`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمد خليل محمد مندور

- حدثنا تاريخ الفنون العالمية عن موسيقيين بدأوا حياتهم الإبداعية وهم مازالوا أطفالاً فى الثامنة من عمرهم، حتى أن بعضهم قد وضع سيمفونيات فى هذه السن الباكرة .
- لكنه ـ أى التاريخ ـ لم يحدثنا عن فنانين تشكيليين بدأوا حياتهم الابداعية فى هذه السن. إلا أننا فى مصر نجد فنان الآنية : محمد مندور (47) سنة بدأ مسيرته فى السادسة من عمره فى فواخير مصر القديمة، يصنع أوانيه على القرص الدوار حتى أصبح تشكيل الصلصال بهذه الطريقة لايشغل باله فى كثير أو قليل والآن حين يقدم أوانيه الفنية الجمالية فى المعارض الفردية أو الجماعية. يعتبر بلا جدال أستاذ الفورم أى شكل الحجم، فمسألة الصنعة الفنية لا تأخذ من تفكيره ولامن مشاعره وقتاً بعكس الفنانين الآخرين الذين تدربوا على تشكيل الصلصال على القرص الدوار بعد التحاقهم بالكليات الفنية. الأمر الذى جعل من أوانى مندور تشكيلات فنية حقيقية مبعثها الإحساس الشعور، ودافعها العاطفة القوية.فهو كمؤلف الموسيقى الذى لا تشغله تقنيات العزف على العود واللعب بأصابع البيانو، من المعروف أن فنانى الآنية فى مصر قليلون لايتجاوزون أصابع اليد، ومعظمهم خزافون ينشغلون بأشياء أخرى الى جوار الآنية الفنية ينشغلون بالترابيع الخزفية والتكسيات الحائطية، وأما مندور فلا عمل له سوى إبداع الآنية الجمالية غير النفعية التطبيقية فأوانيه كاللوحات التصويرية والتماثيل نراها لقيمتها الجمالية وليس لوضع الزهور او الاحتفاظ بالحاجات.
الفنان الناقد/ مكرم حنين
الاهرام 29 /6 /97
ابن الفسطاط .. وسيد بنت النار
- الفخار .. ابوه .. وامه النار ..
- وبهذا الحسب والنسب استحوذ `الفخار `على مكانته فى كل الحضارات منذ استقر الإنسان بالقرب من منابع المياه واكتشف السنة اللهب، مكتويا بها حينا، ومروضا أسرارها وجبروتها أحيانا .
- ورغم ان الفخاريات ـ بهذا النحو ـ ليست حكرا لحضارة بعينها، فان لها مع المصريين علاقة بالغة الخصوصية، تتجاوز الوشائج المألوفة بين الإنسان والأشياء .
- فمنذ اجدادنا الفراعنة وحتى سنوات قليلة ماضية، كان الفخار اكثر الاشياء التصاقا بحياة المصريين، وقاسما مشتركا بينهم على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية، ولا عجب اذن ان راينا ان الاوانى والقدور والاطباق والطواجن الفخارية كانت مفردات أساسية فى حياة كل مصرى وفى مستلزمات اى بيت فى الريف او الحضر .
- ثم ان هناك ذلك الاختراع المصرى العبقرى الذى يجمع بين الوظيفية والقيمة الجمالية، اعنى ` القلة `التى كانت بمثابة `الثلاجة ` قبل ان تخترع الثورة الصناعية `الفريجيدير ` .
- وقبل ذلك كله، وبعده، كانت مصر هى البلد الوحيد الذى يرتبط فيه الميلاد بالفخار، حيث كان `أبريق السبوع ` ولا يزال ـ الطقس الاهم فى حياة كل مولود تتفتح عينيه على ارض الكنانة .
- وبهذه الرابطة البالغة الخصوصية اكتسبت الفخاريات المصرية طابعا فريدا عبر القرون، مثلما اكتسب `الفخرانى` المصرى روحا مميزة .
- ومن بين صفوف هذه الكتيبة العجيبة من الخزافين الذين تفخر بهم مصر المحروسة عبر تاريخها الطويل والعريق، استطاع الفنان محمد خليل مندور ان يشق لنفسه طريقا مخصوصا، وان ينتزع لذاته `زاوية ` تحمل اسمه وبصمته فى `رواق` هذا الفن الجميل، وان يفتتح أبواب مدرسة هو ناظرها وعميدها وكبير معلميها، بحيث أنك تستطيع أن تتعرف على أعماله من الوهلة الاولى من بين ألف عمل .
- فإبداعات `مندور ` لها نكهة خاصة، ومذاق متميز، وروح نادرة، جعلت الفنان الكبير الراحل `بيكار` يطلق عليه لقب `ابن الفسطاط ` لانه ورث تقاليد فواخير مصر القديمة، وتشرب رحيقها، وتمثل ادبياتها وتقنياتها، واستوعبها جميعا مثلما يرتشف النحل رحيق الازهار ليخرج لنا منها عسلا وشهدا يثلج الصدور ويشفى المكلومين ويسر الناظرين .
- واذا كان الفخار المصرى يحتل مكانة القلب فى من الفخار العالمى، فان فخاريات وخزفيات محمد خليل مندور هى مفخرة الخزف المصرى المعاصر .
- وبعبارة اخرى فان الفخار المصرى هو خلاصة فخار العالم، ومحمد مندور هو خلاصة الخزافين المصريين، أى انه خلاصة الخلاصة .
- وهذه المكانة المتميزة التى تتبوؤها ابداعات `مندور` لم تأت بالصدفة، كما لم يكن طريقة لانتزاعها مفروشا بالورود. بل هى محصلة رحلة كفاح مذهلة،ومسيرة تعلم وتجريب مضنية، وقصة اجتهاد واخلاص وحب لدرجة العشق والتبتل فى محراب هذا الفن الجميل، والتأمل الحكيم فى دفاتر اسراره، من خلال حوار عبقرى بين الطين والدولاب واكاسيد الالوان ودرجات النار وانامل الفنان الموهوب المقتدر .
- اما محصلة هذا الحوار الابداع فهى تلك الاوانى والقدور الممشوقة والشامخة التى يتحفنا بها مندور، فتلهب خيالنا وتطلق تبصراتنا، اذ تأخذنا خطوطها وانحناءاتها وألوانها وظلالها وحناياها فى رحلة سرمدية تمتد جذورها الى مصر الفرعونية والقبطية والاسلامية وتشرئب هاماتها لتلامس سماوات العصر وتخوم المستقبل .
سعد هجرس
العالم اليوم

- الفنان محمد مندور، المقيم بالفسطاط، مدينة الفخار والخزف، حيث صدى الزمان وصوت التاريخ، يحيا الفنان وينثر أعماله الخزفية متأثرا بالمعمار المصرى - الذى يسكن روح الفنان - قد يكون فى سموق مئذنة، أو فى قباب بيت يسرى الضوء عليها فى تناغم .
- كما تأثر أيضا بتشكيل الأوانى المصرية القديمة فالتراث لدى `مندور ` منبع للإلهام والرؤية الفنية، وتتسم أعماله بالشخصية المصرية، وتقول `ميرفت السويفى` عنه : لقد استلهم من التراث الإناء وطوره، وأبدع من خلاله أشكاله التى تميزت بالتقنيات العالية، بالتحكم فى بناء أشكال الآنية على الدولاب، وأوانيه ذات طابع إسلامى شرقى مصرى متميز، وقد ركز ابتكاراته فى شكل الإناء وتقنياته، أما الطلاءات الزجاجية فتأتى كمكملات للشكل الخزفى ` .


ماجدة سعد الدين
جريدة القاهرة - 2010

- محمد خليل مندور من فنانى الآنية القلائل، الذين يعملون كل الوقت ويتقنون التشكيل على الحجر `القرص الدوار `، درج وشب وترعرع فى فواخير ` مصر القديمة ` مدينة الفسطاط الأثرية التى كانت من أكبر المراكز الثقافية فى العصور الإسلامية، اشتهرت بإنجازتها فى فن الآنية الخزفية وكانت إلى عهد قريب أهم مركز فى مصر لصناعة الفخار الشعبى ، يستطيع الملتقى أن يجد تفسيرا للمذاق الشرقى المصرى فى أوانى `مندور ` لأنها تنتمى إلى التقاليد المتوارثة التى تنشأ بينها فى مدينة الفسطاط .
- لفرط سيطرة مندور على الحجر تمكن من تشكيل صحون وصلت أقطارها إلى المتر وبلغ سمكها ما يزيد قليلا على السنتيمترين، ومن المعروف أن مثل هذه الفورمات تتطلب تقنية خاصة فى التجفيف والإنضاج، لأنها تصبح لينة كالعجين فى درجات الحرارة العالية داخل الفرن، وقد تحرق أكثر من مرة حين تزخرف وتلون.. بينها صحن قطره 82.5 سم برسم عراقى كلاسيكى نقله من المراجع الملونة المصورة، فقد تعلم من أساتذته أن نقل التراث طريق إلى تذوقه وفهم أسراره، فنقل تصميمات إيرانية وعراقية ومصرية، قبل أن يضع تصميماته الشخصية، أما بالنسبة للأوانى الرأسية كالزهريات والسلاطين، فقد وصل بارتفاعاتها إلى ما يزيد على 70 سم، فى رشاقة واعتزاز وسموق، يرتكز بعضها على قاعدة لا تتسع لأكثر من سنتميترات قليلة، مستعرضا قدرته على إبداع فورمات متزنة، بالرغم من حتمية العلاقة بين سعة الفوهة وسعة القاعدة، عمد مندور إلى هذه التشكيلات من باب التدريب واستعراض المهارة .
- أوانى محمد خليل مندور إضافة ذات مذاق فريد إلى حركة فن الآنية الحديثة ذات الهوية المصرية صاحبها فنان كل الوقت، لم يشغله عمل آخر عن الإبداع طوال حياته، مندور يجسد الخيال ويحقق الشكل والحجم والإسقاط الفورى تساعده الموهبة وقدرته الفائقة على التعامل مع القرص الدوار، ودرايته بالخامات وأسرارها.. وممارسته اليومية التى تمكنه من التغيير المباشر، وهى صفات تضفى على أوانية النضارة.. ويكمن فيها سر حيويتها وإنسانيتها .
- `مندور` لا يصمم أوانية أولا، بل يطلقها من مشاعره وخياله وأحاسيسه عبر راحتيه وهو يشكل كرة الطين على القرص الدوار، وإذا لمحنا وشائج بين أوانية والتراث الإنسانى القديم، فهى صور ذهنية فى قاع الذاكرة ليست مقصودة لذاتها .
محمد عز الدين نجيب

مندور ابن الفسطاط فى قرطبة
- قدم الفنان الخزاف محمد مندور لأول مرة مجموعة من الأطباق والأواني الخزفية في معرضه الجديد بجاليري قرطبة ويستلهم في أعماله التراث الإسلامي والشعبي في معالجات تقنية حديثة تحقق الأصالة والمعاصرة في آن واحد مما يجعل مندور يتربع علي عرش فن الخزف وتشكيل الآنية والأطباق الخزفية وتتسم أعماله بنعومة وانسيابية في التشكيل بالطينة الحمراء مع ترك الآنية بخاماتها الطبيعية.
- كما يتفرد مندور بقدرته الرائعة علي استخدام الظل والنور كأحد عناصر التشكيل في تجسيد الفورم مما جعله يستحق مكانة رفيعة في صدارة فناني الخزف المبدعين وهم الآن يعدون علي أصابع اليد الواحدة في مصر، وهو ما يؤكده بإبداعاته المتجددة وأعماله المتنوعة في الأطباق والأعمال الجدارية الصغيرة التي يعتبرها شغله الشاغل فتفرغ لها فأبدع أعمالا خزفية تبدو كلوحات تصويرية أو أعمال نحتية ذات قيمة جمالية، وقد استطاع مندور بتفرده وتميزه أن يترك بصمته علي حركة فن الخزف في مصر حتي أن الفنان الكبير الراحل حسين بيكار وصف مندور بأنه `ابن الفسطاط` في إشارة إلي أنه ورث تقاليد فواخير مصر القديمة وتشرب رحيقها ليخرج منه عسلا خالصا.
- يعتبر محمد مندور بلا جدال أستاذ الفورم أي شكل الحجم، من المعروف أن فناني الآنية في مصر قليلون لا يتجاوزون أصابع اليد، ومعظمهم خزافون ينشغلون بأشياء أخري إلي جوار الآنية الفنية ينشغلون بالترابيع الخزفية والتكسيات الحائطية، وأما محمد مندور فلا عمل له سوي إبداع الآنية الجمالية غير النفعية التطبيقية فأوانيه كاللوحات التصويرية والتماثيل نراها لقيمتها الجمالية وليس لوضع الزهور أو الاحتفاظ بالحاجات.
- يقول محمد مندور عن رحلته الفنية: ولدت في حي مصر القديمة بمدينة الفسطاط أعرق مكان خرج منه أجمل ما عرف الإنسان من خزف وفخار، وكان الدخان الأسود الذي تلفظه الفواخير أول ما استنشقته رئتاي كما كان الطين الأسمر السخي أول شيء داعبته أناملي الصغيرة وكان عمري ست سنوات فقط عندما وجدت نفسي وسط فواخير الفسطاط صبيا بين الصبية الكثيرين أخلط الطين أعجنه بقدمي العاريتين وأرطبه بالماء أنقيه من الحصي والشوائب، أحمله إلي المعلم وأراقبه وهو يشكل فوق الدولاب الدوار بمهارة وحذق فيتحول بين يديه إلي قلل وأباريق وأزيار وقدور وطبول.. وكنت أقف ساعات طوال أمام الأواني المتراصة وتحت الشمس أنتظرها حتي تجف وأترقبها وهي تحترق في النار ثم أعود وأصففها في نظام هندسي فتتناغم خطوطها لتؤلف عوالم أسطورية وكأنها كائنات حية تحملق فيما حولها ومخلوقات خرساء تتكلم بلغة الصمت بكلمات ليست في المعاجم ولا في القواميس ومع ذلك فهي شديدة الحيوية والنفاذ. ويقول: وساق لي القدر المثّال المعروف `هجرس` في إحدي زياراته لمنطقة الفواخير وشاهدني وأنا أشكل الطين فأعجب بي ورأي فيما أصنعه موهبة تستحق الرعاية والتوجيه فعرض علي أن أذهب إلي مشغله في حلوان لأتفرغ للفن وأخطو خطوة أبعد من صناعة القلل والأباريق.. وأصبح مشغله عالمي ومعهدي الذي تعلمت فيه أسرار الخزف من خلال اطلاعي في الكتب وزياراتي للمتاحف والمعارض وتوجيهات الفنان الكبير الذي أدين له بالفضل إلي جانب ما كنت أكتشفه من خلال الممارسة العملية.. وعندما طُلبت للتجنيد شاء لي القدر مرة أخري أن أقوم بتدريب المساجين في ليمان طرة علي صناعة الخزف وفي هذا الموقع الجديد وجدت الطين، الأفران، الأكاسيد وكل ما يحلم به الخزاف، الأمر الذي ساعدني علي فهم أعمق أسرار فن الخزف ثم انتهت مدة التجنيد وعينت مدربا للخزف في جمعية التنمية الفكرية بالمطرية التابعة لليونيسكو وبدأت أشارك بأعمالي في المعارض العامة في مصر والخارج.
- أقام الفنان محمد مندور العديد من المعارض الخاصة في أتيليه القاهرة والمركز الثقافي الفرنسي ومعهد جوتة بالقاهرة وقاعة اكسترا وقاعة بيكاسو وقاعة دروب وبمركز كرمة ابن هانئ، وقاعة المسار، أما المعارض المحلية فقد شارك في المعارض القومية والجماعية في مصر فمنها: المعرض القومي الثاني والعشرون 1991، مهرجان الإبداع التشكيلي الأول `المعرض العام الدورة الثلاثون وسوق الفن التشكيلي الأولي` 2007 .
- كما شارك بأعماله بالمركز الثقافي السوفييتي بالإسكندرية ومعرض `الفن والعطاء` بنادي روتاري العروبة ومعرض طائر بكرمة ابن هانئ متحف أحمد شوقي ومعرض `الإناء.. خزفيات معاصرة` بمركز سعد زغلول الثقافي، ومعرض جمعية دار الأورمان بنقابة الصحفيين.
نجوى العشرى
القاهرة - الثلاثاء 29/ 5/ 2012
` مندور ` .. وعبقرية تشكيل فراغ الإناء الداخلى
محمد مندور يمتاز عمن يمارسون فن الخزف بأنه عاشه ولم يتعلمه ..عاشه طفلا كما فى مراسم كبار فنانى عصر النهضة الإيطالية التى تجعل المتدرب منذ صغره جزءاً من الحالة الفنية وليس متلقيا او مؤديا لها ..كذلك فواخير مصر القديمة كانت هى الحالة الفنية الملهمة الذى تلقت شغف مندور الأول ليعيشها ممارسة يومية بكل حواسه وقدرة الاستيعاب لوجدان طفل شغوف برؤية الحياة ..فلم تكن هناك حاجة لاستحضار الحالة التلقينية لتلقينه هبه الفن .. بل أصبحت الممارسة لمسا وبالحواس هى فى ذاتها ومندور جزء لا يتجزأ من ذات الحالة وإلى اليوم بنفس الإلهام والبراءة .. ولأنه وطوال الوقت كانت عيناه تلتقى وكتل محددة مصمتة فى كتل الطين دون فراغ داخلى وأيضا تتلقى كتلا متشكلة فى الفراغ المحيط تشغله بجسدها الاجوف .. لذا تربت حواسه ليتعامل والكتل المفرغة الممتلئة بالهواء .لذلك معظم كتلة الفنية تبدو ككتلة نحتية بتقنية الإناء المفرغ فمن بدن القلة فى انتاجات الفسطاط الأولى الممتلئة بالماء إلى بدن الخزفى حافظ الهواء وقبلا منذ آلاف السنين هو البدن الحافظ تحنيطا لقلب واحشاء الانسان لتكتمل وتتحاور عبر التاريخ العلامات البصرية فى أرقى فنوننا..
لذا لا أرى محمد مندور يقدم آنية فخارية خزفية قدر ما أراه نحاتا ينحت الفراغ الداخلى لأوانيه ويشكله حتى يبلغ به منطقة الذروة فى منطقة فتحة العنق حيث يصبح الفراغ الداخلى مخنوقا أو شبه حبيس .. وحين أرى أعماله الفخارية والخزفية بسطحها الخارجى أراها كجلد خارجى يكسو به الفراغ الداخلى لآنيته ..وأن جدار الإناء إن كان سميكا أو رفيعا هو الفاصل بين فراغين ولو أمكن سلخ أو شق جداره هذا وتثبيت وضعيه ما بداخل الإناء وتثبيت ما بالداخل بلون ما لبدا لنا كتلة نحتية من الفراغ الرطب الملون ..فمندور يشكل الفراغ ويحيطه بجدار آنيته ..وهو يعشق مطاردة الفراغ وحبسه بين محيط أوانيه لذلك لا يشغل نفسه بالمحيط الخارجى تلوينا أو حفرا ريليفيا ..فاهتمامه الأول بجوهر الخامة فى تأكيد وجودها ودون ان يعلق على بدنها ايا من الزخارف .. فلم يعتمد محمد مندور الفنان الكبير على البريق الخزفى أو الحليات الخارجية الملحقة لأنه لم يرغب فيما يجذب المشاهد إلى أوانيه بل يجعل وجودها وطاقتها هى الجاذبة وهى الفاعلة فى العلاقة بين المشاهد وآنيته الكبيرة الحجم فى غالبها بل جعل ما يخرج من يده حاملا للمسات أصابعه حول محيط الإناء أثناء دورانه ..وهذه اللمسات الإنسانية المحملة بأنفاس الفنان الحارة المكتومة للحظات حتى يكتمل الإناء بين يديه وأعصابه المترقبة تضاهيها لمسات أو لفحات حرارة النار التى تجعل لجدار إنائه فوهات تنفس دقيقة وصغيرة وبين هاتين الحرارتين ينضج الإناء ويكتسب وجودا فى الفراغ مختزنا داخله طاقة من انفاس الفنان وأنفاس النارالحارة ليشكل بها كائنا فريداً بين مادة الأرضيين وحرارة النارين .. لذلك مرة أخرى لا يزخرف مندور جداره لا باللون ولا بالنقش لأن طاقة إبداعه لا تتحمل وقد اكتملت دون مشهيات بصرية ..ولا أنسى أن آنيته وبعبقرية قوة الوجود تمتص الضوء وحرارة النار وأنفاس الفنان اللاهثة..
ولدى الفنان كالنحت تكاد تكتمل الكتلة ولا تظل مفتوحة على الفراغ الخارجى الا من ثقب ضيق يعلوها فيظل فراغه الداخلى طاقة مكبوتة حبيسه فعل يديه والدولاب قمة فى البلاغة وغاية فى التجريد البدنى المتجمعة طاقته مجسدة كلها فى فوهة ضيقة أعلى الإناء منطلقة لأعلى ..وهى الفوهة الضيقة التى تناظر القاعدة الضيقة اسفل الإناء القائم عليها بناء وتشكيلا كأن آنيته محصورة بين فوهتين ضيقتين بينهما بدن منتفخ ممتلىء بالهواء مهشر جلده الخارجى بكل حساسية الفنان وجبروت تفاعل الحرارة والمادة المطلى بها .. وأرى أن القوة المفرطة لخزفياته او فخارياته موجودة كلها فى جسد الإناء أى بدنه الذى أحيانا يبدو للرائى لدنا وأحيانا جافا عنيفا من حدة دوران خطوط دقيقة تحيط بدنه بفعل أصابع الفنان والدولاب ..
أحيانا - خاصة - فى ضوء النهار تبدو أنيته كالأرض الصلبة المتشققة عطشا أو تقشفا لكنها راسخة تتسم بالصبر والتماسك والثبات ..وأيضا خزفيات مندور أحيانا تحكى حكاية الأرض الأتية منها وأحيانا خزفياته كالجرانيت بملمسة الحجرى الخشن وهى رؤية وممارسة مصرية منذ آلاف السنين.
فى المعرض الكبير بقاعة أفق اخذت الخزفيات الفخارية الضخمة مكانها وسط ومحيط القاعة بينما فوق الجدران كانت هناك رؤية أخرى لاعمال مندور حيث عدسة الفنان المصور فوزى مصر للى قدمت رؤية أخرى للعمل كأنه بطاقة وصورة شخصية للعمل ومنها نجد معلومات بصرية فوق مسطح الصورة بينما معلوماتنا الحسية المباشرة ندركها من العمل ذاته المجسم أمامنا يحيطه فراغ القاعة المتشكلة حدوده بالأعمال الضخمة كأنها صورة فضاء القاعة النيجاتيف وأن البوزتيف هو ما تملئه آنية مندور بفراغها الداخلى الآخر فأصبح بالقاعة فراغان ..فراغ حبيس الآنية الفخارية الضخمة ..وفراغ تشكل نيجاتيفيا بوجود الآنية داخله ..
تعلم أستاذ تشكيل الطينة مندور وتفريغها كثيراً من الأسرار فاخرج الينا خزفياته الفخارية فى شفرات بدنية تداعب الضوء كمرآه لا تعكسه بل تمتصه شكلها الخارجى يوحى بالبرودة وبطينية الارض ما زالت تتنفس رغم حريق الافران الا انها ما زالت تتنفس ببطىء وتؤده كأنها تتحاور معا كحكيم لايتسرع فى القاء اسرار علمه بل يلقى بالإشارات والعلامات ..ولا يمكن للمشاهد أن يتجاهل حالة التأمل والوجد الصوفى ..ومر بذلك الوجد الصوفى الذى يعمل على أنه كلما ضاقت العبارة اتسعت الرؤية .. كذلك مندور بآنيته يقدم الشكل مختصراً تجريديا لكنه مفتوح برحابه على وجوديات بشرية سبقته ولاحقه عليه ..فكيف استطاع فنان أن يعمل بالتجريدى دون المرور على مراحل منطقية عدة عرفت فى تاريخ الفن ؟ فالقفز إلى التجريدى وإيجاد حلول لا يأتيان إلا من ثقافة كامنة متوارثة ..ربما أخذ بالملاحظة من حضارتنا المصرية القديمة الاهتمام بالفورم فى تناسقه وصياغته المدهشة كأن هناك تناسخا جينيا فنيا بين حضارة قديمة وثقافة معاصرة .. وأنية محمد مندور وعن جدارة هى ثقافة مصرية معاصرة لها جذور فى عمق أرض مصر الطينية .
فاطمة على
القاهرة 9- 2 -2016
محمد مندور وعلاقة الخزف التراثية
يطالعنا الفنان محمد مندور فى كل المهرجانات الفنية بأعماله الخزفية المتميزة بالأصالة ، والقوة ، والشموخ ، غير عابىء بكل التحولات المرتبطة بالإبداع الخزفى فالطين عنده مرتبط بالحياة ، بقيمة متحديا كل البناءات الخزفية المعروضة معه بما فيه من قوة كامنة، تحسها فى الشكل العملاق ، والملمس التاريخى ،واللون التراثى القديم .
التزم مندور بصفة الخزفيات ، فالشكل الاسطوانى أو الكروى المجوف هو أساس بناء أعماله ، وإن كان هناك بعض الاختلافات من حيث الشكل أو الحجم ..كما استخدم دولاب التشكيل والبناء ، فمعظم أعماله تقريبا اقيمت بواسطة الدولاب..إلا أنه استطاع أن يسيطر على الخامة ويقيم بها بناءات عملاقة تظهر قدرته ومدى تحكمه فى التشكيل ، ويقوم بعمل أيادى للأوانى المشكلة تظهر رشاقة العمل ، وتكسبه وقارا ونعومة.
ومن أبرز السمات المميزة لأعمال الفنان مندور الإحساس بعضويتها ، وليونة الخط الخارجى بها ، تشعر حين تشاهد الأعمال مجتمعه أن بها نبضا وحياة ..يدور حوار بينها ..تحس المصالحة بين جميع الأشكال .. مصالحة فى اللون والملمس والرائحة
حصل الفنان محمد مندور على جائزة الفنون التشكيلية فى الخزف عام 1979 ، والجائزة الأولى لمعرض الطلائع عام 1981 ، والجائزة التقديرية للجمعية الأهلية للفنون الجميلة عام 1987 ، وجائزة ترينالى القاهرة الدولى للخزف عام 1992 ، وجائزة بينالى القاهرة الدولى الثانى عام 1994 .
سامى البلشى
مجلة الإذاعة والتليفزيون 19-8-1995
مندور يحاور الخزف فى قرطبة
لم تكن الأرض بمحض الصدفة مصدر إلهام لكثير من الفنانين ، فهى سر الحياة وهى البداية والنهاية فى حياة كل إنسان فمنها خلقنا واليها نعود ..وعنها أبدعت أقلام الشعراء ورسمت أروع المناظر وتناولت أنامل النحاتين طميها لتجسد الأشكال فتتآلف الخطوط فى تناغم ليعزف الصمت أروع الألحان وقد أدرك الفنان محمد مندور هذه اللغة منذ نعومه أظافره ، فقد نشأ فى الفسطاط الحى الشهير بصناعة الفخار فتعلم منذ الصغر كيف يحاوره ليصنع منه أعمالا فنية لها سمات خاصة ينفرد بها عن غيره فكان دائم التأثر بالرموز الشعبية والتراث الإسلامى المصرى فغلب على أعماله عبق التاريخ بادراك واع وحرفية عالية فى تجسيد الأشكال للوصول لصياغة فنية معاصرة .يظهر ذلك جليا بجاليرى قرطبة حيث يعرض للفنان 30 عملا فنيا من فن الخزف بأشكال وأحجام متنوعة فى غاية الرقة والجمال ويستمر المعرض حتى 20 من الشهر الحالى .
سلوى فوزى
الأهرام 6-3-2012
فنون من الطين !
أحب الطين منذ صغره صنع منه فنا جميلا وصل به إلى المستوى العالمى . لكن معلمه الأول هو ` الفخرانى ` صاحب ` العمة ` والبشرة السمراء التى لفحتها الشمس.
صانع الفخار على امتداد منطقة الفسطاط .فنان بالفطرة بنى مكانته بيديه الخشنتين . وعلم أن تاريخ البشرية مدون على قطعة فخار وان الإنسان خلق من الطين وإليه يعود ..لهذ وهب حياته لفن الخزف فنانا مبتكراً ومعلما للهواة ومدافعا عن استمراره وتطويره
بالقرب من منطقة الفسطاط حيث تتوطن مهنة صناعة الفخار نشأ الفنان محمد مندور بمنطقة جامع عمرو بن العاص، عرف اليتم وعمره عامان عندما توفى والده وتركه واختين أكبر منه وتزوجت الام من عم الاولاد ليتولى تربيتهم ..وكان له مكانة مميزة عند امه لأنه الولد بعد فتاتين ..لكنه كان طفلا شقيا لا يهدأ ..دائم الضجيج والمشاحنات ..فعاقبته امه بدفعه إلى سوق العمل صغير ليبدد نشاطه وطاقته فى عمل مفيد كان يخرج صباحا بملابسه النظيفة ليلعب مع اقرانه فى الطين المخصص لصناعة القلل ويعود بملابسه بحالة مزرية ..فكان عقاب الأم البسيطة لابنها الحبيب ` ما دمت تحب الطين فسوف أغرسك فيه` ! وهكذا بدأت رحلته مع الطين منذ سن 9 سنوات لأنه لم يلتحق بمدرسة .بدأ بالمهن المساعدة مثل تجهيز الطين بمواصفات معينة لكن عينة كانت تهفو للعمل بيديه ..كان ينظر للعامل الجالس على الحجر وهو يدير قطعة الطين بيديه .. ويدير الحجر بقدميه ..فيتحول الطين إلى ` قلة ` متناسقة الشكل .
فيشعر كأنه يرى ساحرا ويحلم بأن يجلس جلسته وينتج `قلة ` جميلة لترص فى الفرن الضخم بشكل هندسى يشبه المشربية ويوقد الفرن باستخدام البوص وفروع الذرة ..وفيما بعد دخلت المادتان فى صناعة الخشب الحبيبى فتحول الوقود إلى مصاصة الخشب أو الكاوتش المستعمل وهو خطر على البيئة واخيرا يستخدم الخشب ، ولهذا اوشكت القلة التقليدية على الانقراض لانها لابد ان تحرق بالبوص وفروع الذرة وإلا سدت مسامها.
والفنان محمد مندور من مواليد 1950 ابن مدرسة الحياة فنان بالفطرة ثقافته الفنية واسعة يقول :` لا أستطيع أن اصف مدى حبى للطين والفخار ..فمن الطين خلق الانسان وإليه يعود ..وعلى قطعة فخار كتب تاريخ الانسانية ، وبالمتاحف نجد تاريخنا مسجلا من خلال قطع خزفية رائعة ، احيانا استيقظ من ` عز ` النوم وانا اتخيل شكل قطعة خزفية اريد صنعها ، أو حلم انى اتجول داخل فرن الفخار !`.
ويضيف الخزف كفن بدأ مع بدء الخليقة ، وهو فن يتحمل تنفيذ جميع الاشكال وجميع أنواع الزخارف ، وكل فنان اجاده واحبه واضاف إليه اضافة جديدة لكن فن الخزف المعاصر احياه الاستاذ سعيد الصدر الذى أنشأ قسم الخزف بكلية الفنون التطبيقية ، والذى أسس مركز الفسطاط لكى يتعلم طلابه فن الفخار من الفخرانى البسيط ، وبعد المعاش أسس لنفسه مكانا قريبا واعتكف فيه لصناعة فنه الجميل وهو اول من تأثرت به فى الفن المعاصر لكن أستاذى الحقيقى هو ذلك ` الفخرانى ` صانع ` القلل` الذى تربيت فى ورشته الصغيرة فقد عملت لدى جميع ` معلمين ` الفخار وانا صبى صغير ، لانى لم اقبل الاهانة وعندما يوجه لى المعلم اى لوم أو تأنيب اترك العمل على الفور فعملت لدى معظم المعلمين وكانت امى تستنتج سريعا تركى للعمل لأنى أعود بملابسى نظيفية فتحايلت عليها ..وكنت أضع بعض الطين على ملابسى عند عودتى من العمل حتى لا تعلم أنى تركته.
واخيراً وجدت من يفهمنى فعملت خمسة أعوام كاملة لدى معلم متخصص فى صنع ` اباريق السبوع` فكان يتركنى اجرب بيدى كما اشاء وهو أول من اكتشف انى استطيع انتاج أشكال جديدة من الفخار فصنعت الفازة بدلا من القلة دون أن أعرف اسمها الحقيقى ، وصنعت التماثيل قبل أن أعرف معنى فن ` النحت ` وتفننت فى صنع القطع داخل الفرن ولونتها وزخرفتها بنفس المواد التى يستخدمها صناع الفخار فى تلوين الطواجن ،ولم أشعر بالساعات وهى تمضى وأنا أمارس العمل الذى أحبه .. والذى أصبح يدر على دخلا معقولا بعد أن بدأ الناس يقدرون فنى .
ويستكمل الفنان مندور مشوار حياته فى سن 16 سنة تقريبا شاهد انتاجى الفنان أحمد حسين هجرس الأستاذ بكلية الفنون واقنعنى بالعمل معه فى الاتيليه الذى أسسه بحلوان بالاشتراك مع الفنانة صفية حلمى حسين فكانت المرة الأولى التى ادخل فيها اتيليها فنيا.وبدأت مرحلة جديدة فى حياتى ..علمنى اصدقاؤه القراءة والكتابة والتقيت بالفنانين الذين اكتسبت من خلال مناقشاتهم الثقافة الفنية لكن ثقافتى الحقيقية اكتسبتها من خلال زيارتى للمتاحف التى وجهنى إليها الفنان وليم اسحق الذى علمنى الاستماع للموسيقى وتذوق الشعر ومن خلال الخزف الفرعونى والاسلامى تعلمت النظرة النقدية وحاولت ابتكار خزف جديد يجمع بين الفنين .لكنى شعرت أن التراث يقيدنى فابتكرت أسلوبى الخاص وتركت بصمتى على كل قطعة انتجتها ، فأحيانا أصنع الإناء جميلا فى حد ذاته فأتركه على لونه دون زخرفة، واحيانا أقوم بالرسم عليه ، لكنى أفضل الرسم على الأطباق واعتقد أن أسلوبى يجمع بين الفن الفرعونى ،والفخار التقليدى والأسلوب الاكاديمى ، ولكن يبدع الخزاف لابد أن يعمل بيديه ويعشق الطين ولا يتأفف منه ، ولا يعتمد على ` فخرانى ` يصنع له التصميم الذى يريده وبعد حصوله على درجة الماجستير أو الدكتوراه ينكر فضل اصحاب ` العمائم ` عليه.
ومن اتيليه حلوان بدأت تدريب بعض الشباب على فن الخزف ..وانتجت أعمالى وحرقتها فى فرن صغير صنعته بالطوب اللبن فى فناء الفيلا التى كان نصفها لسكن الفنان هجرس ونصفها للاتيليه ..ووصلت لنتائج مبهرة من خلال هذا الفرن البدائى، وتغيرت حياتى للمرة الثانية عندما ذهبت لاستخراج بطاقة شخصية فى سن التاسعة عشرة فطلبونى للتجنيد وهناك تعرف على الجنود والضباط الذين سبق ان استعانوا بى فى ورشة الخزف الملحقة بسجن طرة ..وهكذا امضيت معظم فترة تجنيدى داخل الورشة أدرب وأعمل بامكانيات لم أكن احلم بها وهناك اكتسبت خبرة لم تتح لاى خزاف أخر لانى كنت متفرغا تماما للفن لذى أحبه.
ويستطرد الفنان مندور : بعد انتهاء تجنيدى رفضت التعيين فى ورشة الخزف واكتفيت بالعمل مرة واحدة اسبوعيا ، ثم عملت فى اليونسكو فى مركز مؤسسات التدريب بحلمية الزيتون مع الفنان حسن صبرى الخولى واستطعت تخريج 3أو 4 متخصصين فى مرحلة معينة من مراحل الخزف كل عام ثم استقلت وعملت حرا ، فبعض الاكاديميين من الخزافين لدهم الموهبة لكنهم غير متمكنين من ادواتهم بينما كلمة ` خزاف` لا تطلق فى أوروبا الا على الفنان الذى ينجز عمله بيديه.
والفنان مندور أقام 30 معرضا لاعماله وحصل على 4 جوائز بينالى من مصر وروما ويحلم بعودة فن الخزف لعصور ازدهاره القديمة.
ميرفت شعيب
جريدة الأخبار 6-1-2003
خزفيات مندور مزيج بين التراثى والمعاصر
افتتح الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة المصرى بحضور كل من الفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية والفنان صلاح المليجى رئيس الإدارة المركزية والفنان عماد عبد الوهاب مدير مركز كرمة ابن هانىء بمتحف أحمد شوقى معرض ` خزفيات ` للفنان محمد مندور بقاعة الفن التشكيلى بالمركز .
يضم المعرض مجموعة منتقاه من إبداعات الفنان وتشكيلاته الفنية التى جاءت مزيجاً فريداً بين التراثى والمعاصر فى رؤية تطلق الخيال فى رحلة سرمدية تمتد جذورها إلى مصر الفرعونية والقبطية والإسلامية وتشرئب هاماتها لتلامس سماوات العصر وتخوم المستقبل .وقد جاء ارتباط مندور بالفخار منذ طفولته وعمره ست سنوات فى حى مصر القديمة بمدينة الفسطاط حيث بدأت أنامله تداعب الطين الأسمر السخى ثم عمل بنظام المعلمين والصبية فتعلم الحرفة ثم عمل فى أتيلية حلوان مع الفنان حسين هجرس والفنانة صفية حلمى حسين من عام 1956 كما عمل مدرساً للخزف بجمعية التنمية الفكرية التابعة لليونسكو من عام 1976 إلى 1982.

محمد الفقى
اليوم 27-5-2007
` مندور ` صانع الجمال من طين أرض مصر
الساحة التشكيلية تشهد هذه الأيام حراكا جماليا مثيرا ..يمتد عبر مدن ومحافظات مصر المختلفة ومع ذلك لا زالت القاهرة تزخر بالعدد الأكبر من اهتمام مبدعينا المصريين المتخصصين والهواة من اصحاب القدرات والامكانيات والاتجاهات والمستويات المتباينة ..لكنها تتفق فى النهاية فى استعراض ألوان من الجمال.
الخزاف القدير ` محمد مندور ` يمتعنا بمجموعة مبتكرة من أوانيه وأعماله الشديدة المصرية والعراقة ..فلا زال يتمسك بالفورم الاصيل والشكل التقليدى والانسيابى السلسل الذى ميزه على غيره من الفنانين وهو ما نلمسه بسهولة خلال جولة سريعة بين خزفياته التى تضمنها أحدث معارضه الخاصة التى أقامها أخيرا مركز كرمة ابن هانىء بالجيزة ..يستعرض الفنان نخبة مختارة من إبداعاته المتفردة تلتقى عندها ملامح الحضارات والتراث العريق ..وتمتزج الحداثة بالمعاصرة والتقنيات الحديثة المتميزة التى تحاكى الحاضر والمستقبل والماضى برؤية ذاتية وبصمة متفردة تؤكد جميعها موهبة فنان قدير تفتحت عيناه منذ نعومة أظافره بمدينة الفسطاط وعرفت انامله جيدا كيف تداعب طين أرض مصر السخية بعطائها .
تعلم ` مندور ` هذا الفن الأصيل بنظام المعلمين والصبية .. حتى تفوق فى حرفته ليبدأ رحلته الحقيقية مع الشهرة والفن التى استهلها من اتيلية حلوان مع حسين هجرس والفنانة صفية حلمى ..ثم عمل مدرسا للخزف بجمعية التنمية الفكرية التابعة لليونسكو لمدة ست سنوات ليتفرغ بعدها لإبداعاته وعالمه الجمالى .
أقام فناننا 24 معرضا خاصا فى مصر والعالم وشارك فى المحافل الجماعية فى مصر والخارج حصد فيها سبع جوائز محلية وجماعية من أهمها جائزة بينالى فينسيا وبينالى القاهرة الدولى للخزف عامى 1994و 2002 كما أن اعماله تزين جدران أشهر المتاحف العالمية والمراكز والمكتبات الثقافية وغيرها ..حتى بات واحدا من مشاهير واعلام فن الخزف المصرى الذى يسعى دوما للتجديد والتحديث خلال تقنيات ومعالجات متنوعة دون الاخلال بمصرية الشكل واصالته وهو ما يحسب له ويضاعف دائما من قيمة خزفياته ونكهتها المتفردة التى طالما ابهرت الغرب قبل الشرق .
: ثريا درويش
الأخبار 17-5-2007
الخزاف محمد مندور : حرمانى من التعليم و ` اللعب فى الطين ` فجرا موهبتى
يمثل الفنان التلقائى محمد مندور حالة خاصة فى وسط الخزافيين وهو ما يؤكده معرضه المقام حاليا بقاعة أفق ، إذ تعكس أعماله الفنية ثقافة وعمقا شديدين من خلال الأداء الفنى والدمج بين الأساليب التقليدية والفرعونية والمعاصرة ، مندور الذى لم يتلق دراسة أكاديمية يرى أن عدم إتاحة هذه الفرصة خدمة فى تقديم أعمال مختلفة عما يقدمه الدارسون . مدرسته هى الحياة التى مارس فيها هذه المهنة منذ كان عمره 6 سنوات والقدر الذى لعب أدوارا مهمة فى مشواره الفنى منذ صفولته.
معرضه الحالى يشعره بالأمان
سجنت وهددت بمحاكمة عسكرية بسبب مصطفى أمين
تلعب البدايات دورا مهما فى تحديد مسار أى مبدع .فكيف كانت بدايتك لطريق الخزف؟
مسقط رأسى الفسطاط بمصر القديمة .توفى والدى وعمرى عام واحد .وعندما وصلت لعمر السادسة لم التحق بالمدرسة .معظم وقتى كنت أقضيه فى اللعب بالشارع ، وخوفا على قررت والدتى أن تلحقنى بالعمل فى مهنة الفخار حيث ترانى ألعب فى الطين .والفواخير قديما كانت بالنسبة لطفل بمثابة معتقل حيث يتعامل المعلمون بقسوة شديدة مع الأطفال لكى يتعلموا واستمررت أعمل بها حتى وصل عمرى 13 عاما ثم شعرت بالملل بسبب قسوة المعلمين .
فكرهت المهنة .ثم ذهبت للعمل فى شمعدانات السبوع لدى أحد الأشخاص وتفجرت موهبتى عنده وبدأت أعشق العمارة .وفى هذا الوقت قررت عمل تماثيل للمعلمين الذين كنت اعمل لديهم فى طفولتى ولم أحبهم فقدمتهم على شكل حيوانات وأنا أصارعهم . ونجح هذا العمل بصورة مذهلة فكان يقوم بشرائها الكثيرون من المصريين والسياح وخلال قيامى بحرق طين لدى فرن أحد جيرانى شاهد الدكتور محمد هجرس تماثيلى وهى تخرج من الفرن فنالت إعجابه فتردد على هذا المكان وحرص على السؤال عنى عدة مرات حتى طلب منى زيارته فى الأتيلية الخاص به
شكلت علاقتك بالفنان محمد هجرس والفنانة صفية حلمى مسارا كبيرفى مشوارك الفنى فكيف كان ذلك؟
خلال زيارة هجرس طلب منى العمل معه . ولكنى ترددت كونى أقدم أنماطا معينة من الشغل وحققت نفسى بها ولكنى لا أعرف العمل الجديد إلى أين سيقودنى فشعر بقلقى هذا ثم قال لى اننا فى مجتمع لا يحمى الفنان . وعلى الفنان صاحب القضية والرسالة الإنسانية الذى يريد تقديم فنه أن يخلق من نفسه مؤسسه بمعنى أن يعمل مشروعا يدر عليه ربحا ينفق على التزماته وعلى الفن الذى لا يريد بيعه فشعرت باطمئنان تجاهه ثم أخبرنى بأننا سنعمل بمشروع وسوف أتعلم من خلاله عملا فنيا لن أستطيع استيعابه حاليا ولكنه سيشكل نقله كبيرة لى .من هنا اتجهت لأتيليه حلوان فى شتاء 1967 ، كما ننجح أحيانا ونخفق أحيانا أخرى إلى أن استقللت تماما بكل ما يلزم فن الخزف وقد كانت الفنانة صفية حلمى شريكته فى الأتيليه والذى كان بمثابة قصر ثقافة وقد عملا سويا بكل الطرق على توفير فرص لكى اكتسب خبرة علمنى هجرس القراءة والكتابة ،فيما حاولت ` صفية ` تعليمى اللغة الإنجليزية أو الفرنسية وتولى صديقهما عمر الفاروق أمر تدريس الرياضيات لى فيما يقوم جار لهما بتعليمى اللغة العربية .
وكيف انتقلت للعمل بورش الخزف بمصلحة السجون ؟
كان محمد هجرس يذهب لسجن ليمان طره لتعليم المساجين نحت بورتريه على الحجر ، فاقترح على مدير السجن عمل مشروع ورشة خزف فى السجن فوافق .وبالفعل اصطحبنى هجرس للعمل كمدير لهذه الورشة فى حين يعمل هو فى النحت ولكنى لم أحب هذا المكان ومن ثم لم أكمل العمل به . وخلال هذا الوقت كان أحد أبنائه عضوا فى منظمة شباب الاتحاد الاشتراكى ويتردد زملاؤه على الأتيليه فخرجت شائعة بأن هجرس ينظم خلايا شيوعية فتعرض للسجن لعام ونصف العام ولم يكن مسموحا بزيارته سوى لأقاربه من الدرجة الأولى وعندما اكتملت سن تجنيدى بعد سجنه بشهور لعب القدر دورا مهما حيث التحقت بسلاح مصلحة السجون وكان مركز تدريبى بجوار المعتقل المسجون فيه أستاذى وبعد فترة قصيرة طلب منى مدير السجن أن أكون مسئولا عن ورشة الخزف طوال فترة تجنيدى بعدما علم بعملى فى هذا المجال وهنا أعترف أن سنوات تجنيدى الثلاث كانت حقل تجارب مهما لى لا يحلم به أى خزاف .حيث توافرت جميع الإمكانيات للعمل وإجراء الأبحاث والتجريب .
?
وما قصة سجنك بسبب الكاتب مصطفى أمين ؟
خلال مسئوليتى عن ورشة الخزف فى السجن كان الكاتب مصطفى أمين معتقلا .فأرسل لى مع أحد المسجونين يطلب قطعة من الطين وبعد يومين أرسلها لى مشكلة عبارة عن مجموعة من الكتب يعلوها حذاء ميرى فاستنتجت أنه يريدها كطفاية سجائر فقمت بحرقها فى الفرن ولونتها بالذهب ثم جاءت زيارة مدير السجن وبصحبته رائدة الفضاء الروسية فالنتينا ومجموعة من الضباط وقام المدير بإطلاعها على مراحل فن الخزف وعندما شاهد القطعة التى حرقتها لمصطفى أمين غضب جدا، وسألنى من قام بعمل هذا ؟ فحكيت لى القصة فعاقبنى بالسجن لمدة 24 ساعة وعدم السماح لى بزيارة أهلى فى ذلك الأسبوع .وكنت أتعرض لمحاكمة عسكرية لولا علمه بأنى لم أستوعب خطورة العمل الذى قدمته .
لكن كيف استقللت بالعمل بعد إنهاء خدمتك العسكرية ؟
تعرفت على الكاتب الصحفى سعد هجرس والذى كان معتقلا مع محمد هجرس ثم أصبح صهرا له فأخبرته برغبتى فى الاستقلال بالعمل فالحقنى بجمعية تنمية فكرية تابعة لليونسكو بمنطقة الألف مسكن وكنت مسئولا عن تعليم الخزف .فضلا عن عملى وانتاج شغلى فى اتيلية هجرس حيث لم يكن لى مكان خاص بى آنذاك فكنت يوميا أجوب القاهرة من أقصاها لأدناها ما بين منزلى فى مصر القديمة وأتيلية هجرس فى حلوان وعملى بالجمعية بألف مسكن وحرصت خلال الموسم على تجميع عدة قطع لعمل معرض وكان يكتب عنى واحصل على جوائز وكانت المسئولة وهى خريجة فنون تطبيقية قسم خزف تشاهد كل هذه الأمور فحدث نوع من الغيرة غير الشريفة ولكى أتغلب على ذلك طلبت منها بصفتها دراسة للخزف أن تمارس المهنة التى قامت بدراستها فاقتنعت وطلبت منى عمل شغل لها فرفضت لأنه لن يفيدها ورغم رفضى للمبدأ فى الوقت ذاته لن أستطيع أن أغير بصمتى فأصرت أن تقدم أعمالا على الدولاب فطلبت من أحد العاملين أن يساعدها فيما تريد . وبالفعل قدمنا معرضا مشتركا فى مركز جوته بوسط البلد وعندما شاهد العامل إشادة وإقبال الجمهور على أعمالها أخبرهم أنها أعماله هو مما سبب لها حرجا شديدا اعتقدت أننى وراءه فناصبتنى العداء فقررت الحصول على إجازة لمدة عام وسافرت للبنان لأستاذى محمد هجرس .وعندما عدت لمصر وجدت موقفها العدائى لى كما هو فتقدمت باستقالتى بعد عمل 6 سنوات فى هذا المكان ، وفى وقت لا املك قدرا من المال يكفى التزاماتى .ثم طلبت من سعد هجرس 1500 جنيه لتأسيس ورشة فى مصر القديمة وبدأت الأمور تسير وحصلت على أول جائزة وقدرها 300 جنيه من الثقافة الجماهيرية بالتعاون مع المركز الثقافى الفرنسى ثم جائزة الطلائع من جمعية محبى الفنون الجميلة ثم 3 جوائز من بينالى القاهرة الدولى على مدار ثلاث سنوات متتالية . وجائزة من روما . وأخر جائزة بمناسبة المشاركة فى ورشة عمل فى ايطاليا حيث حصلت على المركز الأول لدول البحر المتوسط .
ثمة ارتباط كبير بأستاذك محمد هجرس ، فما ابرز الأمور التى تعلمتها منه ؟
تعلمت منه ` الاستغناء ` لكى يعيش الفنان فى مناخ حر عليه ألا يحتاج لأحد ولا يوجد شىء اسمه فشل لأن الفشل أستاذ النجاح .إذا لم نفشل فكيف ننجح ؟ ومعرفة دوافع الفشل وطرق الوصول للنجاح .
على أى أساس تقوم بتشكيل الخزف لديك ؟
لغة التشكيل لدى تؤسس على الشكل بحيث تكون هناك بلاغة لدرجة أنها ترفض الزخرفة وفى الوقت نفسه يكون مستوحيا من التراث أسعى دائما لتأكيد ارتباط اعمالى بالتراث من خلال اللون فأقدم لونا نشعر معه بأن هذه القطعة تخرج من باطن الأرض ، أو تربت فى عبق التاريخ واعتقد انى وصلت لذلك. الأمر الثانى هو أننى لا أسمح لوسيط بالدخول بينى وبين العمل .فعندما يدخل الوسيط بين العمل وصاحبه يفسد الوحدة الفنية .من المهم أن يقوم الفنان بكل المراحل من الألف للياء ..حتى لو كان المستوى متواضعا ولكنه يحمل بصمات الفنان نفسه .
انت فنان غير تلقائى ، لم تحصل على آية دراسة أكاديمية فهل شكل ذلك إعاقة لك فى مجالك ؟
مطلقاً .. اعتقد أن الظروف خدمتنى لأنى لم ادرس دراسة أكاديمية .حيث نرى كما كبيرا من الخزافيين يمارسون ويعرضون الخزف لكن نشعر بأنهم يشبهون بعضهم البعض دون وجود تميز .هناك موهبة وحرفة . لكن المشكلة الأساسية إذا وجدنا الموهبة لا نجد الحرفة وإذا وجدنا الحرفة لا نجد الموهبة.يجب أن يتضافر الاثنان معا ..حرفة التشكيل على الحجر مهمة ولكنها تتطلب من يحبها لكى ينجح ولكنى أجد أنهم يختارون الطريق السهل .
يرى البعض أن مشكلة الخزف تكمن فى حصر بعض الخزافيين له فى الآنية والفازة ،إلا أنك خرجت به لتشكيلات على نطاق واسع فكيف توصلت لهذه الآلية ؟
فن الخزف له قواعد لابد أن تحترم .فقد عرف منذ بداية الخليفة أن الإنسان يستخدمة فى حياته اليومية .لو أن الخزف وحدات وألوان فقط لكنت قدمت مسطحات ورسمت ولونت فقط لكن الحقيقة أن الخزف تصميم مدروس خلال العمل على القطعة أشعر بأنها أصبحت كائنا ثم أن أى تشكيل بخلاف الاناء سهل جدا الطريق لا ينتهى لمنتجات الخزف .عندما قدمت على منحة التفرغ كتبت فى البند الخاص بما سأضيفة من خلال المنحة ` أحياء التراث من خلال سيرة معاصرة `.علما بأن التراث عملية صعبة بالنسبة لفنان . القطعة التى قدمت من الف عام فى مجتمع مختلف بكل المقاييس .
ولكن أقدمها حاليا ليتذوقها إنسان معاصر لابد من أن اتفلسف فيها .وأقدمها بإحساس إنسان معاصر .
وما يساعدنى فى هذا هو تمكنى من حرفتى ، كونى أعمل على الدولاب منذ كان عمرى 7 سنوات. عندما اقدم شكلا لا يرضينى اهدمه وأقدم غيره بخلاف شخص يقوم بالمعالجة للعمل .
تدمج فى أعمالك بين الأساليب الفرعونية والتقليدية والحديثة فكيف تحقق هذه المعادلة ؟
العمل إحساس . المخ لا يعطى فنا لكن يمنح أرقاما حسابية . بمرور الوقت والتجارب والمطالعة تعلمت هذا الدمج قبل ذلك كنت محصورا فى التراث الإسلامى حيث كانت تجذبنى الزخرفة والألوان .ولكنى لم أرد أن أكون مثل الحرفى الموجود فى خان الخليلى بل سعيت لتقديم فنى الخاص .ولكن يتاح لى ذلك كنت دائما فى حالة نقاش مستمر مع هجرس والفنان وليم اسحاق الذى لعب دورا كبيرا فى تشكيل ثقافتى الفنية .لم أكن أعرف كيف اخرج من التراث الذى يسيطر على فقال لى بأن هذا أمر عادى، انقل من التراث كما تريد لدرجة الملل وستجد نفسك تلفظه بمفردك لكن عليك ألا تحصر نفسك فى المتحف الإسلامى ، فلدينا المتحف المصرى والقبطى ،والرومانى فى الإسكندرية وكل تراث منها به لمسة جمالية وفنية مؤثرة .
لديك إصرار على البحث والتجريب ؟
الفنان دائما فى حالة بحث مستمر .الفنان عليه ان يعمل للمتعة قبل ان يكون احتياجا .هذه المتعة لا يشعر بها إلا من خلال التجديد .
سماح عبد السلام
القاهرة 29-12-2015
الخزف طريق ` مندور ` إلى العالمية
احتل المركز الثالث كأفضل خزاف على مستوى العالم
فنان موهوب بالفطرة بحكم نشأته بفواخير الفسطاط ، تتلمذ على يد أشهر النحاتين فى عصره ، فأحيا التراث المصرى بصورة معاصرة ، من خلال براعة أنامله وإحساسه العالى ، فى تحويل الطين الأصم إلى تحف فنية، زينت معارضه التى جابت الكرة الأرضية شرقاً وغرباً ،وكانت له بصمته البارزة بأشهر المتاحف والمراكز الثقافية والتجارية بمصر والعالم، إنه الفنان العالمى محمد خليل محمد مندور.
مندور عمل منذ طفولته بفواخير الفسطاط بمصر القديمة ثم التحق عام 1967 بأتيليه حلوان الذى أنشأته الفنانة صفية حلمى حسين والراحل أحمد حسين هجرس الأستاذ بكلية الفنون الجميلة ، وهناك التقى بفنانين وأكاديميين ومثقفين ، واكتسب منهم خبرة وثقافة مكنته من خلق بصمة خاصة لأعماله ، استطاع مندور فى أعماله المزج بين الأساليب الفرعونية والتقليدية والحديثة .وكان هدفه هو إحياء التراث المصرى بصورة معاصرة ، ثم اتجه إلى دراسة الخزف ومن خلاله تعمق فى الوحدات الزخرفية والفن الإسلامى وبرع مرة أخرى فى المزج بين الفن الإسلامى والقبطى .
ولم يكتف مندور بذلك فقد صقل موهبته بدراسة الكيمياء لإتقان خصائص الألوان ومع الوقت أصبح ماهراً فى تركيب ألوان خاصة به معتمداً على اللونين الأسود والأبيض .وشيئاً فشيئاً صارت له مشاركة بارزة فى العديد من المعارض والتى شارك فى بعضها مع فنانين آخرين نجح من خلال لمسته الفنية المميزة الحصول على العديد من الجوائز من خلال المسابقات التى تنظمها وزارة الثقافة مثل جائزة الفنون التشكيلية فى الخزف من المركز الثقافى الفرنسى ، والهيئة العامة للثقافة الجماهيرية بالقاهرة .
مع الوقت بدأ نشاطه يصل إلى المعارض الدولية فأقام أكثر من 30 معرضاً لأعماله فى مصر والعديد من الدول العربية والأوروبية كالبحرين ،سوريا ، إيطاليا ، النمسا ، فرنسا من خلال 7000 قطعة خزفية .تم اختيار مجموعة منها فى العديد من المتاحف والمراكز الثقافية والتجارية على مستوى العالم مثل الأكاديمية المصرية ` بروما ` والبنك الدولى بـ ` نيويورك ` والمتحف الدولى للخزف بمدينة فينيسيا الإيطالية، متحف الفن الحديث بالقاهرة، وإلى جانب كل ما سبق فقد سجل الفنان محمد مندور بإحدى الموسوعات بسويسرا ، واحتل المركز الثالث على مستوى العالم كأفضل خزاف ، كما حصل أيضا على جائزة ترينالى القاهرة الدولى الأول للخزاف وجائزة ` بينالى ` القاهرة الدولى الثانى للخزف ` بينالى ` فينيسيا بإيطاليا ` بينالى ` القاهرة الدولى للخزف ، وهو الفنان الوحيد الذى حصل على جائزة ` بينالى ` مرات متتالية ، ومن بين الشخصيات الشهيرة التى تقتنى أعمال الفنان محمد مندور .أمير ويلز ولى عهد بريطانيا ، والسيدة هدى عبد الناصر وعدد من السفراء الأجانب ، حرص محمد مندور أن يكون له ` جاليرى ` ثابت بسوق الفسطاط ،وحالياً يستعد لمعرض بالتعاون مع النحاته د.مريم جيد والذى من المقرر أن يقام بمتحف ` مختار ` ولأن ` ابن الوز عوام` لذلك طبيعى جداً أن يتخرج أبناء مندور الأربعة ` هانى - شادى - نهلة - نادين ` فى كليتى الفنون الجميلة والتربية الفنية.
هبة سالم
روز اليوسف 10-8-2010
فى معرض يضم رحلته الإبداعية بقاعة أفق
ثلاث محطات .. فى حياة ابن الفسطاط
من الطين خلق الإنسان ، ومنه بدأ يصنع أدواته لعمارة الأرض التى استخلفه الله فيها ليكون تشكيل الطين أول صناعة عرفها الإنسان ، هذا الطين الأسمر الساخن كان أول شىء داعبته أنامل محمد مندور فى سنوات عمره الأولى ابنا للفسطاط معقل الفواخير فى مصر القديمة منطقة التاريخ والإرث الحضارى العريق والممتد ، نشأ فيها مستنشقا دخان فواخيرها الأسود ، معجونا بطينها الذى حمله إبداعا لابد وان ينفرد به ، صبيا تميز بين أقرانه بذكائه الفطرى رغم انه كان يفعل مثلما يفعلون ،يخلط الطين ثم يعجنه بقدميه العاريتين ثم يرطبه بالماء إلى أن يقوم بحمله بعد أن ينقيه من الشوائب إلى ` المعلم ` وبعينية الثاقبتين كان يرقب ولادة ما يتشكل بمهارة فائقة مبهرة من آنية وقدور فوق دولاب دوار، ليتأملها متراصة بعد ذلك ساعات فى انتظار جفافها تحت أشعة الشمس ، ويرقبها ثانية أثناء احتراقها ويقوم بصفها مرة أخرى لتتشكل لديه صورة لعالم أسطورى خاص شديد الإيحاء لما له من نظام هندسى متناسق يتخذ من السكون والصمت لغة فى حوار لا يفك طلاسمه إلا الصانع.
هذه هى المحطة الأولى التى بدأ بها مندور ، واستطيع أن اسميها ` المعايشة ` وهى أول مفردات التكوين الفنى وأحد أسس التجربة الإبداعية على مختلف أدواتها ..ما زلنا فى رحاب المحطة الأولى لنصل فيها إلى نقطة محورية حينما جاء دوره للجلوس على كرسى ` المعلم ` ذلك الدولاب الدوار الذى أكمل معه اكتشاف الأسرار ..ليبدأ المشوار مع أولى خطوات الإبداع فى تشكيل الطين وصناعة الفخار .
المحطة الثانية انتقل فيها الغلام الموهوب من مرحلة الصنعة فى إنتاج الاوانى الفخارية ذات القوالب النمطية المعروفة ليخطو أول خطواته فى عالم الخزف .. أنها محطة ` هجرس ` أو ` حلوان ` التى وصل إليها فناننا ليدخل محترفة الابداعى من أوسع أبوابه ،` هجرس ` هو محمد حسين هجرس النحات الشهير و ` حلوان ` هو الحى الذى يقع فى مرسمه حيث استقطب إليه الشاب محمد مندور بعدما جذب انتباهه أثناء إحدى زياراته للمنطقة واستشعر تميزه وموهبته ليتبناه ويصبح هذا المرسم هو جامعته ومعهده وعالمه الأثيرى الذى تفرغ فيه لاستكمال كشف أسرار فن الخزف بين صفحات الكتب وكتالوجات المعارض والمتاحف وزياراته لها من خلال توجيهات هجرس ، بالإضافة إلى الممارسة العملية المتتابعة والمستمرة فى كل محطاته الإبداعية ، وأستطيع أن أطلق على هذه المحطة ` الثقافة والاطلاع ` كأحد المحاور المهمة فى التجربة الإبداعية وصل الفنان محمد مندور إلى فهم أعمق فى استكمال اكتشاف أسرار الخزف فى المحطة الثالثة التى أتاحت له الطين والأكاسيد والأفران وكل الأدوات التى تساعد الخزاف على القيام بعمله ، وذلك فى محطة ` سجن ليمان طرة ` الذى التحق به فى فترة تجنيده لتدريب المساجين على صناعة الخزف ويتم اختياره بعد ذلك من قبل اليونسكو مدربا للخزف فى جمعية التنمية الفكرية بالمطرية .هذه مقدمة ليست موضوعا عن قصة الفنان العصامى محمد مندور ، بل مدخل لقراءة أعماله المتجددة والمتنوعة فى معرض نظمه الفنان ايهاب اللبان المشرف على قاعة ` أفق ` لتحتضن القاعة هذه الرحلة الابداعية الفريدة حيث تقف أوانيه رابضة متصاعدة فى شموخ ومهابه وجلال ،تحمل الروح التراثية والشعبية فى الأشكال والرسوم والزخارف التى تزين أطباقه الخزفية الحائطية وبعض أوانيه بجانب الرؤية الواعية لمتطلبات التشكيل فى بانوراما تحمل معنى الوجود والتواصل والانسانية والسمو والحنين تضعه كواحد من أقطاب فن الخزف المصرى الحديث ، وسوف يفتتح المعرض خلال شهر أكتوبر الحالى.
بقى أن نقول أن الفنان محمد مندور حصل على العديد من الجوائز المحلية والدولية كما أن أعماله تزين العديد من المؤسسات والقصور والفنادق والمتاحف فى مصر وسوريا والبحرين وايطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأقام العديد من المعارض بها بالاضافة إلى اليونان والنمسا واقتنى الأمير تشارلز بعض أعماله اثناء زيارته لمصر عام 1996 حينما طلب منه المركز الثقافى البريطانى تقديم عرض لأعماله فى مقره بهذه المناسبة ،واقتنت من أعماله أيضا الدكتورة هدى عبد الناصر وافتتحت له أحد معارضه.
د.محمد الناصر
الأهرام 12-10-2015
رسالة من الخزاف محمد مندور
القمامة أمام ورش المبدعين بالفسطاط
محمد مندور مواليد 1950 خزاف مصرى جمع فى تشكيلاته الخزفية بين التراث فى قيمته الوظيفية ، والمعاصرة فى الجوانب الجمالية كشكل وقيمة لتغدو أعماله ذات حضور أنيق فى الفراغ ..فنان عصامى علم نفسه بنفسه وحفر اسمه ومكانته فى هذا المجال محليا وعربيا ودوليا حاصدا الجوائز وشهادات التقدير ..تلقيت منه رسالة تتضمن شكواه حول ما يعانيه فى مرسمه بالفسطاط معقل هذا الفن والذى أبدع بين جدرانه روائعه الخزفية من الآنية والمزهريات والقدور وأطباق الزينة التى طافت العالم .. وهذا نص الرسالة :
تشهد منطقة الفسطاط بصر القديمة نشاطا ملحوظا منذ عدة سنوات تمثل فى إنشاء سوق الفسطاط وبيت القاهرة ( وزارة البيئة ` ومتحف الحضارة المصرية ودار الوثائق القومية الجديدة ونادى العاملين بالأثار ومركز الفسطاط للخزف والحرف التقليدية وقرية الخزافيين بقصر الشمع ، فضلا عما يجرى من تطوير وترميم للكنائس الأثرية بمنطقة مارجرجس ومجمع الأديان.
ومنذ عدة أشهر ، وفى أعقاب زيارة للمنطقة قام بها المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء ، يجرى تطوير شارع جامع عمرو بن العاص وطريق العاشر من رمضان الذى يطل عليه متحف الحضارة ودار الوثائق القومية وبيت القاهرة والمدخل الجنوبى لحديقة الفسطاط ونادى العاملين بالأثار.
ولكن على الجانب الآخر من نفس هذا الشارع تقع فواخير منطقة محجر بطن البقرة التى تعد الملاذ الأخير لصناعة الفخار التقليدية فى مصر، فضلا عن كونها امتدادا للفواخير التاريخية القديمة التى استقرت فى هذه البقعة منذ قرون.
ومنذ نحو اثنى عشر عاما بدأ العمل فى مشروع لتطوير مدينة الفخارين و الخزافيين فى بطن البقرة لكى تحل محل المنطقة العشوائية غير المخططة.
لكن المشروع يشهد منذ بدايته توقفات وتعثرات غير مفهومة أو مبررة مما شجع الكثير من التعديات التى زحفت عليه ، أخطرها مقالب الزبالة التى كادت تسد أبواب ورش الفخارين والفنانين فى المنطقة وصارت أنشطة فرز القمامة وبعثرتها وحرقها تجرى على أعتاب مراسم المبدعين والفنانين المتمسكين بحرفة الأباء والأجداد .
وتفاقم الوضع بأن ظهرت مؤخرا مجموعات من الناس جلبت معها براميل معدنية ضخمة تملأ بالدهن المتعفن المجلوب من مخلفات المجازر وتشعل من تحتها نيران وقودها القمامة بهدف صهر هذا الدهن الكرية الرائحة يحدث هذا أمام ورش الفنانين الذين عليهم أن يبدعوا وهم يكادون يختنقون بفعل الأدخنة المقززة والضارة بالصحة والبيئة .
وكل ذلك يحدث فى ظل حماية مجموعات من البلطجية وتجار المخدرات الذين يتحكمون فى المكان فور أن تغرب شمس كل يوم وعلى بعد أمتار من صروح حضارية ضخمة أنفقت عليها الدولة الملايين من كدح شعبنا المكافح
( بالمناسبة : قسم شرطة مصر القديمة يقع على بعد أمتار مما يجرى ).
اننى من خلال منبركم بجريدة الأهرام العريقة أتوجه إلى كل المسئولين بمحافظة القاهرة ووزارتى الثقافة والأثار لإنقاذنا من هذا الجحيم .

الأهرام 22-9-2017
أوانى الطين الفاطمية تتنفس ببلاغة التشكيل
فى معرض الخزاف محمد مندور
من بداية رحلته مع الحياة .. شكل الإنسان من الطين أوانى وأوعية لحفظ الطعام والشراب ..تطورت مع الزمن وامتدت أصابعه المرهفة من دولاب الطين إلى هندسة الأفران ..فكان فن الخزف والذى يعد من بين الفنون جميعها إلى اليوم .. الفن الذى مازالت تعلق به بصمة الإنسان ..رغم تقدم وسائل العلم الحديث ..لذا فهو أقرب الفنون إلى قلب البشر والأقرب التصاقاً بالأرض .
فى مركز كرمة ابن هانىء الثقافى ` متحف أحمد شوقى ` على نيل الجيزة ..تألقت خزفيات الفنان محمد مندور ..بعمق لمسته العريضة فى هذا الفن والتى تمثل مساحة شديدة الخصوصية ..تنتمى إلى لغة الشكل أو ` الفورم ` ..وبلاغة التشكيل بعيدا عن دندشات الزخرفة وبريق الطلاء .
ابن الفسطاط
فى مصر القديمة بمدينة الفسطاط الأثرية التى كانت من أكبر المراكز الثقافية فى العصور الإسلامية ولد ونشأ مندور وقد شب وسط الفواخير صبيا بين الصبية يخلط الطين يعجنه بقدميه العاريتين ويمزجه ويرطبه بالماء يحمله إلى المعلم ويظل يراقبه وهو يتشكل فوق الدولاب الدوار بمهارة فيتحول إلى قلل وأباريق وقدور وطبول وعلى حد تعبيره : ` لقد شربت صناعة الفخار من نعومة أظفارى وصححت عصا المعلم وصفعاته الصارمة أخطائى وجاء دورى لكى أفرز ما تعلمته فى صباى وأن تقوم أناملى بدورها الذى خلقت من أجله وهو تشكيل الطين فى فخاريات وخزفيات `.
وعلى قدر موهبته ساقت له الأقدار المثال الكبير محمد هجرس وكان فى زيارة للفسطاط ، ورأى الطين ينساب ويتشكل بين أصابعه ووسط دهشته وإعجابه به عرض عليه تبنيه ورعايته وتوجيهه فنيا فالتحق عام 1967 بمشغله بحلوان والذى أقامه وزميلته المصورة صفية حلمى وهناك نظما له برنامجا دراسيا نظريا وعمليا وقادة هجرس إلى طريق الثقافة البصرية خلال المتاحف الثلاثة : المصرى والقبطى والإسلامى ..كما أضفت الفنانة صفية بثقافتها الكثير على شخصيته وأكسبته الوعى بتراكيب الألوان والنظريات التى تتحكم فى انضاج الأوانى والتأثير على تشكيلاتها مع تلك المناقشات التى أثرت لديه تجارب الإبداع وتجليات الأداء .
وعندما طلب مندور لأداء الخدمة العسكرية شاء له القدر مرة أخى أن يقوم بتدريب المساجين فى ليمان طرة على صناعة الخزف وفى هذا الموقع الجديد وجد الطين والأفران والأكاسيد وكل ما يحلم به الخزاف مما أفاده فى استيعاب أسرار الخزف والتعرف على لغته وابجدياته بحكمة التعبير ..وبعد الانتهاء من التجنيد عين مدربا للخزف بجمعية التنمية الفكرية بالمطرية والتابعة لليونسكو وبدأ يشارك بأعماله فى المعارض العامة بمصر والخارج.
لغة خاصة
عرض الفنان مندور ما يربو على ثلاثين قطعة خزفية أوان تنوعت فى أشكالها وأحجامها ..وإذا كانت صناعة الفخار والخزف كما يقول هربرت ريد تعد أبسط الفنون جميعا وأكثرها صعوبة فى آن واحد أبسط الفنون لأنها أولية وأكثرها صعوبة لأنها أكثر تجريدا ..ولا شك أن أعماله تمثل ترجمة لهذا التعبير .
فطوال رحلته مع الإبداع يتشكل الطين بأصابعه بلغة خاصة..يتوهج ويسمو بلا انطفاء مسكونا بالبلاغة والإشارة العابرة والرمز الهامس مع تنوع الأداء ..والذى يؤكد فى النهاية روح شخصية الآنية المصرية بطول وامتداد عصور الفن بدءا من المصرى القديم.
ويظل شاغله الأساسى مع اللمسة العصرية شكل الآنية والتى تطل ممشوقة شامخة فى بعض الأعمال.. وفى أعمال أخرى تنساب استداراتها برهافة خطوطها وانحناءاتها وحناياها وقد تستطيل الرقبة تنم عن شفاة متسعة أو شفاة دقيقة رقيقة كرأس الطاووس وقد استوحى الفنان بعض أعماله من الابريق المصرى الأسود مع أناقة التشكيل ودقة الأداء .
وتتنوع الملامس ..تعكس عوالم أسطورية من الصمت والسكون فتبدو الأعمال فى هيئة كائنات حية تتنفس مع رصانة الألوان التى لا تتجاوز الكحلى الداكن المنطفىء أو الأزرق المدخن وأحيانا الأسود الأبنوسى مع لمسة محدودة من الأحمر النارى .
وعلى سبيل التنوع قدم مندور خزفتين من الخزف الملون ذى البريق المعدنى إحدهما تموج بالأسماك والثانية تستديربوجوه إنسانية وهو هنا يعيد سيرة الخزف الفاطمى ويؤكد امتداد لمسة ساحر الأوانى الرائد سعيد الصدر0
والفنان مندور حاصل على جائزة ترينالى القاهرة الدولى الأول للخزف وجائزة بينالى القاهرة الدولى للخزف عام 1994 وعام 2002 وبينالى مدينة فينيسيا ` إيطاليا ` عام 1998 .. وله أعمال بأماكن عديدة منها المتحف الدولى بمدينة فانيزا بإيطاليا ومجموعة خاصة ` الأمير تشارلز ` بالقصر الملكى البريطانى .
تحية إلى لمسة خاصة تنفس فيها الطين بعمق التاريخ وامتداد التراث وروح العصر.

القاهرة 3-7- 2007
أحدث أعمال الخزاف محمد مندور بجاليرى المسار للفن المعاصر
بجاليرى المسار للفن المعاصر يقام معرض الفنان الخزاف محمد مندور الذى يقدم من خلاله أعماله الأخيرة من الخزف ذى الحجم الكبير المستوحى من التصميم الفرعونى والإسلامى والذى يستمر حتى 30 يونيو .
والفنان محمد مندور أحد أهم فنانى الفخار الخزفى فى مصر استطاع أن يترك بصمته على حركة فن الخزف ، وهو لم يكرر إبداعه ، بل كان مجددا طوال مشواره الذى تميز بخصوصية شديدة تميزه عن غيره من الخزافين ، خاصة فى التشكيل الذى أشتهر به ، وفى الألوان الخاصة جدا التى يقول عنها وقوره، فهو من الفنانين القلائل الذين أدخلوا التطور فى تشكيل الآنية مع حفظ أساسيات فن الآنية .
فإبداعات محمد مندور لها نكهة خاصة ، ومذاق متميز ، واحساس نادر جعلت الفنان الكبير الراحل حسين بيكار يطلق عليه لقب ` ابن الفسطاط ` لأنه ورث تقاليد فواخير مصر القديمة ، وتشرب رحيقها وتمثل أدبياتها وتقنياتها ، واستوعبها جميعا مثلما يرتشف النحل رحيق الأزهار ليخرج لنا منها عسلا وشهدا يثلج الصدور ، ويشفى المكلومين ، ويسر الناظرين.
وبكل المقاييس استطاع محمد مندور أن يتفوق على نفسه فى إبداع أوان خزفية فى أحجام غير مسبوقة من ناحية الارتفاع والاتساع والاتساق بين الخطوط المنحنية والمستقيمة ، هذا بالإضافة إلى تمكنه من اختصار السمك فى قوام الإناء ،وبرغم عدم التزام محمد مندور بقوانين البناء الأكاديمية فإنه استطاع بتلقائية وبمعرفة كاملة بقوانين البناء والتشكيل التى مارسها دون دراسة أكاديمية وساعده على ذلك اختصاره الشديد فى وضع الملونات والمزججات والنقوش .
يستحق محمد مندور التهنئة على إصراره فى بناء أشكال موزونة تستوحى التراث ،وتستلهم الحداثة فى رشاقة بالغة.
يقول محمد مندور عن رحلته الفنية ولدت فى حى مصر القديمة بمدينة الفسطاط أعرق مكان خرج منه أجمل ما عرف الإنسان من خزف وفخار ، وكان الدخان الأسود الذى تلفظه الفواخير أول ما استنشقته رئتاى ، كما كان الطين الأسمر السخى أول شىء داعبته أناملى الصغيرة .، وكان عمرى ست سنوات فقط عندما وجدت نفسى وسط فواخير الفسطاط صبيا بين الصبية الكثيرين أخلط الطين ، أعجنة بقدمى العاريتين ، وأرطبه بالماء ، أنقيه من الحصى والشوائب أحمله إلى المعلم وأرقبه وهو يشكل فوق الدولاب الدوار بمهارة وحذق فيتحول بين يديه إلى قلل وأباريق وأزيار وقدور وطبول وكنت أقف ساعات طوال أمام الأوانى المتراصة وتحت الشمس أنتظرها حتى تجف وأترقبها وهى تحترق فى النار ، ثم أعود وأصففها فى نظام هندسى فتتناغم خطوطها لتؤلف عوالم أسطورية وكأنها كائنات حية تحملق فيما حولها ، ومخلوقات خرساء تتكلم بلغة الصمت بكلمات ليست فى المعاجم ولا فى القواميس ، ومع ذلك فهى شديدة الحيوية والنفاذ .
وجاء دورى لكى أجلس إلى الدولاب الدوار وأشكل الطين كما يفعل المعلمون والأسطوات الكبار ، وكانت المهمة شاقة فى أول الأمر .لكننى لم ألبث حتى أتقنت ممارستها حتى أصبحت جزءا من كيانى أوديها كما أؤدى عملية الشهيق والزفير .
لقد شربت صناعة الفخار منذ نعومة أظافرى وصححت عصا المعلم وصفعاته الصارمة أخطائى وجاء دورى لكى أفرز ما تعلمته فى صباى وأن تقوم أناملى بدورها الذى خلقت من أجله وهو تشكيل الطين ، وصناعة الفخار .
وساق لى القدر المثال المعروف (هجرس ) فى إحدى زياراته لمنطقة الفواخير وشاهدنى وأنا أشكل الطين فأعجب بى ورأى فيما أصنعه موهبة تستحق الرعاية والتوجيه فعرض على أن أذهب إلى مشغله فى حلوان لأتفرغ للفن وأخطو خطوة أبعد من صناعة القلل والأباريق ، وأصبح مشغلة عالميا ومعهدى الذى تعلمت فيه أسرار الخزف من خلال اطلاعى فى الكتب ، وزياراتى للمتاحف والمعارض ، وتوجيهات الفنان الكبير الذى أدين له بالفضل ، إلى جانب ما كنت أكتشفه من خلال الممارسة العملية ، وعندما طلبت للتجنيد شاء لى القدر مرة أخرى أن أقوم بتدريب المساجين فى ليمان طره على صناعة الخزف ، وفى هذا الموقع الجدى وجدت الطين والأفران ، والأكاسيد وكل ما يحلم به الخزاف ، الأمر الذى ساعدنى على فهم أعمق أسرار فن الخزف ،ثم انتهت مدة التجنيد وعينت مدربا للخزف فى جمعية التنمية الفكرية بالمطرية التابعة لليونسكو ، وبدأت أشارك بأعمالى فى المعارض العامة فى مصروالخارج.
نجوى العشرى
الأهرام 18-6-2009
يعرض أحدث نتاجاته فى غاليرى المسار بالقاهرة
الخزاف المصرى محمد مندور ورحلة مع عالم الخزف
يشهد غاليرى ` المسار ` للفن المعاصر فى مصر معرض الخزاف الفنان محمد مندور ، الذى يعد من أهم فنانى الخزف فى العالم العربى .مندور الذى يشتهر بتصميماته ذات الأحجام الكبيرة التى تزينها الاشكال الفرعونية والاسلامية .
الخزاف مندور تحدث عن قصته مع الخزف وعشقه له وكيف تطور هذا العشق ليصبح مهنه وحرفة اشتهر من خلالها. الخزف فى ليمان طره
عن بداياته يقول الخزاف محمد مندور ` كان عمرى ست سنوات عندما بدأت أتعامل مع الطين ، أشكله والعب به ، وكان الدخان الأسود الخارج من الفواخير هو أول ما استنشقته رئتاى وكنت أرقب المعلم وهو يشكل الطين فيتحول بين يديه إلى قلل وأباريق وأزيار وقدور وطبول كنت أجلس الساعات الطوال أراقب تلك الأوانى وهى تحترق فى النار ، ثم بدأت أقوم أنا بتشكيل تلك الأوانى كما يفعل الكبار إلى أن التقيت المثال المعرف محمد هجرس فى إحدى زياراته للفسطاط وعرض على أن أذهب إلى الأتيليه الخاص به فى حلوان لأتفرغ للفن ، وأصبح مشغله هو معهدى الذى تعلمت فيه أسرار الخزف ، ومن خلال توجيهاته تعلمت الكثير الذى أدين له به ` ، ويقول مندور :` حينما جاء موعد التحاقى بالجيش للتجنيد ، كنت أقوم بتدريب المساجين فى ليمان طره على صناعة الخزف ، وهناك وجدت الطين والأفران والأكاسيد وكل ما يحتاجه الخزاف ، وبعد انتهاء مدة التجنيد عينت مدربا للخزف فى جمعية التنمية الفكرية بالمطرية التابعة لليونسكو ، ومن هنا كانت انطلاقتى لإقامة معارض فى مصر والخارج `.
خطوط خزفية
تقول الناقدة التشكيلية نجوى العشرى عن الفنان ` بكل المقاييس استطاع محمد مندور أن يتفوق على نفسه فى إيداع أوان خزفية بأحجام غير مسبوقة من ناحية الارتفاع والاتساع والاتساق بين الخطوط المنحنية والمستقيمة ، هذا بالإضافة إلى تمكنه من اختصار السمك فى قوام الإناء ، ورغم عدم التزام مندور بقوانين البناء الأكاديمية فإنه استطاع بتلقائية وبمعرفة كاملة بقوانين البناء والتشكيل التى مارسها دون دراسة أكاديمية أن يطور فن الخزف فهو قادر على تأكيد حطوط الشكل باختصار الألوان والمزججات والنقوش `.
يذكر أن الخزاف محمد مندور ولد فى عام 1950 فى مدينة الفسطاط ` القاهرة القديمة ` حيث تعلم وعمل منذ نعومة أظافره فى تلك المنطقة الشهيرة بصناعة الأوانى الفخارية ، وفى عام 1976 التحق بأتيليه الفنانة صفية حلمى الذى أنشأته فى حلوان هى والمثال محمد هجرس ، وتدريجيا بدأت شخصيته الفنية تتضح وتتبلورمستوحيا الأشكال الاسلامية والفرعونية ، واليوم يعد محمد مندور هو علامة فن الخزف الحديث فى الشرق الأوسط .

السياسة 17-8-2009
هيكل يزور معرض محمد مندور بجاليرى المسار
الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل قام بزيارة جاليرى المسار للفن المعاصر لمشاهدة معرض الفنان الخزاف محمد مندور والذى يقوم بعرض أخر إبداعاته من فن الخزف كان فى استقباله وليد عبد الخالق مؤسس جاليرى المسار، والفنان محمد مندور وحضرالزيارة د.محمد طه حسين الفنان الحائز على جائزة مبارك للفنون هذا العام ، وقد أبدى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إعجابه الشديد بالتطور الذى شهده فن محمد مندور، ومن المعروف أن لدى الكاتب الكبير مقتنيات متميزة من أعمال الفنان محمد مندور .

الأهرام 2-7-2009
مصـر رائدة العالم في صـناعة الفخـار
محمد مندور‏..‏ وريث الفراعنة يجمع بين التقليدية والأكاديمية
مصر هي رائدة العالم في حرفة صناعة الفخار منذ عهد الفراعنة‏,‏ وقد تطور في مختلف الفترات التاريخية واتخذ أشكالا جمالية وزخرفية بل إنه كان يدفن مع الموتي لاعتقادهم أن الحياة الوسطي هي نسخة من الحياة الدنيا كما صنعت منه حاويات الغلال وبعض التوابيت وأواني التحنيط‏,‏ وفي الدولة الوسطي اختفت الطرازات السابقة واتجهت صناعة الفخار إلي الأشكال الرقيقة البسيطة ثم اتجهت فيما بعد إلي الزخرفة وأقيمت صناعة الفخار بمدينة أخيتاتون‏(‏ أفق آتون‏)‏ القريبة من مدينة ملوي التي أنشأها أخناتون وزوجته نفرتيتي وكان يوجد بها مصنعان كبيران للخزف المطلي كما كشفت البعثات الأثرية عن استخدام منتجات المصنعين في تزيين منازل الأشراف والقصور الملكية والمعابد
وظل المصريون يتوارثون هذه الحرفة‏,‏ ففي الحقبة الرومانية اتسمت صناعة الفخار باستخدام العجينة الحمراء والزخارف السوداء البارزة‏,‏ أما في العصر القبطي فعمل الرهبان بهذه الحرفة بجوار الأديرة وزخرفوا الفخار بزخارف رمزية ترتبط بالحس العقائدي المسيحي والطابع الشرقي‏.‏
أما بعد دخول الإسلام فقد أضيفت لهذه الحرفة عناصر إبداع علي مستوي النمط الجمالي مع توظيف الخامة في شكل نفعي جديد وإن اختلف العلماء في طرق التصنيف الخزفي التاريخي لهذه الحقبة‏.‏
وفي العهد الفاطمي بلغ الخزف المصري درجة شديدة الرقي وانقسم إلي مجموعتين أساسيتين الأولي ذات رسوم منقوشة تحت طلاء من لون واحد‏,‏ والثانية ذات زخارف بالبريق المعدني‏,‏ استمر إنتاجه حتي العهد المملوكي وفي الدولة الأيوبية استلهم الفنانون الرسوم الحيوانية المحورة من الفن السلجوقي الذي تأثرت به كل الفنون والصناعات بالشرق الأوسط وبنهاية العصر المملوكي تدهورت صناعة الفخار والخزف وازدادت حدة التدهور في ظل الحكم العثماني‏,‏ وفي العصر الحديث بدأت هذه الصناعة تسترد عافيتها وبرزت أسماء من أمثال سعيد الصدر وعبدالغني الشال ومحيي الدين حسين وجمال عبود ومحمد مندور وسمير الجندي‏.‏
ويعتبر محمد مندور واحدا من أهم فناني الفخار بمصر‏..‏ وقد أصبح إبداعه جزءا من عبقرية المكان الذي يمارس فيه عمله الفني الفريد وكأنه يتحاور مع هذا المكان ويؤكد أنه لا يقل عن الفنانين العظام الذين توارثوا مهنة الفخار وطوروها في مصر‏..‏ فالمكان هو منطقة الفواخير القابعة خلف الكنيسة المعلقة أقدم كنائس العالم‏,‏ وبجوار المتحف القبطي وأمام جامع عمرو بن العاص‏..‏ ووسط هذا المكان تنطلق الإبداعات الفريدة من منصة الموهبة الفذة والقدرة الخلاقة علي تحويل الطين إلي أعمال فنية يشهد لها محبو الفنون‏..‏ كل ما يؤرقه هو عدم الاستقرار والتهديد الذي يتعرض له ـ هو وغيره من الفنانين والحرفيين بمنطقة الفواخير ـ بنقلهم من المنطقة بعد أن صدر قرار حكومي يوقف العمل بها منذ عام‏1999.‏
نعود إلي مندور الذي أقام أكثر من‏30‏ معرضا لأعماله وحصل علي جوائز بينالي من مصر وروما‏..‏ بدأ حبه للطين والفخار والخزف منذ كان عمره‏9‏ سنوات أي منذ‏47‏ عاما‏,‏ ولأنه لم يلتحق بمدرسة فقد بدأ يساعد عامل الفخار وكان يجهز له الطين بمواصفات معينة‏,‏ وكان يرمقه وهو يحول الطين إلي قلة متناسقة الشكل‏,‏ وكان يشعر بأن هذا العامل ساحر فقد تحولت العجينة الطينية إلي عمل فني بعد خروجها من الفرن‏..‏ وهكذا بدأ حبه للفخار والخزف الذي لم يفارقه حتي في أحلامه‏,‏ وكان يدرك أهمية هذه الخامة وتلك الحرفة فالتاريخ المصري القديم كان مكتوبا فوق قطع خزف أو فخار‏..‏ واستطاع مندور بعد فترة من العمل مع عامل الفخار البسيط أن ينتقل إلي ورشة لصناعة الأباريق وبدأ يمارس العمل بنفسه بل إنه صنع تماثيل من الفخار‏,‏ وبدأ يتفنن في زخرفة ما يصنعه‏,‏ وعندما بلغ السادسة عشرة فقد أبدع من خلال خامة الطينة الأسوانلي بتقنيات ومعالجات للخامة بشكل خاص جدا في طريقة الحريق واستخدام الأكاسيد والجليزيهات والبريق المعدني الذي نادرا ما كان يلجأ إليه وتميز أيضا في القورم المبتكر من خلال الآنية التي شكلت‏80%‏ من إبداعه في تشكيلات بالغة الخصوصية إلي جانب الأطباق والأعمال الجدارية الصغيرة‏.‏
شاهده الفنان أحمد حسين هجرس ـ الأستاذ بكلية الفنون ـ الذي عرض عليه أن يعمل معه في الإتيليه الذي يملكه بحلوان‏,‏ وهناك التقي بفنانين أكاديميين ومثقفين فاكتسب منهم خبرة جديدة واستطاع أن يترك بصمة علي الأعمال الخاصة به التي ينتجها بأسلوبه الفريد الذي يمزج بين الأساليب الفرعونية والتقليدية والأكاديمية‏,‏ وكانت فترة التجنيد إضافة جديدة له فقد أمضي الفترة في تدريب المجندين علي صناعة الفخار في ورشة الخزف الملحقة بسجن طرة‏,‏ وهناك عمل بإمكانات متطورة مقارنة بالتي كانت موجودة في اتيليه هجرس‏..‏ وبعد هذه المرحلة عمل في اليونسكو بمركز مؤسسات التدريب بحلمية الزيتون مع الفنان حسن صبري الخولي‏,‏ ثم استقال ليعمل خزافا حرا‏.
نجوى العشرى
الأهرام 20-1-2007
صبى الفسطاط العصامى.. محمد مندور.. من الفواخير إلى العالمية
- فنان بالفطرة.. لم يدرس فن الخزف دراسة أكاديمية ولا يحمل شهادات فنية، بل علمته الطبيعة كيف يصوغها ويشكلها بين يديه.. كان الطين الأسمر أول شىء داعبته أنامله وملأ كفوفه الصغيرة ولم يتجاوز عمره ست سنوات فقط, وبمهارة وحرفية نضجت مع سنين عمره تحول الطين بين يديه إلى أباريق وأزيار وقدور وصلت به إلى العالمية.
علم مساجين طره فن الخزف وتصدر اسمه المراكز الأولى فى مسابقات ومعارض دولية فطلبته اليونسكو للعمل بها.. إنه الخزاف «محمد مندور» أحد أهم فنانى الفخار الخزفى فى مصر نصاحبه فى رحلته مع الخزف عبر لوحات مجسمة من الإبداع بالخزف.
خزف إنسانى
بين أعماله تشعر أنك تشاهد الحضارة المنيوية بفخارها الشهير وبفورمته الانسيابية الشبيهة بالجسد الإنسانى، ففخاراته ذات حضور أنيق فى الفراغ، تتكلم بلغة الصمت رغم شدة حيويتها بفوهتها المتجهة نحو السماء فى شموخ، تتنوع بأحجام وتقنيات مختلفة بين ملمس السطوح الخشنة وملمس السطح الناعم.. ولفرط سيطرته تمكن من تشكيل صحون وصلت أقطارها إلى المتر ولم يزد سمكها على السنتيمترين!! ومن المعروف أن مثل هذه الفورمات تتطلب تقنية خاصة فى التجفيف والإنضاج. بالإضافة إلى الأطباق المرسومة التى اشتهر بها وميزته.
امتهن صناعة الفخار منذ الصغر حيث نشأ فى حى الفخار بالفسطاط ووجد نفسه وسط فواخير الفسطاط فى حى ملىء بأسطوات ومعلمين كان الفخار لهم صنعة وحرفة، تعلم وتدرب على أيديهم فتشرب بكل خبرتهم، وعندما امتزج عشق الخزف بدمائه أبدع فكان الناتج خليطا من خطوط حياته وتشكيلاته الخزفية بين التراث فى قيمته الوظيفية والمعاصرة، فشارك فى الكثير من المعارض المحلية والعالمية وحصد الكثير من الجوائز المحلية والعالمية.
أسطى سيد.. الساحر
تحدث عن مرحلته الأولى وعشقه للطين الذى يعد تشكيله أول صناعة عرفها الإنسان فقال: فعلت مثلما كنت وأقرانى الصبية نفعل ألعب فى الشارع بالطين وألطخ ملابسى وأعود للمنزل فتقوم أمى بضربى ورغم تكرار الحدث إلا أننى لم أتوقف لأننى وجدت بملمس الطين عشقًا لم أستطع مقاومته، وكنت شقيًا بدرجة كبيرة ففكرت أمى فى توظيف طاقتى مع ملاحظتها حبى للطين، فطلبت من «عم سيد» الفخار صديق والدى أن أعمل معه. وبالفعل ذهبت وأخذت أرطب الطين بالماء وأنقيه من الحصى والشوائب ثم أحمله إلى «المعلم» وأراقبه وهو يُشكله فوق الدولاب الدوار بمهارة وحذق فيتحول بين يديه إلى قلل وأباريق وأزيار وقدور وطبول كأنه سحر.. كنت أقف ساعات طوال أمام الأوانى المتراصة تحت الشمس أنتظرها حتى تجف ثم أترقبها وهى تحترق فى النار ثم أعود وأصففها مرة أخرى فى نظام هندسى فتتناغم خطوطها بمعزوفة لا يفهمها إلا الصانع. وكنت أختلس الوقت فى الصباح الباكر وأجلس للعب على الدولاب الدوار فى الورشة دون علم أحد، حتى لاحظ المعلم سيد ما يحدث عن طريق الطين الرطب لكن لم يعرف من صاحب الجريمة، حتى اكتشف فعلتى أقرانى بالورشة وفتنوا له.
ماكيت معمارى بالطين
انتقل «مندور» للعمل بعدة ورش فأكسبه ذلك مهارات وخبرات مختلفة، آخرها مع الأسطى «إمام حافظ» الذى قال عنه: كان للأسطى «حافظ» اتجاه مختلف يُحيى به صناعة الشمعدانات. وكنت الصبى الوحيد معه وبالطبع اتسم المكان بالهدوء الشديد مما أتاح لى فرصة أكبر للتعليم خصوصاً أنه اعتبرنى شريكًا له ولست صبيًا عنده فآثرنى ذلك وعملت معه 4 سنوات كاملة. بدأت فى تلك السنوات موهبتى فى الظهور وكنت قد بلغت حينها عامى الثالث عشر إلى أن ابتكرت نماذج جديدة تطورت إلى محاكاة نماذج معمارية لمبانٍ كاملة بكل تفاصيلها مثل ماكيت المهندس المعمارى ولكن بالطين، وبدأت بنموذج لكنيسة مارى جرجس وجامع عمرو بن العاص ونالت هذه النماذج إعجاب السائحين الشديد حتى بدأت فى إنتاجها بأعداد كبيرة.
الثالوث الفنى
أثناء تلك السنوات كانت هناك عين ثاقبة تراقب «مندور» عن كثب وهنا انتقل الغلام الموهوب من مرحلة صنعة الأوانى الفخارية إلى الاحترافية وعالم الخزف بعدما تعرف على النحات الشهير «محمد حسن هجرس» الذى يعد مرحلته الثانية والأهم حيث نقلته من الصنعة إلى الاحتراف بعدما أصبح مرسم «هجرس» هو الجامعة التى درس وتخرج فيها مندور إلى العالمية بفضل توجيهاته له.. قال «مندور»: دخلت إلى عالم «هجرس» من أوسع أبوابه، حيث استقطبنى له بعدما جذبت انتباهه أثناء تواجده المتعدد بالمنطقة لزيارة صديقه الفخار، فرأى أعمالى فى ورشته وأعجب بها واستشعر بتميزى وبموهبتى فدعانى لزيارة الأتيليه الخاص به فى حلوان وكانت أول مرة أحتك فيها بفنان وليس بفخار ومن هنا تبنانى فنياً.
اعتقال هجرس
التحق «مندور» وهو بعمر السابعة عشرة بأتيليه حلوان الذى أقامه النحات «محمد هجرس» مع الرسامة «صفية حلمى حسين» عام 1967 وكان الهدف منه إقامة قصر ثقافة فى حلوان. بدأ التعاون بين هجرس وصفية ومندور بعمل مشروع خاص بهم بعدما أقنعه الأول بضرورة ذلك معللاً أن (على الفنان إذا أراد حماية فنه أن يخلق من نفسه مؤسسة) بمعنى عمل مشروع خاص يدر عليه ربحًا يصرف به على التزاماته وفنه. قال «مندور»: أقمنا مشروع خزف أنتجنا فيه لأكثر من سنتين أعمالاً فنية اشتركنا جميعاً فى إبداعها بتوالى مراحل إنتاجها علينا. وكان الأتيليه ينظم كل يوم جمعة ورشة فنية يتوافد إليها أصدقاء ابنه «هجرس».
يستطرد «مندور»: وكان هجرس وقتها يعلم مساجين طرة النحت على الحجر كعمل تطوعى واقترح على مديره إقامة ورشة للخزف لتنمية المساجين إنسانياً بالتعامل مع خامة نبيلة مثل الطين، وأنشئت الورشة بالفعل بأحدث الإمكانيات وكُلفت أنا بإدارتها. فكنت أذهب لتعليم المساجين فن الخزف وهناك شاهدت «مصطفى أمين وجلال هريدى» وكثيرًا من مجلس قيادة الثورة. ولكن لم أمكث فيها سوى ثلاثة شهور وبعدها اعتذرت عن العمل لعدم قدرتى على تحمل طبيعة المكان الرسمية. ثم لعبت الأقدار دورها مرة أخرى عندما اعتقل رجال الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» «هجرس» لمدة سنة ونصف السنة باعتباره ينظم خلية سرية تجتمع أسبوعياً فى شكل ورشة فنية. وسافرت «صفية» إلى لندن وبقيت وحيداً وتحملت مسئولية الأتيليه بالكامل وكنت بعمر التاسعة عشرة.
ورشة سجن طرة
ثم جاءت فترة التحاق الشاب «محمد مندور» بالتجنيد وتعد هذه الفترة مرحلة أخرى فارقة فى مشواره الفنى، حيث فتحت له آفاقًا جديدة عندما كلف بتدريب المساجين على صناعة الخزف، ومنها تم اختياره من قبل منظمة اليونسكو ليكون مدربا فى جمعية التنمية الفكرية بالمطرية.. وعنها يقول «مندور»: من شدة حنينى لرؤية معلمى وصديقى «هجرس» وعدم السماح لى بزيارته، شاءت الأقدار وبترتيب ربانى أن يتم تجنيدى فى سلاح مصلحة السجون بمركز تدريب يقع أمام معتقل «هجرس»!!. وهناك تذكرنى أحد المساجين الذين علمتهم الخزف من قبل وأبلغ مدير السجن فكُلفت مرة أخرى خلال فترة تجنيدى بتدريب مساجين «ليمان طرة» وهناك كنت ألتقى «بهجرس». فأصبحت فترة تجنيدى التى امتدت إلى ثلاث سنوات حقل تجارب لا يحظى به الكثير من الأكاديميين ويعود الفضل فى ذلك لمعلمى «هجرس». وأيضاً خلال فترة تجنيدى أخذت «صفية» أعمالى واشتركت لى بها فى معرض فنى بلندن.
اليونسكو
يستكمل «مندور» حديثه: بعد انتهاء فترة تجنيدى كنت بالحادية والعشرين من عمرى وكان «هجرس» قد خرج من معتقله، ولكنى أردت الاستقلالية فجاء لى عرض من منظمة اليونسكو لتدريس الخزف فى جمعية التنمية الفكرية للمعاقين ذهنياً. وكان رئيس مجلس إدارتها «حسن صبرى الخولى» وارتبطت إنسانياً بهذا المكان وأمضيت به ست سنوات أقمت خلالها ثلاثة معارض فنية خاصة بى. وبعدها قدمت استقالتى واتجهت بعدها لعملى المستقل بعد أن أنشأت ورشة خاصة أعمل بها إلى الآن.
معارض وجوائز عالمية
وبعد استقلاله كثف «مندور» من معارضه الفنية وأقام أكثر من 50 معرضًا خاصًا فى مصر والخارج وشارك فى معارض جماعية بالداخل والخارج، وحصل على العديد من الجوائز المحلية والعالمية وعن ذلك قال: أذكر أن أول جائزة حصلت عليها كانت جائزة «طلائع الفنون الجميلة»، ثم حصلت فى بينالى الخزف على ثلاث جوائز فى ثلاث دورات متتالية، وكانت هناك أيضاً مشاركة بورشة عمل من كل دول البحر المتوسط أقيمت فى إيطاليا وحصلت فيها على الجائزة الأولى. وبسؤاله عن الخزف الأوروبى قال: أعتبره مثل (الزهور الصناعية.. جمال من غير روح) فاللمسة الجمالية فى إخراجه بها تكنولوجيا عالية جداً وخالٍ من البصمة الإنسانية فنحن فقط من نملك هذه البصمة. •
سهام وهدان
صباح الخير 2017/3/21
خزاف مصر الأول محمد مندور: مصطفى أمين حبسنى بمجموعة كتب فوقها بيادة ميرى
- منذ نعومة أظافره يهوى اللعب بالطين وتحويله لقطع فنية ،أدركت والدته موهبته فأرسلته إلى ورشة فخار ليتعلم المهنة ،تعلم سريعا فاستطاع أن يصنع شغلا يميزه عن بقية الأطفال، تشخيصه للمعلمين فى صورة حيوانات حول حياته ، يستوحى الشكل المعمارى من نقطة المياه ، حبسه مصطفى أمين بتصميم كتب وفوقها بيادة، أعماله قدمت هدية للأمير تشارلز،إنه الفنان محمد مندور.
- والدتى صاحبة الفضل الأول فى نجوميتى
- نشأت فى منطقة الفسطاط معقل الفواخير.. كيف أثرت هذه النشأة فى فنك ونجوميتك؟
- نشأت وترعرت فى الفسطاط مسقط رأسى، توفى والدى وأنا صغير لذلك لم التحق بالمدرسة. ولما بلغت السادسة كنت ألعب فى الشارع بالطين. والدتى خشيت على من كثرة جلوسى فى الشارع . فقررت أن تلحقنى بمهنة تكسبنى صنعة ، وأول ما تبادر إلى ذهنها إلحاقى بمنطقة الفواخير، فهى ببساطتها ادركت أنى أعشق الطين من كثرة لعبى فيه، فهى صاحبة الفضل الأول على فى التحاقى بهذه المهنة، وبالفعل ذهبت إلى المعلم الذى وكل إليه تعليمى ومكثت لدية سنة أشتغل ولم أقبض مليما. أدركت أمى أن المعلم يستفيد منى ولذلك طلبت منه تخصيص أجر لى.
- كنت أتدرب فى ورشة كبيرة ، أول حاجة تعلمتها حمل قطعة طرية من الطين بحرص شديد بدون أن تترك أصابعى أثرا عليها ` تعلم فيها` بعدها علمونى تحضير قطعة طينة للتشكيل وتدرجت فى جميع المراحل حتى وصلت لسن 15 سنة.
- ` التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر` ما الموقف الذى مازال عالقا بذاكرتك منذ الصغر؟
- بالطبع التعليم فى الصغر صقلنى بشدة، ولكن الحق يقال إن تعليم الأطفال كان يتم بطريقة غير أدمية بالمرة ، لدرجة أن ` الصنايعى` كان لا يشغل ابنه معه، لكيلا يعاقب بشدة لو أخطأ، فكانت الأطفال تعامل معاملة قاسية للغاية ، وأذكر لك موقفا لا يمكن أن أنساه فأثناء حملى للطين سقطت منى قطعة على الأرض فرأنى المعلم وطلب منى رفعها من على الأرض وإحضار أصغر حجر يقابلنى، وبالفعل نفذت ما طلبه منى، ففوجئت به يضع الحجر فوق أذنى ويضغط عليه بكل قوته لدرجة أنى شعرت أن أذنى قد ثقبت، ـوكنت وقتذاك لم أتعدى السابعة من عمرى، هذا درس من الدروس التى تعلمتها ولا يمكن أن أنساها. وقال لى وقتذاك لو ماشى ووجد لقمة عيش على الأرض كيف تتعامل معها؟ قطعة الطين مثل لقمة العيش. من هنا تعلمت كيف أكون حريصا على احترام الخامة التى أعمل بها.
- تشخيص للمعلمين فى صورة حيوانات حول حياتى
- ألم يصبك الأسلوب القاسى فى التعمل بحالة إحباط ؟
- بالطبع هذا الأسلوب أصابنى بحالة نفسية سيئة للغاية، وتركت الفواخير نهائيا. وكنت أهرب من الشغل، وظللت فترة أترك معلما وأذهب لغيره، ومن المتعارف عليه ` أن الصبى الذى يتنطط` من مكان إلى مكان لايتعلم، ولكن هذا ما حدث عكسه معه فكثرة تنقلى زادتنى خبرة ، كان نفسى أتعلم على الدولاب ولكن بدون قسوة، فأنا لا أعرف أشتغل أمام أحد حتى الآن، ولذلك كنت أستيقظ مع والدتى فى الفجر وأذهب أشتغل فى الورشة قبل أن يأتى جميع العمال وبعد ذلك أعود إلى البيت وأستحم وأغير ملابسىى وأرجع مرة أخرى فى موعد العمال كأننى ` لسة جاى` من البيت ، وأمسكنى الخفير ذات مرة وأخبر المعلم فتركت المكان فورا ، فلا يوجد مكان مكثت فيه أكثر من 10شهور.
- متى بدأت نقطة التحول فى حياة الفنان محمد مندور؟
- موهبتى تفجرت عند المعلم إمام حافظ وكان عمرى وقتذاك 14سنة، وكان يعمل بمفرده ولديه حجران ، كنت أعمل على أحداهما، وبدأت أشخص المعلمين الذين كنت أعمل لديهم ولم أحبهم فى صورة حيوانات، هذه كانت همزة الوصل بينى وبين الفنان محمد حسين هجرس، `وكان من أفضل الفنانين فى الستينيات، فكلية فنون إسكندرية بنيت على أكتافه`. وكان أتيليه هجرس فى حلوان مجاورا للفنانة صفية حلمى حسين، وبحكم الجيرة والزمالة عملوا أتيليه يكون بمثابة قصر ثقافة بحلوان، وبالمصادفة البحتة رأى هجرس شغلى وتماثيلى، انبهر بها وسأل عنى، شخصيته لمست مشاعرى واحتوانى وصارت بينا علاقة عزمنى على الأتيليه ، وبالفعل ذهبت إليه.
- صف لى شعورك عندما طلب منك زيارة الإتيليه الخاص به؟
- كانت أول مرة أدخل أتيليه فى حياتى، شعرت وكأننى داخل معبد سألنى تحب تـشتغل معى؟ وافقت فورا واشتغلت معه وكان عندى وقتذاك 16سنة اشتغلنا على الدولاب وعملت فرنا بسيطا، ولأن التلوين يحتاج إلى حسابات ودراسة كيمياء اشتغلت بطريقة مصر القديمة `الطواجن والقدر والأطباق` أما القلل فكان يلونها بعلبة نأخذها كمكيال، بدأت أشتغل مثلهم وحرقت وطلع الشغل لا يقل جودة عن المتخصصين، واشترينا فرنا كهربائيا وبدأنا نشتغل كلنا مع بعض لدرجة أنه لا أحد يستطيع القول بأنه اشتغل القطعة بمفرده.
- ماذا عن تجربتك فى تدريب مساجين طرة؟
- كان هجرس يذهب إلى طرة يعلم المسجونين نحت بورتريه حجر هو وسطوحى فنان إسكندرانى، فاقترح على المسئولين فى السجن إنشاء ورشة خزف وطلب منى أن أكون مسئولا عنها وبالفعل ذهبت لمدة 3 شهور ثم امتنعت عن الذهاب من شدة تأثرى نفسيا بظروف المساجين فرفضت استكمال الجولة، وقابلت مصطفى أمين وجلال هريدى وكانا فى السجن فى عهد عبد الناصر، ولكن شاء قدرى أن أدخله مرة ثانيه أثناء قضائى الفترة العسكرية فأثناء وجودى فى مركز التدريب عرفنى العساكر والمساجين الذين كنت أعلمهم ، فذهبوا إلى اللواء فؤاد سعد الدين وأخبروه بوجودى، وهو كان يبحث عن واحد يدير مركز الخزف لأنهم كانوا يريدون إقامة معرض ، فأخرج من مكتبه صورة نافورة يونانى طلب منى أعمل مثلها بالضبط، وبالفعل نفذتها بالضبط، ومن هنا أصبحت أنا المسئول عن قسم ورشة الخزف، فحدث نوع من الحقد على من بعض العساكر لفرق المعاملة والإجازات، فأوشوا بى عند قائدى مصطفى الصباحىى فحرمنى من الإجازة.
- قدمت للأمير تشارلز قطعة من أعمالى باسم مصر
- ذكرت أنك تقابلت مع مصطفى أمين وجلال هريدى فى السجن فهل كانت لك معهما بعض الذكريات؟
- هناك موقف لا يمكن أن أنساه عندما أرسل لى مصطفى أمين مع أحد المساجين يطلب منى قطعة طين فاعتقدت أنه سيصنع منها `سخان شاى`، ولكنه فى اليوم التالى أعادها مشكلة `مجموعة من كتب فوق بعضها وفوقها بيادة ميرى` اعتقدت أنها طفاية سجائر ولم أفهم البعد السياسى الذى بها ، طلب منى إحراقها فحرقتها ولونتها باللون الأزرق، ووضعتها ضمن شغلى ، فى العاشرة صباحا جاء حارس المدير فى زيارة ` فلانتينا أول رائدة فضاء صعدت القمر` ففتح الفرن وشاهد شغل مصطفى أمين سأل عن من الذى عملها وطلب منى التوجه لمكتبه وحبسنى، ولم أعرف السبب إلا عندما شرح لى معنى الصورة ،وكان معناها أن ` السلطة تدوس على القيم` بعد انتهاء فترة الجيش، استكملت شغلى فى أتيليه حلوان. وسافر هجرس وأرسل لى لكننى رفضت.
- لماذا رفضت السفر؟
- أولا لأنى كنت متزوجا وقتذاك، ثانيا كنت أدرس للأولاد الذين يعانون من الإعاقة الذهنية، فى قسم الخزف بالوفاء والأمل والمطرية إلا أنه حدث نوع من الصراع والتنافس بينى وبين المسئولة عن القسم مما جعلنى أتقدم باستقالتى، وقررت أن أعيش 24 ساعة فنانا ولا أشتغل موظفا عملت مكانا ساعدنى فيها سعد هجرس وأصبح لدى أتيليه متواضع وسط الفواخير أعلم فيها الغير فن الإناء.
- من وجهة نظرك ما المشكلة التى تواجه فن الخزف؟
- المشكلة القائمة فى فن الخزف فى مصر أنك لو وجدت الحرفة لا تجدين الموهبة والعكس، أنا ربنا وفقنى فى الاثنين، فمعارض الخزف المتخصص فى فن الإناء لا نجد فارقا كبيرا بينهما فى جميع المعارض لأن الفواخرجى الذى ينفذ قطعة الخزف واحد، إنما أنا ربنا وهنبى الموهبتين ولذلك أنفذ شغلى بنفسى،`وهذا قلب الدنيا على من قبل الفنانين الكبار`، عملت معرضا فى المركز الثقافى بالعجوزة أقاموا لى افتتاحا كبيرا وأعطيت المدير الإنجليزى قطعة هدية يضعها فى المركز، وقبل مجئ الأمير تشارلز لزيارة المركز بالعجوزة بــ10 أيام اشتروا منى قطعة وذهبت لأقدمها له باعتبارها قطعة هدية من مصر، وهذا من المواقف الطريفة بالنسبة لى، كذلك المصرية فاطمة الفايد شقيقة محمد الفايد شاهدت أعمالى واختارت 10قطع منها .
- هل تتذكر أغلى قطعة فنية بعتها بكم ولمن؟
- أغلى قطعة بعتها كانت بخمسين ألف جنيه وكانت لوزير المالية الأسبق/ دكتور سمير رضوان ، فأنا لدى ميزة لو القطعة لم تعجبنى من السهل جدا أكسرها وأعمل غيرها، فالفنان الناجح متى يصل؟ لو القطعة تتكلف 20أو 30ألف ويكسرها بيده ليصحح ما بها من أخطاء ، هذا هو الفنان وقتها يكون الفنان وصل، فلو لدى معرض المفروض أعرض به 30 قطعة، أعمل 100قطعة وانتقى منها 30 فقط ، لأن قطع المعرض قطع متحفية يتراوح سعرها ما بين 5 آلاف إلى خمسين ألفا.
- قمت بعمل الكثير من المعارض فهل من الممكن أن تكرر أعمالك أم كل قطعة لها شكل خاص؟
- الهدف من تكرار العمل التجويد وليس التكرار فى حد ذاته ، فالتخصص الفنى للإناء من الأشياء الصعبة جدا، ولكن الذى يسهل على أن عملية تشكيل الطين بالنسبة لى كعملية الشهيق والزفير،لأننى تعلمت الدولاب منذ الصغر.
- ذكرت أنك تحديت نفسك فى أكثر من موقف كيف؟
- تحديت نفسى بالعمل بعيدا عن أعين الغير، وبشغلى مع كفيف وكان يقوم` بشغلانة معقدة النرجيلة الخاصة بالشيشة `وهذه من أصعب الأشكال على الدولاب، وكانت تحديا بالنسبة لى أن كفيفا يصنع هذا وأنا مبصر ولهذا الحمد لله خرجت من عنق الزجاجة ، موقف أخر تحديت فيه نفسى وكان فى أتيليه هجرس فكنت عندما أصنع قطعة ينبهر بها ويستدعى أبلة صفية ويشيد بها، وسألت نفسى هل كل قطعة أعملها تكون 100 % فلم أصدق نفسى ولذلك أصبحت لا أعرض أعمالى على هجرس، وبدأت أعرضها على أبلة صفية، فعندما كنت أجدها تتفحصها بشدة ، أجد نفسى تلقائيا أضع يدى على الشغل وأهدمه وأعيد تشكيله من جديد، تكررت هذه العملية أكثر من مرة فتضايقت وقالت لى لو فعلت ذلك مرة ثانية لن أشاهد شغلك وبعد ذلك كنت أتركه وأضيف عليه ملاحظتها، فتخرج قطعة فنية رائعة فتعلمت منها أنه لولا وجود القطعة القديمة لما رأيت الإضافات الواجب إضافتها على القطعة الجديدة، فمقارنة نقطة ضعف العمل الأول تخرج عملا فنيا أجود منه.
- فاطمة شقيقة محمد الفايد اقتنت 10 قطع من أعمالى
- من وجهة نظرك ما هى مواصفات الفنان لكى يكون ناجحا فى فنه وعمله؟
- أولا أنه لايكابر ولا يصيبه الغرور، فرغم أنى من مواليد سنة 60 إلا أننى مازلت أتعلم حتى الآن، ومازلت أمر بمواقف فى شغلى كثيرة تقف أمامى لكى أعرف كيف جاء معى العمل بهذا الشكل ` يموت المعلم ويتعلم`، ثانيا الاجتهاد والباقى على ربنا ، فلو الموهبة موجودة لابد أن أتعلم كيف أكون حرفيا جيدا.
- هل وقف عدم تعليمك عثرة فى طريقك؟
- مشكلتى الوحيدة عدم إلمامى باللغة ، فهجرس وصفية علمانى القراءة والكتابة، وتعلمت اللغة العربية والرياضة والهندسة، أبلة صفية علمتنى اللغة الإنجليزية وبدأت معى ولكنى لم أستمر،عندما وجدت نفسى لدى شغف أتعلم أكثر من حاجة وجدته على حساب شغلى لذلك، قلت لنفسى كم فنان يعمل شغلى ولذلك لم يكن عائقا.
- ماذا يمثل لك الأتيليه وكم من الوقت تقضيه فى مرسمك؟
- بيتى الثانى، فأمكث وسط خاماتى أكثر مما أمكث مع أسرتى ، فالفن يحركنى داخليا لأصنع قطعة فنية ولذلك يجب أن أكون وسط خاماتى، لأتغزل فى شغلى بعين ناقدة وأرى ما الذى كان من الممكن أن يتغير فى القطعة وأحدد ما الذى ينفذ فى المرحلة القادمة ، فدائما ما أشعر بحنين تجاه الطين ، فهو أساس البناء، ولذلك أقمت أكثر من معرض فخار فقط ، فأنا تحدث ألفة بينى وبين الجماد.
- أستوحى الشكل المعمارى من نقطة المياة
- لقبت بخزاف مصر الأول ماذا يمثل لك هذا اللقب؟
-يعطينى الثقة فى نفسى ، ولكنه لا يصبنى بالانبهار أو الإعجاب بنفسى، فكل معرض جديد لى أخشى أن أكون قد تخلفت عن المعرض الذى قبله ، فدائما ما يلازمنى هذا الشعور ولكنه طبيعيا عند أى فنان لأنه يريد المزيد.
- النقد أم الإقبال على شراء أعمالك الفنية دليل حكمك على نجاح أو فشل معرضك؟
-إطلاقا عمر ما كانت المادة مقياس نجاح معارضى ، فلا يهمنى من يشترى ومن لا، فلو كنت أريد المكسب والبيع كنت عملت أحجاما صغيرة سهلة فى بيعها وحملها، ولكن معظم أعمالى كبيرة الحجم ، فالقطعة التى لا أكون غير راضى عنها لا تخرج ولو كانت هدية ، فلابد أن أكون راضيا عن جميع أعمالى بنسبة 100% فليس معنى أنى محمد مندور أفضل فنان فى مصر تخرج القطعة متقنة بالعكس قطعة الفخار التى أعملها أعرضها على جيرانى ` الفواخرية ` لكى أعرف رأيهم فيها، وأستعين بوجهات النظر، فأنا أستوحى الشكل المعمارى من نقطة المياه.
- ماذا تمثل لك معارضك؟
- معارضى هم أبنائى وأعتبر كل معرض أقوم به الأول بالنسبة لى ويكون نسخة واحدة فقط ، لذلك جميع معارضى تحتل لدى ذات المكانة.
بقلم :صافيناز الطرابيشى
مجلة نصف الدنيا :20-10-2017
الخزاف محمد مندور.. ابن فواخير مصر القديمة
- لعل أكثر الفنون `حميمية` والتصاقاً بالإنسان هو فن الخزف، سواء بالنسبة لمبدعه الفنان، أو بالنسبة لمتلقيه `الإنسان العادى`... فمع الطين الناعم المصفى اللين كعجين الخبز، ومع الدولاب الخشبى البدائى الدوار، الذى لم يتغير منذ عصور المصريين القدماء، يتلاحم الصانع جسدياً وروحياً، بيديه وقدميه وكل جوارحه، ويتوحد مع الطين حتى يودعه سر التكوين، ثم يتصاعد النبض متخلقاً فى ` شكل` ينمو بين أنامله مثل الكائن الحى... هكذا تعلو `اليد` الإنسانية كأنبل آلة صنعت الحضارة البشرية على مر التاريخ... وفى الحريق تبدأ رحلة أخرى من الحنو الإنسانى على ما أنتجته يد الصانع... فمع التسوية البطيئة فى نار الفرن الهادئة، ومع لهفته المتشوقة لرؤية ملامح نتاجه الفخارى، وتلقيه لأول ما يخرج من الفرن، يشعر وكأنه يتلقى وليداً من بطن أمه..!
- وهكذا يخوض هذا الوليد الفخارى رحلته فى الحياة، ليكون رقيقاً وادعاً وصديقاً نافعاً للإنسان فى حياته، فى مأكله وشرابه، فى زينته ودوائه، حافظاً لزهوره وعطوره وكنوزه.. بل وأحشائه وسر خلوده!.. وليس مصادفة أن أول وثائق التاريخ المكتوب منذ طفولة التاريخ، وأن أول محاولات الإنسان لكشف أسرار الكون المحيط به، وأول تسجيل للمعرفة، كانت على صحائف وأوان من الفخار.
- لقد أسهبت فى هذه المقدمة قبل الدخول إلى عالم فنان الخزف المصرى محمد خليل مندور (37 سنة)، لأن رحلته الإبداعية أقرب إلى رحلة فنان الخزف القديم المجهول، منها إلى رحلة الأكاديميين ممن درسوا الخزف بالجامعات والمعاهد المتخصصة وحازوا أعلى الشهادات.. لقد تخرج فى جامعة أبناء حوارى الطين ومصانع الفخار فى حى الفسطاط بمصر القديمة المسماة بالفواخير، منذ أن كان طفلا فى السادسة وهو يخوض الطين بقدميه ويديه، وبشكله على الدولاب أوانى وأشكالاً نحتية بدائية التكوين. تعلم القراءة والكتابة على صحائف الفخار وهو يحل رموز الحروف العربية على أطباق الفن الإسلامى العريقة ثم على جدران جامع عمرو بن العاص ـ القريب من محل عمله.
- ودفعه الفضول يوما ليدخل مرسم فنان الخزف الرائد سعيد الصدر المجاور له.. وبهر بما رآه من نحت فخارى وأطباق مرسومة وأوانى لم يشاهد مثلها من قبل، وعرف لأول مرة أن الدولاب الذى يعمل عليه ليس مقصوراً على الصبية والعمال الفقراء، بل هو فن محترم يليق بالأساتذة الكبار، وأدرك أن لقطعة الفخار وظائف أخرى تتعدى الأغراض النفعية.. إلا أن صغر سنه آنذاك، وارتباطه المعيشى بفاخورة المعلم، وعدم احتضان الأستاذ لموهبته البازغة ـ وقفت حائلاً دون استفادته من خبرات ذلك الرائد، وظلت هذه عقدة لازمت مندور حتى وافت المنية الأستاذ `الصدر`.. شكلها ما دار بداخله من تناقض بين ولائه لفن هذا الأستاذ وأنه مدين له بتوجهه ـ فيما بعد ـ نحو الفن الإسلامى والشعبى، وبين ما وقر فى نفسه من أنه ضن عليه بحنو الأب فى صغره، وبأسرار المعالجة الفنية فى شبابه المبكر، عندما واتته الشجاعة للتردد على مرسمه وسؤاله عما استغلق على فهمه.. هو الذى لم يدخل فى حياته مدرسة أو معهداً للفن.
- وساقت إليه الأقدار يوماً، وهو فى نحو الثالثة عشرة من عمره، فناناً كبيراً جاء زائراً للفاخورة التى يعمل بها، وهو المثال محمد هجرس، وبهر بما رآه من محاولاته النحتية الساذجة فى الطين، والتى تتعدى الوظيفة النفعية للفخار إلى الرغبة في التعبير عن نفسه.. متأثراً ـ ربما ـ بالفنان الصدر، فضلا عن تأثره بمخزونه الثقافى الخاص النابع من البيئة التى نشأ بها... فاصطحبه هجرس إلى مرسمه بحلوان، الذى تشاركه فيه الفنانة المصورة صفية حلمى حسين، وأتاح له أن يعبر بالطين كما يحلو له، والتقطت أذناه لأول مرة كلمتى: ` فن، وموهوب`...
- وبقدر خوفه من هذا العالم الغريب، الذين يعيشون للفن وحده ويتحدثون في الثقافة والسياسة، ويرفضون استبداد لقمة العيش كما يرفضون الاستبداد الفكرى والسياسي، كان إحساسه بآدميته وهو فى مأمن من صفعات المعلم فى الفاخورة، وكان إحساسه بالحرية المطلقة وهو يطلق الفنان لخياله الطفلى ولمخزون الموروث الشعبى فى ذاكرته ووجدانه، ليحاكى أوانى السبوع والشمعدانات المزركشة وشبابيك القلل وملاحم أبو زيد وعنترة، وكان إحساسه أيضاً بالزهو والثقة بالنفس بسبب كلمات التشجيع من أستاذيه.
- فى هذا المرسم تعلم مندور الصغير أن الخزف فن قائم بذاته، له أشكال لا نهاية لها.. لا يعلم عنها عالم الفاخورة شيئاً.. وتعلم أن مصر تملك أعظم ثروة حضارية فى هذا الفن منذ العصر الفرعونى إلى العصر المملوكى.
- وأدرك الصبى مبكراً أنه خلق ليكون فناناً، وأن عليه أن يكون مثل أستاذيه، يعيش متفرغاً لفنه ولخير الناس، ويضحى من أجلهما إن استدعى الأمر.. لكنه أكتشف أن الأمر أصعب من ذلك بكثير.. ذلك أنه يتطلب منه أن يقضى وقته كله فى المرسم وليس الفاخورة، وأن يذهب إلى المتاحف ليتأمل ما تحتويه من تراث فرعونى وقبطى وإسلامى، خاصة فى الخزف، فى الوقت الذي يجبره واقعه المرير على أن يكون رجلاً مسؤولا قادرا على الكسب والأنفاق على أسرته وهو مازال صبياً.. وهذا يتطلب أن يعمل منذ الصباح حتى الغروب أجيراً فى الفاخورة، متحملاً قسوة المعلم، واختناقه حرائق القمامة، وتجمده من البرد شتاء فى مخاضات الطين ورطوبة الأماكن غير الصحية.
- وارتضى الصبى (الرجل قبل فوات الأوان) أن يذهب إلى المرسم فى أيام أجازته وسويعات راحته القليلة، يلهو بالطين والأكاسيد ويحرقها فى الفرن الكهربائى الصغير، مطلقاً العنان لأحلامه، أو متأملا فى الكتب التى يجدها بالمرسم، أو متابعاً لهجرس وهو ينحت بدأب كتل الحجر أو جذوع الشجر، حتى تتخلق كائنات نابضة بالحياة، أو منصتاً، لأرائه الجريئة الغاضبة ولنصائح `صفية` وخبراتها فى الخزف وقد احتوته كأم... وكثيراً ما كان هجرس يصطحبه إلى المتحف القبطى القريب من المنطقة، وإلى المتحف الإسلامى، وفيما بعد أصبح مندور قادراً على الذهاب وحده إلى هذه المتاحف وتأمل محتوياتها وذلك عندما أمكنه فى عام 1966 (وكان في السادسة عشرة) تحقيق أمنيته بالانقطاع عن الفاخورة والتفرغ للعمل فى مرسم هجرس وصفية، حين أصبح ما ينتجونه من الأوانى الخزفية يلقى بعض الإقبال من المشترين.
- عشر سنوات تقريبا قضاها مندور ـ منذ ذلك الوقت ـ متفرغاً فى مرسم حلوان، تملك خلالها ناصية الحرفة، واستنبط بخبرات جديدة فيها، تعد أسراراً فى استخدام الأكاسيد المعدنية وطريقة الحريق أو `توظيف الصدفة` فى الحريق، لكنه لا يتردد في البوح بها لأى سائل عنها.. وأتقن أيضا دراسة النمط التقليدى فى الخزف الإسلامى، بعد أن تعلم كيف يعتمد على نفسه فى قراءة الكتب التى توافرت عنه، وأنتج على هذا النمط أعمالاً كثيرة، سواء فى المسطحات الخزفية ـ مثل الأطباق وشبابيك القلل ـ أو المجسمات المستديرة، مضيفاً إليها الرسوم النباتية والحيوانية التى تميز بها الخزف الإسلامى. وقد أشركه الفنانان هجرس وصفية معهما فى معارضهما فى مصر والخارج بين عامى 1973 ـ 1976.
- وحين طلب لأداء الخدمة العسكرية 1975 ليقضى بها ثلاث سنوات، استطاع أن يجعل منها سنوات للتفرغ الفنى، فقد جاء تكليفه فى الخدمة بسجن طره، وأتيح له الأشراف على تعليم المساجين فن الخزف فى درس السجن.. وكان بوسعه الحصول على الخامات الغالية التى كان يصعب توافرها فى مرسم حلوان، وكان هناك تحت تصرفه فرن كهربائى كبير فضلاً عن وقت فراغ يصرفه كله فى ورشة الخزف.. ولم يكن همه إنتاج أدوات `استعمالية` تصلح للتسويق التجارى، بل إنتاج ما يرى أنه فن خالص لذاته.
- قبل انتهاء فترة تجنيده غادر الفنان هجرس مصر للإقامة فى لبنان مع المقاومة الفلسطينية، وأغلق مرسمه، وواجه مندور بعد انتهاء خدمته العسكرية موقفاً حرجاً. فعليه أن يواصل إنتاجه الفنى، وأن يجد عملا يعيش منه هو وزوجته وأولاده فى نفس الوقت. وأتيحت له فرصة للعمل في مشروع لتعليم المعوقين تتبناه جمعية `التنمية الفكرية` التابعة لليونسكو.. وابتسم له الحظ بتوفير كل الإمكانيات اللازمة للإنتاج في قسم الخزف. وأخذ معدل نضوجه الفنى يصعد باطراد، لكنه لم يجد ـ بعد ـ الثقة لدخول معترك الحياة الفنية وهو لا يستند إلى مؤهل دراسى أو عضوية نقابية أو معرفة بالنقاد وأصحاب النفوذ.. ومرة أخرى يتدخل الحظ لصالحه.. إذا تصادف أن رئيسة الجمعية خزافة أيضاً وخريجة كلية الفنون التطبيقية.. وأمام موهبته وإنتاجه المتميز شجعته اتفقا على أن يقيما معرضا مشتركا لإنتاجهما فى 1980 واستمر هذا التعاون عدة سنوات.
- وأعمال مندور تجذب الأبصار والاهتمام بشكل متزايد، والأسئلة تدور حول هذا الوافد الجديد، بهذه الثقة والخبرة، على الحياة الفنية التى تسيطر عليها أسماء طنانة، لا تقف شهرتها عند حدود مصر، بل تمتد إلى الخارج، فيتمكن من الصمود أمامها.
وفى خلال سنوات قليلة أمكنه أن يستقل بنفسه فى معارض خاصة، وأصبح حضوره فى الحركة الفنية أمراً مؤكداً، وبشارة ببزوغ نجم ساطع، وعلامة بارزة على طريق هذا الفن.
- وعبر سنوات التبلور الفنى حصل مندور على الجائزة الأولى للطلائع من جمعية محبى الفنون الجميلة التى كان يرأسها ويرأس لجنة التحكيم فيها الناقد الراحل بدر الدين أبو غازى، وعلى جائزة نقابة الفنانين التشكيليين بالتعاون مع المركز الثقافى الفرنسى، الذى أقام له أكثر من معرض فى مقره، كما أقام له معهد جوته الألمانى معرضاً، فضلاً عن معارضه بأتيليه القاهرة للفنانين والكتاب.. وأخيراً منحته وزارة الثقافة منحة التفرغ للفن، مازال حاصلاً عليها.
- لكن ماذا تقدمه لنا التجربة الإبداعية لمحمد مندور؟
- يمكننا القول أنه وصل بأعماله الخزفية إلى درجة عالية من `الشكل الخالص` أى الجميل لذاته وليس لدور يقوم به، وهو `شكل` أصبح دالاً على صاحبه، مما يميزه بوضوح بين جميع الخزافين المصريين، بسمات محددة سأحاول إجمالها:
- إن أشكاله تقوم أساساً على رصانة الأجرام ورسوخها، وهي ذات صلة حميمة بالأرض، ليس فقط لقرب ألوانها من ألوان الطين والتراب والجبل، بل كذلك لضخامة أحجامها مما يجعل مكانها المفضل هو الأرض، دون قاعدة تعزل بينهما هذه الصلة الحميمية بالأرض أكسبته خواصاً مميزة فى الشكل واللون... فالأشكال يستمدها غالباً من ثلاثة مصادر أساسية: إما من الفواكه والنباتات.. (فبعضها تلخيص ذكى لأشكال الرمّانة والكمثرى والباذنجان على سبيل المثال) وإما من الفخار الشعبى والإسلامى التقليديين (مثل الزير والإبريق والقلة والقدرة والبلاص).. وإما من التراث المصرى والرومانى القديم، خاصة أوانى التحنيط التى كانت تحفظ بها أحشاء المومياء.. أو الماء المقدس.
- وإذا كانت `أشكاله` تستوعب بعمق أشكال الخزفيات الشعبية والإسلامية العريقة التى أشرنا إليها، من حيث الانسياب الناعم لخطوطها، فإنه نجح فى تلخيصها من الزوائد الزخرفية والتفاصيل النفعية التى انشغل بها معظم الحرفيين فى مصر لفترة طويلة، وكان هو أحدهم، محاكاة ظاهرية للفلكلور: مثل عروسة المولد والشمعدان وقلة السبوع، وجعل همه الأول تحقيق التوازن من الانبعاج والاختناق، بين الرسوخ والرشاقة.
- ولعل أستاذه الأكبر في ذلك كان الفنان المصري القديم، الذي أستقي منه تلك المسحة الروحانية الصافية، وذلك الحس بالخلود..
- هذه `الأشكال` ذات الجذور الممتدة فى البيئة والتراث، تعكس صفات تعبيرية خاصة بلا شك: فضخامة الكتل وصراحة خطوطها وبساطتها، تعطى إحساساً بالمهابة والوقار، واستقامة الخطوط الرأسية وامتدادها الشاهق إلى أعلى يعكسان نوعاً من النبل كشخوص مرفوعة الرأس، أما ضيق فوهات الأوانى والقدور، كأنها ثقوب فى تجاويف مظلمة، فيعكس الغموض والأسرار الدفينة.
- وإذا كان دولاب الفخار `ضرورة` لأى خزاف، كوظيفة لتشكيل الأوانى، فإنه لدى قلة نادرة من الخزافين يتعدى هذه الوظيفة ليصبح مثل آلة البيانو للمؤلف الموسيقى، إنه يفكر به وتولد من خلاله ` الفكرة الموسيقية ` الأولى، حيث تتوالد منها التنويعات المتتابعة على اللحن الأساسى مع كل دورة من دوراته، وتصبح أصابع يديه وقدميه مثل أصابع العازف الموهوب على أصابع البيانو.. ومندور من هذه القلة المحدودة، فهو يؤلف على دولابه الخشبى معزوفاته الطينية أكثر مما ينفذ بواسطته أفكاراً سابقة، ولعل مرجع هذا إلى أن معرفته بالعالم منذ طفولته بدأت من خلال هذا الدولاب، قبل أن تبدأ بالكتاب والمتحف والأستاذ.
- وتأتى الألوان المستخدمة والبريق المعدنى، أو (اللا بريق) إن شئنا الدقة لتؤكد الصفات التعبيرية التى ذكرناها، فنادراً ما يستخدم مندور الألوان الساخنة أو المتناقضة أو البريق المعدنى الباهر، إن ألوانه لصيقة بالأرض والجبل.. ألوان التربة المصرية: الرمادى، الطوبى، الوردى، الأخضر الباهت، الأسود الفاحم (المستخدم خاصة فى أباريق الفرن بالقرية) وكثيراً ما تعطينا ألوانه وسطوحه مذاق الجرانيت أو البازلت المطفأ، مما يضفي عليها مظهر التقشف الزاهد، لكنها تضمر بداخلها ثراء جمالياً عميقاً يذكرنا بالنحت المصرى القديم.
- وهو يوظف درجات حرق الفخار للحصول على ملامس وألوان تصل فى شاعريتها إلى درجة الأطياف الملونة، حتى تتملك الحيرة لمعرفة كيف تحققت، أما الأكاسيد ذات البريق المعدنى فهو لا يستخدمها إلا عند الضرورة القصوى، بحيث يصبح بريقها فى خدمة الشكل، إلا أن يخطف الأبصار بعيداً عنه... وتتداخل درجات الألوان فيها بشكل أقرب إلى تعاريج عروق الرخام أو تداخل ألوان الجبال فى سيناء،..
- هذا هو الفنان محمد خليل مندور، الذى يمكن أن نجمل الحديث عن فنه بأنه أقرب إلى فطرة فن الخزف وأصالته، وإلى ملامسته للحس الإنسانى. وإلى البساطة والحرية المطلقة التى صيغ بهما رغم قوة الاتزان بداخله.. إنه بهذا يتفلت من مأزق `الحرفية` أو الصنعة المتقنة الخالية من الإحساس، أو اللاهشة خلف الإثارة البصرية المسطحة، ذلك المأزق الذى يقع فيه كثير من الأكاديميين.
بقلم : عز الدين نجيب
مجلة : إبداع ( العدد 12) ديسمبر 1987
الخزاف محمد مندور ( 1950 ) .. القابض على جمر الأصالة
- أعرق الفنون فى تاريخ البشرية هو فن الفخار ومكمله فن الخزف، لأنه ارتبط بوعى الإنسان بالتطور على وجه الأرض، ولأنه أقدس الفنون .. كونه من الطين الذى خلق منه الإنسان ، ولأنه أطهرها.. كونه يستوى فى النار فى أعلى درجات الحرارة داخل الأفران وهو أقربها للإنسان فى حياته وبعد مماته عبر أوانى مأكله ومشربه وعطره وزيته وزهوره وزينته ، وهو حافظ أشيائه المقدسة وأحشائه المحنطة فى رحلة الخلود بعد الموت .. وهو أخيراً فن الفقير حد الإملاق والغنى حد الإثراء...لذلك كله يكتنز التاريخ الحضارى - فى مكانة عالية - أروع إبداعات الفخار والخزف، متضمنة أرفع القيم الجمالية والتشكيلية، ويأتى التاريخ المصرى فى المقدمة من إبداعات الحضارة الإنسانية.
- والفنان محمد مندور من سلالة أحفاد الفنانين المصريين القدماء ومن تلاهم من حضارات لاحقة، هكذا يضرب بجذوره فى تلك الحقب، من خلال ارتباطه بفن الآنية الذى هجره أغلب فنانى الخزف خلال العقود الأخيرة، متجهين إلى النحت الخزفى والتشكيلات الحرة وإلى التلاعب بالخامة بغير هدف إلا الإثارة الغرائبية، شأن أكثر الإتجاهات الفنية المعاصرة .. وهو أكثرهم إنتماء إلى ثقافة حرفة الفخار بجذورها الشعبية كونه تربى طفلا وصبيا فى ورش الفخار بمنطقة مصر القديمة، منغمسا فى `معاجن` الطين من أخمص قدميه إلى وسطه، يعجنه ويصفيه من الشوائب، ويلعب بأشكاله بمهارة فوق الدولاب الدوار، محققا - بالتآزر الحركى والشعورى بين أصابع يديه وقدميه وبين إحساسه - حالة من التوازن المرهف، ليتحقق اللحن الطينى بين أصابعه كما يتحقق اللحن الصوتى على آلة الموسيقى، وكبر هذا اللحن وتفتح مع نمو المعرفة والثقافة والوعى المبكر لديه بعصامية نادرة، فقد علم نفسه بنفسه، ثم شق طريقه شابا وسط الكبار من فنانى الخزف فى الستينيات من أبناء عدة أجيال: سعيد الصدر، نبيل درويش، حسين هجرس ، صفية حسين، جمال عبود، متنقلا بين الفسطاط وحلوان والجيزة، فكان هؤلاء هم أصحاب مدرسته وجامعته، وحقق نجوميته فى حياتهم وبرعايتهم كذلك، حيث كان الزمن آنذاك يحترم الموهبة والكفاءة ولايضن السابقون بالخبرة على اللاحقين ، بغض النظر عن المنصب والشهادة كما أصبح الحال الآن .. وبعد رحيل تلك النجوم الزاهرة الواحد تلو الآخر لم يبق فى الساحة إلا حفنة معدودة فى مقدمتها مندور .
- وهاهو يقيم معرضه الجديد بمركز الجزيرة للفنون الذى افتتح فى فبراير 2010 الحالى، وكانت أغلب معروضاته من قطع الآنية ضخمة الحجم، وأقلها من الأطباق الحائطية المسطحة وتتنوع أشكال أوانيه بين الأجسام النحيلة السامقة متصاعدة كالنبات نحو ضوء الشمس محززة بحزوز عرضية متوازية تنم عن درجات تصاعدها المنتظم، وبين الأجسام الكروية المكتنزة المفتوحة باتساع يستوعب الكون، وبين ذات الرقبة الطويلة كعنق البجعة، بفتحة مثل فم الطائر، وبين ذات الرقبة القصيرة بأذنين شبيهتين بأذنى الإلهة حتحور، وبين شكل القدرة المنطوية فى حذر على مكنون سر الدار وشكل الطشت الذى يذكرنا بالعصر الأموى ..لكنها - بكل أشكالها - تبدو رابضة - فى غير زمانها - بمهابة وغموض سحرى وسط الضوء الصناعى المسلط عليها، وكل منها متوحد مع ذاته ومتكامل فى ذات الوقت مع شقيقاته من القطع فى قاعة العرض .
- وعلى عكس أغلب الفنانين المشتغلين بفن الآنية الخزفية، يتسم مندور بزهد شديد فى استخدام ألوان الجليز ذات البريق المعدنى، مفضلا ألوان الطين المحروق بلونه الوردى أو بدرجاته الجنزاريه الصدئة والفيرانية المكتومة والجرانيتية المحببة بنقاط سوداء، يحصل عليها جميعاً بتعريض الطينة الأسوانية أثناء الحريق لأنواع من الأكاسيد ودرجات الحررة المختلفة تؤدى إلى إختزال الماء والألوان وإلى إيجاد ملامس متنوعة فوق السطح الفخارى، بما يضفى على القطع طابع الآثار المكتشفة بداخل المقابر الفرعونية أو الحفائر الرومانية أو الإسلامية .. واتساقاً مع هذا الزهد فى الشكل الجمالى فإنه يفضل ألا يضيف على القطع الأسطوانية رسوما وزخارف سواء من عناصر آدمية أو حيوانية أو نباتية أوهندسية إلا نادرا، على الأخص فى هذا المعرض الأخير.
- وعلى العكس من ذلك نجده فى أطباقه الحائطية يعتمد على مثل تلك الأشكال من رسوم وزخارف، وأكثرها مستمد من الفنون الإسلامية والشعبية، مثل رسوم الطيور المحلقة والغزلان الراكضة، يرسمها ويلونها فى رشاقة وإنسيابية بالغة العذوبة والإبهار.
- وقد يلتبس الأمر بالنسبة لمن ينظرون إلى التجديد والحداثة كإنقلابات شكلية، فيظنون أن مندور يكرر نفسه منذ سنوات بعيدة، والحقيقة أن فهم هذا النوع من الإبداع يتطلب شدة اليقظة والحساسية، كى يتبين المتابع له التغيرات الدقيقة فى أعماله، بما يشبه تغيرات الزهرة بين المساء والصباح ، حيث تبزغ من داخلها بتلات ووريقات جديدة .. وهذا هو الميلاد الحقيقى للإبداع، وليس الانقلابات الشكلية المستعارة من فكر الآخرين .
- وتبقى خلاصة تجربة محمد مندور الإبداعية متمثلة فى تلك الروح الصوفية التى تختزل الكون فى شكل أسطوانى من الفخار مترع بالإنسانية والمهابة والسمو الروحانى، ممتلىء بالأسرار المنعكسة من روح شاعرة مشبعة بالحنين إلى التراث باحثة عن معنى للوجود وعن تواصل عميق بين البشر .
بقلم : عز الدين نجيب
من كتاب ( الفن المصرى وسؤال الهوية بين الحداثة والتبعية)
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث