`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
سعاد عبد الرسول محمود يوسف
عالم `سعاد عبد الرسول` المثير.. يجمع بين شرايين العقل البدائى والحس الميتافيزيقى
- بمناسبة الإقتناء الثانى للوحاتها من أحد متاحف أمريكا
- فى مراحلها الأولى افترشت عقل الانسان بالخرائط
- لوحتا ` الساحر` وعين الثور` تتواصلان كأن لهما لغة واحدة
- الفنانه البديعه`سعاد عبد الرسول` تُعد من أهم الفنانات المصريات المعاصرات، وقد إقتنى متحف `ورسيستر` للفنون بولاية ماساتشوستس فى الولايات المتحدة، الأسبوع الماضى، وللمرة الثانية، واحدة من أهم لوحتها بعنوان `علاقه إجباريه`.
- وسبق ذلك بشهور عرض كبير لأعمالها فى داكار بالسنغال فى جاليرى ` أوه أتش` وفى عاصمة جنوب إفريقيا `كيب تاون` وتبعه مشاركتها فى `آرمورى آرت فير` بنيويورك.
- تقفز سعاد بحدسية وإبداع داخل عالم اللوحة خارج مسلمات الرؤيه السهله، فمنذ أعوام قليلة كانت ترسم الداخلى لرأس المرأة وجسدها مخترقة الجلد الى اللا مرئى فى 2016، وسبق لها محاولة قراءة خرائط الجسد المعقدة إلى جانب إلصاق خرائطها الكولاجية لتغليف الرأس البشرى كخرائط تفسيرية عضوية لجغرافية بشريه فيما بين 2018 و2019 ثم تتحول بنسائها الخاضعات رمزياً لمسار خرائطى نفسى فى لوحاتها الأخيرة، حيث إختلطت داخله العلامة بالدلالة لتتحول نساءها إلى مجرد علامات تُحير ولا تُفسر..
- ربما هو نتاج تفاعل نساءها وآخرين أربكوا وجودهن.. وأربكو بوصلة سيرهن وخريطته.. ولتبدو نساءها فى لوحاتها الأخيرة فى وضع لا مستقر غير آمن رغم خروجها بهن الى الطبيعة البرية المفتوحة ربما لتختبر علاقة البشر بكائناتها بعيدا عن بنى الإنسان.
- تفكيكية الوجه وعجائنه
- ونساء`سعاد` يبدون واقعات بعنف بين حدي الروحى والجسدى لدرجة التفكك، لتعيد الفنانة تغليفهن بغلالات من الشفافية حتى نحتار بين ما بالداخل وبين ما يطفو على السطح وذلك لأنها بارعه تُجيد بمهاره الكشف والإخفاء على نفس المسطح ولنفس الوجوه والأجساد.
- وبتكرار رسم العيون بحس نفسى أكثر منه تكعيبى ناظره لأكثر من اتجاه اربكتنا سعاد كمشاهدين مثلما أربكت نسائها اللائى حمَّلتهن فوق طاقة إستيعابهن لما احدثته بهن، وإلى أى محيط ألقت بهن داخله حتى لم تعد للوجوه قدرة على التعبير.
- فسعاد تطمس التعبير فلا يلزمها تبرير الحكايه.. كما فى لوحاتها `من هذه المرأة؟`، `أريد أن أحب نفسى أكثر`، `أنا وظلى`، `سرى الخاص`، `من يشعر بى الآن؟`، `فمى لم يتكلم أبداً`، `مثل بومه وحيده`، و`حلمى`.
- لذلك، وجوه نساءها واجهة لا تكشف عما بالداخل وربما تكشف عن إمتزاج طبائع عدة، فبعض الوجوه كالعجائن متعددة العيون والوجنات فى إختلاط كأن الوجه نفسه فى متاهة وفقد طريقه، وبعض الوجوه فى تحول تشق جلودها دون تفعيل لأى عطاء.
- ربما لهذا كانت محاولتها تصوير وجوههن من أكثر من زاوية مع تعدد إتجاه النظرات اللامباليه داخل أجواء ميتافيزيقيه كأنها تراوح بين مسارين متقاطعين ومتشابكين أقرب للنفوس أوالوجوه المهجنة، ولبعض الوجوه غلاف شفيف كالقناع أوكإنسلاخات مفككة بصرياً حتى نكاد نرى الوجه مقسم إلى حجرات منفصلة الواحدة عن الأخرى توالدت عن عدة إنشطارات ربما لإستكشاف بيولوجيا الانسان المستسلم بينما الوعي فى مكان آخر.
- البدائية والميتافيزيقية
- أعتقد ان اللوحات الغابية البرية هى سياق جغرافى لخريطة روح الفنانه نفسها وليس لرسم مشهد طبيعى، ومن قبل كانت هى خريطة عقل لتتعايش مع بدائية مبهمة داخل أجواء سيريالية تجذب المشاهد تعطشا للبراءة ولمعرفة سبب وجود نسائها وسط هذه الأجواء التى بهن تطمح الفنانة لإنشاء خصوصيه حسها البدائى الذى أعتقد أنها مُهيأة له منذ بداياتها الميتافيزيقية التى أخلصت لها بشغف عبر مراحل سابقة لإستحضار عالم غير واقعى لتجعله يبدو واقعيا ملموسا.
- ولتقف سعاد بتجربتها خارج تيار الفن المصرى المعاصر المعاد تدويره فى سنواته القليلة الأخيرة بين الفنانين وأنصافهم، فهى تعمل بإثاره وشغف ولا تتشابه وأحد، وكالشائع مؤخراً سيحاول آخرون السطو على عالمها المتفرد وطزاجة بدائيته كإتجاه فني يخصها لكن سيصعب عليهم جداً تقليد جودة روحها الميتافيزيقية.
- وللفنانة قدرة على إستحضار ضوء غروبى شاحب بألوان صريحه، وأيضاً نور قمرى بارد داخله وجود بشرى حى لا ينفصل عن الغابي المكان والمعنى لنشعر أمام لوحاتها بأننا جميعاً بدائيوا القرابة، وكأن كل كائن حى اليوم يمثل إمتداد عضوى ونفسى غير منقطع مع أول كائن بدائى ظهر على الكوكب.
- وتأتى`سعاد` لتمد الخيط الشبه منقطع بعد `هنرى روسو` وتفتح أبوابا جديدة لعالم أوصدناه في وجه الطبيعة الفطرية المفرطة بهواجسها وعزلتها وميتافيزيقيتها خارج زمننا الواقعى، ويمكننا إستشعار تلك الأجواء فى لوحات مثل: `النهر` 2020، حيث إمرأه مستلقية فى استسلام منعزلة داخل جوف قارب صغير متحرك كجزيرة داخل مجرى مائى بين الباردين الأزرق والأخضر برتابة إيقاع مائى بطئ وكأن روح المرأة والطبيعه وغابتها وماءها كلا لا ينفصل، بينما تشبث عصفور صغير بأعلى مقدمة يمين اللوحة وقبضت المرأة بيدها على ما تبقى من حياة سابقة لأغصان مقطوعة، هذه اللوحة غامضة ويزيدها غموضا الضوء القمري البارد وتحديق المرأة بعينيها إلى لاشئ.
- وأمام مشهد آخر لغابات إحدى لوحاتها ستدهشنا أشجارها التى تكاد تتنفس، وأشجار أخرى أنبتت رؤوس بشريه كما فى `شجرة الرجال` 2020، وجميع الرؤوس والعيون بإتجاه المشاهد، وكأننا أمام خشبة مسرح تعلوها جذوع جافة لشجرة مغموسة فى الماء ورؤوس بشر تتوسطهم إمرأة بثوب أبيض شفاف وبيدها كوب يسيل مائه.
- وفى لوحتين أخريتين تحتضن المرأة تمساحا أصفر ملتصقا بها وتتوسط مياه فى لوحة بعنوان `المرأة التى أحبت تمساح أصفر` وعرضت هذه اللوحة فى معرض يوم المرأة العالمى بجنوب أفريقيا، ويتكرر التمساح فى لوحة اخرى تحتضنه المرأة فى `المرأة الصيادة` 2021.
- تواصل عينى الساحر وعيني الثور
- لوحة `الساحر` 2021 أراها أحد أكمل لوحاتها إبهاراً، وهى احدى مقتنيات متحف `تشازين`، وعنها قالت الفنانة: `للمرة الثالثة أو الرابعة لا أعلم تحديدًا كل ما يهم انني جسد تم تخديره بمهارة إلا العينين، جسد يتم تجزئته علي مهل`.
- عينا `الساحر` تنظر الينا كمشاهدين وهى ذات نظرات العيون الأربعة المتكرره فى لوحتها `عيون الثور` 2020 بذات اللا تعبير وبذات الفم المتكرر الذى يظهر فى إحداهما أسناناً وفى الأخرى لسانا، وفى `عيون الثور` نرى ثور وسط الماء متعلقة به إمرأة تنزلق عن ظهره ترتدى الشفاف الأبيض الذى لا يخفى شئ وخلفهما أوراق شجيرات عملاقة وينظر كلا من المرأة والثور إلى المشاهد وقد إتخذ وجه المرأة نفس تضاريس رأس الثور لتبدو العلاقه بينهما غير مريحة تذكرنا بخرافة وحش البحيره بإتجاه فوضى مشاعرهما.
- أما نظرة عيون الثور المحدقه فى إلتفاتته إستشعرتها تتواصل ونظرة عيني الساحر فى لوحته المنفصلة وكأن لكلاهما لغة واحدة، الساحر يبدو تمثيلياً بشكل إيمائى فى اللوحة وقد أمسك بغطاء شفاف يرفعه عن المرأة المستلقاة أمامه منكمشة فى إستسلام فوق منضدة كمناضد التشريح تنظر الينا ولا تتوقع مساعدة، لنستشعر حيث ينتهى خيالنا لما سيحدث حين يبدأ السحر فى تلك اللحظة التى يترقبها الساحر والثور.
- ومثلما جسد المرأة المباح فى لوحة الساحر يبدو كلغز ينتهك استسلام المرأة بالشعوذة والخداع، كذلك فى لوحة الثور والمرأة يبدوان دون خداع بالتركيز الصريح على الجسدية والقوى البدائية، وخفة الحركة ليمثل الثور كلا من السمات الإيجابية والسلبية للطبيعة الحيوانية البشرية، وكأن لـ`الساحر` `والثور` روح لكائن واحدا منفصل فى لوحتين.
- شراكة الغراب للمرأة
- كثير من لوحات الفنانه رسمت الغراب شريك أساسى لنساءها وملاصق لهن، منهم أربع لوحات عرضت فى`آرت دبى` مارس 2022، وهم `المرأة والغراب` 2021، `أنا وظلى` 2022، `أنا والغراب` 2021، `أحلام منتصف الصيف` 2022، `سرى الخاص` 2021، ورغم ان الغراب يوحى بالعزلة والغموض وصاحبَّه إعتقاد ساد أجيال من شعوب قديمه بأنه نذير شؤوم وانه يحمل روح الميت إلى أرض الموتى، فهل هو فى لوحات سعاد فال سئ أم طائر يُساء فهمه؟ أم هو يقوم بمهامه التى ذاعت عنه قديما بنقل أرواح نسائه الباديات كالموتى رغم أنه ملتصق بهن فى ألفه بل ويحمل للمرأة بمنقاره فرع نبات مورق فهو يُصاحبهن ويهتم بهن، إلا أن الفنانه ربطت بين كائينن مختلفين لتزداد كثافة تحميل لوحاتها بالرمز، حتى أنه رمزيا من تعدد وجود الغراب فى لوحاتها بدت لى غربانها كرجال في ملابس السهرة السوداء فى أجواء مغمورة بصوت النعيق واللون الأسود رغم الغصن العالق بالمنقار.
- الشفافية واللون
- بالرغم من ألوان اللوحات الصريحه فى بعض المناطق إلا ان العتمة كثيفة الضغط حول عناصر اللوحة، حتى عتمة الوجوه بدت كأخاديد تفصلها ظلال الاسود فى رفقة الشفافية معا.
- أعتقد أنه لو كان هناك ضغط أكثر من الفنانة على الأسود لأختفى تماماً أو بدى منزلقا بين الحضور واللاحضور.
- وسعاد تخفى ولا تخفى لتكون أكثر إيضاحًا ودفعاً للعين والذهن ليعملا معا، ويحدث هذا فى كثير من لوحاتها مثل`الساحر` إلى `تماسيح النيل`، `أنا والغراب`، `أريد أن أحب نفسى أكثر`، `ميلاد فينوس`، `المرأة التى أحبت التمساح`، `تماسيح النيل` 2021، وفى هذه اللوحة الأخيرة الضوء القمرى زاد من شفافية رداء أبيض لإمرأة تجلس فوق صخرة وسط مياه تحيطها ثلاثة رؤوس رجالية بلا أجساد، والماء يبدو كموجة محتضرة ساكنة تحيطها سيقان الصبار لتشكل تجمعا غامضا غير مريح، هذا المشهد ندرك منه الجانب الشبحى المتعارض مع ضوء القمر الغامر لغلالة المرأة، والجانب الآخر هى حالة ميتافيزيقية لهذه التركيبة البشرية المائية النباتية.
- أما ألوانها فهى بدائية عنيدة ودافئة، وفى بعض لوحاتها الليلية يبدو اللون مختلفًا من الأخضر والأزرق والبنى وقد يومض الجو بلون رمادى فضى كأنه وقت تحول الألوان أو ميلادها الفجرى حيث يضوى البنفسجى والذهبى، وكلما إبتعد الأزرق إلى خلفية اللوحة إزداد بروده وبدى كنور خافت يجمع بين البارد والدافئ البنى، بينما يظل الأصفر النادر هو طاقة اللوحة فى حالتها البدائية.
- رغم هذا داخل لوحاتها تتنفس ألوانها جميعاً بصعوبة متسلقة الضوء المتحرك بطيئا إلى عمق اللوحة كما لو أن داخل عمق لوحاتها حياة ليلية أخرى غير سعيده تتباين وأزرقها البارد وأبيضها الشفاف، وبهذه الشفافية للمادة أرى الفنانه تكمل ما كانت تخترقه بخطوط أقلامها فى مراحلها الأولى لشق جدار الجسد لتكشف عن أجهزته الداخلية التى تمده بالحياة فى مشاهد تشريحية للقلب والرئه والهيكل البشرى توقاً منها كى تدرك اللا مرئى والذى يظهر متناثراً فى لوحاتها مثلما ظهرت مفردة الأوردة المتفرعة والشرايين فى `عبور النهر` 2021 لتذكير المشاهد بالرابطة الحيوية بين حياتنا الداخلية الفيزيقية والعالم الخارجي الذي نعيش فيه والذى حاولت تقديمه قبلاً ورسم خريطته
- زمن مُعلق
- يسود ضوء شاحب غروبى وضوء خلفى يتعال على ضوء وانسحاب وتبديل اماكن مستمر داخل إضاءات المشهد وإضاءات الوجه الواحد لنكاد نرى الضوء يتوارى من الوجه أمامنا، ولأن الضوء فى لوحاتها ينير دون دفء فربما قصدت به دلالة عن الوعى الحائر بتحولات الإضاءة المسائية النهارية الشاحبة الباردة كأن الزمن معلق بلا حراك بين ضوئين معلقين داخل برزخ بين الاخفاء والافصاح الذهنى، وكثير من أسماء اللوحات تكشف عن زمنها المُعلق لتبدو كعنوان موازي لمضمون العمل كأننا نرى أعمالها مرتين.
- ولتكشف عناوين أعمالها كأنها تقول كل شيء بينما يبدو وكأنها لا تقول شيئًا بل تضع حاجزا من الهواء الثقيل لا يتخطاه المشاهد، كأن إضاءاتها الشاحبه إحدى وسائلها لإبقاء المشاهد على مسافة زمنية من أعمالها حتى يصعب علينا إدراك كائنها بأكمله في وقت واحد داخل ظلال الضوء والزمن لتجبرنا على إدراكه جزءًا تلو الآخر.
- ولتجبرنا `سعاد` أيضاً على مداومة التساؤل عن أين وإلى أي مدى؟ ثم تدفعنا بالإشفاق على عالمها وهو جزء منها بالتساؤل: `هل مع كل تلك المهارة ألم يكن هناك تعويذة تجعلك سعيدة؟، يجب أن يكون هناك شخص ما قد اخترع ولو تعويذة سعادة واحدة لك ولنا`.
بقلم : فاطمة على
جريدة : القاهرة 20-12-2022
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث