`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
مينا صاروفيم
مقدمة لمعرض مرتقب
رجل يقول عن نفسه أنه فلاح وله الحق فى قول ذلك حسب جذورة ، فجده آخر حلقة سلالته من مزارعى القطن على ضفاف النيل قرب المنيا فى صعيد مصر ، المنيا فى العصر الفرعونى القديم فى الغالب ` منات ` ` خفور ` أى ` مربية الملك خوفو ` فرعون الهرم الكبير .
مينا من المنيا ، يا له من أصل ريفى ، نود أن نتصوره من ممثلى القدماء يحفر الحجر ، يصنع المناجل ويبنى مصر.
مينا صاروفيم
رجل يقول عن نفسه أنه فنان وله الحق فى قول ذلك حسب موهبته انها موهبة الرسم ، الرسم لمتعته الشخصية ولمتعة الآخرين ، ففرشة الفنان عامل جمال كحركة قدماء الفلاحين وقت الحصاد بنفس ايقاع النقوش الجنائزية القديمة ، يوازن فى أعماله التشكيلية بين الحقائق والرمزية ، وبين الأشكال التجريدية والأشكال التصويرية ، وبين ألوان من الطبيعة وألوان من الحلم ، وبين أسماء شعبية وأسماء راقية.
فاليوم إذا أحتاج الأمر إلى تضحية فى حصاد أعمالك فبكل قلبى وعلى منبر الصداقة يا عزيزى مينا أقوم بهذا الطقس .
جورج هنرى ديفير
9يوليو 1980
ثورة فى الرويعى
يحكى أنه فى قديم العصر والأوان وقع هذا الحادث فى إحدى الورش الصناعية المنتشرة فى الضواحى الشمالية ، إضطرابت المسامير البرشام واللولبية وهاجت الصواميل وغيرها ، وبلغوا درجة من الغليان جعلتهم يكتسبون القدرة على الكلام .وقالوا من بين ما قالوا لا يمكن الانتظار بعد هذا اليوم فقد طالت مدة إحتقار الإنسانية لنا فإنها لم تمنحنا حتى كرامة الآلات أو الأوانى وتكاد لا تعاملنا إلا هيئة كماليات ، إخبرنى ماذا يستطيع الشاكوش أو المفك أو المفتاح القيام به ؟ والواقع حقاً أنهم ليسوا أسعد منا حظاً ، فقد خصص أصحابنا وصناعنا فى مقاصفهم قاعات بأكملها لتمجيد أباريق النبيذ وأطباق الفواكه والحسائيات ولم تفوتهم أدوات المائدة أما بخصوص الآلات الموسيقية والأنسجة لست فى حاجة إلى ذكراها ، حقاً إنهم يمجدون الحروف والأشكال الهندسية ولكن ألا نمتاز نحن أيضاً بتاريخ قديم يتوغل فى الماضى ..أخبرينى ألم تكن ثمرة براعة مضت عليها القرون ؟
أليس لأشكالنا شيئاً تبوح به لصالحنا ،ألا تتألق تحت ضوء الشمس والمصابيح كما هو حال الأحجار الكريمة ؟ ما هو مصدر هذه التفرفة ومن أين تأتى ؟ سرعان ما بلغت موجة السخط هذه ورش أخرى لا سيما ورش الخردوات ، فثارت دوامات من الإبر والدبابيس ومن الأذرة من جميع الأنواع وسحابات تصفيف الشعر وأقامت جدران من المقصات ومن أدوات الحلاقة والأمشطة والفرش ، وغابات من الأقلام وحقول من علاقات الأوراق وجيوش من الآلات الكاتبة ، ومن فوق رفوفها صاحت الكابلات الصغيرة بصوتها الفضى قائلة : ` ماذا يفعلون بكل لوحاتهم اذا لم نكن تحت تصرفاتهم لتعليقها ؟ ` .
وفى جميع الأزرقة إنطلقت ضحكة خانقة سرعان ما إنتشرت وبلغت بسرعة محلات وسط المدينة الكبرى ، أخذت هذه الضحكة تزداد عدداً حتى تحولت إلى هزاء يرافقه صياح وتعالت الهتافات والتهديدات `
` نعم لا تنقصنا الوسائل سنذوب بين أصابعهم ونشكها وسنبيدها وسنحرقها ستتفك الأرض وتنهار منازلهم أما واجهات محلاتهم ستنفجر وستكتسح زوبعة مكونة من موادنا جميعاً قلاعهم وقصورهم وفنادقهم الشامخة ومراكزهم الثقافية وأسواقهم ` .
بدأ الهجوم وصار هديرهم يزداد قوة وصرامة ، هجر الحرفيون والعمال وحتى الكادرات العليا أعمالهم فى حالة ذهول ، ودوى فى المخازن الكبرى دوى الزجاج وهو يتحطم .
حينئذ هل الوسيط ، وسيط ولد فى بلاد الهيروغليف ، ولا ينتمى إلى سلاله الفلاحين فحسب ،بل يجرى فى عروقه دم الكتبة ووضع تحت تصرف المتمردين مساحات الفضاء أوقات الفراغ وميادين وحدائق ومسارح وملاعب وجدران وحواجز وساعدهم بكل وقار على ان يتخذوا اشكال التيجان وشراديب وفرق موسيقية وجوقات ونصوص فقد إستعان تارة بهم وتارة بظلالهم وأشباحهم وهكذا بدل العودة إلى صمتهم الذليل ، صار ضوضائهم أغنية وسحر وتحرير .
ميشيل بوتور
19أكتوبر 1988
مينا صاروفيم والتشكيل
- تظل الطاقة الإبداعية عند بعض الناس كامنة فى الأعماق مقصية ، تحت ركامات الحياة اليومية تمضى الموهبة الفنية جمرة مخفية . يستمع صاحبها إلى شتى الأصوات من حوله ، ويشارك بدوره فى الصخب ويكتم الصوت الداخلى فيتراجع شاء أم أبى إلى الغرف الخلفية ، ويقبع هناك منفياً . صوت الكمان الرقيق يضيع فى جلبة الطبول وآلات النفخ النحاسية ، ويمضى موكب الحياة بموسقاها المدوية ، وصياحها الذى يصم الآذان ثم تأتى لحظة من العمر ، تمضى فيه الأصداء المبتعدة إلى زوال ، ويبقى المرء عند مفرق الطريق وقد ترك لنفسه أول الأمر، تميد الأرض تحت قدميه فى وحدته ، ثم لا يلبث أن يلملم شتاته ، وينقب باحثاً من حوله وفى أعماقه . ويعرف الفنان حقيقة رصيده . الكمان الرقيق يهمس فى أذنيه بنغماته ، والجمرة المكنونة مازالت متقدة . تبث ، وقد انفض من حولها الرماد الدفء فى أوصاله ، وتطرد برد العزلة عن كيانه . ويعلو الصوت الداخلى .
- أمضى فناننا الصعيدى ( مينا صاروفيم ) حياة عريضة ، عرف فيها نجاحات ، وتبوأ مناصب ، وزار معارض ومتاحف ، وشارك فى محافل دولية ولقاءات رسمية ، ودبج تقارير ، وألقى خطباً واستمع إلى أخرى ، وركب الطائرات والسفن، وسافر إلى أقاصى الأرض ودانيها ، ومضى الصخب المدوخ اللذيذ يعلو من حوله ، والصوت الداخلى فى الوقت ذاته يصمت . ولكن شيئاً تعويضياً راح مع ذلك يحدث ، وأخذت عينا الفنان وحواسه كلها ترتشف العالم ، وتضيف إلى حصيلته تجارب تشكيلية عصرية ومن خلال دياليكتيكية خاصة به تماماً ، أخذ يختبر ويغربل ، ويضيف لمستقبل أيامه من الرؤى رصيداً فريداً ومبتكراً .
- وذات يوم قالوا له إنك بلغت سن الستين وأحلت إلى المعاش ، فترك منصبه بمنظمة الأغذية بالأمم المتحدة ، وانسحب إلى بيته على ضفاف النيل بالقاهرة . في خلوته هدأت روحه بعد صخب ، وسمع الصوت الداخلى الحبيب يسأله ` والآن ماذا سنفعل `؟.
- وراحت أنامل الموظف الكبير تلعب بالأشياء الصغيرة على مكتبه في قلق ، وهو يفكر كيف ستكون إجابته ، وأجاب بعد هنيهة :` لا أعرف ! ` تنهد ونبض من مكتبه يجوس أرجاء غرفته . ثم فى أرجاء البيت . لكن الصوت ما لبث أن عاد يقول له ` بل تعرف ! وذكره باللحظات الخاطفة التي كان يتنهد فيها عبثاً مبتسماً وهو يرى عملاً من أعمال الفن الحديث لمبرو أو كلى أو شويترز أو كاندينسكي ` ألم تكن تحس بالأرتياح إلى هذه الأعمال التى كنت تلتقى بها على عجل فى زحمة عملك ؟ ` وأوما ` مينا ` بالإيجاب . وعاد الصوت يقول ` قرأت من مراجع الفن ومجلاته أعمقها وأغزرها مادة . ألم تعرف مما قرأت وعانيت ما الفن حقاً ؟ ` رفع مينا عينيه وفيها غشاوة قلق وإرهاصة إدراك ، وقال `أولاً وبالأخص ، أن تكون صادقاً مع نفسك ` .
- وعاد الصوت يسأل ` وثانياً ؟ ` وجاءت الإجابة من مينا الحياة من حولنا ملآنة بالرؤى ومبارك من ينشر شباكه ويلقى بها إلى اليم . وعاد الصوت الداخلى مداعباً ` قد تخرج شبكتك بفردة حذاء قديم أو بعلبة صفيح صدئة ` برقت عينا مينا وقال ` ليس المهم ما تصطاد ، المهم هو ممارسة عملية الصيد فى ذاتها ` وأدار مينا بصره فيما حوله .. الأشياء ` الصغيرة التى لم يكترث بها من قبل كثيرة ، وما أعد للالقاء به إلى سلة المهملات لا يحصى . ألا تستدعى هذه الكائنات التدخل لإنتشالها ونصرتها؟ قد لا تكون قيمة الشئ فى فائدته بل فى طرافة شكله أو فيما يستدعيه إلى الذهن . وهب الصوت قائلاً ` ها أنت قد بدأت تعرف طريقك ، فامض .. العب فى أرجاء البيت .. كسر .. أجمع ما لم يجمعه من قبلك أحد ونسق . ابتدع تشكيلات جديدة ` اعترض مينا الصوت قائلاً فى توجس ( سوف يقول البعض عن أعمالى `ما هذه الفظاعة التى جاء مينا يجلبها ! ` ورد الصوت وستجد نفسك قد ملأت ساعاتك العجاف ، ونفضت الملل عن حياتك وصرت مبدعاً ). وقال مينا بثقة وإيمان ، وسأمضى أجود تشكيلاتى ، وأرقى بها إلى مدارج أعلى من الإتقان ، سأجلب لإخوانى البشر تشكيلات بهيجة طلية ، قد تبعث الأبتسامة إلى شفاهم إن لم تتوصل أيضا إلى انتزاع صيحة الإعجاب من حلوقهم . وسوف يمضون يتساءلون أمام تشكيلاتى : مم يتكون هذا التشكيل أو ذاك ؟ وسرعان ما سيتبينون أنها تشكيلات بنيت على أشياء عادية مما يلتقون به فى الاستعمال اليومى ` مضرب بيض ، قطاعة بطاطس ، كماشة ، نشابة ، كعب دوسيه لولبى ، مسمار صامولة كارتونة بيض ، أوراق تلكس مخرمة ، قاعدة كرسى خيزران ، موس حلاقة ، مثلث . سأل الصوت ` اسمعك تقول تشكيلاتى ، ولا تقول رسوماتى ` وأوضح مينا قائلا : ` إننى فى الواقع لا أرسم أو ألون إلا فى حدود ضيقة .. بل أنا أبدع تشكيلات ! أترك الأشياء ذاتها تتآلف وتتناغم أو تتحاور على مسطح . وأخرج من ذلك إلى عشاق فنى بما يرونه فى معارض وقد بلغ عددها منذ عام 1979 حتى الآن سبعة `.
- والآن ، حان لى أن أعلق بدورى على فن مينا صاروفيم ، فأقول إن عطاء هذا الفنان الذى وجد فى الفن ملاذا يعد تجربة إنسانية جديرة بالتقدير ولنقل معه إن الفن هو بالنسبة للإنسان مخرج من محن ونكسات وسقطات كثيرة ، ففى الفن عزاء ، فى الفن خلاص ، وفى الفن كبرياء . فى الفن رد اعتبار لكرامة الإنسان . فلماذا لا ننحنى جميعاً للفن احتراماً ونحرص عليه كشئ عزيز ونفيس ، رغم مظهره الوديع البسيط المتواضع ؟ ولماذا لا نستفيد من تجربة مينا صاروفيم ، المبدع الرائد ونقدم على ممارسة الفن فى أكثر من لحظة من لحظات حياتنا ، وبالأخص إذا ادلهمت أو ركدت أو لحقها نضوب ، فنحن على الدوام فى مسيرتنا اليومية بحاجة إلى ` تدريبات روحية ` من نوع ما أومأ إليه مينا صاروفيم . وهذا هو الدرس الكبير الذى يجدر أن نخرج به من لقائنا بهذا الفنان .
بقلم : د./ نعيم عطية
مجلة : إبداع العدد (2) فبراير 1989.
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث