`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
رجائى كراس
فنان السلام والأمان
- رجائى كراس رسام مناظر مصرى، غائب فى الولايات المتحدة وكندا منذ ثمانية عشر عاماً. أقام معرضاً فى صيف 1985 فى قاعة أخناتون بالقاهرة، إستعرض فيه قدراته الفريدة على الرسم بالألوان المائية، التى هجرها رسامونا وأمسينا لا نراها إلا نادراً فى معارضنا على مدار الموسم. ربما لأنها خامة تناسب الإسقاط الفورى والرسم المباشر من الطبيعة، التى ابتعد عنها فنانو العالم الثالث وانصرفوا إلى العبث بين جدران الاستوديو الصماء، بينما تشكلت فى أمريكا جمعيات للرسم من الطبيعة بالألوان المائية وبدأت بشائرها تظهر فى كندا.
- `رجائى كراس` شاعرى الأسلوب انطباعى النكهة، يتغنى بالأشجار والأزهار والحقول، نادراً ما تسعى على مسرحه عناصر متحركة كالأشخاص والحيوانات والطيور، نلمس مفهوم الحداثة فى تكويناته المبتكرة وتجويراته الصفيفة، التى تضفى على إبداعه نوعاً من البلاغة وقوة التعبير عن الأمن والسلام.. حتى لنكاد نسمع شقشقة العصافير وخشخشة الأوراق الجافة المتساقطة من الأشجار ونحن نتأمل لوحاته.
- الأشجار عنصر مشترك فى معظم أعمال `رجائى` يذكرنا بالرسام المائى الرائد `شفيق رزق` -عاشق الأشجار، تتلمذ عليه بعض الوقت، كما أن زوجته ابنه الفنان والفيلسوف الراحل حبيب جورجى، الذى أدخل التلوين بالماء إلى مصر فى مطلع القرن، حين كان أستاذاً فى مدرسة المعلمين العليا وكان شفيق رزق نفسه واحدا من تلاميذه وعضوا فى جماعة `الدعاية الفنية` التى قادها حبيب جورجى، وكان لها الفضل فى نشر فن الأكواريل أو الرسم بالألوان المائية.
- لكن لوحات `رجائى` لها شخصية متفردة وأسلوب يميزها عن أعمال كل من جورجى ورزق حيث التناول أو أسلوب التعبير وتصميم التكوين وترجمة المنظور، وإن كان يشترك معهما فى الواقعية وانتقاء الطبيعة ولا نقول `محاكاتها` فالاختصار والتعميم والتغاضى عن التفاصيل أحيانا ينفى فكرة المحاكاة، وتتميز ألوانه بالكثافة والنصوع والتباين، مع تحديد العناصر وتوضيحها، بعكس رزق بشفافية ألوانه وتداخلها واندماج عناصره حتى ليختفى الخط الخارجى أحيانا، إن رجائى أكثر حسما وتحديدا وتحجما، وربما يكون الجو الكندى - حيث رسم معظم لوحاته - موحيا بهذه الظاهرة الأسلوبية، وكعادة الملونين المائيين يستخدم لون الورقة الأبيض حيث ينبغى أن يكون، مكتفيا بلمسات رقيقة قليلة تضع النقط على الحروف وتمنح المتلقى روح المنظر، كمشهد الثلوج تفرش الأرض على مدد الشوف، تنعكس عليها فروع الشجرة العارية المرتعشة، ربما يرمز بها للوحدة والغربة وافتقاد الدفء فى ربوع الوطن.
- يختلف عن الانطباعيين فى أنه لا يصور الوجوه أو الطبيعة الصامتة، ولا يقصر اهتمامه على المناظر الطبيعية والأشجار، فهو يرسم البيوت والمنشآت المعمارية التى يدرك المتلقى على الفور أنها ليست مصرية أو شرقية، حين يلاحظ الأسقف تخترقها المداخن المنزلية الصغيرة، هنا تزداد كثافة الألوان ويقترب من التصوير الزيتى، ويعتمد على التكوين البنائى والخطوط الرأسية والأفقية متأثرا بدراسته فى قسم الزخرفة بالفنون الجميلة الذى تخرج فيه سنة 1961.
- له أعمال أخرى تبدو تجريدية لأول وهلة، طوفان من اللمسات الحمراء والصفراء بدرجاتها تكسو مساحة الورقة التى لا تزيد عادة على 40×50 سنتيمترا، بعد مزيد من التأمل يتعرف المتلقى على تنويعات من الورود والأزهار غمر بها الفنان مساحة اللوحة مبهورا بجو الربيع، الذى يخلع على الدنيا وشاحا من السعادة وبدلا من التصميمات المحكمة، يلجأ إلى الارتجال بما يشبه التقاسيم الموسيقية، فتتسم ألوانه بالغنائية وتكويناته بالشاعرية المرسلة، مما يضفى النضارة على الورود والأزهار فنكاد نستنشق عبيرها، والواقع أن لوحاته الكندية جميعا مكرسة للتغنى بجمال الطبيعة والاستمتاع بالسلام والاطمئنان، تلقى فى روع المتلقى بمضمون يهمس بأن الحياة مبهجة مريحة ولا شيء يعكر صفوها، البيت الخشبى بسقفه المائل.. والسور القصير والدرج الصغير يهبط إلى الحديقة اليانعة، كل شىء هادئ عند رجائى كراس لقد ابتعد عن مصر بضجيجها ومشاكلها، لكنه لم يندمج فى البيئة الجديدة فانصرف إلى الطبيعة يبثها نجواه، وربما يفسر لنا هذا التحليل السبب في رنة الحزن التى نستنشقها أحيانا وتتضح بجلاء فى معظم الأحيان، نادرا ما يضم تكوينه إنسانا أو حيوانا، فإذا رسم فتى أو فتاة فى حديقة أو على رصيف الشارع، لا يضيف لذلك شيئا للمضمون الإنسانى، إنهما مجرد لمسة لونية تكمل المشهد العام وتزيد الإحساس بالهدوء والأمان والسلام، قد يصل به الأمر إلى رسم تفاصيل دقيقة كان يكتب العبارات على اللافتات فى الطريق ويسجل علامات المرور، لكننا إذا - جردنا المساحات من محتواها الموضوعى حصلنا على نظم لونية تجريدية مثيرة، تشير إلى مهارته فى التوزيعات الجمالية الملصقة.
- ولوحات الألوان المائية ليست كبيرة المساحة عادة شأن الصور الزيتية، لكنها تتطلب مهارة وتدريبا وممارسة يومية ومعرفة بأسرار الصنعة وتختلف عن الخامات البلاستيكية التى تتصف بسرعة الجفاف،وإمكانية التعبير بها بشفافية الماء أو بكثافة الزيت، مع ذلك تنفرد الألوان المائية بخصائص لا تشاركها فيها خامات أخرى كما أنها تتيح للرسام المطبوع فرصة إسقاط مشاعره الفورية وأحاسيسه المباشرة بمرونة أكثر، لذلك يبدأ رجائى لوحاته وينهيها فى الموقع يستمد من الطبيعة النضارة والحيوية التى لا تخطئ طريقها إلى قلب المتلقى، هكذا يختلف عن أساتذة: شفيق رزق (1906)، فى أعماله التى يجمع فيها بين الخلاء وجدران الأستديو، بين العاطفة والعقل والاسقاط والتصميم، فتتخذ لوحاته طابع السيمفونية المنظمة المقسمة إلى حركات، أما رجائى فترجح لديه كفة التقاسيم التلقائية فى معظم الأحيان، تنتشر الأشجار فى رسومه لكنها تختلف من لوحة لأخرى فى المعنى والمغزى وطريقة الأداء، قد يصور شجرة ضخمة الساق معقدة التلافيف يشعل تاجها ثلثى المساحة ويقف فى ظلها فلاح يعزف على آلة موسيقية فى حقل تتوزعه أبقار الفريزيان المبقعة بالبنى والأبيض، مشهد رومانسى يذكرنا بالأغنية المشهورة: ما أحلاها عيشة الفلاح..
- لوحة أخرى لنفس الشجرة العظيمة ذات الجذع الضخم، عمد فيها إلى الضربات السريعة العريضة التى تناسب معنى القوة والثبات، وفى صورة ثالثة.. رسم شجرة عارية تنبثق منها عشرات التفريعات الجافة، فى مكان خال إلا من سيارة تمضى مسرعة تمزج بين الحضارة الصناعية والبيئة الطبيعية وتؤكد الشعور بالأمان والسلام.
- ولد رجائى كراس فيى حى شبرا الخيمة بالقاهرة سنة 1936، وشب يهوى الفنون الجميلة بأنواعها من رسم ونحت وزخرفة، وحين التحق بقسم الزخرفة، كان يستهدف توظيف الفن للحياة، تأثر كثيرا بدراسته حتى إنه بعد تخرجه سنة 1961 عمل بالديكور المسرحى لعدة سنوات، لازمه المزاج المعمارى الزخرفى فى اختياره مناظر الطريق التى يصورها أحيانا لكنه يرفض شكل العمارة الحديثة بطابعها العملى البارد، ومكعباتها الخالية من العاطفة، لذلك يميل إلى الأحياء الشعبية فى مدينة مونتريال عاصمة كندا، لما فيها من زخرفة إنسانية وإحساس عميق بالحياة. كما أنه يسترجع معها صور الأحياء الشعبية فى القاهرة أو عشش رأس البر إلا أنها تتميز بالسقف المائل بسبب هطول الأمطار وتراكم الثلوج، كما تكثر المساحات الخضراء وتنتشر الورود من حولها.
- وفى القاهرة التى يزورها بين صيف وآخر، يركن إلى `الحورانية` فى منزل `صوفى جورجى` زوجة الراحل ` رمسيس ويصا` حيث مشغل النسجيات الفطرية الشهيرة، فى أول البيوت التى شيدها `حسن فتحى` شيخ المعماريين وأستاذهم. في هذا الجو الفنى الأصيل المعاصر يقضى `رجائى` أجازاته القاهرية مع زوجته الفنانة رفيقة رحلة الإبداع منذ عام 1963. لا يكاد يعود من كندا حتى يهرع بأوراقه وألوانه وحامله إلى مدخل القرية وربوعها ليصور الريف، وإلى أكثر أحياء العاصمة شعبية وأصالة سيدنا الحسين والجمالية والغورية وبوابة المتولى فى حى الأزهر العريق، يرتشف الذكريات ويستمد القوة لمواجهة سنوات الاغتراب القادمة فشاهدنا فى معرضه عام 1985م شوارع `مونتريال` الشعبية بجوار الموسكى والدراسة، والفلاحين الأمريكيين والكنديين تحف بهم الأبقار الفريزيان، إلى جانب صور الفلاح المصرى فى قرى طريق سقارة على ترعة المريوطية، حيث يرقد الجاموس الأسود وتدور السواقى.
- لوحات `رجائى` المصرية أكثر محلية وحداثة من معظم أعمال رسامينا المقيمين، المقلدين للأمشق الأورو- أمريكية والعبثية. يشعرنا فى إبداعه بالحنين والحب لطبيعة بلادنا التى هجرها مضطراً عقب هزيمة 1967، حين تحطمت الآمال واكتشف الشباب أنه يقف فى بحر من الرمال. كان يعمل بالديكور في مسرح الجيب منذ تخرجه. تزوج وأنجب طفلة وازدادت مطالب حياته فاتسع نشاطه وشمل الدعاية والإعلان وديكورات المنازل والمتاجر والمؤسسات. كان في الثلاثين حين امتد إبداعه إلى تصميمات أغلفة الكتب والمجلات ورسم الصور الإيضاحية، مندفعاً بالفتوة وروح الابتكار التى غمرت شباب السبعينيات، الذين آمنوا بمصر وانتموا إلى أرضها وأقسموا يمين الولاء بينهم وبين أنفسهم. كانت آمال `رجائى` تكتسى بغلالة وردية فانطلق لا يعرف الكلل حتى كانت الضربة القاصمة التى حطمت كل شىء فى ستة أيام. وانحسرت الأحلام عن الحقيقة التى برزت بوجهها الشائه من بين الدخان والركام. ضاق الرزق وانعدم العمل وكره الناس بعضهم بعضاً وبدأ زمن الركاكة والضحالة والادعاء الجسور. وبدأ المثقفون وأصحاب المواهب يقفزون من السفينة الغارقة وانسابت موجات الهجرة إلى جميع أنحاء العالم.
- لا نستطيع النفاذ إلى أعمال العمل الفنى دون المرور بحياة الفنان الشخصية، وثقافته وخبراته وملابسات إبداعه، فالناقد الذي يتناول اللوحة بالتحليل منفصلاً عن مبدعها، شأنه شأن قارئة الفنجان وضاربة الودع. فحياة الفنان الشخصية تفسر العمل الإبداعى فى الفنون الجميلة بنوع خاص. وقد ذكرنا مسبقاً المقولة الحديثة الشهيرة: ` أنت ناقد إذن فأنت مؤرخ` فسيرة الفنان وتجاربه وطفولته وتربيته وبيئته وصحته الجسمية والنفسية.. الخ، تلقى أضواء كاشفة على أسلوبه وموضوعاته ومضامينه وأهدافه ودوافعه لم ينزح `رجائى` مباشرة إلى ` كندا ` كانت البلاد المفتوحة للهجرة آنذاك تضم أمريكا وأستراليا أيضاً. اختار ولاية `رود ايلاند` فى أمريكا مستأنساً بقريب سبقه إليها. وكان منطقياً أن يستأنف أعمال الديكور والرسم وإقامة المعارض وبيع اللوحات قضى قرابة خمس سنوات يناضل الضغوط الاجتماعية والسياسية المناهضة لمصر، حتى اضطر للهجرة من أمريكا إلى كندا سنة 1975 عمل بالديكور التجارى المعتمد على فن العمارة فكان عملاً شاقاً غير مستقر ففضل عليه تدريس العمارة والرسم الهندسى، ثم تفرغ منذ عام 1983 لتدريس الرسم.
- إلا أن قصته مع فن الرسم الملون بمختلف الخامات والأساليب لم تنقطع على مر السنين فقد عكف على ألوان الزيت والأكريليك وأسهم فى المعارض العامة منذ أكثر من عشرين عاماً. وفى صالون القاهرة سنة 1964 إشترك بثلاث لوحات من أسلوب `المونوتيت` أو طباعة النسخة الواحدة، فهو متعدد المواهب أوشك على الالتحاق بقسم النحت فى الفنون الجميلة بإشراف النحات الراحل `جمال السجينى` لكنه رجع عن عزمه حين انتقل الأستاذ إلى كلية الإسكندرية.
- بالرغم من اتصاله المبكر برسامى الأكواريل العظام `حبيب جورجى` و`شفيق رزق` لم يبدأ مسيرته المائية إلا أخيراً فى `رود ايلاند` سنة 1970، ربما كان مدفوعاً بالحنين إلى مصر وذكرياتها، أو بنشاط الجمعيات الأمريكية للألوان المائية . فهى خامة صعبة المراس، لمسة الفرشاة بها غير قابلة للإصلاح مما يستلزم التحلى بموهبة التعبير بالإسقاط الفورى. لذلك هى نادرة الشيوع فى حركتنا الفنية العربية، حتى أننا لا نعرف سوى `شفيق رزق` شيخ فنانى الأكواريل و` فاطمة رفعت` المصرية التى تتلمذت على الرسام `هدايت` التركى الذى أقام فى بلادنا حتى وافته المنية فى الخمسينيات والتى تقيم حاليا فى ` كندا` أيضاً. أما `عدلى رزق الله` فمن جيل الشباب يستخدم الألوان المائية بأسلوب مبتكر، ويجسد أفكاره وخياله داخل الرسم بأسلوب ` التعبيرية المجردة ` وها نحن نضم إلى قائمتنا الصغيرة رساماً مائياً خلوياً مطبوعاً هو `رجائى كراس` وإن كان بعيداً عن عيوننا.
- `قوارب الصيد` التى رسمها فى `مونتريال` سنة 1979، تشهد على قدرته على استخدام الألوان المائية بحرية وطلاقة. والتعبير بها عن الملامس فى كل من رمال الشاطئ وماء البحر وخشب القوارب، حتى لنظنها ألوانا زيتية فى بعض الأحيان. فى لمساته الكثيفة أو الشفيفة أو المتدرجة يشبه عازفا ماهرا على آلة موسيقية نادرة. نستشعر وجود الصيادين وطيور النورس مع أننا لا نرى شيئا منها. ويسمق الصارى الخالى من الشراع فى وسط التكوين المعمارى ليزيده استقراراً. وتميل القوارب على بعضها فوق الرمال فى تلاحم وتكامل كأنما تروى أحداث اليوم الشاق ومغامرات أصحابها مع الأسماك. وفى عرض البحر قارب مازال ينشر شراعه المثلث، تحت سماء صافية تشغل ثلث مساحة اللوحة لتوازن الازدحام في قاعها إحساس كامل بالهدوء والسلام يكاد يهمس للمتلقى بالخرير الخافت وصفق الأمواج بين لحظة وأخرى إنها الطبيعة ولا شىء غيرها.
- عكس ذلك تماما ما نراه في لوحة `سوق الجيزة` المفعمة بالنشاط والحيوية والحركة. إستطاع `رجائى` بلمساته السريعة أن يضع فى لوحته زحاما بشريا يشغلها من أقصاها إلى أقصاها، رجالا ونساء وأطفالا فى حركة وحوار وعمل. الرجال بالجلاليب واللاسات والعمائم والفلاحات بالثوب الأسود والطرحة، والأطفال بين الأقفاص والخيام المضروبة والمظلات المزروعة والأشياء والسلع الموزعة بين الحشد المتلاحم تعبير بليغ عن الحياة المتدفقة التى لا تتوقف على أرض مصر بعيدا عن هموم المدينة. وبميله إلى العمارة الكلاسيكية، إتجه فى `مونتريال` إلى رسم البيوت العتيقة ذات الطابع الإنسانى الدافئ، لما تتسم به من رقة وشاعرية. فى لوحة `منزل من الطراز الفيكتورى` 33 × 50سم - نلتقى ببيت كندى قديم كبيوت رعاة البقر فى الأفلام الأمريكية. تطل شرفاته على حديقة صغيرة تتوزعها شجيرات تنتظر إقبال الريح ليكسو أفرعها العارية بأوراقه الخضراء. والدرجات الخشبية القليلة تصعد من الشارع للمدخل مباشرة. تتحلى الواجهة بالزخارف الجصية الكثيرة وتتشح بغلالة من ظلال زرقاء تكسو ألواناً حمراء فى أخشاب النوافذ. وبنية داكنة فى ألواح السياج الخشبى القصير هذه الظلال كأنها شبكة خفيفة ترتمى على جدران البيت. كما يحفل التكوين بإيقاع سريع مفعم بالديناميكية ويعكس أحاسيس البشر والسعادة، رغم افتقار المنظر للأشكال الآدمية، أما اللون الأبيض الغالب - كما هو الحال فى جميع اللوحات المائية الخلوية فهو العلامة الوحيدة التى تنم عن هذه الخامة. إذ أن الفنان استخدمها بمهارة وإحكام لا يسمحان بلمسات عشوائية عبثية. ومن المعروف أن هناك فرقا كبيراً بين ` العشوائية` المبنية على الغفلة وعدم الدراية، وبين ` التلقائية ` المنطلقة من إرادة العقل الباطن. مشهد ينضح بمضمون السعادة والاستقرار والأمان.
- الواقع أن لوحات `رجائى كراس` إما أن تخلو من الأشخاص والكائنات الحية تماماً - كما يحدث فى معظم الأحيان - وإما أن يتواجد الإنسان بكثافة وغزارة . يشعر المتلقى فى كلتا الحالتين بالراحة والاطمئنان والهدوء والسلام، وبأن الحياة مستقرة ومنظمة وجديرة بأن تعاش.هذا هو` المضمون ` الرائع الذى يحتاج إليه إنسان العصر الحديث، المهدد بالفناء فى كل لحظة ولكى يزيد إحساس المتلقى بهذا المعنى عمد `رجائى كراس` إلى الزخرفة والدندشة والملاحظات الشكلية الدقيقة ذات الدلالة وهى ميزة عامة للإبداع التشخيصى يتفوق بها على `العبث التجريدى الفارغ` الخالى من الإشارات الإنسانية المعبرة.
- فى لوحة `الكازينو` رسم عدداً من الرجال والنساء والأطفال يتجمعون حول المناضد فى الهواء الطلق يجلسون فى حديقة وارفة الظل يانعة الأزهار، يقف فى المقدمة رجل وامرأة فى طريقهما إلى الداخل ، على ممشى من البلاط المعصرانى يقود عيون المتلقى إلى الرهط السعيد. والباب الحديدى الكبير مفتوح على مصراعيه ومزخرف بالوحدات الدقيقة والأسياخ الرأسية والأفقية، يبدو من خلالها مشهد الورود والأزهار والأشجار الكثيفة يود المتلقى لو يضم إلى هؤلاء المستمتعين بنعمة الراحة والهدوء والسلام.
- أما من الناحية الأستطيقية أو الفنية البحتة، فرجائى خريج ` فنون جميلة ` لا تنقصه الأبعاد الجمالية البديهية كالتكوين والإيقاع والتوافق والنظم اللونية وتعاير الملامس. كما أن دراسته الزخرفية المتخصصة طوال أربع سنوات، أضفت على إبداعه صفة التماسك المعمارى والتكامل الشكلى الراسخ الأمر الذى يعكس على المتلقى شعوراً بالراحة مهما اختلفت القيمة الفنية. حتى مع اللوحات التى تتسم بالعجلة وعدم الدقة فى الأداء ولا تمثل الإبداع الناضج المتكامل الذى نلمسه فى معظم الأعمال بالرغم من أن الألوان المائية لا تسمح بالتفاصيل الدقيقة، نراه فى لوحة `الكازينو` - رغم صغر مساحتها وكثرة عناصرها - لا يغفل كيس التبغ فى الجيب الخلفى للرجل، وتلافيف قضبان الحديد تزخرف الباب ومقاعد الحديقة ولا ندهش لعزوفه عن بلاغة الإيجاز والاختصار فسرعان ما تزول دهشتنا حين نراجع أفكار فلسفة فنانى ` السوبر رياليزم` أو الواقعية المتفرقة، الذين سجلوا من التفاصيل ما تعجز عنه أقوى العدسات الفوتوغرافية ولو أن `رجائى` لم يصل إلى شىء من هذا، لكنه وضع من التفاصيل ما يؤكد مضمون السلام والأمان وراحة البال، وبالرغم من أنه يعيش فى قلب الحضارة المتقدمة الأمريكية والكندية منذ أعوام، لم يسقط فى وهدة العبث التجريدى التى يتردى فيها الهواة من أساتذة الفنون التطبيقية والتربية الفنية وبعض الموجهين والمشرفين على الحركة التشكيلية.
- عرض `رجائى كراس` خمسين لوحة مائية متوسطة المساحة، تجمع بين مشاهد مصرية وكندية وأمريكية. لمس بها حياة الناس البسطاء فى هذه البلاد، مؤكداً أن مباهج الإنسان العادى متشابهة فى كل الشعوب. ووجه انتباهنا إلى الاستمتاع بصور نراها يوميا ونغفل عن التقاط مواطن الجمال فيها. الشجرة والحديقة وواجهة البيت القديم والجاموسة ترقد بجوار الساقية، إلى آخر تلك المشاهد يطالبنا بموقف جمالى نبعد به عن المطالب ` الحيوانية ` للحياة التى لا تعنى سوى بالطعام وحفظ النوع يهمس فى كل لوحاته الطريفة المثيرة: أن الحياة بهيجة مريحة وكل شىء فيها على ما يرام.. فى كندا وأمريكا.
بقلم : مختار العطار
من كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر والعالم العربى
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث