`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمد مختار عبد الحق على الجنوبى
قدرة حكم ( الأسود ) لذاته
فى معرض محمد الجنوبى بـ `أرت اللوا` تجربة جديدة أعتقد أن أهميتها فى اختبار قدرة العين على الإحاطة البصرية - حرفيا - بجوانب عمل فنى مجسم كله بالأسود.. المعرض بكامله مجسمات منحوتة بخامة الفحم الأسود فى أحجام مختلفة وفى معالجات تركيبية متنوعة على المسطح الجدارى وفوق القواعد النحتية.
المعرض يبدو فى مجمله - مجازا - كعمل تركيبى كبير لمفهوم الأسود المعتم فى محيط من الضوء.. هذه هى أعمال وقد تكون أفكارا - كما أدركتها - للفنان المتميز فى جرأته وأصالته محمد الجنوبى والمقتحمة لذهن المشاهد وتنشيطه بصريا قبل الوجدانيات أو الجماليات.. وجرأته أن أقتحم برؤيته هذه قاعة عرض مهمة وحداثية تقع فى منطقة شديدة الشعبية فى قاعة `آرت اللوا` بحى `أرض اللواء` بعرضه المهم `كثافة الأسود` .
سأذكر جانبا ما يُشير إلى مدى الإلتقاء - ولو مصادفة - بين نمطى تفكير العالم والفن.. فمنذ أعوام قليلة جدا وبخدمه نظام النانو ابتكر علماء لشركة بريطانية مادة سوداء وأحلك من اللون الأسود وأسموها `فانتابلاك` يمكنها أن تمتص فقط ( 04 % ) أربعة من مائة فى المائة من الضوء فهى من السواد حتى أن العين لا تستطيع أن تدرك ما الذى تراه.. فالشكل نفسه والمحيط به من حواف مفقود.. كأنها الثقب الأسود..
والأسود لون جاذب للفنانين الباحثين عادة فى مناطق غير تقليدية فى كيفية إدراك العقل والبصر للضوء والإعتام وكيف يكون من تلاقيهما أو انفرادهما عملا مفاهيميا شديد الثراء لتعدد جوانب الإداراك وتنوعها التى تختلف من متلق لآخر وربما داخل المتلقى الواحد.. وأيضا جاذب للفنان الباحث فى تناقضات الحدة البصرية مع الألوان..
فى عرض الجنوبى `كثافة الإسود` تناثرت كتل الأسود النحتية بأحجام وتوزيعات وتركيبات مختلفة تثير تساؤلات عن ماهية وحدود تلك الثقوب السوداء داخل قاعة العرض كأنها مثقوبة فى فراغ الحجرة وعين المشاهد لتتناثر بما يؤكد مزيدا من حكم اللون الأسود لذاته وهو اللون الذى امامه تقمع تناقضات إدراك الملامس وتبقى الحواجز والحدود الخطية توحى بأكثر من منظور وصدى للصمت المطبق.
الفنان ربما لم يتناول طبيعة الجوهرية للمادة الفحمية السوداء وإنما اهتم بهيكل الأسود المطبق فى تردداته الإيقاعية عن بعد بين أجزاء الأسود المتناثر فى جوف فراغ القاعة.. ربما أراد الجنوبى أن يعطينا رؤى عن الأشياء على مختلف المستويات وإنتاج طبقات من المعنى بما يمكن مقارنته ببعض من العالم المرئى لتبدو كقطع شجرية متحجرة من الطبيعة.. خاصة والفحم أصله قبلا مادة حية شجرية يحمل جيناتها تحولت بفعل الضغط والزمن إلى حجر زمنى معدم اللون أو كهياكل شجرية متحجرة تناثرت بقايا أجزائها داخل قواعد وجدران العرض.
بعض من أعمال الجنوبى فى تركيباتها الشبه عشوائية المثبتة على لوحات مسطحة فوق الجدران تذكرنى بالفراكتل أو النظرية الكسورية وهو مبدأ رياضى من التشابه الذاتى يكمن وراء الأنماط التى نراها يوميا.. فمفردات معرضه بالكامل نراها على اختلافها تقبع كشظايا فى صمت هائل فى وحدة.. مثل نبض واحد هادئ يتطور داخليا بهدوء بشكل غير محسوس فى أشكال من تجانس الفراكتل والاختلاف والتنوع دون سبب ظاهر وفى مسطحاته - كلوحات - الملصق عليها قطع الفحم السوداء نرى تراجع المساحات البيضاء داخل إطار مربع يذكرنا بالنافذة وقد دُفن داخله الأسود الذى خفض وقلل من حجمه بشكل واضح فى انسحاب وتقلص للشكل الذى جعله أكثر تركيزا ..
وأعمال الجنوبى نراها بشدة لا تمثل شيئا بل تستحضره كطاقة هيكلية موزعة داخل القاعة .. وأيضا معرضه ليس بسهولة لندرك مبغاه المفاهيمى بشكل موحد.. فداخل العرض أنت على مفترق طرق على حد سواء.. لا مقرؤة ولا غير مقرؤة.. لا جامدة ولا لينة.. لا ساخنة ولا باردة.. لا محافظة ولا فوضوية.. وإنما نجد تلاقيا كبيرا بين النظام والفوضى.. وهذا يجعل كل التغيرات محتملة مع الأسود الذى رغم أى تحليلات أو تفسيرات لا يظل وجوده أبدا كلون فى المطلق.. وكثافة الأسود المتنوعة الحجم والشكل مع أبعاد السطح فى شكله وملمسه وقوامه يشكل ثقلا وضغطا داخل القاعة.. لكن أحيانا يتعالى الضوء على ضوء أجزاء من الفراغ المحيط بالأسود وهنا يحدث تنشطيا للسطح مع أماكن تسرب طاقة الضوء فوق كثافة الأسود.
ربما هو بحث من الفنان لاستكشاف حدود عمل الأسود وطاقته ومدى حيويته كفورم أو كعلاقة بين الكتلة والطاقة وربما يتحدث الجنوبى مفاهيميا وباستفاضة بكثافة الكتلة السوداء عن رغبة الصمت المريح.
فاطمة على
القاهرة - 2016/11/8
`فِرار الوجه البشرى وجماليات `التلاشى` فى فنون ما بعد الحداثة`
- في آخر عروض الفنان محمد الجنوبى `أوراق الفقد والنسيان`
- لوحات تقدم `أسطورة الجنوب` المخزنة فى لهجات الصعيد.
- عرض إبداعي يحافظ على `أنثروبولوجيا` صعيد مصر
- معلقات `العدودة` هياكل ألم الحضور والغياب
- أخيراً.. هل من `متحف فن لإنسان صعيد مصر`؟
- نحتاج متحف يؤرخ لأنثروبولوجيا إنسان صعيد مصر يتماثل وعروض الفنان الحداثى الكبير `محمد الجنوبى` المعاصرة بحداثيتها عن إنسان الجنوب وذلك قبل أن تندثر ثقافة جوهرة الجنوب المتوارثة وقبل أن يتحول جنوبنا المتفرد لصورة مسخ كباقى مدننا..
- محمد الجنوبى فنان أخلص فى عروضه الفنية على مدى ثلاثين عام للتأكيد على هوية ثقافة صعيدنا الثمينة خاصة باعتماده فى لوحاته على تقديم مفردات تكشف عن الأنثروبولوجيا اللغوية للجنوب داخل اللوحة التعبيرية مثلما خص بها جانب كبيرا من لوحات معرضه الأخير لمراثى الصعيد الشعريه المعروفة بـ`العدودة`..
- الجنوبى بجذوره من جنوب الجنوب الصعيدى يقف بفنه كمعادل ثقافى وموطنه وله مكانه ودور حداثي هام فى حركة التشكيل المصرى المعاصر.. وعلينا أن نقوم بدورنا كالجنوبى بتوثيق متحفى لجوهرتنا أسطورة الجنوب المخزنة فى كلماتهم والتقاليد..
- ومن سمات أحلام الجنوب الجغرافية الراقدة فى الجنوب.. وأراه فى معارضه حين يقدم فنه للآخرين أجده قد اصطاد نفسه دون قصد.. وحين غادر موطنه بصعيد مصر لدراسة الفنون عاش فى القاهرة سنوات طويله وسافر الى أمريكا لبضع سنوات لكنه دائما يعود إلى جنوبه أى أنه يسافر ليصل إلى أصل المكان.. كأنه أينما ذهب يقابل نفسه.. كما أراه كالشاطئ والمحيط ينتظر نفسه على كلا الجانبين لإيجاد معبره إلى الجنوب.. فكلما ابتعد أصبح بيته أقرب..
- معلقات `عدودات` الصعيد
- نحن فى مدن الشمال لا نعرف كثيراً عن الحكماء الصامتين والمعرفة المدفونة وعين الشاعر الصامت والعرافين الساكنين قلوب أهل الجنوب لأننا اصبحنا ننسى سهولة الجمال المجاني ومشغولون بقبح باهظ الثمن.. ودائما يذكرنا محمد الجنوبى بموروث الجنوب فى لوحاته وأعماله الفنية.. حتى بدا عرضه الأخير الضخم في أتيليه القاهرة كعرض متحفى للفن والفكرة وللواقع الأنثروبولوجى لإنسان صعيد مصر..
- في هذا العرض المُسمى `الفقد والنسيان.. وقطع ووصل` أرانا محمد الجنوبى كيف يتلاقى الفن ومرور الزمن عبر عملية التذكر من خلال مفهوم التلاشى البصري للصورة الضوئية.. وأيضاً بعرض معلقاته للوحات التصوير البانوراميه لـ`عدودات` الفقد ليحفظها الفنان حروفا وكلمات داخل لوحاته.. وأصوات لكلمات منظومه لم أسمع بها من قبل لتندمج الحياة والموت فى لحظه داخل معرضه كأن الحياه فى الجنوب تأكل الموت لتعيش..
- ورغم واقعيه الصورة وحداثة المعالجة إلا ان المعرض تغمره حاله ميتافيزيقية تشكلت فى المساحة الحرة بين الحضور والغياب.. وبدت قدرة الفنان على تمجيد الغائب غير مرئى.. في حالة ربما كانت استشفاء الجنوبى نفسه من ابتعاده عن ناسه والمكان فاستحضرهم إلى عالمه ليقيموا معه إقامه دائمه بين جدران فكره ومرسمه..
- تصدر المعرض وبشكل رئيسى جمالية مفردة الرثاء الإنسانى التى تميز أهل الصعيد `العدودات` ليعرضها كمعلقات للوحات متلاصقة متراكبه بلا أطر تقليديه تحدها ليتسق هذا والحزن التراكمى لحالات الفقد فى عالم الجنوب..
- وبجوار معلقاته عرض الجنوبى العديد من اللوحات التعبيرية المنفصلة والتى ارتبطت فيها الصورة لشخوصه ومشاهد القرى إلى جانب الكلمة، وليست الكلمات فقط كما فى معلقات العدودات..
- كما ضم العرض إنشاء تجميعى لذاكرة الورق من روشتات العلاج والعديد من الإسكتشات لأخيه بخامة الرصاص.. فضلاً عن عرض صفوف من الصور الضوئية الباهتة المنسوخة لأخيه وصديقه هانى الجويلى بدت بين الوضوح والتلاشى أمام أعيننا بسبب التكرار.. وقدم عملاً تجميعىا لمجموعه من بقايا أشرطة كبسولات وأقراص علاج أخيه لتبدو أصدق معاناه ببقاياها من صيدلية داميان هيرست البراقة الشهيرة..
- وبما يتعادل ومفاهيم قيمة الإنسان الهشة الزائلة، قدم الجنوبى عملاً تجميعىاً فوق أكثر من جدار لمئات الأوراق والقصاصات وبقايا ما يتبقى من البشر من أوراق ومراسلات رسميه، وعشرات الفواتير وتذاكر وإيصالات مطلوبة الدفع، وشهادات ومستندات رسميه وشخصيه ورخص وخطابات متلاصقة ومتراكمه فى صفوف ليسجل بها مرور الأحداث ومرارة كثافتها بينما من تخصهم قد رحلوا وبقيت هى..
- وعرض الجنوبى معلقات أخرى بدت كعمل مركب من ثلاثين لوحة مدلاه من السقف حيث تظل الوحدات المنفصلة تتأرجح بصور شخوصها والزهور المرسومة على القطع المدلاة داخل فضاء القاعة ليؤديا معاً `بيرفورمانس` فضائى بين التوتر والتوازن لشخوصه الغائبة المدلاة كمجموعة شفرات من إحداثيات جغرافيته الجنوبية..
- وقدم الجنوبى عرضاً بتقنية الكولاج والصورة الضوئية أظهر صورا عديده للمفقودين والضائعين من الحياة.. وطرح تركيبات مدلاة من الجدار فى رثاء للوحاته من بقاياها المتآكلة والتالفة على هيئه مشانق ملتصقه بالجدار تتأكيد على مدى تأثير الزمن على الخامة كتأثيره على الإنسان..
- هذا العرض بدأ شديد الحقيقية بعرض لعدة مشاريع مفاهيمية مختلفة وتقنيات وسعتها تجربة الجنوبى التى تميزه عن كثيرين ولمسافات..
- كلمات من `عدودات` المعرض
- وعن العدودات يقول الجنوبى: `العدودة محور المعرض ولها يعدان عام وشخصى.. وأوضح أن البُعد الشخصى بسبب أرثى الكبير ممن كانوا حولى ورحلوا كالأخ والأب والصديق والأقارب وأجعلهم حاضرين من النسيان.. كما أننى أرثى بعض لوحاتى التى أصابها القدم والتلف وأيضا أرثى كل ما هو مهمل ومفقود حولى من الناس والكائنات والجماد..
- وتابع: أما طرحى العام لأن العدودة مراثى شعريه غنائية متوارثه لأجيال ترددها نساء الصعيد بعد وفاة أحد الأقرباء او حين يتذكرنه مازجه الحزن بالفن`..
- ومن موروث الصعيد الشفهى `العدودات` نقرأ مما جاء مكتوبا كجزء من عمل تصويرى فى لوحات الجنوبى:
- [ريت اليتيم ماشى ورا عمه نفسه دليلة وكادنى همه]... [ريت اليتيم ماشى ورا خاله نفسى دليله وكادنى حاله]... [رشيتكم رش الملوخية يا اهل المقابر كلكم ليا]... [يا شاب يا صغير لاباس لاباس حطوك فى القامه وسدوا الساس]... [القبر قاله يا مرحبا يا حر انت صغير وانا ضلامى مر]... [القبر قاله يا مرحبا يا زين انت صغير وانا ضلامى شين]... [قدام بويتها كحرتوا الجره مالهاش بنية تاخد العزا بره]... [اوعى تروحى العرس مدعيه روحى الجنايز عندى عليا]... [يا ريته خلف ولد هابيل يمسك جريد النخل لما يميل]... [اقول عليك يا سبع ف الغابة علقوا عليك اليوم بوابه]... [النار كلتنى ولهبت جواى ولا تعلموش يا قاعدين وياي]... [حريرهم لبسوه وانت حريرك فى التراب حطوه]... [الموت لا بأيدك ولا بإيدى حكم علينا الموت يا سيدى]..
- هذه الكلمات جزء من أنثروبولوجيا لغويه واجتماعية لمعتقدات وعادات ثقافه صعيد مصر حيث تشكل اللهجة مخزناً حياً لأسطورة حياتهم كامله فى كلمات.. ربما هى ثقافة الحزن.. وأتذكر قول الأديب العالمى باولو كويلهو `الدموع كلمات يجب كتابتها` ويُعيد علينا محمد الجنوبى `كتابة مفاهيمية` لدموع الحزن دون حاجه لـ`تبديل` كود ثقافته..
- جماليات التلاشى فى فنون ما بعد الحداثة
- يأخذ الجنوبى الوجه البشرى إلى التلاشى.. ففى أعمال سابقة مجسمة أذاب وجوهاً عمداً لتتلاشى بحرارة شمعة.. والوجه المسطح فوتوغرافيا محاه حتى كاد يتبخر بتعريضه للضوء الشديد.. والبورتريه التجميعى التهمته ورقات الكولاج بالتآكل حتى كادت تزول الملامح.. فبعدة طرق يقول الجنوبي: حقيقة واحدة لحالتين بين واقع التلاشى الفيزيقى وبين جماليات التلاشى كما فى فنون ما بعد الحداثة.. وكى يُعلى من قدر الفكرة مقابل الشكل.. واتجه نحو الموروث والفكر الحداثى معاً ووضعهما فى سلة تعبير واحدة.. ونزع عن لوحاته براويز الأطر كى يوحى بتلاشى الأطر لتحرر اللوحة من قيدها.. ليبدو لى الجنوبى كفكرته الفلسفية دائم الفرار بغياً للتلاشى حتى من ماديته المقيدة بطرق عده..
- وأعتقد أن مفهومه حول فكرتي التلاشى والاختفاء ربما تشغله منذ سنوات طويله.. وتجلى هذا واضحا فى معرضه الذى أقامه عام 2006 لوجوها بخامة الشمع فى معهد جوته بالقاهرة الذى عرض فيه نسخ لعشرات من وجوه الرجال من صعيد مصر بغطاء رأسهم وملامحهم المميزه صبها بالشمع صديقه الفنان الكبير أحمد العسقلانى وألصقهم جميعا فوق الجدران وجعل كل بورتريه مُضئ من الداخل بشمعه صغيره ومع نهاية المعرض ذاب الشمع ببطء إلى أن اختفت البورترييهات ذوبانا.. فالتلاشى هنا فعل قصدى وليس قدرى وفى كلاهما المصير إلى تلاشى..
- كما أقام عرضاً منذ عشرين عاماً افترش به صالة عرض أتيليه القاهرة بتوابل قديمة مطحونة بدرجات لونيه متعددة وعجائن من أعشاب تستخدم فى السحر والطب الشعبى فى الصعيد وأطلق فى القاعة بخور تقليدى وزيوت طياره برائحة صعيد مصر.. فكان هنا أيضاً التلاشى للروائح والبخور فى فضاء القاعة ومغادرتها..
- وعن عشقه لكل ما له رائحة موطنه يقول الجنوبى: `إلى جانب ألوان التوابل كان مصنع السكر فى اسوان يرمى علينا `العفت` طول الوقت وهو كربون المصنع فأخذته واستعملته كلون اسود مع الزنك البودره`..
- أتذكر أننى فى أحد معارض الجنوبى استمعت لشاب صغير يعزف على آلة بدت لى كالربابة ولم يكن جزء من العرض إلا أنه انفعل بالمعرض وعزف للزائرين وكان هذا فى الأتيليه.. ليأتى اليوم بعد 20 عام ليقدم معلقاته فى نفس المكان بعشرات من التوال القديم تحول لمرثيات بكلمات إنسان الجنوب الذى أتقن بذكاء ولآلاف السنين فن عدم الكشف عن ذخائر هويته ليصبح غير متاح..
- فرار الوجه البشرى ومفهوم الخسارة
- فرار الوجه البشرى من واقعه بدا رمزيا وبوضوح فى ركن بجدارين للعرض ضم صور الضائعين والمفقودين في وضع أقرب لصور المطلوبين وقد صورهم الفنان فوتوغرافيا من فوق جدران وأوراق إعلانات فقدانهم وبدوا بعيون ضائعة كعيون رسومات وجوه الفيوم والتى كانت ترسم للشخص قبل موته لتوضع فوق تابوته.. أى استباقا للفقد والزمن..
- وبدت صور المفقودين الباهتة تتداخل وتقنية فن الكولاج الورقى الأقرب للزوال التدريجى من الحياه والجدار وبتماهى تفاصيل الوجوه الهاربة تناسبا ومفهوم الغياب مما أكسب معرضه رؤيه مفاهيمية مكثفه لطريقة عمل الزمن فى إزالة الموجودات..
- فى هذا العرض الضخم عمل الجنوبى على فكرة الإخفاء والتلاشى نراه جعل كامل عرضه لاستحضار الذاكرة.. وهما رؤيتين متناقضتين وتثيران جدلاً فكرياً دائما يُصاحب أعمال الجنوبى بين النسيان والذاكرة.. الذكرة التى ذكرها الشاعر `لاركن` بقوله: `الذكريات تربطنا بخسائرنا`.. كذلك هو تأثير الفقد لدى الجنوبى باستحضار الصور الباهتة.. فلا شيء نفقده طالما نتذكره.. ونتذكره لأننا خسرناه كقول `لاركن`.. وليكن كما فى معرض الجنوبى المسمى `أوراق الفقد والنسيان` استحضار قوى للكلمة وللشخص الغائب بالصورة وبكلمات `العدودات` معاً.
- مفاهيمية الجنوبى
- لوحات الجنوبى مفاهيمية الكلمة تشظ الواقع داخل قاعات العرض إلى كلمات وأجزاء مرئيه وأخرى غير مرئيه.. لتتصدر كلمات اللوحات دور فى صنع مفاهيمية فكر اللوحة ويتسق هذا وما كتبه الفنان المفاهيمى العالمى سول ليويت في كتابه `فقرات عن الفن المفاهيمي` حول الأفكار بقوله: `أصبحت الفكرة آلة تصنع الفن`..
- كانت الكلمات في المعرض أكثر عرضة للضغط على الأفكار من الشكل المرئي كحاله مشفرة بين الكتابة والرسم.. وأيضاً هى تأريخ مقروء للهجات لم نسمعها اختزلت ألم نساء الصعيد وملأن به فجوات الصمت، والتهمت لوحات الجنوبى كلماتهن التى بمجرد قرائتى لها بمفهومهن صرت كأنى أسير داخل عقل وثقافة شخص آخر.. فإلى جانب مجال مفاهيمية اللوحة للكلمة هناك فى كلمات `العدودات` شكل من أشكال الاتصال يتجاوز قوة الكلمة..
- ورغم أننا لم نر فى لوحات الجنوبى صورة القبر.. لكنه أرانا كيف يُقيم الموتى داخل ذاكرة الأحياء.. ليذكرنى هذا بالعمل التركيبى لـ`سمكة القرش` للفنان داميان هيرست المحفوظة فى محلول الفورمالديهايد منذ عام 1991وأسماها` استحالة الموت الجسدى فى عقل شخص حى`..
بقلم : فاطمة على
جريدة القاهرة 18-10-2022
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث