`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
إبراهيم عبد الملاك
هذا الفنان
- كانت كتلة التمثال التقليدية عبر العصور تطل على جوانب أربعة بحيث يكون الجزءان الجانبيين مكملين للجزئية الأمامى والخلفى. وبهذا الأسلوب المنطقى تتوحد الرؤية ويتوحد الموضوع غير أن الفنان `عبد الملاك` تمرد على هذا التقليد المقيد، وجعل كتلة التمثال ثنائية الأبعاد، ينضح الجزء الأمامى منه برومانسية الفنان التى تطل من حديثه وكتاباته، حتى إذا طاف المتفرج حول التمثال وجد فى الجزء الخلفى تكوينا جديداً مختلف اللغه والمضمون، تكويناً قوامه التجريد المطلق تتعانق فيه الأشكال على اختلاف هيئاتها لتخلق حواراً صامتاً بين الأشياء الخرساء، وهكذا تتكامل لغة الصمت مع لغة الحوار فى إيجاد وحدة معنوية غير تقليدية تؤكد صلابتها ورقها فى آن واحد.
- وتقوم الحركات القومية التى غالباً ماتحيط بالتمثال من جانبيه، موحية بأنها رياح هوجاء تثير أطراف الثوب ونشاكس الرسوخ النحتى البالغ الرقة والدقة.. إلا أن هذه اللولبية أو الموجية تستسلم لمصيرها عندما تتوقف فى الفراغ بعد استكمال دورها التشكيلى، وهنا يتعمد الفنان بذكاء شديد أن يدبب أطرافها ويذيبها فى الفراغ وكأنه يقول هنا ينزل الستار.
على هذه الملحمة الشديدة البلاغة .
- ولعل سمفونية الأقواس، أو الموشحات اللوبية التى تذوب فيها الجملة النحتية مع الرياح الهوجاء. تمثل ثنائية شديدة الذكاء بين حركية الكون وسكونه، فتفقد الكتلة الصحاء صلابتها لتذوب فى أحضان الرياح وتعود سيرتها الأولى خاطراً فى الضمير وإحساساً رابضا بين الضلوع .
بيكار 2000


- عشت محلقاً فى عالم إبراهيم عبد الملاك .. عالم ملىء بأنغام تطوع خامة عصية ولكن هذا النغم يحتاج الى قدرة وتفانى واستغراق .. استطاع الفنان الجميل إن يطوع الخامة ويتحايل بها ويطوينا.. وستظل أنغامه فى أعيننا حتى تفيق ويجعله عامر .
الفنان / مصطفى حسين


- كالملاك نفسه نزلت من فوق جبل الاوليمب فى السماء ليعشق بنات الارض فى الصباح .. تركب جوادك المجنح الى كهف الحب حيث الرجل والمرأة فى دفىء الفن .. فى ظلال الوحى .. وفى كل امرأة فى تماثيلك امرأة أخرى تختفى خلفها .. تغار منها .. أم هى امتداد لها .. أنت فى فنك ووجودك تسألنا وتتهمنا .. فلماذا لا نكون مثلك .. نحب أنفسنا لأننا نستطيع أن نهب الحب لغيرنا حتى لو تاه لحظة عن نفسه .. أنت تجمع كل حجارة القسوة وتنحت منها تماثيل للوهم والحب .
الفنان / يوسف فرنسيس

فنان واحد .. وخمسة مواهب
- يمكننا ان نصف رحلة الفنان إبراهيم عبد الملاك بأنها رحلة التنوع الفنى بين الديكور والرسم الصحفى والجداريات ثم النحت ، فى الواقع ان الفنان إبراهيم يملك فؤاداً متململا من الرتابة فى اى شىء مما دفعة الى الالتحاق بقسم الديكور فى فنون القاهرة ومع كل عمل فى الديكور مشكلة ومع كل عمل جديد توتر وملل جديد ، وقد دفعة ذلك الى الدقة الشديدة والى العناية والتركيز عسى أن يجد ذلك الجمال فى الخطوط والالوان الجواش ، ولكن تلك الرسوم المنمقة الجميلة لم تستطيع لرقتها ان تمتص هذه الطاقة الكبيرة التى تكاد تنفجر فى باطنه مع طوال أيام المعاناه وضغوط العمل الصحفى وايام العمل مع الفنان الكبير الراحل صلاح عبد الكريم لذلك توجه إبراهيم الى النحت الى الصراع المباشر مع الخامة ( الخشب ) واضعاً نموذج الانثى المختلطة بالطائر احيانا أو مع بعض التنويعات التشكيلية المختلفة احياناً اخرى فالمرأة موضوع نحتى محبب الى النفس بالنسبة لسائر الفنانين ولكنه رغم رومانسية الخطوط يزرع محنته الإنسانية فتسقط التعبيرات والمعانى على هذه الوجوه المنحوته كما لو كانت تماثيله تحمل قصة تاريخية لمراحل معاناته المختلفة ، فعلى الرغم من مرحة الظاهر وسخريته اللاذعة فإنه يمتلك وجداناً درامياً ساخناً . ولقد جمع النحت رغبته فى تحقيق الموجود ذو الثلاثة ابعاد بدلاً من المسطح ذو البعدين ( الرسم ) وتحققت رغبته الثانية فى المعبر بإسقاط مشاعره الباطنة والحزن القائم فى نفسه ولقد خطا ابراهيم خطوات سريعة التهم فيها كثيراً من الخبرات فى فن النحت فى الخشب مقترباً من أسرار النحت من ناحية ومن معالجة الخامة الصعبة ( خامة الخشب ) من ناحية اخرى ولكن المدهش حقاً أن نجد إبراهيم يرسم ويكتب وينقد وينحت ويعمل فى الديكور وفى كل مجال انجازاته التى تشهد له كمبدع متعدد المواهب .
مكرم حنين 2000

الكون .. امرأة.. معرض إبراهيم عبد الملاك
- فاروق حسنى وزير الثقافة يفتتح معرض الفنان الناقد إبراهيم عبد الملاك بقاعة ` بيكاسو ` المعرض يحمل عنوان ` الكون .. امرأة ` .
- وقد كتب عنه الفنان ` بيكار ` : يمثل الفنان إبراهيم عبد الملاك مفاجأة للحركة الفنية المعاصرة التى تحمست لأعماله باعتبارها ظاهرة اعادت إلى فن النحت بعضا من وقاره بعد غيبة طويلة انفقها الفنان فى النقد الفنى والكتابة والرسم فى الصحافة بأسلوب دافئ غير مترفع .. فى حديثه نغم رجولى ناعم مثل بتلات زهرة الاقحوان عندما تفوح بعطرها .. وعندما يكتب فكلماته ترقص فوق السطور بمقطوعات تدغدغ الحواس مثلما كانت تفعل اغنيات عبد الوهاب وقصائد أم كلثوم وتراتيل محمد رفعت .. وقد ادخره القدر لكى يعيد الثقة إلى قيمة النحت ليؤكد أن الأبداع الجاد لا ينبثق من بين أطراف الأصابع وإنما من أطراف الشريين مزودا بقلب دائم التدفق والخفقان .
- بدأت حياته الفنية بدراسة فن الديكور طالبا .. ولكنه تجاوز ذلك .. قانعا بما اكتسبه من جماليات مجردة حتى التى تحرك الأشياء .. وتكسبها قيمتها الخالدة التى تعيش فى ضمير الإنسان مدى الدهر حتى التى اختمرت فى داخله مع الزمن وجعلته أحد الشموليين فناً .. ونجما من نجوم عصره كاتبا مفكرا وفنانا مبدعا .



روزاليوسف - 2007
عودة النحت والرسم والتصوير فى معرض عبد الملاك بقاعة بيكاسو
- يمثل الفنان إبراهيم عبد الملاك مفاجأة صفقت لها الحركة الفنية المعاصرة بحماس شديد باعتبارها ظاهرة أعادت الى فن النحت بعضا من وقاره بعد غيبة طويلة أنفقها الفنان فى النقد الفنى والكتابة الأدبية والرسم فى الصحافة بأسلوب دافئ ، غير مترفع ، هذه الكلمات كتبها الفنان العظيم حسين بيكار عندما شاهد إبداع الفنان إبراهيم عبد الملاك فى النحت ، ولو كان يعيش بيننا الآن وشاهد التصوير الذى يبدعه عبد الملاك الآن لقال عنه أكثر وأكثر ، فضلت أن أبدأ تقديمى لمعرض الفنان إبراهيم عبد الملاك بهذه المقدمة لأوكد ما قاله الراحل بيكار من جمال النحت الذى يبدعه الفنان .
- معرض سنوات من الحب ` الحرية .. امرأة ` للفنان إبراهيم عبد الملاك حيث يعرض 47 لوحة فى التصوير الزيتى و37 تمثالا من البرونز . وكل فى مجاله له لغته الخاصة به وجوهر الموضوع الذى يتناوله الفنان والذي يدور حول المرأة من خلال رؤية فنان خاصة جدا ويركز هنا على حياتها وليس على جمالياتها التقليدية التى يتعامل بعض الفنانين معها ، فالمرأة عند عبد الملاك حبيسة أو سجينة القيود التى يفرضها المجتمع والتقاليد ويحاول التأكيد على هذا السجن من خلال الخطوط والمستطيلات والأطر التى تغلف وجه المرأة وقد استخدم الفنان الظل والنور ودرجات ألوان خاصة جدا تؤكد عمق إحساسه بالقصية ، هذا إلى جانب حالة الشجن والدراما الإنسانية التى تغلف الأعمال من خلال تقنية عالية الأداء تعكس على الأعمال ثراء تشكيليا ولونيا كبيرا .
- كل هذا الإحساس يغلفه الفنان بحالة السجن التى تعيشها المرأة فهى حبيسة أشياء كثيرة تحاول التخلص منها أو الثورة عليها ولكنها فى النهاية مقيدة داخل هذا الإطار ، ومما لاشك فيه أن التقنية عند الفنان ساعدت كثيرا على عنصر الإبهار وخصوصا فى مجموعة التصوير الزيتى الذى أعاد الفنان له اعتباره بعد موجات العبث التجريدى والتخبط الذى تعانى منه الحركة التشكيلية .
- أما مجموع النحت فتعتمد فى الدرجة الأولى على استلهام التراث ولكن برؤية معاصرة خاصة بموهبة الفنان الذى لديه ملكة إبداعية واسعة ، فهو قادر على تشكيل الوجوه والملامح بتفرد وخصوصية وتنقسم الأعمال عنده إلى ثنائيات من الوجوه وثلاثيات ورباعيات نفس الشئ فى التصوير ، وهو ما يجسد تأكيده ما يريد التأكيد عليه من جدية الرسم والتصوير والتمسك بالمعايير الأكاديمية للنحت والتصوير ، وقد نجح إلى حد بعيد فى تجسيد هذا الجمال الفرعونى والقبطى والإسلامى والذى أكده بمجموعة من الخطوط والطيور وكأنها تاج الجمال وكانت فعلا مجموعة أعمال بلغ فيها البرونز ذروة الجمال التشكيلى .
- فجاءت التقنية عالية الأداء من خلال تعدد الأسطح بين الخشن والناعم واللامع والمطفى والمؤكد كل هذه المعالجات عكست قيما جمالية ودرامية وأكدت خصوصية الفنان فى التعامل مع البرونز .
وتبقى حقيقة أن الفنان نجح فى تحدى موجات التجريد بهذه الأعمال التى تبرز قيم النحت وجماليات الرسم والتصوير .
- والفنان إبراهيم عبد الملاك تخرج فى كلية الفنون الجميلة القاهرة وحصل على دراسات عليا بها 1974 ثم على دراسات عليا أكاديمية الفنون الإيطالية بروما 1976-1977 وهو وكيل نقابى الفنانين التشكيليين ونائب رئيس الجمعية المصرية لنقاد الفن التشكيلى ، وفنان صحفى وناقد بمجلة صباح الخير وروزاليوسف .
- أقام معارض خاصة فى كل من إيطاليا وفنلندا وألمانيا وفرنسا ثم تونس والمغرب والكويت والسعودية والولايات المتحدة وبريطانيا والسودان ، بالإضافة إلى القاهرة والإسكندرية ، كما تعرض أعماله بانتظام بقاعات جاليرى فرنكلين منت بالولايات المتحدة الأمريكية .
- وقد حصل الفنان إبراهيم عبد الملاك على الميدالية الذهبية من قاعات فرنكلين منت لأعلى مبيع منتج فنى بالولايات المتحدة الأمريكية 1986-1987 عن تصميم مجوهرات فرعونية وأسلامية .
نجوى العشرى
جريدة الأهرام -2009
الحرية .. امرأة .. فى لوحات ومنحوتات إبراهيم عبد الملاك
- فى محراب الفن هو مبدع وفنان قدير يجيد غزل وصناعة الجمال وفى بلاط صاحبة الجلالة تراه واحدا من شعراء الكلمة الحلوة النابعة من القلب ، وناقدا ورساما صحفيا متمكنا .. تفيض خطوطه وحروفه جرأة وبلاغة وعشقا للحياة .. والأهم أنه إنسان حتى النخاع .
- وهو سر تزاحم قاعة ` بيكاسو` بزوارها والتفاف عشاق فن ` إبراهيم عبد الملاك ` حوله فى أجمل تظاهره حب ووفاء .. ليشاركوه فرحته بافتتاح احدث معارضه الفنية ولتهنئته بعبوره أزمته الصحية الأخيرة بسلام .
- جاء معرضه الجديد بعنوان ` الحرية .. امرأة `وهو استكمال لسلسلة من معارضه السابقة التى تتبنى طرح قضية تحرير المرأة المصرية المعاصرة .. تحت شعار ` سنوات من الحب ` كعادته توجها ملكة على عرش لوحاته ورسومه ومنحوتاته .. قدمها وهو الأم والزوجة والحبيبة والأخت والابنة والصديقة واتخذها رمزا للأرض والعرض والوطن وشلالا للبهجة والحب والجمال والنماء .
لكن جميلات ` عبد الملاك ` تحمل وجوههن مشاعر مرارة وحزنا دفان لما وصل إليه حالهن .. يتأكد فى لوحاته الزيتية والحلى وجمال وشياكة المظهر الخارجى .. إلا أنهن تبدين دائما محاطات بسياج حديدى يبقيها وحيدة منعزلة فى أسرها .. تواجه قيودها المصطنعة خلال خطوط طويلة وعرضية تتقاطع فى حدة وقوة حاكمة قبضتها الحديدية عليها لتشل حركتها وتفكيرها وتحول دون تقدمها وتقدم مجتمع بأثره !
- ولتعميق رؤية ` نصير المرأة ` استعان بتركيبة لونية حادة وعيون واسعة يسكنها الشجن .. جعلت من بطلاته امتدادا تاريخيا لوجوه الغيوم القديمة .. لكنه ابقى على الأمل بإضافة لمسات ضوئية وظلال والاستعانة بتقنيات وأدوات مبهرة..فى أداء تشكيلى وأكاديمى رائع مكنة من إدارة حوارات دراماتيكية بناءة تعزف على إيقاعات وقيم جمالية وفلسفية راقية .. تدعونا للأخذ بيد المرأة نصف المجتمع .. ويعتقها من أغلال عادات وتقاليد بالية !
فارس النحت البرونزى
- إذا كان فناننا قفز خطوات واسعة فى التصوير الزيتى .. فإنه واصل تفرده كواحد من أهم فرسان النحت البرونزى فى مصر .. فتماثيله تمثل حالة إبداعية وجمالية نادرة .. فهى انعكاس لخبرة ومشوار فنى ونقدى طويل .
- واليوم أحسن توظيف قدراته النحتية لتنضم وتتواصل بقوة مع موضوعات وأفكار أعماله التصويرية .. وإن بدا أكثر تحررا من القيود والقوالب النحتية المستهلكة .. رغم حفاظه على الشكل الأكاديمى للعمل .. إلا أنه قدم جميلاته خلال تقنيات حديثة وثياب عصرية وحضارية مبهرة .. تداعى منها الملامس فى تلقائية ورشاقة .. يتزاوج الفرقاء وتتعانق الأسطح الملساء والخشنة مع البارز والمضئ واللامع والقاتم عازفين معا أجمل سيمفونية نحتية متفردة .
وفى كل الأحوال حافظ الفنان على حيوية ورشاقة جميلاته ودعم أفكاره برموز وعناصر مساعدة من نباتات ، حلى ، طيور ونخيل وغيره.. زين بها رؤؤس وأعناق نجمات أعماله .. وفى أحيان أخرى عبر عن رؤيته خلال ثنائيات وثلاثيات وربما رباعيات تشكيلية .
- بلغ الفنان ذروة تألقه الإبداعى وهو يحاول إنعاش ذاكرة الأمة ليستعيد مكانتها وشخصيتها التى كانت عليها فى العصور الفرعونية والقبطية والإسلامية فاستعار لها شموخ وثقافة ` كليوباترا` ودلال وجمال ` نفرتيتى ` واناقة وتسامى ` حتشبسوت ` وقوة ووفاء ` إيزيس ` وغيرهن من عظماء نساء مصريات خلدهن التاريخ وقد نجح إبراهيم عبد الملاك فى استنساخ أرواحهن استكمالا لدعوته بإطلاق يد المرأة وتحريرها من أغلالها .. حتى تستعيد أمجادها وأمجاد أمه بأثرها فالحرية حقا ` امرأة ` .
- إذا كان إبراهيم عبد الملاك أمتعنا اليوم بأفكاره وإبداعاته الفنية .. فإنه ابهرنا أيضا بصموده وتحديه لآلامه وبروحه المرحة الجميلة وإصراره على إقامة هذا المعرض الدسم فى موعده المحدد من قبل .. وبهذا الكم الهائل من الأعمال التصويرية والنحتية المتميزة رغم الوعكة الصحية التى ألمت به مؤخرا .. ليثبت لنا دوما أنه فنان وإنسان من طراز فريد قادر دوما على أن يشجينا ويطربنا ، يبكينا ويمتعنا بأفكاره وأدائه وروعة لوحاته ومنحوتاته .
ثريا درويش
جريدة الأخبار -2009
المرأة فى تصاوير ومنحوتات إبراهيم عبد الملاك .من أسوار الجسد إلى براح الوطن
- تأتى تصاوير إبراهيم عبد الملاك التى تستخدم فيها الألوان الزيتية على التوالى ، ممتزجة أحيانا مع الورق الذهبى ، حيث يعتمد من خلالها كذلك على الوجه الأنثوى ذى السمات الخاصة التى تميز الفنان ، فبرغم تنوع التضاريس الشكلية لملامح نسائه إلا أن هناك قاسما مشتركا خفيا يجمعهن وهو ذلك المزيج النادر من الحزن والبهجة والصبر فى آن ، وهى الأوتار التى يعزف عليها الفنان فى أغلب أعماله ، لذا فهو يوظف هذه الخلطة السحرية كرمز مستتر لإدراك هدفه التعبيرى المحدد فى انتزاع الحرية المجازية للمرأة الأسيرة ، فنجده على جانب آخر يستخدم الخطوط الشرائطية المتقاطعة كرمز بصرى ظاهر ويعادل مثيله الباطن ، ليخفى وراءه نسبيا وجوه نسائه اللاتى يظهرن فى مشاهد نصفية مختلفة بين نظرات الاستكانة والميل الدفين للتمرد ، لذا فإن استعمال الفنان للون الذهبى فى نسج شرائطه لهو رمز إضافى يشير إلى نعومه الأغلال التى تقيد بها المرأة أحيانا ، علاوة على شرعيتها الدينية المزيفة أحيانا أخرى ، بما يشكل عليها عبئا بدنيا تألفه مع الوقت ، ويصير القهرخمرا ، وربما لهذا نجد وجوه إناثه ورقابهن وظهورهن غير مكتملة التفاصيل التشريحية ، ويختفين خلف غلاف لونى يقع رمزيا بين الحقيقة والمسخ .. بين الأصيل والمزيف ، وتعميقا للبعدين الجمالى والزمنى نرى عبد الملاك وهو يجدل ضفيرته المعهودة من الوشوش ورموزها القرينة ، بين خيول ونخيل ومصابيح وأبواب ونوافذ مكسية بنقوش وزخارف من حقب تاريخية مختلفة ،ومؤكدا من خلال تلك التراكيب التصويرية بعضا من القيم الإنسانية ومطيحا بأخرى ، ليحتشد المشهد بأصوات متنوعة بين صهيل وحفيف وأنين وصفير ، وكلها تتماس مع الفعل البصرى للوجه الأنثوى المتأرجح بين الشعبى والأرستقراطى ، لخلق تيار إشارى داخل الصورة ، يمرق كالسهم نحو تلك النقطة البيضاء الحائرة التى تضئ لنساء إبراهيم عبد الملاك جسرا إبداعيا طائرا يعبرن عليه من أسوار الجسد إلى براح الوطن .
محمد كمال
صباح الخير - 2009
أيقونة حب مصرية
- من متابعتى لمعظم أعمال الفنان ابراهيم عبد الملاك بمعارضه المتتالية وصولا إلى معرضه الأخير المشار إليه استطيع أن أوجز أو الخص للقارئ ما تركته أعماله ( التصوير والنحت) من آثار إيجابية على نفسى ولا استطيع ان أنكر ما اضافته لى تلك الأعمال من إجابات واضحة وغير ملتبسة عن حقيقة الفن والجمال.
- تخرج ابراهيم عبد الملاك فى كلية الفنون الجميلة بتقدير عام امتياز ومنذ تخرجه وهو مشارك عنيد فى الحركة التشكيلية المصرية بمراحلها المختلفة على مدى العقود الأربعة الماضية -وتكون لدى الفنان ابراهيم عبد الملاك بالاضافة للحس الفنى شعور نقى بالوطنية وبمعنى الحرية فى وطن حر .فهو ابن مخلص لجيل الستينات احب الناس وعشق المدينة (القاهرة) وجال فيها يبحث عن مواضع الجمال فى العلاقات الانسانية وفى ممارسات الحياة اليومية لهذا الشعب الطيب المسالم وشارك البسطاء منهم فى جلساتهم فى المقاهى وفى التجمعات والاسواق ليحصد من وراء ذلك رقيا ورقة بدت واضحة فى خطوطه الانسيابية والوانه المشرقة المضيئة .وكما احب ابراهيم عبد الملاك الناس والمدينة كون علاقات حميمة مع اساتذته من الفنانين الكبار مثل حسين بيكار ( الذى يدين له بالفضل فى كتاباته النقدية واثره فيها وكذلك الاهتمام بالصحة النفسية للفنان حتى يكون صافيا فى صفاء زرقه مياه المحيط او فى بياض الثلج ) والفنان الكبير المتنوع الموهبة صلاح عبد الكريم الذى اثرى الحياة الفنية بابداعات كثيرة يتحدث عنها ابراهيم عبد الملاك فى جلساته الخاصة ويشير إليها فى كتاباته النقدية بمجلة صباح الخير .
- من هذه المقدمة التى تقدمت بها للقارىء اشير هنا بالضرورة إلى أن ابراهيم عبد الملاك اصبح صاحب خبرة بصرية عميقة وكذلك صاحب ذائقة فنية وجمالية عريضة اتاحت له الدراسة والتدقيق فيما يقدمه فى أعماله ( التصوير - النحت) وابتعد الفنان عن التغريب والسطحية والتبعية للمدارس الغربية الحديثة حيث انتشل الفن وانتشلنا جميعا من براثن ذلك التغريب والذى يقدم لنا عن غير درايه ودون امكانيات فنية حقيقية - كل هذا وهو ملتزم التزاما صارما بالقواعد المتعارف عليها حيث اعادنا إلى هوية نعرفها ونتفق حولها -ومن خلال اعماله فى فنون التصوير والنحت دخل بنا الى عالمه الخاص الذى شكله على مدى تاريخه الفنى والتقنى .
- كما يلاحظ المشاهد استخلاص الفنان لرموز الفن الفرعونى متمثلة فى شمس مشرقة ونخيل وارف واهرام راسخة ليؤكد على هوية مصرية خالصة ولا يخلو الامر من تلامس مع الفنون القبطية والحضارة الاسلامية حيث التجريد وعلامات التصوف بين وحدات التكوين .
- ولقد حاول ابراهيم عبد الملاك فى كل قطعة (لوحة - منحوته) ان يحقق اكبر قدر من القيمة الجمالية ليحقق معها كفنان اصيل هدفا هو تمثيل فعلى لجمال مصرى خاص يأخذ بالمتلقى بعيدا- فنحن امام اعمال متتالية دون تكرار متجانسة رغم تفردها الشخصى يربط بينها جميعا خيط لامع رقيق يجعلها تماثل عقدا فريدا من لآلئ على صدر امرأة افتراضية عشقها الفنان وينقل لنا عشقه دون ان يعلو صوته فى هدوء ورصانة (حيث الفن يشبه الحب من بعض الوجوه ) ومن التركيز على اللوحتين (31/ 13) نجد انه لا يرغب فى تمثيل الانسان كما هو ولكن فقط كما يجب أن يكون من وجهه نظره .
- من ناحية البناء الفنى والتكوين اذا كان هناك تكامل ووضوح ملحوظ فى اللوحة فان هذا يعنى منذ البداية وعى الفنان بما يقدم عليه وهذا ينقلنا الى ان كل لوحة أو منحوته (تمثال) تصبح نصاً متكاملاً لا ينتهى عند حدود اللوحة ( الاطار) او حدود التماس مع الفراغ ( المنحوتة ) بل يفتح ابوابا لها سحرها الخاص لدى المتلقى وما يلفت الانتباه فى اعمال ابراهيم عبد الملاك هو ان المساحات المجردة فى الخلفية تجعل المتلقى منشغلا بها دون ان تفصله عما هو محورى فى اللوحة .هذا النوع من الانشغال هو ايجابى بالضرورة حيث يخلق علاقة متوازنة بين المحورى فى اللوحة وما هو فى غير محورى حتى تتكامل الرؤية الجمالية بكل خصائصها .ومن هنا لا يستطيع المتلقى الهروب حتى وان حاول فقد سقط فى مصيدته ذات الخطوط القوية والالوان الدافئة .
- لقد استدعى ابراهيم عبد الملاك الموروثات المصرية كما سبق وذكرنا بمراحلها المختلفة ويمثل هذا الاستدعاء قدرة عالية تصل بنا إلى حد السهل الممتنع كما تمثل الالوان مفردات لقاموس خاص بالفنان يستطيع دائما ان يكون منها جملا رقيقة تعبر فى بلاغة عن مضمون العمل الفنى .
ابراهيم عبد الملاك :فنان رقيق -محب - مخلص .
محمد الشربينى
أخبار الأدب - 2009
أنتظر مطراً يغسل ملامحنا من قبح أيامنا
- ذهبت اتحدث معه عن الفن.. فحدثنى عن الأنتماء سألته عمن يحاربونه .. فكلمنى عمن ساندوه ورغم أنى كنت حريصاً أن يكون الحوار عن عالمه إلا أنه أخذنى فى سياحة لتاريخ مصر، كلمنى عن إيزيس وأخناتون ثم انطلق ليعيد اكتشاف طاقة النور بداخله ، مشيراً لبيكار ومختار وحسن فؤاد وصلاح عبد الكريم.. وصناع أحلامه وأساتذته العظام.. كان الحوار فى الفن التشكيلى فانطلق بى إلى عالم الأدب والموسيقى والتمثيل، ذهبت إليه لأطلب سمكة .. فأعطانى شبكة وقارب وأشار للبحر أن يفتح ذراعيه .. لأكتب هذا الحوار مع صاحب أطول لسان رقيق فى مصر .. الفنان إبراهيم عبد الملاك ..
* إبراهيم عبد الملاك - الرسام ..النحات .. الشاعر .. الناقد التشكيلى ؟
- إبراهيم هو كوكتيل من كل هؤلاء .. عشت عمرى آخذ حب من عظماء واحترام من نبلاء .. لذلك أعتبر نفسى محظوظا ، أنا ابن راجل وست طيبين بسطاء فيهم عزة وجدعنة الحى الشعبى .. وكنت محظوظاً أنى رعانى إمسانياً وأخلاقياً وإبداعياً عدد كبير من العباقرة فى تاريخ مصر ، الأستاذ صلاح عبد الكريم وهو أول نحات مصرى عالمى موجود فى موسوعة لاروز الفرنسية كفنان شامل أبدع فى كل الفنون له 11 تمثالاً من 60عملاً عالمياً فى ميادين مدينة جدة وليس له فى وطنه تمثال واحد .
- الذى اكتشف صلاح أحد نبلاء مصر حسين بيكار.. فيقدمنى عبد الكريم لأستاذه فيقرأنى كفنان وككاتب يحبو فى أول سلالم الصحافة ، فيمنحنى قلبه وعقله لكى ترقص كلماتى فى مسرح القول، ثم يرشحنى الجميل ناجى شاكر مبدع عرائس وديكور الليلة الكبيرة أن أتوجه لمجلة العباقرة صباح الخير .. فيأخذ أكبر مكتشف للفنانين فى تاريخ مصر .. حسن فؤاد بيدى ليقدمنى إلى صلاح جاهين .. وأحمد بهاء الدين وأبو العينين وإيهاب شاكر وحجازى والليثى وبهجت ويتم فى هذا المكان استكمال تكوينى النفسى والإبداعى .. أليس هذا حظاً جميلاً .
* كل فنان يمر بمرحلة مراهقة فنية .. لكن الأطول عمراً هو الذى يعيش المراهقة الثانية .. هل هذا حقيقى ؟!
-أنت تسميها المراهقة الثانية وأنا أسميها البلوغ الفكرى. يقولون : فى سن معينة تكتمل أجهزة المناعة فى الإنسان ولا توجد سن ثابتة لانفتاح أبواب وشبابيك التفاعل مع ما يحدث فى سن أخرى هنا تكتمل أجهزة المناعة والدفاع والإيمان والوثوق والاستلهام والألتزام فتصنع لعين الفنان بصراً وبصيرة ومعانى لا يختلف عليها حتى ضرير الفكر .
* تمثال إبراهيم عبد الملاك المسيحى .. يؤمن بكل الأديان هل هذا ذكاء الفنان ؟
- إحنا فى مصر مؤمنون بالديانات كلها قبل تاريخها المدونون . المصريون القدامى اخترعوا فكرة الخالق بحثاً عن هاد لسلوكهم ، اخترعوا آلهة للقيم .. من فى الحضارات الأخرى عنده إيزيس ؟ مين آمن بالتوحيد قبل الرسالات ؟ .. مين صلى للخالق ألا يلوث ماء النيل شريان الأخلاق . ورغم ما يحدث الآن من غبار أخفى وجه الجمال الأخلاقى فى شعوبنا والذى سوف يأتى يوماً وابل من المطر يغسل ملامحنا من قبح أيامنا .
* من أهم الفنانين الذين أثروا فى تكوين عبد الملاك ؟
- مختار .. كان عنده بعد دينى وتاريخى وعاطفى وقدرات فكرية مرتبطة بوطن وتاريخ .. تمثال الخماسين 1922 جهل ومرض واستعمار وأعتام .. وهذه امرأة رمز لوطن يواجه كل هذا الإحباط فى العالم يعجبنى ثلاثة .. مارينو مارينى الإيطالى وجياكومتى .. الأثنين دول عندهم بعد جمالى ورمزية وانطباعية وسيريالية وواقعية ما وراء الشكل .. وفى أعمالهم إيجاز رهيب لكل المدارس الفنية .. أيضا أحب رودان ، لكن فن كل هؤلاء لا يوازى قطعة صغيرة من تراثنا النحتى .
* من أين يأتى الناقد إبراهيم عبد الملاك بكل هذا الوعى فى رؤاه النقدية ؟
- الأعمال نتاج علاقاتى الفكرية والوجدانية مع مبدعين كثيرين . أنا مثلاً فى لحظات التوقف تحركنى جمل نزار قبانى تلاغينى وتعطينى رمزية .. رباعيات صرح جاهين .. رقة عبد الرحيم منصور .. وعبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب يعطينى غسلة موج الحب .. قراءة أدب نجيب محفوظ ويوسف إدريس .. مزيكا عمر خيرت .. أغانى عبد الوهاب وحليم وليلى مراد وشادية وعبد الغنى السيد وطلب ومحرم فؤاد ، وألحان محمود الشريف والسنباطى وأحمد صدقى ، ورقة محمد فوزى وبهجة مراد منير ولمسة أبو حنية بليغ ، وألحان الرحبانية وصوت فيروز وسينما كمال سليم وصلاح أبو سيف وأداء التمثيل لعادل أدهم البرنس وأحمد ذكى العبقرى وأحمد مرعى وعمر الشريف وعادل أمام وصلاح السعدنى ومحمد منير .. الجميع شموع فى تورتة العمر .. من هؤلاء أكتب نقدى الفنى ورأى العالم بعيون تعرف طعم المحبة .
* فى أعمالك ترتكز على التيمات الشعبية للطائر والحصان والمرأة .. لماذا ؟!
- أنا قاعد على قهوة الفضفضة العاطفية للإنسان الشرقى ولا يختلف اثنان على أن الوردة أرق النباتات ولا أيضا على عنفوان ودلال وقوة الحصان ولا يرفض أحد أن يضمه بيت حانى لقباب عربية وألا يفترش أحد شط نيل الدنيا تحت نخيل الخير هذه مفرداتى التى يتفق معى فيها كل عاشق .
- كل قطعة نحت أو تصوير أصنعها لأجلى ، فالذى أقبل أن يكون موجوداً فى بيتى الخاص أسمح له أن يكون فى بيوت الاخرين .
* فى أعمالك الأخيرة يرى النقاد أن النحت أصبح أقوى من الرسم ؟
- جميل وطبيعى أن لكل أب علاقة أثيرة بالابن البكر ، وسوف أرد عليك بغنوتين ` دعاء الشرق ` و ` من أد كنا هنا ` لعبد الوهاب ، الأولى شعر كلاسيكى يأخذك للهرم ، والثانية عامية تخليك تستحمى فى النيل وغنوتين لنجاة ` عطشان يا أسمرانى محبة ` وغنوة اسمها ` مش قادر أودعك أشوفك وأسمعك ما هو حاجة من الاثنين يا تاخدنى يا أرجعك ` .
* رسالة تحب أن توجهها للفنانين ؟
- رسالة فى أساسى محمود سعيد ومصريته .. سيف وانلى وتجريديته المشروع المستمر عن حلمى التونى وجميل شفيق .. العنفوان والرقة فى نحت حليم يعقوب ، وصوت وحياة حليم .. المصرية والأخوة والأسرية فى شخصية فاتن حمامة .. رسالتى لأى حد ستصل طالما اتفق معى اختلف فيما قلت أنا لست بحزين .
* رسالة للمهتمين بكتابة النقد التشكيلى ؟
- هناك ثلاثة كتب مهمة .. القرآن وكل ما أبدعه جبران .. وكتاب الحضارة القديمة لسليم حسن .
سمير عبد الغنى
جريدة الكرامة - 2009

- كلما أحسست باليأس، هاتفت إبراهيم عبد الملاك، ليس لأنه ساحر، أو `حكيم روحانى ` ولكن لأنه يمتلك `خزانات `التفاؤل الأصيلة، التى نضبت من بر المحروسة، فما زال يمتلك قدرة عجيبة على تصدير شعوره بالتفاؤل الجميل إلى الآخرين، ليس فقط عن طريق الكلمات المنمقة، أو المنتقاة، ولكن عملياً وواقعياً تجده بجوارك وهو يبتسم قائلاً: `يا بنى إحنا لا نملك ترف التشاؤم` وبجدعنة أبناء البلد تجده قد انهى مشاكلك كلها فى لحظة .
- أخطر ما فى إبراهيم عبد الملاك،أنه يستطيع أن يشيع هذه الحالة التفاؤلية الجميلة، من خلال كلماته الرشيقة المتراقصة المتقافزة اللاذعة خفيفة الظل فى كتاباته الدورية فى صباح الخير، ويستطيع أيضاً أن يغمس فرشاته فى `ألوان الهوية ` ليملأ لوحاته بالحب والسلام والتفاؤل والحرارة معاً..فخزانات التفاؤل التى تسكن روحه هى خليط من الإيمان بالمصرية والجدعنة والشاعرية والحب الذى تحده حدود لأرض الوطن ونخيله وأشجاره وزهوره ونسائه وبيوته وأطلاله وشوارعه، وكما يحب هذه التجليات جميعا.ً فإنه يحب أن يرسم دائماً طاقة أمل لأى مخزون إنه أحد دراويش المحروسة، المتيمين بهواها، وقديس يخرج هادئاً مبتسماً من حكايات المساء فى حوارى `شبرا ` ومصر `عتيقة `.
- عندما يكتب يستدعى روح الكاتب المصرى القديم، ويغمس قلمه فى نكات ابن البلد فتخرج كلماته جارحه موجعه ساخرة جميلة مرطبة راسمة، وعندما يرسم يستلهم ايزيس أو السيدة العذراء وبنات بحرى، وفاتنات شبرا المرحات ونساء إحسان عبد القدوس الصارخات من أجل الحرية بين صفحات رواياته، فيعجنهن ليصنع من روحهن جميعاً وجوها مصرية خالصة نابضة بالحياة والحب والاشتعال الجميل.
- ورغم انفراده بهذا الأسلوب إلا أن إبراهيم دائم الوفاء للكبار، دائم الحديث عن أفضال الأساتذة العظام، يحدثك دائما عن الرائد صلاح عبد الكريم، وكيف شكل روحه، ويخرج من حديث النحات الكبير، ليحدثك عن عمه وعمنا بيكار الذى شكل ملامح قلمه، وما أن يذكر القلم حتى تجده يتكلم عن طوغان ودوره فى فتح أبواب الصحافة له وهو ما زال طالبا، وكيف عجنه وهذبه عمنا حسن فؤاد، ودور صلاح حافظ الأب الذى علم جيلنا نزاهة المهنة .
-هذا الوفاء النادر للكبار والأساتذة والأصدقاء هو إيقاع نبض قلب إبراهيم عبد الملاك، الذى `خنته ` مؤخراً ولم أحضر - لأول مرة - معرضه السنوى ولكن رغم غيابى عن معرضه، أحسست بأعماله حاضرة فى قلبى فإبراهيم المخلص مازال يرسم ملامح التفاؤل فى وطن حزين يؤمن بأنه سوف يفك القيود وينطلق محلقاً فى السماء.
أسامة عفيفى
2008/1/19 - الأسبوع
عبد الملاك على قيد الحياه
عبر مشوارى المتواضع مع الدنيا ، خلصت إلى أن البشر نوعان ، أحدهما يكون ميتاً وهو حى يرزق على وجه الأرض ، حيث لاتلمس له بصمة مؤثرة حتى فى محيطه العائلى الضيق ، وبالطبع ولا الوطن الذى يئن من مثل هذه النماذج التى تمثل عبئاً ثقيلاً عليه ، فيشعر معها بالرغبة فى الخلاص منها ، أما النوع الثانى فيبدو حياً وهو حى ، وحياً وهو ميت ، حيث يعيش حياته مهموماً بأحوال وطنه قبل نفسه ، وتواقاً لمشاركة أهله وناسه أفراحهم وأحزانهم ، متناسياً ذاته فى كثير من الأحيان ، لذا فامتداد حياته بعد رحيله الجسدى يكون منطقياً ، رغم أنه يترك فراغاً إنسانياً كبيراً عند من سبروا أغوار شخصيته ، فوقعوا بعد موته فى بئر الوحشة والإشتياق لوجوده ، وقد كان بديهياً أن تهاجمنى تلك الخواطر منذ بضعة أيام عندما حلت الذكرى الأولى لصديقى الناقد والفنان الكبير إبراهيم عبد الملاك ( 1944م _ 2011م ) الذى رحل عن دنيانا جسدياً فى 23/1/2011م ، أى قبل الثورة بيومين ، بعد رحلة قاسية مع عدة أمراض هاجمت بدنه النحيل ، بيد أنها لم تهزم روحه المصرية العفية التى ربما هى فرحة الآن بما كان يتنبأ به ويردده دائماً أن مصر تضىء فى مطالع القرون ، وهاهى الآن على مشارف إضاءة جديدة بعد ثورة 25 يناير المجيدة السائرة قدماً نحو الإكتمال ، لذا فالحقيقة تختلط عندى أحياناً بالخيال وأتصور أن عبد الملاك على قيد الحياه ، فقد كان سيفاً بتاراً على رقاب الفاسدين ، وموالاً رقيقاً فى أذان العاشقين ، وحضناً دافئاً لراحة المحبين .. كان حاد الرأى وقت حسم عظائم الأمور ، ومتدفق الدمع عند اجترار ذكرياته القريبة والبعيدة ، سيما التى تتعلق بأساتذته الذين ظل وفياً لهم حتى وفاته .. لاأنسى دموعه التى كانت تبلل عينيه كلما تذكر أستاذيه الفنانين الكبيرين حسين بيكار وصلاح عبد الكريم ، حيث كان لايكف عن الإعتراف بفضلهما سراً وعلانية ، ولايفارق مخيلتى أبداً وجهه عندما شاركته حلقة تليفزيونية عن أحد معارضه بقاعة بيكاسو فى نهايات عام 2000م ، مع المذيعة الرقيقة الراحلة رشا مدينة التى ماإن تطرقت لصلته ببيكار ، حتى استفاض فى تفنيد فضله عليه بولع ، قبل أن تفيض عيناه بالدمع أمام الكاميرا ، فقد كانت حلقة غنية بالوفاء والطهر ، وهو ماجعل طاقم الإخراج آنذاك يندفع فى عاصفة من التصفيق التلقائى بعد انتهاء التصوير .. وذات يوم من أيام عام 2007م كان بيننا ميعاد فى مدينتى كفر الشيخ ، حيث كان قادماً كوكيل لنقابة الفنانين التشكيليين من أجل تخليص بعض الأمور التى تخصنى مع المحافظ ، وليلة مجيئه هاجمه مرض السكر بعنف حتى وصل إلى درجة 650 ، وهى مشارف الموت كما قال له طبيبه الخاص ، فإذا به يهاتفنى ليلتها وهو يجهش ببكاء حار إنتزع دموعى ، معتذراً عن عدم استطاعته التحرك من مكانه ، فقلت له .. كل الدنيا فداء لدموعك الغالية ، فلتذهب كل الأشياء إلى الجحيم مقابل دمعة واحدة منك .. ولن أنسى دموعه التى سالت عندما هاتفته ذات يوم من أيام عام 2009م وهو فى أوج مرضه ، فإذا به يبادر بإخبارى عن صنوف الطعام التى أرسلتها له زميلتنا الفنانة والناقدة نجوى العشرى ، وقال لى يومها بتهدج شعورى محفوف بالدموع .. أنا أشعر أن نجوى مثل أختى وبنت خالتى وبنت عمتى وجارتى .. نجوى بطيبتها ونقاوتها هى مصر يامحمد .. هى النخلة والوردة والنهر كما أرسمها وأنحتها دائماً .. هكذا كان يفكر هذا المبدع الكبير الذى انسكب بكل مشاعره داخل منحوتاته وتصاويره ورسوماته الصحفية ونصوصه النقدية ، حاملاً بين جنباته ثقافة وطن طالما اعتز بأبنائه الأبرار المخلصين ، ولم يكن إبراهيم إلا واحداً من أنبلهم وأطهرهم ، عبر إبداعه الأصيل ونخوته الراسخة وحنانه المتوهج ودموعه الفياضة التى تشعرنى دوماً أن عبد الملاك مازال على قيد الحياه .
محمد كمال
عمودى الأسبوعى ` ضى النهار `- جريدة نهضة مصر -صفحة فنون جميلة -الخميس 2 / 2 / 2012
عبد الملاك فى الحسين
- يقتضى الظرف الراهن أحياناً التنقيب فى الذاكرتين الفردية والجمعية ، للكشف عن جواهر ساكنة فى رحم التربة الوطنية ، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بوحدة شعب ومصير أمة .. وأعتقد أن الأحداث الجارية داخل المشهد المصرى الآن تحتم علينا التدقيق والفرز ، كى نحمى الوطن من نيران محتملة قد تحرق الجميع ، من جراء لعب البعض بأعواد الثقاب الطائفية ، الإسلامية منها والمسيحية ، والتى يحشونها داخل العلب السياسية ، مدعين أنهم يداوون جراح البلاد ، بينما هم فى الحقيقة يزيدونها عمقاً ؛ فتسيل الدماء على خدود الكذب والخداع .. ولاأدرى لماذا أود الآن الإستعانة بفن الحكى للكشف عن بعض لآلىء السلوك الشعبى المصرى بكل نقائه وصفائه ، دون مزايدة فجة لم تعد محتملة عند هذا المنعطف الحرج من تاريخ مصر ، ربما تجدون فيما أروى مايضىء بعض الجنبات المظلمة على المسرح الوطنى المحتشد بكل ألوان الحمأة السياسية الجوفاء ، كمثل رنين صادر عن براميل فارغة .
ففى أحد أيام شهر مايو عام 2006م كنت حاضراً لافتتاح معرض صديقى الفنان محمد طراوى .. وخلال تبادلى للتحية والحوار مع بقية أصدقائى من الفنانين المتواجدين فى القاعة ، إذا بى ألمح أخى وصديقى الفنان والناقد الكبير الراحل إبراهيم عبد الملاك ، فتوجهت إليه على الفور لنتعانق كعادتنا ، وقبل أن ننخرط فى بهجة اللقاء مع الآخرين ، همس فى أذنى آمراً إياى ألا أنصرف بعد انتهاء الإفتتاح ، لأنه يدعونى أنا وطراوى لقضاء الليلة فى الحسين على شرف المعرض ، حيث يعتبرنا ولديه كما كان يذكر دائماً .. وفى أحد حوانيت الحسين جلسنا على مائدة العشاء نتناول الكوارع مع الفتة المغطاه بالثوم وسط مناخ شعبى دافىء ، وأذكر ليلتها أن عبد الملاك بادر بالحوار حول أعمال المعرض ودراستى حولها التى كان قد طلبها منى طراوى لتوزع فى الإفتتاح .. ثم نقل إبراهيم الحوار فجأة متأملاً تفاصيل المكان بطقوسه السمعية والبصرية على محوريها الدينى والإجتماعى ، لافتاً إنتباهنا إلى القواسم العقائدية المشتركة بين المسلمين والمسيحيين ، وهو مابدا إبداعياً وروحياً _ على حد تشبيهه _ فى التناص بين مسجد محمد على وكنيسة مارى جرجس ، وبين التواشيح الإسلامية والتراتيل الكنسية ، حتى أنه أكد فى تلك الليلة أن من ضبط إيقاع اللغة العربية فى أذنيه هو الشيخ محمود الحصرى .. وبعدما فرغنا من طعامنا إنصرفنا بسيارة طراوى إلى بيت عبد الملاك ، حيث قضينا بقية السهرة فى فرحة فياضة وضحكات صافية وصلت إلى حد سيلان الدموع من العيون .. ومع حلول الثلث الأخير من الليل ودعنا طراوى سوياً حتى المصعد ، وبت أنا ليلتى فى منزل عبد الملاك ، حيث خلدت إلى النوم بعد أن صليت الفجر .. وأذكر أننى بعد زمن يسير من نومى كان عم ابراهيم يطمئن على راحتى دون أن يشعرنى بذلك .. وفى العاشرة من صباح اليوم التالى وجدتنى أصحو على قداس الأحد الذى كان يسمعه عبد الملاك وهو يمارس طقوس الكتابة فى غرفته المجاورة ، ثم تهادى إلى سمعى صوت حليم وهو يغنى ` على قد الشوق ` .. وعندما غادرت غرفتى لألقى عليه الصباح ، لاحظت أنه فى قمة نشوته بعد أن كان قد انتهى من مقاله الأسبوعى لمجلة ` صباح الخير ` عن ثلة من فنانى مصر .. وعلى مائدة الإفطار التى أعدها لى بنفسه ، لم أستطع أن أمنع نفسى من سؤاله عما استيقظت عليه صباحاً ، فرد بابتسامته الرائقة المعهوده فيه .. هذه هى مصر يامحمد .. ( القداس وصلاة الجمعة .. جرس الكنيسة والأذان .. حليم وأم كلثوم .. الريحانى والمليجى .. البابا شنودة والشيخ الحصرى ، وكل هؤلاء هم عينة ممن صاغوا عقلى ووجدانى ولسانى ) .. وفى تلك اللحظات كنت قد اطمأننت على مصريتى ، وعلمت بالضرورة سر توهج عبد الملاك فى الحسين .
محمد كمال
ضى النهار - جريدة نهضة مصر - صفحة فنون جميلة الخميس 20 / 10 / 2011
الشباب هم الأمل.. وسأرحل مطمئناً على مصر وحضارتها
**آخر كلمات إبراهيم عبد الملاك فى ذكرى رحيله الثانية ..
- دعا للثورة كثيرا في أعماله، ورحل عن عالمنا قبل قيامها بيومين، إنه الفنان ابن مدرسة `روز اليوسف` الفنية والثقافية إبراهيم عبد الملاك، الذي تمر هذه الأيام ذكرى رحيله الثانية تزامنا مع الذكرى الثانية للثورة، ثار على القيود الفكرية ورفض تزييف التاريخ، ثار على الفنانين حين رآهم تركوا مصريتهم وحضاراتهم الثرية واتجهوا إلى الفنون الغربية، ثار بمفرداته النقدية التي جمعت بين الشاعرية والجدية والحماسية. رحلة الفنان إبراهيم عبد الملاك هي رحلة التنوع الفني بين الديكور والرسم الصحفي والجداريات، والنحت، والشعر والكتابة النقدية والأدبية، كان يحمل بوجدانه هموم الشعب،فقدم من خلال أعماله رسائل للمجتمع المصري وطرح قضايا إنسانية، شغلته قضية حقوق المرأة وتراجع دورها وإقصاء وجودها وكيانها في المجتمع، تبنى طرح قضية تحرير المرأة المصرية المعاصرة، من خلال إقامته تسع معارض متتابعة بدأها من عام 2000 وحتى 2009 تحت عنوان `سنوات من الحب`، و`الكون امرأة، و`الحرية امرأة`، كانت المرأة عنصرا رئيسيا في أعماله، واستخدمها رمز الأم والزوجة والحبيبة والأخت والابنة والصديقة، رمزا للأرض والعرض والوطن والبهجة والحب والجمال.
- المرأة عنده غالبا ما نجدها سجينة القيود التي يفرضها المجتمع والتقاليد ويحاول التأكيد على هذا السجن من خلال الخطوط والمستطيلات المتقاطعة التي يرسمها على وجه المرأة، ملامحها جميلة تحمل مشاعر حزينة ودافئة، وقليلا من الأمل وكثيرا من الغضب، وله مجموعة لونية ودرجات خاصة لا تخلو من اللون الأزرق الفرعوني الفيروزي، إلى جانب حالة الشجن والدراما الإنسانية التي تتضمن الأعمال بصفة عامة سواء نحتية أو تصويرية وكثيرا ما كان يكتب عن إحساسه بحالة تراجع فكرى وترد حضاري سوف تتعرض له المرأة وقد كتب عبد الملاك: احترسوا من زحف الخيمة السوداء أؤمن أن كلما نالت المرأة حريتها، كان ذلك دليل تقدم وطنها، حرية المرأة من حرية الإنسان`، كان لديه بصيرة مكنته أن يقرأ ما يحدث في مصر الآن من صراعات وهجوم على المرأة وحقوقها ودورها الإنساني والاجتماعي والسياسي.
- أما أعماله النحتية فقد اعتمد فيها على استلهام التراث والحضارة المصرية الفرعونية ولكن برؤية معاصرة خاصة بموهبة ذات ملكة إبداعية واسعة، تعدد الأسطح في تماثيله بين الخشن والناعم واللامع والمطفى، كما أظهر قدرات مميزة في التعامل مع البرونز.
- وفى رسالة أخرى من خلال مقالاته النقدية كان يناشد الفنانين التشكيليين المصريين التمسك بالهوية المصرية والتراث، وان يحمل العمل الفني الأصالة الفكرية فقال عبد الملاك: لماذا اتجهوا إلى الفنون الغربية، هل انتهت حضارة مصر من المعالجات الفنية حتى ننظر إلى الغرب.
- وكان يصف إيمانه بشباب الفنانين بعباراته: لو قلمي له قلب سوف أنبض بقيمة الشباب ومواهبهم، ولو قلمي له عين فسوف أرى من خلالهم مستقبل الفن المصري، أنا على يقين أن الشباب هم الغد،فربما يأتي يوم وأرحل وأنا مطمئن على مصر وحضاراتها.
سوزى شكرى
روزاليوسف - 23/ 1/ 2013
طزاجة الوجدان تداعب الحوارى الاتيقة
- حظى الفنان إبراهيم عبد الملاك بنعمة النشأة فى حى شعبى عريق ، هو ` القللى` فى وسط القاهرة، لذا ليس غريباً أن نرى الحارة المصرية هى بطلة رسومة المنشورة فى مجلة ` صباح الخير` منذ أكثر من 25 عاماً.
- فمن خلال هذه النشأة شاهد أبهة الكنائس، وجلال المساجد، وتأمل عظمة المنازل العتيقة، ودلع المشربيات، ورصانة الأبواب ، دعنا الآن من الحرارة التى يضخها بسطاء الناس فى جوانب الحارة فتشتعل بالصخب والضجيج، وتصيب الولد بعشق الحياة والناس، أخذته الحارة وأحوالها إلى قسم الديكور بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة راضياً وشفوفاً ، لكنه لم يقاوم ميله نحو الحفر والنحت أيضاً ، ونظراً لنبوغه، فقد كان هو الطالب الوحيد الذى سمحت له هذه الأقسام بالتواجد والعمل بها، وتقديم مشروعات مع طلابها لمدة شهرين، لكن عندما استقر فى تخصصه الرئيسى الديكور، اكتشف إبراهيم عبد الملاك عبقرية الفنان صلاح عبد الكريم الذى يقول عنه : ( إنه أحد أفذاذ الفن التشكيلى فى مصر فقد مارس كل الفنون ، تعلمت منه النحت والخزف والجداريات والرسم الصحفى وأغلفة الكتب.. إنه فنان شامل).
- لم يبخس الفنان إبراهيم حق الذين تأثر بهم فى بداية مشواره، فيقول: (أحببت بيكار برقة خطوطه، بوساطتها وتلخيصه، وقدرت أعمال حجازى فنان الكاريكاتير حين يعالج الرسم الصحفى).
- إن سنوات النشاة الأولى وفرت له تأمل الفنون الإسلامية والقبطية، ومع الدراسة الأكاديمية اقترب بخشوع ومودة من علم الفراعنة المدهش، حتى كون لنفسه رصيد وافر فى بنك الفن وتاريخه على مر العصور فى مصرنا المحروسة، ولم يقف إبراهيم عبد الملاك عند هذا الحد ، بل غاص فى بحر فنون الغرب، يصطاد منه الآلىء والجواهر، فانبهر بمودليانى وبول كلى وجذبته أعمال` بوتشيلى` بقوة.
- ومازال إبراهيم عبد الملاك حتى الآن يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق... يجلس على المقاهى... يشاهد باستمرار منمنمات الحرفيين فى الأحياء الشعبية... يداعبهم... ويقيم الحوارات والجسور معهم، حتى تتجدد روحه دوماً بهؤلاء الناس وهذه المناظر التى عشقها وعشقته، منحها موهبته ... وصبره ... فأعطته رحيق الفن صافياً عذباً.
لوحاته ... وإبداعاته:
1-لوحاته `امرأتان... ورجل ش 23×31 سم. نجد بانوراما ضخمة، من المآذن تستولى على أعلى اللوحة، بينما استحوذ رجل وامرأتان على الجزء السفلى ، وقد جلس اثنان على مقهى فى دائرة منتظمة قرب المنتصف لأعلى.
- إن الشغف بالمساحات الهندسية الصارمة، سواء مربعات أو مستطيلات، مع إعطاء الخطوط المنحنية واللينة حق الوجود القوى، أعطى العمل مذاقاً ثرياً، خاصة وأن اللون الأبيض لم يسمح لأخيه الضد الأسود ، بالتوغل ونهب المساحات ، بل شاركه الحضور وأزاحه عند الضرورة، كما فى شعر المرأتين والرجل.
- يتعامل إبراهيم مع سطح اللوحة بصبر واحترام، فلا يهمل تفصيله هنا أو هناك، ويهتم ` بالتشهير` الخطوط المتوازية، لتحقيق الظل، وإشاعة مناخ متوازن بين المساحات المتباينة. أما المنظور فيتعامل معه بحذر.
2-من المرات القليلة التى تعامل فيها الفنان مع المنظور باحترام وتقدير ، كانت هذه اللوحة ` السوق ش 23×22 سم، حيث تطالعنا أحد حوارى القاهرة العتيق، وهى تضج بصخب الباعة وفوضى الناس الذين يحوطهم حوائط المنازل العتيقة، وجدران الجوامع الأثرية، إن الإصرار واضح هنا على تأكيد المنظور حيث تقل الأحجام فى العمق وتتوه التفاصيل، بينما أبطال اللوحة فى الأمام فازوا بنعيم الرسم الدقيق، وكعادته دوماً، اهتم الفنان بخلق حوار خلاب بين مساحات الغامق والفاتح، واحترام الفورم النسبية، والميل إلى البنائية فى التصميم، ومراعاة الدقة والانضباط فى التنفيذ. ولعل محل الآلات الموسيقية جهة اليمين، وأجولة الخضروات فى المقدمة تؤكد صواب ما ندعى.
3- مثلما اشتغل كثير من الفنانين بقضية الصراع العربى الإسرائيلى، اهتم الفنان إبراهيم عبد الملاك أيضاً بجوهرها ونقصد فلسطين المنهوية. وفى لوحة ` تحيا فلسطين` 24×19 سم ، نرى المرأة الرمز، وقد احتل نصف وجهها الأيمن ماسورة بندقية دلالة على ضرورة القوة ، أما الشعر فقد تحور بشكل لطيف ليتخذ شكل صقر وليس حمامة تحيطه دائرة بيضاء من غير سوء فى إشارة إلــ ` الرغبة فى الانقضاض وانتزاع الحق- إن المساحات الهندسية فى الخلفية والتى تراوحت بين الأسود والرماديات أفسحت الطريق لتسليط بؤر الضوء فى المنتصف حيث شموخ وجه الفتاة الرمز صاحبة الحق . كذلك عزفت منحات الأبواب البيضاء ذات الطراز الإسلامى أسفل اللوحة موسيقى مرغوبة خففت من حجم القتامة حولها، لم يهلث الفنان خلف المنظور الذى يخفى الكثير، بل أصر على وضع مفرداته فى مستوى واحد، إذ إن القضية التى يعالجها لا تحتاج ولا تحتمل ` مناورات المنظور`، فهى واضحة وضوح الشمس.
4-فى تصميم لطيف وفاتن رغم هندسيته الحادة تأتى لوحة `اغتراب`21.5×28 سم ، إن نظرة الرجل الحائر تفاقمها هذه السلسلة من الدوائر البيضاء التى تحاصر وجهة ما بينما نظرة شرود المرأة محاطة بقضبان سجن غربتها.
- إن إبراهيم هنا وضع المرأة داخل برواز من اللون الرمادى ، كما شدد الحصار على الرجل بدائرة كبيرة من الأسود دلالة على غربة كل منهما . أما آلة العود الذى يحاول أن يهتك البرواز ويخرج عن النص التشكيلى الصارم من خلال ليونه أوتاره وفربما يعطينا أمل الانفلات من أسر الغربة. إن الغرام بالتفاصيل ودقة التنفيذ من أهم سمات هذا الفنان الذى يقدم دوماً أعمالأ نظيفة ... أنيقة ... تدهش المتلقى وتثير فيه السؤال الحائر... كيف استطاع هذا الفنان وتنفيذ هذه اللوحات؟.
5-ولأن إبراهيم عبد الملاك صاحب خيال خصيب ، وجرأة تشكيلية محمودة ، فقد لفت الانتباه بهذا العمل الرقيق ` المرأة والحصان ` 16×21 سم ، حيث حركة الحصان الجموح ذى الرأسين، تقطعها امرأة كاملة الأنوثة، بينما شعرها يتحور إلى وجه لامرأة أخرى ، هل يقصد الفنان وصم المرأة بالازدواجية ؟ ربما !!
- إن الحلول التى قدمتها الحركة المنسابة لشعر المرأة العليا لتلطيف المساحة الدائرية السوداء، جاءت ناجحة تماماً ، خاصة وأن هذه الخطوط وجدت لها صدى طيباً وكذلك نفس المردود فى فستان المرأة السفلى.
- يتعامل الفنان مع التشريح بتوقير واحترام، فهو يعرض علينا التزاما أصيلا بالنسب المنضبطة الخاصة بالمرأة والحصان. كذلك يعطى لمساحات النور حقها المشروع فى إثبات الوجود وإثراء المتعة البصرية فها هو الهلال الصغير فى أعلى اللوحة يأتى كى يغلق التصميم ويحكمه ، كذلك هذه المساحة البيضاء شبه الهلالية الفاصلة والرابطة أيضاً بين الكتلتين الرئيسيتين السوداوين، صنعت مزيجاً بين عناصر اللوحة بالغ الطرافة والذى يمنحنا الإحساس بأنها أحد مشاهد السحر فى الأساطير القديمة.
- إن الفنان إبراهيم عبد الملاك شاعر تشكيلى رقيق، يمتلك من المهارة وتقنيات الأداء ما يضعه فى خانة مرموقة بين الرسامين الصحفيين، يجتهد قدر الطاقة من أجل إيجاد حلول وابتكارات جديدة كل أسبوع فى مجلته ` صباح الخير` ، يقدمها للقارئ الشغوف بود ومحبة ، يشعل فيه الطاقة المخبوءة للأستمتاع بالرسم وإثارة الخيال الراكد، مستفيداً من افتتانه بالحوارى والبسطاء، فاكتسب خفة دمهم وأبدع أعمالأ رصينة كالتاريخ العتيق .
بقلم: ناصر عراق
من كتاب ملامح وأحوال
سنوات من الحب` وشيخ حارة التشكيليين
- `أنا لست شخصية إبداعية لاستنفار الهموم، فأنا ألعب على المساحة الشعورية الوجدانية، هذه حارتى وأنا أحب أن أكون شيخ حارتى فى الجزء الجمالى.. قالها سابقا الفنان الكبير إبراهيم عبد الملاك.
- واليوم أقام الفنان التشكيلى كريم عبد الملاك معرضا لأعمال والده الفنان الراحل إبراهيم عبد الملاك ،وذلك تحت عنوان `سنوات من الحب` بجاليرى `سفر خان` تأكيدا لمفهوم أن الفكرة لا تموت برحيل أصحابها، وأن المبدع بعد رحيله، تظل أعماله وتأثيرها وأصدائها باقية، و`سنوات من الحب` هو العنوان الذى أطلقه إبراهيم عبد الملاك بنفسه على معارضه فى السنوات الأخيرة قبل رحيله، تنوع المعرض بين اسكتشات ورسوم وتصميمات بالأبيض والأسود، وبين نحت بخامة البرونز والخشب ولوحات طرق على النحاس.
- نشأ عبد الملاك في حى `القللى` الشعبى، وعاش فيه طفولته وشبابه وتأثر بطبيعته، وهو ما ظهر في أعماله، أيضا كان محظوظا بصداقته لكل شعراء مصر وأقربهم له الشاعر عبد الرحيم منصور، وسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودى، وتأثر في حياته بثلاثة كان لهم أعظم الأثر على وجوده وعلاقته بالناس وبالحياة هم: الفنان صلاح عبد الكريم، ووالده، والفنان حسين بيكار.
- ولأن المرأة كانت بطلة رئيسية لمعظم أعماله، باعتبارها رمزا للخصوبة والدفء بل ورمز للحياة والوطن، رسم `عبد الملاك` بورتريهات المرأة بالأبيض والأسود مهتما بإظهار تعبيراتها التى تنبع من شخصيتها، وفى الغالب يحيط وجهها بإطار أو هالة من اللون الأبيض أو الذهبى الشفاف، وكأنه يحدد الوجه ليبرز جماله، معتبراً أنه عنوان القلب، ومفتاح الروح.
- وكان في كل مرحلة نحتية يصاحب هذه المرأة مفرد رمزى آخر، في بداية أعماله كانت المرأة والنخيل، ثم المرأة والحصان، فالمرأة و الوردة وأخيراً المرأة والخروج من الأسر والتي عبر عنها بتمثال من البرونز لإمرأة حرة يتطاير ثوبها في حرية بفعل الهواء، محاولا من خلال أعماله توصيل جملة حب للناس، فمن وجهه نظره هذا هو دور الفنان الأساسي.
- يقول الفنان إبراهيم عبد الملاك: `في العالم كله التمثال له وجه والباقى هو جسم التمثال، واكتشفت أنى أنشئ من التمثال الواحد اثنين أحياناً تكون هناك علاقة بينهما، وأيضاً تضاد، فمثلاً هناك تمثال من وجه يتكون من حصان تعلوه امرأة ومن الخلف يتشكل من سمكة ووردة، ومن رموزي الأخرى في النحت بجانب المرأة التي هي أجمل صورة للإنسان، يوجد الحصان أجمل الكائنات غير الناطقة، والطائر أرق الكائنات، وأخيرا الوردة التى ترمز للحب`.
- ونجح عبد الملاك في تطويع خامة البرونز مثلما طوع من قبل خامة الخشب، فجاءت رحلته الفنية متنوعة بين الديكور والرسم الصحفي والجداريات ثم النحت، وجمع النحت رغبته فى تحقيق الموجود ذي الثلاثة أبعاد بدلاً من المسطح ذى البعدين `الرسم` مثلما وصفه الناقد الراحل مكرم حنين..
- وترك الفنان الراحل رسالة لأبنه الفنان كريم قبل وفاته قال فيها: `لا قصرا.. ولا مالا.. فنا وليس أكثر.. أعطيه وجدانى.. فأعطى ما أريده.. وسامحني يابني لأني أترك لك قيمة معنوية وليست رصيدا في بنوك` وهذا هو بالفعل ميراث الفنان الصادق الحقيقي.
- يستمر معرض `سنوات من الحب` فى استقبال زواره بجاليرى `سفر خان` بالزمالك حتى نهاية مايو الحالى.
بقلم: أمانى زهران
جريدة : الأهرام 17 -5- 2022
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث