`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمد رضا عبد السلام صدقة
الفن والحياة وتحقيقهما فى أعمال رضا عبد السلام
- قابلت رضا وتكلمت واستمعت إليه فى البداية كانت عملية تحييد العمل وهو أمر يتكرر كثيراً حين نتقابل وجهاً لوجه مع أعمال أحد الفنانين لأول مرة فى غياب بعض المعلومات أعتقد أنه من الصعوبة البالغة أن نحكم على عمل إن لم نكن على معرفة بالمبدع ومن هذه الناحية فإنى أرى أن تاريخ رضا ذو علاقة وطيدة بالموضوع وخصوصاً الجزء الخاص من تاريخ حياته الذى سبق وصوله إلى عالم الفن، الجزء الذى مارس فيه عمله كميكانيكى سيارات، ثم كجندى، ثم طالب بالفنون الجميلة لقد قال رضا : `إن لم يعرف المرء الحياة فإنه لا يعرف الفن` وقد وجد رضا الفرصة لاكتشاف الحياة وهذا أحد أسباب إيمانى بفنه .
- وحين نتحدث عن الفن فى لوحات `رضا ` نجد أن أولى نقاط حديثنا لابد أن تكون - الإطار - إن محاولات الفنان التدريجية فى إتجاه إعادة تحديد المساحة المرسومة واضحة فى أعماله الأولى والتى نثر فيها اللون فوق الإطار رغبة فى تجنب الحدود الصارخة للسطح المستطيل وحتى المرحلة التى كان فيها جزء من الإطار مؤكد بواسطة حواف ملونة، مكوناً تضاداً مع الأجزاء الأخرى الحرة فى التكوين وفى آخر أعماله التى تتجاهل فيها ضربات الفرشاه المتوهجة أية حدود للتشكيل البناء فى الأعمال الأولى كان متماثلاً فى حين أن الأعمال الأخيرة تتجه خطوة نحو اللاتكوين ، رغبة فى إزالة الاستقرار العام للسطح ولذلك فان منطق التنظيم الداخلى للوحة يعد جزءاً من التكوين، اتبع طريقه الخاص المتطور وفق مخطط منتظم متماثل أو متعامد الى تكوين راسخ على الرغم من أن شبكة الخطوط لا تتبع أى نظام هندسى بعينه وإنما من منطق داخلى ذى معنى خاص والعملية ككل لا يمكن إدراكها على السطح فقط ولكن أيضاً فى عمقها الإيحائى وتعدد الأسطح وتداخلها فتكرارها بطريقة ميكانيكية بحتة - تضفى على أعمال رضا الأخيرة روحاً ومعنىً .. وإلى جانب محاولاته لإعادة تحديد الإطار فإنه كان يكافح بوضوح وفى دمجه لتلك المتضادات الواضحة فإن رضا يلحق بركب الفنانين الذين حاولوا منذ أوائل الثمانينات أن يحدثوا تقارباً بين الخبرات الفنية القديمة وربطها بالأجيال الجديدة .
- فى لوحاته سوف نتعرف ( فى داخل إطار التجربة العامة لما بعد الحداثة ) على النزوات الأولى للتكعيبيين - وخصوصاً تلك التى تذكرنا بخوان جريس - والتعبيرية التجريدية من بولوك إلى فيدوفا أو الوحشية الألمانية الحديثة واللاشكلية واتجاهات ما بعد اللاشكلية مع بعض ملامح تقاليد الفن الإسلامى ( الألوان وظهور الشكل الإنسانى والمعالجة الخاصة للنموذج ) كل تلك الخبرات فى كيان واضح ومتميز ولذلك فإننى أشعر بلوحات رضا عبد السلام وفنه ككائن حى يتنفس، حر فى التعبير ،غير مقيد بحدود غير حدوده الخاصة، إنه يتبع منطقه الخاص الداخلى الحقيقى الغير متكلف ولذلك فهو أصيل .
برسلافى فالوشيك - ناقد تشكيلى كرواتى


- أقام الدكتور رضا عبد السلام، معرضا، قدم به مجموعة من أعماله الصغيرة الحجم في معرضه الأخير، مثلت رحلة في مراحله المختلفة وتقنياته المتنوعة .؟
-عرض عبد السلام حوالى 29 لوحة، هى نماذج من مجموعاته الفنية المختلفة، التي أنتجها في فترات زمنية مختلفة، بعضها تمثل مرحلة فترة التسعينيات، والبعض الآخر فيما بعد عام 2000، فنجد إحدي مجموعاته تتناول تقنية مزدوجة ما بين التصوير ورسوم الأسطح المختلفة ، والتصوير الجداري - بحكم مجال تخصصه - حيث التعايش بين نمطين مختلفين من نسيج واحد، فى صياغة موضوعات ذات طابع رمزى .
- وفي مجموعة أخري من اللوحات، عرض نماذج من معرضه `داخل الدائرة `، الذي أقامة في مجمع الفنون عام2001 ، والتى عرضت فى مجموعات كبيرة - وقتها - إما بشكل فردى، أو في هيئة مجاميع `أنيستليشن علي الحائط ` مكونة من 20 إلي30 لوحة، وشكلت رؤية ونسيجًا واحدًا ومضمونًا شكليا وجماليا ذا طابع رمزى .
- تأثر الفنان في بعض أعماله بالفن الفرعونى، الذي أغرم بثقافته وحضارته، حيث كان يقف أمامه بانبهار واندهاش، محاولا تعلم لغة الشكل والمضمون، وصياغة عناصره ومفرداته برؤية معاصرة، تتوافق مع وجهة نظره الشخصية فى الحياة الإنسانية المعاصرة التي نعيشها .
-أما عن مجموعته `الكولاج ` التى عرضها، فقد يعتبرها الفنان ثقافة العصر فى الصناعة والتكنولوجيا والاقتصاد والسياسة وغيرها، حيث المزاوجة بين وسائط مختلفة، كاستخدامه لوحات رسمها ثم قطعها وأعاد لصقها من جديد، أو تجميع أكثر من لوحتين فوق بعضهما البعض، لتعطى بعدًا ثالثًا للعمل في أكثر من مستوى علي السطح، فهو يفتح مجال الرؤية ليذيب الحدود تماما ويزيلها، بحيث تستوعب المساحة أيا كان حجمها واتساعها أفكاره الكثيرة، وتقنياته وأساليبه المختلفة داخل مساحة اللوحة الواحدة، مقترنة ببصمته الخاصة، فهو يصيغ تلك الأعمال فى حالة من الاعتراض أو تجاوز المسطح أو الرؤية المألوفة للشكل الواحد، حتى ولو كانت ذات شكل معتاد، أيا كانت صياغته، سواء حداثية أوغيرها تحتاج تمهيدًا لقراءتها، فهو يضيف لوحة من فوق أخري ليزيد من حالة الدهشة والغرابة، فيمنح العمل ميتافيزيقية جديدة للرؤية، بحيث يكون الشكل والمحتوي غير مألوفين وغير اعتياديين، مما يتطلب من المتلقي قدرًا من الاهتمام والتأنى لقراءة العمل جماليا وبصريا، حتى يستوعب محتواة ومضمونه.
- يقول الفنان عن المعرض : عرضت هذه المجموعات الصغيرة من اللوحات لتتلاءم مع سعة المكان وارتفاع الأسقف، والمحيط الفراغى للقاعة، فأنا لا أنتج هذه الأعمال كى أصعب لغة الفن على الناس، لكن لكل فن لغته الخاصة، ومن حق كل فنان أن يصيغ عالمه ورؤيته وخبرته وتجاربه بالطريقة التى يراها مناسبة للتعبير، ليرتفع بمستوى اللغة البصرية حتي يستطيع الناس قراءتها، والرقى أيضا بمحو أميتهم البصرية، كى يمتلكون القدرة على قراءة العمل أو الإحساس به أو تفهمه أو محاولة إدراكه وفك طلاسمه، فالفن لم يكن صعبًا للغاية، لكن أي لغة جديدة كي يقرؤها الإنسان لابد أن يتعلم أبجديتها، وهذه مسئولية جماعية ومشتركة بين الفنان والمجتمع والناقد والإعلام، كل منا يطلع بدوره.
بقلم : رهام محمود
مجلة روزاليوسف - 2010
رضا عبد السلام بين المسطح والجسم
- فى تنشيط بصرى خلخل لوحاته من الداخل وتردد صداها فى تركيباته بالخارج
فى معرضه المقام بقاعة الباب بمتحف الفن المصرى الحديث أقام الفنان رضا عبد السلام معرضه السابع والعشرين بين لوحات التصوير والتركيبات المجسمة صغيرة الحجم وفى مساحة واحدة قدم الفنان تداعيات بصرية بين المجالين وسأبدأ بأعمال التصوير التى أقام بنائيتها التكعيبية من الداخل حيث شق فراغا داخل اللوحة أحاطه بشبكة من الخطوط جعلته كالمكعب المفرغ بحدود خطيه جعلت محيطاته الداخلية حاملة لمنهج التكعيبيين ومحتفظا بالفراغ الداخلى ومشظيا لأجزاء البناء إلى تركيبات هندسية ومثلثات كأنه يسقط منظور رؤية فوق خيمة خاصة داخل اللوحة وخارجها أيضا كأنها باب مفتوح نرى من الداخل ومن الخارج ووسط المادة الملونة ليحدث خلخلة فى رؤية اللوحة قاصدا بها التنبيه إلى البنائية الهندسية التى قد تظهر وسط المسطح فى كل الأحوال فى تضاد كى يدفع للتنشيط البصرى بين الساكن والمتحرك يساعده حيوية الخط واللون معا فمن وسط تجريديته التعبيرية ظهرت التكعيبية البنائية كأنه يهتم ومعجب بأسلوب الكولاج الذى يقيمه باللون والخط داخل اللوحة بمنطوق هندسى ذهنى مثلما أقام رينيه مارجريت داخل لوحاته كولاجة على المسطح باعتماده على الخداع البصرى فى إقامة علاقتين غير منطقتين برؤية سيريالية وقد أخضع رضا لوحاته للكشط اللونى بأدوات رسم عريضة وقاسية فى تعاملها واللون ليعطى المسطح ملمسا حيويا خشنا وأيضا استفزازيا .
وفى المعرض وأمام وبجوار اللوحات أقام الفنان بشكل مجسم مخروطات أعماله التركيبية التى فى مقابل خطوط لوحاته الحادة أوحت بالنزعة الصوفية منجزة بخامات مختلفة لها سمة البنائية كأشياء للتأمل والاستغراق فهى تعتمد على تركيز مفهوم التركيب المعمارى وأيضا على تجربة الفنان القائمة على التركيبات الميكانيكية مع إضافة ذكية لمحفوراته الخشبية والمخروطية بما لها من حس بدائى فطرى بما يتناقض وتركيبته الميكانيكية الحديدية فى أجزاء أخرى فى نفس البناء التركيبى بما لا يفرض رؤية محدودة أو محددة لمغزى العمل أو ما سيبلغه فى الفضاء المحيط إلى جانب شيئيتها فى ذاتها خاصة مع الإعتماد على نزعة الفنان رضا التركيبية فى تعامله مع صورة الخامة الفطرية ليقدمها مركزة مقطرة على هيئة سحرية غامضة لذلك ليس لأعماله المجسمة خلفية أو واجهة بل كل جانب هو واجهة وخلفية لأعمال ليست تجريدية ولا تشخيصية بل هى تركيبات لأشكال تبرز طبيعة متأنية متسقة وألوانها ومحاورها التركيبية كما أن الفنان رضا كالسيرياليين بما لديهم من وعى قوى بالقوة الكامنة فى الأشياء أو القطع المهملة أو اللامستعملة التى يجدونها بالصدفة كذلك رضا عبد السلام لا ترضيه القطع الجاهزة بل يرضيه أن يعيد صياغة ذلك الوجود بنفسه ليضعها فى سياق غير متوقع وليس نفعيا بل جماليا ملهما بدائيا لا زمنيا رغم أن كل قطعة لها زمنها الخاص الكامن وقتما كان لها استعمال نفعى ولها خصوصيتها الملمسية رغم الألوان التى ربطت بينها وبين التصوير فوق الجدران أمامها وخلفها فى ذات الوقت .
فى أعمال الفنان رضا عبد السلام يتوالد الغموض بذلك الشحن المحمل بقدر كبير من الخيال لتبوح بنتائج غير متوقعة كليا فالعمل التركيبى النحتى يتحول بغتة ودون رغبة المشاهد إلى هوية وكيان فجائى الهوية أثناء لحظة المشاهدة ليكشف عن درامية كامنة جعلت من منحوتاته جزءا من شبكة فضائية تتراسل وفضاء قاعة الباب مكونة فراغات فيها من العناصر ذاتها أى لو تخيلنا الأشكال النحتية هى الأشكال المفرغة داخل قاعة مصمتة لتبدو متجاوبة فى بيئتها الجديدة التى تتوالد عن الوهم البصرى الذى ننتخلص منه مع إدراكنا أننا داخل فضاء حقيقى يكون هو أكثر قوة وخصوصية فى مقابل اللوحات الملونة فوق الجدران .
الناقدة فاطمة على
جريدة القاهرة 2013
مازال الأسود البطل فى أعمال رضا عبد السلام
- كانت صفارات الإنذار وأصوات سيارات الإسعاف تدوى فى الوقت الذى توقظ اطارات سيارتى أسفلت الشارع الهادئ فى طريقى إلى معرض الفنان` رضا عبد السلام` الذى يدعوك إلى حالة فنية صاخبة بمجرد الولوج داخل جاليرى النيل بشارع المنتزه على حافة جزيرة الزمالك ` شارع المحبين` يدفعك الفنان دفعا إلى أن تطالع عالما من الألوان والخامات والاضاءات الموحية الدرامية فى تناغم مع اسم معرضه البحث عن البهجة فى الأزمنة المنسية ` لكن مفتاح مشاهدة المعرض لابد من الاضاءة على المفاهيم الجديدة التى تحدد المنطلقات الاساسية للفنون التشكيلية الحديثة وتوضح غايتها.
بعد أن تبدلت وسائلها التعبيرية كلها وتنوعت مفرداتها فلم يعد التصوير يقتصر على تمثيل العالم المرئى لينقل إلينا صورة عنه تقابل ما تكون لدينا معرفة بظواهر الأشياء ولكنه بات تجسيدا للحركة ` الحركة الآلية` أو الفعل ولم يعد اللون بالضرورة مطابقا لمظاهر الأشياء كما تراها العين اكتسب منذ ما بعد الانطباعية وبخاصة مع فان جوخ وجوجان- قيما ذاتية تسهم ليس فى نقل الطبيعة كما هى بل فى اعادة بنائها وخلقها من جديد .
هكذا اكتسبت اللوحة قيمة ذاتية كأسلوب وطريقة معالجة بعد أن أصبحت بحد ذاتها هدفا بل موضوعا لا تقاس قيمته بالنسبة للشئ الذى يمثله وتخطت النموذج الذى صاغه عصر النهضة الأوربية لتقدم لنا نماذج جديدة تعبر بدورها عن ادراك الفنان للعالم وعن مقدرته عن خلق العالم وتغييره لذلك فإن الفنون الحديثة على تنوعها وتمايزها وتعدد اتجاهاتها ومصادرها متشابهة فى منطلقاتها الأساسية وتجمع بينها إرادة التجديد والتحول الدائمين استنادا الى واقع متغير .
جاء المعرض فى مستويين المستوى الأول: مجموعة فنية بلغة عالية من التصوير `الرسم الملون ` تأتى امتدادا طبيعيا لأسلوب الفنان منذ بداياته الأولى ذلك الأسلوب الذى يجمع بين التعبيرية والواقعية الرمزية على نحو حاد وجرأة فى استخدام اللون الأسود وأحيانا عنيف لدرجة حشر عناصر المشهد البصرى ولوحاته بوحدات بصرية قسرا معبرة عن صورة جديدة للواقع المعاصر صورة ناقدة رافضة ساخرة وملتزمة أحيانا عبثية تسجيلية وحيادية أحيانا أخرى .
حيث يأتى السرد انعكاسا لزمن العشوائية، والفوضى الخلاقة وإن كان الفنان حرر التأليف من القيود السائدة والمألوفة للتناول عند أقرانه، فينفرد بطرق وأساليب تميزه بعد أن أخضع العناصر البصرية لقانونه الخاص، وكسر أشكاله الهندسية، وتحولت معه إلى نموذج يعبر مستخدما خطا عنيفا اضافة الى اللون معبرا عن بنية فعل وعن ارادة خلق .
فقد سعى الفنان من أجل التوصل إلى أفضل أشكال التعبير باعتبار الفن عملا اجتماعيا اتصاليا والأسلوب هو الشخص نفسه، وفى محاولته صناعة جسر اتصالى يساهم فى أن يجعل من فردية الفنان اجتماعية بدأ من قمة نظرية ` فيشر ` عندما قال فى كتابه ` ضرورة الفن ` : الأسلوب ، يساهم فى أن يجعل من فردية الفنان اجتماعية وذلك بعد أن يكون قد تعرف على تجارب الآخرين وأصبح بمقدوره ` التحكم فى التجربة، وأن يحول هذه التجربة إلى ذكرى ويحول الذكرى إلى تعبير ويحول المادة إلى شكل ` بينما الفنان رضا عبد السلام بدأ من الذكرى .
أما المستوى الثانى فهو عبارة عن استخدام أشياء مهملة أو نفايات متنوعة واعادة تدويها وتقديمها فى بيئة جديدة ومنها: طاولات أكل الطعام المعروفة فى العامية بـ ` الطبلية ` ، لكن الفنان أعاد صياغتها عى نحو جديد فانتازى مبهج مستخدما كل الخامات الممكنة وغير الممكنة كأعمال فنية لا وظيفية لها أو رسالة سوى تحديد نفسها لتلتقى مع ` الفن المفاهيمى` باعتبارها رسالة غامضة من الفنان إلى جمهور فى ذهول وهى تشير الى التبدل الكلى فى العلاقات التقليدية فى العمل الفنى بين الفكرة والتعبير إذا تصبح الفكرة الهدف الفعلى بدلا من العمل الفنى نفسه .
يلتقى` رضا عبد السلام ` مع رغبة الفنان المعاصر فى تشييد لوحته، وتخطى المقاييس الكلاسيكية الجامدة وبلوغ أهدافه، منطلقا ليس فقط من الظواهر الحسية بل من المعاناة الحية لواقع جديد ومن التجربة الملازمة للفن الحديث التجربة التى قادته الى الاستنباط والخلق ومقابلات تشكيلية قادرة على التعبير ، فقد لجأ الفنان إلى كل فنون الصنعة حتى يرتب قيما جمالية مختلفة ومبهرة باحثا عن البهجة فى الدفاتر القديمة لكنه جعل مصدر البهجة الوحيد يأتى من الماضى .
رضا عبد السلام ` ابن شط قناة السويس ` وبالتحديد مدينة السويس التى عرفت فى الوجدان الشعبى بالمدينة الصامدة قد عاكسته ظروف حياتية صعبة فاضطر إلى الالتحاق بأعمال بسيطة كثيرة فى فترة صباه وشبابه منها ما تتعلق دوافعه بأسباب اقتصادية وأخرى تمثل فيها معنى ومنطلقات سياسية كان يعمل ضمن صفوف عمال مصنع فى زمن الاشتراكية إلى أن وجد ضالته فى التحاقه بكلية الفنون الجميلة وتخرج فيها العام 1977 بل ويحصل من نفس الكلية على الدكتوراه التى قام فيها بمهمة تدريس الفنون تلك المهمة التى يحبها لكن الحياة الثقافية والفنية عرفته أيضا رساما صحفيا بأسلوب متحرر من خلال مطبوعات دار الهلال كمجلة المصور كما عرفته صاحب نزعة تعبيرية من خلال رسوم تعكس انفعالات بأقصى إمكانات فى التخطيطات لكن باللون الواحد وهو الحبر الشينى حيث اتسمت لوحات هذه المرحلة بالتلقائية والعقوبة المنهجة .
يعشق رضا عبد السلام الدخول فى دوائر توترات النفس الإنسانية وتجلى الجميل وتداعيات الذاكرة والحلم وعلى الرغم من تعدد مراحله الفنية وتنوع الموضوعات والقيم الجمالية المستهدفة ظل الإنسان محور كل هذه المراحل وربط بينها اعتماد ` رضا ` على الخط تأثرا بفنون الحضارات التى تأسست على البناء المعمارى للعمل الفنى عبر بنيان وخطوط قوية معبرة والحرص على وجود أصل لكل الأشياء المتخيلة فيما احتل الخط دور البطولة بجانب اللون .
لقد كان لجمع ` رضا عبد السلام ` بين العمل الفنى الصحفى وعالمه الإبداعى الخالص فى لقائه مع الألوان الطازجة الحية أكبر الأثر فى ثقافته الفنية الموسوعية واحتكاكه بأهل الفكر ورجال ونساء عالم الصحافة كما هيأ المناخ الصحفى له فرصة الإطلاع على الثقافات الأخرى وأيضا على أحدث ما تفرزه العقول فى العالم من إبداعات فى نفس اللحظة وهى الميزة التى جعلته فنانا حديثا مجربا مقتحما باستمرار لعوالم جديدة وأن ظل محتفظا بالمنطلقات الأساسية للفن المصرى القديم سواء من حيث الصرحية والامتداد الأفقى أو وجود فضاءات وفراغات فى نفس الوقت الذى تأتى فيه رؤى وخطوط ` رضا عبد السلام ` امتدادا طبيعيا لفنانى جيل الوسط فى الحركة الفنية التشكيلية أمثال` سيد عبد الرسول ` 1917 - 1990 , منير كنعان 1919 - 2000 و أحمد نوار 1945 سواء من حيث التوجه الذى يمزج بين الأصالة والمعاصرة أو البحث والتطلع إلى عناصر تشكل نموذجا يعكس هويتنا دون إغفال قيم اللحظة الآنية وآلياتها وما تحمله من معانى حتى لو كانت مرتبكة .
بقلم : سيد هويدى
جريدة القاهرة 21 -4- 2015

- فى الوقت الذى استعان فيه الفنانون بقلم (الرابيدوجراف) لانجاز أعمالهم الفنية فى الرسم الذى يستثنى (الخط وقيم التهشيرات الظليلة والضوئية) من بين عناصر التشكيل للتعبير عن أنفسهم حسبما يتراءى وأسلوب كل واحد منهم واتجاهه الفنى.. أجدنى على العكس من ذلك استعنت بالحبر الأسود والمخفف أحيانا بالماء إلى جانب الصبغات الملونة والفرشاة وبعض قصاصات الورق الجاهزة الصنع (كولاج) فى صياغة مجموعات فنية من لوحات الرسم تعتمد على الجمل التشكيلية التعبيرية السريعة، المؤثرة والمنتهية فى حينها قبل أن يفتر الإحساس ويوهن الحافز القوى الى الإبداع يمثل الإنسان كمحور أساسي لموضوع اللوحات فى حالات متباينة داخل الإيقاع العام للوحة والتصور الخاص به تجدر الإشارة الى أن ولعى الخاص بالحبر الاسود والفرشاة فى الرسم والتعبير راجع الى سنوات عملى بالصحافة منذ عام 1976 والى الآن وبخاصة بعد أن انتقلت من العمل بجريدة (الأهرام) إلى مجلة (المصور) الأسبوعية عام 1981. ومنذ ذلك الحين وأنا استخدم الحبر والفرشاة بصورة منتظمة الى جانب أدوات أخرى كالقلم الحبر والفلوماستر فى الرسوم المصاحبة للمقاولات أو المسرحيات أو القصص وغيرها التى تنشر فى المجلة.. وولعى باستخدام وسيط الحبر والفرشاة راجع الى كونى (مصورا) ولا أريد أن اشتت نفسى وجهدى بين فروقات وهمية كرسام صحفى وكمصور مبدع.. فكلاهما فن يحتفظ بخصوصية التعبير وبتوجهاته الوظيفية والجمالية والإنسانية، فضلا عن الرسم بهذا الوسيط يلائم طبيعتي النفسية والفنية ويمنحنى إحساسا بالرضا والمتعة سواء كنت ارسم للصحافة أو ارسم لنفسى، على كل حال سنوات عملى بالصحافة افادتنى كثيرا جدا من حيث الخبرات التقنية والمعرفية وجعلتنى دوما على مقربة لصيقة من الأحداث المحلية والعالمية أو على مقربة من نفسى ايضا والتى كان آثرها على ابداعاتى بشكل عام مفيدا ومؤثرا. ولأن الرسم عندى لا يخضع لمواصفات جمالية أو تعريفات فنية محدودة وملزمة تعيق ممارستى له. لذا استبيح لنفسى الحق فى أن ارسم فى نطاق المدى الذى يصلنى الى الحدود القصوى له وهو الحد الذى يفصل بين منطقتي الرسم والتصوير، بدرجة تجعل البعض أحيانا يخلط بينهما، لذلك عندما اشرع فى الرسم لا أفكر فيه كوسيط ثانوى يسبق الاعداد لمشروع لوحة تصويرية، إنما بصفته وسيطا تعبيريا يولد مع العملية الإبداعية، ويتشكل معها حتى يكتسب قوامه الجمالى وملمحه الخاص، من هنا يصبح الرسم بهذا المفهوم ركنا مهما من أركان ابداعاتى ودعامة أساسية استند إليها فى صياغة الكثير من اللوحات الفنية حيث يتزاوج فيها فى - الغالب - قيم الرسم والتصوير في آن واحد، أما عن الرسومات التى أنجزتها بتقنية الأبيض والأسود فهى عندي تأتى مباشرة إما عن طريق استخدام الفرشاة المشبعة بالحبر على سطح الورقة البيضاء، أو عن طريق دلق أو قذف كمية من الحبر من فوهة زجاجة الحبر البلاستيك فوق سطح الورقة البيضاء لخلق دراما من البقع أو الطرطشات المتناثرة.. أو باستخدام شبكة من الخطوط المنسكبة منها فى سيولة، مع إضافة قليل من الماء للتقليل من كثافة الاسود الداكن فى بعض المناطق عن طريق استخدام فرش الرسم ذات الشعيرات الدقيقة الناعمة أو شريحة كاو تشوك لمنح التأثيرات البصرية المطلوبة.. تقودنى هذه الطريقة التى تتسم بالفورية والارتجالية وبدون إعداد أو توقع سابق الى إنتاج مجموعة من اللوحات فى متتالية ذات نسيج مساحى من الأسود على الأبيض تجريدي الطابع، توزع عليه أشخاص صغيرة أو أشكال أخرى ذات إيحاء رمزي تتجاور أو تتنافر أو تتكتل هنا وهناك وتكون فى الغالب من نتاج بقع مستحدثة فوق الأرضية. إن هذا (المنهج التدفقى) الذى يعتمد على محرك الفطرة ومكتسبات الخبرة الحياتية والتقنية هو الركيزة الأساسية التى استند عليها فى صياغة اعمالى الفنية عامة. ذلك لأنني لست بصدد النقل عن نموذج حى أو تسجيل انطباع عن شكل ما فى الطبيعة، لكن دائما فى حالة ترقب تدفقات إبداعية متتالية لا أدرى ماذا تحتوى بالضبط، لكنها تحتوى بالتأكيد على أشكال من الماضي والحاضر اختزنت وامتزجت معا فى خزانات اللاشعور لترتد الى الخارج مع أول حافز أو الرغبة الملحة فى التعبير عن الذات، كردة فعل طبيعية تجاه مثير جمالى أو حدث ما آو موقف أو مشهد من الحياة أو حالة نزواتية عاطفية.. الخ.. تخضع بعد ذلك للتأمل وترتيبات العقل،تلك الآلية تتضح فى رسومى بشكل عام التى أنجزتها فى أوائل الثمانينات والى الآن، رغم الفروق التى تفصلها عن بعض، وهى فروق طفيفة.
فى أوائل الثمانينات كنت اهتم بالفكرة التشكيلية والتنظيم الفراغى الهندسى بين المساحات المعتمة والمساحات المضيئة.. وبتمثيل مجموعات متكررة ومصفوفة بشكل افقى من الأشخاص وأشكال أخرى لكائنات بلا ملامح (سيلويت)، كانت هذه البداية محاولة جادة للتعبير عن نفسى ولإيجاد خط مشترك بين الرسم الصحفى والرسم الذى أود التعبير عنه كعمل فنى مستقل، ولاكتساب مهارات تقنية جديدة للرسم بالأبيض والأسود تعينني على التعبير بسلاسة وحرية ما إن شئت. فى هذه المرحلة أنتجت مجموعة من الرسوم تقوم على توازن المساحات السوداء والبيضاء، وترديد إيقاع العلاقات الشكلية والإنسانية وتبادلها بين أعلى مسطحات اللوحة واسفلها، ذلك التبادل أدى الى زيادة الأبعاد لمستويات اللوحة عوضا عن القيم المنظورية الهندسية، مستهدفا بذلك الحفاظ على توازن القيم التشكيلية والتعبيرية.. كان الموضوع تدور فكرته حول الانسان فى حال ارتحاله عن الأرض اضطراريا، أو رغبته فى نفى نفسه عن الوطن، أو ربما رغبة منه فى استيطان الصحراء هربا من حياة المدينة.. أو ربما يمثل هذا نوعا من الإسقاط النفسى واسترجاع تجارب أو مواقف حقيقية عشتها يوم كنت اعمل فى سيناء أو يوم كنت جنديا فى قوات الصاعقة بعد نكسه 1967، ربما، أن جو اللوحات عموما يوحى بحالات متباينة من عدم الأمان والاستقرار والحزن والغموض.. تلك هى الموضوعات الرئيسية التى انشغلت بها فترة من الوقت وظلت تلقى بظلالها الحزينة على العديد من لوحاتي فى الرسم.. وغيرها من لوحات التصوير، ولست أدرى سببا منطقيا لذلك اللهم أن الحياة الراهنة باتت صعبة للغاية، ولا أستطيع أن أدير ظهرى لها واقنع بعدم التعبير عنها.. فى منتصف الثمانينات وحتى ذلك الحين 2001، حدث تغير نوعى فى شكل ومحتوى لوحاتى. إذ لم يعد طابع الترصيص والتصفيف وتمثيل الأشخاص على نحو ساكن، ولا المساحات الداكنة السواد، والناصعة البياض.. مثلما كانت عليه بل أصبحت اللوحات على نحو آخر نسبيا اكثر حيوية ودينامية وتركيزا وتنوعا. لقد أضيفت نسب قليلة من الصبغات الملونة أو ألوان الجواش المخففة للتقليل من كثافة اللون الاسود لإضفاء جو من الدفء والمرح والشاعرية وكذلك قصاصات محدودة بتقنية (الكولاج) على هيئة أشكال هندسية أو ذات قطع ارتجالى غير منتظم الحواف والزوايا عليها رسوم أو زخارف فرعونية مطبوعة، أو رسوما قديمة لي لم أعد فى حاجة إليها رأيت من المفيد الاستعانة بها وتوظيفها تشكليا بما يخدم التكوين العام للوحة ويضيف إليها بعدا جماليا وتعبيريا. فوضع قصاصة الورق - بأسلوب الكولاج - فوق أي سطح معالج سلفا ببقع اللون الاسود وفق ترتيبات ذهنية ورياضية من شأنه أن يغير من مسار الرؤية البصرية وإيقاعية اللوحة، وابعادها المنظورية وموضوعها وتكوينها، بمعنى أنها تروض الانفعالات اللحظية وتكبح جماحها.. وتولد فى الوقت نفسه علاقة تبادلية متوافقة ومتوازنة بين عناصر الاشكال وبعضها البعض، وتضيف بعدا رمزيا جديدا.. مثالا على ذلك مجموعة لوحات (اشارات الذاكرة المشتعلة حبر اسود وصبغات ملونة وكولاج على ورق 1991) عدد اللوحات حوالى ستين(60)، موضوع اللوحات الذى يشير إليه العنوان، هو نتاج حالات انفعالية ذاتية، وتصورات ميتا فيزيقية ظلت عالقة بالذاكرة وثنايا الوجدان فترة من الوقت حتى خرجت على هذا النحو فى صورة دفقات تعبيرية مباشرة حاملة معها صور الحلم والتخيل والنزوة والانفعال العاطفي.. من خلال المساحات العريضة للون الاسود وبقع الألوان الدافئة للصبغات التى تختلط وتمتزج بالأسود - أحيانا - بحيث توحي فى تداخلها وامتزاجها بالظلال الكثيفة الناتجة عن انفجار لغم أرضى أو دانه مدفع أو قنبلة ثقيلة ألقت من طائرة حربية آو لحريق مدمر شب من إحدى آبار البترول.. وإذا بالناس تلوذ بالفرار هربا من ذلك الجحيم ولا تعرف وجهتها على وجه التحديد. يلفت النظر بعض اللمسات العريضة من الألوان المائية الثقيلة وهى تتوزع سطح اللوحة هنا وهناك لإيجاد مستويات من الأبعاد المنظورية، ولتحديد مسارات الرؤية، وتثبيت النظر عند عناصر الاشكال الإيحائية والإيمائية.. التى غالبا ما تكون أشخاصا مرسومة فقط بالحبر الاسود على هيئة (سيلويت) أو باللون مع إظهار بعض الملامح والتفاصيل التى تحدد هيئتها.. إضافة إلى وسائط القصاصات التى من الممكن أن تكون لأي شىء طوابع بريد ملصقة على أظرف رسائل قديمة، ورق قص ولصق ملون ورسومات مهملة، لم أكن راض عنها واعدت استخدامها بحساب دقيق من اجل أغراض جمالية وتعبيرية كما ذكرت.لقد أدت المعالجات التقنية للوسائط المتعددة الى جانب الحبر الأسود والصياغات التعبيرية والتجريدية المتنوعة والتنظيم الهندسى للفراغ والإيقاع السريع، المتباين، للأسود والأبيض، وبقع الضوء التى تتخلل الفراغات البينية الناتجة عن ترك المساحات البيضاء.. إلى ابتكار جمل تشكيلية سريعة، وحاسمة، ومعبرة، غير أنه فى بعض الأحيان تحد ونى رغبة فى التعبير عن موضوع آخر يبدو للجميع مألوفا وهو (الجسد العاري) الذى طالما تناوله العديد من الفنانين بأشكال وأساليب مختلفة على مدى قرون تاريخ الفن الممتدة من العصر الحجرى وإلى الآن.. و (العرى) كموضوع جمالى غنى بالتعبيرات والإيحاءات الجمالية.. يغرى دائما على تناوله وابتكار صيغ تشكيلية وتعبيرية جديدة. عادة ما استخدم فى تلك الرسوم القلم الفلوماستر الأسود للتأكيد على قوة وسرعة الخط وجماله.. أو الفرشاة والحبر الأسود المخفف بالماء للإقلال من كثافة الصبغة السوداء وإظهار الفوارق النغمية للأسود وومضات الضوء المشع من الجسد العارى.
د. رضا عبد السلام
من الرسم المصرى المعاصر
رضا عبد السلام يتجول بين الأمكنة ويسجل روحها بفرشاته
- عبر مشوار فنى طويل استطاع الفنان رضا عبد السلام أن يقدم للحياة الفنية 40 معرضا شخصيا عبر فى كل منها عن مضامين إنسانية وجمالية متأثرا بمفردات البيئة والطبيعة التى سكنته، وقد كان أحدث تلك المعارض هو معرض ` روح الامكنة ` الذى استضافته مؤخرا قاعة بيكاسو .. وقد اختار الفنان ` الامكنة ` لانها ليست مكانا محدودا وإنما هى تلك المشاهد التى اختزنها فى وجدانه بداية من طفولته وشبابه بالسويس ثم انتقاله للمدينة الصاخبة بكل متناقضاتها وضوضائها وسطوتها وجمالها أيضا.
المكان عامل مهم جدا فى تجربة عبد السلام الإبداعية الممتدة منذ بدايته بالسويس التى انعكست فى كثير من أعماله ، فلا غرو وهو ابن البحر والسماوات المفتوحة والأفق الممتد ، حيث اختار أن يكون موضوع معرضه الأول فى الثمانينات ` مشاهد بحرية ` .. إلا أنه ومع ذلك كان يعمل طوال الوقت فى خطين متوازيين بين حياة الساحل من جهة، والمدينة بعشوائيتها وصخبها وأنوارها وقتامتها أحيانا من جهة أخرى، حيث كان لانتقاله للمدينة تأثير كبير فى تجربته التشكيلية، فالقاهرة كما يصفها مدينة تاريخية ومليئة بالمتناقضات .. مليئة بالملوثات البصرية وبالصخب والضوضاء ولكنها مليئة بالحياة والطاقة.
وليس المكان وحده هو جوهر تجربة الفنان رضا عبد السلام بل هو المكان المرتبط بالزمن والمشاهدات التى امتزجت جميعا لتخرج فى شكل شحنات فنية محتشدة بالرموز التى تنتمى الى الجذور منذ عهد الفراعنة وحتى يومنا هذا .. حيث يقول الفنان : تتعدد وتتنوع مصادر الإلهام والإبداع فى الفن ..فالطبيعة والواقع الحياتى والبيئات المختلفة، وقصص التاريخ، والفكر، والأحلام ، والتاريخ ، والموسيقى والشعر والتراث وغيره تمثل فى حقيقة الأمر منابع إلهام ومحفزات جمالية للعديد من الفنانين التشكيليين.
والمكان الغالب فى معرضه الأخير هو البيئة الشعبية وهو ما يقول عنه الفنان : المشاهد المثيرة للمناطق العشوائية الفقيرة وملوثاتها البصرية والأجواء الشعبية الحميمة الدافئة ، بكل ما تمثله من ذكريات وتناقضات ثقافية واجتماعية هما الأكثر إلحاحا على دوافعى الإبداعية خلال السنوات الأخيرة لذلك أجدنى مهتما بالتفكير والتعبير عنهما كلما سنحت الفرصة دونما الاستعانة برسوم تحضيرية أو اسكتشات ، بل على محصلتى البصرية من تأملات لمشاهد متنوعة أعايشها يوميا وعلى الطاقة الكامنة، فى صياغة تشكيلاتى وتكويناتى التصويرية المختلفة، من أجل بلوغ المقصد الجمالى ، والمعنى الرمزى الكامن فى روح المكان وهويته وعراقته. معتمدا فى ذلك على الاستخدام التقنى والمهارى لأدوات التعبير من خط ولون وضوء وإيقاع وتوازن للمساحات المجردة والمنظور اللونى والفراغى وغيره.
وغالبا ما تتأسس لوحات عبد السلام على عملية البناء التراكمى المتدرج، والتقسيم الهندسى للمساحات، وتعدد طبقات النسج اللونى وكثافته، والتحديدات الخطية السميكة التى تؤكد على هيئة الأشكال المختلفة `سواء كانت إنسانية ورمزية أو تجريدات إيحائية وعناصر أخرى مكملة` . حيث يعلق عبد السلام على أحد لوحاته قائلا : التكوين المركب لعناصر من المساحات اللونية المجردة والتحديدات الخطية القوية ذات النسق الهندسى المتداخل وتعدد زوايا الرؤية . هذا التكوين يفصح عن شكل ومحتوى أماكن مختلفة قد تكون موجودة هنا وهناك فى محيطنا البيئى خاصة فى المناطق الشعبية الفقيرة التى تمثل نموذجا صارخا للعشوائيات والأهمال واللأدمية لكن لا نراها هكذا فى الواقع وإنما فى مخيلتنا الحالمة الجميلة.
كذلك يتضفر العنصر الإنسانى داخل أمكنة عبد السلام بصور مختلفة فتارة هو واضح تماما وتارة أخرى يختفى داخل اللوحة ولكنه موجود، حيث يقول الفنان : حتى لو نفيته ولم يعد موجودا فإن الأماكن هنا هى الكائن التى يذوب فيها الانسان ويصبح جزءا من روحها.
وقد جسد عبد السلام نماذج متنوعة من الشخصيات حتى أنه قدم الفتاة المنتقبة التى احتلت مساحات كبيرة فى أكثر من لوحة، حيث يقول رضا: فى معظم لوحاتى ستجدين الصليب والهلال لأنها مصر بمفرداتها ونسيجها الاجتماعى، كذلك فإن الفتاة المنتقبة الآن أصبحت تيمة شعبية.
وللكلمة دور مهم جدا فى تجربة عبد السلام الفنية حيث يقول : أبدأ بالكتابة عن المعرض والتنظير له بعد الإنتهاء منه وإيجاد القواسم المشتركة ، فالكتابة تساعدنى على فهم أعمالى أكثر وإدراك القيم الجمالية والتعبيرية والرمزية، كذلك عندما أحب أن أفهم أعمال غيرى أكتب عنهم، فالكتابة تساعدنى على كشف الآخر.
والفنان رضا عبد السلام أستاذ التصوير الجدارى بكلية الفنون الجميلة ، وصدر له ثلاثة كتب فى الفن : ` الرسم المصرى المعاصر ` و ` الرسوم التحضيرية وعلاقتها بلوحات مصطفى أحمد ` أما الثالث فعلى هيئة قرص مدمج C.D عن الفنان شوقى زغلول . إضافة الى دراسات فنية حول الفنانين: منير كعنان ، وزكريا الزينى ، ومحمد الشعراوى ، وروؤف رأفت ، بخلاف كتاباته حول قضايا الفن التشكيلى والتعليم، وفن الرسم المعاصر والبيئة والجمال. كما إن له تجربة متميزة فى تحويل البناية التى يقطن بها فى مدينة 6 أكتوبر إلى معرض مفتوح دائم لأعماله .. حيث حول الطوابق الداخلية لمعرض لأعماله يشاهدها السكان وكل من يزور البناية ولذلك حكاية آخرى.

بقلم : منى عبد الكريم
الأدب 2016/10/16
شواهد الصمت ما تبقى من روح الأمكنة القديمة
العرض الحالى للفنان الكبير رضا عبد السلام فى قاعة بيكاسو بالزمالك يبحث بدرجة كبيرة كما فى عرضه السابق فى قاعة الباب حول تكعيبية المكان وتفريغه من الداخل وزاد عليه تلك الخلخلة البصرية المتراكبة للمكان بإدخال عنصر الزمن كمحرك أساسى ومؤثر لما يحدث بالمكان أو ` بروح المكان` كما أطلق على معرضه الحالى.. خاص أن المكان امتدت إليه الروح فهو حتما عبر دائرة زمنية دخلها المكان وأسقطت عليه روحا حاول الفنان الكبير ترصد مظاهرها لنفجأ بخلخلته للأمكنة وتداخلها.. وأراها أمكنة كما فى الأحلام تغيرت داخلها حدود الزمن والمكان..
فهل بهذه الخلخلة والتقطيع للمكان بأبعاده الأربعة وإعادة بنائيته هى محاول إعادة لروحه؟ أم أن المكان مهما أصابه من تقطيع مع مرور الزمن والبشر محتفظا بروحه الأولى؟ أم هى فكرة الفنان لمشروعه الفنى عن المكان والإنسان المستتر فى أعماله.. فأى منهما يشكل ذكرى المكان وروحه؟ ولماذا نقاط الواقع فى مشاهد لوحاته ما تكاد تظهر حتى لتزول.
الفنان رضا هو فنان تجريدى تعبيرى وكثيرا رمزياته تأخذ الهيئة التكعيبية.. لكن روح الأمكنة اليوم قد تعمل على سطح لوحاته كمشروع تحويلى تجاه الفن - باختزال المكان وتقنيته - لخدمة بنائية هيكلية جديدة لدلالة ما بعد المرور الزمنى على المكانى.. خاصة وهو فنان يعشق أماكننا التراثية ولوحاته وربما محاولة استعادة هوية متوازية للروح الحارسة للمكان والمسكونة بثقافتها الخاصة.. ففى معرضه حاول تجاوز الأشياء من اللون والخواص تجاه البحث فى عالم هيكلى فراغى تركيبى صاغه بإيهام البعد والملمس والقوام ..
سأصف تقريبا كيف عالج الفنان فكرته فيما ساد عدد من لوحات معرضه مع فارق الحالات فيما بين ما عانته أو تألقت به لوحاته فيما بين النظام والفوضى بألوان تتراقص وتراوغ القماش ليصبح عنده فى معرض واحد الارتجال والتركيب..
فى بعض لوحاته أجد مشاهد من مناطقنا القديمة لبيت أو مسجد أو أثر لأراه وقد بدا كشاهد من شواهد الصمت وأمام هذا الصمت هناك إنسان فى الخلفية يتراجع وأيضا معه تتراجع الحزم اللونية كنتيجة لمرور الزمان بالمكان.. وأرى فعل الزمن فى المكان كأنه يشق فى اللوحة أخاديد من الوحشة وبمنظور اللون نفسه وبشكل غامض.. وأحيانا بدت لى جغرافية لوحاته وتحولاتها ليس من خلال الأثر أو الإنسان بل من خلال ما يقرب من تسمية - الهندسة الفراغية - وقد تصبح هذه العلامات الهندسية مجهلة البوصلة والإتجاه كأن بعض شواهدنا المعمارية وأماكننا خارج جغرافية التطور التصاعدى للمكان .
وأراه يقدم المكان فى أفق واحد كمكان مادى وتقديرى تحول إلى بيئة وسطح ليبدو اعتماد الفنان بذكاء ومهارة على زوايا صعبة كمداخل ومخارج للوحاته ليبدو المكان عنده مضاعفا بما - ربما - ساعده على خلق إدراك مكانى زمنى غير محدد أشعل ديناميكية اللوحة فيما بين ما هو مادى ونفسى وإيمائى.. وربما ساعده على هذا التعدد حصره كميات ملموسة من الفرا غ داخل أماكنه ليبدو كل من المكان والفراغ بالتبادل كحاو ومحتو خاصة أماكنه المكعبة البناء التركيبى بزواياها العديدة داخل أطر حادة لها سمكها وثخانتها لنفاجأ بتضاعف الإحساس بين الطاقة والتوتر.. توتر نتيجة خلخلة المكان والمنظور عما نعرفه قبلا عن المكان .
وقدمت اللوحات عددا من المفارقات البصرية.. مثل أسود يولد ضوء أو يسحبه لأسفل لملء فراغ.. أو فى حالة بحث لإعادة استكشاف حدود عمل اللون الأسود وطاقته ومدى حركته مع اللون كفورم أو كعلاقة بين الخط والطاقة كما هناك فى `روح الأمكنة` أكثر من تقنية ورؤية فالفنان نراه أحيانا يعتمد أو يركز على إبراز المنهج أكثر من المادة التصويرية..
وندركه يستخرج لحم اللوحة وضوءها من مجوف داخلها إلى ما فوق السطح كطاقة هيكلية.. تلك الهيكلية التى بناها وحفرها داخل اللوحة وليس من خارجها.. فربما رغب أن يقدم محاولته لتقديم صورة لهيكل العالم فى زمنه.. دون أن يحده أو يقيده مسار اللوحات لعدم وجود طرق لمتابعتها ولا موضوع سردى لتقفى أثره.. وإنما أراها محاولته للمس عمل الزمن وليس لروح المكان..
وإن أسمى الفنان معرضه `روح الأمكنة` فلا اعتقد أنه استبعد الزمان من حساباته وما يفعله فى المكان.. فلم يعزل المكان فى ذاته.. وربما تلك الحركة داخل اللوحة وتنقل الأشياء من أماكنها وإدخال الفراغ كجزء أساسى فى عمله قصد منه الفنان ليس لتصوير حركة ممتدة فى ذاتها بل رآها كفعل.. نتيجة تشابك فعل الزمان المكان معا فى علاقتهما الأبدية..
استخدم الفنان الكبير رضا عبد السلام منذ مرحلته السوداء كل التغيرات المحتملة من اللون الأسود رغم أنه اللون الذى لا يوجد أبدا فى المطلق.. ليدع المشاهد يتحرك بعينيه ليتكشف الضوء الذى صدر من اللوحة.. من تتاليات الظلام والإعتام.. ليدخل فى الفضاء الحقيقى والمحيط والمحاصر بتناول الكثافات الضوئية فى بعض أماكنه لذا لزم الصمت فى قليل من لوحاته كأن العالم لازمه الخرس .
فى `روح الأمكنة` الزمن يضع شيئا فشيئا شأنه شأن المدينة نفسها لكن بقيت آثار مروره.. وفى `روح الأمكنة` المكان والزمان كلا منهما ينقض حضور الآخر ثم يؤكده ثم يزيحه وهكذا.. ربما يحدث هذا لأن الفنان يقدم المكان القديم فى غير زمانه لأن زمانه القديم لم يعد موجودا.
بقلم : فاطمة على
القاهرة - 2016/9/27
بدايتى فى الأهرام وذروة إبداعى فى المصور
- `الرسم بين الخيال والكلمات` هو عنوان معرضه الفردى الواحد والاربعين خلال مسيرتة الفنية، التي قضاها فناناً تشكيلياً و معلماً للفن بكلية الفنون الجميلة القاهرة، فى ذات الوقت ومنذ ذلك التاريخ وإلى الآن لم تنقطع مزاولته للإبداع أبداً، لكن يعتبر هذا المعرض مختلفًا شكلا وموضوعاً عن المعارض السابقة، حيث إنه يعرض لأول مرة أعماله كرسام صحفى بصحيفة الأهرام ومجلة المصور منذ عام 1977 وحتى 2006 ليختلف اختلافا كليا من حيث نوعية الوسائط التعبيرية المختلفة وما تمثله من قيمة فنية وجمالية جديدة في طرحها وفي حداثة تشكيلها ولغتها ومذاقها، وإن كانت لا تنفصل بحال عن إبداعاته الفنية الأخرى.
عن المعرض يقول رضا عبد السلام : في هذا المعرض حرصت على عرض أكبر عدد من رسومي الصحفية بمجلة `المصور وجريدة الأهرام` ، ورسوم أخرى مستقلة كنت قد أنجزتها في الأعوام القليلة الماضية، من حيث تنوع المواضيع والتقنيات والتوجهات الفكرية والصيغ التشكيلية المتنوعة، وكلها لم يسبق عرضها من قبل، إذن نحن أمام معرض نوعي بكل المقاييس.. أردت أن أقدمه إلى طلاب الفنون والمهتمين بالفن التشكيلى المصري ومحبيه بعرض كافة الأعمال الفنية التي اخترتها بعناية فى القاعات الأربع بمركز الجزيرة للفنون. وتلك فرصة نادرة جدًا بالنسبة لى لمشاهدة أعمالى بصورة استيعادية، تعيد لى ذكرياتي الجميلة مع رحلة الإبداع بكل حلاوتها ومرارتها ومتعتها وتألقها، وأيضًا مشاركة جمهور الفن لها من الذائقة والنقاد والطلاب.
حقبة تاريخية
إن أعمال رضا عبد السلام على تنوعها وغزارتها، تمثل مراحل زمنية مختلفة على مدى أربعة عقود..وبخاصة الرسوم الصحفية الأصلية لم يكن لأحد أن رآها من قبل بمقاييسها الطبيعية، حيث يقول الفنان الكبير رضا عبدالسلام: إنها تمثل حقبة زمنية من تاريخ مصر السياسى والاجتماعي والثقافي في عهد الرئيس السادات الذى اغتيل على يد متطرفين `إسلاميين` عام 1981 وفترة من عهد الرئيس حسنى مبارك ..وأيضا نوعية وقيمة الأقلام التي كانت تكتب من سياسيين وأدباء ومفكرين وصحفيين متمرسين ، حيث قرأت ورسمت لهم وأفدت منهم الكثير، كما كان العمل في الصحافة والكلية في وقت واحد ومحاولة الجمع والتوفيق بينهما أمر صعب، ومع ذلك كان من الضروري معايشة التجربة بأبعادها المهنية والإنسانية، لكن دون شك استفدت كثيرا من الخبرات التى حصلتها طوال هذه الرحلة المزدوجة ذهابًا وإيابًا، بل ومن المؤكد أن العمل في هذين المسارين المتباينين في التوجه قد تداخلا وامتزجا في نسيج واحد فيما بعد ليشكلا معًا جانبًا من شخصيتي الإبداعية التي أنا عليها الآن.
مراحل مشوار وذروة الإبداع بمجلة المصور
متذكرا :فى الأهرام كانت بدايتى.. ومحاولة تحسس الطريق نحو عالم لم يكن لى فيه أدنى معرفة أو خبرة، ومع ذلك أمكنني خلال الأربع سنوات التى أمضيتها أن اكتسب مساحة معقولة من الخبرة المهنية الجديدة والثقة، جعلاني أرسم بشئ من الحرية..فرسمت العديد من الوجوه والقصص والروايات والمسرحيات لكبار الكتاب منهم على سبيل المثال وليس الحصر`زكي نجيب محمود- لويس عوض- يوسف إدريس توفيق الحكيم- سعد الدين وهبة - بنت الشاطيء- نعمات أحمد فؤاد... وآخرون`.
غير أن أفضل ما أنجزته في تلك الفترة الزمنية القصيرة هو تلك الرسوم التي جمعت فيها بين الرسم وتقنية الفوتومونتاج والكولاج، ومع ذلك لم أكن راضيًا تمامًا عن إنتاجي، نظرًا لرغبتي الملحة في التعبير الحر.
وعندما أتيحت لى فرصة للعمل بمجلة المصور الأسبوعية بعد تولى الكاتب الصحفي والمحلل السياسى مكرم محمد
أحمد رئاسة تحرير المجلة، شعرت وقتها أنه بإمكاني الرسم بحرية أكبر لأنه أصبح لدي متسع من الوقت للقراءة والرسم عن ذي قبل، لذلك أستطيع أن أقول صراحة إن نوع وكم الرسوم الصحفية التى أنجزتها خلال 26 عامًا على صفحات المجلة كنت راضيًا عنها إلى حد كبير، لقد كانت خطوطًا جديدة وجريئة، اتسمت بالبساطة وقوة التعبير والحداثة في تناولها للمادة التحريرية بكل أشكالها وتنوعها. وبينما كنت أطلق العنان للرسم بالفرشاة والحبر الشيني والصبغات الملونة، أجدني في المقابل استخدم تقنية الفوتومونتاج والكولاج بأريحية ومتعة وكأنني أزاول الفن بحرية داخل مرسمي دونما ضغط، وقد عبرت بريشتي عن كتابات عدد كبير من عظماء الكتاب والمفكرين والنقاد لهذا الزمان على سبيل المثال وليس الحصر أذكر منهم الأساتذة` مجيد طوبيا، لويس عوض، بهاء طاهر، الفريد فرج، صلاح فضل، صبري حجازي، حسين أمين ،راجي عنايت، عبد المعطي بيومي، محمد حسن الزيات ما بعد الأيام، فى أدب الجاسوسية روايات الصديق صالح مرسي/ رأفت الهجان- سامية فهمي`
أما الآن أعاود عرضها مرة أخرى بوصفها أعمالا فنية مستقلة بعيدة عن النصوص التى كانت مصاحبة لها ذات يوم، وإن كان لا يزال العديد منها يحتفظ بروح النصوص ومضامينها الأدبية والفكرية.
فيما توجد عدد من اللوحات المباشرة التي أنجزها الفنان حديثا عام 2016 لكنها تحمل نفس المضمون.
حيث يقول :إنها تمثل عصب اهتمامي وولعي بالتجريب القائم على الجمع والمزاوجة بين وسيطين متباينين الرسم والتعبير بعفوية وحرية على سطح صفحات المجلة وأغلفتها.. وكان من نتيجة ذلك إنجاز أربع لوحات ذات مساحات كبيرة على الوجهين وربما كان الداعي للتشكيل على الوجهين أن صفحات المجلة مطبوعة- وجه وظهر-ولم يكن بمقدورى الاستغناء عن أي منهما ..استيفاء لعملية البناء التشكيلية والبصرية والجمالية والرمزية مع اختلاف كل سطح واستقلاليته عن الأخر..ومن هنا تتطلب مشاهدة اللوحة الالتفاف حولها لمشاهدتها وقراءتها قراءة جمالية، فهي تستدعي بعض التأني لفهم مفرداتها التعبيرية وصيغها التشكيلية ودلالة معانيها الرمزية.
محاولات طموحة
أما المجموعة الثالثة من الرسوم فهي تنقسم إلى نوعين مختلفين في الرؤية والمعالجة الفنية ..تحدث عنهما عبدالسلام قائلا النوع الأول يعود تاريخه إلى عام 2009 وهي منفذة بالصبغات وأقلام الفلوماستر والجواش والكولاج على ورق، وتمثل حالة روحانية تأملية لرؤى مجردة لا تمثل أشياء أو أشكالا بعينها ويمكن قراءتها على أنها حالة وجدانية ذهنية صافية أو تأملية ..والنوع الثانى يعود إنتاجه إلى عام 2015 والمنفذة بالحبر الشيني والكولاج على ورق كانسون وقد تناولت فيها عددًا من التصورات الوجدانية والفكرية لمشاهد ومناسبات وحالات مختلفة من المناطق الشعبية القديمة ذات الطابع الأثري، محاولا ملامسة ومحاورة الصيغ الجمالية وروح الأمكنة العتيقة والعريقة وحركة الناس بطريقة مركبة وفريدة.
تلك كانت بعض من ملامح تجارب فناننا الكبير رضا عبدالسلام الإبداعية العديدة والمستمرة على مدى أكثر من أربعين عامًا من العمل الجاد عبرت بشكل كبير عن فكره وشخصيته الإبداعىة الطموح ومحاولاته الدءوبة نحو التجريب والتجديد بوسائط تعبيرية متنوعة.
بقلم : شيماء محمود
الكواكب - 2017/2/21
رضا عبد السلام : 30 سنة فنا
-30 سنه فن فى معرض للفنان / رضا عبد السلام يقيمه مجمع الفنون بالزمالك ويضم 170 لوحه فنية
رسم وتصوير تمثل مراحل زمنية مختلفة بموضوعات وبتقنيات متنوعة .
-وقد بدأ الفنان رحلته الفنية عام 1975 وجاءت معظم موضوعاته بين الأعمال الأكاديمية حيث يعمل أستاذا للتصوير الجدارى بكلية الفنون الجميلة مثل لوحة المولد.. بين الواقعية والخيال الفنى وقد مزج بينهما فى بعض اللوحات التى كانت امتدادا لموضوعات سابقة.
- عاش الفنان مراحل وأحداثا ومتغيرات برزت فى أعماله أعتمد فيها على تداعيات الذاكرة مثل لوحة الحلم والمراكب ولوحات أخرى جاءت واضحة بخطوط واضحة متباينة تكشف عن اسرار الواقع وعالم الخيال الحر مستخدما خامات بسيطه من الورق والكتان والخشب ومخلفات المنتجات من علب وأسمنت وغيرها.
- وقد تناول رضا عبد السلام موضوعاته بمفهوم ولغة بسيطه نفذها بالحبر الأسود مثل لوحة الحرب التتى تتسم بالعفوية والأرتجال وقوة التعبير الذى يميز أعمالة خاصة لوحات ما بعد الحداثة التى أطلق عليها اسم (صنع فى مصر) والتى جاءت فى توليفة جمالية متوازنة بين المضىء والقاتم مستخدما أسلوبا جديدا يتفق مع روح العصر والثقافات الفنية المختلفة .
بقلم : رجاء ليلة
الأهرام 16-1-2005
رضا عبد السلام .. آخر رصيد الشوامخ بعد ` ندا `
-رضا عبد السلام هو نموذج شديد الخصوصية ، وفنان إستثنائى ينطوى على موهبة هى بدورها إستثنائية .
- وفى الصغر علمته الصحراء غوالى الزمن ، وصقيع الرمال فى ليالى الشتاء فعكف ليكسب الرزق من ميكانيكا السيارات فى أبو رديس، وأكتسب منها ملكة الصبر، والبحث عن مواطن الخطأ ، ومعنى الحركة التى تكسب العضلة إمكانية انجاز .
- ما شاهدته يوما - وهو أستاذ الفن الجامعى- خجلا من ممارسته - يوما - لتلك المهنه الصعبة التى يصف الناس بها أحيانا شكل الدنيا وهوانها على الرزق ، ولكنه تشرب أشكال ` المواتير`، والخراطيم، والصواميل، واللحامات، واستدارات صندوق الموتور وتربيعاته وآلياته الجوانية، وماسورة العادم وهى تمضى عبر التوصيلات من الأول الى الأخر .
- تعلم من تلك المهنه الصعبة حدود الأشياء وظليتها، وكتلها وحجومها ، ودوائر صندوق التروس، وأليالت التداخل والتخارج فى محتوى الطاقة، فكانت هكذا تجربته الأثيرة فى الفن، وكان هكذا الرسم بالأحبار على الورق .
- تعلم من وضعه المجسم فى المحيط الضيق المحسوب ، كيف يطبع المرئى، فجعل تصاويره وكأنها تنازع مكانها فى فضائها، وتعلم من مراكز الوصل بين الآليات جسارة الأقتحام من الكتلة المصمتة الى الكتلة المفرغة والعكس، وتعلم من تعاظم الجمالية بين علاقات الخامة اللينة والخامة الصلبة كيف يشكل ` الفورمات ` ويصهرها فى فضاء النسيج التصويرى ، فهكذا جاءت تجاربه أيضا فى الأعمال المركبة ، مزيجا من عالم غير متجانس فى محيط متجانس.
- هكذا عرك رضا عبدالسلام مزية الأعتماد على الذات ضد الغيب ، إذا هو ليس قدريا، أو لا أدريا يقبل الأشياء على علاتها، وإنما هو صانع لزمانه، ولمكانه ، وتاريخه، وواقعه. فليس من حاكميه عقيدية تحبسه عن الفعل ، بل هو تمرس على صناعة الفعل من صميم إرادته.
- فى أعماله نجد التجمع والانشطار، والنظام والفوضى، والتركيب والتفكيك، والتجسيد والتسطيح، والصلابة والليونه، والعرى والصوفية. ثم إننا نواجه معه تلك الجسارة التى تنطوى على الفظاظة المثقفة فى رسومه الوهلية. خطوط مستقيمة تؤطرها البدايات الأولى لمرئيات الكهوف، ودوائر متراتبة كمثل رحم البئر فى الصحراء.
- يرسم رضا عبد السلام لوحاته وقد اختار التوازن الحرج للكتله عند الحافة ، على غير ما اعتاد اصحاب التقاليد ان يختاروا وضعة للكتلة تتفق مع البعض الأرضى الذى يحبسه خط الأفق . إن التوازن عنده يأتى من نبض اللوحة ذاتها، من كونها هى بذاتها جسدا يملك تلك المسامية التى نعرفها فى نسيج الجلد الحى .
- فى معرضه الشامل بمجمع الفنون رسم رضا محيط الكون، وأعطتنا رسومه نسقا سرديا لذكوره اللوحة، لقوتها على التوالد، وعلى الإنشاء والتناسل. تذكرنا بنائياته فى عمارة اللوحة بدأب العنكبوت وهو يحصى مراكز البدايات والنهايات، ومناطق الفك والعقد فى التشكيل، وهو لذلك رهين دائما بتلوين المحيط المساحى بعيدا عن العنصر الأثير - البطل- الذى تحكمه الخطوط وتتقاطع عليه .
- تبدأ لوحات رضا عبد السلام وكأن الخط عنده هو أصل الأشياء ، فهو الذى يصل محاور الارتكاز ببعضها فى الصورة ، ونقاط التربيع والتدوير بأقطارها، ويصنع الزوايا التى تؤسس لبنيات الصورة فهو فى هذا الجانب التقنى يقترب من عقيدة فرناند ليجيه `1881- 1955` فى صناعة الصورة وبناء معالمها مع اختلاف واضح بينهما فى ذاتيه الصوره وهويتها وأسلوبها . ذلك أن رضا عبد السلام يبنى صورته على الخط لأكثر مما يبينها على اللون، ولأن ` البينى` عنده هو خط فاصل بين عنصرين أو بين مساحتين ملونتين، بل إن ذلك نهج لا يضم فقط رضا وليجيه ، وإنما أيضا أخرين كمثل بيكاسو، وباوليتسى فى حقبته الأخيرة ، وعلى عكس ذلك فنانون كمثل شاجال، وبولياكوف، ورمسيس يونان وفؤاد كامل.
- رسم رضا عبد السلام أصناف الكون جميعاً، البحار والأنهار، والأسماك، والقوارب، والبيوت، والحارات، والطير والزواحف والكواسر، والملائكة والشياطين، والجنه والجحيم، والأساطير والنجوم والأقمار، والنخيل والأشجار، والأقراص المدمجه ، والعرائس الخشبية ، والتمائم، والكتل الخشبية والزجاجية والخراطيم، وقبل ذلك وبعد ذلك رسم الطبيعة الحية، والطبيعة الميتة ، ولكنه قبل كل شىء رسم الإنسان فى كل هؤلاء جميعا، إذا ظل ` الإنسان` عنده محورا لجلال المعنى فى الصورة . فى رسومه تلك التى اختارها على طول ربع قرن أو يزيد ، لم يترك `رضا` خامة دون أن يفك بكارتها، فرسم على القماش الخام والمعد، والكتان ، وورق القطن وورق الأرز، والأوراق المصنعه من النفايات، والكارتون، وورق اللف المعرج، وأخشاب وسطوح معدنية، وشاشات من الحرير، وغيرها. ولكنه ظل على مثل عادته اليومية وكأنه براجماتى يحسب كيان الصورة من حيث هى واقع متزمن ، ولعله من أجل ذلك سوف يظل الرصيد الباقى من نتاج زمرة الشوامخ الذين كان أخرهم حامد ندا.
بقلم : أحمد فؤاد سليم
جريدة الوفد: 27-1-2005
رضا عبد السلام إن هدأ فهو المحارب فى راحة
- هى الحرية .. نسمع عنها كثيراً ويرتبط بها الفنان بفضاء فسيح لانهائى لا يحده واقع طبيعى.
- لكن الفنان رضا عبد السلام كان همه البحث عنها بحركة دائبة ، وإن هدأ فهو المحارب فى راحة .. هكذا علمته سنوات الصاعقة فى الجيش المصرى، إنه يحمل الرغبة فى الحرية من أجل الأمتاع .
- ونحن صراحة لا نستطيع أن نحدد خارطة للتصوير المصرى الحقيقى خلال السنوات العشر الأخيرة.. بعد أن تدخلت ثقافة السوق والعرض والطلب من الأثرياء الجدد وتحول بعض النقاد للأسف إلى وسطاء بين الفنان والمستهلك ، وإختلط الذوق العام وظهرت تيارات الحداثة وأعراضها على بعض شباب الفنانين وتربص الناقد بزميله ، مما ساهم فى تأصيل العابر من التيارات الفنية الحديثة التى تختبئ لنا فى معظم القاعات خاصة الرسمية بدعوى الانفلا ت نحو الحرية أيضاً.
- والفنان رضا عبد السلام حين عاد إلى الطبيعه قال عن التجربة ` كانت من أجل استئناف المجهول والكشف عن معطيات جديدة فىيما وراء الواقع الطبيعى عبر تداعيات صور الحلم والخيال والتصورات الذهنية للواقع الحياتى الراهن.
- والفنان رضا عبد السلام من مواليد السويس المدينه الساحلية ذات التاريخ المجيد التى شكلت تجاربه الجمالية الأولى من خلال طبيعتها الخاصة الأفق البعيد فوق مياه البحر وطائر النورس والسفن والناقلات العملاقة وقوارب الصيد البسيطه هى ذات البيئة التى ألهمت كثيراً من مبدعينا، يعود إليها كلما تأفف من إيقاع الحياة فى القاهرة الذى أضاف إلى شخصيته الخاصة الكثير من التوتر يلحظه أصدقاء الفنان.
- والفنان رضا عبد السلام يعمل أستاذاً للتصوير بكلية الفنون بالزمالك، قدم على استحياء تجربة المراكب عام 1991، وشجعته ردود الفعل الإيجابية عن مواصلة التجربة بحرية كاملة، فقدم معرضة الشامل فى مجمع الفنون عن المشاهد البحرية فى أكثر من ستين عملا بخامات مختلفة ، الغالب فيها الأكريلك على الورق ، وافتتحه الفنان فارق حسنى- وزير الثقافة - فى فبراير 1998 .
- ثم بدأ رحلة البحث عن جماليات ما وراء الواقع من خلال تشابك العناصر البحرية وصراعاها الأبدى الذى يعكسه توتر الفنان، لكنه تحرر من أسر الثرثرة فى العلاقات بين العناصر وتخلص من الاحتفاظ بمناطق الإبداع حتى لا يضعف العمل الفنى وتجنب الغواية فى إثارة المشاعر،، وحاول إيجاد لغة بديلة حديثة أيضاً ليست من خلال علامات أو رموز ، ولكن من خلال إعادة صياغة العلاقات ، فالبحر هو النسيج الأول أو العلامة الأولى والسفن العملاقة والقوارب العلامة الثانية والكائنات العنصر الثالث .. هى أشياء واقعية لكنها تشى بأفكار الفنان الحداثى وكلها تحكمها علاقة واحدة أو منطق واحد أو نسيج واحد ، هى علاقة الصراع فلا نجد حالة السكون والدعة ، لذلك كانت هذه العناصر هى المثير الجمالى ومنطلق الأبداعات يستطيع الملتقى أن يتجاوب معها ويعيش حالة الصمت والتوتر.
- وتتجمع طاقة الفنان رضا عبد السلام الإبداعية فى كيان متوحد وتخرج دفقة فنية متوازنة مع الحالة النفسية فهو لا يهتم بالمهارة أوالإتقان بقدر اهتمامه بتكوين العلاقات ربما ساعده فى ذلك عمله كرسام صحفى يسجل اللحظة الخاطفة أو الرسوم التحضيرية التى نال عنها درجة الدكتوراه .
- والفنان رضا عبد السلام أدرك وظيفه الخط واللون واستخدمها فى توازن دقيق، ينقل به أفكاره إلى الملتقى من خلال ترويض الألوان الصريحة ، خاصة الساخنة فترى اندافع الفرشاه بمجرد ملامسة عينه للطبيعه، لكن إحساسة المرهف يحد من هذا الاندفاع عن طريق استخدام الأسود بجرأه غير مسبوقة ومغامرة تعكس عفوية اللمسة الأولى وجمالة البحث وتكشف حالة الأسكتش فى أعمالة لتمكنه من معالجة السطح واستعمال اللون من الأنبوبه مباشرة ليعطى حركة دائبة للعناصر، هذه القدرة لا تجدها عند الفنان العشوائى غير المؤهل الذى يزاحم فى قاعات العرض وصدرته لنا قصور الثقافة بدعوى توجيه طاقاته إلى عملية الإبداع، يقول رضاعبد السلام : أدركت حقيقة الطبيعة الداخلية التى تظهر تحت شفافية الشكل، أعود اليها كلما شعرت برغبة فى تعلم المزيد من لغة التشكيل.. لذلك كان معرضة فى كلية الفنون أخيرا متعة تشكيلية يتبعها متعه ذهنية قدمها بصدق ووعى .
بقلم : د. عبد الرازق عبد المنعم
الشعب 1-6-1999
الفنان رضا عبد السلام بقاعة جوجان
- تشهد حاليا قاعة جوجان معرض الفنان رضا عبد السلام ، الذى تقدمه الفنانة منى حسن مديرة قاعة جوجان بقولها : جميل شعور الفنان رضا عبد السلام بإدراكه وغوصة فى الماضى وحاضره الملىء بالذكريات والتأملات والموضوعات وصقل التجارب التى حركت احاسيسه تتكون وتظهر فى لوحاته المعبره للحاله التى يمر بها، ومن الطبيعى إن الانسان ماضيه يؤثر عليه ويتعامل به فى حاضره ويصقله بالخبرات فى مستقبله، وبقدره الفن والفنان تترجم حصيله هذه السنين من خبرات على التوالى بالالوان الطبيعية .
- يستمر المعرض حتى 6 فبراير، والفنان رضا عبد السلام من مواليد السويس 1947، بدأ معارضه عام 1979،وقدم ما يقرب من 34 معرضا، وهو رسام ومصور ولديه تجارب فى مجال التشكيلات النحتيه . ويولى اهتماما كبيرا بالتعبير عن مضامين إنسانية وجماليه.
- فالإنسان والبيئة المحلية الساحلية والشعبية والواقع الحياتى المعاصر يمثلون له مصادر أبداع غنية يستمد منها مفرداته وإلهاماته وصيغ التعبير المختلفه حيث أن كل معرض من معارضه الخاصة يمثل حاله جماليه خاصة تعكس فكرا وروحا قلقة ، حزينه ، ساخرة ومزحة أحيانا تتسم بقوة التعبير اللونى والتصميم والتنوع التقنى للوسائط المختلفه فهو ذو نزعه تجريبية خلاقة وثقافة كولاجية وأعماله الفنية الاخيرة تعكس ولعه بالمواد والخامات وصياغاتها على نحو غير مسبوق حيث تتداعى وتتجاوز عناصر الاشكال فى زخم وتآلف يفصح عن رؤى وأحاسيس وأسقاطات لا شعورية تعكس وتؤكد فى الوقت ذاته على تقاربات الروح والمادة والمرئى واللامرئى والمجهول والمعلوم وحقائق الحياة الغائبة ، الغامضة ، التى لا يدرك سرها وسحرها الا فى فضاءات الفن الخلاق.

أخبار الأدب 24-1-2010
إبداع الكولاج والاسيمبلاج عند رضا عبد السلام
-منذ بداياته وهو يتمرد على الخامات التقليدية ودائم البحث والتجريب لكل ما تصل إليه يداه ، فالفنان رضا عبد السلام فى معرضه الخاص الثانى والثلاثين الذى أقامه فى قاعة ` إبداع ` بالمهندسين من يرى أعماله يجد فيها مجموعة من الخامات المألوفة لديه والتى تعامل معها من قبل مثل الأكياس ` الشيبسى` والعلب والعبوات الكرتونية التى تغلف بها الأجهزة الكهربائية مثلا، حتى الأرجل والأيدى الخشبية للآرائك والكراسى، كلها خامات إستهلاكية موجودة من حولنا ونتعامل معها بشكل شبه يومى. لكن الفنان رضا عبد السلام عاود التعامل معها بشكل خاص أراد به بناء علاقات جديدة لم تكن مطروحة من قبل لهذه الخامات فلقد استبدل الفرشاة واللون بهذه القصاصات الورقية والمجسمات الكرتونية وقام بقصها ولصقها وتجميعها على سطح القماش أو الخشب بغرض عمل اللوحة بتقنيات جديدة وخامات أيضا جديدة والتى قام بتلوينها والرسم عليها وكتابة بعض الكلمات أيضا عليها وأستغل المجسمات فى اختلاف مستوياتها وأبعادها لإحداث نوع من الضوء والظل الذاتى للعمل الفنى هذه التقنيات التى يتعامل بها الفنان فى أعماله هى تقنية ` الكولاج ` وهى تقنية القص واللصق والتقنية الثانية وهى` الاسيمبلاج ` والتى اشتقت من الكولاج ولكنها اختلفت فى استخدام مواد وخامات مجسمة بغرض إضافة البعد الثالث للبعدين الثنائيين للوحه، وتعود بدايات ظهور الكولاج إلى القرن الثانى عشر فى اليابان ثم الثالث عشر فى إيران ، وذلك من خلال التبادلات التجارية حيث كانو يغلفون بضاعتهم بأوراق عديدة استخدمت من قبل لأغراض أخرى، وازدهرت فى القرن العشرين وتأكدت كتقنية فنية على يد براك Braque وبيكاسوPicasso وتتميز هاتان التقنيتان بتفعيلهما لسطح اللوحة مما يربك العين ويخلق لدى المتلقى نظرة وتفكيراً جدلياً تجاه العمل الفنى. رضا دائما ما يبحث فى لغة الشكل المجرد من خلال إثرائها بمفردات جديده فوجد مفرداته فى القص واللصق والخامات الاستهلاكية وتجميع المواد التى اعتبرت منتهية الصلاحية ، فأعاد بناءها وصياغاتها من خلال إدخالها فى علاقات جديدة مع خامات أخرى مما أكسبها الروح الفنية بأشكال جديدة ومبتكرة.
-وعن المواد الخشبية التى أعاد بناءها وإستحدث لها أسلوبا جديدا فى التناول يقول إنها أشبه بالبناء الأولى للتصميم المعمارى والذى تتطلبه العمارة الحديثة حاليا.
-ويقول عن إختياره لقاعة ` إبداع ` أنه يعرض بها لأول مرة وشجعه على ذلك المساحة الكبيرة التى تتسع لأعمالة العديدة فاستحسن مجموعة من أعماله التى أنجزها فى فترة التسعينيات والتى عاود العمل عليها مرة أخرى فى السنوات القليلة الماضية من أجل إحراز نتائج أفضل إضافة لأعمال أخرى جديدة نسبيا فى مجال التصوير كذلك مجموعة من التشكيلات النحتيه المجسمه وبهذا يكون قد استعرض بانوراما فنية متنوعة الموضوعات والتكوينات التى تتفجر فيها طاقة العاطفة وتتضح فيها التجليات الذهنية للمبدع الذى يصبو لحالة فنية جمالية نادرة وأصيلة.

روز اليوسف 10-4-2007
رضا عبد السلام أطلق أحلامه من سجن الذاكره إلى فضاء اللوحة التشكيلية
- بدر الرفاعى افتتح معرضه فى قاعة الفنون
- يبدو المشهد التشكيلى عند الفنان الدكتور رضا عبد السلام مزيجا بين تراكمات
حسيه ذات علاقة وثيقة بالإنسان وبين ثلة من الرؤى التى تتراوح بين التدفق الوجدانى وتلمس مشاعر الآخرين.
- لقد تماثلت العديد من هذه الرؤى الانسانية فى معرضة الذى افتتحه مساء أول من أمس الأمين العام للمجلس الوطنى للثقافة والفنون والأداب بدر الرفاعى وحضره السفير المصرى لدى الكويت وجدى ابو زيد وعدد من السفراء العرب والاجانب والجمهور.
- وكان الحدس التشكيليى هو العنصر الأكثر حضورا فى مجمل لوحات المعرض بكل ما تضمنه من صياغة مستمدة فى الاساس من معانات الناس وهمومهم واحلامهم ومن ثم معالجة هذة المشاعر بلغة تقترب كثيرا من الشعر منها الى الفن التشكيليى.
- وما يتبادر إلى الذهن عند الوقوف امام اى لوحة فى المعرض، صورة الحياة التى تعج بالناس، والتى استخدم فى رسمها رمزا متوافقا تماما مع رؤاه التشكيلية ومع مراحل كشفية اراد لها ان تظهر فى شكل دلالات وايحاءات مختلفة عنه وهذه الرؤية هى الاداه التى يتعين علينا فهمها عند مشاهدة الاعمال المعروضة بكل ما تحفل به من مظاهر غامضة او واضحة، وأبعاد إنسانية اخرى رمزية جذابة.
- وبفضل الوانه البهيجة استطاع عبد السلام الحصول على مشاهدة معبرة وثرية فى لوحاته التى تمايزت بين ايقاعات لونية متحركة واخرى ساكنه للتدليل على اشارات نفسية تعتمل فى المشاعر، ولا تستقر على حالة واحدة كما التزمت ايقاعاته التشكيلية بالمرونه والتناغم الفعال مع بقية عناصر الاعمال.
- واختار الفنان اسماء خاصة للوحاته ، وكان الاسم الواحد يضم عددا من التجارب التشكيلية المختلفة ، فتحت اسم ` مشاهدة بحرية ` قدم عبد السلام عددا من اللوحات التى امتزج فيها الخيال مع الواقع فى اسلوب تأثيرى تارة ، ورمزى تارة أخرى فظهرت السفن والمراكب الشراعية، والصياد، والشاطىء وغيرها، ولقد توصل فى هذه اللوحات التى تحمل اسما واحدا إلى مدلولات انسانية متنوعة، تشى بقدرة الفنان على أن ينوع فى احاسيسه بصورة قريبة الى وجدان المتلقى، وفى لوحات ` فانتازيا شعبيه من ميثولوجيا الزمن الراهن ` رؤى عديدة تضمنت افكارا ذات دلالات روحانية رصدتها ريشه الفنان فى منولوجات داخلية جذابة أظهرت تناقضات المجتمع فى كل ما يتجمل به من احاسيس ومشاعر اما لوحات تراكمات وايقاعات من وحى مدينه القاهرة ` فانها مراحل كشفية أراد لها الفنان أن تستمر فى منظومه عجائبية فوضوية ، اسهمت فى كشف المفارقات التى تعج بها هذه المدينة الكبيرة ذات الاجناس البشرية الكثيفة المختلفة فى الطباع والامزجه وجاءت لوحات ` التحليق فى السماء، والغوص فى الاعماق` على شكل صور متلاحقة ومنتظمة فى حالات متوهجه بالمصداقية والرغبة العارمة فى التصدى لكل ما هو غامض لاكتشاف اغواره والبحث عن غموضه الشديد .
- وعلى هذا الأساس فان الفنان قد تجاوز عبر لوحاته المعهود كى يتجول فى حزمه من المشاعر الانسانية من اجل اكتمال الصورة ومن ثم رسم مغامرة بصرية بأداء تشكيلى متداخل مرن والعمل على أن تتجه عناصر عمله فى معالجه رؤى شديدة الحميمية وأكثر التصاقا باحلام الناس البسطاء مما اوجد حاله من التوازن العاطفى بين ماهو مشاهد على اللوحه من عناصر وما هو مقروء خلف هذه العناصر المتنوعه.
- وربما يكون الحلم هو العنصر الذى تفاعلت معه ريشة عبد السلام بكل ما تضمنه من رؤى مكثفه بأكثر درجه من الايحاء ومن ثم تعميق الصلة بين الناس وهذا الحلم ظهر من خلال توليد مفردات مصدرها شكلى مره وميثولوجى مرة اخرى، وذلك عن طريق دمج عناصر الاعمال المنتقاة من الحياه فى مدلولات عناصر حسية اخرى يمكن قراءتها بين وهج الالوان وتداخلات الخطوط والاشكال.
- كما ارتكز الفنان فى بعض لوحاته على الموروث المحلى التقليدى ولكنه لم ينقله نقلا مباشرا اذ انه ادخل فى نسيجه الرمز مع ما جنح اليه من تعددية التوجهات والاساليب وعدم الاستقرار على صياغة محددة من الممكن ان تتجه فى غير مصلحة العمل لولا ما أقدم عليه من جرأة فى الطرح وسيولة فى الالوان ذات العمق الفلسفى الثرى والجذاب.
- وقد يكون الاغتراب المتنامى عن الواقع هو اساس رؤية الفنان بفضل ما استقرت عليه ملامح لوحاته من حلم يتماثل للظهور فى بعضها ويختفى فى البعض الآخر فى متوالية حياتيه لصيقه بالانسان وهذا الاغتراب هو اساس فكرة المعرض ومظهره الذى رأى الفنان أن يغلفه بالرمز والدلالة.
بقلم : مدحت علام
الرأى العام 19-12-2002
خلاف على صفقة زهيده بين نقابة التشكيليين وهيئة الأستثمار
- ورد الى خطاب أليم من الفنان الكبير الأستاذ الدكتور رضا عبد السلام أستاذ مادة التصوير بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة يشرح فيه صورة للخلاف الناشب بين مائة وثمانية عشر فنانا مصريا تم شراء أعمالهم لدى المبنى الجديد للهيئة العامة للاستثمار دون دفع ثمنها .
- أوضح الدكتور رضا عبدالسلام أن أعمال هؤلاء الفنانين كان قد تم ترشيحها من قبل كل من نقابة الفنانين التشكيليين ووزير الثقافة وأستشارى مشروع هيئة الأستثمار الأستاذ الدكتور حماد عبد الله وأنه قد تم قبولها بالفعل وجرى تنظيمها داخل المبنى بكامله ولكن الهيئة العامة للاستثمار `رجعت فى كلامها` واستغلت الأمر الواقع بعد استيلائها على أعمال مائة وثمانية عشر فنانا مصريا ، وزعمت أن الثمن المقدر له 900 ألف من الجنيهات هو مبلغ كبير لا يمكن الوفاء به كثمن لقاء 160 عملا لكبار الفنانين المصريين .
- والنكته المهمه هنا أن رجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس اشترى وحدة لوحة `واحده` للفنان الراحل عبد الهادى الجزار` المجنون الأخضر` بمبلغ 900 ألف جنية منذ عدة أعوام بينما الهيئة العامة للاستثمار تراوغ وتفعل مع جميع الأطراف فعل المرابين لتخفيض الثمن ، ثم ألقت بالأوراق لدى مكتب رئيس الوزراء هو بدوره لم يحسم، والفنانون ينتظرون تحت مظله من المهانة التاريخية.. نهاية ما سوف تفعله هيئة تتحدث فى صميم تأسيسها عن نكتة ` الأستثمار` و ` المناطق الحرة ` !!
- يقول الفنان رضا عبد السلام بالنص :
منذ نحو ثمانية شهور أعلنت نقابة الفنانين التشكيليين عن قبول أعمال فنية فى مجال التصوير والنحت والجرافيك والتصوير الجدارى بمواصفات معينه على أن تخضع للتقييم والفرز من قبل لجنة فنية ثم ترسل الأعمال المرشحة الى المبنى الجديد للهيئة ` العامة للاستثمار والمناطق الحرة` بمدينة نصر .
- وبعد أن تم ذلك وتم تنسيق الأعمال داخل أروقة وحجرات المبنى المعمارى الفخم من خلال لجنة رفيعة يرأسها وزير الثقافة فاروق حسنى وإستشارى المشروع الدكتور حماد عبد الله ونقيب التشكيليين الفنان مصطفى حسين ومندوب عن الهيئة العامة للاستثمار بدأت عمليات المراوغه على السعر حيث بلغ عدد الفنانين المرشحين 118 فنانا وبلغت أعمالهم 160 عملا جميعها تمثل نماذج مشرفة للفن المصرى، وتعكس رؤى متنوعه وأساليب متعددة .
- وقد بلغت أسعار هذه الأعمال ما جملته 900 ألف من الجنيهات بينما بلغ حجم مشروع المبنى ذاته حسبما يقال ما يناهز 34 مليونا من الجنيهات المصرية .. ثم يحتج الفنان رضا عبد السلام على محاولة الهيئة وتخفيض الأسعار قائلا..
- فكأننا بذلك فى مهرجان السياحة والتسوق وكأن ترشيد الإنفاق متوقف على خفض قيمة اللوحة والتمثال، وأنا لا أريد التلميح عن أسعار لاعبى كرة القدم فى أندية كبرى ولا عن ملايين الدولارات التى تنفق على سلع مستورده انتهت مدة صلاحيتها للاستهلاك الآدمى .. غير أنه شىء غريب حقا أن ينتظر الفنانون التشكيليون رضاء رئيس الوزراء وغفران الهيئة العامة للاستثمار حتى يحصلو على أثمان فنونهم .
- ويواصل رضا عبد السلام قوله:
- إن الاستعانه بالفن بغرض التجميل لكافة المشروعات الاقتصادية والسياحية والثقافية ليست ترفا مظهريا رخيصا بل هى ضرورة مفيدة لصاحب المشروع وللعاملين فيه والمترددين علية علاوة على القيمة الاستثمارية التى سوف تتصاعد حتما لأضعاف أضعافها بعد سنوات قليلة.
- وبعد، هذا صوت لفنان مصرى جاد يكشف عن جانب يجعلنا نتوارى من الخجل والإهانة فماذا يا ترى سوف يرى رئيس الوزراء وإلى متى ينتظر الفنانون وماذا سوف يفعل الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة ونقيب التشكيليين الفنان مصطفى حسين؟!
بقلم : أحمد فؤاد سليم
الوفد 27-5-2004
الأسود يناضل من أجل البطولة
- ` 30 سنة فن ` فى معرض رضا عبد السلام
- انتشرت فى الفترة الأخيرة المعارض الاستيعادية التى اتخذت من الأرقام عنوانا ، ومنها (60سنه فن) لسامى رافع ، وخمسون سنه من الإبداع لصالح رضا ، و( 5+7 ) للفنان محمد طه حسين ، هذه الامثله تجاوزت النصف قرن من الإبداع وأحدث هذه المعارض وليس أخرها بالتأكيد جاء تحت عنوان (30سنه فن ) للفنان رضا عبد السلام 1947، ليكسر قاعدة تجاوز النصف قرن من الفن.. لذلك يقول الفنان عن معرضه : مجرد فكره إقامة معرض استيعادى يضم مجموعه من حصيلة إنتاجى الإبداعى ، لم تكن واردة على ذهنى طالما أعمل بجد أو أنتج فنا بشكل متواصل وأعرض بانتظام كل عام أو أكثر فى معارض خاصة أو مشتركة ، داخل مصر وخارجها طبقا لآلية (الإنتاج والعرض) المعتاد.
- أما عن سبب حماس ` رضا عبد السلام ` لإقامة معرض استيعادى.. فيقول: عندما أخطرنى الصديق الفنان أحمد سليم (مدير مجمع الفنون) بفكرة المعرض وموعد إقامته فى يناير 2005 بقاعتى مجمع الفنون2 و3 ذلك المكان المفضل الذى اعتدت أن أعرض فيه أحدث إنتاجى الفنى ... لم يكن أمامى خيار سوى الموافقة.
- وكان ` رضا عبد السلام ` ابن شط قناه السويس، وبالتحديد مدينه السويس التى عرفت فى الوجدان الشعبى بالمدينه الصامدة ، قد عاكسته ظروف حياتيه صعبة، فاضطر إلى الالتحاق بأعمال بسيطه كثيرة فى فترة صباه وشبابه منها ما يتعلق دوافعه بأسباب اقتصادية ، وأخرى تمثل فيها معانى ومنطلقات سياسية كان يعمل ضمن صفوف عمال مصنع فى زمن الاشتراكيه، إلى أن وجد ضالته فى التحاقه بكلية الفنون الجميلة وتخرج فيها العام 1977 بل ويحصل من نفس الكلية على الدكتوراه التى قام فيها بمهمه تدريس الفنون تلك المهمه التى يحبها.
- لكن الحياة الثقافية والفنية عرفته أيضا رساما صحافياً بأسلوب متحرر من خلال مطبوعات دار الهلال كمجلة المصور، كما عرفته صاحب نزعة تعبيرية من خلال رسوم تعكس انفعالات بأقصى إمكانات فن التخطيطات لكن باللون الواحد .. وهو الحبر الشينى، حيث اتسمت لوحات هذه المرحله بالتلقائية والعفوية الممنهجة.
- لقد جمع معرض ` رضا عبد السلام ` (30سنه فن) بين العديد من مراحله الفنية لكن ابرزها مرحلة الفرعونيات، المولد ، المدينة ، المراكب ، الدخول فى الدائرة ، توترات النفس الإنسانية ، تجلى الجميل ، تداعيات الذاكرة والحلم ، وعلى الرغم من تعدد المراحل وتنوع الموضوعات والقيم الجمالية المستهدفة ظل الإنسان محور كل هذه المراحل وربط بينها اعتماد ` رضا ` على الخط تأثرا بفنون الحضارات التى تأسست على البناء المعمارى للعمل الفنى عبر بنيان وخطوط قوية معبره ، والحرص على وجود أصل لكل الاشياء المتخيلة لذلك يقول أحمد فؤاد سليم : تبدأ لوحات رضا عبد السلام وكأن الخط عنده هو أصل الأشياء، فهو الذى يصل نقاط الإرتكاز ببعضها ، ونقاط التربيع بأقطارها، ويصنع الزوايا التى تؤسس لعمارة اللوحة، وذلك أنه فنان يبنى صورته على الخط بأكثر مما يؤسسها على اللون .
- أما جديد المعرض فهو لجوء ` رضا` الى خامة غير تقليدية وغير مألوفة وعندما استخدم أكياس الاسمنت الفارغة الجديدة وقام بتجميعها على نحو جدارى ليحصل على مساحات عريضة جدا بذلك ثم لون هذا المسطح على نحو عفوى وسريع بألوان الاكريلك، لكن هذه التجربة تجاوزت إحترام ملمس وخامة ورق الاكياس على نحو غير مفيد .
- لقد كان لجمع ` رضا عبد السلام` بين العمل الفنى الصحافى وعالمه الإبداعى الخالص فى لقائه مع الألوان الطازجه الحية ، أكبر الاثر فى ثقافته الفنية الموسوعية واحتكاكه بأهل الفكر ورجال ونساء عالم الصحافة ، كما هيأ المناخ الصحافى له فرصة الإطلاع على الثقافات الأخرى، وأيضا على أحدث ما تعرزه العقول فى العالم من إبداعات فى نفس اللحظة وهى الميزة التى جعلته فناناً حداثياً مجرباً مقتحماً باستمرار لعوالم جديدة، وان ظل محتفظا بالمنطلقات الأساسية للفن المصرى القديم سواء من حيث الصرحية والإمتداد الأفقى أو وجود فضاءات وفراغات، فى نفس الوقت الذى تأتى فيه رؤى وخطوط ` رضا عبد السلام` إمتدادا طبيعيا لفنانى جيل الوسط فى الحركة الفنية التشكيلية أمثال ` سيد عبد الرسول` (1917 -1990 ) ` منير كنعان`1919 -2000 ، أحمد نوار 1945 سواء من حيث التوجه الذى يمزج بين الاصاله والمعاصرة أو البحث والتطلع إلى عناصر تشكل نموذجا يعكس هويتنا بدون أغفال قيم اللحظة الاتية وآلياتها وما تحمله من معان حتى لو كانت مرتبكة.
بقلم : سيد هويدى
البيان 14-3-2005
مصر باللون والصورة والكولاج فى معرض `رضا عبد السلام`
- معرضه الـ 32 فى قاعة ` إبداع `
- ربما كان الفنان ` رضا عبد السلام` ورحلته التشكيلية الغنية المديدة عبر 32 معرضا أكثر تطابقا مع كلمات الشاعر الفرنسى سان جون بيرس( لم تكن رسوم `مودليانى` تجسيدا لأحلامه أو أحلام جميلة ولم يكن يرسم ليشفى جنون فنه ولكن أعماله ولوحاته هى للحضارة ورسم طريق لأجيال تريد أن تستقر أقدامها على صخرة اليقين وتقول: كان هنا فنان عظيم) .
- فى معرضة الثانى والثلاثون يبهرنا رضا بريادته فى مجموعه من الأعمال الفنية المختلفة مابين التصوير والتشكيلات النحتية المجسمه من الخشب كان قد جمعها الفنان بصفتها أشياء هالكه وغير مفيدة وأعاد صياغتها بنائيا على نحو يقترب من ` اسكيزات ` التصاميم المعمارية التى تتطلبها العمارة الحديثة ويقول رضا: انا بهذا الصدد لم أقصد ذلك انما قصدت البحث فى لغة الشكل المجرد ومتعة التجميع والتراكيب والتلوين وحالة التأمل العميق للأشياء التى تقودنا الصدفة أحيانا وكشف كوامنها الجمالية المثيرة .
- وفيما يتعلق بتلك النماذج المنتقاه من بين الأعمال التى أثر عرضها فى هذا المعرض هو ذلك المنحنى التقنى والاسلوبى الذى يجمع بينهما جميعا الذى اعتاد فيه رضا استخدام تقنية ` الكولاج والاسيمبلاج` وهو أسلوب القص واللصق والتجميع لقصاصات ومواد وخامات تفضى الى نتائج غير متوقعه وربما تكون محل جدل للذهن ومربكه للعين نظرا لتقاطعات الأفكار والأحاسيس والتعبيرات الفانتازية الحرة التى تفصح عن كوامن النفس الغامضة وصور الواقع الحياتى من جهه أخرى تكشف أشياء من الجمل وحقائق الحياة.
- أعمال رضا عبد السلام حميميه تقترب من الروح المصرية وتمتزج بها وتحلق نحو أفاق من السحر الذى يؤكد الواقع ويحميه ويدعمه.. ألوان رضا مصرية صميمة تعيدنا إلى ألوان الفراعنة الواضحة الزاهية ورؤيته السياسية شديدة الجرأة والعمق .
- رضا عبد السلام يعمل حاليا استاذا للتصوير الجدارى بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة ولد بالسويس عام 1947 وأقام 32 معرضا خاصا فى مصر والخارج وشارك فى المعارض المحلية والدولية وعمل قوميسيرا لمصر فى كل من يوغسلافيا عام1981 و سويسرا 1987 وتركيا 1989 وأسبانيا 1993 ولندن 1994 وروما 1995 وساوباولو بالبرازيل 1996 والهند 2000 وساهم فى أبحاث علمية وله دراسات فنية حول اعمال الفنانين محمود سعيد ومحمد الشوادى ورؤوف رأفت، صدر له كتابان الاول بعنوان ` الرسم المصرى المعاصر` والثانى` الرسوم التحضيرية وعلاقتها بلوحات مصطفى أحمد` وله كتاب تحت الطبع ` بعنوان شوقى زغلول` والمعرض مقام بقاعة إبداع بميدان أسوان بالمهندسين.
بقلم : نادر ناشد
الوفد 14-1-2007
رضا عبد السلام يعيد صياغة أعماله القديمة
- إفتتح الفنان رضا عبد السلام معرضه الجديد بقاعة ابداع بالقاهرة ويقدم فيه مجموعه من الاعمال التى انجزها فى فترة التسعينات وعاود العمل عليها مره أخرى فى السنوات القليلة الماضية املاً فى الحصول على نتائج افضل مما كانت علية بالاضافة لاعمال اخرى حديثة نسبياً فى مجال التصوير.. وعدد من التشكيلات النحتية المجسمة من الخشب، كان الفنان قد جمعها بصفتها اشياء هالكة وغير مفيدة واعاد صياغتها بنائياً على نحو يقترب من اسكيزات التصاميم المعمارية التى تتطلبها العمارة الحديثة ولكنة لم يقصد ذلك ولكنه قصد البحث فى لغة الشكل المجرد ومتعه التجميع والتراكيب والتلوين وحالة التأمل العميق للاشياء التى تقودنا المصادفة أحياناً الى كشف كوامنها الجمالية المثيرة.
- الفنان رضا عبد السلام من مواليد السويس عام 1974 وهو أستاذ التصوير الجدارى بكلية الفنون الجميلىة جامعه القاهرة، شارك فى العديد من المعارض المحليه والدوليه كما سافر عارضاً وقوميسيراً لمصر فى كل من يوغوسلافيا وسويسرا وتركيا واسبانيا ولندن وروما وساوباولو والهند والكويت والعراق وسوريا.. كما ساهم بالعديد من الابحاث العلمية فى مجال الفن التشكيليى فى المعارض القومية والبيناليات الدولية وله دراسات فنية حول اعمال بعض الفنانين.
بقلم : محمد الفقى
اليوم 20-3-2007
رضا عبد السلام الميلاد الأول
- رضا عبد السلام هو نموذج شديد الخصوصية لفنان استثنائى يحمل موهبة هى بدورها استثنائية.
- وفى الصغر علمته الصحراء غوالى الزمن، وصقيع الرمال فى ليالى الشتاء ، فعكف ليكسب الرزق من ميكانيكا السيارات فى أبو رديس. فاكتسب منها ملكة الصبر، والبحث عن مواطن الخطأ، ومعنى الحركة التى تكسب العضلة إمكانية الأنجاز.
- ما شاهدته يوما خجلا من تلك المهنه الصعبة التى يصف بها الناس أحيانا شكل الدنيا وهوائها ولكنه تشرب أشكال المواتير، والخراطيم، والصواميل، واللحامات، واستدارات الموتور وترربيعاته وآلياته الجوانية، وما سورة العادم وهى تمضى عبر الأشياء كقدر لا فرار منه علمته تلك المهنة الصعبة حدود الاشياء وظليتها فكان هذا الرسم الذى رسمه بالأحبار .
- علمته وضع المجسم فى المحيط الضيق كيف يطبع المرئى، فجعل تصاويره وكأنها تنازع مكانها فى فضائها، وعلمته الوصلات بين الأشياء جسارة الأقتحام من الكتلة المقفولة إلى خارجها والعكس، مثلما علمته تعاظم الجمالية بين علاقات الخامة اللينه والصلبة ، فكهذا جاءات تجاربة فى الأعمال المركبة ، مزيجا من عالم غير متجانس فى محيط متجانس .
- علمه الأصرار ` الأول ` كمثل الميلاد الأول فكره الحرية والأعتماد على الذات ضد الغيب ،إذ هو ليس قدريا يقبل الأشياء على علاتها ، وإنما هو صانع لزمانه ومكانه، وفاعل فى واقعه الحاضر. فليس من حاكميه تحبسه عن الفعل، بل هو صانع للفعل، من حيث ترهنه إرادته وحدة فى مواجهه الكون.
- فى أعمال نجد التجمع والأنشطار، والنظام والفوضى، والتركيب والتفكيك، والتجسيد والتسطيح ، والصلابه والليونه، والعرى والصوفيه. ثم اننا نواجه معه تلك الجسارة التى تنطوى على الفظاظة المثقفة فى رسومه الوهلية. خطوط مستقيمة تؤطرها البدايات الأولى لمرئيات الكهوف البعيدة .
- رسم رضا عبد السلام لوحاته وقد اختار التوازن الحرج للكتلة وهى تشغل ساحة اللوحة فى فضائها الأعلى. على غير ما اعتاد أصحاب التقاليد أن يختاروا وضعة للكتله تتفق مع الأرض التى يحسبها خط الأفق أو خط التلاشى . ان التوازن عنده يأتى من نبض اللوحة ذاتها . من كونها هى بذاتها جسد لها نفس المسامية التى نعرفها فى الجلد الحى. رسم رضا محيط الكون، وأعطتنا رسومه على مدار أكثر من ربع قرن نسقا سرديا لذكورة اللوحة. لقوتها فى التوالد. لقدرتها على الإنشاء والتناسل. تذكرنا بنائياته فى عمارة اللوحة بدأب ` العنكبوت ` وهو يجصى مراكز البدايات والنهايات ، ومناطق الفك والعقد فى التشكيل . وهو لذلك رهين دائما بتلوين المحيط بعيدا عن عنصره الاثير الذى يظل على الدوام ، تحكمه الخطوط المتقاطعة .
- تبدأ لوحات رضا عبد السلام وكأن الخط عنده هو أصل الأشياء. فهو الذى يصل نقاط الارتكاز ببعضها، ونقاط التربيع بأقطارها. ويصنع الزوايا التى تؤسس لعمارة اللوحة. وذلك أنه فنان يبنى صورته على` الخط` بأكثر مما يوسسها على اللون، فالبينى عنده هو خط فاصل بين عنصرين أو لونين، وهو فى ذلك قريب إلى تقنيات بيكاسو وماتيس، وبعيد بنفس القدر عن تقنيات بولياكوف، ويونان .
- رسم رضا عبد السلام أصنافاً للكون جميعاً البحار والأنهار، والأسماك، والقوارب ، والبيوت، والحارات ،والطير ، والملائكة والشياطين ،الجنة والجحيم ، والزواحف، والوحوش ، والأساطير، والنجوم، والنخيل والأشجار.
- والأشجار، والأقراص والمدمجه، والشاشات المبرمجه والعرائس الخشبية، والتمائم واستخدام الكتل الخشبية والخراطيم فى الفراغ ، وفى الحوائط، ولكنه قبل كل شىء رسم الانسان فى كل هؤلاء جميعا كان الإنسان محوراً لجلال المعنى فى الصورة.
- فى رسومه تلك التى اختارها على طول ربع قرن او يزيد لم يترك خامة دون أن يفك بكارتها، فرسم على ورق القطن والكتان، وورق اللف المعرج ، وشاشات سابقة الصنع وسطوح خشبية وقماش معد، وحوائط من الجص، وغيرها .
- ولكنه ظل على مثل عادته اليومية ، وكأنه براجماتى يفلسف الصورة من حيث هى قطعه من واقع متزمن. وهو من أجل ذلك سوف يظل الرصيد الباقى من نتاج زمره الشوامخ اللذين كان اخرهم حامد ندا.
بقلم : أحمد فؤاد سليم

رضا عبد السلام : بدلاً من أن تحضن الدولة الفنان تحاربه وتهمش دوره
- مساحة اللوحة عند الفنان التشكيليى المصرى رضا عبد السلام ، هى ساحة للبوح والتجريب، يودع بين خطوطها المتوترة مكنونات روحة ، وتتجسد خبراته البصرية على حوافها الملتهبة باللون.
- مساحات مضيئة تختفى خلفها أخرى معتمه ، وبينهما يسكن فراغ لانهائى. نقاط تائهه لا تستقر فى مكان ، تحاول عبثاً الدخول إلى الدائرة ، تلك الدائرة التى أفرد لها أبرز تجاربه قبل أعوام، وهى` كتاب الفنان` ، تلك التجربة التى عرضها تحت عنوان الدخول إلى الدائرة. دائرة اللون أو الحياة ، أو ربما دائرة أفكاره التى لا تهدأ ولا تستقر على حال، فهو دائم التجريب والبحث عن صياغات جديدة لأفكاره، مكتشفاً أسرار الخامة وتجلياتها. يرسم باللون أو بالأحبار السوداء، أو ربما يمزج بينهما ، يستخدم قصاصات الورق ، يكشط ويخدش تتحول اللوحة بين يديه إلى ساحة معركة حقيقية ما بين الظل والنور . بين الصياغات الصريحة للشكل وانكساره أمام سطوة اللون وجرأته.
- تركت تجربة الحرب بصماتها على حياة الفنان رضا عبد السلام ، ومثلت إحدى الخبرات البصرية التى كان لها تأثير قوى فى أعماله الإبداعية فيما بعد، خصوصاً أنها سبقت التحاقه بكلية الفنون الجميلة مباشرة. يقول :` كانت تجربة الحب من أكثر التجارب تأثيراً فى حياتى العملية، فقد عايشت الحرب بكل أوجاعها، وهى تمثل لى رافداً بصرياً لايستهان به.وكانت رؤيتى المستمرة للصحراء ، وماتحمله من دلالات ومعان كثيرة ، تأثيرها أيضا فى تجاربى الإبداعية اللاحقة. كل هذا شكل فكرى وثقافتى، إضافة إلى إيمانى العميق. بقيمة الفن وضرورته ، فالفن بالنسبة لى هو الحياة، وهو السياسة والدين ، وحبى للتشكيل لا ينفصل عندى عن حبى للموسيقى والغناء والشعر والأدب، كما لا ينفصل الفن عن علاقتى بالبيت وأسلوبى فى إدارة الأمور الشخصية .الفن بالنسبة لى هو عشقى الأول، إن ابتعدت منه أموت ، فأنا مؤمن بأننى أساهم من خلاله فى بناء المجتمع .هو حالة أعيشها فى كل لحظة، وأنا مؤمن أيضاً بأن أى مجتمع من المجتمعات الإنسانية لا يرقى إلى مستوى التحضر إلا بالفن . فالفن من الممكن أن يرقى بالمجتمع ككل، وإهماله وتهميشه، يحيل المجتمع إلى زمره المجتمعات المتخلفة` .
- التجريب فى الخامة هو سمة تميز أعمال الفنان رضا عبد السلام، حتى فى رسومه الصحافية المنفذة بالأحبار السوداء، نجد فيها حساً تجريبياً نلمسه فى طريقة تعامله مع السطح، واستخدامه المباشر والثقيل للأحبار على الورق، وهو يصف هذه التجربة قائلاً: ` الأبيض والأسود مرحلة مهمه فى حياتى، وهى مرحله ممتدة إلى وقتنا هذا منذ التحاقى بالعمل الصحافى فى منتصف السبعينات، وهى فترة مجهوله لا يعرفها كثير، ظللت فى دار الهلال نحو 25 سنه ، تصاحب رسومى كتابات كبار الكتاب فى مصر أمثال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ولويس عوض وغيرهم. وتمثل الرسوم الصحافية بالنسبة لى رافداً ثقافياً ومعرفياً مهماً له تأثيره فى تجربتى. لقد رسمت كماً هائلاً من سوم الأبيض والأسود . وأنا فى شكل خاص، أستمتع بالتعامل المباشر مع الخامه، من دون وسيط ، ومولع إلى حد كبير بالتجريب. فالتجريب عندى هو طريقة حياة ونزعة شخصية ، لا تفارقنى حتى فى المطبخ` .
-هل تملك تصوراً ما للعمل قبل البدء فى إنجازه وأنت تجلس أمام مساحة الرسم الفارغة؟ .
- أمام مساحة الرسم، لا يكون عندى أى تصور مطلقاً لما أنا مقدم عليه، ولا أضع أبداً أى رسوم تحضيرية للعمل قبل إنجازه أنا أضع اسكتشات بالمئات، لكنى أبداً لا أحولها إلى لوحات، فأنا أحب أن أقتحم المجهول، وهو أمر تعلمته من الحرب. وصدقنى، أنا أثناء ممارستى الرسم لا أعرف فى أحيان كثيرة ما أريد الوصول إليه ،ولكن بعد أن تأخذ اللوحه مداها فى يوم، أو شهر، أو حتى عام، لا بد لى من تأملها وقراءتها من جديد، حتى أعرف ماذا كنت أريد أن أقول... أتأملها كى أفهم نفسى، فاللوحة عندى هى وسيلة لفهم الكون والحياة . أنا أمام اللوحة أشعر بمتعة الكشف ، فالأشكال عندى تخضع لمنطقها الجمالى الخاص بها، وأنت كفنان تمتلك مع الوقت القدرة والخبره والمنطق الخاص بك ، وأنا أزعم أنى وصلت الى هذه المرحلة.
- بعد الثورة نحن على أعتاب مرحلة جديدة .. أحلم بأن يشيد هنا فى ميدان التحرير أكبر نصب تذكارى فى العالم، ولو تطلب الأمر الاستعانة بخبراء ومختصين من الخارج وهذا ليس عيباً.
- لماذا يبدو الفن التشكيلى فى شكل خاص منفصلاً عن الشارع، هل يمكن أن نلقى باللائمة هنا على الفنان؟
- الفن منفصل عن الشاع ، هذه حقيقة، لكننا لا يمكن أن نلقى باللائمة على الفنان. الفنان وظيفته أن يبدع فقط، أما الأمور الأخرى فهى تقع على عاتق الدولة، هى التى بإمكانها أن تخصص مساحات للمجال الإبداعى، وهى التى بإمكانها توظيفة فى شكل لائق، وتقديمه إلى الجمهور فى أشكال وصيغ مختلفه. لقد أهملت الدوله ذلك الجانب، ولم تستثمر طاقة المبدعين، على رغم الفائدة التى يمكن أن تعم إذا ما تم استثمارها فى الكثير من مجالات الحياة العملية بمقدور الدوله التى تنشر الفن وتسن قوانين وتشريعات ترسخ وتنظم تلك الأمور، وهو أمر نفتقده فى مصر، وفى مجتمعاتنا العربية فى شكل عام. فى مصر اليوم هناك نوع من العبثية والعشوائية فى تخطيط الميادين على سبيل المثال، فلم نشاهد على مدى عقود طويله تمثالاً ميدانياً واحداً ذا قيمة ، على غرار تلك التماثيل البرونزية التى تم إنشاؤها فى بداية القرن الماضى.. وبعد الثورة، نحن الآن على أعتاب مرحلة جديدة، لكننى أعتقد أن هذه الثورة لن يكتب لها النجاح إلا إذا آمن القائمون على أمور البلاد بقيمة الفن، أنا أحلم بأن يشيد هنا فى ميدان التحرير أكبر نصب تذكارى فى العالم، حتى لو تطلب الأمر الاستعانه بخبراء ومختصين من الخارج، وهذا ليس عيباً، فليس لدينا بكل أسف من يستطيع القيام بذلك الأمر.نعم لدينا فنانون على مستوى جيد، لكننا فى الحقيقة لا نملك الخبرة والقدرة على التخطيط ،وتوظيف العمل الميدانى فى الشكل اللائق. لذا، علينا الاستعانة بمن لدية الخبرة فى هذا المجال.
- وإذا لم يحدث ذلك، فلن تكون هناك ثورة، ولن تكون هناك دولة مدنية حديثة، وأعتقد أن ذلك الأمر لابد أن يكون من أولويات نواب الشعب الموجودين الآن تحت قبة البرلمان. يجب أن يكون ضمن القرارات الاستراتيجية التى يتخذونها، الدعوة لعمل تخطيط للميدان، وإقامة نصب تذكارى للشهداء، فلن تستقيم سياسة دولة أو اقتصاد إلا بالفن، ولا تكتمل الحضارة إلا بالفن. فلولا ما تركة الفراعنه من معابد وأبنية وتماثيل ورسومات على القبور ما عرفنا شيئاً عن الحضارة المصرية القديمة. وعلينا من الآن أن نربط الفن بواقع البلد السياسى والاجتماعى والتكنولوجى إذا ما أردنا لها أن تطور.
- هل صناعة العمل الميدانى لدينا تعانى أزمة إلى هذه الدرجة، على رغم وجود هذا الكم من الفنانين والمبدعين؟
- نعم ، نحن فى أزمة ، فعلى رغم وجود هذا العدد من الفنانين فى مصر، فإنه ليس من بينهم من يمتلك الخبرة الكافية لإنجاز عمل ميدانى ذى قيمة، ليس لضعف، ولكن لأن الأمر يحتاج بالفعل إلى خبرة وتمرس.
-وذلك نتيجة إهمال الدولة وعدم اهتمامها بذلك الجانب كما قلت لك، فتوظيف الفن وتحويلة إلى شئ ملموس وعملى كما هو متمثل فى تخطيط الميادين والتماثيل الميدانية ، هو دور تقوم به الأنظمه وليس بجهود فردية من قبل الفنانين أو غيرهم .
- ما كان يحدث فى بلادنا عكس ذلك تماماً، فبدلاً من أن تحتضن الدولة الفنان وتقدمة وتحاول الاستفادة من منجزه الإبداعى، كانت تحاربه وتقوم بتهميش دوره ، هى سياسة كانت متبعة فى تهميش المثقفين منذ الخمسينات، وظلت سائدة فى مصر طوال العقود التالية .
بقلم : ياسر سلطان
الحياة 20-3-2012
فن رضا عبد السلام!!
- يجمع النفايات والمفردات الجاهزة من زجاج وخشب وعلب وتراكيب صور .. يجمعها على جسد اللوحة دون اتباع لأى قواعد فنية معروفة، ويبنى بها منحوتات، ويستخدم الألوان، ويغضب بتكويناته ويدعى أنه يداعب المشاهدين بلغة بصرية جديدة فى الوقت الذى استلهم أعمالة من اتجاه فنى متمرد، وأنه محتج على القيم البرجوازية ، واليأس خلال الحرب العالمية الأولى، واستخدم تقنية الكولاج، والتكوينات المجسمة كوسيلة للهجاء والرفض السياسى ، وتحطيم الفن بروح الدادا.
- تجاهل الفنان رضا عبد السلام الحرفية ولم يهتم بالتقنيات المرتبطه بالقيم الفنية التقليدية، هو يكتشف تقنياته الخاصة بأسلوب خشن فى التركيب والتلوين وفقا لقوانين الصدفة ودون الاهتمام بمكوناتها الجمالية، إنه يشكل وفقا لقوانين الدادا، ويترك الجماليات، والتفاعل الفنى والفلسفى للحس البصرى.
- وإن ظهرت الدادا فى بدايات القرن الماضى لتعلن رفضها ومناهضتها للحرب من خلال رفض المعايير والتمرد عليها.. فإن رضا عبد السلام بما لمسته منه فإن رؤاه الاحتجاجية للواقع السياسى والاجتماعى الذى نعيشه تبدو واضحه فى أعماله يترجمها بمفردات متداخله لأشياء غير متآلفه يقوم بإنشاء حوارية بينهم بالتداخل الذى يشير الى تلميحات وأفكار جديدة ومن خلال التلوين الذى يربط ويؤكد ، ويطمس حسب ما يرى لخلق حاله من الجدل حول الأعمال الفنية التى يعرضها .
- وللحقيقة فإن الجدل انتقل من حدود التفسيرات والرؤية الفنية للأعمال إلى انتقاد الفنان واتهامه بالعبث، وتشويه المعانى والأفكار، ورأى البعض أن عبدالسلام لديه رؤية استفزازية مقصوده يصدرها ليستنهض بها روح المشاهد، ويرى فريق آخر أنه يريد التأكيد على أن أى إنسان لديه القدرة على أن يكون فنانا .وفى كل الأحوال فإن أعمال رضا عبد السلام مثيرة للجدل إلا أنه استطاع أن يرسخ رؤاه وأفكاره ، ويقدم عزفا جديدا يخصه فى عالم الفن المصرى الحديث .
- تعامل الفنان مع الأسطح المستويه، واستخدم الكولاج وأضاف مفردات مجسمة، كما شيد مجسمات من تراكيب لخشب مخروط وأجهزة، وأجزاء من النفايات تشعرك جميعها بحالة من الرفض، والسخرية من الواقع تحركها العاطفة فى أعمال كثيرة.
- محمد رضا عبد السلام مواليد السويس عام 1947، تخرج فى كلية الفنون الجميلة قسم تصوير عام 1977، وحصل على الدكتوراه عام 1988. أقام العديد من المعارض الخاصة والجماعية داخل وخارج مصر، وحصل على العديد من الجوائز منها الجائزة الأولى فى الرسم فى مسابقة المعرض العام الثالث عشر عام 1983، وجائزة لجنة التحكيم فى ملتقى الكويت للفن المعاصر2014، وله مقتنيات بمتحف الفن الحديث وبعض المؤسسات والأفراد .
بقلم : د. سامى البلشى
الإذاعة والتليفزيون 25-4-2015
الفنان رضا عبد السلام : النصب التذكارى فى التحرير مشروعنا القومى
- يصف حكومة شرف بأنها عاجزة عن حل مشكلاتها
- ليس فقط لانه فقد عمله مع من فقد من أهالى السويس وليس لأنه عانى مع أسرته وقت التهجير .. لكن لأنه ظل حامل على عاتقه مثل كل شباب سنه هم إسترجاع الأرض المغتصبة بعد أن عانى ويلات هزيمة 67 .. ولان موطنه الاصلى السويس دافع عنها بكل طاقته ورفض ان يهاجر مع من هاجر بل صمم على البقاء دفاعا عن وطنه وبيته محاولا التصدى للعدو.
- لم يكتف بهذا بل سعى للتجنيد وانضم للصاعقة ولم يمر شهر من بعده عن مسقط رأسه السويس - فى فترة التدريب- الا أنه عاد اليها جنديا ليسترد كل ذرة من ثراها من العدو الصهيونى ويستمر فى الجيش المصرى موجودا على الجبهة امام العدو من 67 الى 71 ، أنجزت كتيبته التى تحمل اسم ` 43 صاعقة` العديد من عمليات العبور الهامة أثناء حرب الأستنزاف التى تعتبر بالنسبة له الحرب الحقيقية التى توجت بانتصار أكتوبر حوارى ليس مع الفنان صاحب بصمة قوية وتأثير كبير فى الحركة التشكيلية المصرية انما حوار مع المحارب المواطن شديد المصرية سويسى المولد د. رضا عبد السلام.
- بداية سألته عن ذكرياته التى لازمته فى تلك الفترة ؟ حيث قال:
- بعد هزيمة 67 وإحتلال إسرائيل لسيناء وبحكم أننى من السويس تغيرت وانقلبت الحياه رأسا على عقب .. وفقد شباب ورجال السويس أعمالهم ..وفى ظل المناوشات بين مصر وإسرائيل وكون السويس تحترق كل يوم لما فيها من معامل بترول خام .. اضطر الناس للهجرة.. وكان لابد أن اهاجر مع أهلى لكنى رفضت السفر معهم فقد شعرت بالواجب فى الدفاع عن البلد .. واقنعت أهلى بالبقاء من باب انى أحرس ممتلكاتنا . وتدربت لمدة 3 شهور على حمل السلاح وإطلاق النيران مع الاهالى وبعدها اتخذت قرارا بأن أـقدم للتجنيد وأخذونى فى الصاعقة وأخذونا بعدها بيوم للتدريب لمدة 3 أسابيع بالزقازيق .. ثم حولونا بعدها على طول الجبهه ورجعت للسويس كمحارب .. كان كل شىء يتم بسرعه جدا.. لكن المواجهه بالجبهة كانت مختلفة تماما عن التدريب لاننا كنا أمام عدو حقيقى وصعب.. فمن أول يوم كنا فى تدريبات شاقة وعمليات عسكرية صعبة .. وقد أنجزنا وقتها عملية عبور تعد من أقوى وأجرأ عمليات العبور أثناء حرب الأستنزاف من خلال الكتيبة التى كنت بها وأسمها ` 43 صاعقة` .
- ألا نجد فرقا بين روح الجيش والشعب بعد الهزيمة حتى حصلوا على نصر أكتوبر وبين ما يمر به الشعب حاليا بعد الثورة ؟
- الفرق كبير والمقارنه هنا ظالمة .. هزيمة 67 كانت هزيمة كبرى وكان الغرض منها ضرب مصر وثقلها الاستراتيجى بل المشروع القومى العربى كله ومع ذلك أخذت وقت 6 سنين للاعداد حتى يتم الأنتصار.. أما عن الحديث عن ثورة 25 يناير فان ثورات الشعوب كلها تتطلب سنين حتى يتم تطهير كل أذناب النظام الفاسد وتطوير التعليم وتحديث المصالح والهيئات ووضع هذا الأساس الصحيح أكيد سيكون بمرور سنين .. على الأقل 10 سنوات ووقتها سوف نجنى ثمار هذه الثورة وما يحدث الآن من ظهور شرائح دينية وسياسية مختلفة وأصوات لاطماع ذاتيه أمر طبيعى ومتوقع فضلا عن ذلك ان الشعب مازال فى حالة من التخبط ويعانى من غياب المصطلح السياسى .
- ان المشكلة الأكبر بالفعل هى تحرير العقول .. وهذا اصعب بكثير من تحرير نظام
- كيف ترى تلك الفتره؟
- الـ ` 58 عاما ` تعتبر فترة ليست بقليلة فى تاريخ مصر .. كان فيها شعوب نامية مثلنا لكنها تفوقت علينا .. وظللنا نحن فى طور التكوين وقد انعكس هذا بالتأكيد فى أعمالى حيث تجدين فيها إتسامها بالثورية والجرأة
- وهل ترى اختلاف بعد الثورة
- قبل أو بعد الثورة لا يوجد اختلاف كبير.. لان الشعب لم يتغير ولا يوجد مشروع يتجمع حولة الناس.. بعد نجاح ثورة 19 تم عمل اكتتاب شعبى حتى يتم انجاز تمثال نهضة مصر لمحمود مختار رغم ان الامية كانت أكثر من الآن لكنهم كانو يدركون مدى أهمية الفن فى رفعه المجتمع .. لكن الى الآن رسالة الفن لا تزال غائبة لا توجد أعمال سواء تليفزيونية أوتشكيلية ترقى لمستوى هذا الانجاز العظيم إلا بعض الاجتهادات البسيطة وهنا اتهم الفنانين بالتقصير لان ما أحوجنا الى أن نحول ميدان التحرير الى أكبر نصب تذكارى فى العالم لانه محط أنظار العالم وبذلك سيكون مزاراً سياحيا يعبر عن مصر القديمة والحديثة وأنا قمت بعمل بعض التصورات لتشكيلات نحتية ميدانية .. وقت أن يتم إنجاز هذا النصب يبقى الثورة نجحت بجد.
- إلى هذه الدرجة تربط الفن بالسياسة؟
- نعم لانها ترتبط بوعى الشعب.. وأتمنى فعلا أن يكون هذا محل اهتمام .. وليس ميدان التحرير فقط .. فأتمنى ان يكون هناك ميدان تحرير لكل محافظة
- هل تتوقع أن يتم انجاز مثل هذه الاعمال فى ظل الاضرابات والاعتصامات والمطالب الفئوية ؟
- الشعب المصرى عنده ذكاء يجعله يجنب بعض مطالبة حين يرى مشروعا قوميا لفتات حوله.. ومعروف عنه انه تظهر منه لفتات متحضرة وقت الازمات.. لكن هذه المسألة هى مسئولية الدولة أولاً وأخيراً.
- هذا يعنى أن الحكومة هى المسئولة عما يحدث الآن فى الشارع المصرى؟
- حكومة شرف الحالية كلفت نفسها بأعمال كبيرة رغم أنها ليست إلا حكومة تصريف أعمال مؤقتة لم تستطع حل مشاكلها من الأساس وهى لم تنجح حتى فى أن تعيد للشرطة مكانتها .
- ماذا تتمنى ؟
- أتمنى بالفعل ألا تتحرك كل جهه وحدها. وحتى الفنانون أتمنى أن يكونوا أكثر تنظيما فى عرض أفكارهم ` ومش كل واحد يفكر بطريقة فردية ` اتمنى ان يطرح مشروع النصب التذكارى لشهداء الثورة من خلال مسابقة يتقدم لها الفنانون وأنا على ثقه أن الناس ترحب به وتدعمه ماديا ومعنويا ليتحول إلى حقيقة على أرض الواقع وسيكون مصدر فخر لمصر والعالم أجمع .
بقلم : شيماء محمود
الكواكب 11-10-2011
رضا عبد السلام يبحث عن السعادة بمعرضه ` وطن النعم والمسرات `
- `وطن المسرات والنعم` هو العنوان الذى اختاره الدكتور رضا عبد السلام لمعرضه الــ42 والمنعقد حاليا بجاليرى ضى، حيث اختار ربما للمرة الأولى عنوانا لا يرتبط بالموضوع أو الفكرة كما كان يفعل من قبل ولكنه منحه معنى أوسع وأشمل وصنع علاقة بين الوطن والفن`. فاختار الفن فى النهاية باعتباره الملاذ الأمن والذى يجد فيه السعادة والنعم والمسرات..
- لم ينفصل الفنان عن الواقع الحقيقى الذى يعيش فيه. كون هذا الواقع احد الأسباب التى دفعته لينتج هذا الكم الكبير من الأعمال الفنية، فضلا عن أن المناخ الذى نعيش فيه سواء الاجتماعى أو السياسى أو الاقتصادى وغيره يؤثر فينا كمواطنين ولكى لا يستسلم لهذا الواقع بكل همومه وهواجسه قرر أن يعيش اللحظة السعيدة بالفن ومن هنا كان العنوان `وطن النعم والمسرات`.
- يضم المعرض 67 لوحة تمثل عشر سنوات مضت. كلها أعمال لم يسبق عرضها باستثناء القليل جدا. وبالنظر للأعمال نجد سمة علاقة بينها بتكويناتها المتنوعة وموضوعاتها وحالاتها المختلفة حيث نرى أن كل لوحة أو مجموعة تمثل حالات نفسة وإنسانية مختلفة لكن بمرجعيات ومصادر وروافد نابعة من قلب البيئة المصرية. كلها من وحى التراث والفكر والخيال والأحلام وطفولة الفنان. فأعماله بها حالة من اللعب بالمفهوم الإبداعى على سطح اللوحة لأنه عندما يعمل يتوحد مع العمل. كما تعامل مع الألوان بمنطق خاص يسهم فى خلق جماليات لوحاته ، واللوحة بالنسبة له منظومة لونية لكن هذه المنظومة لابد أن يكون لها معنى وتعبر عن فلسفة خاصة . اللون بقدر ما هو عنصر اساسى لأى مصور لكنه يكتسب مضمونه الجمالى والتشكيلى والفكرى من طريقة معالجة له.. كما تضمن العرض أربع معلقات كانت نتاج معرضه السابق الذى عرضه بمركز الجزيرة للفنون الخاص بالرسم الصحفى والذى يمثل مرحلة مهمة فى حياته الفنية، فقد احتفظ بكم كبير من الرسومات الصحفية على مدى 30 عاما وقام بعرضها كعمل فنى مستقل. فقد رسم معظم روايات صالح مرسى عن الجاسوسية ومنها `رأفت الهجان وسامية فهمى وزهرة الشمس..الخ ` .فجمع الصفحات على ورق كبير بتقنية الكولاج على وجهى اللوحة وجعلها تتدلى من السقف.فنجد اللوحة أو المعلقة تضم صورا وعناوين دعاية وإعلان. المعلقة لا تضم نصا وصورة فقط بل طمس كثير من العناصر البصرية الموجودة ورسم عليها.وجمع رضا عبد السلام بين شيئين:المادة الصحفية التى تعبر عن ذاتها وزمانها خلال الثلاثين عاما التى قضاها فى الصحافة. وهناك جزء يمكن أن يقرأ فى المعلقات فنلحظ أن التاريخ يعيد نفسه من خلال قرأتها، ونجد ارشيفا وواقعا للزمن بعينه. وفى الوقت ذاته هناك العالم الذى رسمه والذى لا ينسلخ عن عالمه وهو العشوائيات. يصنع الفنان كذلك مزيجا من الحالتين` الزمن والحاضر المعاش`. ونكتشف هنا رابطا مشتركا بين المعنى الأدبى الرمزى -إذا جاز التعبير-وبين النص البصرى كلغة تشكيل.وجاءت المعلقات `وجه وظهر` لكى تتاح للمتلقى رؤيتها كعمل فنى تفاعلى ويكتشف أبعادها الجمالية لأنها عمل مرتبط بالفراغ.
- وبمتابعة تجربة الفنان رضا عبد السلام نلحظ أنه أحد المغرمين بإعادة تدوير الأشياء المستهلكة، وتوظيفها، إذ اعتاد أن يحتفظ بفوارغ الأشياء لإعادة استخدامها كوسيط فنى فنى لتحقيق نتائج جمالية قيمة وقد تجلى ذلك فى العديد من معارضه ومنها` البحث عن البهجة فى الأزمنة المنسية`، حيث قام بتجميع عدد من دعوات وبروشورات المعارض بداية من السبعينات وقام بتوظيفها على عدد من الطبالى والتى أصبحت جزءا من الفلكور الشعبى ليقدم بالنهاية عمل نفعى وجمالى.
بقلم : سماح عبد السلام
جريدة القاهرة :23-10-2017
الأحلام مللك للجميع
- ليس من حق ` شاجال ` أن يحلم وحده..
- لم تعد الأحلام حكرا عليه .. ولا الرؤى الزرقاء ملكا له دون سواه .. فهناك عيون كثيرة ملء الدنيا من حقها أن تحلم حتى فى رابعة النهار..
- وإذا كانت أضواء باريس قد أحالت دنيا ` شاجال ` إلى مهرجان دائم ، فإن أطياف أحلامه الوردية التى رافقت طفولته البائسة فى ظلمات ` الجتو ` الروسية ، ظلت تسكب فى أعماقه قطرات من دفء لم يجده فى مدينة الأضواء وعاصمة اللهو وعلب الليل..
- وقد نظن أن نبع الأحلام قد نضب بعد أن استنزفه ` شاجال ` .. وأن الأحلام قد التهمها الفجيج والتكدس والزحام واصطدام الأكتاف والرؤوس .. ولكن فى مثل هذا المناخ المتوتر الصاخب يطيب للعين أن تغفو ، وللنفس أن تستريح .
- والفنان وحده هو الذى يستطيع أن يغمض عينيه فى وضح النهارـ وأن يغلق أذنيه على ضجيج الواقع ، وأن يظلم غرفات نفسه لتختفى كل الأشياء ، ولا يستبقى إلا متعلقاته الحميمة ، ورفقاء قلبه ، يصنع منهما عالمه الصامت صمت الليل الساكن سكون الحكمة.
- وعلى ضفاف النيل، حيث ترقد بقايا عوامات معمرة ما زالت تحتفظ ببعض شبابها القديم وبمسحة باهتة من ماض عريق وأصيل هناك وجد الفنان ` رضا عبد السلام ` وسادته التى يضع عليها رأسه ويستسلم لأحلام الزرقا.
- وفى قاعة الأتيلية ، يدعونا الفنان ` رضا عبد السلام ` لمشاركته أحلامه والاستمتاع بهدوء أزرق وصفاء أثرى.
- الطفل الكبير ينصت إلى نبض الماضى البطىء الإيقاع . يفتح قلبه للأصداء البعيدة ، يعب شذى التاريخ ، يزيح الأستاذ عن قطعة من قاهرتنا التى تقبع فى ظلال النسيان .. عوامات ` بين القصرين` لنجيب محفوظ راقدة هناك تجتر الذكريات .. تغط فى نوم عميق له أزيز كالشخير .. يقترب الفنان من العوامات التى انهكتها السنون ، تشف بعض جدرانها عما وراءها كمنمنمات فارسية تفضح ما يدور فى الخفاء فتاة على موعد ، تتزين أمام المرآة ، تتأهب للخروج .. شاب وشابة يلتقيان فى حضن الليل .. شىء ما يحدث فى حجرة مظلمة ..والكون غارق فى زرقة ` بروسية ` عميقة كجوف محيط.
- وأسراب ` أبو قردان ` تعود إلى أعشاشها فوق أشجار الكافور، تحلق فى سماء قاتمة ، تحمل بمناقيرها أستار الليل لتسدلها فوق أكتاف الكون فتخمد أنفاس النهار .. وينام كل شىء..
- وهكذا يحلم الفنان الطفل بحضن دافىء .. وعش مريح ..!!
- وتنظر العوامة الشمطاء فى حسرة إلى صورتها المنعكسة على السطح الرائق كغانية تتطلع إلى وجهها المتغصن فى مرآتها الفضية فتترحم على شباب عابر وجمال غابر.
- ويتلاشى خط الأفق من اللوحات جميعا .. وتذوب السماء فى الأرض وتذوب الأرض فى السماء .. ويتوحد الكون كله فى فراغ بغير حدود.. الفنان الحالم عدو الأسر، حليف الانطلاق يحطم الفواصل والحواجز والحدود.. يحلق بغير اجنحة فى أثير أزرق .. فمنذ أن رددت الأساطير حكايات البراق والسرخ وبساط الريح .. ومنذ أن ذابت أجنحة ` إيكاروس ` الشمعية تحت لسعة الشمس وهو يحلم بغزو الفضاء . ويتطلع إلى السماء بلا انقطاع ، وعيناه لا تكفان عن النظر إلى فوق .. إن حلم الفنان الأبدى هو التخلص من جاذبية الأرض.
- ولذلك عندما رسم الفنان أرجوحة لفتاه أحلامه ، فإنه لم يثبتها فوق غصون الأشجار وإنما أدلاها من السماء لتتأرجح الصبية مع فرحة اللون الفضى الذى يضمها من كل جانب.
- وقد تتضافى الألوان ` الصدفية ` تحت أهداب فرشاة ناعمة كالحرير وتذوب فى بعضها كما تذوب قطعة ` البومبونى ` فى لعاب حسناء الليل .. وقد تتخاصم الألوان المتباينة فيقيم الفنان بينها الحواجز والحدود والسدود . وهنا تفرض سكين المعجون سيطرتها وتؤكد صلفها العنيد.
- ويحتد الجدل بين الألوان البنية والزرقاء ، وبين اللمسات الناعمة واللمسات الرعناء فيطل قمر زنجى من فجوة فى غمامة بيضاء ليعقد صلحا بين الأضداد وكأنه يقول .. دعوا الأطفال يلعبون على الشاطىء فى سلام!
- ويظهر الفنان الفراغ من جميع الأشياء فيخلو الجو إلا من أطياف تسبح فى سماء فى لون الفضة وبوابة أسطورية يفتحها على الفضاء الفسيح .
- وكأنه يدعو أطيافه إلى قصره الأثيرى الرحيب رحابة الكون النقى نقاء قلب طفل.
- وتتسلل الظلمة كدخان أسود ينفثه ، مارد إفريقى عملاق، تغوص فى أحشاء الزرقة ، تهرب الأضواء ترتعش الحدود ، البرودة تلهب أوصال الأشياء تتأكل أطرافها فى ليل بارد بلا دفء.. وضوء أحمر كفوهة بركان ينبعث من مؤخرة عوامة سهرانة ، يرسل وهجا يطعن الليل يدمى قلب المارد الأسمر والبرد لا يتقهقر..
- الألواح الخشبية فوق الأسقف كضلوع نخرة .. كأصابع بيانو عتيق له إيقاع ونغم عجوز وأزير معمر ، وصوت مبحوح ، ينوء تحت أعمار طويلة .. وأحداث لها تاريخ .
- فتحات النوافذ والأبواب ترصع الواجهات كأنها أوسمة ونياشين على صدر محارب قديم فانتازيات طفولية ممزوجة بأحلام مراهقة .. أحلام سيريالية ` شالجالية كوابيس ` دالية ` .
- وسلم يصعده طفل يتدلى من إحدى العوامات والسلم لا يقف على الأرض بل يتكىء على فراغ .. وعندما ينعدم الوزن والجاذبية، تقف الأشياء على لاشىء .. والسلم له تأويل فى قاموس الأحلام، إنه طموح وتطلع إلى أعلى ،إنه وسيلة الصعود عندما يفتقر الجسم إلى ريش وجناح ويتعانق الأزرق البروسى والأحمر القانى فى غيبة الأصفر الغيور .. الحلم والواقع يلتقيان بغير وسيط.. الأصفر ليس له وجود فى جميع اللوحات .. والعزف على الأوتار الغليظة فقط فى مصاحبة الملمس الصدفى والفرشاة الناعمة وسكين المعجون والصحو والنوم ، والغموض، والوضوح الغامض.. والعوامات هناك تهمس فى أذن الشاطىء حديثا غير مسموع.
بقلم : حسين بيكار
من كتاب أفاق الفن التشكيلى
ميلاد التجاوز من رحم الارتباط
- فى معرض رضا عبد السلام الأخير بمجمع الفنون
- لكى نستطيع الولوج إلى آخر إبداعات رضا عبد السلام يجب أولاً أن نحاول دراسة المراحل التى مر بها والمؤثرات والتيارات التى شكلت عقله ووجدانه حتى وصل إنتاجه الإبداعى إلى صورته الحالية.
- يقول بيكاسو `ظللت فترة طويلة من مراحلى الأولى أحاول التخلص من طفولتى وفى مراحلى الأخيرة بذلت مجهوداً كى أستعيدها ثانية` ومن هذه المقولة لفنان عالمى تأثر بحضارات كثيرة وأثر فى فنانين كثيرين يتضح لنا وجود تناسب طردى بين اقتناص الفنان لخبرات السنين وبين قدرته على اجترار مفردات الذاكرة فكلما تقدم الفنان فى العمر وأصبح متوحداً مع المتغيرات الزمنية والمكانية كان أكثر قدرة على استجلاء موروثه البصرى الأول.
- ومن هنا سنحاول استثارة العقل النقدى الفاعل دون الاحتماء بنظريات نقدية تحرمنا جدلية الحوار ومرونة الرؤية من أكثر من منظور.
- من يتابع إبداعات رضا عبد السلام الأولى يجدها تحمل على مستوى المضمون `الإنسان والآلة والحرب` الكثير من التعبير عن الذات والإحساس الكونى العريض مختلطاً بقدر من الخيال واستدعاء الغيبى واللامرئى وعلى مستوى الشكل كأداة للتعبير نجد استخدام المساحات العريضة وضربات الفرشاة الجريئة وهى عناصر تولد طزاجة وتوتراً داخل مسطح التصوير كما كان الخط أداة هامة من أدواته لخلق المعادل الديناميكى فى الصورة أما العنصر البشرى فلم يكن بطلاً أساسياً فى الصورة وإنما حصل على دور مساعد للأدوار الشكلية السابقة وإن كان دائماً فارساً للمضمون.
- وكان الفنان عاملاً فنياً بشركة أبو رديس للبترول بسيناء من عام (1964-1967) أى من السابعة عشرة حتى العشرين لأنه من مواليد 1947 بمدينة السويس بالإضافة إلى أربع سنوات من عام (1967-1971) قضاها مجنداً بالقوات الخاصة (الصاعقة) وهنا ندرك على الفور مدى تأثير تلك الفترة على إبداعه التصويرى عقب تخرجه من كلية الفنون الجميلة عام 1977، فإن هذه المراحل أثرت عليه تأثيراً مباشراً، فالفترة الأولى (64-67) بشركة البترول أكسبته الإحساس بالآلة وعلاقتها بالإنسان ومدى قدرته على تحريكها رغم ضخامتها، والفترة الثانية (67-71) بقوات الصاعقة عمقت لديه الشعور بقدرة الإنسان على مواجهة آلة التدمير التى صنعها وإستطاعته دحر قوى العدوان واستحضار روح البطولة، خاصة أنه غير خاف على الجميع ، مدى حساسية تلك الفترة سياسياً وعسكرياً على المواطن المصرى (فترة الهزيمة - حرب الاستنزاف) وقد استوعب تلك الفترة بل واحتواها بصدق وهذا واضح من لوحات الفنان من 1977 حتى 1991 عندما بدأ يستعيد دهشته الأولى وينهل من قاع موروثه البصرى حيث مدينة السويس بمفرداتها الطبيعية الساحرة (البحر - الصيادون - المراكب...) وتراثها التاريخى وقد تأثر بفترة حرب الاستنزاف بعض الفنانين كان من أبرزهم أحمد نوار والذى جند أيضاً بالقوات الخاصة فى تلك الفترة وأثرت على صلب إبداعه بشكل كبير. وفى الحقيقة لانستطيع إغفال بعض الجوانب الهامة فى شخصية رضا عبد السلام والتى كانت مؤثرة فى إبداعه، فهو فنان يطغى الجانب الوجدانى فيه على العقلانى، متدفق الأحاسيس، يجيد خلق علاقة إنسانية سريعة ومباشرة دون الركون إلى حسابات عقلية رتيبة دافى المشاعر فإذا جاز لنا أن نمزج هذه الصفات الذاتية مع حساسية مرحلة (67-71) لاستطعنا أن نستوعب الجانب الشكلى الذى ولد من اللاشعور والذى يتمثل فى قوة الأداء ورحابة المساحة وسخونة اللون والتى تعطى إحساساً بالانفجار التعبيرى، بالإضافة إلى ظهور العنصر البشرى متوحداً مع عناصر الصورة فى تلك المرحلة، مما أظهرها فى نسيج متناغم متجانس وإن حاولنا استنباط مؤشر لأسباب وضوح هذا التلاحم النسيجى لوجدنا أن الفنان قد توحد نفسياً وفكرياً مع هذه الفترة (67-71) مما جعل ظهور الجسد البشرى نوعاً من أنواع اجترار الذات.
- التجربة الفنية والتجربة الجمالية:
- لابد أن نفرق أولاً بين التجربة الفنية والتجربة الجمالية يقول جيروم ستولينيتز فى كتابه `النقد الفنى` ترجمة فؤاد زكريا - ص117 `إن الفن شىء والتجربة الجمالية شىء آخر يبنغى أن يدرس فى ذاته، ويقول أيضاً `يجوز أن الاعمال الفنية تعبر عن انفعال ولكن الموضوعات الطبيعية لا تعبر عن مثل هذا الانفعال فالموضوعات الفنية لا تؤلف إلا جزءاً من الموضوعات الجمالية`، فإذا اعتبرنا أن مرحلة `الإنسان والآلة والحرب` هى تجربة فنية صاحبها كثير من الانفعال والتفاعل مع مقتضيات مرحلة فهل لنا أن نتساءل؟ أين التجربة الجمالية الحقيقية لرضا عبد السلام؟ والإجابة ستجدها قطعاً فى معرضه الأخير والذى أقيم فى مجمع الفنون فى فبراير الماضى والذى يتناول فيه موضوع مراكب الصيد كجزء من المنظر الطبيعى (Landsca Pe) بشكل جديد يتجاوز التناول التقليدى لمن سبقوه فى هذا المجال ومنهم على سبيل المثال (كامل مصطفى).
- وكما ذكرنا سلفاً أن هناك علاقة طردية بين خبرات الفنان المكتسبة وبين قدرته على استشفاف الذاكرة، ولأننا ربطنا بين فترة تجنيد الفنان فى الصاعقة وعمله فى شركة البترول وبين تجربته الفنية `الإنسان والآلة والحرب` فلنحاول إذاً الربط أيضاً بين تجربته الجمالية الأخيرة (مراكب الصيد) وبين الفترة المحصور بين ميلاده 1947 بمدينة السويس وبين عمله بشركة ابورديس للبترول 1964 أى خلال السبعة عشر عاماً الأولى من حياته، وهى التى شكلت مكتسباته البصرية الأولى.
- وفى الحقيقة أن هذه المجموعة التى تناول فيها مراكب الصيد كانت أولى المؤشرات على استيعابه لمتغيرات جديدة داخل ذاته تفاعل فيها اكثر مع المرئى وتوحد فيها مع نسق جمالى جديد وهو الطبيعة، وإن كان قد ظهر على مستوى الشكل أنه جديد إلا أنه كان استحضاراً لمخزونه البصرى الأول، وقد اتسم طرحه فى تلك المجموعة بواقعية التناول دون السقوط فى هوة الفيزيقية `قوانين الظل والنور` وسهولة وسرعة الأداء محافظاً على متانة بناء الصورة مسيطراً على تكويناته دونما انفلات، ومن ملاحظة بسيطة نجد أنه فى الفترة من (77-81) عمل رساماً صحفياً بجريدة الأهرام ثم من 81 حتى الآن بجريدة المصور وقد اكتسب من هذه التجربة سرعة الإنجاز فى التقاط الصورة دون الإضرار بالقيمة الفنية للعمل، بالإضافة إلى رسالة الدكتوراه التى حصل عليها عام 1987 فى الرسوم التحضيرية فى التصوير المصرى المعاصر، والتى من المحتمل أنها أمدته أيضًا بالحيوية والطزاجة فى الرؤية البصرية.
- الفطرى والمكتسب ومحور الذات:
- تظل روح الفنان دائماً قلقة ومتوترة ويزداد حجم القلق والتوتر كلما كان البحث عن الذات بدأب وإصرار ورحلة البحث هذه محفوفة دائماً بخطين متوازيين هما الفطرى والمكتسب والفطرى هو حجم الموهبة لدى الفنان والتى تغذيها عد موروثات منها البصرى والاجتماعى والدينى والسياسى.. الخ. أما المكتسب فيتمثل فى المهارات الفنية (التجربة الفنية). السفر، القراءة والاطلاع، الحوار.. الخ وهذان الخطان يجوز أن يسبق أحدهما الآخر فإذا تقدم الفطرى على المكتسب جنح المنتج للتلقائية وإذا تفوق المكتسب على الفطرى افتقد الإبداع لعنصرين من أهم عناصره وهما الروح والانتمائية (الهوية) ولكن هناك نقطة سنسميها مجازاً بنقط التوازن والتى يستطيع الفنان الإمساك بها كلما زادن خبراته والتحمت مع موهبته أى كلما اقترب الفطرى من المكتسب، ورضا عبد السلام يكاد يمسك بهذه النقطة أو يحاول مستفيداً من السفر إلى بعض البلاد الأوروبية (أسبانيا - انجلترا - سويسرا) حيث استشف الفنان هناك التكامل بين الحس الجمالى للفرد وسلوك حياته اليومى. وقد أضاف بكل هذا إلى روحه الانتمائية وموهبته الفطرية بالإضافة إلى عمله فى الصحافة وتجربته العسكرية.
- يخوض الفنان غمار تجربة جمالية مسبوقة فى موضوعها ولكن بتناول جديد فموضوع المراكب تناوله فنانون من قبل بشكل واقعى أو تأثيرى وفى الحالتين كانوا محكومين بقوانين المرئى (الظل - النور - البث - المنظور) أما رضا عبد السلام فيتعامل مع المراكب والبوارج العملاقة بقانون الرائى أى قانونه الذاتى فهو يستخدم المركب كوحدة من وحدات التشكيل يحركها حسبما يقتضى الموقف الإبداعى على المسطح فوحدة التشكيل هنا (المركب) تتحول عنده إلى خطوط ومساحات يتناولها من عدة مساقط فإذا نظرنا إليها رأسياً تتحول إلى عدة خطوط منحنية تتناغم مع بعضها البعض ويتوالد معها الإيقاع الخطى وإذا تعاملنا معها أفقياً نجده يحولها إلى مساحات عريضة متجاورة تضع العمل بين الواقعية والتجريدية، فهو لم يزل محكوماً ببعض قوانين المنظر الطبيعى وإن كان يحاول التمرد عليها كلية وإن جاز لنا تسمية الحالة فلنطلق عليها المنظر الطبيعى الجديد أو New Landscape`` وعلى الأرجح هناك رباط بين محاولة الفنان تكسير المنظور إلى خطوط ومساحات بشكل نسبى وبين قدرته فى المراحل السابقة على الانفعال والتعامل بروح الحدث عن طريق المساحات الصريحة والخطوط القوية فإن كنا قد فرقنا بين تجربته الفنية والجمالية إلا أن بينهما رباطاً أكيداً وهو التجربة الإبداعية نفسها. أما بالنسب للجسد الإنسانى فهو هنا أيضاً يبدو مختلفاً عن التجربة السابقة التى كان فيها قريباً إلى الكتلة. أما فى تجربته الأخيرة فيتحول إلى خطوط أيضاً وإن عابه عدم انسجامه مع بقية العناصر وبدا مقحماً فى مرحله متأخرة من العمل ربما لندرة تواجده داخل النسيج العام نتيجة اهتمام الفنان أكثر بالعنصر الأساسى (المراكب) والجسد هنا لم يزل أقل نضجاً فى التناول من ذى قبل فقد كان فى تجربته الأولى حمل أبعاد الذات والشخصية أما هنا فلم يتجاوز بعد حدود المرئى وإن كان بتصرف.
- والجسد أيضا أوحى أن البعد الثالث لم يختف تماماً فعندما يدخل الجسد الشكل يزيح جميع العناصر إلى الخلف لأنه ليس من نسجها وهو عنصر ضرورى أن يلتحم مع العمل.
- أما اللون الأزرق فيسود الأعمال تقريباً عكس التجربة السابقة التى سادتها الألوان الساخنة (أحمر - برتقالى - أصفر) وهنا يجوز لنا أن نطل على هذه المفارقة من أكثر من مسقط دون قطع.
- يقول الناقد محمد حمزة فى دراسته عن اللون الأزرق:
- وفى المجال العاطفى يوحى الأزرق بالسلام كما دلت تجارب العلماء على أنه اكثر الألوان تهدئة للنفس والأعصاب، فالمنظور الأول الذى يدعونا للنظر من خلاله هو أن تكون دواخل الفنان نفسه فى حالة سلام مع الذات ومع الآخرين فقد اختلف العمر فى هذه المرحلة عن سابقتها والتى كانت تحمل بشكل أو بآخر أبعاداً سيكلوجية خاصة.
- والثانى هو اختلاف الإيديولوجية السياسية للفترة نفسها، فقد كانت دوافع الحالة الأولى (هزيمة - حرب استنزاف - اغتصاب أرض) وبالتالى صعب معها ظهور اللون الأزرق بكثافة.
- أما الآن فنحن فى حالة سلام (نظرى) أو على الأقل لسنا فى حالة حرب أضف إلى هذا زرقة البحر فى مدينة السويس والتى أثرت فى موروثه بشكل مباشر وفى مثل هذه الفترات السلمية تغلب الرومانسية على التراجيدية ويتوارى فن الحدث (Happening Art) وتسود التجارب الجمالية على التجارب الفنية.
- وقد استخدم الفنان اللون الأسود بجرأة تحسب له فى معظم الأعمال وربما حل هذا اللون بطلا بعد الأزرق بكثرة استخدامه له كوسيط أوحد فى الرسوم الصحفية التى أثرت عليه أيضاً فى سرعة الأداء والثقة فى اللمسة الأولى التى لا تعرض وإن كان إيقاع اللون الأسود قد انفلت فى قليل من الأعمال وأضر بالانسجام العام إلا أنه بشكل عام قد استخدم بتمكن وسيطرة كبيرين ويستوقفنى هنا عدة نقاط منها ما هو تعجبى والآخر استفهامى وقد أسمح لنفسى بما هو تقريرى.
- هل تتطور التجربة لتتجاوز الواقع تماماً وتستلهم روحه فقط؟ والإجابة عن الفنان نفسه وإن كنت أتوقع أن الحالة ستتحول إلى استلهام للموروث فقط واستيعاب لروحه الزمانية مستفيدا من استيعابه لتجارب سابقة.
- هل يتناول الفنان تجارب جمالية أخرى مثل المراكبية وجنود الأمن المركزى؛ على حد قوله؟
- هل يستطيع رضا عبد السلام أن يقبض على عصا التوازن بين الجمالى والفنى بين الوسيط والغاية بين الفطرى والمكتسب؟ هذا سؤال يحتفظ الإبداع لنفسه بإجابته، وبغض النظر عن الإجابة فقد أغنانا رضا عبد السلام عن الصراخ والعويل والقتال تحت رايات `التجاوز` و`التمسك` و`العولمة` و`الهوية` و`الحداثة` و`القومية` فجمع نفايات الورش وبقايا القمامة إن التقعر فى النقد لا يمثل تجاوزاً أو عولمة. فتباً لعالم نستعير منه بصمة غيرنا ولنا عليه بصمات. كما أن حاملة الجرة - الفلاح - الصياد - وبائع العرقسوس لم ولن يستطيعوا أن يمنحوا بطاقة الهوية التى هى أرقى وأسمى من أن يهبها السذج أو المتقعرون.
- فرضا عبد السلام اقتنص بطاقته بإبداعه وختمها بصدقه فباب الهوية الوحيد هو الصدق.
بقلم : الناقد/ محمد كمال
مجلة : إبداع ( 1 نوفمبر 1988)
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث