`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمد السيد السيد العلاوى

- إن العلاوى لم يلجأ الى تقليد الفن المصرى القديم حين استقى منه روحه الخالصة وعبيره الفواح . فأسلوب العلاوى قد اعتمد على الاختيار الواعى والمحسوب من ناحية. والبساطة التلقائية من ناحية أخرى. وهو يعيش فى اختياره صدق تجربة الفنان ونقاءها من شوائب التقليد والابتداع . مبلوراً فى نهاية الأمر أسلوباً خاصا يجمع بين الشكل الواقعى والتجريدى والرمزى فى نسيج متقن .
د/ صبرى منصور
مجلة الهلال - يوليو 1991

- العلاوى من بين فنانينا الذين ينتمون الى الاتجاه المسمى التعبيرية الرمزية من خلال استلهام أشكال وملامح لشخوص وعناصر آتية من الطبيعة ملخصة الملامح ... النحت لديه عمل تركيب بنائى قائم على تعدد العناصر ووضوحها معا فى تراكيب مليئة بالفراغات البينية والسطوح الحاضرة والجدران الشاهقة والشخوص المتعددة ` .
د/ فاروق بسيونى


- تماثيله ذات طابع مسرحى روائى بالرغم من حبكتها الفنية وتكوينها المتكامل، واتخاذ أبطالها صفات معمارية، فهم يلعبون دوراً جمالياً تسوده الخطوط الرأسية والأفقية، مما يسفر عن إحساس بالرسوخ والديمومة والصرحية حين نتطلع الى صورة أحد التماثيل ، يخيل الينا أنه يرتفع الى سبعة أمتار أو أكثر بينما هو فى الواقع قد لا يزيد على المتر ارتفاعا`.
أ/ مختار العطار

محمد العلاوى وجسارة المقاومة
- إن النحات محمد العلاوى يعد مثالاً قوياً لتلك الرابطة الوثيقة بين الفن والمجتمع، فلا يمكننا قراءة وتلقى أعماله باعتبارها مستقلة استقلالاً نسبياً عن التغير الاجتماعى والسياسى فى المجتمع المصرى، كما يتبدى لنا الخطاب الجمالى عند العلاوى فى صروحه ومنحوتاته الميدانية باعتباره أحد مكونات الخطاب الثقافى السائد والذى يمكن استخلاصه عند دراسة تلك الفترة التاريخية الثرية التى نشط فيها وأنجز أعماله والتى تمتد منذ مرحلة تلمذته على يد جمال السجينى العظيم رحمه الله ثم بداياته فى سبعينيات القرن العشرين وتفاعله الصادق مع متغيرات المجتمع المصرى فى مرحلة نصر أكتوبر وما بعدها فى عصر الانفتاح والحراك الاجتماعى وحتى مرحلة ميلاد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 حيث أنجزت معظم أعمال معرضه الذى أقيم بمركز الجزيرة للفنون فى الفترة من الثانى والعشرين من فبراير وحتى العاشر من مارس 2012 ونحن هنا لا نبتر أو نختصر القيمة الكلية للعمل الفنى فى ترجمة الواقع الاجتماعى وإنما ننظر إلى الممارسة التشكيلية كأحد مكونات الخطاب الثقافى فى مصر وكذلك ككيان متعدد الطبقات والمكونات والانبعاثات الجمالية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكلما ذهبنا فى العمق كلما وجدنا رقاقة من رقاقات التكوين الثقافى الكلى للمجتمع المصرى الذى ولد من رحمة هذا الفنان بتفكيره وفلسفته وأسلوبه وفرادته وتميزه، وعلى هذا فلا يمكننا الفصل بين ما هو جمالى وما هو اجتماعى .
- ففى تمثاله المصنوع من البرونز الذى يجسد إنساناً قوى البنية أثقل العلاوى من كتلته عند القاعدة وصنع من جسده قوساً متحركاً بعزم وعنفوان عاصف يجأر بصرخة التمرد والثورة ويمسك بيدية العتيتين بهراوة يضرب بها قوى الظلم والظلام ويحتشد بكل الطاقة الحركية المتوثبة المنبعثة من اتجاه خط الجسد المقوس بعنف فى اتزان بديع عند القدمين يعادل اندفاع الكتلة الرهيب نحو الخلف، فى إرهاصه باقتراب الثورة والفجر الوشيك.
- إن النحت يجسد.. والجسد يطلب حياة ويفتقر الكثير من الأعمال النحتية إلى الصفة الجوهرية المميزة للحياة ألا وهى الحركة وهذا أمر قد يدعو للإحباط ومن ثم يلجأ بعض الفنانين إلى التخفيف من آثاره بحيل فنية أو صناعية عديدة، إن الثبات اللازمنى ليس عيباً أوعائقاً للنحت فهو يقوم باستخلاص وجود فذ جديد من مشهد الحياة المتغير الموار، إنه يضيئها ويطلقها حقائق كونية خالدة متجاوزة حدود الزمان والمكان إن النحات هنا يربط بين الماضى والمستقبل من خلال هذا الحضور الدائم للعمل الفنى فى الحاضر .
- وهذا ما يتضح عند العلاوى حينما ننظر لعمله الذى أنتجه من البوليستر الذى يصور فيه مصر وهى تنفلت من عالقها وتنطلق ويصور الثورة وقد اختطفها طائر مخيف وفى عزم انقضاضه عليها وانطلاقه بها إلى أعلى ينقلب الجسد إلى الخلف فى حركة قوية مباغتة، تكسر منطقية الحركة المتوقعة وتتحدى جذب الأرض وتتجه أفقياً فى جسارة واستمرار حتى ينقلنا اتجاه الجسم الطائر إلى منطقة بصرية تعادل من حدة اندفاع الجسد البشرى إلى الخلف وترفع مركز الثقل إلى أعلى فتتحدى السقوط، فالفنان محمد العلاوى هنا يتحدى قهر الجذب ويحترم قدرية الارتباط بالأرض وينتقل من السكون إلى الحركة ومن الاختلال إلى التوازن ومن الأفقى إلى الرأسى ومن الأرض إلى السماء بحرية وإيقاع وتحرر من تقاليد الخوف البشرى فى صياغة محكمة البناء المعمارى للكتل والفراغات، فيتركنا نحلق بعيداً ونشخص بأبصارنا مع الطائر المندفع وهو فى نفس الوقت يكرس الثقل ويغرس فى الأرض جذوراً وقواعد تحمى الشكل من الانهيار فى توافق وانسجام بديع بين التشكيل البصرى والبنائى والمعنى التعبيرى الفلسفى.
- أما فى عمله الذى أبدعه من النحاس الأحمر فنرى إنساناً فى مقام الصراع والمقاومة مندفع إلى الأمام فى حركة هادرة يسير وهو يخترق حجاباً ثقيلاً كثيفاً قد ألقى عليه يحبسه ويكبله.. يمنعه من التنفس أو الرؤية أو السمع أو الكلام، هو فى وضع متوتر إلى أقصى درجة وحدة الخطوط والظلال التى شكلها العلاوى فى الجسد النحاسى والحجاب تنبئ باقتراب اختراق هذا الإنسان من الخلاص إذ لا يمكن استمرار هذا التكوين المشدود الصارخ المندفع إلى الأمام حيث يكرس هنا الفنان كل القيم النحتية المصرية الموروثة التى تسرى فى خلاياه فى بلاغة وجدة، فهو يستمسك بالثبات الرشيق.. رغم اندفاع الكتلة إلى الأمام، وهو يحتفظ برسوخ القدمين ولا يستسلم لغواية التشريح مسايراً حركة الجسد والحجاب وصد ومقاومة الرياح بل يتشبث أكثر بالقدمين المصريتين القديمتين فى اعتداد .ويقول العلاوى أنه كان ينهى هذا العمل ويطلقه ليبلغ الخلاص وقامت فى نفس التوقيت ثورة الشباب فى الخامس والعشرين من يناير 2011.
- ويستمر العلاوى فى معزوفته الاجتماعية المتناغمة مع النص التشكيلى التراثى المصرى القديم، فيقدم لنا ذلك الجالس على العرش ذا النسب المصرية القديمة فى تصرف غاية فى الجدة والفرادة فى تشريح عضلات الذراعين وفى تكوين الطائر المحلق فوق الرأس كصورة تمثل الصقر حورس يحتضن الوجه من جديد، وفى عمله الذى قدمه من البوليستر المعالج بالترسيب الفلزى على سطحه، يقدم لنا طرحاً لمفهوم السلطة التى تقهر الذات الإنسانية ويتحول فيها البشر إلى كيان شأنه متقوقع مسجون أسفل كرسى العرش وكأن صاحب السلطة قد قهرته السلطة والتى سحقت كل إنسانيته.
- فالنحت وثيق بالأرض كما أوضح أرنهايم حين قال أن التمثال وخاصة حين يكون صرحياً كأعمال الفنان محمد العلاوى فإنه يصبح مناسباًً أكثر لأن يكون مكاناً للزيارة، فنتلقاه كمشهد من مشاهد الطبيعة الجليلة وكى تنطلق ومضات البث النابض بالدلالات الجمالية والفلسفية لتلك الأعمال فهى تحتاج إلى حيز، أو مكان أو فضاء مناسب، إنها توضع فى الميادين وأمام المبانى، وعلى قمم التلال، حيث تكون شاخصة للمتلقى فى حقل دلالى كثيف هادر مكرس لها ويخلق محيطها وحرمها الخلاق، والفنان محمد العلاوى مرتبط بتخصصه الأصيل الأثير وهو النحت الميدانى، فلا يمكننا استقبال نحتاً ميدانياً فى قاعة مغلقة ضاغطة على آفاق صروحه الميدانية، ولعل هذا هو ما يجعلنا نوافق أرنهايم فى مقولته حول عرض الأعمال النحتية فى بيئة مفتوحة أو فى إطار خطة معمارية متجانسة مع سياقها وتكوينها المستقل شديد الخصوصية كواقعة أرضية صاخبة بالمعنى والتعبير لا تستحق بأى حال أن نسجنها فى صندوق، مع كامل تقديرنا واحترامنا لمركز الجزيرة للفنون والسادة القائمين عليه، فلقد شعرت وأنا أشهد هذه الأعمال وأتحرك بينها أنها ميادين مستقلة بذاتها وتصنع مداراتها البصرية المتفردة وتحتاج لعدة حقول مساحية تتألق فيها وتبرز وتستقر وتنطلق دلالاتها دونما تشويش أو تداخل، فمعظم هذه الأعمال قد نفذها الفنان محمد العلاوى مصغرة بمقياس وهى نحت ميدانى من المفترض أن يحتل بيئته التشكيلية الخارجية المناسبة.
- كما أنجز الفنان جمال السجينى تمثال `العبور` وهو يمثل مصر تحمل أبناءها من الجنود فوق ظهرها وهى على هيئة قارب وتعبر بهم إلى النصر وقد قام الفنان محمد العلاوى أستاذ النحت الميدانى بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة بتنفيذ هذا التمثال مع الفنان جمال عبد الحليم فى حجم كبير من الحجر الصناعى عام 1974 وهو موجود حاليا بمحافظة بنى سويف وقد قام كذلك الفنان محمد العلاوى بعمل تمثال من المصيص أسمه ` الخطوة الساحقة تعبيرا عن العبور وكذلك تمثال الشهيد عام 1993 وهو يمثل الجنود المنتصرين يحملون الخوذة تحية للشهيد.
د.هبة الهوارى
نهضة مصر - مارس 2012
الإنسان00 والحواجز فى منحوتات العلاوى
- اختار المثال محمد العلاوى لأعماله الفنية ثنائية درامية بالغة الوضوح والتأثير معاً وهى ثنائية : الانسان والحواجز الخرسانية المعترضة .
- ولأن هذه الثنائية المتعاكسة قد استدعت إلى ذاكرتى صورا من العدوان على الإنسان ، كما استدعت صورا من المقاومة والانفلات من الحصار - قديما وحديثا - فالأرجح أن تلك الثنائية - المفعمة بالإيحاءات - تحرك فى الذاكرة الجمعية ملخصا لتاريخ الانسان وهو تاريخ للعنف مع الأسف .
- إن حواجز علاوى أشبه بالحوائط الشاهقة الصماء ، تخفى خلفها عن الأعين كل ما هو جميل وقبيح ، ولا تترك على سطحها غير الجهامة والتحذير . ويشحنها العلاوى بالعدوان على كيانات إنسانية فتعتصره عصرا . ويبدو إنسانه قادماً من المطلق ليرمز إلى الانسان فى كل مكان ، فليس فى ملامحه التفصيلية - إن وجدت - ما يدل على انتمائه إلى بيئة اجتماعية وثقافية بعينها . وهو لا يحتفظ من هيئة الانسان إلا بالتضاريس الاجمالية . ورغم ذلك فإن الفنان لا يقطع الطريق على نفسه مع الايحاء بجذور جمالية بعينها يحرص على استلهامها. لهذا يترك باب الأخذ والاستلهام موارباً ، أحياناً ، للإشارة إلى الانتماء إلى الجماليه المصرية القديمة . ويبدو ، أحيانا أخرى ، صريحا فيفتح الباب للدرجة التى يقترب فيها من الاستعارة الواضحة كما فى تمثاله ` النسر والحمامة ` وهو تمثال صغير الحجم من البرونز . ولا يخفى التمثال تأثر مبدعه بالتحفة النحتية الفذة التى أبدعها المثال المصرى القديم لخوفو محاطا بحماية النسر . ويكاد تمثال العلاوى الذى أنجزه سنة 1996 أن يكون خطابا سياسيا موجها للشعب ، يؤكد به الدعوة التى تلح بها السياسة الرسمية المصرية على إقرار السلام العادل . وأيا ما كانت نية الفنان فإن العلاوى يعد من الفنانين الذين يحرصون على وحدة المبنى والمعنى ولا يتخلون عن الدلالة مهما كانت مغريات المغامرات الشكلية . وقد قنع فترة طويلة بعنصرية الرمزين : الجدار الشاهق المغلق والانسان الفاعل ومتلقى الفعل .
- وقد رأى فى بساطة هذين العنصرين إيحاء قويا يزداد تأثيره كلما تضخم واحتل فضاء واسعا لهذا تتسم كل تماثيل العلاوى - صغيرة الحجم فى الواقع - بطابع صرحى . غير إنه انتقل فى معرضه الأخير نقلة لافتة فقد استبدل الفضاء بالحوائط المتجهمة وحرك أعضاء الجسد حركات بهلوانية ، وخلق بهذا المتغير جوا ديناميا تخطى به جو البناء والرصانة والسكون . واستعار من الأساطير أسطورة إيكاروس الذى استطاع أن يتحرر من سجنه بالطيران بجناحيه وقدمه فى تمثالين برونزيين أولهما بعنوان : ` إيكاروس مقاوما ` والثانى بعنوان ` إيكاروس طليقا ` . فى التمثال الأول يظهر الحاجز الذى كان خرسانيا متجهما من قبل وقد تمزق وصار معبرا إلى الفضاء - من ناحية - وإيكاروس من ناحية أخرى . وفى التمثال الثانى يبدو إيكاروس وقد تحرر تماما إلى الفضاء الممتد . وينتظر ميدانا من الميادين يستقر فيه حتى تسعد به الملايين وتستقبل الأجيال رسالته عن الحرية .
- وحلت بركات إيكاروس على كثير من شخوصه فبدت فيها الحياة والنشاط ، ففى تمثال بعنوان ` توازن قلق ` والأجدر به أن يكون عنوانه ` علاقة بهلوانية ` أو عشوائية. -وهو يحتفظ لتمثاله بالحمامة والنسر وإن بدت العلاقات بينهما متجاوزة حدود المنطق. ومثلما يحرص لاعب السيرك على الانضباط والتوازن نجح العلاوى فى إحداث التوازن رغم الفوضى الظاهرة .
بقلم : محمود بقشيش
مجلة الهلال- أكتوبر 1998
حكايات حرجة يبوح بها رنين المعادن وصراخ الطين
- قليل من الفنانين التشكيليين الذين أقضت مضاجعهم سخونة القضايا الإجتماعية التى تعصف بالمجتمع وتحرضه على البوح، والأقل هو من جاءت أعماله كاشفة عن الورطة التى تربك هذا المجتمع من خلال صياغة تشكيلية جميلة.
- ويعد الفنان د. محمد العلاوى من هؤلاء القلة الذين تهتز جوارحهم بقوة لأى هاجس قد يهدد الوطن ، أو يعرض أبناءه للخطر.
- تخرج محمد العلاوى من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة العام 1971 قسم النحت ونال درجة الدكتوراه من الاتحاد السوفيتى العام 1984، وشارك بأعماله فى معظم المعارض والمسابقات المحلية والدولية التى تنظمها الدولة ، فضلا عن بعض المعارض الخاصة التى أقامها فى فترات متباعدة.
- جاءت منحوتة ` المتربصون أو النظام العالمى الجديد` لتكشف ببراعة مدى انغماس الفنان فى خضم الظروف السياسية التى يمر بها المجتمع العربى بشكل عام وعنها يقول: لا يمكن أن أنفصل عن هموم الأمة.. لأن ما يسمى بالنظام العالمى الجديد، ما هو إلا قوة غاشمة عاتية تتربص بنا.
- تتكون هذه القطعة المثيرة من جدار، به ثلاث فتحات، كل منها على شكل مربع تقريباً، احتل التجويف أو الفتحة العلوية وجه رجل ذى نظرة خداعة.. متربصة.. ترغب فى الانقضاض، بينما خرجت من التجويفين الأخرين يدا الرجل وهما تقبضان بقوة على الجدار الذى يختفى داخله صاحبها !!
- وزيادة فى شحن المنحوتة بمناخ الخبث والدهاء والانتظار المريب ، وضع الفنان طائراً منفر الوجه أقرب إلى النسر أو الصقر على الجدار وفى وضع ينبىء بالشر!! لم يهمل محمد العلاوى فى هذا العمل المثير أصول فن النحت، من حيث نقاء الكتلة ورسوخها واحتلالها موقفاً مرموقاً فى الفراغ ، بالإضافة إلى الانتقالات الحادة والمفاجئة من مستوى لآخر، مثل هذه التجاويف ، فضلأ عن احترامه الشديد لانضباط النسب التشريحية للجسد الإنسانى، برغم أنه لم يسمح بظهور إلا جزء من الوجه والكفين .
- إن المتلقى لهذا العمل ، لا يمكن له أن يتحرر من سطوة الإحساس بالذعر، كما لو كان يواجه كمينا محكماً !!
- انشغل محمد العلاوى بخامات محددة مثل الطين، والبرونز، و ` البوليستر` تلك المادة التى يستعين بها أحياناً عندما يريد أن يستغنى عن الطين.
- وبعكس المنحوتة السابقة التى شكلها من البرونز نجده فى منحوتة ` الصراع ` قد جنح نحو خامة ` البوليستر` حيث نرى مشهداً مسرحيا مثيراً عبارة عن ثلاثة رجال يقف كل منهم فوق جدار، ويدفع كلتا يديه جداراً آخر أمامه، دون أن يضمهم مستوى أفقى واحد !! إن الحبكة الدرامية هنا شديدة الإحكام والرصانة، حيث يتخذ كل رجل وضعاً مخالفاً لأوضاع منافسية من ناحية، ومن ناحية أخرى يشير هذا الاندفاع نحو إزاحة الجدار، الذى يعلو قليلا قامة الرجل، يحدى التوتر الذى يتحكم فى صراع البقاء هذا.
- أدار محمد العلاوى ` الصراع` - مرة أخرى- ` التاريخى بين الكتلة والفراغ فى هذا العمل بمهارة لافتة للنظر، فالفراغ المتكون بين الرجل الذى يقف على الأرض جهة اليسار والجدار الذى أمامه يتواءم مع شكل الفراغ الذى يحتل المسافة بين الرجل الذى يقف أعلى العمل وجداره ، كذلك انضبط الإيقاع البصرى بين الجدران التى اتخذت زوايا جانبية، وتلك التى استقرت فى المواجهة ، وقد أصاب الفنان عندما حافظ على سلامة وانسجام العلاقات التشريحية لأبطال هذه الدراما العنيفة، حيث لم يشاً أن يكسبهم بأية ملابس تفضح وضعهم الاجتماعى، لأنه كما قال لى ( أنا أعبر عن الإنسان بشكل مجرد).
- يبدو أن الفنان العلاوى مهموم إلى حد النخاع بالظروف التى تضع الإنسان فى مواجهة الخطر.. أيا كان هذا الخطر فمنحوته ` الاختيار الصعب ` تحدد بوضوح مدى الكابوس الذى يمكن أن يحيط بالإنسان، فقد قام بعمل ضخم على قمته اشتبك رجلان فى مواجهة مثيرة وموترة ، وقد تنازعا بقايا عظمة !!
- إن الوضع القلق الذى اتخذه كل من الرجلين، من خلال تقوس الجسد بشكل كبير، يصيب المتلقى بحالة من الهلع، خاصة وأنهما معلقان فى الفراغ للسقوط فى الهاوية !
- ورغم هذا المشهد الفريد، لا يحدث فى الواقع، إلا أن الفنان - صاحب الخيال الوفير- استطاع أن يشعرنا بواقعيته من خلال تناسق جسد أصحاب هذه الدراما. وإمعاناً فى شحن المتلقى بالمزيد من معاشر التوجس والذعر، قام محمد العلاوى بصنع ملمس خشن لسطح الجدار، وللرجلين المتصارعين، والتى شكلت حركة الأذرع والأرجل بينهما، والفراغ الناتج من تلاقيها الدرجة المدهشة من الإتزان المطلوب فى أى عمل نحتى أو فنى بشكل عام.
- محمد العلاوى فنان صاحب قضية ، ينفر من دعاة الفن للفن، مغموس حتى النخاع فى الواقع الاجتماعى والسياسى، استثمر خياله الغزير ومهارته الفائقة فى عمل منحوتات تفضح المتربصين بالأزمة وتعبر عن مأساة الإنسان فى العصر الحديث، وذلك فى صياغات تشكيلية تتسم بالفرادة والأداء الكفء، لذا لا عجب ولا غرابة أن تأتى أعماله مثيرة للأسئلة، ممتعة للعين، سهلة الاستيعاب، وأعتقد أن هذا أقصى ما يطلب من الفنان فى زمن ` المتربصين` !!
بقلم: ناصر عراق
من كتاب ملامح وأحوال
إنسانية القسوة فى أعمال العلاوى
- إن القسوة التى يتعامل بها محمد العلاوى مع الصلصال ( المادة الأكثر حميمية للإنسان ) تظهر مدى إدراكه لعلاقات القهر المنظمة والحاكمة لمؤسسات المجتمع ، هذه العلاقات التى تشوة الأفراد وتمسخ الذوات الإنسانية وتجعل الأفراد متوهلين ودائما وجوههم للحائط.
- الأرض عند العلاوى ليست كروية أو بيضاوية الشكل ، بل هى حجر رحى ، ونحن بين فكى الرحى ندور وندوخ ونسحق.
- إن القسوة التى تدهشنا فى أعمال العلاوى ، جديرة بأن تجعلنا أكثر اتزانا ووعياً فى تفاعلنا اليومى مع الواقع المعيش ، هذا الواقع الطائش المضطرب.
- هذه القسوة الرائعة التى تكمن فى الصلصال ، تجعلنا نردد ببعض الثقة أن الفن الجميل سينقذ الإنسان من طيش العالم .
- إن الرائى للأعمال العلاوى لابد له من أن يتحسس رأسه ، وأعضاء جسده المسحوق تحت سلطة الشر والقمع ( الصقر المترهل ، المشوة ) والقوة العمياء التى تعبث بأقدارنا وتتحكم فى مصائر الحياة.
- هناك رجل يتسلق حائط وهمى ، أو يدخل فى حائط صلد وظهره للقهر ، بصمات أصابع وأقدام تحتفظ بها توابيت ، كأنها شواهد قبور للراحلين / الموجودين دائما معنا ، نساء يتشحن بالسواد وصبية مشردون وصقر يحوم فوق الجميع بقسوته ومخالبه الحادة وبطنه المترهل.
- هذا هو العالم الذى يبتكره ويحفره العلاوى ، وعالم متشابك مع مصائرنا وموسوم بعلامات قهرنا ، إنها وجوه مطرزة بأحزان خبرناها ولذا فنحن نعرفها حق المعرفة.
بقلم : رجاء موسى
مجلة : إبداع ( العدد 11) 1-11-1999
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث