فيها وجوها وأجساما آدمية .. لكنها ليست تشخيصية بالمعنى المعروف، (وجهان) أو (جسدان) فى تعبير رقيق عن اللقاء .. والدفء، والحب، ألوان رمادية شفيفة عاطفية، أشكال انسانية تدعو للرثاء والشفقة قد تصور شخصين بلوذان ببعضهما يشتركان فى الخطوط التى تفسر كلا منها، نوع من التحوير، تبسيط لكنه ليس زخرفيا حيث لا يوجد تماثيل وإيقاع رتيب، أشكال يمكن نحتها تماثيل حجرية لاستقرارها وكمال تبلورها، (اختزال) بليغ للخطوط والألوان يضع الشكل الآدمى (قالبا)، لوحات كأنها مأثورات تشكيلية .. تفصح عن مضمونها بايجاز شديد (أمومة) (حب) حنان تترك ليلى للذواقة أن يختار ما يشاء من الأسماء والتأويلات يجد دائما خيطا تشخيصيا تعبيريا يقوج خياله ويساعده على استخلاص المضمون، المعرض الذى أعدته ليلى عزت للسفر إلى أمريكا فى نهاية سبتمبر 1982 ليس تجريديا تماما استلهمته ماديا من أشكال الأبواب والعقود العربية الإسلامية.
- ومضمونا من فلسفة الانفتاح بمفهومها المتداول فلسفة الأبواب المفتوحة رسمتها وأوغلت فى الغموض والتمويه كعادتها تخفى مضمونها فى دثار من الألوان المثيرة والتشكيلات الجانبية شأن كل الإبداع الصادق الذى لا يكشف عن كنوزه إلا لكل متأمل عاشق.
- (الغموض) هو أحد أركان الفن الجيد اتخذت من شكل الأبواب وسيلة للتعبير عن خواطرها وخيالاتها وأفكارها والأبواب فى حياتنا كالماء والهواء نلقاها (ماديا) فى البيوت والمؤسسات والمركبات وكل مكان ونلقاها (معنويا) فى السياسة والاقتصاد والفلسفة والأدب، (باب الأمل) (باب الرزق) (باب الله) الأبواب رموز (تعبيرية) تجسد بها ليلى انفعالاتها بالخطوط والألوان، كذلك تجسد خيالاتها وأفكارها نحو المجتمع والحياة بالرغم من أنها تعلن أنها تبدع (الفن للفن) نلمس فى أعمالها دائما مدخلا اجتماعيا وإنسانيا، حتى فى لوحاتها التجريدية وشبه التجريدية، نستطيع أن نتلقى (الرسالة بوضوح) فى مجموعة (الأبواب المفتوحة)، كما تلقينا الرسالة الخيول والنساء والأيدى والأشخاص والتجريديات.
- أدركنا معانى الحب والغزل والصراع، والشقاء والمأساة والاحتجاج والتمرد، ليلى عزت رسامة (تعبيرية) لا تستطيع أن تجرد نفسها من انفعالاتها العارمة وأفكارها القوية المستمدة من الفيلسوف الألمانى (نيتشه) وكتابه (هكذا تكلم زرادتش) تتسم بصراحة (المضمون) وغموض الشكل فى لوحاتها التجريدية، يتخذ أسلوبها طابع القوة والتوتر فى طلاقة الخط وتحديده الحاسم، أما فى (مأثوراتها التشكيلية) فالألوان البرونزية الصدئة المشوبة بالأخضر توحى بالعراقة والأصالة والرسوخ.
- منذ غادرت قليوب إلى المعادى 1957 لم تتوقف ليلى عزت عن الرسم والتلوين عشرات المعارض الخاصة وعشرات الاتهامات فى العروض الجماعية محليا ودوليا، تهوى الموسسيقى الإيطالية وسيمفونيات بيتهوفن أثناء اعتكافها فى مرسمها الألوان الزيتية هى خامتها المفضلة لما تتسم به من القوة والحيوية اللتين تفتقدهما فى الاكريليك مثلا فنانة حرة غير تشخيصية، ترى أنه ليس بالضرورة أن تكون (تشخيصية) لكى (تقول) من خلال إبداعها.
- اكتسبت البراعة والجرأة من الفروسية وسياسة الخيل، الرشاقة من رقص البالية الرقة من العزف على البيانو والأوكرديون والجيتار، الثقافة من قراءتها وطوافها فى أنحاء العالم، الخبرة وحيل الصنعة من العمل الدائب والتفرغ للإبداع، أفرغت كل هذا مع الموهبة على صفحة قماشها هذا من حيث (التكنيك) أو (الحرفية) أما المضمون الإنسانى فيقوى ويزهر حينا ويتوارى ويستخفى حينا، لكنه كائن موجود فى كل الأحيان.
بقلم : مختار العطار
من كتاب ( رواد الفن وطليعة التنوير- الجزء الثانى)
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث