`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
مجاهد عطية العزب

ـ عالم الفنان مجاهد العزب عالم زاخر بالرؤى والاشكال والتكوينات والدلالات عالم يتجول ما بين الطبيعة الصامته والطبيعة المتحركه ـ عالم من التفاعل بين الاوانى التى بينها ألفه والنباتات التى تخرج من هذه الاوانى وتتعانق معها والبشر الذين يؤمنون ويطالعون العالم بعيونهم الحادة والمتفرجه والغامضه.
ـ يتفاعل فى عالم مجاهد العزب الابداعى النحت البارز والنحت الخفى التكوينات شديدة الهندسيه والاشكال الغارقه فى السيرياليه ـ الكائنات التى تبدو أقرب إلى عالم الجثث الممزقه الاوصال. ألوان باردة لكنها شديدة الرهافة والحساسية ( الازرق خاصة) والوان ساخنة تموج بالحركة الشبيهة بالفيضان احيانا وبالصمت الاقرب إلى الحزن والاكتئاب.

د/ شاكر عبد الحميد

حضور إنسانى يكتسب ملامحه من فراغ اللوحة . علاقات فنية مترابطة فى معرض المصرى مجاهد العزب
- معارض عبر تجربة جديدة لافتة ، قدم الفنان التشكيلى المصرى مجاهد العزب معرضا متميزاً بقاعة ` البلد ` بالقاهرة . ضم هذا المعرض مجموعة كبيرة من أعماله الأخيرة التى استخدم لها الصبغات الخاصة والألوان فى تحقيق نتائج فنية مترابطة ، موظفا العنصر الإنسانى بشكل أساسى فوق مساحات صغيرة متجانسة ، فنجد الأعمال جميعها تتعامل مع العامل الحركى فى توطيد العلاقات الخطية والبقع اللونية التى أخذت منحى تعبيريا تجريديا أحيانا ؛ فالإنسان فى حالة حركة دائمة يمشى ويجرى ويتحدث ويجلس .. الحالات التى رصدها فناننا كثيرة وتحتاج إلى مزيد من الدراسة ليس على السبيل الرصدى أو التشكيلى فحسب وإنما على السبيل الفكرى والتوظيفى .. إنها حالات أشبه بالسرد القصصي وتبدو عاجلة فى إيقاعها ووخزها ، وبرغم معالجتها التقنية البسيطة السهلة تبدو - أحيانا - سطحية برغم ما تواريه تحت طبقاتها من أسرار .
- ومع ذلك ، تعد هذه التجربة هى الأميز بالنسبة للفنان بعد ` وجوهه ` التى عرضها قبل أكثر من عام بأتيليه القاهرة ، حيث يركز الفنان بدرجة أساسية على مراقبة وتحفيز العنصر الإنسانى الذى استخدمه وهو عنصر من طبقة بسيطة للغاية تتماهى ملامحه ، بل يكتسبها فى - أحيان كثيرة - من حضوره الفنى فى اللوحة .. كما اهتم أيضا بمشواره الحياتى فى بضع جمل إبداعية يمكن تلخيصها فى قدرته العالية على الإنتاج وسرعته على الإنجاز وابتكاره لخامات غير مستخدمة أو معروفه وإنفراده المطلق بالتعامل معها عبر أدوات ووسائط هى أيضا من اختراعه ؛ الأمر الذى يؤكد له خصوصيته الواضحة رغم ما يواجهه من مصادفات التشابه فى نهاية الأمر .
بقلم : فدوى رمضان
الشرق الأوسط - 2007
مجاهد العزب وصلابة التشكيل
مجاهد العزب ..فنان متأمل ، لا يكفى بإقامة العلاقات التشكيلية والجمالية بينه وبين لوحاته ، بكل ما يقتضيه ذلك من تجريب وتجديد ، بل يطرح الأسئلة المقضة باستمرار عن العالم والوجود والجماعة والجذور والهوية والإدراك وقضايا الإنسان بشكل عام ، وهو لا يكتفى بتجسيد المعادل الفنى والتشكيلى لهذه الأسئلة على مسطح اللوحة من مرحلة إلى مرحلة . ومن معرض إلى معرض ، بل هى تنضج أيضا فى كتاباته وتنظيراته التى تصاحب بطاقات الدعوة لمعارضه ، أو تظهر فى حواراته الصحفية ، أو تتبدى فى مؤلفاته التشكيلية ليس هذا فحسب ، بل كذلك فيما يكتبه من روايات ( صدرت له حتى الآن روايتان هما : لصوص وقتله وقطاع طريق .. أو على الأقل نصابون 2004 ورواية عرف الهدهد 2009 ) .
- ولأننى الآن - لست فى معرض تقييم هذا الجهد النظرى والبحثى والروائى لمجاهد العزب ، إلا بقدر دلالته على هذه الهموم العريضة التى تشغل الفنان وتحتل حيزا لا بأس به من أفكاره وتأملاته ، والتى لابد أن تنعكس - طبعا - فى أعماله الفنية التى يحتوى عليها كل معرض جديد له .
- وعند هذه النقطة كان السؤال الذى يشغلنى باستمرار - كمتأمل للأعمال الفنية ومتذوق لها ( زناقد ربما ) ، هل نجح الفنان فى خلق المعادل البصرى والمكافئ ( التصويرى ) لما يقضه من هموم وأسئلة وأفكار وتأملات ، أم أنه استخدم ( اللوحات ) ليعيد علينا تأملاته وهمومه وأفكاره وإن بطريقة أخرى تظل تدين بالفضل ( للفكرة ) و ( التأمل ) و ( المفهوم ) بأكثر من انتسابها الواجب إلى لغة ( الشكل ) و ( التصوير ) وأبجدية ( التشكيل ) ، وفى الحقيقة فقد نجا الفنان بذكاء وتبصر من الوقوع فى أسر الدعائية الشكلية لأفكار أو التصوير الساذج لتأملاته وهمومه النظرية ، بل نجح ببراعة مشهودة فى الإبقاء على هذه الهموم النظرية والتأملات الفكرية والرؤى الفلسفية ، مصاغة فى قبضة تصوير محكم ، ومستوعبة فى عمق ( تشكيل ) قوى وماثل ، بل لعلها لم تسطع هذا السطوع الفكرى والنظرى إلا بفرط تمثلها واستيعابها لروح التشكيل وضروراته وحرفياته أولاً فماذا تقول لنا لغة التشكيل هنا ، لدى هذا الفنان المجيد فى معرضه الأخير من الناحية الظاهرية البحتة ، والتى تلوح لأول وهلة لمتأمل المعرض ، أن الأنسان هو الموضوع الذى أقام عليه الفنان أعماله ، فيكاد الشكل الإنسانى بتبدياته وتجلياته المختلفة أن يكون هو الناظم الرؤيوى الأساسى والمباشر للوحات المعرض ، ولكنى هذه القيمة هذا الحضور الإنسانى هذا التشخيص ، هذه البطولة الأساسية للشكل الإنسانى فى أوضاع عدة ، وزوايا متباينة ليست هى ما يعنينى ، أو ما يعنى النقد الفنى ، أو النقد التشكيلى ! فكم من فنانين آخرين فى الشرق أو فى الغرب فى مصر والعالم العربى اتخذوا من الإنسان - بمناظير مختلفة - موضوعا للوحاتهم .. ومفتاحا أساسيا لعوالمهم !..إذن لم - ولن تكون هذه هى النقطة الفارقة فى حديثنا عن عمل مجاهد .. اتخاذه للإنسان موضوعا للوحاته ، ليس لأننا - حاشا لله - لا نعتبر بالإنسان ولا نهتم بالإنسانية ، أو نقلل من شأنهما فى الفن ! إنما لأننا نعول على استصفاء لغة الفن ، ولغة التشكيل من التناولات الدعائية ، ومن الموضوعات الرنانة ، والعبارات الضخمة كالإنسان ، والهوية ، والقضية ، والمجتمع ، إلخ .
- وإذن فسؤالنا هو - بعد هذا التوضيح الضرورى - كيف تناول مجاهد موضوعه ( لإنسان ) فى لوحاته ؟ سؤالنا هو عن ( الكيفية ) هل تم هذا التناول بمعايير ( التشكيل ) وبلغة ( التصوير ) وبأبجديات ( تكوين ) العمل الفنى .. التى لا تدين إلا لضروراته ، ولا تلتزم إلا معطياته ، ولا تستهدى إلا جمالياته .. أم أن الطابع الإنشائى والدعائى هو الذى غلب عليه ؟ ..هذا هو السؤال .
- وظنى أن مجاهد العزب فنان مقتدر بحق استطاع أن يقدمنا لما هذه الرؤية المتوازنة وأن يحققها بذكاء لافت ، فلم تختل بالتالى بين يديه هذه المعادلة بين الموضوع وتشكيله ، والقضية وتصويرها ، والفكرة وتجسيدها ، فى إحكام تام وتمكن يشى بصلابة تشكيلية ، وهذه الصلابة تتبدى فى هيمنة ( الشكل ) شبه الكاملة على حيز التصوير ، حتى أن الفراغات المتبقية والصغيرة هنا بالكاد تبقى فقط لتؤكد حضور الشكل وسطوته ولعبه لدور البطولة الكاملة .. ولهذا الحل التشكيلى الموفق دلالات عديدة - لمن أراد أن يستخرج هذه الدلالات - أدبية وغير أدبية اجتماعية مثلا ( التكوين ) فى الأعمال أيضاً ، يأخذ عناية كبرى من الفنان ، وهو تكوين قوى فى الغالب ، ليس لمجرد احتلال الشكل لمعظم الحيز فقط ، إنما لمنطق بناء الشكل أيضاً ، الذى يشى برغم غناه التصويرى ببعد رسوخى نحتى ( أويكاد ) ماثل وظاهر ، خصوصاً أن الشخوص فى معظم الأحيان تحضر بين خلفيات ومجاورات صرحية صخرية حجرية شاهقة أحيانا تعطى انطباعا - عند نظرة عابرة - بضآلة الشكل الإنسانى وانحصاره وانسحاقه بينها ، ولكنها فى نظرة أعمق تؤكد بالعكس على هذا الوجود والحضور الإنسانى فى المؤكد والوضوح حتى ولو بين هذه الشواهد الصخرية والحجرية الجبارة والشاهقة .. بل برغمها !
- المؤكد مع متابعة الأعمال انتقالا من القاعة الأولى الفرد والوحيد بين الشواهق والجدران الأسمنتية والحجرية ، والتحاما مع غيره من بنى جنسه .. تغيب - فى نفس اللحظة - هذه الشواهد الضخمة الساحقة الماحقة ، والتى يصغر بجوارها حضوره !
- ليمتلئ الحيز ببنى جنسه فى تعاطفات وتعاضدات تنفى هذه الشواهد وتجعلها تتراجع بالكامل من المشهد ، وها هى ذى الرسالة الفكرية أو المضمونية للفنان تسطع بحضورها الأمثل من خلال كفاءة إيجاد المعادل التشكيلى والمكافئ التصويرى لها .. وتتبدى شاعرية الفنان المتمكن مجاهد العزب فى لوحة ` الرجل والحمامة ` ففى هذه اللوحة تحول الجدران الصلبة بين الرجل والحمامة حتى أنه لا يكاد يراها ، وربما لا تراه هى أيضاً عبر الجدران الصلبة الفاصلة بينهما ، بما يخلق موقفا مستحيلا ، وبما يغلق التشكيل تماما عن انفراجة من أى نوع ، برغم ما تدل عليه الحمامة بذاتها عادة نقطة اللقاء الوحيدة التى صنعها الفنان ببراعة مشهودة بين هذين الكائنين الحبيسين فى جدرانهما الصلبة هى بقعة الضوء التى تمسح رأس الرجل من جهة اليمين ، وتمسح جسم الحمامة من جهة اليسار ! لا تقدم هذه اللوحة الرائعة أى حلول دعائية عن السلام والإنسان إلخ ، إنما الحل الوحيد الذى فتح طاقة للأمل فى هذا العمل الممتاز كان حلا تشكيليا من خلال التوزيع الذكى من الفنان لمناطق الظل والنور والضوء ، والذى شكل بذاته الضوء نقطة الجمع الوحيدة بينهما فى هذا المعتقل الماثل أو السجن الحجرى الضاغط ! ومن هنا تحققت القيمة - سمها ما شئت - الفكرية ، أو المضمونية أو الموضوعية لتحقق القيمة التشكيلية والتصويرية أولاً .. يمتلك الفنان أيضا تكنيكاته المتميزة ، والتى ليس من السهل فض مغاليقها ، بل لا يعنينا فى شئ فض هذه المغاليق ، تهشيراته ، خلطه ألوانه ، ملامسة طبيعة أدواته المستخدمة فى الرسم ، وطريقة استخدامه لهذه الأدوات إلخ ، ولكن من الواضح أن الفنان يبذل جهدا على هذا المستوى التقنى فى الوصول إلى خصوصية فى تحضير مواده وتجهيز مكوناته والتعامل مع خاماته .
- وعلى سبيل المثال مع أن الألوان شديدة الحضور و ( ذكية ) الحضور أيضا فى عمل هذا الفنان .. إلا أن العجينة اللونية التى تعطى هذه الملامس الخاصة لأشكال الفنان لا تكتسب البطولة من معطياتها ( اللونية ) بالدرجة الأولى ، فالفنان هنا لا يلون بالمعنى الزخرفى ، وبالتالى فلا مطابقة بين الإحالات المعتادة للألوان ، والوظائف التزيينية التى يضربها الفنان هنا وبين الدور المختلف الذى تلعبه الألوان فى عمله .
- الألوان هنا تلعب دوراً ( تعبيريا ) خاصة العجينة اللونية والملمس ومنطق تجهيز السطح . مكتشفات تجريبية خاصة بالفنان وبالتالى فهى تقدم ( أجرومية ) تجريبية مختلفة ، لا يصح معها الإحالة إلى ثوابت مفاهيمية سابقة عن اللون والملمس .
- ولعلنا نلاحظ أن الفنان لا يحب الثرثرة فى الشكل ، وإنما بضربات تأثيرية معبرة يصل إلى بلاغة فى التشكيل وإلى صفاء فى الشكل وإلى صلابة وقوة فى تصويره .
- وكما قلت ، فالألوان من عنده لا تميل إلى ( التلوين ) بالمعنى السطحى المنفصل ، وإنما إلى خلق المكافئ البصرى للرؤية والمعادل التشكيلى للبصيرة هل لنا أن نقول فى النهاية ، وفى جملة :
* أنت لا ترى هنا اللون الذى يخاطب البصر
* وإنما لمحاولة استنطاق اللون الذى يستبطن البصيرة
تحية لهذا الفنان المجيد مجاهد العزب فى معرضه الجديد .
بقلم : ماجد يوسف
مجلة أكتوبر - 2010
مجاهد عزب: الفن تحرّر في التحرير
لفنان مجاهد عزب فنان ينتمي إلى جيل السبعينيات، قدم على مدار أكثر من 35 عاما عشرات المعارض وصمم مئات من أغلفة الكتب للعديد من دور النشر، وهو إلى جانب هذا وذاك يكتب الرواية والقصة القصيرة، وفي هذا الحوار معه نتعرف إلى تأثير الثورة المصرية على رؤيته وعلى الفن التشكيلي النخبوي، وكيف يرى أيضا تأثيرها في جيله والفنانين الشباب ومدى تعبيرهم عنها.
هل توقعت قيام ثورة 25 يناير؟ وهل شاركت بها؟
لم يتوقع أحد ـ من جيلي على الأقل ـ قيام ثورة شعبية فى ميعاد كهذا مع فقد ثقة البعض فى قدرته على النهوض والانتفاض، وأغلب الظن أنها كانت وقفة احتجاجية من شباب معترض على أوضاع بعينها، وتمر كما مرت آلاف الوقفات من قبل، خصوصَاً وأن الثورة كانت محددة التاريخ والتحركات، والكل يعلم بها ويعد العدة لمواجهتها، أو هكذا كنا نظن ـ أيضا ـ بحكم الاعتياد.
حيث كنا نقابل برصات متتالية من أعداد أفراد الأمن وفروعه بمختلف الدروع والهراوات والأسلحة كلما اتيح لهم، وعددنا في كل مرة لا يتجاوز المائة فرد، نقف في أماكننا المحددة دون إمكانية تحرك يحوطوننا من الجهات الأربعة وصياحهم غالب أعلى من كل هتافات المحتجين الذين يبح صوتهم بمجموعة محدودة من المطالب، ولا من مجيب!.
أما وحين هلت بوادرها ـ هذه المرة ـ أصيب معظمنا بالدهشة والعجب، إذ كيف تمكن كل هؤلاء البشر من النزول وفي وقت واحد؟!، وكيف تسقط الدولة البوليسية التى عانينا منها طويلاً في بحر أربعة أيام؟!، لا تقل هو أثر التكنولوجيا وأفعال النت التي استطاعت استدعاءهم فقط.
ولأن مصر دولة كبيرة قوية متماسكة، وبرغم الشك وغياب الأمل حتى ظن البعض أن انهيارها قريب وهوانها قادم، إلا أنها أذهلت الكل وبقيت دون سلطاتها وحرس أمنها المرعب من كبيرهم وحتى أصغر من فيهم، وضرب شعبها الطيب نموذجاً فريداً من الالتحام والإصرار على المواصلة.
لقد شاركت منذ البداية كما شاركت في معظم الوقفات الاحتجاجية منذ زمن، لكن هذا ليس محلاً للبوح به هنا أو دعوة للفخار، فالمجد ـ كل المجد ـ للشهداء والمصابين وروح الشباب الثوري الذي دفع إليها، وأشد ما أذهلني أنا وأبناء جيلي ـ أيضا ـ استمرارهم دون ملل أو كلل؟ وكان الرهان دائما على الطبقات الشعبية البسيطة بغير حاجة من أحد للتنظير أو التشدق ببطولات يدعيها البعض الآن، لدرجة أنني قلت ذات ليلة لجمع من الأصدقاء ولست مازحاً: على كل من بلغ الخمسين أن يلزم بيته ويصمت الآن إن لم يكن للأبد!.
تحت الصدمة
وكيف كان تأثير الزخم الذي صنعته الثورة عليك كفنان؟
تسارعت الأحداث والارتباكات والعجز عن قراءة ماذا يحدث أو ماذا سيحدث بعد القليل من الوقت؟، فالكل غيب ولا أحد يعلم القادم القريب، حتى ترك الرئيس المخلوع كرسي الحكم ولاتزال صيحات الملايين بملء الحناجر تصر على استكمال ثورتها رغم البهجة ونسيم الحرية الذي بدا يهل ويرسم على وجوه البسطاء علامات الفخار والعزة برد الكرامة.. توقف كل شيء بالنسبة لي ولم أعد أفكر حتى ماذا أصنع أو ماذا نحن فاعلون. لا كتابة ولا رسم، ولا قدرة على قراءة حرف واحد. عجز الخيال عن ممارسة دوره في اكتشاف الحاضر والتطلع إلى مستقبل قريب، خصوصًا وأن الثورة لم تعرف حتى اللحظة إلى أين تتجه وكيف تحقق أهدافها؟، وما هي تلك الأهداف أصلا ؟!، رغم المعلن: “حرية، كرامة، عدالة اجتماعية “. نعم، كان يصلح هذا الهدف فى أيامها الأولى، لكن النتائج التى تحققت والإصرار عليها من شباب الثورة ربما فاقت التصور مع عدم وجود مجموعة قيادة لكل هذه الأعداد، وقد بلغت الـ 18 مليوناً يبيتون فى الشوارع، وزاد من قسوة الارتباك وجود عدد من المنتفعين ولصوص الجهد للسطو بلا رحمة على روح الثوار واغتصاب منجزهم.
وماذا عن رؤيتك الفنية؟
حاولت الخروج من الاندهاش إلى حالة الرؤية والفعل والتعبير عنها، كأي حدث مر من قبل، لكن الحاصل فاق قدرة الكثيرين وأنا معهم على التعبير عنها، أو ربما هي الصدمة التى أصابتنا فوقفنا جميعا فى مربع السؤال: ماذا حدث، ثم ماذا بعد؟! . أحداث سريعة وأحوال متقلبة لا تعرف الثبات والتقاط الأنفاس، لتخرج بعد شهرين أو ثلاثة قليل من أعمال سريعة متلاحقة مثلها ـ لست وحدي في هذا ـ بخامات بسيطة من أحبار وأقلام الرصاص، لا يمكنك اعتبارها أعمالا كاملة، وأكثر ما تستطيع قوله: إنها تحضيرات لعمل أكبر، هي تسجيلات لحظية ليس إلا، مستعيناً بخبراتي في الإمساك بكل ما يعينني على الإنجاز السريع وقدرتي على استخدام الخامات البسيطة وتطويعها. لم تكن تجربتي الفنية في عمومها ومنذ بدايتها تنتمي إلى هذا الخط سريع التسجيل متلاحق الأحداث، كنت في السابق أسجل الوقائع نعم، لكنها تأتي على الراحة والسعة وبطيئة، إن هي ـ أيضا ـ إلا لحظة عابرة وتنتهي، على المقاهي أو في ركن من أركان بيئتنا الشعبية، وكان الغالب من الأعمال يتم داخل المرسم بعد استعادة الصور من الذاكرة، كما وأنك لا تنسى ندرة ما حدث وحجمه واختلاف أماكنه وتعدد ردود الأفعال تجاهها هنا وهناك. لذلك، لم يكن في الاستطاعة الابتعاد عن القلق والتوتر المستمر والمتابعة اللحظية لتدفق المتغيرات والشخوص ثم الخروج إلى ما ورائية المعنى وتحليله وعلاقتك به وكيف تراه؟.
الفنان متصل بطبعه وأقرب إلى التعبير عن غيره؟
نعم ، الفنان متصل منفصل في آن واحد بطبعه، منفعل بالحدث لكنه لا يسجله ـ أو المفترض فيه ـ برؤية العابرين أو صور الكاميرا حين رصد حادثة ما.
الفنان وقتها لا تأخذه الانفعالات الثورية فى المطلق، وإلا خرجت أعماله مجرد صياح أو قعقعة في الفراغ، لا تتجاوز بالتالي حدود أثر ما تفعله الفوتوجرافيا أو سينما الأخبار لدى الناس، وهذا ليس تقليلا أو حطاً من قدر الفوتوجرافيا، لكنك مختلف الأدوات والتناول ويجب عليك تجاوز ما تفعله تكنولوجيا الآلات والأدوات إلى ما هو أبعد وأكثر سحرًا بغير مبالغة أو ادعاء ما ليس واقعا ملموسا ومقنعاً، خصوصاً في أحداث يعرفها العالم ويراها عبر الشاشات بكل تفصيلة وقت حدوثها.
في قلب الميدان
لكنك شاركت وشارك معك الفنانون التشكيليون الشباب بشكل أو بآخر، انظر إلى هذه اللوحات التي تملأ جدران القاهرة والمدن الكبرى؟
بعد هدوء نسبي، دعيت من ائتلاف شباب التشكيليين إلى المشاركة في عمل لوحة أرضية في قلب ميدان التحرير، والشباب قد تولوا رسم الميادين والشوارع منذ اليوم الأول للثورة، لكنها كانت تجربتي الأولى معهم وقد ذكرتني بما كنا نفعله ونحن مثلهم زمن النكسة (1967) والرسم على الحوائط وشعارات النهوض.
فى الميدان وسط الحشد الهائل من الناس، وكل ركن من أركانه ينادي بمطالبه الثورية، ومنهم من يتجاوز إلى اللامنطق أحياناً ولا يعدم الميدان ـ أيضا ـ وجود من يدعي الثورية والقفز على الحبال كما يحدث فى كل ثورات العالم.
كان هدف الشباب التواجد من أجل التأكيد على سلمية الثورة وبهائها وتقريب المسافة بين الناس والفن. صدقني، أذهلني الحضور ومشاركة الناس، الكل يريد الرسم والتلوين حتى سألني رجل بسيط عن حاجتنا إلى خامات إضافية يشتريها من ماله الخاص رغم توافرها بما يفوق الحاجة إليها.
خامات بسيطة ليس لها قابلية البقاء وتنتهي خلال يومين على اقصى تقدير، ولوحة بمساحة 150 متراً مسطحاً بأكثر من خمسين فناناً وفنانة وأعمار مختلفة، حتى نقيب التشكيليين حمدي أبو المعاطي جاء ليشارك أمام جمهور الميدان من البسطاء. ساعتان من العمل المتواصل الرائع ومنتهى البهجة، خرجنا جميعاً من التجربة بقناعة ألا ينفصل الفن ثانية عن الناس والشوارع والحارات ووجوب العودة إلى دفء أهالينا.
كيف كان تأثير هذه التجربة عليك؟
ظننت أنني كبرت بعد أربعين عاما في الفن عملاً ومشـاهدة ومتابعة وفحصاً وتمحيصـاً وكتابة، حتى لقبوني بالأسـتاذ فتراخـيت وصـرت بطـيئاً مملاً، لكنـها الليلة وبدعـوة من ائتلاف شـباب التشـكيليين للمشاركة في رسم لوحة كبيرة المسـاحة وسـط الميدان ( 10×15 مترا ) تم إنجازها في اقل من ساعتين، بخامات بسيطة وسط بهجة ومحبة الناس ومشاهدة لا توصف.
كم صرت شاباً بهياً مستمتعاً بروح البراءة والبدايات؟، كم كنت منطلقاً سعيداً بهمة أصحاب الحماسة لخدمة ورفعة هذا الوطن الأكبر والأجمل الذي يستحق، الليلة صغرت عشرين عاماً أو يزيد، إنها عودة الروح إلى الوطن، ودعني أقول لك بأعلى الصوت: ملعون من يحبطهم ثانية أيا كان هو!!.
أعادت الثورة الفن التشكيلي لمتلقيه الأصلي في الشارع بعيداً عن الغرف والأتيليهات المغلقة؟
نعم أخرجت الثورة أحسن ما فينا، ودفعت بعدد كبير من شباب التشكيليين لإثبات ذواتهم والإحساس بالوجود وأهمية الفن ومشاركته حياة الناس، أعادت إليهم روح النهضة وعلة وجودهم، كما أخرجت فناً ظل حبيس جدارن اليأس ولا يعرف أحد عنه شيئاً اللهم إلا أهل الاختصاص، فانتشر فن الجرافيتي فوق الجدران وزاد من اقترابه وتفاعله بين الناس وعرف نوعه وأثره وتحاور حوله.
نعم، صرت الآن مطمئناً على الفن المصري عامة والتشكيلي منه على وجه الخصوص بعد أن أبعدوه عن الفعل والتفاعل مع الناس لسنوات تحت دعوى الحرمانية مرة وتجهيل العامة مرات، فقط نريد القليل من الجهد وسعة الصدر.
حدثنا عن جداريتك؟
أنهيت جداريتي الخاصة بالثورة أحبار على ورق (70×600 سم) واعتبرتها تحضيراً لجدارية كبرى أرجو الانتهاء منها قريبا، وأعمل الآن على الانتهاء من مراجعة البروفة النهائية لكتابي الجديد “حق الاختلاف ـ المسكوت عنه في الثقافة المصرية” وسيكون في الأسواق إن شاء الله على معرض الكتاب القادم (يناير 2012) ، أما عن مستقبل الثقافة في مصر، سأدهشك حين أحدثك عنها بعد الثورة في سطر واحد موجز: “الثقافة المصرية في طريقها إلى التجديد الشامل لخلق نقلة نوعية تختلف كلية عما سبق”، هي حركة التاريخ في إظهار العمق الحضاري لهذا الوطن، ولا يستطيع أحد مهما بلغ من قوة إيقاف حركة التاريخ.
محمد أحمد محمد
الاتحاد الثقافى الخميس 12 يناير 2012
مجاهد العزب يواصل ` حفريات العاشق` في معرضه بالقاهرة
معزوفة بصرية تجمع إيقاع الرسم والحفر والنحت على سطح الصورة
بتقنيته الفنية الفريدة التي تجمع على مسطح الصورة إيقاع الحفر والنحت والرسم معا، بحيث يصعب التمييز بينها، يواصل الفنان مجاهد العزب مشواره الفني مع التشكيل، كاشفا عن زوايا جمالية جديدة في معرضه ` من حفريات العاشق` المقام حاليا بأتيلييه القاهرة للفنون والآداب. لا يتخلى الفنان عن الأحبار خامته الأثيرة، لكنه في هذا المعرض يطعمها بغلالات رقيقة من ألوان الزيت، تتراءى على شكل علامات وخربشات وومضات خطية متنوعة في الخلفية، أو في شكل صبغة خفيفة تتناثر كغلاف رهيف على جسد التكوين، وهو ما جعل أشكال الرسم تبدو أكثر تكثيفا في اللوحات، وامتلاء بفتات الوجود اليومي، كما تنوعت حالات البشر في مسارب هذا الوجود الذي يشبه المتاهة، وأصبحت الأشكال تحلق بحيوية في فضاء سرمدي يغمرها الضوء من مساقط مباغتة، وفي الوقت نفسه، لا تخضع لنسب وقياسات فنية محددة، فهي مسكونة برغبات مبهمة عارمة، وأحلام مكبوتة تشدها للحياة.
ويهيمن جو من مناخ الطفولة في لوحات المعرض، يتباين في مقاربات فنية شيقة، فثمة خيط من ذكريات ما، يومض في حركة الشخوص، ويشكل مفتاحا سريا لملامحها وتكويناتها الظلية المهشرة، حتى إن الشخوص تبدو في الكثير من الأعمال وكأنها تفتش عن هذا المفتاح في فضاء اللوحة، وأيضا عن حوار مكتوم فقدت تراتبه المنطقي في الخارج.
ويتفاوت إيقاع هذا المناخ، فيتسع صداه في شكل نشيد جماعي في اللوحات ذات الحجوم الكبيرة التي تغص بالشخوص المتراصة والمتشابهة، ويتكثف في نبرة تأمل حادة تنعكس على مرآة الوجه في لوحات ` البورتريه` ، كما يتحول إلى نجوى خاصة في اللوحات التي تحتفي بثنائية الشخوص، مثل اللوحة التي تجسد أمًا ترافق طفلها بحنو، كما يلعب هذا الإيقاع على تيمة شخص واحد منفرد، لكن صورته تتعدد في تداعيات الظل، وجدل النور والعتمة في الخلفية، وكأن الظل مرآة عاكسة متعددة الأبعاد. ورغم تنوع إيقاع مناخات الطفولة في الحجم والفضاء، فإنه يظل بمثابة حارس لحرية وأزمنة هاربة من حياة الشخوص، تتنفس هواءها بجمالية جذابة في نسيج اللوحات. يركز الفنان على كل هذا بطريقة تلقائية، لا إرادية أحيانا، لكنه بتراكم الخبرة والتجربة، وطزاجة المخيلة، يضع دائما نقطة التوازن الحاسمة بصورة غير متوقعة، لتحكم بتناغم شفيف المسار بين اللون والحركة والفراغ، وتشد تداعياتها لمنطق اللوحة الداخلي، وهو منطق ينهض - فيما يبدو لي - على إشباع فعل الرسم أولا، وكيفية الانطلاق منه والبناء على الكتلة ووضعها في الزاوية والمكان الفاعلين على مسطح اللوحة، وكذلك خلق شبكة من العلاقات الحية بينها وشتى عناصر التكوين، تنضج وتنمي الكتلة، وتجعل الشكل يستوي جماليا على مسطح الصورة بشكل طبيعي، من دون تعسف أو مبالغة لإحداث ربكة بصرية فاترة خالية من أي معني حقيقي. وهو ما ينعكس على رسوم الوجه (البورتريه)، حيث يقبض الفنان على الملامح بإيحائية تميل إلى الغموض، الذي يبدو وكأنه صدى لانفعال أعمق، يكمن في عمق الرسم، وما يضمره الوجه من حقائق ودلالات أكثر تعقيدا وجمالا، تنبئ بها المظاهر والرتوش الخارجية للرسم نفسه.. إنه ينفعل بالوجه كحالة من حالات الحوار، تقف دائما على حافة الوضوح والغموض معا.
وفي اللوحات التي تتعدد فيها الشخوص، تنكسر حافة الوضوح والغموض، وتتخلص من إيقاعها المفرد في لوحات البورتريه، ونصبح إزاء حالة أخرى من التعاضد الفني، تتسم بقدر أكبر من الحميمية اللافتة، سواء في علاقة الفنان نفسه باللوحة، أو في علاقة الشخوص بفضائها الرجراج والصلد أيضا. يبرز هذا على نحو مغاير في إحدى لوحات المعرض، حيث تتراص مجموعة من الشخوص المتشابهة في البنية الجسدية، والمظهر الخارجي، لكن زوايا نظرها تتنوع ما بين الأعلى والأسفل، اليمين واليسار، بينما يقبع في الخلفية جدار داكن، يمتص ظلالها في صمت، لكن مع الاقتراب والبعد تحس بأن ثمة خروشة ما، تنبعث من هذه الظلال، وكأنها معادل بصري، يحفز العين لتتوغل أكثر فيما وراء الشخوص والجدار، لنواجه بصرخة وجود مستميتة ومكتومة تعبر عنها نظرات الشخوص الشاردة هنا وهناك، وكأننا إزاء مظاهرة جماعية لممارسة نوع من التطهير النفسي، في مواجهة واقع اختلط فيه الوهم بالحقيقة حتى أصبح التمييز بينهما بمثابة ضرب من الجنون .
جمال القصاص
الشرق الأوسط 27-2-2015
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث