`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
ماهر جرجس جريس رزق الله

- جرى الإعتقاد مع تقدم الخطى اللاهثة خلف مسار الحداثة بحدوث القطيعة بين أبصارنا والأعمال التى تتكىء على المفردة التراثية أو الكيان الانسانى ذى الملمح الفطرى الشعبى البسيط ، إلا أن المجال الثورى بوعيه وبصيرته الآنية قد أيقظ الإبداع المرتبط بتراثه من ثباته العميق ، واستنهض الهمم بعد طول غياب ، وقد بدا هذا فيما طالعه الجمهور السكندرى بمعرض الفنان ماهر جرجس الذى افتتح فى الرابع من مارس الماضى بمركز الإبداع بالإسكندرية ، حيث احتشدت قاعة سيف وانلى بلفيف من الفنانين والمثقفين وعشاق الفن من السكندريين ، بما خلق طقساً إنسانياً يوازى جمال المضامين الإنسانية فى أعمال الفنان ، والتى تميزت بالتماسك الإبداعى والتدفق العاطفى وكأنها منظومة شعرية تتبادل تقديم المشاعر والأفكار المغلفة بعشق الوطن ، مستحضرة فى استعارتها الشكلية حنيناً لتراث الاجداد ، عبر حيوية المضمون ونضج التناول المختمر بخبرة الفنان إبداعياً وحرفياً ، لإدراك فن إنساني فى المقام الأول يحرك نظرنا بعيداً عن فرض الأطر الشكلية التراثية .. وقد تأكد هذا فى أعمال جرجس التى اتسمت بأبعاد ميتافيزيقية وفلسفية تتجلى فى تعدد تناول الموضوع الواحد ، سواء فى تماثل البنية أو إعادة الصياغة .. ففى لوحتى ` الشهيد 1 ، 2 ` يستعرض الفنان رؤيته من وجهتين ، أحداهما تشاؤمية محزنة والأخرى تفاؤلية النظرة ، حيث استلقى الشهيد في الأولى ، مطعوناً متأوهاً من غادر شيطانى الملامح .. أجنبى المظهر ، تكسوه حمرة اكتسبها من دموية أفعاله التى تؤكدها دناءة ابتسامته الباردة وسواد وضبابية الألوان فى مؤخرة العمل ، بينما سالت الدماء الطاهرة خارج إطار اللوحة ، وكأنها نهر متجدد لا ينضب ، وقد ظهر الشهيد رافعاً يديه لأعلى ، ممسكاً بزهرة مضيئة هى لمن يكمل المسيرة مبشراً بمنزلة القديسين فى الهالة الموضوعة حول رأسه . أما فى لوحة الشهيد 2 مشرقة الطلة فى بهاء ألوانها المضيئة والمذهبة ، فقد رقد الشهيد الملائكى فى اطمئنان على ضفاف نيله المقدس وتربته الخصبة يداوى جرحه حباً لبلاده ، بينما امتدت يداه لتلاقى أيدى قرص الشمس ` آتون ` لترفعه إلى أعلى حيث يجب أن يكون ، وهذا ما يؤكده التكوين الهرمى مع باقى عناصر العمل . وتضيف لوحة العبارة فى دلالتها الرمزية بعداً جديداً يمتاز به الفنان جرجس ، إذ يحتمل العمل التأويل لعدة تفسيرات ، مع الإحتفاظ بالسياق والمضمون ذاته ، ويبدو ذلك فى إعادته طرح العمل الذى تناوله من قبل بالحبر الاسود ، وتظهر به سفينة مائلة تقتحم مساحة اللوحة من أحد جانبيها ، ولم يقدر لها بلوغ الجانب الآخر ، فهى غارقة لامحالة ، لذا يتقافز منها جموع بشرية وضع الفنان بعضهم فى النصف الأسفل من العمل بدرجات اللون الازرق البارد وهم يصارعون الموت ولاأمل لهم فى النجاه ، بينما يتربص بهم كائن مخيف ، مشهراً أنيابه وكأنه المجهول الذى ينتظر ما يقتنصه من أرواح ، وقد ازدادت حوله قتامة وبرودة اللون ، وأما من تبقى منهم على سطح السفينة لم يفارقوا الحياة فقد وضعهم جرجس فى درجاتهم الساخنة التى تعالت معها أصواتهم المستغيثة ؛ فشقت ظلمة الأفق العميق التى يتقدمها طائرأسود ، ناحياً من هول المشهد وحجم الخسارة ، ومن ثم يتسرب إلى وجدان المتلقى ما يستشعره الفنان نفسه من ألم وحسرة لا تخل من إيمان راسخ وهو يوارى شهداءه فى مستقرهم المأمول . ثم ينتقل بك فى إزاحة تدريجية يتخذ فيها الفنان قبلة مرجعية لم يخفت فيها بريق الوطن المعطاء فى الأعمال التى ماجت بمودة المحبين واستأنست بحميمية العلاقات الأسرية التى يتباهى فيها الزوج بفحولته ورعايته ، وتستأثر فيها الزوجة بدور الأم الولادة ، كما فى لوحات ` الأسرة ` ، ` المهاجر ` ، ` التعميد ` ، والتى لاتخل فيها أيدى الرجال من زهرة اللوتس الفرعونية المقدمة للمرأة بكل حب ، ففى لوحة ` المهاجر ` يبدو الرجل ذو الشارب كثيف كدلالة على الفحولة ، ونراه رافقاً معه فى رحلة بحثه عن محبوبته رموز الخير والنماء والسلام وسعة الرزق المتمثلة فى الطائر والسمكة والقارب وزهرة اللوتس ، وتظهر المرأة وقد اقتصر دورها على رعاية الأبناء بالحب والغذاء والحنان المعهود فى المرأة المصرية وهى تطعم وتحتضن وتبارك مولودها وتثبت أقدامه قى مياة النيل ، لينمو هذا الصغير الأخضر اليافع مفطوماً على حب الوطن والتضحية بروحه من أجله .. كما بدا أيضاً فى لوحة ` التعميد ` .. وهنا يظهر ماهر جرجس وهو يعى جيداً إيحاءاته الرامية لتبعات ثقيلة ملقاة على عاتق كل منا بقدر دوره ومسئوليته فى المرحلة القادمة ، فالأم الحبلى هى مصروالرجل الراعى المحب هو الإبن البار بهذا الوطن ، وعندما يجمع أويفصل بينهما الفنان فى أعماله ، إنما رغبةً منه فى إبراز كينونة كلاهما ، وتحقيق التكامل المثمر فى لقائهما معاً ، فيما يكشف عن موسيقى البناء الشكلى فى تصاوير الفنان ورسومه عبر أعمال الأبيض والأسود التى تستدعى حضوراً رائعاً لتركيبة تجمع بين سمات الفن المصرى القديم ورمزية الفن الشعبى ، فكثيراً ما تكتسى شخوصه بملامح إخناتونية وعيون حورسية تذكرنا بوصف المفكر الكبير جمال حمدان للصفات الجسدية للشخصية المصرية فى كتابه ` شخصية مصر ` من أنف مستقيم وشفاه غليظة وعيون لوزية ووجوه بيضاوية وبنية جسدية تميل إلى بعض الإمتلاء ، حيث يسجلها الفنان فى صياغة بصرية ، حافراً إياها كالنبض الحى فى ذاكرتنا التشكيلية ،ويظل هذا المخزون الفكري عالقاً فى ذهن الفنان حتى فى أعماله ذات المبالغات التحويرية والمسحة السوريالية ، والتى يجمع فيها بين الألفة والغرابة ، فى إيجازتجريدى مبسط يخدم الحالة التعبيرية البادية فى العشق والذوبان داخل أحضان الحبيب .. كما تضيف الإستطالة الإنسيابية حساً إيقاعياً فى ترديد المجموعات الخطية طولاً وعرضاً ، بينما يضفى تنوع الأوضاع جواً شاعرياً على تكوين العمل المتزن بنائياً ، علاوة على أن بصيرة الفنان ماهر جرجس وأداءاته المميزة لإبداعاته الأيقونية تعتبر ذات بصمة خاصة به تركت آثارها حتى على البسطاء من جمهور المتذوقين الذين ولجوا إلى عالم هذا الفنان متعدد الرؤى والمعانى ، إضافة إلى تشعب جذوره الضاربة فى عمق الموروث ، والذى يشرب منه بوعى إبداعى وفطنة حرفية ، بمايقف حائلاً ضد الوقوع فى مصيدة ثقافة الآخر ، وهو مايجعلنا نستجلى من معرضه بهاء الموروث الكامن فى أيقونة الحب المصرية .
بقلم : نشوى حسن
جريدة : نهضة مصر 22-3-2012
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث