`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
السيد محمد السيد عبده سليم
فنان مصرى يسرق الأضواء من القاهرة - ويجذب الفنانين لقريته
- يعد الفنان سيد عبده من أشهر وأبرز فنانى النحت والنحاس المطروق فى الحركة التشكيلية العربية ، درس النحت وحصل على الدكتوراه من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة ، ولد فى إبشان بمحافظة كفر الشيخ شمال دلتا مصر عام 1952 ، وتشبث بالإقامة فى قريته ، وكأن حياته ستتغير إذ ترك هذا المكان ، وهذا هو سر نجاح أعماله ووصوله إلى مرتبة متميزة أشبه ما تكون بالحفاظ على الأسطورة ، ولعل بعده عن زحام العاصمة المصرية ( القاهرة ) أوحى له بفكرة إقامة أول أتيلييه نحتى خاص بمصر ، مزود بمسبك ضخم لصب المعادن ، وبالتحديد البرونز الذى له أهمية قصوى لدى كل فنان ونحلت ، وبين عشية وضحاها ، تحولت أضواء العاصمة إلى قريته الصغيرة لتصبح مزاراً سياحياً ومرسماً مجانياً لتدريب أبناء قريته على أعمال الرسم والنحت، وورشة عمل يومية لصب أعمال أبرز فنانى النحت أمثال : آدم حنين ، صبحى جرجس ، مصطفى الرزاز ، أحمد سطوحى .
- لقد حفر هذا الفنان أسمه بالمضمون والنوع فى ذاكرة كل من يشاهد أعماله ، بالرغم من أنه فى حالة دائمة من السعى والتفتيش والبحث عن الموضوع بين مقاربات الطبيعة الصامتة فى اللاشعور المحررة من أثقال ( الموضوع ) وشعاراته المستفزة .
- ولو أتاحت لك الظروف زيارة سياحية لمدن شمال المملكة سوف يستوقفك أشهر أعمال الفنان سيد عبده ، المعروف بنحات النصب التذكارية والميادين ، فى مدخل مدينة حقل التى تقع شمال غرب المملكة على ساحل خليج العقبة ، ليجسد لنا فكرة جديدة ونادرة ، وفى نفس الوقت نجح الفنان فى أن يستلهم من وحى إبداعاته فكرة تصميم وتنفيذ أشهر نافورة تعتمد على الدوران فى المكان بحركة مستمرة ومتوازنة فى الزمن ، وبالتالى لايحتاج المشاهد إلى الدوران حولها بل هى التى تدور بالنتظام حوله .
- فى غالب الأحيان تستوقفنا منحوتات ومطروقات الفنان سيد عبده بقوتها الموضوعية ومضامينها الأسطورية والطفولية ، وكأنها تلتقط الجوهر والتفاصيل التى توفق بين شروط الحالة الطفولية وبين متطلبات الرصانة التشكيلية وصلابة المادة وطراوتها فى آن معا، وجوه وحيوانات ، نباتات وخرفات ، تكوينات فوق سطح يفرض نفسه فرضاً على كل من يراه .. انه نسيج من الثقافة والإبداع نام ومتنام.
- إنها أعمال تقترب من نسق طفولى بسيط من دون ان تستسلم لهذا النسق ، أو ترفعه شعاراً لمعناها ، تجريب لايقع فى التجريب ، واقتراب لا يقع فى السهوله ، واحجام مجردة لا يستولى عليها العمل الفنى ، جماليات نحتية تثير لعاب هواة الاقتناء ، سعى دائم إلى إغناء العمل الفنى بمشاعر رومانسية ملتبسة تخفق لها القلوب .
- إن من يشاهد شخوص الفنان سيد عبده لأول مرة يتذكر جيداً وبدقة أساطير عبد الهادى الجزار المرسومة وكأنها خرجت من إطار لوحاته لتتفسح فى فضاءات الفنان وتلهو بين ظلاله وأضوائه وتعبث فى خاماته وفراغاته .
- ونلحظ حميمية الارتباط النفسى الوثيق بين أعمال د. سيد عبده وأعمال الفنان الراحل عبد الهادى الجزار التى أكدت ثقل أفكاره فى طرح موضوعات ذات علاقة مشتركة أبرزها موضوع المرأة صانعة الحضارة ورمز الخصوبة ، ليقدم لنا مطروقات ومنحوتات مدهشة جذورها من حضارة وفنون الفراعنة ، وفروعها من ثقافات وموروثات التراث الشعبى .
بقلم : هشام محيى - الدمام
جريدة اليوم الثقافية 2005
فنان مصرى يقيم أول مسبك لصب الأعمال النحتية- بدلاً من صبها فى الخارج
- السيد عبده سليم أحد الفنانين المتفردين فى فن النحت وله لمساته البارزة بالمشاركة بأعماله كمثال نشيط فى مختلف العروض الفنية فى مصر والخارج وقد ظل لفترة طويلة فى معاناة مع المسابك البدائية فى القاهرة ليحصل على نتائج متواضعة للغاية أو فاشلة فى صب تماثيله ولم يجد سوى طريق واحد للوصول إلى مايرجوه وهو إقامة مسبك لصب أعماله وأعمال زملائه وقد تأخرت الجهات المسئولة فى وزارة الثقافة عن اقامة المسبك وتركت الفنانين فى محنة عشرات السنين واقتصر صب التماثيل على ايطاليا مما جعل المثالين يقاسون فى رحلة معاناة خاسرة مع المسابك البدائية ، يعتبر مركز صب التماثيل الفنية البرونزية خطوة كبيرة تخلفت عن تحقيقها الجهات المسئولة فى قطاع الفنون التشكيلية .
- ومن الغريب أن يقيم هذا المركز الفريد المثال المعروف السيد عبده سليم فى قرية صغيرة من ضواحى كفر الشيخ وهى ( إبشان ) ويقول الفنان السيد عبده سليم إننى إحسست بحاجتى الماسة إلى صب أعمالى بخامة البرونز خاصة الاحجام الكبيرة التى يصل ارتفاعها إلى أكثر من متر ونصف المتر وكانت الطريقة القديمة هى تجزئة العمل إلى أجزاء صغيرة واللجوء إلى الخامات المتعددة الصب على أيدى مسابك بدائية فى القلعة وغيرها فى القاهرة ، وفى حالات كثيرة تفشل التجربة ونعيدها أكثر من مرة وقد أكد لى الفنان حليم يعقوب أنه يعانى معاناة كبيرة فى صب أعماله الصغيرة فما بال الأعمال الكبيرة وفى اتصال بالفنان ابراهيم عبد الملاك الذى قال إن عمال سباكة البرونز فى القاهرة هم عمال بدائيون والطريقة التى يصبون بها بدائية ومملوءة بالعيوب مما يتسبب فى خسائر مادية للفنانين بالإضافة إلى صعوبة صب التماثيل الكبيرة ، ويقول السيد عبده إننى أقمت هذا المسبك الضخم على نفقتى الخاصة ومن واقع شعورى كمثال بأهمية وخطورة تنفيذ الأعمال الفنية بخامة البرونز ، وفى الوقت نفسه حتى أستطيع أن أصب أعمالى ذاتها وأعمال الزملاء والفنانين الذين سارعوا بإرسال تماثيلهم لعمل نسخ برونزية منها وعلى رأسهم فنان مصر الكبير آدم حنين وأحمد سطوحى وصبحى جرجس وأيضاً مصطفى الرزاز وآخرون مما جعلنى أشعر بمقدار حاجة الوسط التشكيلى إلى مثل هذا المركز علماً بأن مراحل صب التماثيل البرونزية تصل إلى 18 مرحلة لكل منها أهميتها ، ولقد قمت بتدريب مجموعة تتكون من 12 من خريجى الفنون والتربية الذين يقدرون أهمية الدقة والمهارة والفنية فى العملية بجميع مراحلها منهم فنيون وفنانون مثقفون .
- تبدأ عملية صب التمثال بعمل قالب لتجهيز النسخة الشمعية ثم تملأ الفراغات برمال معينة ناعمة للغاية وتحيط بالشمع من الداخل والخارج ثم يتم التسخين الحرارى للشمع المحاط من كل جانب فينصهر الشمع ويجهز هذا القالب الخاص ليصب بالبرونز وفق نسب معينة بين النحاس والقصدير ومواد أخرى وفى كل مرحلة من هذه المراحل هناك خطوات خطيرة فمثلاً إعداد القالب يعتبر عملية فى غاية الخطورة فمثلاً إعداد القالب يعتبر عملية فى غاية الخطورة لأن التماثيل الكبيرة تجزأ إلى أجزاء ثم يتم تجميعها وفق تصميمها الفنى وهى عملية فى غاية الخطورة وإذا أضفنا إلى ذلك الوقوف أمام البوتقة والفرن الذى يصهر فيه النحاس والقصدير لتسوية الخليط كما أن عملية صب البرونز بدقة من خلال فتحات مجهزة لذلك وفتحات أخرى للتهوية عملية معقدة وخطيرة، وحينما سألت السيد عبده عما يحدث بعد عملية الصب قال: عادة ما يخرج التمثال فى حالة بها كثير من الهمجية ولكننا نقوم بتنظيفه مع المحافظة الكاملة على ملمس التمثال كما صممه الفنان وهى خطوة خطيرة لم تكن المسابك العشوائية تدركها فإما أن تزيلها أو لا تجد طريقة لإبرازها .
بقلم : مكرم حنين
الأهرام
إطلالة على العالم التشكيلى - للمثال السيد عبده سليم
- أول ما يسترعى الانتباه فى العالم التشكيلى للمثال السيد عبده أن المفردات التى يتكون منها هذا العالم تكاد تنحصر فى طائفتين محددتين : مفردات مأخوذة من البيئة الشعبية المعاصرة.. كالطيور والحيوانات الأليفة والمشاهد الريفية ، ومفردات منقوله من تراثنا على امتداده المصرى والعربى - الشعبى والرسمى..كالسيف والهلال والنجمة والنقوش الفرعونية والآشورية.. إلخ .
- كما يلاحظ أن معالجة هذه المفردات بنوعيها تتسم بمسحة من تشويه، أو تحريف، معتمد . فالمفردات البيئية تقدم لا كما توجد فى الواقع تماماً ، بل كما تصورها أو تتصورها عين الطفل أو ذاكرته. والمفردات التراثية ، التى تتعرض لتشويه أقل تتخذ ، عادة هيئة بدائية، حيث تبدو بعض النقوش ، فى أعمال النحاس على وجه التحديد ، وكأنها نقوش طوطمية أو تكوينات ترجع إلى عصور بعيدة خلت .
- هذان النمطان من التشويه يعكسان - فى رأيى - حالتين من الارتداد أو ( النكوص ) بلغه علم النفس .. حالتان متحدتان ومتكاملتان من حيث المنطق والغاية، مختلفتان من حيث الشكل ، فالمفردات البيئية يعكس تشويهها ارتداداً إلى عالم الطفولة ، والمفردات التراثية يعكس تشويهها النسبى ارتداداً إلى اللاشعور الجمعى . وهكذا تتخلق أعمال هذا الفنان تحت شمس طفولة مزدوجة : طفولته إنساناً وطفولة البشرية التى يستحضرها فناناً مثقفاً .
- ولعله فى هذه الخاصية تكمن أصول ( بكارة الرؤية البصرية ) التى نزعم أنها لهذا الفنان بمثابة زوادة حميمة لا تنفد ، أغنته كما هو واضح من مجمل أعماله عن افتعال التجريب أو الانحناء لسلطان التأثيرات الغربية أو غير ذلك مما يمسخ إنجازنا الفنى ، والحضارى بوجه عام .
- ومن ناحية أخرى ، يستثمر الفنان ذلك الارتداد إلى الطفولة ، بجانبيها الفردى والجمعى ، على نطاق رحب يتجاوز فيه الإطار العاطفى الضيق لهذه الحالة . يدفعه إلى هذه الرحابة انتماء واضح صريح لوطنه ، فهو يميل إلى تشكيل عالمه من خامات هذا الوطن فخاراً وحجراً جيرياً ونحاسياً.. ومن رموز طبقاته الشعبية العريضة طيراً وحيواناً ونقوشاً. كما أنه فى تعامله مع الموروث يتجاوز النظرة الإقليمية المفتتة ، فهو لاينفتح على الفراعنة أكثر مما ينفتح على الآشوريين ، ولايستغنى بهؤلاء أو أولئك عن كنز النقوش والتصاوير الشعبية - ذات الطابع الإسلامى على وجه الخصوص وفى الوقت نفسه تراه متواصلا مع رواد التحديث المعاصرين ( جمال السجينى ، بشكل خاص ) وغير غافل عما قد يلائم تجربته من مبادىء الفن الغربى الحديث .
- إن نظرة متأمله إلى تمثال ( آدم وحواء ) كفيلة بالبرهنة على ما قد يبدو رصفاً إنشائياً فى زعمنا هذا . هنا استلهام واع لأصول النحت الفرعونى والآشورى ، وسعى لإحياء جماليات لكل منهما من منظور يتسع للمفاهيم الفنية الحديثة أيضاً . يتشكل التمثال من جسدين ، منتصبين فى الفراغ ومتماثلين من حيث الثقل والخط الخارجى على غرار الاتجاه الشائع فى الفن المصرى القديم . وفى الوقت نفسه تتسم تفاصيل الجسدين التشريحية ، المكتنزة ، بطابع آشورى واضح . ثم تأتى الفراغات القائمة بين الجسدين ، وما يحكمها من تناسب ، ليردنا إلى قاعدة الفراغات الداخلية المكشوفة فى العمارة الإسلامية . وإذا كان وضع الطائر فوق منطقة التقاء رأسى الجسدين ينم عن جرأة سريالية حديثة ، فالطائر ذاته مستعار من الذاكرة الشعبية الفنية.. ولكم نقش بعفوية (سريالية ) مماثلة على أذرع أجدادنا وعلى جدران دورهم.. كما سنجد أن معالجة تفاصيل الجسدين - الرأسين وطريقة اتصالهما على وجه الخصوص - معالجة تجريدية حديثة .
- وعلى صعيد آخر ، ستلاحظ أن حركات اليدين والأكف بما فيها من لين وتحنان ( رغم صلابة الحجر ) وإغفال الظلال بغمر الجسدين بالضوء الأبيض وإعلاء منطقة اتصالهما وربطة بوحدة الكائنات كلها ( حيث يستقر الطائر آمناً ) وكذلك اختزال مساحة التداخل الحسى إلى مجرد تداخل فى الأقدام ، وهذا العرى المحايد الذى يذكرنا بالنقوش البوذية الإيروسية القديمة.. كل هذا بالإضافة إلى مايثيره التمثال كوحدة متكاملة ، يشيع فى الفراغ حالة من الرقة من شأنها استدراج المشاهد لتأمل إمكانات التراحم والمودة والتكامل فى العلاقة بين الرجل والمرأة .ولانبالغ كثيراً إن قلنا إن مثل هذا التصور للعلاقة بين الرجل والمرأة ينطوى على إحساس طفولى بحنان المرأة ، ويستمد أصوله الفكرية من ثقافات الشرق والمسيحية ( العربية ) والإسلام ، وأن حالة الرقة التى يشعها التمثال تؤكدها الفراغات القائمة بين الجسدين - المستوحاة من خصائص العمارة الإسلامية .
- هذا التضافر الوثيق بين ( معنى ) العمل الفنى كرسالة وجدانية وفكرية مبناه ، أو طريقة تشكيله ، عبر خامات وتصاوير وأساليب مجردة ولا معنى لها فى ذاتها ، هذا التضافر يمثل إنجازاً نادراً على مستوى الإبداع الفنى فى كافة المجالات . أن يقول كل منهما نفس ما يقوله كل منهما نفس ما يقوله الآخر تلك هى براعة السيد عبده .
- وإذا كنا قد لاحظنا أن مفردات الواقع تعالج عند هذا الفنان بقدر مقصود من التشويه، فمن الملاحظ أيضاً أن هنالك حرصاً شديداً على ألا ينسف هذا التشويه ما بين شكل المفردة وصورتها الواقعية من ( وجه شبه ) وليس المقصود من (وجه الشبه ) هنا هو ما يشير إليه هذا المصطلح فى علم البلاغة : بل نقصد تلك الخاصية التى تعصم أعمال هذا الفنان من الاستغلاق على المشاهد منذ اللحظة الأولى - على النقيض مما يسود بالتجارب الفنية الحديثة من إبهام قد صار محل استهجان ونفور جمهور المشاهدين .
- هذا فنان لايفتقر إلى التجريد ولايتحاشاه ، ولكنه حريص على إيجاد مساحة للرائى يتآلف فيها مع العمل، من النظرة الأولى ، ودون أن يخل هذا باستقلال العمل ( كتعبير فنى ) عن الواقع ( كمصدر لمفردات هذا التعبير ) . وكأنه ، من ناحية أخرى ، يتعمد إحالتنا بشكل مستمر إلى مرجعه ، الذى هو بيئتنا وتراثنا ، علناً نتلمس فيه إمكانات الجمال والإشراق التى التقطتها عيناه . كما أن الانتماء إلى الجماعة ، والسعى إلى إكتشاف الذات من خلالها ، والإنتماء إلى عالم البسطاء والطفولة يتفق أكثر والتكوينات وطرائق التشكيل البسيطة والواضحة . إن ما يقدمه هذا الفنان ليس محاكاة للواقع القائم ، بل عالم فنى خاص.. يستنهض من ذاكرة الشعب البصرية واقعاً أكثر أصالة وجمالاً ، وينفتح رغم خصوصيته على وجدان الجماعة وحياتها .
- ملمح هام آخر من ملامح تجربة الفنان السيد عبده يتجلى فى قلة الأعمال التى يعتمد التكوين فيها على شكل منفرد، واحد . وعلى غير الشائع فى عالم النحت يميل التكوين إلى الثنائية أو التعددية : آدم وحواء ، أم وطفلتها، إمرأتان تتحاوران ، لاعب وحلقات،..إلخ وحتى فى أعمال النحاس، التى يسيطر على السطح فيها شكل واحد بارز ، حلم يوسف.. الحجاب .. عيد الأضحى.. ويلاحظ أن الخلفية بنقوشها المبعثرة جزء حميم من العمل ومتكامل مع الشكل الأساسى .
- ومن الملاحظ أيضاً أن العلاقة التى تضم الشكلين ، أو الأشكال ، فى أى عمل بعيدة تماماً عن كونها علاقة صراع أو تضاد : هناك دائماً جو من الإنسجام والتآلف يجمع حتى ما لا يتآلف من كائنات أم عناصر . فالطائر يقبع أمنا فى ظل الحيوان الضخم ، الذى جرده الفنان من الكثير من وحشيته بإحناء رأسه لأسفل وموازاة قوائمه بأسلوب فرعونى والعلاقة بين اللاعب والحلقات لايبدو فيها أى إحساس بالتوتر أو الاستنفار ، بل نراه منسجماً معها متكاملاً بها.. كأنه هكذا ولد وهكذا يحيا ويموت .
- إنه هذا البحث الحميم عن الألفة والمشاركة الذى يصل التعبير عنه إلى قمته، عند هذا الفنان ، فى وضع اليد المربتة على كتف الآخر عشقاً - كما فى ( أدم وحواء ) ..وحماية كما فى ( أمومة ) .. ومواساة - كما فى ( حوار ) .. وهذا العمل الأخير يعد فى نظرى نموذجاً يلخص العديد من جوانب تجوبة هذا الفنان ويكشف عن معظم مفاتيح عالمه . وأنه الحجر يتوضأ من ماء الطفولة - حيث لايستقيم الوجود إلا جماعة ولا تتكشف الذات الطيبة إلا جماعة وإنه الفن حين ينحت من ذاكرة الأمة ومن مفردات حياتها البسيطة عالماً يحتفل بأنبل سماتها.. التآلف وحين يشد على ساعد الناس وينفض عن عيونهم غبار الركود والانبهار المهزوم بالنموذج الغربى.
- كأنه كنز من صحائف نحاسية لازال يتردد فى نقوشها رجع طرقات الأسلاف : نحاسين شعبيين فى أروقة مصر الإسلامية وبدواً وفراعنة وآشوريين . كأنه طين الأرض وقد انكشف لأصابع صبى قروى ، مفتون بعناصر الحياة من حوله ، عالماً أليفاً من الحيوان والطير والنسوة الحانيات وكأنه سجل إحائى ( بليونتولوجى دقيق لحجر معاصر، يكشف فيه الإزميل عن طبقات من آثار مصر القديمة وحضارة الرافدين ووثنية العربى الجاهلى وعمارة العربى المسلم وفطرة الإنسان الشعبى .
- هذا هو ما يقدمه لنا الفنان السيد عبده ، وتلك هى تجربته التى يتطابق موضوعها وطريقة تشكيله تطابقاً رائعاً . تجربة تشعل شرارتها الأولى رغبة حميمة فى الألفة واكتشاف الذات من خلال الجماعة ، وتشكلها فى الفراغ بكارة بصرية يتواصل بها الفنان مع ميراث أمته .. جماعته - الفنى . حافظاً له ومدللا على مشروعية بقائه وعلى قدرته على النمو والاطراد .
بقلم : إبراهيم يوسف قنديل
مجلة إبداع مايو 1990
فى معرض السيد عبده سليم- كفاح الفنان مع الخامة والخيال ..
حورس ، البراق ، الديك منابع الهام
- كان حلم كل نحات منذ الراحل محمود مختار أن يقدم إبداعاته فى خامة تخلد أعماله.. البعض لجأ إلى خامات طبيعية كالخشب والحجر ، والبعض الآخر وهم الغالبية اكتفت بالتشكيل فى الطين، ثم صب نسمة من الجبس.. وإقتصرت التماثيل البرونزية على الإعتماد على الصب فى خارج البلاد ، فى إيطاليا أو فرنسا أو أسبانيا وهذا لم يتحقق إلا لقلة من الفنانين القادرين أو أن تكون الأعمال بتكليف من الدولة .
- وفى الخمسينيات من القرن الماضى إستطاع المثال الكبير الراحل مصطفى متولى العميد الأسبق لكلية الفنون الجميلة بالقاهرة إلى إنشاء مسبك استطاع به أن يسد فراغاً كبيراً فى صب التماثيل الميدانية بالبرونز . وللأسف لم يستمر هذا المسبك بعد رحيل الفنان الكبير .
- وتبعته عدة محاولات بمبادرات فردية من بعض الفنانين ولكنها اقتصرت على الاعمال الصغيرة الحجم . وأن كان المثال منير زكى قد تخصص فى صب النماذج الأثرية فى إحجام متفاوته إلا أن مشروعية توقف بعد رحيلة وعلى الجانب الآخر استطاع الفنان الراحل جمال السجينى تشكيل بعض لوحاته بأسلوب النحاس المطروق وقد جاءت أعماله تؤكد على تفوقه فى طرق النحاس وكان إسلوبه متوازناً مع فكره وأفكاره التى شكلها على السطح النحاس ، وفى نفس الوقت شاهدنا أعمال الفنان الراحل / عبد البديع عبد الحى وكانت أعماله تتميز بالعقوبه فى المصنوع وأسلوب التشكيل وفى السبعينات من القرن الماضى أقامت وزارة الثقافة فى مركز الخزف والفسطاط ورشة لصب البرونز أنشأها المثال الفنان د. محمد عثمان ولكنها لم تكن قادرة على سد إحتياجات الفنانين ورغبتهم فى صب أعمالهم فى خامة البرونز وتوقف العمل بهذة الورشة .
- واستمرت المحاولات الجادة من قبل المبدعين فظهرت أعمال لبعض الفنانين من بينهم صبحى جرجس وان كانت الأعمال من الحجم الصغير إلا أنها كانت تعبيراً صادقاً يجسد أحساسه وتصوره من ناحية التشكيل والباتينه وفى نفس الوقت جاءت بعض الأعمال مشكله فى خامة النحاس من بينهم الفنان د. محمد شكرى وصبرى ناشد وصالح رضا على سبيل المثال لا الحصر .
- وظل الحلم يراود الفنانين يصب أعمالهم فى خامة البرونز دون جدوى.
- خلال هذه الرحلة الطويلة وفى بداية السبعينات من القرن الماضى كان الشاب سيد عبده سليم الذى تخرج من قسم النحت بكلية الفنون بالإسكندرية بتقدير امتياز يأمل فى تعينه معيداً بالكلية.. ولما لم يحالفه الحظ ، قرر أن يبنى مستقبلة الفنى بأسلوبه الخاص عن طريق الانتاج الفنى المستمر والمشاركة فى المعارض العامة واقامة معارض خاصة وعلى المستوى الأكاديمى اتجه إلى الدراسات العليا للحصول على درجة الدكتوراه فى فلسفة الفن .
- وكانت له رساله اخرى على المستوى العام وهو تحقيق حلم كل فنان بإنشاء وحدة لعب البرونز .
- لما لا ؟! وهو يعرف جيداً أن صناعة المعادن عرفتها مصر فى العصر الأيوبى وتألفت هذه الصناعة الفنية فى القرن الرابع عشر بنقوش كتابية وفى المدرسة المملوكية فى القرن الثامن عشر فى عهد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون .
- بدأ فى بلدته كفر الشيخ بأنشاء رسم يشكل فيه أعماله الفنية مستخدماً المعادن المختلفة حتى وصل إلى التقنية الخاصة بصب البرونز وخلال فترة قصيرة أصبح مرسمه مقصداً لكل فنان يسعى إلى تحقيق حلمه الفنى .
- وفى العام الماضى وكانت مصر فى حاجة إلى مشروع تجميل الميدين برموز الفكر والوطنية وأسندت للفنانين مسابقة وضع التصميم وتحقيق فكرة التجميل بوضع تمثال من البرونز تضاهى الأعمال التى جملت الميادين فى سنوات سابقة بأعمال فنانين فى أوروبا .
- وأسند إلى الفنان السيد عبده سليم تنفيذ تمثال أمير الشعراء أحمد شوقى وتمثال الشهيد عبد المنعم رياض وتمثال طه حسين عميد الأدب العربى . كما أسند إليه تصميم وتنفيذ تمثال للأديب العالمى نجيب محفوظ .
- هكذا أصبح الفنان السيد عبده سليم أحد الخبراء فى صب البرونز ، بأسلوب الشمع الذى تحقق تخفيف وزن التمثال كما يحقق التشكيل الدقيق . والإحتفاظ بأدق التفاصيل بعد أن كانت الأعمال الفنية الصغيرة تنفذ فى النحاس بأسلوب الرمل الذى يزيد من صعوبة تنفيذ العمل علاوة على استهلاك كميات كبيرة من خامة النحاس مما يزيد الوزن ولايحقق نفس النتيجة عندما يتم الصعب بأسلوب الشمع .
حورس فى أعمال الفنان
- قدم السيد عبده سليم فى معرضه هذا أكثر من أربعين تمثالاً وأكثر من خمسة عشر لوحه من النحاس المطروق وأكثر من 30 لوحة رسم تحمل أفكاره وبأساليب فنية تتفق كلها فى استلهام الأسطورة المصرية بأشكالها القديمة وبين الأساليب التشكيلية المعاصرة وجاءت كلها تأكيداً على وعيه بالتراث الفنى المصرى ومعرفته برسالته الفنية تجاه الانسان بشكل عام .
- وكان للأسطورة المصرية القديمة تأثير كبير على معظم الأعمال وبالأخص أسطورة الألهة حورس التى عرفت بإلهه السماء وكانت أشهر الألهه بين ألهة الصقور المصرية.. كانت حورس تمثل الطائر الجميل - الصقر - وبعض الوقت آله للقضاء متخذاً الشمس والقمر عينيه.. وفى أسطورة أخرى صار حورس إبن أوزيريس وإيزيس وكوفىء حورس العادل ، فصار سيد مصر وملكها الوحيد من بين القطع الفنية فى المعرض تشكيل برونزى يحمل عنوان حورس وخوريس تمثل جسدية يرتبطان عند القمة على شكل رأس صقر ويفصل بين الجسدين فراغ هو جزء من جماليات التكوين .
- ثم أعاد هذا التشكيل فى خامة النحاس والمعقول ليوضح تأثير الخامة فى التعبير عن احساس معين .
- وفى تشكيل آخر تحت عنوان آدم وحواء يلتقيان عند القمة بتجميع يعلوه طائر أيضاً .
- وجاء تمثال باليه يجمع بين رجل وامرأة يرتبطان من أعلى فى رأس غامضه المعالم .
- وفى تشكيل آخر تحت عنوان باليه صغير لخص حركة البالية فى شكل حلزونى يلتقى عند القمة التى تعلوها مروحة .
- وفى جانب آخر من المعرض حملت الأعمال مفردات التراث المصرى والحصان المجنح الذى يندفع إلى الأمام برأس طائر وهو حيوان خيالى يذكرنا بفكرة البراق .
- وفى تمثال الديك نلمس الاستعارة الواضحة للرموز الشعبية كالديك الذى هو رمز لليقظة والاعلان عن يوم جديد يحمل التفاؤل والخير .
- ولى يبتعد تمثال الثور عن الرموز الشعبية التى تميلها الثور بالنسبة للفلاح وإرتباطه بالمصرى القديم .
- من المعروف أن لكل فنان إسلوباً خاصاً يتفق نمط حياته ووجدانه وانفعالاته والسيد عبده سليم يمثل فى كثير من أعماله حالات الانفعال بالمرأة وجسدها ودورها فى الحياة والحب والعاطفة والأمومة .
- وعلى جانب آخر تكشف لوحة ( أصحاب السجن ) نحت بارز - التى استعار موضوعها من آيات الذكر الحكيم فى سورة يوسف . تكشف عن قدرة على البناء والتركيب والاحساس العميق بعناصر التشكيل وقد تحررت يداه وانطلقت بلا تردد الى التعبير عن حالة أصحاب السجن على جانبى التكوين نجح فى ذلك رغم صعوبة التعامل مع خامة النحاس الصلبة التى تحتاج إلى تحضيرات وتزيت فى التنفيذ وفهم للتقنية التى يتماشاها أكثر النحاتين .
- هكذا أثبت الفنان السيد عبده سليم قدرة فائقة على التعبير عن إهتماماته بالإنسان بشكل عام مستخدماً عناصر التراث المصرى منها الأسطورة وقيم النحت المصرى الممتده إلى آلاف السنين .
- وأخيراً استعيد ما كتب على أحد شواهد القبور المصرية منذ القرن الثانى والعشرين قبل الميلاد .. ( إن فضيلة الرجل هى أثره ) .




بقلم : حسن عثمان
مجلة بورتريه - مايو 2006
السيد عبده سليم .. فنان الجماعة المصرية
- نادرة هى تلك الأعمال الفنية المصرية الحديثة ، التى تأخذك من الوهلة الأولى إلى ما اصطلحنا على تسميته ب ` الأصالة `.. والأصالة فى معناها القريب .. هى الخصوصية المصرية الهاضمة - بعمق - فى أهابها لتراث فنى طويل وممتد بطول آلاف السنين .. وبعرض حضارات عدة فرعونية وقبطية وإسلامية ..والأصالة بهذا المعنى ليست قيمة من السهل احتواؤها إلا بثقافة عميقة ووعى شديد..
- هذه المعانى ، وما يجرى على منوالها ، هى ما تستدعيها المشاهدة الأولى - مباشرة - لأعمال الفنان المتميز السيد عبده سليم سواء فى منحوتاته أو مطروقاته النحاسية ..
- هذا فنان ما زال قادرا على إثارة الدهشة فى أعماقنا ، فى زمان سئمنا فيه من بلادة النموذج ، ورتابة التقليد .. سواء كان هذا النموذج غربياً ، أو مصرياً .. وسواء كان التقليد لغيرنا أو لأنفسنا.. فأعماله تعكس انصهارا مدهشا للعديد من العناصر الشعبية فى تخيلها الفطرى وطزاجتها العفوية .. مع مستويات شديدة التقدم والرسوخ فى براعتها التقنية التى لا تكاد تبين من فرط رهافتها وخفائها.. والجميل أن يتحقق كل هذا بوعى فنى معاصر لا يغيب عنه المنجز المعمارى والتقنى للفن الحديث .. وإن احتواه الفنان - هذا المنجز - كمكتسب ضمنى فى صياغة عالمه الخاص واللافت بتعدد مصادره وبقدرته على استيعاب هذه العناصر والمصادر فى رؤية مصرية ، صافية جدا للعالم لا يغيب عنها التراث الجمعى والشعبى لجماعته المصرية ، وللتراكمات الإبداعية والفنية والرؤية لحضاراتها المختلفة .. فثمة ما يحيلك إلى الفنون الشعبية.. وإلى الموتيفات الفرعونية ، وإلى الوحدات الزخرفية القبطية ، وإلى المنجزات الأرابيسكيه للفن الإسلامى.. ولكن فى إطار رؤية معاصرة واحدة متوحدة لا انفصام فيها ولا انفصال بين هذه العناصر كلها .. وبين ما يرفدها به الفنان الواعى أيضاً من سمات وملامح فنون المنطقة التاريخية - الآشورية والفينيقية مثلا - مع ما يغلف كل ذلك من مسحة سريالية تنتمى إلى منطق التخيل الشعبى الفطرى ، واللاوعى الجمعى البدائى ..أكثر من انتمائها إلى وعى المذهب السريالى المعاصر فى أصوله الفكرية والفلسفية الأوروبية التبلور والنشأة ، وهذه الأصالة كما تتبدى فى نسج ملامح هذا العالم ذى الأصول المصرية الفنية تتأكد أيضاً فى تمثل واستيعاب خامات البيئة ومعطيات المكان على المستوى الحرفى .. وقيم الجماعة وتراثاتها المتعددة على مستوى المضمون أو الموضوع إذا جاز لنا أصلا أن نفصل هذا الفصل النظرى التعسفى بين المستويين .
- ولعل ما يؤكده السيد عبده سليم - عبر هذه الأعمال - أن العثور على صيغة فنية مصرية ليس معضلة مستعصية على الحل إذا مد الفنان جذوره وجسوره - بعمق ودربة وثقافة وفهم واستيعاب - مع فنونه القومية وطوابعه الحضارية.. لا ليحقق مجرد قص ولصق خارجى لهذه المعطيات.. وإنما ليتواشج معها جوهريا فى صيغة جديدة تحقق له - ولنا - هذا الإنجاز اللافت بأصالته ومعاصرته معا.
بقلم : ماجد يوسف - 1995
الهيئة العامة لقصور الثقافة
فى معرض السيد عبده سليم بقاعة إبداع - (( النحت الشعرى فى المنطقة الحرجة بين الواقع والخيال ))
- هى أفكاره والتى بها وصل إلى منطقة التقابل الحرج بين الواقع والخيال مغامراً فيما بين الشكل وتحريفه لينطلق إلى اللامرئى فى حالة من النقاء الرمزى . حتى إن أعماله تبدو للوهلة الأولى كاللسعة التى كمنت تحت الوعى فى انتظار الميلاد .. وأعماله النحتية أيضاً هى طلاسم ومعاناة حياة لذلك الإنسان الوجودى الذى هو موضوعه الرئيسى فى نحته الشعرى ونحته الحسى المجرد .
- لن أطيل ..ونجرب معاً خبرة الحياة خلال أعمال المثال الكبير المتميز بل والمتفرد فى الغوص داخل كثبان الخيال الرملية ليشكلها منحوتة ، كما تشكل الرياح كثبانها الصحراوية فتكون تشكيلاتها هى لغة الرياح أثناء المرور .. كذلك أعمال `عبده` هى لغة الخيال فى تلاقيها وعناد البرونز والنحاس وسليم.
- وسأبدأ بأهمية الشكل الدائرى فى أعمال عبده سليم - فى معظمها - المقامة حول فكرة الدوران عبر دائرة أو داخلها أو مخترقة لها .. وهنا يمكننا الإمساك بأول خيط لرؤية الفنان وفلسفته الخاصة عبر رمزه بالشكل الدائرى.. فمحيط الدائرة لا بداية له ولا نهاية .. فهو رمز اللانهاية وعليه تقوم منحوتاته على هذه الفكرة التى يؤيدها جريان الزمان مع فصوله بشكل دورى تجعله قريبا لمحيط الدائرة .. ومحيط الدائرة فى ذهنية بعض الشعوب القديمة صورة الأبدية ذاتها سواء معاناة أو نعيما وعند أخرين هى رمز سحرى وطلاسم وعند عبده سليم تحولت هذه الدوائر إلى عجلات تهرس الإنسان وتسحقه وعنده أيضا منحوتات مكتملة الدوائر مفرغة من الداخل كما فى أعماله المصير ..لاعب الحلقات .. الرجل واللعبة .. وكل منهم من زاوية مختلفة المعالجة .. وفى أعمال أخرى نرى الشكل الكروى أو الدائرى مجوفاً إلى الداخل ، خاصة كما فى عينى `الثور ` وبعض مطروقاته النحاسية .. بينما حين تعامل مع منحوتته `حورس وحوريس` لم يبرز أو يؤكد على المجوف الدائرة من الجسم النسائى وهو البطن الأمومى وربما هو انتقاء رمز الانتظار الطويل للميلاد .. ومع رمزياته هناك رمزية مهمة أخرى وهى رمزية الشكل اللولبى الذى يقترب من رمزية المتاهة .. والمتاهة فى ذاتها تتضمن فكرة السعى للخلاص والشكل اللولبى كذلك فى سعيه البلا نهاية وبعض الشعوب تراه يرمز لسفر الروح بعد الموت.
- وهنا بالضبط وصلت إلى ما أريد من رؤية متقابلة لعملين من النحاس المطروق والنحت البرونزى هما `الدائرة ` و`الصعود الحلزونى` ليبدو لى منحوته الصعود كأنها رؤية رأسية لمطروقة الدائرة .. والدائرة فى رؤية أفقية لمنحوتة الصعود .. وفى العملين هناك أقدام بشرية تدور حول الشكل الدائرى إلى ما لا نهاية.. فالأقدام حول منحوتة الصعود اللولبى تبدو كصعود لا نهائى إلى غير معلوم فهذا الصعود الحثيث للأقدام هو بحث مادى عن مغزى الحياة اللامادى حتى ولو كانت مملوءة بالأوهام الجميلة ليتحول هذا الصعود المتحمس بحماس أعمى وكذلك تسحب من حلقة إلى حلقة أو تدور حول دوائر دون أن تدرك الحرية بشكل رأسى ..بينما المشهد الأفقى فى مطروقته النحاسية هو بحث عن مركز الدائرة رمزا عن جوهر أو مغزى السعى الدائم الذى معه لا تستطيع الانسحاب أو الارتداد .. ففى العملين هناك شئ مصيرى يسيره الإنسان بدفع ذاتى لا ارتداد فيه كقدرية سيزيف فى أسطورة المعاناة الأبدية ..كما أن هناك رمزية لما هو خفى .. فهذان العملان هما تعبير عن غير الظاهر المرئى لكنه موجود ومتصل بوعينا وكامن داخلنا وهى تقود مشاهد أعماله إلى التأمل والتفكير فى ذلك الحد الفاصل من الحياة المشفرة العلامات وطموح الإنسان الذى يلتف حول ملوية الصعود أو حول الشكل الدائرى والتى لن يحصى منها الإنسان إلا بذل الجهد العبثى.
- وهذا المفهوم نراه فى أعمال أخرى .. فمنحوتته `المصير` حيث جسدان لأمرأة ورجل تسحقهما مفرمة بشرية عجلاتها الجانبية مكونة من ستة أذرع وسطحها قائم فوق أربع أرجل بشرية اتجاه كل قدميه إلى الداخل فلا اتجاه ممتد لأى منهما وهنا تجمدت الحركة إلى الصفر فاستقرت لنتأمل ذلك المصير الإنسانى الذى وقع تحت أثنى عشر ذراعا مكونة دائرة العجلة وأكفها المتلازم على الجانبين التى بدورانها تدور اسطوانة الموت ..لنبدو أمام هذا العمل كأن قلوبنا فى يد وعقولنا فى اليد الأخرى كشخصى منحوتته بين مطرقة وسندان الوجود ..كذلك للفنان عمل أخر بعنوان ` المصير المكنون ` حيث يتحول الجسد الإنسانى إلى مدفع بشرى تقوده أقدام بشرية كعجلات .. وفى عملية هذين ` المصير ` وذلك العمى الذى نراه فى منحوتته `الثور` بذلك العمى المادى الكاشف عن حالة عمياء داخلية غامضة أكثر خطورة داخل جسد ثورى وحشى بجموحه الملتوى الأعوج .
- وهذه العين العمياء هى نفس عين الدائرة فى منحوتته ` الرجل واللعبة ` حيث دائرته بقضبانها المدببة المخترقة محيطها للقتل التى فى دورانها الأعمى صرعت داخلها جسد بشرى ثقبته فازدادت درامية وجمالاً ولم يحاول الهرب فقد ارتبط بجاذبية الدائرة .. لنرى بمعالجة الفنان ورؤيته الخاصة ما لم يكن مرئيا وما قد حدث قبل حضورنا وجئنا لنشهد المصير عمله الأخر ` لاعب الحلقات ` يكشف عن عبء المعرفة وهاجسها المنذر الدائم بلحظة غير محسوبة للسقوط التى بسقوط إحدى الحلقات تتفس اللعبة والإنسان الذى مزج نفسى ببسالة فى مزيج من السعادة والألم ليقوم بحركات بهلوانية لجذب الانتباه فى غربته النفسية.
- ومنحوتته `حورس وحوريس ` ذلك الإبداع التشكيلى والخيال الرائد نجد شخصين يؤكدان نظرية الثنائية ملتحمين فى جسد واحد وأيضاً هما منفصلان فى نفس الوقت .. فهناك روحان داخل صدر واحد إحداهما يشتاق والآخر يستسلم للشوق فيتقدم الجسدان تجاه الروح المشتعلة لذلك ظلا مجتمعين ليصبهما الكل كلا تاما معاً .. فقد استطاع الفنان أن يجعل من رشاقة تقابلهما ما يتغلبان به على وجودهما المادى المحدود المنفصل كى يوحى بأقل أبعد من الحكمة والجمال إلى رغم الفناء فى الآخر .. إنها طريقة الفنان فى التفكير والمعالجة التى نراها فى ذلك الالتفاف الدائرى الرشيد للذراعين حول الرقبة فى مغزى مختلف عن استعمالاته الأخرى للدائرة .
- إن أعمال الفنان عبده سليم فى منطقها بين الواقع والخيال تكاد تنقل من الواقع لتقع فى الخيال لتنهض من جديد لتصبح مثل طائر ( الفونيكس ) أو العنقاء ذلك الطائر الخرافى الأسطورى الذى يرتفع ليعلو من يد الرماد .
- أخيراً .. معرض عبده سليم فى قاعة إبداع هو أنشودة باردة للصمت تدفئ لدف القول من خلال 22 منحوتاً و15 طرقاً على النحاس بارزاً و9 رسماً سبق فيهل تشكل الجسم الإنسانى فيما بين وقع الأسطورة ومصيره .
بقلم : فاطمة على
جريدة القاهرة - ألوان وظلال - أبريل 2006
محمد العلاوى والسيد عبده سليم -وجهان من النحت المصرى المعاصر ..
*عن التراث المصرى فى فن النحت :
- خلفت الحضارة المصرية القديمة تراثا مبهرا فى فن النحت، ويبدو للمتأمل لذلك التراث أن هذا الفن كان عند أجدادنا القدماء ليس مجرد حرفة على هامش الحياة، بل كان جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، وحرفة منتشرة بين الناس .. وتدلنا التماثيل الفرعونية الرائعة - التى قاومت عوامل الفناء لآلاف السنين فى شموخ وصلابة على مدى الحذق والمهارة والقدرة الفنية المذهلة التى لا يمكن أن تنشأ من فراغ ، بل هى نتيجة حتمية لازدهار ورقى فى الذوق والجمال والحس الفنى الرفيع الذى تمتع به مبدعوها ..
- وفى بلد يذخر بذلك التراث النحتى الذى أصبح مصدر الهام لفنانين عالميين ، فإنه يعز علينا ألا نرى تواصلا بذلك التراث ، ليس عن تقليد واقتفاء له ، وانما محاولة للوصول أو حتى الاقتراب من عظمته وقوة إبداعه .
- ومنذ قام المثال محمود مختار - الذى احتفلت مصر بذكرى ميلاده المئوية خلال الشهر الماضى - بوضع اللبنات الأولى فى تأسيس فن النحت المصرى المعاصر بعد قرون طويلة من الانقطاع والتوقف الابداعى .. فإننا نهفو إلى حركة إبداعية قوية فى فن كان لنا فيه فضل السبق ووفرة الرصيد وعظمة الإبداع .. ولقد توالت الأجيال الفنية من بعد مختار ، واختلف عطاؤها ، وتنوعت قيمته ، إلا أن المناخ الثقافى الذى عاشه مختار وأتاح له الفرصة الطيبة لابراز موهبته لم يتكرر حتى اليوم، فلم تزدهر فى مصر حركة تشجيع الفنون ووصلها بالرأى العام مثلما كانت مزدهرة فى أواسط هذا القرن ، وتوارت الفنون الجميلة وانسحبت من دائرة اهتمام الجمهور العادى وحتى جمهور المثقفين . وانحصر وجودها داخل قاعات العرض والمتاحف التى لا يرتادها أحد مما أثر بالسلب على فن النحت الذى لا ينتعش إلا من خلال تنفسه بين الفراغات العمرانية وفى الهواء الطلق ..
- وقد كان يمكن لفنان قدير كالمثال الراحل جمال السجينى ( 1917 - 1977 ) لو تهيأت له فرصة الوجود الفنى بين الناس أن يقدم أعمالا لاتقل أهمية وعظمة عن أعمال مختار ، كما كان يمكن أن تتاح الفرصة أيضا لمثالين آخرين من أجيال لاحقة تمتعت بالموهبة والمقدرة الفنية ..
السيد عبده سليم... وروح مصرية جديدة
- منذ عدة سنوات حين عرض الفنان السيد عبده سليم أعماله النحتية فى أتيلييه القاهرة لأول مرة كان مفاجأة للكثيرين من المتابعين لحركة الفن التشكيلى ، وحظيت تجربته بتقدير المتعطشين لرؤية أعمال ذات ملامح مصرية جديدة ونقية، فبعد سنوات من الابتعاد عن روح البلاد ووجدانها العام والانجراف نحو التقليد لنماذج الفن الأوربى - وكأن المعاصرة والشكل الجديد فى الفن المصرى أن يتأتى إلا من خلال الاتباع وضياع الشخصية - فقد ردت أعمال السيد عبده سليم الثقة فى أنه مازال بالإمكان لأجيال جديدة من الفنانين المصريين تشكيل رؤية حديثة لا ينقصها روح العصر وإيقاعه وثراء تركيبه مع المحافظة فى الوقت نفسه على ملامح الشخصية والهوية المحلية .
- لقد عاد الفنان إلى موروث بلاده شكلا ومضمونا ، ومن مختلف عناصر التراث صاغ شكلا جديدا وتجربة شديدة التميز عميقة الايحاء. وأيضا فهى بسيطة التركيب حتى لتقترب من صياغة الفنانين الفطريين فقد احتفظ السيد عبده سليم بنقاء الفطرة وصدق النظرة .
-فأنت تستطيع أن تستخرج من أعماله عناصر ووحدات زخرفية شعبية، وملامح تراثية ما بين فرعونية وقبطية واسلامية ، وتحريفات أفريقية وتراكيب بدائية، كل تلك العناصر اتقن الفنان مزجها وصهرها فى بوتقة واحدة ونسيج فنى متكامل ، فالفنان لا يأتى أبدا بجديد ، وانما تكمن قدرته فى إعادة صياغة تراكيب وموروثات وتقاليد ويضيف عليها من روحه وإحساسه الشخصى ليحيلها كائنا جديدا يتمتع بالاستقلالية والانتماء فى نفس الوقت وهكذا فعل الفنان فى بساطة .. ودون حذلقة أو اصطناع فنى .
- وهو فى نقوشه على النحاس المطروق يكاد يكون مصورا ، قد هضم واستوعب تراث من سبقوه ، ونرى لديه أثرا للمصور عبد الهادى الجزار فى ايحاءاته السيريالية واستخدامه الرموز الشعبية كما أن هناك اثر واضحا للمثال جمال السجينى فى دقة وجمال حرفته حين يعالج النحاس ..
- إن كتل السيد عبده سليم النحتية غاية فى البراءة والبساطة لكنها شديدة والإيحاء بليغة التعبير ، وفى تمثاله ` آدم وحواء ` يتضح مدى تشعبه بالفنون البدائية والعمارة الإسلامية والفنون الشعبية حين يذكرنا بالتماثيل المصنوعة من الحلوى فى المولد النبوى ، كل ذلك مع رسوخ فى البناء ورقة فى العلاقات التشكيلية وهى من مميزات النحت الفرعونى ..
- وإذا كانت تجربة محمد العلاوى يسودها العقل المنظم والبناء المعمارى الرصين ، فإن أعمال السيد عبده سليم تصدر عن روح بدائية نقية تتفجر بالعاطفة ومغلقة بسحر الغموض والاسطورة .. والفنان وجهان مشرقان فى النحت المصرى المعاصر واضافة حقيقة له.
* السيد عبده سليم :
- من مواليد قرية ابشان بكفر الشيخ 1952 .
- بكالوريوس فنون جميلة الاسكندرية 1976 .
- اقام عدة معارض خاصة بكفر الشيخ 1987، وفى فوه وبلطيم 1989، وفى 1989 عرض أعماله بأتيلييه القاهرة ومعرض خاص بقاعة رجب 1989 .. وفى عام 1990 أقام معرضا ثانياً بأتيلييه القاهرة .
- حصل من عام 1978 حتى عام 1980 على منحة تفرغ لانتاج ودراسة الفخار الشعبى .
- شارك بأعماله فى المعارض الجماعية بالقاهرة وكفر الشيخ منذ عام 1979 .
- حصل على جائزة عيد الفن الأول بكفر الشيخ 1979 .
- وحصل على ميدالية الاسابيع الثقافية بأسبانيا 1980 ..
بقلم : د. صبرى منصور
مجلة الهلال - يوليو 1991
المثال السيد عبده سليم - طاقة مصرية خالصة متميزة ... تثير الدهشة والعجب
-فى معرضه الأخير الذى أقامه بأتيلييه القاهرة أثار جدلا كبيرا بين أواسط المثقفين والمهتمين بالفن التشكيلى ، حيث قال عنه عشرات النقاد وأساتذة الفن بأنه بأدواته وأعماله التى قدمها يمتلك طاقة نحتية تثير العجب والدهشة ، ويستطيع أن يكون علامة بارزة فى عالم النحت المصرى والعالمى ، ولم تمض سوى أيام معدودات حتى تأكدت لنا موهبته وقدراته فى تجسيد عالمه النحتى ، ففاز بجائزة الميدالية بالمسابقة التى أقامتها وزارة الثقافة لتجميل دار الأوبرا ، وقبل أن نخوض فى الحديث عن أعماله التى أمتعنا بها فى معرضه لابد وأن نتعرف عليه ..
- إنه الفنان السيد عبده سليم من مواليد قرية إبشان بمحافظة كفر الشيخ التحق بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية وتخرج من قسم النحت 1976 وكان ترتيبه الثانى على دفعته بتقدير عام جيدا جدا، وبعد تخرجه التحق بالعمل كمشرف للفنون التشكيلية بقصر ثقافة كفر الشيخ ، ثم شارك فى العديد من المعارض ونال العديد من الجوائز على مستوى الجمهورية .
- يقول السيد عبده فى محاورتى معه عن نشأته وتلمس هويته وبداية تفجراته الفنية .
- فى قريتى التى تطل على فرع صغير من فروع النيل تبصرت عيناى بإشارات الحياة الأولى حيث الأشجار والطين وأحجار الشاطئ والمياه والسمك والشادوف والكوبرى والساقية والليل والقمر والخوف من الغولة وحواديت الجدة، وحركات الباعة والسوق ، والجاموسة والكراكة والديك والقطة والكلب، والمولد - كل هذه المشاهدات اختزنت فى ذاكرتى وترعرعت معى وشكلت وجدانى وعالمى ، ومنذ كنت صغيراً حاولت أن أجسد كل هذا بأناملى وأنا ألعب بالطمى حيث أصنع العروسة ثم أهدمها ثانية لتتشكل من جديد شيئا آخر .
- ولقد تأكدت ملامح التجربة الحقيقية لرؤية السيد عبده سليم الفنية منذ تخرجه من كلية الفنون الجميلة حيث انتاجه النحتى المتنوع فى الشكل والتناول والمفردة واستغراقه فى عالم الفخار والنحاس باستنطاق الحس الشعبى المصرى واستخراجه للموروثات التى يجسدها برؤية خاصة متفهمة ومستفيدة ومواكبة لكل الاستكشافات الجديدة فى عالم النحت، فالمشاهد لأعماله يشعر بمحاولته فى استنباط الواقع وخلق علاقات جمالية حميمة دون أن يشعر بانفصاله عنها، ورغم مصريتها إلا أنها تذكرنا بابداعات الكبار ` برانكوزى Brancusi ` ، هنرى مور ، وذلك من حيث المهارة والتكنيك الجديد الذى يصوغة برؤيته الخاصة .
- تتلمذ السيد عبده سليم على يد أساتذة الفن بالاسكندرية ويقول عن تلك المرحلة كانت رحلتى بالاسكندرية تأكيدا لعلاقة حميمة بالفن منذ الطفولة وحتى سنوات الدراسة ومرورا بزيارتى المتكررة لمعارض الأساتذة وخاصة أتيلييه أستاذى الفنان الكبير محمود موسى الذى تعلمت منه الإصرار والصراحة،أيضا علاقتى بأستاذى أحمد عبد الوهاب الذى تعلمت منه البحث والتجديد ثم العودة ثانية إلى قريتى لأبدأ من جديد محاولة فك الرموز المضيئة على صفحات الطين والحجر والنحاس .
- ولم يتوقف السيد عبده سليم عند دراسته بالإسكندرية ، فقد انخرط فى مجال العمل بالثقافة الجماهيرية وظل يبدع ويواصل تجربته، إلا أنه أحس بأن هناك شيئا ما مازال خافياً عنه فحاول التجريب فى خامات النحت التى أعطتها إليه البيئة ، وكانت إبداعاته فى فن البورتريه ذات قدره هائلة فى تجسيد الملمح واستكشاف المكنون بداخل الشخصية التى يحاول صياغتها ، حيث أن المشاهد لتماثيله لابد وأن يدرك على الفور هوية تلك الشخصية المجسدة إلا أن السيد عبده أراد أن يتمم أدواته فالتحق ثانية بالدراسات العليا بكلية الفنون بالقاهرة ، التى يتتلمذ على يد أساتذتها فى محاولة منه كما يقول للاستفادة من خبرات مختلفة تثير فيه الحركة وتتلمس فى داخله مناطق جديدة من الدفء والإبداع ، ولا شك أن الإسكندرية مرحلة تختلف عنها القاهرة بأسرارها وحركتها وتفجراتها ، مما سيجعله يعيد صياغه عالمه محاولا إيجاد عالمه شديد الخصوصية ، خاصة وأن حركة النحت فى مصر قدمت شوامخ أثرت حياتنا وأعلنت حرارة الثورة التشكيلية أمثال مختار ، والسجينى ، فاروق إبراهيم ،أدم حنين ، الوشاحى .. كلما نتذكر أعمالهم نشعر بالعظمة .
- لقد قدم السيد عبده سليم فى معرضه الذى أنار داخلنا حوارات وأسئلة عديدة ، مجموعة من الأعمال المتنوعة وكأنه يقول لنا بأمانة بأنه يجيد العزف على خامات شتى ، حيث الطرق على النحاس الذى يترجم فوق سطحه حوارات وأفكارا وحكايات عديدة .
- تتبلور بشكل أسطورى إلا أنها تتصف بالمصرية الخالصة. ثم قدم لنا مجموعة من التماثيل من الفخار والحجر الجيرى مجسدا الطبيعة بخلجاتها وعناصرها وحركتها وسكونها رغم تجريديتها ، فالطيور والشخوص تنفرج ومرة بالسكون ومرة بالطيران مرة أخرى بالتلاحم والثورة ، وهو يهتم بوعى شديد بالعنصر الرئيسى الذى تتحول كل الأشياء حوله كأنها وصيفات تشكيلية فى إيقاع وتوازن دقيق حيث يخرج لنا فى النهاية التركيب والتكوين الكلى المتماسك ، ففى تمثال قارئة الفنجان وهو من الفخار نلمح جنون الفن القبطى فى التصوير الجدارى ` الفرسك` وأيضا تمثال الديك والليل وتمثال حوار نلمح جذور الفن الأشورى إلا أنه يقدم كل هذا بتلقائية تثير الدهشة والعجب مؤكدا من بين كل هذا بأنه يمتلك رؤيته الخاصة التى من المؤكد أنها ستتجسد لنا فى أعماله القادمة التى ندرك أنه قادر على تحقيقها ، والمدهش أيضا أن السيد عبده سليم بجانب ابداعاته وتنوعها قد ساعد بمرسمه الذى أقامه فى قريته إبشان على تجسيد الحس الفنى لدى العشرات من شباب القرية الذين تحول كل منهم من محب وهاوى لفن النحت وطرق النحاس إلى ممارس وطارق للنحاس بدقة شديدة ، فقد جعل السيد عبده سليم عند العديد من هؤلاء الشباب طاقة ابداعية غير عادية ومثيرة للدهشة والعجب حيث لا نملك عندما نتأملها سوى أن نقول بأن الفن مغروس لدى هؤلاء الشباب لدرجة أن أغلبهم أصبح ممارساً لفن الطرق الذى أصبح مهنة لدى العديد منهم الذين يتوافدون على المرسم كأنه معهد لتعليم فن طرق النحاس للدرجة التى جعلت من الطرق لغة ونغمة سائدة فى إبشان جميعها يتآلف على سماعها كل أبناء القرية التى أصبحت مزاراً لعشرات الفنانين الكبار ولقد سألت السيد عبده سليم بتلقائية عن الدور الذى لعبه المرسم فى إبشان يقول ..أصبح لإبشان اسماً جديداً فى مجال النحاس المطروق من خلال أبنائى الذين تتلمذوا بمرسمى وأصبحوا يجيدون الطرق على النحاس فهم يصنعون اللوحات الفنية والخطية والزخارف المختلفة والأشكال المستوحاة من الطبيعة والخط العربى والفنون الإسلامية … ومن هؤلاء علاء المحمدى السيد سليم، عبد ربه أحمد عبد ربه، محمد أحمد الدسوقى، أحمد حسن أحمد ، عطاء البيلى ، ميرفت مسعد ودعاء عاطف ومحمد النجار وغيرهم كثيرون ربما يسأل البعض عن الجديد فى هذا خاصة وأن هناك بعض الفنانين قد أقاموا مراسم فى بعض الأماكن كالحرانية وغيرها إلا أننى أقول لا فالهدف يختلف .. إن هذه المراسم ربما أقيمت كمشاريع تجارية .. لكن وجود مرسم خارج نطاق القاهرة وضواحيها وفى قرية مثل إبشان تلك الريفية البسيطة وأهلها الطيبين يعتبر هدفاً عظيماً وأنبل حيث يقول السيد عبده سليم عن هذه التجربة إن معظم أهالى القرية فلاحون لا يدركون شيئا عن الفن التشكيلى بصفة عامة ولقد أصبح العديد منهم الآن يعلم أهمية هذا الفن بعدما كان يعتقد كلية أن النحت والفن حرام . لقد استطاع المرسم أن يحطم حاجزا كبيراً بين هؤلاء الفلاحين الطيبين وهذا الفن . إننى أحلم أن أتجاوز حدود الاقليمية بهؤلاء البسطاء لأنشر للعالم أجمع أحلامى وأفكارى بصياغة خاصة ورؤية جديدة تنبع من ذاتى شاهدة على مقدار هذا الفن العظيم فى إيجاد قيمة كبرى للجمال الذى يصنعه الانسان ، وكلى حنين ورغبة متألقة فى تحقيق هذا الهدف الذى كرست له كل جهدى وعمرى وإنى أحلم أن يكون فى كل بيت فى إبشان فنان يطرق النحاس وفنان يصنع الخزف وأستطيع من خلال ذلك أن أجسد مدرسة للفن أخرج فيها كل أحلامى لنعلن للعالم أن فن النحت باق يستمد جذوره بتلقائية من فنون الأسلاف فراعنة ومسلمين وأقباط .
- إننا لا نملك فى النهاية سوى أن نحيى السيد عبده سليم متمنين له كل التوفيق مع أمل اللقاء ثانية فى معرضه القادم بالإسكندرية مع الفنان أحمد جاد .




بقلم : عبد الدايم الشاذلى
مجلة الثقافة الجديدة - العدد 62 - نوفمبر 1993
معرض يستلهم فن الفراعنة ويحول منحوتاته إلى دراما
- السيد عبده سليم , نحات مثقف لا يكتفي بأن تقف أعماله صامتة سلبية , لكنه يؤمن بالعمل الدرامى من خلال ثماثيله ومنحوتاته , فتراها أشكالا تتصارع وتؤدي فكرا خارجاً من خيال حبيس فى عالم ساكن .حتى لتك المقطوعات دوران الروح ودفء القلب المتحرك .. الفنان هنا فى معرعه بقاعة (ابداع) بالمهندسين - يمزج همومه الميتافيزيقية بهمومه الواقعية دون أن يشعرك انه قد فعل شيئاً من ذلك . أن الأسئلة الخيالية يجب أن توظف لخدمة الراهن التاريخى العالم لا أن تنحرف بأصحابها إلي العزلة زنفض اليدين من الواقع وهمومه وشدائده لقد شرع السيد عبده سليم يجوب أرجاء جزر التشكيل بالتحتي بخاماته المختلفة ليعيد لنا ألهة الفراعنة وأشور فى صياغة معاصرة وهو لون خاص جداً برئ من كل صوت آخر وغدت لغته النحتية غناءً صافياً فيه نكهة البحار وبحة الصواري وحضور الطبيعة البهى بسوسنها وورودها ورمانها وطيرها ومطرها . وبدأت ظلال خاماته النحاسي والبرونزى وألوانها الواثقة شديدة الأصالة . تأخذ فى فنه بعداً رمزياً خصباً وغداً الصراع عنده سيد الدراما النحتية من دون منازع وأوغل فى المجاز - والفن مجاز - فتوالت الإثراءات القصية أسراباً فى منحوتاته . وكثرت الرموز منتفعاً بتراث السريالية ثم مرة أخرى نراه يتخذ من عاطفته الجياشة أطاراً وموضوعاً للكشف عن رؤياه فقد عرف ان مرحلة البطولة الفردية قد أفلت وعلت تباشير مرحلة البطولة الجماعية منذ زمن , ها هى ذى تكاد تملاً عين الشمس , بطولة الفن المقاوم .
بقلم : نادر ناشد
جريدة الوفد 25 /4/ 2008
النحات عبده سليم - تكلفة معرضي النحتي فاقت نصف مليون جنيه
- تماثيله أحيت شوارع وميادين كفر الشيخ.. وفلسفته في فن النحت ميزته عن باقي فناني جيله.. يوظف النحت ليعالج به مشاكل وهموم الإنسان, هو الفنان الدكتور السيد عبده سليم وكيل كلية التربية النوعية بمحافظة كفر الشيخ، يجمع أبرز أعماله من مراحل إبداعه المختلفة في معرضه الأخير بقاعة إبداع؛ لنشاهد مشاعر الأمومة برؤية جديدة، والخير والشر, ودائرة الزمن، وعلى هامش المعرض التقته شبكة الأخبار العربية `محيط`، ليكون هذا الحوار:
- تعرض أعمالاُ من مراحل مختلفة مررت بها ، هل يعد معرضا استعاديا؟ - عبده سليم: المعرض لم يكن إستعاديا, لكن النحت عموما يستغرق وقتا طويلا في تنفيذه, كما يحتاج مقدرة وإمكانيات؛ فلذلك دائما أوجد نوعا من الربط ما بين جميع أعمالي, فأعرض منحوتات عرضتها في معارض قديمة جدا, وأخرى جديدة لم تعرض من قبل, وأعمال المعرض التي تصل ل27 قطعة منتقاة من مشواري الفني بالفعل, ولكن بعضها جديد لأنني تقريبا كل عامين أقيم معرضا, ولكي تتم متابعة أعمال المعرض جيدا من المفترض أن لا تقل عدد المنحوتات عن 25 قطعة .
- ما هي فلسفتك في تناول منحوتاتك؟
- عبده سليم: أنا لي وجهة نظر في النحت وهي أنه لم يكن مجرد كتلة وفراغ, أو معالجات تشكيلية , لكنني أحاول تحميل النحت طاقة أكبر من طاقاته التي نراها في معارض النحت الأخرى , فهو بالنسبة لي لغة أحاول تطويعها لفكري وفلسفتي وثقافتي أو مفاهيمي الأدبية, فأحيانا أحمله قصصا ، حكايات، أساطير، فلسفة إنسانية أو لغة الوجود ذاتها بالحياة وفكرة الزمن والميلاد والوفاة ، كما تناولت التصاق الإنسان بالأرض وارتباطه بعمره وانتقاله إلى العالم الآخر، فهذه أشياء جميعها تحكي نوعا من الدراما النفسية بداخله، وطبعا أنا لا أعتبر النحت شكلا جميلا كامرأة جالسة أو نائمة، لكنني أرى في النحت إمكانية أن يتحمل طرح أفكار ومعالجات من خلال كتله صماء أشعر بها .
- لماذا تفضل استخدام خامة البرونز لتنفيذ أعمالك رغم تكلفتها العالية؟
- عبده سليم: لقد قطعت رحلة طويلة في التعامل مع هذه الخامة ، وأعتبر أنني أيضا فتحت مجال استخدام البرونز بمصر، حينما أنشأت مسبكا كبيرا معروفا بمحافظة كفر الشيخ، فاليوم نرى أعمال النحت بدلا من كونها `حجر أو خشب أو جبس أو خامات سهلة هشة` تصبح برونزا، ولأني أملك المسبك، فأنا أعمل بخامة الطين، وأشكل بالشمع، واسبك أعمالي جميعها بالبرونز، ومع ذلك فكثير من اعمالي منفذة بخامات أخرى كحجر الجرانيت والرخام وغيرها، وسبب تفضيلي للبرونز أنها تملك ثراءا كبيرا، وتحمل خاصية البقاء وبها كل مواصفات الاستمرارية، تعطيني طاقة في أعمالي، أستطيع من خلالها تلوين العمل بالباتينات المختلفة كما أريد.
- بدلا من المال كانت جائزتك لصالون الشباب هي صب أفضل عمل نحتي بخامة البرونز، ما السبب؟
- عبده سليم: أنا أرى أعمالا كثيرة للنحت في صالون الشباب منفذه لشباب ممتازين، إمكانياتهم عالية جدا في فن النحت؛ ولذلك قررت أن تختار لجنة التحكيم عملا جيدا لم يكن مصبوبا بخامة أخرى؛ كي أتحمل نفقته وأصبه برونزا، وذلك لأننا لم نحظ بهذه الفرصة فيما سبق ،فاللجنة اختارت عملا كبيرا للفنان أحمد مجدي الذي كان يعرض عملان، فقال لي أنه لا يريد صب العمل الكبير لتكلفته الباهظة وأن يستبدله بالعمل الصغير، فقلت له سأصب لك التمثالين وسأتحمل نفقتهما.
- كم تصل تكلفة صب منحوتة بالبرونز؟
- عبده سليم: البرونز خامة عالية التكلفة، لكي أصب تمثالا يصل طوله ثلاثة أمتار تزيد تكلفته عن خمسين ألف جنيه ، أما معرضي الحالي والذي يحوي 27 عملا تتعدى تكلفة صبه نصف مليون جنيه.
- هل العمل الأكاديمي يعطل الفنان عن ممارسة إبداعه؟
- عبده سليم: بالتأكيد، ولكنني عودت نفسي حينما أخرج من الكلية أن أشعر وكأني سأذهب للعمل من جديد، فالأساس عندي هو فني، وأحيانا أنسى أني أستاذ جامعي وأنا أعمل.
ومنذ أن توليت مسئولية رئاسة قسم النحت، والعمل كوكيل كلية التربية النوعية بكفر الشيخ، وأنا أخصص وقتا يوميا لإبداعي؛ وأنتجت بالفعل أعمالا كثيرة جدا .
- ما رأيك في الواقع التشكيلي حاليا وبخاصة إبداع الشباب؟
- عبده سليم: أنا أرى أن الشباب المصريين منهم فنانين واعدين جدا، وذلك في فن التصوير والنحت، لكنهم بحاجة للدعم ، ومساندة الدولة ، وحينما أتامل أعمال المصري القديم ، أشعر بأن الشعب كله كان يعمل في النحت والعمارة والفن، فشعبنا قادر على إنتاج فنانين شباب دوما ، كما أننا متقدمون مقارنة بمعارض عالمية بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية .
- هل حركة النقد في مصر توازي حركة الفن التشكيلي؟
- عبده سليم: لا أعتقد أن حركة النقد توازي الحركة التشكيلية؛ وذلك لأن حركة النقد في مصر مزاجية، فمثلا إذا رأى ناقد عملا واحدا لي في معرض جماعي، يتحدث عنه ضمن مجموعة من الفنانين ، دون متابعته لكل أعمالي ، كما أن كل ناقد يكتب حسب درجة قربه من الفنان ، وأحيانا حسب معلوماته التشكيلية ، وبالطبع ليس كل النقاد المصريين كذلك.
- كيف تؤثر حياة الفنان في إبداعه؟
- عبده سليم: الفنان مخلوق يمتلك لمسة التفرد والتميز سواء نبع من بيئة جيدة أو سيئة، فقد خلق فنانا، والبيئة تتيح الإمكانيات ، أعتقد أن بذل الجهد لتحضير خامة يختلف عن وجودها جاهزة ، والفنان سيعمل إذا في صفاء روح ونفس لو وجد الجو المحيط الذي يؤمن بالفن والإبداع ، فعلى سبيل المثال في مصر يعتقد الكثيرون أن النحت يصنع أصنام وبالتالي هو حرام شرعا.
- وماذا يكون ردك حينما تسمع هذه المقولات ؟
- عبده سليم: أقول لهم أن يشاهدوا أعمالي، وقرروا بعدها هل هو حرام أم حلال؟, فأنا لي أصدقاء في القرية التي أعيش بها من علماء الدين أو أئمة بمساجد ، يجلسون معي في الأتيلية وأنا أقوم بعملي `النحت`، وأسألهم هل النحت حرام؟، يجيبوني `لا حرام ولا حاجة`، وهذا بالرغم من أنني أحيانا أتلمس الجسد البشري، لكن ببعد ليس كمجرد جسد عاري به علاقات مثيرة، فأنا لم يكن هدفي هذه الزاوية مطلقا، لكنني أكشف عن فلسفتي بداخل فن النحت.



بقلم : رهام محمود
محيط
صياغة جديدة لعناصر التراث الشعبي في معرض النحات السيد عبده سليم
- في معرضه الجديد الذي اقيم حديثا بقاعة قصر ثقافة محافظة كفر الشيخ بوسط دلتا مصر قدم النحات السيد عبده سليم مجموعة متميزة من القطع التي تجلى فيها عشقه للكتلة والفراغ المحيط بها.
ضم المعرض اكثر من عشرين عملا نحتيا يغلب عليه الطابع التجريدي الذي لم تلوثه الاتجاهات الغربية الحديثة أو المستغربة تستوحي الاعمال عالم الحدوته والحكايات الشعبية وتستمد عناصرها من مفردات التراث الشعبي وتعيد صياغة هذه العناصر في شكل تبرز فيه هموم الفنان التشكيلية على نحو لافت ومتنوع.
- تعبر الاعمال عن احساس بالطبيعة، كما نلاحظ ان التكوين يربط فيما بين عناصره بين عشق الفنان لفن النحت وقدرته على تطويع الخامات المختلفة لانتاج عدد من الكتل تحاكي في تراكيبها البسيطة براءة الحواديت الشعبية وغرابتها.
والعنصر المجسد في الاعمال مستلهم من ذاكرة الطفولة رصدته كما نحس عين الطفل في هيئة أو شكل العنصر الريفي البكر.
- وتبرز مقدرة الفنان في فهم وتحليل وتفكيك هذا العنصر وعرضه في هيئة يغلب عليها الطقس أو الاحساس التراثي الذي لا يعني حضارة بعينها اسلامية كانت أو قبطية أو حتى فرعونية.
وسواء جاء التكوين من خامة الفخار أو الحجر الجيري أو مصبوبا بالبرونز فان اختلاف الخامة أو التقنية لم يفقد العمل ايا من مقوماته، فنرى في تمثال `امومة` وهو تمثال منحوت من الفخار الملون، عمق التجاويف وقدرة على استقبال الضوء. والتمثال عبارة عن امرأة جالسة ممدودة الساقين تداعب صغيرها في دفء وحميمية شديدين.
- ان فلسفة الفنان تقوم على لحظات حلم ووعي بالواقع الفطري الموجود بقريته `ابشان` (حيث ولد ويعيش) والتعبير عن ذلك الواقع برموز هي في الاساس تمتد الى جذور التراث وتبرع حين تحكي عنه بطريقة الحدوته أو الرواية.
- واذا تأملنا عملا آخر بعنوان `الضفدع الاسطوري` الذي يلعب على ظهره طائر لوجدناه ايضا يأخذ شكلا فرعونيا من خلال تباين الخطوط والعلاقة الشكلية بين عنصري الطائر والضفدع.
- وفي بورتريه من النحاس المجوف لوجه امرأة، نجد العمل يربط في تكوينه النحتي المفرغ بين جمال الكتلة الواحدة متعددة العناصر والمعالجات، وبين دور الفراغ الأبيض للحائط، والعمل عبارة عن بورتريه لامرأة، لكن تكوينه يحتوي على اكثر من عنصر، فنجد في الاطار الخارجي للوجه من الناحية اليسرى جسد امرأة حيث تمثل رأس الجسد بؤرة العين اليسرى من البورتريه الأساسي، اما الناحية اليمنى من البورتريه فتمثل جسدا ايضا، وتمثل رأس الرجل بؤرة العين اليمنى من الكتلة الأساسية الخاصة بوجه المرأة، والعمل مركب على قاعدة مليئة بالأرجل البشرية المنحوتة، وكأن الوجه محمول على الأعناق، والتكوين مليء الأبعاد الحوارية الدافئة بين عنصري الرجل والمرأة، وأثر ذلك ومداه في التكوين الأساسي للعمل. ونلاحظ أن الفنان هنا كان ثري الفكر في تعامله مع الخامة والعنصر آخذا في اعتباره الفلسفة الماورائية من تكوينه النحتي.
- من هنا نستطيع ان نقول: ان الفنان عبده سليم يعتمد على مزج واستلهام الحضارات المصرية القديمة والمعاصرة ثم ربط ذلك برؤيا تعمل على إذابة الفواصل ليظل الشكل واحدا في الجوهر.
بقلم : فدوى رمضان
الشرق الأوسط 1 /1 /2001

- تمثل تجربة المثال المصري السيّد عبده سليم منحى خاصا في تجربة التشكيل العربي سواء في شطحات رؤاه الفكريّة، أو في محترفه النحتي الذي تثير مشغولاته الكثير من الاندهاش، في سعيه نحو إيجاد حياة تنبض من جماد جميل. في صنعاء كان لنا معه هذا اللقاء.
- يصفك البعض بأنك أحد رموز النحت السريالي في مصر، كيف يمكن تفهُّم منجزك الفني في ضوء هذا التشخيص، ونحن نجد عشرات المنحوتات الواقعية التي قدمت خلالها الكثير من وجوه الثقافة والفن في مصر؟
- من حيث المنهج، فأنا بعد دراسة وافية ومتطلّعة لحركة النحت في مصر بداية من محمود مختار، رأيت أنّ تناول النحت لم يخرج عن نطاق الأعمال المرتبطة بالنواحي الجمالية ومحاكاة البيئة المصرية والطبيعة، في أعمال العديد من النحّاتين المصريّين حتى نهاية السبعينات، حيث ظهر التأثير الغربي واضحاً في أعمال جيل الشباب آنذاك، أو الذين تأثروا بمن أتى من خارج مصر، سواء من الباحثين أو الدّارسين للنحت في الخارج، أو الفنّانين الذين عاشوا في أوروبا وقتاً طويلاً، وعادوا إلى مصر، فتحوّل النحت تحولاً عجيباً في كثير من الأعمال، ولاقت بعضها (بدون وعي) إعجاباً، بل وحازت بعضها على جوائز كبيرة؛ وكان صالون الشباب الذي أسهم إسهاماً مضلّلاً لعدد من الفنانين، والذين توقف البعض منهم، بعد ذلك ولم يعد يعرف عنهم شيئاً. في هذا الجو المتضارب أخذت أبحث عن خصوصيتي التي أحبّها، وأشعر أنّها متوافقة مع فكري، وقدراتي، فاتخذت النحت كلغة تعبير أحاكي بها، وأعطيته آفاقاً أبعد ممّا كان عليه. وأصبح ارتباطي به هو أن أفتح من خلاله اتجاها جديداً لرؤية بصريّة لم يكن لها مجالاً في النحت المصري، وصار الموضوع هو العنصر الرئيس للعمل الفنّي بالنسبة لي، فقدّمت الكثير من الأعمال برؤية سريالية متحاورة مع الواقع، مستفيداً بالحبكة الفنية من الموضوع المطروح الذي يمتاز بالدهشة والغرابة، ويأتي دائما بجديد. العناصر المستخدمة واقعية تماماً، وكان الموضوع الأساس هو الإنسان، والأرض والزمن والحياة والموت، والحياة بعد الموت. تمثلت رحلة الحياة في تمثال المصير، وأنشودة آدم والتفاحة، والنيل، ووجه الحياة، ورحلة الحياة والموت، والانشطار والأم.
كما تمثلت علاقة الإنسان بالحياة، بما يسمى الخير والشر، وهو مكوّن من ثلاثة أعمال عرضت في آخر معارضي بقاعة إبداع بالقاهرة، وشكّلت نوعاً جدداً من الرؤية النحتية. وجميع أعمالي تتجه نحو هذا الجانب ما عدا الأعمال التي أُكلّف بها، وهي أعمال ميدانية لرموز الثقافة في مصر، مثل نجيب محفوظ، مصطفى مشرقة، بنت الشاطئ ومصطفى كامل.
- في عام 1987 فقط أنشأت مدرسة للنحت النحاسي المطروق، وقد كنت قبلها أنشأت أول مسبك للبرونز في مصر لتنفذ أعمالك النحتية وأعمال النحاتين المصريين. ألا ترى أن التجارب النحتية العربية جاءت متأخرة جداً، عن التجارب المماثلة في العالم والتي سبقتها بمئات السنين؟
- هناك فنّ مصري وعراقي قديمين؛ لكنّ الساحة العربية تفاعل فيها النحت من بداية القرن العشرين على يد محمود مختار في مصر، ثمّ بعد ذلك جواد سليم في العراق؛ ولا يعني هذا أنه لن يوجد غيرهما. والمعروف أنّ الاستعمار العثماني أجهض كلَّ المحاولات، وقضى على حركات النحت والفن التشكيلي، ولم نجد إلاّ تجارب المستشرقين. وعودة النحت على يد مختار كانت مماثلة لما يحدث في فرنسا على يد رودان وايسيبو وبرديل وآريستيد مايول، وهي عودة الكلاسيكية الجديدة التي استفاد فيها مختار من النحت المصري القديم، كما استفاد من النحت الفرنسي، حيث نجد شكل المرأة في أعماله متأثراً بجسد المرأة عند بورديل ورودان، ولكنّه أضاف إليها الزي المصري، مثل أعماله: نحو النهر، الخمّاسين، حاملة الجرّة، حاملات الجرار، وغيرها.
- إذن، كيف يمكن تشخيص المحترف النحتي العربي الراهن، في مقارباته بالتجارب العالمية الأخرى؟
- الاتجاه السائد الآن بإقامة مهرجانات النحت في الهواء الطلق، مثل ما يحدث في سميوزيوم أسوان ومرسى مطروح بمصر، والعليا وراشانا بلبنان، ومثله في بعض دول الخليج، زاوج في الفكر السائد داخل هذه المحترفات ممّا أدّى إلى ظهور فن نحت جامد، لا يتطرّق إلى فكر إنساني؛ إنّما يبحث عن نوع من المهارة والحبكة الجمالية، والعلاقات التشكيلية والهندسية، بين كتل الأحجار، ممّا أنعكس على أعمال النّحاتين العرب خارج هذه المحترفات، ليوجد فنّ ليس به روح الهويّة العربية، ولا يُمثلّها في شيء، اللهم، إلاَّ في بعض الأعمال. قد يصل الأمر إلى أننا، لم نعد نفرّق بين أعمال فنّاني المحترفات هذه، وأيّة أعمال واردة.
- تنفذ أعمالك بمواد مختلفة: البرونز، الجرانيت، النحاس المطروق، الرخام، الحجر الصناعي، والبوليستر. ما هو أثر الموضوع لديك، على اختيار المواد الخامة وأدوات وتقنيات تنفيذه؟
- توافقت أعمالي مع اختيار الخامات النبيلة في النحت مثل البرونز والجرانيت.
- أنجزت تماثيل مهمة لعدد من وجوه مصر الأدبية والفكرية، مثل طه حسين، أحمد شوقي، نجيب محفوظ، مصطفى كامل. من أي وجهة أو زاوية قدّمت هؤلاء، في جمعك بين الشخصية الواقعية والمتخيل الفني؟
- أعمالي الواقعية لرموز مصر أكلّف بها على هذا النحو، ويكون المجال بالنسبة لي ضيقاً للتحرّر من الواقعية.
- قمت بعمل تماثيل في عدد من البلدان كالصين وليتوانيا، أثارت الكثير من الانتباه. في ضوء تجربتك، هل يمكن أن يقوم التشكيل بدور مهم في الحوار الثقافي بين الشعوب ؟
- نعم، يمكن ان يخلق حواراً هامّا جدّاً بين تواصل الرؤى الفنّية التي تقدّمها الأعمال النحتية وفنون هذه البلدان .
بقلم : على المقرى
جريدة الاتحاد الاماراتية
تنويعات من .. النحت المصري المعاصر - الفنان السيد عبده سليم‏
- عرض الفنان السيد عبده سليم اعمالة النحتية في أيتليه القاهرة لاول مرة كان مفاجئة للكثيرين من المتابعين لحركة الفن التشكيلي , وحظيت تجربته بتقدير المتعطشين لرؤية أعمال ذات ملامح مصرية جديدة واقعية فبعد سنوات من الابتعاد عن روح البلاد ووجدانها العام والانجراف نحو التقليد لتماذج الفن الاوربي وكأن المعاصرة والشكل الجديد في الفن المصري لن يتأتى الا من خلال الاتباع وضياع الشخصية .‏
- فقد ردت اعمال السيد عبده سليم الثقة في أنه مازال بالامكان لاجيال من الفنانيين المصريين تشكيل رؤية حديثة لاينقصها روح العصر وايقاعه وثراء تركيبه مع المحافظة في الوقت نفسه على ملامح الشخصية المحلية :‏
- لقد عاد الفنان إلى موروث بلاده شكلاً ومضموناً ومن مختلف عناصر التراث صاغ شكلاً جديداً وتجربة شديدة التميز عميقة الايحاء وايضاً فهي بسيطة التركيب حتى لتقترب من صياغة الفنانين الفطريين فقد احتفظ السيد عبده سليم بنقاء الفطرة وصدق النظرة فتستطيع أن تستخرج من أعماله عناصر ووحدات زخرفية شعبية وملامح تراثية ما بين فرعونية وقبطية واسلامية وتحريفات افريقية وتراكيب بدائية كل تلك العناصر اتقن الفنان مزجها وصهرها في بوتقة واحدة ونسيج فني متكامل فالفنان لا يأتي ابداِ بجديد وإنما تكمن قدرته في اعادة صياغة تراكيب وموروثات وتقاليد ويضيف عليها من روحه وإحساسه الشخصي ليحيلها كائناً جديداً يتمتع بالاستقلالية والانتماء في نفس الوقت .‏
- أما نقوشه على النحاس المطروق يكاد يكون مصوراً قد هضم واستوعب تراث من سبقوه , وترى لديه اثراً للمصور ? عبد الهادي الجزار في ايحاءاته السيريالية واستخدامه الرموز الشعبية كما أن هناك اثراً واضحاً للفنان / جمال السجيني / في دقته وجمال حرفته حين يعالج النحاس .‏
إن كتل السيد عبده سليم النحتية غاية في البراءة والبساطة لكنها شديدة الايحاء وبليغة التعبير وفي تمثال / آدم وحواء / يتضح مدى تشبعه بالفنون الشعبية ورسوخ في البناء ورقة في العلاقات التشكيلية وهي من مميزات النحت الفرعوني .‏

الوحدة ثقافة 6 / 2 / 2006
ندوة عن البيئة وأثرها في الفن التشكيلي
- اقامت مكتبة مبارك العامة بالمنصورة ندوة بعنوان `الفنون التشكيلية واثرها في البيئة` استضافت فيها المثال والنحات الدكتور السيد عبده سليم، وأدارتها الشاعرة فاطمة الزهراء المسئول الثقافى بالمكتبة.
- وتناول الفنان السيد عبده سليم ماهية البيئة وأكد أن البيئة بمضمونها الصغير هى المنزل والمدرسة كعوامل ملاصقة للطفل والشاب في مراحل حياته المختلفة وتنشئته ثم تأتي من بعد ذلك البيئة الكبيرة وهي المحيطة بالانسان من كل مكان يعيش فيه فالبيئة تختلف في انعكاساتها وانطباعاتها على الانسان عنها في البيئة الصحراوية مثلا ويختلف هذا الوضع عن البيئة الحضارية والمدنية. ووجود الفنان في بيئة ريفية تحيط به الخضرة والماء والسماء الصافية والممطرة احيانا له اثر في اخضرار قلب هذا الانسان وخاصة الفنان تكون اعماله ايضا يانعة وصافية صفاء الطبيعة من حوله.
- وقال لو انتقلنا الى الفنان في البيئة المدنية فنجد ان الايقاع في المدينة سريع يوازي صخبها فيتأثر الفنان بالسرعة والتشتت والاعمال الوافدة مما يعطي انطباعا عن البيئة التي يعايشها.
- وقص سليم تجربته الشخصية حيث نشأ في بيئة ريفية في قرية ابشان من قرى كفر الشيخ وتلك النشأة اكسبته التميز بين اقرانه من الفنانين فقد بدأ باستخدام الطين على حافة الترعة فراح يشكل تماثيله من عروسة وجاموسة وفلاح مستغلا وفرة الطمي على الترعة.
- وأشار إلى انه عندما التحق بكلية الفنون الجميلة بالاسكندرية كان غريبا على والده ان يلتحق بهذه الكلية فقد كان يريده طبيبا او ضابطا او مهندسا فكان له ما اراد خلافا لما اراده ابوه وتخرج في الفنون الجميلة من قسم النحت وتم اقتناء تمثال له من وزارة الثقافة أثناء دراسته في الفرقة الثانية بالكلية. ثم يوضح اثر البيئة عليه حيث خلفت عنده روح التحدي وصار هذا التحدي امام الحجر وبدأ رموز الكتل والفراغات باستخدام الحجر الجيري تارة وباستخدام النحاس والبرونز والنحاس المطروق تارة اخرى وقد صاغ اعماله بالطين الاسواني اولا ثم يصبه الى تماثيل كبيرة. ويعتبر ان النحاس المطروق اسكتش لاعمال اكبر وهو يرى في النحاس المطروق تنغيما ومن اهم اعماله في النحاس المطروق العمل (صاحبي السجن) 2×3 متر فقد كان له في قصة يوسف عبرة عبر عنها بأسلوب اسطوري باستخدام الغائر والبارز في النحاس عن طريق الطرق وباستخدام شرائح النحاس لاعطاء الاحساس بقضبان السجن الذي حوى يوسف وهو يهتم بالسجينين فاحدهما يعصر الخمر والآخر تأكل الطير من رأسه ومن أهم اعماله ايضا تمثال لنجيب محفوظ وآخر لعائشة عبد الرحمن واكبرها لعباس العقاد الذي يرتفع 6 امتار والذي سوف يتوسط ميدانا بأسوان.
- من جانبه أكد الفنان محسن صالح أن اعمال الفنان السيد عبده سليم من الاعمال المفهومة لدى المشاهد وبعضها يكتسب اكسدة معينة كالاخضر او البني.
- واوضح الناقد الدكتور خالد البغدادي أن اسلوب الفنان السيد عبده سليم يتميز بأنه يصارع الزمن وكأنه مشدود بعجلة هذا القرن الذي تأخذه للأمام دائما وتعطيه اندفاعا وكذلك رموزه الاسطورية في تداخل مع البناء الفني الذي غلبت عليه الدائرة.
- وأشار الفنان مجدي محمود مدير متحف المنصورة القومي إلى ان شهر مارس القادم سيشهد استضافة أعمال الفنان السيد عبده سليم.
بقلم : محمد الفقى
اليوم الثقافي 2 /1 /2008
تألق السيد عبده سليم من خلال تخيلاته الأسطورية
- شاهدنا منذ مدة قصيرة.. معرضين متتاليين للمثال السيد عبده سليم كان الأول في قاعة إبداع.. والثاني بعده مباشرة في قاعة بيكاسو بالقاهرة.
- عادة ما يعمل المثال.. وفق أسلوبين مختلفين.. ومتمايزين.. فهو إما يقوم بإضافة أجزاء صغيرة فوق بعضها.. من قطع الطين.. أو الجبس.. أو الشمع.. لينتج نموذجه.. ثم يصبّه في خامة صلبة.. أفضلها البرونز وإما أن يقطع كتلة ضخمة من الحجر أو الخشب.. ثم يشرع في الحذف والتخلص من الأجزاء الزائدة.. ليبقي علي الشكل العام للتمثال.
ويمتلك السبك في خامة البرونز الكثير من الإمكانات.. ولكنه غير متوفر للكثير من الفنانين.. ولكن إذا امتلك أحدهم مصنعا.. لصب البرونز.. فيكون من السهولة بمكان.. توفر هذه التقنية غالية الثمن والقيمة.. وهذا ما يتمتع به فناننا السيد عبده سليم `54 سنة`.. الذي يعيش.. وينجز منحوتاته في قرية.. `إبشان` القريبة من مدينة كفر الشيخ.. له ولزملائه بالمكان نفسه.
- يحاول المثال السيد عبده.. بكل صلابة اكتشاف نفسه في أعماله النحتية الغزيرة.. منذ تخرجه في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام ..1976 وحصوله علي درجتي.. الماجستير.. والدكتوراة في فلسفة فن النحت.. من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة `1994 - 1998`.
- ولقد لفت السيد عبده سليم أنظار النقاد والفنانين.. عندما فاز بجائزة فن النحت.. في مسابقة نهر النيل.. عام ..1994 لنراه يعرض في العام نفسه.. بعض أعماله.. في معرض شباب الفنانين المصريين المتوافق مع بينالي القاهرة الدولي.. في دورته الخامسة.
- في أول الأمر.. اصطدم السيد عبده سليم.. بطغيان الآلة.. مع رغبته في أن تظل الصلة قائمة.. وقوية.. تربطه بموروثه العريق.. لموقعه الثابتة جذوره.. في ريف دلتا مصر.. الثري بالمأثورات الشعبية.. والأساطير الميتافيزيقية.. المتأصلة في الشخصية المصرية منذ آلاف السنين.
- وقد اتخذت هذه الرغبة من الفنان أشكالا مختلفة.. أولها هذا الاحتجاج العاطفي الرومانسي.. وذلك بالعودة إلي نقاء الحياة الريفية.. وتمجيد الحنين للماضي.. والدفاع عن تقاليد الأجداد العظام.
- ورويدا رويدا نحي الفنان تلك الرغبة جانبا.. وأصبحت الرغبة في الإدهاش.. واللامنطق العجيب.. وإثارة الصدمة.. وصارت هذه الصفات الأساسية في أعماله النحتية.. ليس في التماثيل البرونزية فقط.. بل في لوحات النحت البارز.. المطروقة علي النحاس.. والمعتمدة في الأساس علي تكوينات تخيلية.. مستوحاة من بعض أشكال البشر.. والطيور.. والحيوانات.. الرمزية.. والأسطورية.. التي يتمتع الفنان بامتلاكها.. مع محاولته الواعية.. إلي تجريد الشكل.. عن طريق الصدمة المفاجئة.. من المقاييس الجمالية.. الثابتة في ذهن الرائي.. وتفتيت الجمود المسيطر عليه.
- وبذلك فتحت أعماله النحتية.. الطريق.. أمام العقل.. لقبول وإدراك مشاعر جديدة.. مختلفة تماما عن بعض أقرانه المثالين المصريين.. ومع هذه المحاولات الجادة للإثارة.. عن طريق الصدمة.. والإدهاش.. جاءت رغبته في إيقاظ لذة المشاهد الطفولية.. في استكشاف العالم الخرافي.. الأسطوري العجيب.
وعادة ما يقوم السيد عبده سليم.. بإنجاز أعماله النحتية.. ويتركها بدون عنوان.. كي يحث الرائي.. علي إطلاق العنوان الذي يروقه حسب رؤيته.. وإدراكه.. كما أنه لا يفرض عنوانا.. معينا.. حتي لا يقيد المشاهد ويعوقه عن التفكير والتخيل.. في آفاق بارحة.
بقلم : محمد حمزة
جريدة الجمهورية
وصف مصر.. وزمن عبده سليم
- يفاجئنا الفنان `د.السيد عبده سليم` بفاصل من العزف المنفرد علي أوتار `البرونز`.. يحلق فيه بين آفاق جديدة ومنطقة غير مأهولة من قبل.. فأعماله الاخيرة التي احتضنتها قاعة إبداع بعنوان `الخير ، الشر والجمال` تمثل ثورة في عالم النحت المصري المعاصر.
- فمعروضاته الـ 27 تؤكد انتهاجه لغة نحتية جديدة تقفز فوق الكتلة والفراغ، الحجم والشكل، المعالجة والتقنية التقليدية. لتسمو فوق الواقع الجمالي المحسوس لتحاكي الروح والنفس.. خلال رؤية فلسفية عميقة تستنير فكر ومشاعر المتلقي وتحفزه لإدارة حوارات داخلية مع العمل والتمثال.. تساعده في الافاقة من غيبوبته التي باتت تسيطر علي إنسان العصر.
- الجديد هذه المرة استعارته لكل عناصر العمل الفني الواجب توافرها في اللوحة..وتحقيقها داخل منظومة نحتية شاملة.. البطل الاول فيها هو الانسان، الارض.. الصراع الدائم بين الخير والشر، الرجل والمرأة، السلم والحرب وغيرها من الموضوعات التي تحاكي مشاعر البشر وهمومه في زمن العولمة وانقلاب كل الموازين والاعراف حيث بات الخير شرا، والسلم ضعفا، والمقاومة إرهابا، والقهر والعدوان عدلا وانصافا وديمقراطية!!
- رغم قسوة وصلابة خامة البرونز.. وتعدد مراحل تنفيذه.. إلا ان الفنان نجح في تطويعه وتقديمه في تشكيلات وتماثيل عملاقة أو متوسطة الحجم. استخدم فيها أكثر من طن من البرونز .. كانت تحتاج للملايين لكن امتلاك الفنان لأكبر مسبك لصب التماثيل في مصر قلل كثيرا من التكلفة النهائية وساعد علي اخراجها بهذه الروعة والابهار خلال تقنيات ومعالجات وألوان متعددة وصياغات وقوالب عضوية تتميز بالرشاقة والحيوية وقوة التشكيل وقد عالجها برؤية تتجه للسيريالية الرمزية والتعبيرية واحيانا تجريدية.
- تماثيل `د.عبده سليم` تحافظ علي الشخصية المصرية وجذورنا الحضارية والفرعونية.. في اطار من المعاصرة والحداثة.. يتأكد في تماثيل `لعبة الحياة`، المصير، الانشطار، بائعة الفاكهة، راقصة الباليه` وجه الحياة، الخير، الشر وغيرها من المنحوتات. تؤرخ لميلاد زمن جديد لفن النحت.. مسجل باسم وبصمة الفنان د.السيد عبده سليم.
بقلم : ثريا درويش
الأخبار 8 /5 /2008
قراءة فى أعمال الفائز بجائزة التفوق لهذا العام
صراع الفراغ والزمن فى أعمال السيد عبده سليم
- التحدى الرئيسى أمام الفنان دائما هو تحدى الشكل / التكوين .. وتحدى المحتوى / المضمون , فكل شكل بالضرورة يتضمن معنى .. وكل معنى بالضرورة يحتاج إلى الشكل form لتجسيده , أما التحدى الذى يواجهه النحات - بالإضافة إلى التحديات السابقة - هو تحدى (الخامة) لأنه يتعامل مع خامات خاصة تحتاج إلى مهارات فنية وتقنية للتعامل معها , فهو يستخدم خامات طبيعية أو صناعية مقاومة للزمن.. حجر / جرانت / برونز .. أو يستخدم طينة يتم تشكيلها ليعاد صبها وسبكها بعد ذلك .. برونز / بوليستر .. إلخ .
- ويبقى الحوار الديالكتيكى القائم دائما بين الكتلة والفراغ الذى يتحول أحيانا إلى صراع .. هو عمود الأرتكاز فى بناء إشكالية الأعمال النحتية - وأعمال التشكيل المجسم ثلاثى الأبعاد بصفة عامة - فهو الجدلية القائمة بين الكتلة والفراغ هى التى صنعت تاريخ فن النحت .. حيث تتشكل العلاقة بينهما تبعا للمنطلقات الفكرية لكل مرحلة .. ولكل فنان .
- والمتتبع لهذه العلاقة تاريخيا سيجد التمثال الفرعونى دائما كتلة واحدة ملتفا حو نفسه , يتم نحته - فى الغالب - من كتلة حجرية واحدة راسخة وساكنة , مما جعله دائما شكلا نحتيا مغلقا محتفظا بغموضه وسحره , لا تتخلله أى فراغات أو فتحات , ولا يبوح بأسراره أبدا .. لأنه كان دائما نحتا صطلاحيا مرتبطا بالمعتقد الدينى وحياة الفراعنة وصراع الآلهة .. !!
- أما التمثال الإغريقى والرومانى - الجريكورومان - فقد تحرر من هذه الحالة , من الرسوخ والسكون ليتحرك وينطلق فى كل الاتجاهات حتى تبرز جماليات الجسد الإنسانى الذى أصبح هو المثال الذى يقاس عليه ويسعى الجميع إلى محاكاته , وقد استمر هذا الجدال بين الكتلة والفراغ هو المحور الأساسى الذى تتم حوله كل تنويعات الأعمال النحتية .. رغم اختلاف الزمان والمكان , وهنا تأتى خصوصية تجربة الفنان عبده سليم .. الفائز بجائزة الدولة التشجيعية مؤخراً , فمن يمعن النظر فى أعماله سيلاحظ أنه لا ينحت (الكتلة) بقدر ما ينحت (الفراغ) .. ولا يشكل الكتلة بقدر ما يشكل الفراغ , فالفراغ هو عنصر الأساسى فى بناء العمل .. وتبقى الكتلة الصماء المعتمة مجرد إطار يحد ويحدد شكل واتجاه هذا الفراغ .. سواء كان فراغا متخللا للعمل أو محيطا به .. !!
- ولو قارنا بين مساحة الفراغ والكتلة - فى معظم أعماله - سنلاحظ أن حجم الفراغ هو العنر الأكبر والمسيطر .. والمحرك الأساسى فى تكوين التشكيل , مما يؤدى إلى نفاذ البصر عبر التمثال وكشف ما به من غموض Mystery حيث يعبر البصر بين كل أجزاء ومكونات العمل , فيدخل من منطقة ليخرج من أخرى متحدياً لفكرة الغموض الكامن فى التمثال , لذلك فمعظم أعماله هى تماثيل كاشفة تبوح بأسرارها عبر حوار بصرى متبادل بينها وبين المشاهد , يؤكد الوحدة فى الشكل المرئي رغم اختلاف مسارات البصر باختلاف زوايا الرؤية .
- التكوين النحتى / رسم النحت
- ظل تاريخ فن النحت - فى معظم منحنياته - معتمدا على فكرة التمثال الواحد .. أو القطعة النحتية المتفردة القائمة بذاتها فى قاعة العرض أو فى بهو المعبد القديم , حتى جاءت الاتجاهات الفنية المعاصرة وغيرت المفاهيم , أما السيد عبده فقد تحول من مفهوم (التمثال) كقطعة فنية .. إلى مفهوم (التكوين النحت) الذى تتوفر فيه كل عناصر وأسس التكوين الممتلئ بالقيم الفنية والتعبيرية , مما دفع الناقدة فاطمة على إلى وصف أسلوبه فى العمل (بالنحت الشعرى) حيث تتفاعل الكتلة مع الفراغ , مع الملمس مع اللون مع اتجاهات ومحاور التكوين لبناء عمل فنى ناجح .
- وهو ما أضفى نوعا من المرونة والحيوية على أعماله الفنية التى مازالت قادرة على مفاجأة المشاهد و إصابته بالدهشة , فمعظم التماثيل كانت تعتمد فى بنائها على المحور الرئيسى فى بناء العمل .. أما السيد عبده فقد تحرر من هذا النسق الجامد الملزم للعديد من النحاتين الذين لا زالوا يتفاعلون مع العمل الفنى بشكل تقليدى , فمعظم أعماله تم بناؤها على محورين أساسيين :
- الأول : محور أفقى / رأسى
- الثانى : أفقى / أفقى .. وهو ما تندرج تحته الغالبية من أعماله , وهو اتجاه نوعى ملفت .. أن يكون العمل فى اتجاه عرضى .. أفقى / أفقى على محورى الحركة .
- على غير ما هو شائع فى الأعمال النحتية الاعتيادية التى تعتمد على الكتلة بشكل أساسى في بناء العمل , لكنه وصل إلى درجة عالية من المهارة التقنية لدرجة أن حجم الكتلة لديه - فى بعض الأعمال - قد وصل لدرجة عالية من الرقة تجعله يقترب من (الخط) وهى بالفعل مقدرة ملحوظة لديه , وقد تم توثيقها فى الفليم التسجيلى (بدلة برونز) الذى سجلته قناة النيل الثقافية حيث يصل بمهارته لدرجة من التمكن تجعله قادرا على تجسيد الخط .. أو نحت الخط المرسوم على ورقة وتحويله إلى شكل Form مجسم , وهو ما يحيلنا إلى الجانب التعبيري فى التكوين النحتى .. حيث يتحرك بحرية كاملة فى بناء التكوين المجسم وكأنه يرسم بالورقة والقلم , لذلك نجده يهتم كثيرا بالتفاصيل - وأحيانا تفاصيل التفاصيل - وهو ما يمكن أن نطلق عليه (رسم النحت) أو نحت الرسم - إن جاز التعبير - فأحيانا ما يثقل الشكل بتفاصيل كثيرة فى محاولة منه لتأكيد المعنى .. وهو ما يجعل الشكل أحيانا معقداً لدرجة أن البعض قد يرى وجود أكثر من موضوع فى التكوين الواحد .. !!
- ومن أهم أعماله التى توضح فكرة التكوين النحتى المحمل بدلالات تعبيرية .. نجد مجموعة أعماله عن جدلية ( الخير والشر ) الذى يتصارع فيها الملاك والشيطان داخل العقل الإنسانى, وكأنه سيارة يحاول كل منها أن يقودها فى اتجاه معاكس لآخر .. فى مقاربة من قوله تعالى .. ` ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها .. ` صدق الله العظيم .
- عندما تدور عجلة الزمن
- ومن يمعن النظر فى مجمل أعماله سيلاحظ استلهامه للقصص الدينى والحدث التاريخى والموروث الشعبي .. كل هذا فى حس أسطورى تتبدى فيه قوة المحتوى عندما تتكامل مع جماليات الشكل , مثل عمل حورس وحوريس .. وتفاحة آدم والثور الهائج .. وجدارية أصحاب يوسف . لكن الفكرة التى تتجلى فى معظم أعماله هى فكرة (الزمن) كبعد رابع يفرض سطوته على الأشكال ويمنحها عمقا وبهاء يجعلها تنفذ إلى عقل المشاهد وتدفعه للتساؤل .. قبل أن تنفذ إلى قلبه ليستمتع بها .
- لقد ظل مفهوم فكرة ( الزمن ) إشكالية فكرية وفنية على مر التاريخ الإنسانى , حاولت النظريات الكلية الكبرى أن تقدم له تفسيرات خاصة .. مختلفة ومتنوعة على حسب خصائص وأهداف كل نظرية , وبينما اهتم الحداثيون بالزمن والذاكرة فإن ثقافة ما بعد الحداثة تبدو خاضعة لسيطرة (الفضاء) أكثر من الزمن , والأعمال النحتية تحديداً هى فى مجملها أعمال ضد الزمن Anti time أى عابرة للزمن ومقاومة له .. نظرا لطبيعة الخامات النبيلة التى كانت تستخدم فى صياغتها (حجر - جرانيت) .. الذى تمنح التماثيل نوعاً من القوة و الصلابة تجعلها أكثر قدرة على مقاومة تغيرات البيئة وتقلبات المناخ .. من حرارة ورطوبة وغيرهما , فقد يموت الفنان ويبقى عمله الفنى شاهدا على إبداعه على مر السنين .
- ويتبدى هذا المفهوم فى فكرة (الدائرة) و( الشكل الحلزونى) التى تظهر فى العديد من أعماله وتشكيلاته , فالدائرة هى الشكل الهندسي المكتمل الذى ليست له بداية أو نهاية .. فكل نقطة هى نهاية وبداية .. تكتمل وتتكرر فى كل لحظة فى متوالية أبدية لا نهائية , فالدائرة التى ترسم على الورق .. عندما يتم تجسيدها ونحتها تتحول إلى (عجلة) مما يحيلنا من جديد إلى فكرة رسم النحت التى أشرنا إليها من قبل . وقد كان يعبر عنها فى الحضارات القديمة بشكل الثعبان الذى يعض ذيله ليصنع الدائرة المكتملة التى تدور فى فضاء الزمن .
- وفي نفس السياق يأتى الشكل الحلزونى الصاعد إلى السماء الذى يبدأ من نقطة واحدة هى المركز الذى تتصاعد منه الحلقات الحلزونية من الأصغر إلى الأكبر .. إلى ما لا نهاية , وهو المفهوم الذى عبر عنه السيد عبده فى أكثر من عمل , فنجد الحلزون الذى يدور حول محوره و ) الأقدام / الأرجل ) فى حالة ارتقاء درجة بعد أخرى , فى مقاربة مع المعنى الصوفى الموجود فى تصميم المئذنة الملونة فى العراق .. وملوية أحمد ابن طولون بمصر 00 !!
- كما اسالهم فكرة الأقدام / الأرجل لتأكيد مفهوم ( الحركة ) ومفهوم (الزمن) فالحركة فى النهاية هى الزمن .. خصوصاً عندما تتحول إلى دائرية تدور حول المركز .. أو صاعدة إلى السماء مع الحلزون .. !! كما وظف الدائرة فى العديد من الاعمال مثل مجموعة تماثيل السيرك , فنجد لاعب الحلقات الذى يلعب بمجموعة من الحلقات يلقيها فى الهواء ويلتقطها فى تزامن صارم يحتاج إلى درجة عالية من التركيز , إنه نوع من الصراع الذى يخلق حالة من التحدي والانتصار .. وربما أحيانا الهزيمة .. مثلما حدث مع اللاعب الآخر الذى خر صريعا داخل الحلقة عندما فشل في العبور من خلالها .. فسقط قتيلا على سنونها الحادة معلنا هزيمته فى الصراع .. !!
- فلحظة التحدى فى حقيقتها هى فى الأصل بينه وبين نفسه .. فلابد من توافق عضلى / عصبى / نفسي حتى يستطيع أن تتزامن قفزته فى الزمان والمكان الصحيح التى ينتصر خلالها على نفسه وعلى الحلقة ويعبرها بسلام , حتى لو كانت مشتعلة بالنيران .. أو متقاطعة بالسيوف , فمعايشة الخط نوعا من المتعة التى لا يدرك كنهها إلا من يكابدها , لكن حالة المتعة والتحدى والإحساس بالخطر هى التى تبقى على الإثارة قائمة والحماسة مشتعلة .. !!
- لكن عندما تغيب لحظة التحدى .. وتقلل الحماسة وتتسرب الرتابة .. هنا لا بد أن تخسر اللعبة وتهزم أمام نفسك وأمامها .. وتكون حياتك هى الثمن , فالفارق كبير بين معايشة الخطر وأكل العيش .. !! فالحياة هى لحظة طويلة ممتدة من صراع سرمدى يمتد من الميلاد .. إلى الموت .
بقلم : د . خالد البغدادى
جريدة البديل 25 /7 /2008

أعطى النحت آفاقاً أبعد ممّا كان عليه السيِّد عبده سليم:أحكي سيرة الإنسان بخامات نبيلة
- تمثل تجربة المثال المصري السيّد عبده سليم منحى خاصا في تجربة التشكيل العربي سواء في شطحات رؤاه الفكريّة، أو في محترفه النحتي الذي تثير مشغولاته الكثير من الاندهاش، في سعيه نحو إيجاد حياة تنبض من جماد جميل. في صنعاء كان لنا معه هذا اللقاء.
- يصفك البعض بأنك أحد رموز النحت السريالي في مصر، كيف يمكن تفهُّم منجزك الفني في ضوء هذا التشخيص، ونحن نجد عشرات المنحوتات الواقعية التي قدمت خلالها الكثير من وجوه الثقافة والفن في مصر؟
- من حيث المنهج، فأنا بعد دراسة وافية ومتطلّعة لحركة النحت في مصر بداية من محمود مختار، رأيت أنّ تناول النحت لم يخرج عن نطاق الأعمال المرتبطة بالنواحي الجمالية ومحاكاة البيئة المصرية والطبيعة، في أعمال العديد من النحّاتين المصريّين حتى نهاية السبعينات، حيث ظهر التأثير الغربي واضحاً في أعمال جيل الشباب آنذاك، أو الذين تأثروا بمن أتى من خارج مصر، سواء من الباحثين أو الدّارسين للنحت في الخارج، أو الفنّانين الذين عاشوا في أوروبا وقتاً طويلاً، وعادوا إلى مصر، فتحوّل النحت تحولاً عجيباً في كثير من الأعمال، ولاقت بعضها (بدون وعي) إعجاباً، بل وحازت بعضها على جوائز كبيرة؛ وكان صالون الشباب الذي أسهم إسهاماً مضلّلاً لعدد من الفنانين، والذين توقف البعض منهم، بعد ذلك ولم يعد يعرف عنهم شيئاً. في هذا الجو المتضارب أخذت أبحث عن خصوصيتي التي أحبّها، وأشعر أنّها متوافقة مع فكري، وقدراتي، فاتخذت النحت كلغة تعبير أحاكي بها، وأعطيته آفاقاً أبعد ممّا كان عليه. وأصبح ارتباطي به هو أن أفتح من خلاله اتجاها جديداً لرؤية بصريّة لم يكن لها مجالاً في النحت المصري، وصار الموضوع هو العنصر الرئيس للعمل الفنّي بالنسبة لي، فقدّمت الكثير من الأعمال برؤية سريالية متحاورة مع الواقع، مستفيداً بالحبكة الفنية من الموضوع المطروح الذي يمتاز بالدهشة والغرابة، ويأتي دائما بجديد. العناصر المستخدمة واقعية تماماً، وكان الموضوع الأساس هو الإنسان، والأرض والزمن والحياة والموت، والحياة بعد الموت. تمثلت رحلة الحياة في تمثال المصير، وأنشودة آدم والتفاحة، والنيل، ووجه الحياة، ورحلة الحياة والموت، والانشطار والأم.
- كما تمثلت علاقة الإنسان بالحياة، بما يسمى الخير والشر، وهو مكوّن من ثلاثة أعمال عرضت في آخر معارضي بقاعة إبداع بالقاهرة، وشكّلت نوعاً جدداً من الرؤية النحتية. وجميع أعمالي تتجه نحو هذا الجانب ما عدا الأعمال التي أُكلّف بها، وهي أعمال ميدانية لرموز الثقافة في مصر، مثل نجيب محفوظ، مصطفى مشرقة، بنت الشاطئ ومصطفى كامل.
- في عام 1987 فقط أنشأت مدرسة للنحت النحاسي المطروق، وقد كنت قبلها أنشأت أول مسبك للبرونز في مصر لتنفذ أعمالك النحتية وأعمال النحاتين المصريين. ألا ترى أن التجارب النحتية العربية جاءت متأخرة جداً، عن التجارب المماثلة في العالم والتي سبقتها بمئات السنين؟
- هناك فنّ مصري وعراقي قديمين؛ لكنّ الساحة العربية تفاعل فيها النحت من بداية القرن العشرين على يد محمود مختار في مصر، ثمّ بعد ذلك جواد سليم في العراق؛ ولا يعني هذا أنه لن يوجد غيرهما. والمعروف أنّ الاستعمار العثماني أجهض كلَّ المحاولات، وقضى على حركات النحت والفن التشكيلي، ولم نجد إلاّ تجارب المستشرقين. وعودة النحت على يد مختار كانت مماثلة لما يحدث في فرنسا على يد رودان وايسيبو وبرديل وآريستيد مايول، وهي عودة الكلاسيكية الجديدة التي استفاد فيها مختار من النحت المصري القديم، كما استفاد من النحت الفرنسي، حيث نجد شكل المرأة في أعماله متأثراً بجسد المرأة عند بورديل ورودان، ولكنّه أضاف إليها الزي المصري، مثل أعماله: نحو النهر، الخمّاسين، حاملة الجرّة، حاملات الجرار، وغيرها.
- إذن، كيف يمكن تشخيص المحترف النحتي العربي الراهن، في مقارباته بالتجارب العالمية الأخرى؟
- الاتجاه السائد الآن بإقامة مهرجانات النحت في الهواء الطلق، مثل ما يحدث في سميوزيوم أسوان ومرسى مطروح بمصر، والعليا وراشانا بلبنان، ومثله في بعض دول الخليج، زاوج في الفكر السائد داخل هذه المحترفات ممّا أدّى إلى ظهور فن نحت جامد، لا يتطرّق إلى فكر إنساني؛ إنّما يبحث عن نوع من المهارة والحبكة الجمالية، والعلاقات التشكيلية والهندسية، بين كتل الأحجار، ممّا أنعكس على أعمال النّحاتين العرب خارج هذه المحترفات، ليوجد فنّ ليس به روح الهويّة العربية، ولا يُمثلّها في شيء، اللهم، إلاَّ في بعض الأعمال. قد يصل الأمر إلى أننا، لم نعد نفرّق بين أعمال فنّاني المحترفات هذه، وأيّة أعمال واردة.
- تنفذ أعمالك بمواد مختلفة: البرونز، الجرانيت، النحاس المطروق، الرخام، الحجر الصناعي، والبوليستر. ما هو أثر الموضوع لديك، على اختيار المواد الخامة وأدوات وتقنيات تنفيذه؟
- توافقت أعمالي مع اختيار الخامات النبيلة في النحت مثل البرونز والجرانيت.
- أنجزت تماثيل مهمة لعدد من وجوه مصر الأدبية والفكرية، مثل طه حسين، أحمد شوقي، نجيب محفوظ، مصطفى كامل. من أي وجهة أو زاوية قدّمت هؤلاء، في جمعك بين الشخصية الواقعية والمتخيل الفني؟
- أعمالي الواقعية لرموز مصر أكلّف بها على هذا النحو، ويكون المجال بالنسبة لي ضيقاً للتحرّر من الواقعية.؟ قمت بعمل تماثيل في عدد من البلدان كالصين وليتوانيا، أثارت الكثير من الانتباه.
في ضوء تجربتك، هل يمكن أن يقوم التشكيل بدور مهم في الحوار الثقافي بين الشعوب ؟
- نعم، يمكن ان يخلق حواراً هامّا جدّاً بين تواصل الرؤى الفنّية التي تقدّمها الأعمال النحتية وفنون هذه البلدان .
بقلم : على المقرى
ملحق جريدة الاتحاد 13 /11 /2008
فى معرض المثال السيد عبده سليم دنيا الأساطير .. والنحت الكونى
- السيد عبده سليم . مثال له عالمه الخاص الفريد فى النحت التعبيرى . جسد من خلاله مساحة تفيض بسحر الأساطير المصرية وتعكس لآفاق كونية مما يجعل أعماله تتحاور مع الزمن وتلتقى بالحاضر والتاريخ .. وقد اختار` أنشودة البقاء` عنوانا لمعرضه بمثابة لحن يتردد صداه وكأنه يعلن عن هذا العالم الخاص ..تشير إلى ذلك من البداية منحوتته التى يجسد فيها إنسانا مجردا بلا تفاصيل متربعا على بوق من المعدن يتلوى من بدايته حتى يصل إلى فمه .. وكأن الصوت ينبعث منه مؤكدا على حالة سيريالية تنساب فى أعماله النحتية ومطروقاته النحاسية حتى فى الغزالة الغارقة فى الصمت والدهشة والبومة التى تتضرع بيدين إنسانيتين .
- وهو فى تشكيل ` الرجل والطائر` يكشف عن هذا العالم المفعم بالحس الميتافيزيقى أو ما فوق الواقع نطالع خلاله هذا الانسان الاسطورى : رجل بلا تفاصيل الوجه يبدو متوجا من الرأس وبعقد عريض على الصدر وتندغم الذراعان فى الجسد وكأنه بلا ذراعين يقف على قدميه .. منحنيا لطائر يقف بذيله على نفس الأرض ويمتد الحوار بينهما ` حديث الحكمة ` بلا انتهاء .. واذا كان من صفات الطائر التحليق فكيف يقف هنا على الأرض ممتثلا للانسان ؟
- هل يكشف فناننا عن هذه القوة السحرية التى كانت لسيدنا سليمان والذى كان يحدث الطيور والكائنات .. مع هذا الايقاع الرمزى الذى يشع ببساطة واختزال ؟
- وحتى نتأمل اعماله التى تقف فى ثراء تأخذ حيزها بقاعة جاليرى ` ضى ` كان علينا أن نتواصل معه من بداية رحلته وفن النحت .
- ` إبشاى ` الملهمة
- مثل مثال مصر مختار ولد الفنان السيد عبده سليم عام 1952 بإحدى القرى الصغيرة بشمال الدلتا بمحافظة كفر الشيخ .. قرية خضراء تدعى ابشاى تطل على فرع صغير من فروع النيل .. وفتح عينيه على صور الحياة اليومية الزاخرة بالمباهج والأفراح والفواجع والمآسى .. وامتدت تأملاته لعناصر الطبيعة من الأشجار والنخيل والمياه ومعزوفات السواقى وهدوء الليل وغموضه وشاعرية القمر وهدير ماكينات الطحين ودراما الأصوات من المواشى والديكة ومواء القطط ونباح الكلاب .. كل هذا مع حكايات النداهة وحديث الكبار من الجدات والمسكونة بالخوارق والصواعق ودمدمات أمنا الغولة .. وتعلم أول ماتعلم من والده هذا الفلاح الفصيح الذى يعيد سيرة الاجداد الذين أقسموا ألا يلوثوا النيل ` حابى ` جالب الخير والعطاء .. تعلم منه الصدق وان يكون نفسه فى الفن والحياة وهو يحكى بما يشبه الواقعية السحرية :` كان أبى يمتلك من الذكاء مايفوق عشرة من أمثالى عيناه تشعان بالبريق ونور البصر والبصيرة كان مستشارا للفلاحين فى كل شىء وكان بيتنا مزارا لهم بدوابهم وأدوات الفلاحة .. ينتظرون حكمة هذا الرجل الذى عشق فن النبات والأرض بالبديهة التلقائية والسليقة التى جبل عليها لاشك أن بداياتى الحقيقية كانت معه .. أب حنون كان يعنفنى ثم يبكى .. يبكى كلما احس بالتقصير نحونا لم يكذب امامى يوما فى حياته .. كان مثاليا بالفطرة حكى لى مرة أنه لم يسرق ابدا إلا مرة واحدة فى حياته .. حين جلس وهو صبى صغير بجوار ` الكانون ` وسرق بيضة كانت باضتها الدجاجة مباشرة أخذها من وراء أمه ووضعها فى الفرن ليشويها وحين فتحها وجد بها كتكوتا !! ربما تكون روايته صحيحة وربما تكون من محض الخيال الذى يعيشه أهل الريف ولكنه قال : منذ لحظتها لم اعملها ابدا !! `.
- على شاطىء الرياح الصغير كان سليم يشكل من طمى النيل عرائس وطيورا وما أن يصيبه الملل حتى يعيد تشكيلها من جديد فى صور أخرى وبعد حصوله على الثانوية العامة حسم موقفه المنحاز للفن فالتحق بكلية الفنون الجميلة بالاسكندرية وتلقى الفن على يد اساتذة كبار .. كانت رحلته تأكيدا للعلاقة الحميمة بالفن منذ الطفولة وحتى سنوات الدراسة حين تخللتها زياراته المتكررة لمعارض الاساتذة خاصة اتيليه استاذه محمود موسى فنان الاحجار الصلبة الذى تعلم منه الاصرار والصراحة وايضا استاذه احمد عبد الوهاب الذى هداه إلى البحث والتجديد .. كل هذا مع العودة الى قريته ليبدأ من جديد محاولة فك الرموز المضيئة على صفحات الطين والحجر والنحاس .. ومن هنا جاء عالمه من وحى اخيلة الطفولة يتألق بروح سريالية وحس ميتافيزيقى .. حس كونى يتحاور مع انسان العصر الحديث .
- الخير والشر
- وربما كانت منحوتة ` الثور ` انعكاسا للفن البدائى فى أقوى تجلياته او مايسمى بإغريق العصر الحجرى والذى ظهر داخل كهوف التامبيرا باسبانيا هنا تبدو الكتلة مسكونة بالمستويات العديدة من المسطحات والاستدارات والانحناءات وهى على خامتها تبدو محملة بطاقة كامنة .. طاقة تخرجها من سكونيتها.
- ولقد جاء تشكيل السيد عبده سليم للنيل بمثابة ملحمة اسطورية .. تطل الكتلة الرقيقة لاتفرض سطوتها على الفراغ ولكن تتجاوب معه وتشكل حوارا من خلال تلك الفتحات وتنوع المستويات وزوايا الدخول والخروج .. والنيل يتجسد فى عناصر رمزية عديدة تبوح بالماضى وتهمس بالحاضر ومسيرة التقدم من خلال حركة اربع سيقان بأربع أقدام تخطو إلى الأمام تحمل لوحة يتشكل اطارها من التمساح وفرس النهر والكف البشرى مع وحدة الهرم ذات النغمات الشعبية التى تأخذ شكل المثلثات .. النيل هنا ملحمة الانسان والطبيعة والوجود ومسيرة الناس وخطو البشر باتجاه الخير والخصوبة والنماء .
- ومن بين تماثيله التى تحمل مفهوما معنويا وقد جسده فى تشكيل مجسم ثلاثية ` الخير والشر والتى يبدو فيه الخير بهيئة قناع والشر بداخله يطل من خلفه والقناع يشير إلى تلك المتغيرات التى تنتاب الإنسان بفعل الشر الكامن بداخل البشر عموما ودرجة مغالبته والسيطرة عليه .
- وهى بمثابة ذروة أعماله واكتمال التعبير الدرامى فمع تجلياتها السيريالية تجمع بين العصر الميكانيكى أو العصر الحديث وبين الخير والشر .. اللذين يتجسدان بهيئة الملاك والشيطان وهنا يبدأ غزو الانسان من الداخل والذى يتشكل فى قناع مفرغ العينين حيث تنطلق عجلة القيادة يتبادل قادتها الخير والشر وينقلنا خيال الفنان فى تنوع وثراء من خلال المزج بين الانحناءات والاستدارات وصرامة الهندسيات المتمثلة فى الدرج الذى يقود إلى الداخل إلى عقل الانسان المعاصر الذى أصبح فضاء وبراحا لتلك الثنائية تقوده إلى بؤر الصراع والنزاعات التى تؤدى إلى قتل الانسان للانسان .. بصورة عبثية لاتعرف القلب أو العقل.
-آدم وحواء
- وتتأكد اللمسة البدائية فى منحوتة ` ادم وحواء ` لكن تستمد رونقها وبهائها حيث يظل آدم متوحدا مع حواء متوجا قلقا فى وقت واحد بنظرة جانبية وحركة عنيفة تبدو فيها الكتلة مشدودة يخف من حدتها هذا الفراغ الذى يمتد أسفل ساق حواء مع فراغ آخر يتشكل فى المسافة بين الوجهين .. وكل هذا يساهم فى حيوية الكتلة وتجاوبها مع الفراغ . وما اجمل أن يتوحد ثنائى الإنسانية فى كتلة تنم عن معنى التوحد ومعنى الخروج إلى الحياة، وقد جعل فى تعبير كل منهما تساؤلا وحيرة ورغبة وتوجس وخوف ، تعكس لتلك الرحلة التى يعيشها الرجل والمرأة فى الزمن من بدء الخليقة حتى الآن .
- ولسليم منحوتة عيون بهية من النحت المفرغ والذى تخف فيها كثافة الكتلة الرقيقة مع اختزال أجزاء فتبدو أشبه بالمشربية حيث تطل بهية بعيون متسعة بمساحة من التفاؤل .. ولعل فى حصانه المجنح الرشيق مايذكرنا بالفن الاشورى مع الفارق فى رشاقة الكتلة وانسيابها تشق الفراغ بالرأس المدبب وتتعايش معه فى حوار لا ينتهى .
- والجميل فى منحوتة ` القديس فارد الذراعين ` .. تلك النغمات التى تحدثها المستويات والتى تمتد فى انحناءات قوسية من أسفل ومن اعلى من القدم إلى مابعد الرأس .. والذى يظل فاردا ذراعيه متوجا بإكليل الغار وهالة القديسين الدائرية وهو على قصره ينساب بالمشاعر والأحاسيس من الصمت والسكون إلى مايوحى بالحركة من خلال تلك الهالة المفرغة وتبدو العين غارقة فى زمن لاينتهى.
- وفى تشكيل ` الساجدة ` تتشكل أسطورة النحت من خلال محاكاة الكائنات الزاحفة التى توحى حركتها بالسجود .. ومع مجسماته العديدة نطل على مساحة متميزة ذات طابع خاص فى النحت المعاصر كما فى منحوتة ` حورس وحوريس` التى يتواجد فيها شخصان كغصنى الشجرة وعيون بهية التى تبدو فيها الكتلة مفرغة اشبه بفتحات المشربية وانسان العصر الحديث الذى يصبح جزءا من الآلة يمتد من القدم إلى الرأس فى تشكيل ميكانيكى .. والوجه المحمول على ساقين والدائرة التى تتشابك بها الأجساد بشكل أفقى فى حركة دائرية حول كرة ايماءة إلى حركة الحياة التى لاتهدأ ولاتستقر .
- وتتألق دنيا الأساطير فى مطروقات السيد عبده سليم النحاسية حيث تأخذنا إلى عالم طقوسى يستمد قوامه من روح الممارسات الشعبية وهى تبدو من عناوينها تعلن عن نفسها كما فى ` نحو الحلم ` و` رقصة طائر الخلود ` و ` والى المطلق ` و ` فرح ابليس ` و` العرافة ` و ` الهروب الى الذاكرة ` و ` الحب بعد الموت ` والى ` توارث ` و ` امرأة وطائر ` وحتى مطروقته النيل ` التى تمثل أجسادا فى لفائف وأشجار ونخيل وشخصين ضارعين محفوفين بالهرم المخبوء بالأسرار والمياه الفرعونية المزجزجة هو هنا يجسد صورة أسطورية للموت والحياة والبعث والخلود.
- ويستعير الفنان جلسة الكاتب المصرى لكن فى إيقاع آخر مسكون بزمن لاينتهى حاملا تفاحة بنظرة شاخصة توحى بقلق العصر .
- وربما من أهم مايميز أعماله التحفز التعبيرى للكتلة التى تهمس وتنهض وتتوجع وتفيض بالمعانى وتحلق فى اجواء خارج المألوف والمعتاد . فى مجسمات السيد عبده سليم مايؤكد وحدة الفنون .. تلك الوحدة التى لاتنفصم .. تتألق فى تمثاله النصفى لبلدياتنا الشاعر عفيفى مطر البليغ الفصيح صاحب ` وشم النهر على خرائط الجسد` وأمهات قصص الأطفال .. جسده بروح الأسطورة .. أسطورة الشعر بوجه مسكون باليقظة والتحفز أما الجسد فينساب من أسفل إلى أعلى بدنيا من الحروف والكلمات .. فى عناق بين سحر الكلمة والفن .
- تحية إلى أساطير السيد عبده سليم .. جاءت شهادات على عمق الحضارة المصرية والتاريخ بلمسة الحداثة.
بقلم : صلاح بيصار
القاهرة 13-2-2017
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث