`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
فتحى عفيفى محمد حسانين

- لقد بدأ فتحى عفيفى رحلته مع الفن منذ منتصف الثمانينات معتمداً على ذاته الصافية بالصدق متحرراً من الإطار التقليدى فى رسم الصورة فجاءت أعمالة منذ البداية اصيلة معبرة عن مبدعها .. مصدر الأصالة فيها أنه عبر بأسلوبه المميز عن نفسه دون أستحياء أو تقليد أو نسخ من إبداع غيرة وهذا ما يكسب فنه طابع الجدة والأصالة والتميز
- وتتأرجح أشكال فتحى عفيفى بين قطبى القصد والدينامية فى حالة من التوتر والقلق والغموض فى إطار تعبيرى بما تنطوى عليه التعبيرية من شحنة إنسانية تغلب المضمون على إعتبارات الشكل والحرفية وتربط الفنان بأرض الواقع بخشونته وغلظته دون تهويم فى عوالم رومانسية مصطنعة وأفتعال لجمال كاذب
- إن عين عفيفى ليست عيناً فوتوغرافية إنما هى عين ناقدة ترمى الى الحد من الاستخدام المسرف للصورة فى الواقع العينى ذلك عن طريق دمج المرئى مع الذاكرة الإجتماعية بدلاً من أستخدامة كبديل يسمح بتوقف الذاكرة على أى شكل من الأشكال .
- فأى واقع هذا الذى يبغى تقديمه قتحى عفيفى إنه فى المقام الأول لايبغى أن يستنسخ أى شىء برسومه تلك إنما تكمن فى أشكال أو مظاهر تستحق منا أن نقدم ما يوازيها .
- إنه يقدم لنا برهانه الذى يرمى الى تحطيم عبثية الواقع العينى ربما بأسلوب ساخر ناقد مرة وربما نراه وهماً ملموساً على مسطحات تجعلنا نحس أحياناً والقشعريرة تسرى فى أوصالنا بأن الاشباح التى تسكن فينا لها ظلال بدورها وهكذا ندلف مع عفيفى الى عالمه الغامض الواضح معاً لنجد أنفسنا على أرض الفن .
- وإننا حين نتأمل بورتريهات تبدو وكأنها رؤى تولدت من معين الذكريات ونبع الأسى جمالها ليس جمال الحياة الواقعية وإنما هو مجال يوحى بالعزلة هو جمال يوغل فى التعبير عن سر الروح والحياة فنموذج الجمال عنده نموذج انبعث من خياله وجوه لا ارتباط لها بالواقع ولا هى تمثل وجوها من الحياة الجارية وإنما هى نموذج من خيال الفنان أضفت عليها خطوطه ومساحاته المعبرة شحنة تعبيرية لا تبارى وأعطتها عمقها الخاص وسحرها الغريب وديناميكية درامية .
- إن روح عفيفى هى روح شاعر تكسوها غلالة من الأحزان وهذه الأحزان تشيع فى أجواء لوحاته ترانيم داخلية هو سرها خاص .
محمد رزق
القاهرة 1999
العمل والعمال فى أعمال الفنان فتحى عفيفى
- العمل قيمة كبيرة والعمال أبطاله ومحققى تلك القيمة وقد ملكت قيمة العمل وكفاح العمال والآلات بمختلف أشكالها لب العديد من الفنانين بصورة مثالية لا تخلو من الريح الرومانسى، وفى بواكير الستينيات مع نهضة الطموح الشامل للمصريين، كان العمل والعمال والصناعة والآلة متصدرين الصورة الوطنية الإيجابية المنتجة وكان إنشاء مؤسسات التصنيع الثقيل والسد العالى البواتق الضخمة لصهر وترويض الحديد المصهور والأوناش العملاقة تعيد تخطيط الجبل ومسار النهر ليعم الخير فى مستقبل أفضل .
- ملكت التروس والصواميل والأوناش والكتل المعدنية الضخمة وجدان فنان الستينيات وأصبح التعبير عن الصناعة والتصنيع والسد العالى على وجه الخصوص أحد الروافد المحورية لإلهام الفنان المصرى. - وأقيمت مسابقات الفن والعمل، والفن والسد العالى، فدخل مدخول جديد على الخطاب التشكيلى المصرى : شغل الجزار والسجينى والرزاز وطاهر والنشار ونوار والدواخلى ضمن عشرات آخرين من فنانى هذه الحقبة مصورين وحفارين ورسامين. كان التوجه آنذاك هو وضع العامل فى البطولة من منظور اشتراكى يعلى قيمة العامل المنتج. وحلق بعضهم إلى الرمزية ليظهر صورة العمال كأبطال الأساطير أو رواد الفضاء وظهر فنانون متميزون من بين العاملين فى مصانع الصلب والمسبوكات، وتألقوا كفنانين، استفاد بعضهم بأجواء عالم التصنيع وبعضهم بخبراتهم فى لحام شظايا الحديد وبقايا التصنيع فى التشكيل، واستند البعض الآخر بخبراته التقنية والحرفية، وبقدراته على التحمل والعمل الشاق فى إبداع أعمال لا علاقة لها بالصناعة والتصنيع.
- وفجأة تراجع هذا الموضوع - العمل والعمال والإنسان والآلة - من لغة التشكيل المصرى، واختفى من اهتمام الفنانين .ويجيء الفنان فتحى عفيفى، من داخل وسط العمال الكادحين الذين لفحتهم سخونة الحديد المصهور، وزلزلتهم أصوات المكابس العملاقة الدقاقة، وشعروا بضآلتهم وسط غابات المواسير وكرات الصلب الغارقة فى دخان وبخار ولهيب، فتبلورت لدية رؤية خاصة عن عالم الصناعة والعمال ، رؤية تبين العلاقة بين الإنسان وقد ابتلعته آلة الصناعة بأذرعتها القادرة ، وفكها الذى لا يرحم، وأقدامها المصفحة، وكشافات لضوء الجائر فى جو من الرطوبة والصهد والشحومة تائه ساكن، ولكنه فى بؤر الضوء المركزية، تمكن هذا الفنان المحب للثقافة - حيث أجده فى الندوات والمسارح وقاعات الاستماع- من أن يكون فكرة زاهدة للتعبير عن علاقة الإنسان بالآلة ويشق لنفسه طريقاً مخصوصاً بذاته. ومن دواعى سعادتى أن تدعوه الهيئة العامة لقصور الثقافة لإقامة معرضاً لأعماله فى تجمع عمالى بمدينة أسيوط الجميلة ، لنبذر بذرة طموح بين صفوف العاملين، ومتعة يرون فيها أنفسهم من منظور فنان مبدع.
أ.د مصطفى الرزاز

فتحى عفيفى .. الموسيقى عميقة المعنى والأثر
- الفنان التشكيلى فتحى عفيفى فنان تتميز أعماله بالمصداقية والعفوية الشديدتين ، أعمال تتسم بالبساطة وروح الجمال والإنسانية العالية .
- يواجهنا فى لوحته كم هائل من التعبيرية ، وتنوع فى الموضوعات وثراء فكرى ، تدهشنا أفكاره حين يرتبها فوق مساحاته الضخمة الشامخة كعمارة عتيقة ، وتنقلنا خطوة خطوة إلى جانبه الحياتى فى صفحات متراصة أو لوحات متجاورة فوق حوائط قاعة ` كريم فرنسيس ` بوسط المدينة ، لتحقق فى مجملها ملحمة تشكيلية خاصة فيما تعرضه .. عامة فيما تطرحه من عناوين دافئة .
- حين نتجول فى معرضه فى قاعة كريم فرنسيس نجد أنفسنا بين تباين اللونين الأبيض والأسود اللذين تميز بهما الفنان منذ بداية مشواره الفنى .. وبين هذا اللون الساخن الممزوج بحميمية المفردات التى تعكسه ، كأنه الراوى الذى يحكى لنا بعضا من تفاصيله الحياتية المشحونة بالعواطف ، أو العازف الذى يسمعنا تلك الدراما الموسيقية عميقة المعنى والأثر ، فما بين الخط واللون تسكن الذكريات الجميلة المضحكة والمحزنة أحيانا … وتسكن الدلالة حيث الجمال والمتعة فى شتى الموضوعات تنشأ العلاقة الحوارية وينشأ الترابط الزمنى والمكانى حول كل موضوع بشكل منفرد بدءا من المصنع والآلات حيث مدرسته وخصوصيته الطاغيين ، ثم طقوسه وحياته فى المدينة والشارع والحارة والمكان بشكل عام حيث ينتمى ، وأخيرا ذكرياته مع الناس والمقاهى والمترو والسينما والشخصيات التى تؤثر به .. أنها الأشياء التى تكون مجتمعة ومنها تتحقق مخيلته الجمالية فى صياغتها بشكل مختلف ، ولأنها مفرداته الخاصة التى تعبر عما بداخله لذا فان ما ينتج عنها من شكل يبدو صادقا ومقنعا للغاية خاصة فيما يتعلق بالعمل داخل المصنع وكيفية التعامل مع الآلة باعتبارها وحدة جمالية بالغة التفاعل ، كذلك شكل هيئة العمال أثناء عبورهم بوابة الدخول بدرجاتهم البالية .
- يبدو شكل مدروس إلى درجة أننا نتوه داخله أحيانا ونتوه مع أفراده البسطاء الذين توزعت تجمعاتهم بفعل الأبعاد المتعددة بين محتويات المساحة المهيئة لتلبية متطلبات هذه الوظيفة الصعبة ، نجد ملامحهم وقد تشكلت عليها علامات التعب والإرهاق ، كما تبد وأجسادهم المتشابه الهيئة كالتى أكلها الزمن خوفا من المثابرة أو الامتداد .. أنها فلسفته الخاصة فى رؤية المشاهد التى تحاصره بفعل العمل وتلح عليه فى تسجيلها بأمانة بالغة فنراها كما هى وربما أبلغ تقديرا أملا منه فى تأريخها حيث تاريخه وعمره الذى أفناه فى العمل داخل هذا المصنع الضخم وبين هؤلاء البسطاء على اختلاف ثقافاتهم ، ولأن فناننا يحب الاختصار اللونى نجد ألوانه مختزلة فى لونين على الأكثر حتى يعطى أعماله قيمة أعلى ومدلولا أعمق فى عكس مبتغاة التشكيلى ، فالأسود والأبيض على تباينهما ينشأن وحدة بصرية متكاملة حين يكتفيان بتوزيعهما فوق سطح أملس أو خشن وفقما تتطلب حالة التشكيل ، وهما وحدهما بهذا المنطق المطروح أمامنا يمثلان الدور الأساسى لتحقيق وظيفة الشكل الذى يهمنا بالدرجة الأولى ونحن نشاهد بتأن بالغ أعماله التى تتخذ من الألوان الأخرى شريك فى التوظيف .
- من هنا يمكن القول : أن رؤية أعمال الفنان فتحى عفيفى تتطلب الكثير من الوقت حتى يتسنى لنا استيعابها كما ينبغى ، إضافة إلى إحساسنا الذى يحدث بشكل تلقائى فور رؤيتنا لها ، ولأن الوقت وحده لا يكفى لإتمام حالة التلقى كاملة ، لذا فإن رواية كل لوحة وتفاصيل كل جزء كما لو كان موضوعا أدبيا ربما يساعدان فى تحقيق هذه الغاية ، وأن التلقى قاصر على الرؤية والإحساس وحدهما لما أصبح الأمر صعبا إلى درجة البحث عما ينقصه حين نشاهد عملا بديعا ..
أن ما ينقصنا بالفعل يتلخص فيما وألوهى من طاقة بصرية يمكننا من خلالها الاكتفاء بما نراه ونلمسه منذ الوهلة الأولى ، أو الاحتياج المتجدد للإحساس به وتأكيد رؤيته مرارا على سبيل المتعة والاندماج .
بقلم : فدوى رمضان
أخبار الأدب -2009
عوالم ( فتحى عفيفي ) المدهشة
- عالم فتحى عفيفي التصويرى , والبصرى وتيماته الرئيسة ومفرداته , بيدو لوهلة بسيطا وهينا , وربما بعطيك الإحساس السريع بفضاءات محدودة فى تفاصيلها العادية التى تدور حول العادي والشعبي والعمالي ويذكى هذا الانطباع السريع أن موضوعاته الأثيرة وخطوطة التى تبدو وكأنها تلقائية وطفولية , تحيل الى تنميط اليومى والشعبي والعمالى إلى فلكور و`موتيفات ` تبدو مألفوفة . هذا الانطباع السريع وشحنة الانفعال الضجرة التى قد تنتاب بعضهم , هى القناع المراوغ والمخادع لعالم فتحى عفيفى فى الحياة اليومية , ومخزون الصورة والنوستالجيا والمخاتلات والتهكتكات التى يحملها . ما وراء اليومى والتفصيلى والمشهدى والفلكورى , عالم آخر من الحياة في الحياة , وفي الخطوط والظلال , والألوان الصاخبة التى يلعب بها على فضاء لوحاته , أو من خال الأبيض والأسود والفضاءات التى تتحرك بين اللونين وداخلهما وحولهما وما وراءهما .
- ما يبدو مألوفاً وسهلاً وهيناً لنظرة , يبدو عصياً على المقاربة السريعة ويكاد يفلت منك ويراوغك رغماً من وجوهه البسيطة التى تقول لك أنها سهلة المنال ويكنك قنص جوهرها الكامن فيما وراء الألوان والظلام , والطفولية والانطباعبة الظاهرة ولكن وا أسفاه !
- نثير لوحات فتحى عفيفي العادى واليومى فى الحياة داخل الحارة والحى الشعبى , وعاداته وطقوسه على تعدها , إلا أن خطوطه وألوانة على اختلافها والأبيض والأسود , تحيلك إلى عالم أكثر تعقيداً وعقاً يجرى فيها وراء استدعاءات الطقوس الشائعة المستمرة والذاوية , ونمط الحيااة الشعبى والاحتفالى المشهدى فى لوحاته .
- فتحى عفيفى يبدو وكأن عالمه يدور بين الحارة والمصنع أى ثنائية الحياة المشطورة بين المعيشة في الحارة والعمل في المصنع , وهى مقاربة لثنائية خادعة لأن الحارة هى جزء من فضاء أوسع هو الحى الشعبى الذى قد يبدو محدودا قابلا للإمساك والقبض على مفرداته وتفاصيله , ولكن عندما تنظر إلية يبدو لك رحباً واسعاً وممتداً إلى أوسع مدى من مجرد مفردة من مفردة من مفردات الحارة أو الحى الشعبى أو احتفالياته .
- فى عالم المصنع قد تبدو الصورة نمطية حول الآلة والعامل وعلاقات العمل , ولكنك ستجد عالماً أكثر تركيباً فيما وراء بساطته وعلاقاتة .
- خطوط فتحى عفيفى تبدو تلقائية , ولكنها طفولية مترعة بالفرح حينا , والسجن أحياناً والاحتفالية غالباً والاحتفاء المولع بالطقوس الشعبية . عالم دلف إلية بعض كبار الرسامين كالجزار الساحر الذى حول الطقوس والسحري والتعاويذ لاستبطان لعالم الاوعى الجماعى والوعى بالذات والجماعية والنيا عبر الرموز والتعاويذ والسحر والجنونى . كانت نقلة فى تطور فت التصوير المصرى المعاصتر , فتحت آفاقا جديدة للنهل من الطقوسى والأسطورى والرمزى والفلكوري .
- ثمة براءة وفرح وحسية وشهرانية فواحة فى خطوطه وألوانه ولوحاته تميز فتحى عفيفي وولعه بالحياة داخل الحى الشعبي , حيث يستبصر اليومى في الحارة / الحى / الملد / الختان / طلة الحضور الأنثوى الفئاضة بالغواية والشهوات كلها من إطلالة النسوة الممتالئات من الشرفات , وما وراءها `أو طقس استحمام النسوة والفتيات في الطشت بعيدا عن العيون المفتوحة عن سعة لتلصص .
- عندما تنظر إلى لوحات فتحى عفيفي ستكتسف أن ما وراء اليومى وطقوسه ومشهدياته كل تفصيلة وواقعة وخط علم ضاج بالحياة ولم يعد هو اليومى الذى أدمنته عيناك أو ذاكرتك .
- من علم البيت تبدو ( البوابة ) كفاصل وجسر رحب بين عالمين - ( 50 - 70 سم زيت على توال 1978 ) وخيرات الفرشاة التعبيرية فى ألوانها والطفل الذى يتحسس طريقة للخروج سعيا وراء الاكتشاف والتعرف على تفاصيل الخارج والعب والانطلاق .
- الطفل الذى يتلمس تفاصيل عالمه عو عين وبصيرة وحس فتحى عفيفى فى تقاليد الختان والسبوع , الطقس المأتم الاحتفالى , والعلام والشارات ذات الألوان الصاخبة والضاجة بالحياة والحيوية وهو يرسم علمه السيدة زينب المسجد والناس والحركة الصاخبة خاجة , حيث تتجاوز التقوى مع الاحتفالية مع التهتك فى الأطر السلوكية اليومية للبسطاء من سكان الحى , أو القادمين للزيارة والتبرك بأم العواجز .
- فى المولد حيث المسجد / العالم / الحركة / الصخب / مركز الكون الشعبى القاهرى حيث التبرك بأولياء الله الصالحين , وطقوسية واستعراضية الطقس الصوفى وتجلياته المشهدية وانجذاباته , ومحاولات الوصل الظاهرية , ولكن يبدو عصياً فى اتعراضياته , وحركيته الجماعية على التحقيق , وتبقي جماليات المحاولة والتوهان ولحظة الانجذاب . وداخل المولد حركة البشر وغواياتهم واحتفاءهم بالحياة وصغائر اللذات البسيطة الرخيصة والمتاحة فى بعض الأحيان لبعض الناس .
- داخل عالم الملد / الحى الصادحة والأداء الصاخب بالإنشاء الديني والغناء أو موسيقية فن التلاوة القرأن المصرى التليد . أن العازف (80- 60 سم زيت على توالى 1996) والمنشد (100- 100 زيت على توال 1998 ) وقراء القرأن ومنشدى الأدعية والبردة , ومداحى الرسول الأكرام (صلعم) حيث تبرز خطوط وألوان وجماليات اللوحة عند فتحى عفيفى يبجو التجسيم والتضخيم فب العزف كمثال ` على بعض تفاعلاته مع المدرسة السوفيتية وعالم حامد عويس ولحنها لا تشبهها تماماً .
- ثمة ولع بالغناء الشعبى الأصيل , ومحمد عبد الطلب الذى يبدو حاضرا فى علم فتحى من السيدة ألى سيدنا الحسين سعيا وراء الحصول على رضا ما من حبيب ما . عالم السيرك والكلاب والقردة والرافصات الممتلئات بالفتنة والحسية وأولاد البلد المسحورين بالغواية والاهتزازات الجسدية والألوان الصاخبة على وجوه الراقصات.
- عين الطفل واستبطاناته هى التى تقودك إلى لوحات فتحى عفيفى حيث يركز على الحاوى الساحر , وبائع الخبز وبائع السميط , والحلاق .
- فضاءات الطقس اليومى / حركة الأستعراض لركوب الدراجة المزركشة التى تبدو وكأنها جزء من كرنفالية اللعب والبهجة . وبائع الخبز كمرادف للحياة , انه العيش - وفق التعبير والدلالة المصرية البلغة - والاستمراية ومغالبة الأيام حيث الأمان ومحاولة مواجهة الخوف , والبائع وموزع الخبز ييدو جاداً وصارماً فى عمله .
- فى لوحة (انطلاقة) ( 45- 65 سم زيت على توال (1989) تبدو الفتاة الفاتنة نمودجا ساعيا للتحرر , حيث تنطلق على الدراجة , في كامل اشتهاءاتها , وزينتها متطلعة إلى أقصى الحرية , حيث الغواية والمفاتن الجسدانية التى تأخذ الألباب , في زركشة لونية , وحيث الانطلاقة يبدو من قلب المشهد الشعبى محمولا على الخيال الشجالى - من مارك شجال - الخلاق , الذى سنلمحه فى بعض اللوحات .
- فى لوحة ذكريات ( 120 - 8 سم زيت على سلوتكس 1996 ) يبدو فتحى عفيفى يستعيد عناصر عديدة من عالمه , اللعب فى الحياة حيث الحجلة مع الأقران والخلان الجيران , والفتيات الغاويات الشهيات , وفتح عينك تأكل ملبن , آلة السينما والخروج من المصنع , الشطائر الساخنة التى تثير الشهية الساعية لالتهام واللذة والشبع أنها ممارسة للحنين واستدعاءة .
- فى لوحة المطر يبدو المس الشجالى - نسبة إلى مارك شجال - ويتكرر المطر تعبيراً من بهجة طفولية صاخبة بالبراءة والانطلاق , واللعب فى الانتظار (67 50 - زيت على توالى 1984) تبدو قوة الأشياء وحضورها الديناميكى الطاغى والناعم والحى , حيث مفردات الكرسى , والأبريق والوردة الحمراء , وأصيص الزرع والشباك والشمس الفواحة بالنورالذى يبدع ضلاله الأليفة الوارفة . علم الحارة / الحى / الموالد / الطقوس / اليومية / المطر / الموسيقي / هى عوالم وراءها عوالم , وراء كل تفصيلة تفاصيل عديدة , تعطي لمسات الفرشاة التى تبدو مرتعشة تعبيرية تسم أبرز مكونات عالم ولوحات فتحى عفيفى , وتميز جمالياته , ومذاقاته الحريفة والخشنة بال خدش أو جروح .
- علم المصنع هو أحد محاور إبداع فتحى عفيفي واستطاع بوصفه فنانا قبل أن يكون عاملا أن يلتقط شعورياً جدل المصنع / الآلة / الإنسان العامل , والأهم الجوهر التكنو - أنسانى للتفاعل بين المحاور الثلاثة السابقة , لم يسقط الرسام أسيراً في شباك التقاط البعد القاسى فى حياة العمال , أو في فخ البؤس وانما دارت فرشاته حول التفاعل الايجابى بين الآلة والعامل .
- عالم من الماكينات العملاقة التى تعبر عن إدراك فتحى عفيفي البصري والإداركى بأن الآلات هى تميمة عصرنا وشفرته وعلامته . يبارك الماكينات ويضفي عليها ألوانا صاخبة بهيجة , طاقة تحرر عملاقة , كما يبدو فى لوحة المكابس ( زيت على توال 9130 - سم 1995 مقتنيات وزارة الثقافة ) ولوحة العنبر 5955 - سن حبر شينى ) حيث حضور الألات طاغى ومؤثر . وبسيطر على فضاء المكان / اللوحة , ويمكنك أن تلاحظ أيضا وأيضا هيمنه الأله التقنية , بحيث تبدو هى العالم والمصير , ويكاد العامل الأنسان يبدو مجرد تفصيلة فى الآلة / الكون فى ( ماكينات وبشر : 10070- سم حبر شينى ) لوحة الوردية (50-70سم حبر شينى ) لوحة الورشة (4834- سم حبر شينى 1986 ) وكذلك فى لوحة بشر والآت ( 150 120 سم زيت على توال 1994 ) .
- الانسان الآلة العملاقة التى تنطلاق من تكوينه من نسيج المكاكينات وينطلق من داخل حركته النور يبدو جلياً وساطعاً فى لوحة الإنسان 7050 - سم رسم حبر شينى .
- إعادة البناء البصري والتشكيلي لعالم / الأنسان / الآلة / المصنع لا يقتصر فقط على العلاقات بين الآلة والأنسان , أنما الطقوس اليومية كالخروج ( 90 80 سم حبر طباعة 1998 ) وفى لوحة العودة إلى البيت (5070 -سم حبر طباعة 1994 ) وتبدو الحياة أليفة داخل البيت , والأسرة والراحة كما فى لوحة البيت (70 50 سم حبر طباعة) .
- يبدو العامل عملاقا وضخماً ومكافئا للآلة كما فى لوحة نهاية الوردية ( 70 50 سم حبر شينى 1992 ) .
- يلاحظ أن العلاقة والجدل ghl نسانى / التقنى بين الأنسان وبين الآله تتراوح بين هيمنة طرف على آخر فى الدل المستمر بينما في لحات آخرى تبدو الهيمنة الأنسانية على الآلة بالذكاء والتكم والقدرة على توجيه الحديد والكهرباء والنار - والذكاء الصناعي والرقمى فيما بعد الذى لم يصل إلى مفردات لوحات فتحى عفيفي - وهو ما يبدوا في لوحة العمل : (120- 90 سم زيت على توال )
- يبدو عالم فتحي عفيفى أكثر اتسعا لأنه لا يقتصر على محوري الحياة / الحارة , والحياة / الحى و الموالد , واللعب إلى آخر مفردات المنظومة أو محور المصنع / الآلة / الأنسان .
- ثمة عوالم آخرى رحبة فيها وراء الحسى والشهوانى الأكثر شعبية وامتلاء بالغواية , ولا الماكينات والعمل وطقوسه , وإنما هناك عالم الغناء والموسيقى الشعبية فى المنشدين ,وموسيقى التلاوة وإيقاعاتها الفاتنة , وحلاوة صوت عبد المطلب , وعزفى آلات النفخ وأم كلثوم , حيث أفراد لوحات لعبد المطلب وأم كلثوم . إنما يأتى اهتمامه وولعه بعالم السينما الساحر ونجومها سعاد حسنى (أبيض وأسود) , وفاتن حمامة , وفتنة سامية جمال حيث جماليات الرقص الشرقي فى أكثر تعبيراته الحركية , والمثيرة للجمال المصرى وغوايته كأيقونة سامقة . فى الطبيعة الصامتة , يبدو الرمان شيئا آخر , طبيعة آخرى تتحرك وتنطق فى صمتها , لأن بلاغة الصمت تتدفق بالحياة والديناميكية .
- أن أسوأ ما فى بعض أعمال فتحى عفيفى هى السياسية المباشر عن انحيازاته الإيديولوجية الفجة فى لوحات ` جيفارا المسيح ` , وحسن نصر الله , هكذا يبدو دعاوياً على النمط السوفيتى الذى طالته اتهامات بعضهم بنفله أو تقليده أو التأثر به .
- أن السؤال الذى نطرحه من خلال أعمال فتحى عفيفي هل نحن إزاء فطرية أو تلقائية فى مواجهة أكادمية فى التكوين والخطوط لدى مجايليه من الدراسين ؟ هل أعماله جزء من عوالم آخرين ؟
- سؤال يطرح كثيراً , وبات مملاً لأنه بنطوى على نظرة استعلاءية واستعراضية وعنجهية من بعض نقاد الفن التشكيلي المدرسين - على قلة النقد والنقاد للتصوير المصرى ومشاهده الراهنة - أو بعض مجايلى فتحى عفيفى .
- إذا تجاوزنا هذا الموقف الشعورى ومحمولاته القيمة والمعيارية , يمكننا القول أن علم فتحى عفيفى ينطوي على تداخلات عديدة بين الفطرى والتلقائية والتعبيرية والإحساس الخاص بالعوالم التى إعاد بناءها فى لوحاته , وبعض من درسه فى القسم الحر بكلية الفنون الجميلة , والأهم أن كل ذلك قد تمثله المصور / الرسام وصاغه على هواه ورؤية . أن درسه فى القسم الحر فى عمر يافع - 18 سنة - شكلت بيئة احتكاك وانفتاح مع شيخ أزهرى معمم , ولواء , وواحد من الوفديين وآخرين , ساهم مع دراسته فى تطوير أدواته وفتح عيونه وحواسه على أبجديات المدرسية أو الأكاديمية ومدارس التصوير والنحت , وهو ما أضاف إليه وصقل موهبته وهو ابن بيئة عمالية خالصة وابن لأب عمل ترزيا بسلاح المهمات ومن حى الناصرية الشعبى .
- استطاع أن ينقل تجربته البصرية والمشهدية والكرنفالية والحياتية , بل ويصوغها عوالم رحبة . تعلم من المعارض , ولم يستسلم إلى مصورى الشعبيات والفلكوريات التى شاعت لدى بعض المصورين الذين سبقوه .
- هل تأثر بآخرين حاولوا استلهام الاشتراكية والواقعية والسوفيتية فى التصوير ؟ .
- التأثر والتفاعل لا يعنى النقل لدى بعض الموهوبين فى عوالم الفن والتصوير والنحت والآداب , لكن التأثر والتفاعل أمر غير النقل والأقتباس أو النسخ عن آخرين فى العالم , أو فى الداخل . لا تأتى الأعمال الأصيلة هكذا وقد أحدثت قطعاً من الآخرين من الفنانين والكتاب والأدباء - روائيين وشعراء ومسرحيين ... إلخ - والمصورين والناحتين , وأنما يحدث عبر تفاعلات , وتجارب ومكابدات ثم تحدث القطيعة من المسارات السائدة ` ةتجاربها ومنجزاتها الفنية والشكلية والجمالية ... إلخ . أن بعض اعمال فتحي تجد بها بعضا من التأثر ببعض من عوالم وأجواء الفن السوفيتى , والمصور الرسام الكبير ` عبد الهادى الجزار ` , والفنان الكبير ` حامد عويس ` , أو بعض من مفردات عالم مارك شجال البازخ , ولكن موهبته العصامية صاغت عواله بروحه وخطوطه وألوانه . نعم تأثر - ومن هو الذى لم يتظأثر بالآرث الجمالى والإبداعى والتصويرى السابق عليه - بتجربة الجزار (الشعوذة والموالد) وحامد ندا , ونجميا سعد (الجرافيك), وحسين بيكار وعبد الهادى الوشاحى النحات الكبير , ساعد الفنان والمصور الكبير والمثقف المتميز حسين بيكار فى دعم موهبة فتحى عفيفى , أعطاه شريعة الحضور كفنان مصور إزاء الخطاب الاستعلائى والمدرسى المهوس بذاته .
- ثمة سؤال أطرحه هنا هل نحن إزاء هامش أو ما يطلق عليه ثقافة وفنانى الهامش ؟ إن مصطلح ثقافة الهامش شأن عيره من مصطلحات وتعبيرات شائعة حول المتن / الهامش , والسلطة الرسمية والهامش تفتقر إلى ضبط دلالى ومفهومى , ولكنها شائعة , وتبدو كهامش وكأنك متميزاً , بصرف النظر عن ما الذى بفعله هذا الفنان / الكاتب / الروائى / الشاعر الهامشى ؟ تعبير غامض وسائل , ويبدو كتمية جيناً , ووسام حيناً آخر يضعه بعضهم على صدره وشماً وعلامة .
- مفهوم الهامش فى الثقافة عموماً , والمصرية على وجه الخصوص , يرتبط بمفهوم المركز أو المتن النصى أو الخطابي , أو التيار الرئيسى فى السرديات , أو المدارس الفنية , أو فى التصوير أو النحت ... إلخ .
- ثنائية المركز / الهامش كانت جزءاً من تنظيرات الاقتصاد السياسي , ومدارس التبعية التى حاولت تفسير ` التخلف التاريخى ` فى العلاقة بين دول المركز الرأسمالى , والدول التاربعة فى الهامش .
- الإصطلاح شائع فى الحياة الثقافية المصرية والعربية وعيرها فى عالمنا , للتعبير عن شخصيات وأعمال تبدو بعيدة عن المواصفات والشروط السائدة للإنتاج الروائى والشعرى والسردى ,أو فى مجال التشكيلى , وفى الاطر والمؤسسة الرئيسية فى ثقافة ما , ومجال ما من مجالاتها الأساسية .
- الهامش مقردة وإصطلاح يشير أيضاً إلى أن المركز وشروطه ومتطلبلته ومعاييره النقدية والجمالية , وعمليات التصعيد والتبريز للشخوص والأعمال السردية والإبداعية والفنية التى تسود فى مرحلة تاريخية ما .
- لا يكاد يفلت المركز وشروطه ومعاييره وسلطته من الشرط التاريخى فى مرحلة ما , أو عدة مراحل , أو يتداخل أحياناً مع مراحل أخرى قبل تجاوزه , ومن ثم عمليات تشكيل مركز / سلطة جديدة بمعاييرها وزائقاتها . ثمة حراك بين المركز والهامش , فى بعض الحركات والمدارس الفنية والسردية وفى التصوير والنحت الأعمال المركبة ...إلخ . تبدأ بعض الأعمال والأشخاص والكتاب والمبدعين والمصورين والنحاتين فى الهامش , أى خارج نطاق السلطة النقدية والذائقية السائدة ويستعصى فى الأحيان على التقويم وفق ما هو سائد فى المركز النقدى والتقويمى , و` السليعى ` فى السوق الفنى - بعرضه وطلبه وذائقاته وفاعليه - من ثم يطرد من سوق المركز , وتبريكاته وتقديراته , ويترك فى الظل .
- أن هامشية بعض الأعمال السردية أو الفنية التشكيلية قد تظل هكذا لفترة تاريخية , ثم تحدث تراكماتها وتأثيراتها التدريجية البطيئة أو المتساعة , وسرعان ما تحدث شروخاً فيها هو سائد من سلطة نقدية وتقويمية وجمالية , وهكذا يحدث التفكيك والتصدع في بنية ما هو سائد من نقد وذائقات , ويتسلل الهامش وذائقته ورؤاه وإبداعه كالسم الخلاق الذى يمادد في خلسة حيناً , وبنعومة أحياناً , وبقوة فى أحيان ثالثة , ثم سرعان ما يبدأ تأكل سلطة المركز , وهكذا إلى أن يبدو عارياً وبئسا , ثم يتقوض . أو يترك وحيداً فى العراء حيث لا يجد سوى سدنته لا يسمع لهم أحد , ولا يأبه لخطابهم النقدى السلطوى سواهم وتابعيهم .
- لا يوجد هاش أو مركز خارج الشرط التاريخى , ومن ناحية أخرى الهامش لا يعنى تبريزا فى ذاته كنعت فنى أو نقدى أو الجمالى أو الإبداعى فى الهامش كما المكز , لا يستطيع الوصف هامش أو الحياة فى الظل الهامش أن تمنحه أى قيمة , ويظل كما هو محض محاولات أو تمرينات لا تغادر هذا الوصف . يبدأ البعض فى الهامش , ويراكم منجزه , وينتقل إلى المركز , ويغدو في بعض المراحل كسلطة فى ذاته , وتبدأ الممارسات التنظيرية حوله .
- ويبدو لى أن وضع أعمال فتحى عفيفى فى إطار الهامش فى الحركة الفنية , لمجرد كونه عاملا , أمر غير دقيق كلياً .
- أن تجربته وعوالمه وتيماته لها تاريخها , ونسبها فى دارس التصوير المصرى وفى العالم وذلك على الرغم من أن شجرة أنسابه الفنية لم تؤثر على موهبته ولا على مقاربته لموضوعاته الأثيرة .
- نستطيع أن نقول أن به بعض من الهامشية يالمعنى الإجتماعى / الطبقى , ولكن لا يمكن القول أن عوالمه هامشية , لأنها فى قلب الحياة ودنياميكياتها , رغماً عن أنها تنسحب تدريجياً وببطء من الحياة إلى الظل والنوستالجيا , ومن ثم قد يصح القول أننا إزاء مصور / رسام موهوب , وخارج مواصفات ومواضعات ومساومات وسوق التصوير المصرى , ونقده ومقتنياته , ومقاوليه ونفاقاته وخطاباته الخشنة أو الكاذبة أو الناعمة , حيث السوق وقوانينه وذوقه ورجال أعماله ومشايخه وأمراءه وخواجاته , واستنساخاته وسرقاته , إلى آخر ملامح زائقات مثقوبة ولكنها شائعة .
- نص المحاضرة التى ألقاها نبيل عبد الفتاح فى معرض القاهرة .
الناقد : نبيل عبد الفتاح
الأدب 8 /2/ 2009
فتحي عفيفي وفطرية ` هنرى روسو`
هذه المرة تسللت الألوان إلى لوحات` فتحي عفيفى` ، وربما إلى حياته كان سعيدا مبتهجا فى افتتاح معرضه بجاليرى مصر وهو يحتفل بعيد ميلاد حفيدته وأصدقائه ومحبى فنه، فقد عرفته الحياة الفنية عندما جسد الواقع الخشن داخل عنابرالمصانع باللون الأسود والأبيض. ومنذ اندفاعه إلى عالم الفن، قادما من المصانع الحربية وهو حالة فنية وإنسانية استثنائية تستعصى على التصنيف والتنميط بل يطرح عدة مفارقات تدعو إلى الدهشة ليس فقط فى لوحاته التى ظهر فيها الإنسان ضئيلا بجانب آلات المصانع التى تبدو حانية بل أيضا فى حياته فقد اجتاز طريقا طويلا من الكفاح، حتى تقدم الصفوف ليصبح أحد الملامح المضيئة فى حياتنا الفنية بعصاميته. إضافة إلى مفارقة أنه جاء من زمن اشتراكى، وعاش أغلب حياته فى ظل سياسات السداح مداح الإقتصادية، فى تناقض صارخ لم يربكه فنيا ربما، سياسيا وفكريا وفلسفيا .
كان فى سن الفطام عندما انطلقت صيحة 23 يوليو عام 1952، إيذانا بالتغيير. اخترق` فتحى ` ابن أعرق أحياء القاهرة الشعبية، السيدة زينب، جدارا صلبا من المفاهيم والتقاليد واختار الفن طريقا دون أى سند تعليمى، إلا الدراسة فى القسم الحر بكلية الفنون الجميلة وأظنها كانت كافية حتى يحتفظ بطزاجة أعماله وألوانه وروحه وأسلوبه وبكارة تناوله لموضوعه الأثير وهو رسم العمال.
وينتمى فتحى عفيفى إذن إلى البيئة التى خرج منها ` حامد ندا` و ` عبد الهادى الجزار` يحمل إرثا عريقا تمتزج فيه ثقافة شعب بالخصوصية والموهبة التى تعرف معنى التوتر والرجاء والتعلق بالأمل وروح الولوج فى المجهول والمغامرة فقد تفتح وعيه على صوت الآذان من فوق مأذنة جامع ( السيدة زينب) بينما الواقع يدعو إلى الإعتقاد بالخرافة والسحر وعالم الحكايات والأساطير وروائح البخور وأصوات البائعين الجائلين والدعوة إلى الغيبيات .
حصل على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية والتحق فى العام نفسه بالمصانع الحربية ومرة أخر عندما اختار رسم موضوع ليس من السهولة التصدى له فقد رسم الآلات الهادرة التى كان يناجيها أثناء عمله ورغم أن بداياته الفنية ورسمه لواقعه اليومى داخل عنابر المصنع اتسم بمسحة فطرية إلأ أن أعماله ظلت تطور بشكل حثيث فى اتجاه النضج الفنى والاكتمال بفضل احتكاكه المباشر بالدوائر الثقافية والفنية وإن حافظت على خصوصيتها وتفردها .
درس بالقسم الحر فى كلية الفنون الجميلة وحظى بتعليم الفنانين` عبد العزيز درويش` , ` حامد ندا` و` حسنى البنانى` ثم جرفته الحياة الأسرية بمسؤليتها بعيدا عن عالمه الفنى الذى أحبه إلى العمل ليلا لزيادة دخله إلى جانب العمل صباحا إلا أن الفنان ` زكريا الزينى ` نصحه بالعودة إلى فنه وشاركه الرأى الكاتب المسرحى` أبو العلا عمارة ` مع عودة ` عفيفى` الى ممارسة فنه بشغف وسمحت الظروف أن يسافر مع الاتحاد العام لشباب عمال مصر إلى النمسا وأقام هناك أول معارضه وعاد ليقيم معرضه الأول فى أتيليه القاهرة .
و` فتحى` يشترك مع الفنان` محمد حامد عويس` فى اختيار عالم المصانع كموضوع أثير، ويحسب للأول أنه دعانا إلى الدخول معه المصانع للتعرف على سطوة الآلات وقوتها وسماع صوت هديرها الذى لا يتوقف، كما سجل حركة العمال وانشغالهم أمام آلاتهم، بينما اكتفى ` حامد` برسم العمال أثناء خروجهم من المصنع نهارا أو ليلا.
تمتعت آلات` فتحى ` الصماء بوجود طاغ، فيما يشبه الحضور الإنسانى حيث لانت أطراف المكابس والمواسير والهياكل الضخمة عندما أراد الفنان أن يمنحها خلودا جماليا جديدا عليها لم تألفه، فاختلفت خطوطها الهندسية الحادة لتتحول معه إلى كائنات عضوية كأنها قادمة من عالم أكثر تنظيما، ورغم ضخامتها إلا أنها اكتست بمسحة ود والفة تمنح الإنسان الذى تقزم بين أرجالها العملاقة قدرا من الأمان والحنو فى علاقة غير مسبوقة تدعو إلى الدهشة وتتيح إعادة تفكير الإنسان المعاصر فى الشبهة السلبية عن السائد من مفاهيم عن المدينة الحديثة وجفائها .
المفارقة أنه رغم أن لوحات العنابر تشعرك وكأن الآلة تتحكم فى العمال إلا أن أعماله فى مجملها تكشف عن أن الإنسان هو المنتصر بترويضه اليومى لتلك التروس والسكاكين والسيور الشرسة فلوحاته ليست مجرد مشاهد لعمال فى وردياتهم أو فى ذهابهم وإياباهم بل هى مناظرة وجودية ترصد مشهدا من المعاندة بين الإنسان والآلة ومن منهما الأقوى فإن قويت الآلة بقوتها فقد قوى الإنسان بإرادته .
فى معرضه المقام حاليا بجاليرى مصر شهد مستويين من حيث التناول الأول جاء امتدادا طبيعيا لما ارتبط به منذ بداياته الأولى محتفظا بقدر ما بانتمائه للون الأبض والأسود .
جائت عناصر عالم فتحى من الآت وورش معبرة وعنابر عن واقعه والذى لا يتوفر لنا أن نراه، لذلك عندما يرسم عنبرا فى مصنع نراه من منظور عين الطائر التى تسجل الحدث من أعلى ليس تعاليا لكن لنقل الواقع بحذافيره واقعا تتكدس فيه العدد والآلات كما أنه فى هذه الحالة تشابه العمال مع الآلات لكن عندما يرسم العمال أثناء راحتهم يمتلكون المسطح كله دون تفاصيل كثيرة إلا أنه يحرص على وجود الصحف اليومية فى أيدى العمال وتظل مفتوحة على الأخبار تعكس دلالة أنهم يتفاعلون مع الواقع على أغلب مستوياته .
ارتبط ` فتحى` باللون الأسود لفترة طويلة وكأنه المعادل الموضوعى لواقع العمال اليومى فيما استخدمه دراميا بشكل موح ومؤثر يكشف عن مناخ الاقتصاد والتقشف داخل المصانع كما عكس دلالات رمزية عن كيفية أن تكون الحياة أبض وأسود فقط بما يحمل ذلك من ظلال كثيفة ونظرة فلسفية للواقع .
فيما ظهرت الألوان فى المستوى الثانى من المعرض، وإن كان تمسك بالأساسية منها وصورت لوحات هذا القسم من المعرض احتفالات الحارة بالمناسبات السعيدة ذلك المستوى تجلت فيه الألوان الصريحة الساخنة بكثافة وتخلى الفنان عن حذره والاقتصاد فى اللون .
يقف ابداع ` فتحى ` فى منطقة فاصلة بين الاحترام الصارم للقواعد والأسس الأكاديمية المرعية والحس الفطرى النابع عن غريزة إنسانية بدوافع إبداعية وهو ما يذكرنا بالفنان الفطرى العالمى ` هنرى روسو` موظف الجمرك الذى اكتسب شهرته من رسمه أيام الآحاد وحظى بإحترام وشهرة كبيرة تضعه فى مصاف الفنانين العالميين أصحاب الصيت وإن كان ` عفيفى ` تجاوز روسو بقدرته على الثراء الفنى وطرح رؤى فكرية وفلسفية .
سيد هويدى
جريدة القاهرة 17 / 3/ 2015
يوتوبيا المصنع و التشبث بالحلم
الفنان فتحي عفيفي ذلك الفتى القادم من جوار أم المساكين ، رئيسة الديوان، المغمور بالنفحات و البركات و المسك ، ذلك الطفل الذي ضاع من أبيه في مولد الست ، و ظل في غيابة الزحام ستين يومًا بليالٍ قاسية مريرة لا يخففها إلا طيبة الناس الذين احتضنوه في مصر عتيقة حيث وجده أبوه ، ذلك الطفل الذي سحرته أعلام الدراويش و انجذب في سحابات البخور حتى لفته البيارق الشاهقة في ساحة مسجد ابن طولون العجائبية ، حيث المعمار الشاهق الحلمي الذي يصبغه الطفل بآلاف آلاف الرؤى و الأفكار و المخاوف و الحواديت ، لا تنمحي من ذاكرته قط تلك البوابة الحديدية و الأعمدة الشاهقة و السيدة التي تفرق فؤادها في الحارات و البيوت و الدكاكين بحثًا عن صغيرها الذي سحرته الأناشيد ، و خلبت لبه آهات المجاذيب و الذاكرين .
حصل الفتى على شهادته الصناعية التي يحبها ، و يعتز بها المجتمع الناهض في العصر الذهبي للتصنيع آنذاك ، ثم انضم إلى حياة المصنع الحربي في فترة ما بعد هزيمة 1967 و أوج العمل في استعادة مصر لكرامتها و حرب الاستنزاف، الرجال هناك كلهم أكبر منه سنًا و خبرةً ، لكنه الوحيد الذي يحمل بذرة الإبداع في رأسه الصغير ، الرجال هناك يحلمون بالأمان ، يتخالسون أكواب الشاي في أوقات الراحة ، و يتناولون وجبات ثلاث أمنها لهم نظام العمل في عهد عبد الناصر و يدعون له في قيلولاتهم الدافئة في ظلال الأفران و الماكينات الهادرة، تلك العين المبدعة تتفحص ذلك العالم ، تنفلت منه تارةً و تراوغه ، و تنخرط فيه تارةً أخرى منضويةً في منظومته كحد الانسحاق .
تبدو في لوحاته التي يعكف عليها آخر الليل ، تلك النظرة المغتربة المفارقة ، التي لا تخلو من رهبةٍ و انبهار ، بذلك العالم الحديدي الموار الذي لا يعرفُ الرحمة، ذلك الإيقاع الصارم فيما بين لحظة التوقيع بالحضور لدى الموظف المتجهم ، وختم البطاقة ، و لحظة اختتام الوردية في صمت مرهق يخيمُ على العائدين ، ترصد عين الشاب الجامح تلك الكائنات الحديدية المرعبة و تستخلص منها لغةً تشكيليةً جديدةً ، تتعشق منظومة العمل و تتغزل فيه ، تتفكر في العلاقات التي تحكم الأشياء في العالم الجديد ، تنظر بعين الصغير الجديد في المكان، توقن بالقيم التي شكلت عقيدة جيل الستينيات من المثقفين و المبدعين في مصر ، تجهض أحلامهم مع النكسة و تنهض بهم عزائمهم من جديد حتى النصر في 1973 .
يمضي في تقلبات ذلك العالم العجيب ، يشهد انهيار صرح اليقين و تحولات الثمانينيات الجارفة و عصر الانفتاح لا زال الكائن الهادر في عقله عفيًا سليمًا مخلصًا ، لا ينهار و لا ينفجر و العمال يحلمون بمكافآت انتهاء الخدمة ، فيزوجون البنات و يهنأون بالقيلولة في قيعان الحوانيت الأسمنتية الخانقة.
طاقة التحليق تنطلق بفتحي عفيفي للالتحاق بالقسم الحر بالفنون الجميلة، و تظل تتنازعه ذاته المبدعة و تحضه حضاً على المفارقة و الطيران ، فتكون منحة التفرغ و السفر إلى الغرب ، لكن يظل الرحم الذي تكونت فيه تلك الذات و تم بناءها فيه هو الحياة في جوار السيدة زينب و الحياة الموازية في قلب المصنع الحربي ، عالم الزحام و تيارات الجموع المتحركة في بهجة و صبرٍ و أمل، الفتيات الجميلات يطرن مع أثوابهن في الطرقات بالدراجات ،و العيال يتحلقون حول الحاوي و الناس ينتظرون خبز الفطور و جريدة الصباح و الحوانيت تتفتح فيها روائح العملِ و البخور و صوت الشيخ محمد رفعت ، الحلاقون و الحدادون و الحارات الموحلة و فرحة المطر الصبية .و تبقى عملية بناء الأنا الناقدة المبدعة لدى فتحي عفيفي ، في لقائه الصادم بعالم المصنع و الذي سوف نرى إلى أي مدى كان أثره في تكوين شخصيته و لغته التشكيلية المتفردة.
يسعى فتحي عفيفي لتكوين فرادته في خضم المجتمع الرأسمالي الجديد فيما بعد الحداثة حيث التشيؤ و انهيار اليقين، حيث أصبح الأسلوب الوحيد للمقاومة هو الاستمساك بالحق في الحلم، هذا العالم الاستهلاكي الصاخب،كل الأماكن فقدت هويتها ، أصبحت تحمل هوية الصانع، المالك لخط الإنتاج، أصبحت العلامة التجارية هي سيدة العالم ،انمحت الطبيعة و حل محلها مسخٌ هجين بين الآلة والإنسان المتشيء المغيب، ربما تحولت تلك الكائنات الهجينة التي يرسمها فتحي عفيفي إلى وحوش تسعى بيننا تأكل كل أثرٍ للحياة، هذا العالم الغرائبي غير قابلٍ للتنبؤ ، لا ينتمي لأيٍ من الثوابت التي كانت، لم يبق إلا الحلم، و الاستمساك بيوتوبيا المصنع التي عرفها منذ نبتت موهبته و شب في ظلها يؤمن بالعمل و الحرية و المساواة.
يبدو لنا في مسيرة الفنان فتحي عفيفي المترعة بالتجارب و المفارقات كيف تتكون صيغة الأنا تتكون تدريجياً انطلاقًا من تجربتين أساسيتين : `الأولى هي تجربة الانفصال و الثانية هي تجربة الاستحواز .فالعديد من المواقف الإبداعية لدى فتحي عفيفي نراها تؤسس للإنفصال عن واقع عالم المصنع الذي ينتمي إليه بقوة و تهدف لإعادة الاستحواز عليه من جديد لاستنقاذ ذاته و الانفلات من قبضة الانسحاق ،حيث أنها عملية جوهرية ملازمة لوجود الشعور ذاته أو دعونا نقول كيان المرء.مم تتكون تجربة الانفصال؟ هي تتكون من تجربة الإيمان بالواقع الجوهري و الفاعل للأشياء و لكن ذلك يتم في صورة خيال أسطوري يجعل العالم الخارجي هو مجال إبراز ذلك الواقع ، و هنا و الآن لدى الغير.إننا نتعرف على العالم بفضل الأنا أو بالدقة ما نعرفه عن هذا العالم يصلنا عبر إنطباعات هذا الأنا`.
إن العمل الفني كتلة بصرية لها أنظمة خاصة مفتوحة على التأويل بسبب تعددية الدلالات و تنوعها و هو منجز عبر تفاعل المعاني و التراكيب القديمة و الحديثة أو السابقة و اللاحقة ، ضمن إنساق فرعي و أساسي ، حيث يقوم المبدع بتشكيلها و صياغتها في شبكة من العلاقات المنسجمة من حيث الترابط بين المعنى و ما وراء المعنى ، و بين التراكيب التشكيلية و طرق صياغتها .فالعمل الفني يكتفي بذاته، بمعنى أنه يرفض الإسقاط من الخارج لأنه ينتج دلالات مفتوحة. أي أن المتلقي- الناقد يرى دلالات العمل الخارجية داخل العمل بصفتها جزءً من ماهيته، و نحن إذ نتناول بعض أعمال فتحي عفيفي بالتحليل و النقد لا نحاول التعسف لإستنطاقها بما ليس فيها من معانٍ أو دلالات و لكننا نحترمُ إشاراته و تضميناته و نكتفي ببعض العلامات التي صرح بها.
فالمتلقي هنا يستطيع أن يضيف إلى هذه الكتلة التشكيلية أو يحذف منها ،وهنا يقع في مجال الشراكة . و هو قد يكتفي بقراءة )إشعاعات العمل الممكنة (أي التي تشع من محيط الدائرة ) دون أن يبتعد عن هذا المحيط ، لأن مركز القراءة الفاعلة يكون عادة حول نوبات العمل.
د. هبة الهواري

بلوحاته الحزينة يفضح الاستغلال ويواسى الطبقة العاملة
- لم يقترب فنان تشكيلى حتى الأن- حسب علمنا - اقتراباً عميقاً من الطبقة العاملة ، يعرى من خلاله القشرة المزيفة التى تحول دون كشف العصب الحساس لهذه الطبقة ، ويفضح هول المعاناة اليومية ، التى يكابدها هؤلاء العمال بسبب سطوة النظام البورجوازى، هذا لا يمنع أن هناك بعضاً من الفنانين العالميين والمصريين قد أبدعوا لوحات تضج بالاحتجاج وتدين الظلم والقهر والاستغلال الذى يقع تحت نيره دوماً الفلاحون والفقراء بشكل عام ، فقد ظهر فى فرنسا مثلاً مع الثورة الصناعية وتبلور المجتمع إلى طبقات واضحة فى منتصف القرن الماضى، الفنانان ` هنرى دومييه` ، ` جوستاف كوربيه ` اللذان تركا لنا عدداً من الرسوم الملونة تكشف سوء الأحوال التى يعانى منها الفقراء ومدى الظلم الذى أدى إلى حرمان الأطفال من حقهم المشروع فى اللهو واستخدامهم فى الأعمال الشاقة التى تحتاج إلى الشباب العفى وفى مصر انحاز الراحلون `عبد الهادى الجزار` (1924-1966) `وحامد ندا ` (1926-1990) ، و ` إنجى أفلاطون` (1924-1989) وغيرهم إلى البسطاء من الناس فى القرى والمدن، ورسموهم وهم محتشدون فى تجمعات ينهش الفقر وجوههم ، ويذل القهر نفوسهم.
- ولكن أن يصطاد فنان جموع العمال وهم محاصرون بوجوههم الشاحبة بين الآلآت فى المصانع ، فهذا هو الجديد الذى يقدمه لنا الفنان فتحى عفيفى (1950) فى لوحاته الأخيرة، لم يذهب الفنان إلى أحد المصانع للقيام بزيارة سياحية ثم يعود ليرسم ما رآه ، لا .. لم يحدث ذلك بل حظى الفنان بنعمة الاختلاط مع العمال يومياً، حيث أنه ينتمى إليهم بسبب عمله فى مصنع الإنتاج الحربى منذ عشرين عاماً وحتى الآن.
- وقد أدى عشق الفنان فتحى عفيفى للرسم والفن إلى أن ينال نصيباً معتبراً من الدراسات الحرة فى كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وراح بعدها يرسم بغزارة حتى امتلك أصول الصنعة وبداً يوظفها للتعبير عن رؤاه وأفكاره.
- تعالو أقول لكم كيف رسم هذا الفنان الموهوب عمال القاهرة هذه الأيام ، فى لوحة ` عامل بدون رأس` - تسمية اللوحات من عندنا حيث يرفض كثير من فنانى هذا الزمن أن يطلق الأسماء على أعماله بدون سبب منطقى - نشاهد أجزاء من آلة عملاقة، تحاصر أحد العمال الذى لاح جسده كله إلا الرأس، فى إشارة إلى جبروت الآلة، الحديثة وقدرتها على التهام رأس الأنسان من ناحية، ومن ناحية أخرى إدانة نظام الإنتاج الرأسمالى الذى يجعل العامل مجرد ترس فى ألة ، محروم من العقل والتفكير !.
- استخدم فتحى عفيفى فى هذه اللوحة الألوان الزيتية، وبالمناسبة لا يتعامل الفنان كثيراً مع هذه الخامة عندما يعالج موضوع الطبقة العاملة ، وقد أصاب الفنان عندما جعل ملمس سطح اللوحة خشناً كى يتواءم مع بؤس البطل، ورغم أن اللون الذى يرتديه العامل كان الأزرق الزاهى ، مما يبدو أنه يتعارض مع قتامة الموضوع ، إلا أنه كان متجانساً مع ألوان الماكينة التى تراوحت بين الأصفر والبرتقالى والأحمر المنطفىء، فضلا عن مساحات غامقة موزعة بإحكام على سطح اللوحة كى ينضبط التصميم ، فى هذا العمل تخفف الفنان من نفوذ ` الفورم` الأكاديمى واكتفى بعمل خطوط قاتمة، لتحديد الشكل الخارجى، حتى لا يقع المنظر فى مستنقع الفوتوغرافيا المبتذلة.
- تتجلى إبداعات فتحى عفيفى عندما يستخدم اللون الأسود على سطح ورق أبيض، حيث يبدو تمكنه التام من أدواته، ولعل لوحة ` داخل المصنع` تؤكد صواب ما ذهبنا إليه، حيث نفاجأ بلقطة عامة لساحة مصنع تستوعب عدداً من العمال منثورين بشكل عفوى بين الآلات التى التهمت معظم مساحة اللوحة ، فأينما وليت وجهك تصطدم بالمواسير الضخمة، والقوائم العملاقة، والعوارض المهيبة، بحيث بدا العمال ككائنات مسحوقة لا حول لها ولا قوة أمام هذا النفوذ المهيب للآلات.
- يجب أن نلفت الانتباه إلى أن فتحى عفيفى لم يسع إلى اقتناص تفاصيل الملامح لأنى من هؤلاء العمال، بل قنع بالتحديد العام للشكل الجسمانى الخارجى، حيث أن انسحاق الإنسان هكذا بين فوضى الآلات الجبارة، يمحو بالتاكيد خصوصيته وفرديته.
- وإذا الفنان فى لوحة ` عامل بدون رأس ` قد اقترب من المشهد المرسوم بشكل واضح، مما بدى فى جسد العامل الذى استولى على مساحة معتبره من اللوحة، فإن فى هذه اللوحة قد ابتعد كثيراً عن المنظر حتى يمكنه أن ينقل إلينا المناخ العام الذى تحدث فيه عملية الإنتاج ، لكنه عاد من هذه اللحظة البعيدة ليقترب قليلاً ويسجل لنا زاوية أخرى من زوايا عالم الطبقة العاملة الثرى وأثبتها فى لوحة ` وقت الراحة` ، وضع الفنان فى مقدمة اللوحة مجموعة من العمال تتناول الطعام الفقير ، بينما جلس أحدهم فى يمين اللوحة منهمكاً فى مطالعة جريدة، وفى الخلفية استقر عدد آخر على المقاعد، ولا يظهر لنا فى أى شىء هم مشغولون، بينما غابة من الآلات فى مؤخرة اللوحة تحيط بالمشهد كله، فى حين سقط من السقف عدد معقول من ` لمبات الكهرباء.
- فى هذا العمل ، كما فى العمل السابق احتفى فتحى عفيفى بالمنظور وتأكيد البعد الثالث حتى يمنح لوحاته نبرة واقعية، ويوضح فى نفس الوقت مدى هشاشة العامل داخل مصنعه، وفى هذا العمل أيضا، كما فى السابق، انصرف عن إبراز التفاصيل الجسمانية، لكنه أصر على تسجيل كل صغيرة وكبيرة داخل المصنع، مثل الكراسى ، البراميل، الزجاجات، الأزرار .... إلخ
- ويبقى فى النهاية هذا الافتنان باللون الأسود على سطح الورقة البيضاء، ولقد لجأ الفنان إلى طريقتين فى تنفيذ هذه الأعمال ، الأولى بالحبر الشينى بواسطة قلم `الرابيد وغراف` وكان نصيب اللوحات المنفذة بهذه الطريقة قليلاً، أما الطريقة الثانية فهى رسم بأحبار الطباعة على قطعة من الزجاج ثم طبع الورقة فوقها، بوعد ذلك يقوم الفنان بالحذف والإضافة والتأكيد والتهميش للعناصر والمفردات التى تحتاج ذلك، حتى تستوى اللوحة أمامة معبرة ومشحونة بالدلالات.
- ورغم أن الفنان فتحى عفيفى قد اختار موضوعاً خشناً إلا أنه لم يهمل الأسس الفنية الواجب توافرها فى اللوحة كى تؤتى ثمارها، فهو يوزع الكتل والمساحات بإحكام ، ويحتفل ببؤر الضوء التى تقاوم سطوة المساحات المعتمة، ولا يهمل ` الفورم` من أجل إشعال الحس الدرامى فى اللوحة ، وأخيراً ينجح فى صنع ملامس خشنة توائم بؤس أبطال لوحاته.
- المرة الوحيدة التى حاول فيها الفنان أن يخرج من أروقة المصنع، لم يجد إلا المنزل المنكمش الجدران الخاص بأحد العمال ، وبدأ برسم زوجته الشاحبة والمنهكة أمام ` طشت` الغسيل ، بينما ` وابور` الجاز المتهالك يحمل صفيحة ` الغلية` ! ، إن الفنان قدم لنا فى أعماله هذه دراما عمالية حزينة، فضح فيها الاستغلال الطبقى، ووهب ورود المواساة للعمال الذين ينهشهم الفقر، رغم أنهم منتجو الخيرات.
- هذا فنان ينتمى إلى النخبة المرموقة من الفنانين الذين تؤرقهم الأوضاع الاجتماعية المختلة وبحكم أنه كان - ولا يزال - يعمل ضمن صفوف الطبقة العاملة ، فكان من الطبيعى أن يكون هو الأجدر فى التعبير عنهم ، وبخاصة أنه امتلك أدواته الفنية باقتدار.
- إن أعمال هذا الفنان تخاصم الشخبطة والاستسهال وتغرس نفسها فى أتون الواقع الاجتماعى، تفضح الاستغلال، كما فضحته المقالات التحريضية للثائر الروسى` لينين` فى أوائل القرن . ومن عجب أن تأتى أعمال فتحى عفيفى فى موسم هرولة بيع القطاع العام وتشريد عمال مصر ، جاءت لتصرخ- بفن - صرخة احتجاج فى وجه الفقر والقهر والاستغلال وأغلب الظن أن عنابر المصانع ستردد صدى هذه الصرخة إلى الأبد.
بقلم: ناصر عراق
من كتاب ملامح وأحوال
فى لوحات فتحى عفيفى الآلات تلتهم البشر
- ذات يوم وقف المفكر الإنجليزى الشهير` توماس مور` يتأمل الريف المحيط بمنزله، وكان الريف المنبسط أما عينيه هو ريف انجلترا التيودورية، التى أنجزت مرحلة فى تحولها صوب الزراعة الرأسمالية، من خلال حركة الأسيجة والطرد الجماعى للفلاحين وتحويل المزارع إلى مراعى للأغنام، وعندما انتهى من تأمله متذكراً ما كان عليه الريف قبل ذلك، عاد إلى مكتبه ليكتب فى صفحات كتابه `يوتوبيا` 1516 عبارته الشهيرة: ` لقد توحشت الأغنام، فالأغنام تلتهم البشر`.
- وفى عالم الفنان فتحى عفيفى ما يدفع الذهن فوراً لاستدعاء تلك العبارة. ففى لوحاته التى يسيطر عليها عالم عنابر المصانع الكالح الكئيب، والبشر المتناثرون الضائعون داخل شبكة هائلة من الآلات المتداخلة المسيطرة والمتعملقة، لا يمكن للمشاهد سوى أن يشعر بالانقباض والذعر، ثم يردد:` لقد توحشت الآلات، فالآلات تلتهم البشر`.
- الموضوع: لحظتان
- نجد مصادر تجربة فتحى عفيفى الفنية فى حياته وتجربته المهنية الطويلة، فالفنان الذى ولد عام 1950، وحصل على دبلوم فنى صناعى تخصص برادة عام 1968، قضى حياته بعد هذا التاريخ عاملاً فى المصانع الحربية على آلات خراطة المعادن. ولم يقدر له أن ينفصل عن حياة ورش المصانع إلا لفترة ثلاث سنوات، حصل فيها على تفرغ فنى من وزارة الثقافة، ليعود بعدها إلى عالمه الأصلى ومصدر تجربته الفنية: مصنع 54 الحربى لصناعة مواسير البنادق.
- وكان لتجربة التفرغ تأثيرها القوى والمباشر، فإذا كان العمل قد أدخله التجربة الإنسانية، فإن التفرغ جاء ليبعده عن سطوتها المباشرة، سطوة كانت تحرق وجدانه وتسيطره على بصره وبالتالى مفرداته وأدواته وكيف كانت النتائج؟ تمكن من تحرير عالمه من القيم الشكلية الواقعية للأشياء ليضفى عليها الخيال الذى يجردها من واقعيتها لكى يمسك بجوهرها، واستطاع تحرير شعوره من السطوة المباشرة لمناخ العمل اليومى بضغوطه وقهره وحدته، ليبلور شعوراً جديداً أقل صخباً وإعلاناً عن ذاته، لكنه أعمق وأنضج إنسانيا.
- يُعبر الفنان عن موضوعه عبر لحظتين متناقضتين، فى الأول يُعبر عن جبروت الآلة وتوحشها، ويتجه فى الثانية صوب تأكيد وجود الإنسان وحضوره فى مواجهة الآلة.
- فى لوحات اللحظة الأولى يكتشف وجود ثلاث دلالات متمايزة تنظم شعور الفنان بها وتعبيره عنها، وهى: الغابة والثكنة العسكرية والعملاق المتأله.
- فى الدلالة الأولى وتمثلها اللوحات 1و2و3، تظهر الورشة وكأنها غابة عذراء متوحشة تتضخم الآلات ويتضاءل البشر، ومع تضخمها يتحور شكلها لتصبح أشبه بأشجار غابة غليظة مرتفعة وتتكاثر الآلات وتتقارب لتولد الدلالة البصرية لكثافة أشجار الغابة، وزحام قطيع حيوانات خرافية لا يظهر منها سوى سيقانها الضخمة، وتفقد مواسير الآلات سماتها الطبيعية، فتتكاثر وتتفاوت فى أحجامها وتتباين فى وجهة حركتها وتفقد استقامتها لتتلوى وتتعرج وفى تحولها هذا توحى لنا بشكلين نباتات شيطانية تغطى سماء المصنع لتحجب عنه الضوء والهواء، وثعابين وزواحف هابطة من أعلى وكأنها تشارك فى حفل بدائى للتضحية بالبشر.
- وفى الدلالة الثانية وتمثلها اللوحتان 4و5، يتخذ المصنع هيئة الثكنة العسكرية. تتضخم الآلات مكتسبة شكل حيوانى خرافى، يجمع بين جسد الحيوان ورأس الطائر الجارح وتحافظ الآلات على كثرتها السابقة، ولكنها تفقد تنوعها وتباينها الداخلى وتتماثل شكلياً، بالضبط كتماثل الجنود والأسلحة والمهمات العسكرية. وهى لا تزال على زحامها السابق ذاته، لكنها الآن تفقد عشوائية التجاور وتداخله، لتنتظم عبر صفوف ممتدة مستقيمة ومتوازية، تماما كانتظام صفوف الجنود والعربات والدبابات والخيام، وإلى جوارها يقف أو يجلس العمال، فى أحجام صغيرة يُسيطر عليهم القهر والعجز. ويتولد عن دلالة الثكنة معنى هام: القولبة النمطية، وبالتالى غياب التمايز والحرية.
- فى الدلالة الثالثة: العملاق وتمثلها اللوحة 6، تتحول الآلات من التضخم إلى التعملق، ومع تعملقها تستعيد حيزاً كبيراً من شكلها الواقعى، وتفقد كثرتها لتصبح آلتين أو ثلاثاً فقط بينهما فراغ يشغله البشر الصغار، ويولد التعملق معه معانى محددة، المعنى المباشر والواقعى وهو قوة الآلة وسطوتها، وأخر غير مباشر وأسطورى وهو التأله والقداسة، إن المعنى فى حاجة إلى توضيح تبدو الآلات فى رسوخها وتعملقها وتفردها كأنها تماثيل لآلهة بدائية قديمة، وتلك العنابر وهدوئها وظلالها وضوئها الخافق المتناثر، تقترب من جو المعبد الوثنى القديم، وهولاء البشر فى حركتهم الهادئة الملتفة حول الآلات، ووقوفهم ناظرين إلى الأرض أو شاخصين إلى الآلات، يظهرون كمتعبدين يتحركون فى أرجاء المعبد أو يقفون أمام المذبح، وثنية حديثة، وثنية الآلات والصناعة.
- بالتناقض مع اللحظة الأولى والمسيطرة، تتكون اللحظة الثانية والأقل حضوراً وقوة، وتمثلها هنا اللوحتان 7و8.
- هنا يتعملق الإنسان ليصبح الوجود الرئيسى إن لم يكن الوحيد، وإلى جواره يتراجع وجود الآلات ليصبح هامشياً، ويرافق هذا التعملق تحولات أخرى تعمق دلالته وتثرى معانيه ما هى؟ فى إطار اللحظة الأولى يبدو الإنسان هشا غارقاً فى الظلال، والآن نرى قوة فى الخطوط ووضوحا فى التكوين وثراء فى الضوء. فى اللحظة الأولى كان العامل يجلس فى همود أو يقف مطرق الرأسى أو يسير ضائعاً وسط الآلات والآن نراه يقف قوياً منتصباً معتداً بذاته، وفى اللحظة الأولى كان يصور كفرد أمام آلة، وإذا ما ظهر كجماعة يظهر كحشد أو تجمهر أو مجرد رفقة طريق عشوائية، والآن يظهر العمال كجماعة يقفون معا وفى وقفتهم إرادة واحد، ورفقة ومودة إنسانية، وروح جماعية تسيطر على الموقف مشكلة علاقاته وتداخلاته.
- إلا أن تلك اللحظة لا تتواجد بشكل مطلق، فهنا وهناك وفى قلب لوحات تلك اللحظة نرصد دلالات تحيلنا من جديد إلى اللحظة الأولى، وإذا نظرنا إلى اللوحة رقم 7 على سبيل المثال، سنلاحظ تضخم العاملين وما يوحى به تكوينهما من قوة واقتدار، لكننا سنلاحظ أيضا سقف المصنع الذى يبدو كسقف قفص حديدى، يحاصر من هو داخله نافياً حريته.
- الأسلوب: توجهان
- يعانى أسلوب فتحى عفيفى من توتر داخلى ومفارقات واضحة، وذلك فى مستوى الأداء وطبيعة ونضج التقنيات والأساليب التشكيلية المستخدمة وإذا نظرنا إلى مجموعة اللحظة الأولى، سنجدها تتوزع بين أسلوبين أساسيين: يتجسد الأسلوب الأول فى اللوحتين 2,1, والثانى فى اللوحتين 4 و5، بينما تقف اللوحتان 3 و6 فى منتصف الطريق بينهما.
- فى لوحات الأسلوب الأول نلاحظ - أولاً - حيوية الخطوط وعضويتها، وسيطرة الحركة وتولدها الذاتى الدائم، وسيولة التكوين أى التمازج العضوى المركب لمفرداته، والمزج بين تكرار الوحدة الواحدة وتمايزها الشكلى. كما نلاحظ - ثانياً - وجود تناقض تكوينى محسوب، يمنح سطح اللوحة ثراء وتمايزاً وتنوعاً بصرياً، تناقض بين الأشكال الأسطوانية والحلزونية، والأشكال الهندسية المستطلية والمربعة والمكعبة. والتناقض بين الأشكال الكبيرة والصغيرة، الذى يتقاطع مع تناقض الاسطوانى - الهندسى، ويتحد مع توزيع مكانى محدد لكل الأشكال الصغيرة والكبيرة، والتناقض فى درجة كثافة سطح اللوحة، بين مناطق كثيفة الأشكال داخلها يسيطر توتر التكوين وتنافر عناصره، وأخرى قليلة الأشكال داخلها يسود هدوء التكوين وتجانس عناصره. وفى النهاية التناقض بين كتلة الآلات المسيطرة على فضاء اللوحة من أعلى إلى أسفل، وتلك المساحة البيضاء الصغيرة شبه المثلثة المخترقة لكتلة الآلات من أسفل حتى منتصف اللوحة أو حتى مركز التكوين.
- تقف خلف هذا الأسلوب عاطفة حارة بنت وقتها، وعين ذات مخزون بصرى وتشكيلى قوى، ومقدرة على تحويل وتبديل المفردات الواقعية وإعادة خلقها، وحس راق بوحدة التكوين وتمايز عناصره وتناقضها وتوازنها، وإخضاع طبيعى للوعى والمعنى المستهدف لمقتضيات عملية الإبداع، وعفوية فى الأداء توجهها عين حساسة تعرف كيف تضبط عفوية الخلق.
- وبالتناقض مع الأسلوب الأول يقف الأسلوب الثانى كيف؟ هنا تغيب أو تضعف حيوية الخط وعضويته، فيسود الخط الهندسى المستقيم ويبدو الخط العضوى محض امتداد له. وهنا يُسيطر السكون والانتظام على التكوين، فلا نجد حركة التوالد الذاتى المتلاحم للأشكال. كما تغيب سيولة التكوين، حيث يسود التجاور الهندسى الرتيب.
- وهنا أيضا يغيب التناقض من صلب تكوين اللوحة، لتحل محل سيمترية التشابه والتكرار، فلا تتمايز الآلة داخلياً، من حيث الحجم ونوعية الأشكال العضوية والهندسية، بل يسيطر الشكل الطبيعى بما يحتويه من قيم عقلية وواقعية، ولن تفلح التحويرات هنا وهناك فى التخفيف من سيطرتها، كما لا تتمايز الآلات فيما بينها، فهى نسخة واحدة تتكرر بانتظام عبر صف مستقيم، ليتكرر الصف ذاته مرة تلو الأخرى ولا يتغير فيه سوى تأثير المنظور. ويمكن لنا أن نستمر فى المقارنة بين الأسلوبين، فهنا تتواجد الأشكال فى درجة كثافة واحدة، فلا تتمايز داخليا تبعا لتباين درجات الكثافة والتنوع الشكلى المرتبط بها، ومن ثم تتراجع درجة التوتر داخل التكوين. وهنا نكتشف تناقض المساحات البيضاء والسوداء ، ولكنه تناقض من نمط هندسى تكرارى يتخذ شكل مساحات سوداء مستقيمة توازيها أخرى هندسية بيضاء مستقيمة.
- تقف خلف الأسلوب الثانى أيضا عاطفة حارة، ولكن بلا عفوية وديناميكية فى الأداء، بل يسيطر عليها مفهوم عقلى يسعى لتوصيل دلالة محددة، دلالة شعورية وعقلية يُعلى من شأنها على حساب حرية الإبداع وديناميكيته. والوجه الآخر لسيطرة القصد العقلى التعبيرى، هو تطرف وضخامة الشحنة التعبيرية وطابعها المباشر. ومن هنا نلاحظ القتامة المسرفة للوحات هذا الأسلوب، قتامة ينقصها الاعتدال والتوسط الضروريان لتحويل الحقيقة الواقعية إلى حقيقة فنية.
بقلم : صلاح أبو نار
مجلة : إبداع ( العدد 8) أغسطس 1996
فتحى عفيفى يرسم عالم المهمشين
- من عامل فى مصنع إلى فنان مشهور..
- استطاع الفنان فتحى عفيفى أن يحلق فى فضاء الفن التشكيلى من خلال رصده عالم المهمشين، منطلقاً من تجربته كعامل فى أحد المصانع قبل أن يحترف الرسم ويدرسه فى كلية الفنون، ويصبح لاحقاً واحداً من ألمع الفنانين التشكيليين فى مصر، ويحتفى حالياً بمعرضه الجديد `مراحل` المقام فى جاليرى `أكسس` بوسط القاهرة ويستمر نهاية ديسمبر الجارى.
- فى المعرض الجديد يقدم عفيفى نماذج من مراحله الفنية المختلفة التى اكتسب بها خبرة طويلة جعلته فى مصاف الفنانين الأول `وهو رسام وهى نفس الوقت كان عاملاً فنياً في أحد المصانع، ففى شبابه كان يقضى الفترة الصباحية فى المصنع وسط العمال يشاهد عملهم المضنى وسط الآلات، وبعد الظهيرة يمارس هوايته كرسام فى مرسمه فى حى سكنه ومولده `السيدة زينب` ليسجل بفرشاته زملاءه وتعبيرات وجوههم وجلساتهم أثناء فترات تناول الغذاء بالمصنع..
- وفى رسوماته كان يرصد تعبيراتهم بتلقائية ونقاء من دون تجميل الواقع، وهذا سبب نجاح أعماله التى لم يناظره فيها أحد، وظل عالم المصنع ووجوه العمال الكادحين لسنوات طوال عالمه الحقيقى ومصدر إلهامه، وداخل ذلك المعدنى الخالى من الألوان ذى الأصوات العالية الناتجة عن لضجيج الماكينات وأصوات العمال والأسطوات والورشجية دارت حياته..
- وذات يوم حين طلب كبير المهندسين أحد الرسوم الهندسية وجد بين الأوراق إسكتشات رسمها للعمال أثناء عملهمفعاقبه على ذلك.. وكرد فعل على هذا العقاب اقبل عفيفى بكثرة على مشاهدة معارض الفن التشكيلى، وإلتحقبكلية الفنونلدراسة الرسم بالقسم الحر..وبدأ يمارس فنه كفنان محترف مشاركاً فى الحركة الفنية منذ منتصف الثمانينات بديناميكية وتعبيرية عالية معبراً باللون والشكل عن شحنات إنسانية تميز شخوصه من عمال أرض الواقع الخشن داخل عنابر وأروقة وورش المصنع.. فكانت عينه واقعية تعبيرية.. مقتربة حساً وملاحظة من الواقعية التسجيلية لشخوصه وماكيناته..وليتوج نجاحه بجائزة لجنة التحكيم فى أول بينالى للقاهرة الدولى شارك فيه..
- لوحات عفيفى جزء من تاريخه الشخصىفى بيئة صناعية.. وهو ما مكنه من الاقتراب والتعبير عن العلاقات المتشابكة بين الإنسان والآلة بإيقاعها الصاخب فى تبادل كل منهما للأدوار وتكاملهما معاً.. وليبدو ذلك الالتحام الكبير فى رمزيته بين العامل والماكينة التى يعمل عليها ان اكتسبت مادة الآلة الصلبة فى لوحاته مظهراً عضوياً كمادة الإنسان..كما أصبح العامل جزءاً مكملاً وعضوياً مع الآلة.. رغم احتساب مسافة حدودهما وأيهما يطغى على الآخر.. أجفاف الميكنة الآلية المحايدة أم المشاعر الإنسانية بانكباب الأجساد والوجوه فى احتضان لها..
- ونلاحظ أن أجساد عماله بدت فىاستدارتها وضخامتها مؤكدة وجودها وسيطرتها على الآلة وأن الإنسان هو المتحكم..كما رسم بدى رسم الفنان الإنسان والآلة معاً رمزياً داخل كادر واحد لتأكيد تكاملهما معاً فهيمنة الآلة موجودة فى مواجهة هيمنة الإنسان المالك لمفاتيح تشغيلها ولوجودها..
- وما يجذب العين للوحات الفنان فتحى عفيفى بما له من مكانة هامة فى حركة التشكيل المصرى المعاصر هى تلك الغلالة الحزينة التى تغلفها تعبيرياً..كذلك المعاناة المميزة لشخوصه اثناء العمل وفترات الراحة وحتى حين الانصراف من المصنع لذلك بدت معظم لوحاته باللونين الأبيض والأسود كرمزية درامية للمواجهة بين الجسد العضوى والمعدنى..
بقلم: فاطمة على
مجلة : آخر ساعة ( 9-12-2020 )
`مراحل` يستعيد `أحلام الستينات` في مصر
- يسرد المعرض حكايات الحارة والمصنع عبر 25 لوحة.
- لا يحتاج المشاهد معرفة المزيد عن الأجواء الاجتماعية والثقافية لمرحلة الستينيات من القرن الماضي في مصر بعد زيارة معرض `مراحل`، وربما لا يصبح شغوفاً بالتوصل إلى سر تعلق الكثير من المصريين بهذه الحقبة الزمنية؛ فالمعرض المقام الآن للفنان فتحي عفيفي، بغاليري `تاون هاوس` بوسط القاهرة يقدم إجابات وافية عن تساؤلات عدة بشأن هذا الشغف عبر تجسيده لمشاهد يومية درامية تتمتع برؤية عميقة وشديدة الالتحام بواحدة من أهم شرائح المجتمع حينئذ، وهى الطبقة العمالية.
- يُعد المعرض الذي يضم نحو 25 لوحة، حلقة جديدة من سلسلة أطروحات فنية قدمها الفنان فتحي عفيفي على مدى مشواره الفني، الذي يكاد يقتصر على موضوع واحد هو قيمة العمل والعمال في مرحلة الستينات على وجه التحديد، حيث العصر الذهبي للتصنيع في مجتمع ناهض. إلا أنه على ما يبدو لم يتوار في وجدان الفنان الذي يحمل لنا عبر أعماله في نهاية 2020 حلماً قديماً لكل عامل مصري بأن تتحول مصر إلى قلعة صناعية حصينة.
- لذلك لم تأت اللوحات الفنية التي يضمها المعرض المستمر حتى 30 ديسمبر الحالي، تحت عنوان `مراحل` تجسيداً لأي انتماء آيديولوجي أو نقابي، لكنها كانت انعكاساً لقلب المجتمع، يقول عفيفي لـ`الشرق الأوسط`: `أعمالي ليست ناتجة عن فكر آيديولوجي معين أنتمي إليه، فالآيديولوجيات تتغير وتتبدل لدى الناس، وما يبقى هو الجوهر والفن، لذلك ليست سوى الروح المصرية تسود جميع أعمالي؛ فأنا أنتمي لجيل تشبع من روايات نجيب محفوظ وعايش أجواء الحارة المصرية في قمة عطائها الإنساني `.
- لم يكن انتماء الفنان فتحي عفيفي على ما يبدو سوى للزمان والمكان المنتقين بعناية في أعماله، أو بعبارة أخرى هو انتماء لـ`مصر الستينات`، فلم يكن يزور الحارات ليختزنها ويجسدها في وقت لاحق من خلال مجموعة جمل بصرية تحاكيها مثل كثير من الفنانين، لكنه كان جزءاً أساسياً منها، حيث تفتحت عيناه على الحوانيت والحواديت، في حي السيدة زينب.
- ولم يكن عفيفي كذلك يزور المصانع، ليعود إلى مرسمه لتنهمر رسوماته عنها هي وآلاتها وعمالها في لحظات حماسية استثنائية، إنما كان هذه المرة أيضاً جزءاً من ذلك النسيج العمالي؛ فهو `ابن المصنع`، منذ حصوله على شهادته الصناعية التي كان يفتخر بها أي مصري في ذلك العصر الذهبي للتصنيع في مجتمع ناهض، لا سيما بعد التحاقه للعمل بالمصنع الحربي في الستينات، `كنت في قلب الحدوتة، لم أكن مجرد متفرج أو راوٍ أو (شاهد عيان)، لكني كنت مشاركاً، عضواً عاملاً، لذلك أرى أنني خرجت من إطار التناول الساذج السطحي الذي اتسم به بعض من تصدى لرسم الطبقة العمالية، في حين كنت مغموساً داخل المصنع، أعمل بيدي وسط العمال وأقاسمهم كل لحظاتهم`، على حد تعبيره.
- ويؤكد عفيفي: `لا يعرف قيمة ما وفرته المرحلة الناصرية للعامل من حياة كريمة سوى العامل نفسه، لذلك سلطت الضوء في أعمالي على كل هذه الجوانب، لتأثيرها البالغ على إنتاجه وحياته الخاصة معاً`.
- ولا يعتبر الفنان ما يقدمه مجرد نوستالجيا أو حنين جارف للماضي، لكنه `دعوة للحلم والتغيير`: `حتما يحمل لنا المستقبل الأفضل؛ مصر تتغير الآن، وهناك بناء وتوجه للإنتاج بدلاً من الاستهلاك `.
- لكن ربما يستوقف المتلقي وجود قدر مبالغ فيه من التأنق والثقافة والرشاقة والاحتفاء بالقراءة لدى العمال في لوحات فتحي عفيفي، كما لو كانوا قد جاءوا من عالم مثالي، إلا أنه يرد على ذلك قائلاً: `لأن ذلك كان واقعهم، لم أستدع أحداً من المدينة الفاضلة، لكني جئت بهم من الستينات، حين كان العامل متعلماً مثقفاً، يتلقى تعليماً فنياً مميزاً في مدارس متخصصة تمتلك مكتبات تمتلئ بروائع نجيب محفوظ ويحيى حقي وطه حسين، والعقاد، كنا نقرأ لهؤلاء ولغيرهم `.
- فأنا كنت أتوجه بعد انتهاء عملي بالمصنع، إلى كلية الفنون الجميلة، لاستكمال تعليمي للرسم بقسم الدراسات الحرة بها على أيدي كبار فناني مصر، بينما كان يتوجه زميل آخر لدراسة العود على يد أحد أشهر عازفيه، وآخر يتوجه للسينما التي يعشقها، وكنا ننتج مسرحيات من الألف إلى الياء بـ`صناعة عمالية.
بقلم : نادية عبد الحليم
جريدة : الشرق الأوسط اللندنية ( 8-12-2020 )
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث