`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
صلاح الدين طاهر
صلاح طاهر .. والضوء المكشوف
- عندما نتحدث عن صلاح طاهر فكأنما نتحدث عن قرن من الزمان بما يحمله من زخم ونبض جامع شامل للمجتمع ، `ولد الفنان 12/5/1911` وتخرج العام 1934 من مدرسة الفنون الجميلة العليا بمصر ، 1944 عمل فى كلية الفنون الجميلة كأستاذ للدراسات العليا ، عين مديراً لمتحف الفن الحديث بالقاهرة وكان المتحف آنذاك مناراً للثقافة ، تعقد به الندوات والمحاضرات على مدار السنة، 1959 عين مديراً لمكتب وزير الثقافة ،1961 عين مديراً عاماً للإدارة العامة للفنون الجميلة بمصر، 1962عين مديراً لدار الأوبرا المصرية 1966 ، وحتى الآن مازال يعمل مستشاراً فنياً لمؤسسة الأهرام، ومنذ 1984 وحتى الآن يرأس جمعية محبى الفنون الجميلة ، نشاطه بدون حدود..، العام 1961 حصل على جائزة جوجنهايم العالمية ، 1974 حصل على جائزة الدولة التقديرية مع وسام الاستحقاق ، وأول من حصل على جائزة مبارك فى الفنون . الفنان كغيره من الفنانين الرواد الذين مروا بمراحل مختلفة فى الفن وعاشوا مراحل التحول على المستويين العالمى والمحلى فيما يتعلق بالتفكير فى الفن وممارسة الفن كإبداع إنسانى يحمل فى محتواه قيماً إنسانية وجمالية .. وأخص هنا الضوء عند صلاح طاهر فى أعماله التى يكشف فيها عن مواطن الذات وعن جوهر المشاعر وعن مراكز الإحساس المتواتر عبر الجسد ،صلاح طاهر فى الثلث الأخير من القرن العشرين، نهج أسلوباً يتميز و يتفرد به من خلال صياغات ومعالجات تختلف عن تقاليد الفن المعروفة فهو يملأ سطوحه ذات البعدين بقوام لونى يحدد قياساته ثم يقدم على اقتحام هذا السطح المحمول بداخله طاقة كامنة تحت السطح ويبدأ فى عملية كشط رقائق اللون أو حذف أو إزاحة فيبدأ فى الظهور ما يخفيه اللون وغالباً يكون لون النسيج هو الباعث بالضوء أو أرضيات أخرى يتركها حتى تجف ثم تعلوها طبقات من اللون اللين ثم تبدأ ميلاد عناصره بالضغط الغير متوازن على السطح مائلاً أو عمودياً أو متقاطعاً يذكرنا بحركة الوتر الموسيقى، هى حركة يده على السطح كأنها راقصة بالية تتلوى وتتمايل على السطح هذا التنوع يحدثه ما يسمى بالتدرج اللونى أو الظلى نتيجة اختلاف وزن اليد وحركتها واتجاهها من مكان إلى آخر وفق منظومة الألوان المعدة على السطح ووفق حجم سكينة الكشط إن كانت من البلاستيك أو من المعدن ، فالتقنية هنا مؤسسة البعد البنائى للعناصر كما أن للكشط دلالات مباشرة لإظهار الضوء الآتى من جسد اللون كأنه يستدعى طاقات الضوء من الداخل وهذا عكس ما يرسم ويلون بالشكل التقليدى وصلاح طاهر يعتمد على مقومات خاصة صوفية روحية تجعله يتحكم فى مقدرات كمية الضوء الباعثة مضافاً إلى ذلك التنوع المذهل فى إيقاع الخط والمساحة واللون كوحدة ضوئية متكاملة .
ا.د. احمد نوار
جريدة الحياة - 2004

- صلاح طاهر الرسام الملون ( 87 سنة ) هو ثالث العمالقة الذين فازوا بجائزة مبارك هذا العام 1999 - وهى أكبر وأرفع جائزة فى مصر . وقدرها مائة ألف جنيه . الثالث بعد نجيب محفوظ الفائز بجائزة نوبل سنة 1988 ، والفيلسوف عبد الرحمن بدوى ، ذلك الكيان الثقافى الهائل الذى طبقت شهرته الآفاق .وفوز صلاح طاهر اعتراف بأن الفن الجميل ( التشكيلى ) يقف كتفا بكتف مع الأدب والفلسفة . وإذا كان المثقفون يعرفون الكثير عن الماضى الزاخر لأديبنا العالمى نجيب محفوظ ، وعن فيض المؤلفات التى أنجزها بعدة لغات الفيلسوف عبد الرحمن بدوى وكيف تعتبر إضافة للفكر الإنسانى .فالقليلون من هؤلاء المثقفين يعرفون معالم المشوار الشاق الذى خاضه صلاح طاهر حتى وصل إلى هذا الموقع على المسرح الثقافى المعاصر فى مصر والعالم العربى ..
- ترجع بدايات الحركة التشكيلية الحديثة فى بلادنا إلى قرنين فقط من الزمان ، وحصول صلاح طاهر على جائزة مبارك يعنى وضع الحركة فى مكانها الصحيح ، وإعطاء الضوء الأخضر لأجيال جديدة من التشكيليين الجادين الجديرين بهذا الموقع الذى حققه لهم .فحصوله على الجائزة له دلالات وإشارات فى مشوار حياته وكفاحه اليومى على طريق الفن وتحديده لمعالم جديدة للإبداع التشكيلى ، لم تكن معروفة من قبل .كان مفهوم الإبداع فى مصر منحصرا فى الموهبة والإتقان الحرفى تمشيا مع مقولة جوته - أديب ألمانيا العظيم - بأن العبقرية كفاءة متوسطة وجهد اثنتى عشرة ساعة يوميا .
- جاء صلاح طاهر ليغير هذه المقولة ويبعث المبادىء التى أرسى قواعدها الإيطاليان : ميكل أنجلو بوتاروتى ( 1475- 1564) وجورجيو فازارى ( 1511- 1574 ) حين أسسا أول أكاديمية فى التاريخ فى القرن السادس عشر ، فاشترطا فى المتقدمين عاملين رئيسيين: الموهبة والثقافة كانا يجريان اختبارات مع المتقدمين بعد التأكد من توفر عامل الموهبة ، ويمنح الخريج لقب أستاذ ، ولا يسمح لغير حامل هذا اللقب بالعمل كفنان فى المنشآت العامة .وقد اعتنى فنانو أوربا وأمريكا بهذا الجانب الثقافى ، مما جعلهم يطرحون ما يسمى بالمدارس الفنية والمذاهب ، من انطباعية وتعبيرية وتكعيبية ومستقبلية وتجريدية..الخ
- حين فتحت مدرسة الفنون الجميلة أبوابها فى القاهرة 1908 بإدارة الأساتذة الإيطاليين والفرنسيين ، لم تشترط أى مؤهل غير الموهبة ، حتى أن مثالنا : محمود مختار ( 1891 - 1934 ) لم يكن يحمل مؤهلات من أى نوع غير الموهبة ، وكان المتقدم رقم واحد ، استطاع بالتثقيف الذاتى أن يرتقى بموهبته ويكشف عن عبقريته ويفوز فى معرض صالون باريس بالميدالية الذهبية على فنانى العالم ، حين أسهم بنموذج مصغر لتمثال ` نهضة مصر ` .
- ونستطيع أن نلمس ثقافته العريضة فى مقالاته حول فلسفة الفن المنشورة فى الصحف والمجلات المصرية بلغة عربية فصيحة ، وفى خطاباته الفرنسية التى كان يرسلها إلى باريس . كما أن لنا أسوة فى أديبنا الراحل عباس محمود العقاد ، الذى بلغ فى ميدان التثقيف الذاتى ذروة لم يبلغها أحد غيره . وإذا كانت مدرسة الفنون الجميلة مؤسسة تدريبية ، تعلم التقنيات الحرفية للنشاط الإبداعى وما يسمى حيل الصنعة ، فالتثقيف الذاتى هو الواجب الأول الذى يحول الدارس إلى فنان ، يحلق فى أجواء الإبداع ، ويسجل اسمه فى دوائر المعارف وقواميس الفن ، ويحصد الجوائز الكبرى مثل صلاح طاهر ، الذى كان فى يفاعته تلميذا لعباس محمود العقاد ومشاركا ملتزما فى ندوته الأسبوعية مع كبار المفكرين ، كأنما يطبق المقولة الإنجليزية :كن عظيما وعش مع العظماء.
- صلاح طاهر نجم متألق فى أفق الحركة الفنية المصرية والعربية يجرى اسمه على أقلام النقاد وألسنة الفنانين ، وهو من أغزرهم إنتاجاً وأوسعهم شهرة وأرحبهم ثقافة ومعرفة بالعلوم الإنسانية. تصدر الحركة الفنية الحديثة فى مصر منذ فجر الستينيات بعد أن تحول إلى اللاتشخيصية والتجريد بالألوان والخطوط فى تمكن تكنيكى لا يضاهى، ومهارة فى الأداء أثارت الإعجاب بجاذبيتها وقوة تأثيرها واجتذبت انتباه المتابعين والصحفيين ومختلف أجهزة الإعلام . لقد دخل عالم التجريد من باب الموسيقا التى ملكت عليه لبه منذ الصغر واستطاع أن يعزف بالألوان والخطوط والملامس على أوتار الروح ويهز مشاعر الذواقة من فرط النشوة والمتعة العقلية .
- عشق الموسيقا فى يفاعتها وتعلم العزف على الكمان .انخرط فى الوقت نفسه فى قراءة الفلسفة وعلم النفس، وهو مازال فى سن الاستيعاب السريع والفهم المعرفى ونهل من شتى أنواع الثقافة حتى تحولت إلى جناحين صعدا بفنه إلى سماء بعيدة المنال كما كان رياضيا وملاكما بطلا وهو فى ميعة الصبا، مما يعيد إلى ذاكرتنا سيرة عبقرى عصر النهضة : ليوناردو دافنشى ( 1452- 1519) فى تشعب مواهبه وتدفق علمه وابتكاراته وعكوفه على الدرس والبحث بدون انقطاع .
- بدأ صلاح طاهر طريق الرسم والتلوين أكاديمياً كلاسيكياً فى الثلاثينيات، يحاكى الطبيعة ويتغنى بروعتها وجمال الشكل الإنسانى فى مختلف الأوضاع، لكنه سرعان ما اتجه إلى الأعماق ليخاطب أرواحنا بالتلميح والرمز والاشارة، ويكتشف أغوار النفس والأحاسيس ويؤثر على الروح حتى تهتز لمرأى الألوان وما تتخذه من قوالب شكلية كما تهتز فى صحبة أجمل المقطوعات الموسيقية . لقد صور تلك المعزوفات فى أحدث لوحاته التى تعتبر مقابلاً مرئياً باللون والفورم والخط والملمس للمسموع من النغم والإيقاع والتوافق مما يحول معارضه إلى حفلا موسيقية راقية ، الأعمال التى تعود بتاريخها إلى الثلاثينيات كأنها تقاسيم شرقية ثم يصحبنا عبر مشوار الفن والثقافة والجمال إلى روائع لونية وخطية كأنها سيمفونيات تعزفها أعظم الأوركسترات العالمية.
- شهدت عروضه معظم مدن أوروبا وأمريكا الشمالية والدول العربية وعواصمها ، وصادفت نجاحا واسعا وترحيبا ، وفاز بعده جوائز مرموقة تتميز من بينها فى مصر جائزة الدولة التقديرية عام 1974 وفى الولايات المتحدة الأمريكية جائزة جاجنهايم العالمية سنة 1961 ، كما قام بدور تنويرى فى نشر الثقافة الفنية عن طريق البرامج الإذاعية والتليفزيونية .وشغل عدة مناصب فنية رفيعة من بينها الإشراف على متحف الفن الحديث ودار الأوبرا ومؤسسة الأهرام الصحفية .
- تختلف الرائعة الفنية عن غيرها ، بأن لها نوعا من المجال المغناطيسى يجتذب الخيال ويثير التفكير .. ويشد المشاهد إلى داخلها ..فيجوس بذهنه فى حناياها وخطوطها وألوانها يحلم ويعيش حياة جديدة ، صنعها الفنان بفطرته الملهمة ، وتمكنه الكامل من ترجمة الخيال والحلم ، وتحويلهما إلى ما شاء من خطوط وألوان وأشكال وملامس ، لا تختلف فى ذلك رائعة عن أخرى .. مهما اختلفت المدارس والاتجاهات..
- تمكن الفنان من أدواته وخاماته شرط ضرورى لقدرته على تصوير خياله وحلمه .ينبغى أن يعرف طريقة جيدا ، بالممارسة اليومية والخبرة الطويلة والمعرفة الواسعة حتى يحتفظ بلياقته الإبداعية، كما خطر فى ذهنه خاطر ..أو أرتسم فى خياله خيال، وهذا ما نلمسه فى لوحات الفنان صلاح طاهر بعد عشرات السنين من العمل ، ولو تأملنا صورته الشخصية التى أبدعها سنة 1926 لتبينا كم تمكن فى صدر شبابه من دقة الرسم وحبكة التكوين ونضارة التلوين ، حتى لنكاد نتحدث إلى صورته وهى تتطلع إلينا فى اعتزاز لتروى قصص المعاناة التى خاض دوروبها حتى يصل إلى ما وصل إليه الآن..
- .. كان فى بداية الطريق آنذاك ، أكاديميا بارعا ، مرتبطا بأرض بلادنا .. يصور المناظر والأشخاص والموضوعات الكلاسيكية ، متمكنا من المهارات الأساسية التى تؤهله للتأليف والابتكار .وكان قد نهل من بحر المعرفة وضرب بسهم وافر فى مكتبة الفن والأدب والفلسفة وعلم النفس .وفى فجر الستينيات تغيرت نظرته التقريرية للبيئة والمجتمع ، واكتسبت بطابع ذهنى وعقلى لم يعد يناسبه ذلك الأسلوب التقريرى الأكاديمى ، فتحولت لوحاته إلى التشكيل المجرد .. حيث أن الفكر مجرد فى حد ذاته .
- من ذلك الحين.. أخذ الفنان يفكر بأدوات التصوير وخاماته فشاهدنا الجماليات المطلقة تغمر لوحاته حتى مطلع السبعينيات . وهى فى ذلك لا تختلف عن مرحلته الأكاديمية ،إذ أنها احتفظت بنفس القيم الكلاسيكية دون أن تتخذ لها مطية من المناظر والأشخاص والموضوعات مرحلة مبهرة بألوانها وتكوينها وأناقتها ..تطلق خيال المشاهد إلى آفاق غير محدودة ،تاره تجذبه إلى أعماق البحار ، وتارة تهيم به بين الأفلاك ، وتاره ثالثة ..توغل فى تشابكات من الأشجار والأزهار.
- كان يتغنى فى تلك المرحلة بالأشكال والألوان فقدم لنا تنويعات كأنها قصائد شعرية يستعرض فيها قدراته الابتكارية ، وبراعته فى انتقاء الشكل واللون والخط أو كأنها مقطوعات موسيقية محكمة التأليف ، يعزفها فنان موهوب لا يخطىء نغمة يريدها أو وترا يبغيه .
- وبالرغم من معارفه الواسعه وقراءاته المتشعبة .. وعالمية أسلوبه ، بدأت هويته الشرقية والمصرية تكسو تشكيلاته وألوانه وخطوطه ، فجاءت روائعه الحديثة تحكى قصة حياتنا ، لا نكاد نجوس بخيالنا فى داخلها حتى ننسى أنفسنا، ونمضى فى رحلة الأحلام .. على ضفاف النيل بين أهلنا وناسنا .. أو بين تاريخنا وحكاياتنا وأساطيرنا . نصادف الفلاحين والفلاحات يسعون كما كانوا يسعون من زمان ، أو ندخل قصور شهريار أو نشارك فى قصص ألف ليلة وليلة..
- روائع صلاح طاهر ،تفتح الباب لخيالنا.. ثم تشدنا إلى داخلها لنحيا حياة جديدة .. ونعيد الوشائج بيننا وبين أنفسنا ..ونكتشف فى أعماقنا عوالم كانت وهذا هو سر روعتها .
- ولد صلاح طاهر فى مدينة القاهرة فى 12 مايو سنة 1912 فى منطقة بيت القاضى العريقة خلف مسجد سيدنا الحسين . شب وترعرع فى أسرة متعددة الأبناء ، وحين ظهر ميله المبكر للرسم والتلوين عنى شقيقه الأكبر بتزويده بالأوراق والأقلام والألوان .كما تعلق بالقراءة تأسيا بوالده الذى كان يراه دائما فى صحبة كتاب .ازداد شغفه بالقراءة مع الأيام جنبا إلى جنب مع الألعاب الرياضية وحب الموسيقا والعزف على آله الكمان ، التى كانت سببا فى لقائه بالمفكر الكبير عباس محمود العقاد ، حين التقيا فى حفل عائلى ذات مساء ، فى أثناء سنوات الدراسة فى مدرسة الفنون الجميلة العليا . بعد هذا اللقاء التاريخى ومشاركته فى ندوة الجمعة التى كان يعقدها الفيلسوف الكبير فى بيته كل أسبوع ، اشتعلت رغبة الفتى صلاح طاهر فى القراءة المنوعة واعتبر نفسه تلميذا للأديب الكبير واتخذه أبا روحيا حتى رحيله .
- التحق بمدرسة الفنون الجميلة العليا سنة 1929 ، حيث تعلم على أيدى الإيطالى : إينوشنتى والفرنسى : بريفال والرائد المصرى :أحمد صبرى ( 1889- 1955 ) المعروف بأسلوبه الأكاديمى المدرسى . تخرج سنة 1934 بعد أن بدأ مشوار التثقيف الذاتى وعين مدرسا بمدرسة المنيا الابتدائية بصعيد مصر طوال عامين ، أقام خلالهما أول معارضه وكان حافلا بالمناظر الطبيعية وصور الوجوه ( البورترية ) اتسمت أعماله بمحاكاة الطبيعة بأمانة شديدة - وهو الأسلوب المدرسى الأكاديمى الكلاسيكى ، الذى يتبعه الخريجون عادة فى مطلع حياتهم ، قبل أن تتبلور شخصياتهم الإبداعية - إذ أن الدراسة فى مدرسة الفنون الجميلة تنسج على منوال تلقين تقنيات الرسم والتلوين والاستخدام الأمثل للفراجيين والأقلام والألوان والأدوات المختلفة أما المعايير الجمالية فتقليدية محفوظة ، تتصدرها المقاييس والنسب وقواعد المنظور والتكوين الهرمى ووحدة المكان ومصدر الضوء .. إلى آخر التعاليم المدرسية .
- انتقل بعد ذلك إلى مدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية حيث أقام معرضه الثانى ، قبل أن ينتقل سنة 1941 إلى مدرسة فاروق الأول بالقاهرة ومنها إلى التدريس فى مدرسة الفنون الجميلة التى أرسلته إلى مدينة الأقصر سنة 1943 ، للإشراف على مبعوثيها المتفوقين فى المرسم الذى يتبعها هناك ... كانت الفرصة متاحة للأمل والتفكير فى كنف الآثار الفرعونية .
- عشر سنوات متوالية قضاها صلاح طاهر فى رحاب مدرسة الفنون الجميلة العليا ، حيث سمحت له الظروف بالاتصال بكبار الفنانين من باب الرفقة والزمالة ، والاحتكاك من قريب بالرواد العظام : يوسف كامل ( 1891- 1971) وراغب عياد ( 1893- 1982) وأحمد صبرى ،بعد أن تم تمصير الإشراف الفنى على مدرسة الفنون الجميلة ، التى لم يبق فيها من الأجانب سوى الرسام الفرنسى المرموق .بيبى مارتان ( 1869 - 1954) الذى عشق بلادنا وأقام فى بيت الفنانين بالقلعة حتى وفاته.
- لم يدخر صلاح طاهر وسعا فى إشباع نهمه للتثقيف الذاتى وولعه بالموسيقا الكلاسيكية، طوال سنوات عمله بالتدريس العام أو حياته فى مرسم الأقصر.الأمر الذى أسفر عن تكوين مكتبة خاصة موسوعية السمات ..تضم مؤلفات فى الفلسفة وعلم النفس والعلوم الإنسانية باللغة العربية ، واللغة الإنجليزية ، التى كانت نافذة يطل منها على الثقافة العالمية .أما عشقه للموسيقا فقد ظهرت أماراته على صياغة لوحاته فى مطلع الستينيات حيث تحول إلى الإبداع التجريدى التعبيرى ، الذى أدى إلى ما نراه اليوم من نضج وتكامل وتطبيق ناجح لنظريات الفيلسوف الفنان الروسى الأصل الألمانى الإقامة : فاسيلى كاندينسكى ( 1866- 1945) الذى وضع نظرية السمات الروحية للإبداع الفنى . وضعها سنة 1911 لكنه لم ينجح فى تطبيقها إلا بعد أربع سنوات من التجريب المتواصل . ساعده على هذا النجاح إتقانه العزف على آلتى البيانو والتشيللو وهو فى الحادية عشر من عمره ، وإلمامه بالتأليف الموسيقى ، وأبحاثه التى أسفرت عن الإيمان بضرورة معرفة الرسام الملون بأصول التأليف الموسيقى ، ليتمكن من مخاطبة المشاعر والوجدان والعواطف والعقل أيضا .وهو ما استطاع صلاح طاهر أن يحققه فى لوحاته الحديثة التى يطلق عليها عناوين موسيقية فقد بلغ فى إبداعها درجة عالية فى هذا السياق ، حتى لنكاد نسمع لتشكيلاته وألوانه أنغاما كلما تأملناها .
- .. بدأت الموجة التجريدية فى حركتنا التشكيلية سنة 1956 فى لوحات الفنان السيريالى :رمسيس يونان ( 1913 - 1966 ) تتبعه بعد عامين رفيقه : فؤاد كامل (1919- 1973) الذى تحول إلى التجريد التعبيرى ثم حمل الراية صلاح طاهر بعد عودته من الولايات المتحدة فى منتصف الستينيات ، ووصل بالتجريد الموسيقى إلى منتهاه ، وانتشر تأثيره على الحركة التشكيلية فى مصر والعالم العربى حتى أصبحت المعارض التقليدية كأنها طيور غريبة فى طريقها إلى الانقراض ..
بقلم : مختار العطار
(مجلة : إبداع ( 1-7-1999

- وقف الفنان صلاح طاهر بين عدد من الفنانين وقال.. (ما حكاية هؤلاء التجريديين ..أيحسبون أنهم يفعلون شيئا خارقا ؟ إننى أستطيع أن أفعل مثلهم) ويوما اقسم أن يرسم لوحات تجريدية .
- ثم سافر فى رحلة قصيرة إلى أمريكا وعاد من هناك ليتحول من أسلوبه التقليدى المدرسى الى الأسلوب التجريدى .. ومن التقيد الشديد بالطبيعة الى الأشكال التى لا تصور إلا جانبا واحدا وهو الإحساس بالشكل .
- لقد كان انتقالا مفاجئا أحدث يومها دويا كبيرا فى الوسط الفنى ولكنه فى الواقع كان انتقالا طبيعيا رغم مظهره الغريب .. فرسوم صلاح طاهر قبل ثمانى سنوات كانت محاكاة دقيقة وبارعة لما ينبهر به الفنان من ( الأشكال ) الطبيعية دون اهتمام بالمضمون الذى يعبر عن قضايا محددة .. لهذا كان الانتقال سهلا على الفنان رغم الدهشة التى انتابت المشاهدين ..
- وعلى حد تعبير صلاح طاهر نفسه عندما تحدث عن هاتين المرحلتين فى الندوة التى أقيمت فى ختام معرضه السابق الذى أقيم بالغرفة التجارية اذ قال ( كنت كلما أقمت معرضا فى تلك المرحلة السابقة وشاهدت الناس مسرورين مهنئين أحسست بالمرارة ) ذلك لأن الموقع الذى كان يحتله الفنان قبل ثمانى سنوات كان فيه جانب من التملق لجمهور الفن .
فن الصالونات والسرايات الذى يتناول العاريات والمناظر الطبيعية وحسب ، الفن الذى يتقبله أصحاب القدرة على اقتناء الأعمال الفنية .
- ولكن هذا الجمهور تغير بعد قيام الثورة وظهر المثقفون المتطلعون إلى الثقافة الغربية والفن الأوروبى والذين بدأوا يظهرون كجمهور يتزايد وزنه وتأثيره منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وكان هذا الجمهور يزدرى الطبيعة وينشد التحرر من القيود المدرسية فى الفن .
- ولم يكن التحول فى فن صلاح طاهر تدريجيا وإنما فجائيا دفعته الى ذلك الحرية المطلقة فى المذهب التجريدى والمتعة الحقيقية التى يحسها الفنان وهو يعبر فى سهولة عن ذاتيته دون مراعاة أو تقيد بلغة مشتركة مع الجمهور .
- ولكن تجريدية صلاح طاهر ليست تجريدية خالصة .. فالأشكال التى يرسمها ليست مبتدعة تماما من الذهن وليست مفقودة الصفة تماما بالأشكال الواقعية فهو يستخدم أحد الأشكال الواقعية أو مجموعة منها مثل نبات البامبو أو القضبان الحديدية أو الآلات والأوراق ثم يكرر هذه العناصر فى اللوحة الواحدة مرات ومرات مراعيا الجوانب الجمالية الشكلية .. وفى معرضه الذى أقيم بقاعة ( إخناتون ) استخدم أسلوبا جديدا فى الرسم بالأحبار التى تتحرك على سطح اللوحة بفرشاة عريضة أو قطع من الأخشاب غير مهذبة الأطراف ..
- تعتبر أعماله الحالية من أنضج مستويات الفن التجريدى بين فنانينا وستقف ندا أمام أعمال الفنانين التجريديين العالميين عندما تعرض فى معارض الفن التجريدى بالخارج .
صبحى الشارونى


- يعد صلاح طاهر علامة هامة من علامات الحركة المصرية الحديثة ، وانعطافه مرموقة نحو الالتحام بأدوات ولغة هذا العصر وهو يمثل حركة ارتكاز عميقة فى الفن المصرى ، فى نفس الوقت الذى يضفى فيه وجوده المحبوب إلى حالة من (الونس ) تجعلنا ننسى ولو مؤقتا وحشة انصراف الجماهير أحيانا عن الالتحام فى الحركة المعاصرة الجياشة .
- ولقد عبر صلاح طاهر فى الثلاثينات ، الواقعية الأكاديمية ، وفى الأربعينات الأكاديمية ذات الطابع الكلاسيكى وفى الخمسينات خطى صلاح طاهر نحو التعبيرية التشخيصية وفى أواخر الخمسينات أخذ صلاح طاهر يمثل نمطا مميزا فى التعبير عما يمكن تسمية فن ( المنظر التشخيصى ) حين عالج الأشخاص كجماعات ملتحمة فى ذاتها مليئة بحركتها الداخلية مليئة بالشوق والمونولوج الرومانسى ، ومنذ أوائل الستينات تفجرت فرشاة صلاح طاهر على نحو مباغت بالتراكيب الشديدة العصرية ذات المنحى التجريدى الكلاسيكى ، ولكنه ظل محتفظا بألوانه ذات الشعر الخاص وبعالمه الرفيع الذى يبدو ويختفى أحيانا فوق ألوان وأضواء أعيدت صياغتها على النحو خاص .
المركز القومى للفنون والآداب
نجم ساطع فى سماء الفن وبالأحرى فى عالم الفن التشكيلى ، وهذا الوجه التشكيلى هو ما يعرفه به الناس أو ما يبدو لعشاق فنه وجمهوره ، فالذى يرى فن صلاح طاهر ، يعلم أن الرسم هو اهتمامه الأول والأخير ، لا ينازعه فيه فن آخر .. لكن إذا اقتربت من العالم الخاص لصلاح طاهر .. سوف تكتشف أشياء أخرى ترقى للمستوى الأدبى لكنها لم تأخذ شهرتها ..بعض هذه الأشياء حدثنا عنها ابنه الفنان .. أيمن صلاح طاهر .. والبعض الأخر نقلناه من خلال قراءتنا فى مفكرة صلاح طاهر التى كتبها بنفسه .
قراءة فى المفكرة الخاصة جداً لصلاح طاهر
- عندما تقرأ مفكرة صلاح طاهر تجد إنساناً اجتمعت فيه كل المتناقضات فهو بطل ملاكمة وعازف كمان وفنان تشكيلى متفرد وفيلسوف ممارس لليوجا، وأول ما يلفت الانتباه فى هذه المفكرة هو تدوينه كل ليلة لما سوف يفعله من أول نهاره .
- ونهار صلاح طاهر - كما يرويه ابنه أيمن - كان يبدأ قبل الشروق .وكل شئ عنده بنظام بداية من موعد دخول الحمام ، فهو يكتب : دخول الحمام الساعة السادسة إلى السادسة والربع، بعدها لعب لمدة ساعة مع أيمن - ابنه - ثم ممارسة الرياضة بالسير على النيل لمدة ساعة أو جرى فى النادى ، ثم تأتى بعدها الرياضة المفضلة لدية وهى اليوجا التى كان يمارسها كل يوم لمدة ساعتين ، فكتب ` يوجا ` أو تأمل فى ورق أبيض ساعتين ، بعدها الذهاب إلى المتحف المصرى ، وبعد العودة الرسم ثم الأكل أخر شئ ، حتى التدخين كان يخصص له وقتاً معيناً ..الفنان صلاح طاهر بهذا النظام كسر نظرية فوضوية الفنان ، وأثبت أن النظام هو أساس أى عمل جميل، وصلاح طاهر من الفنانين الذين كانت تربطهم صداقات قوية بعمالقة الأدب والثقافة فى ذلك الوقت ، تأثر بهم وأثروا فى شخصيته .
- على سبيل المثال : كتب عن عباس العقاد قائلاً ` كان الأب الروحى والفكرى لى وكانت بداية معرفتى به فى حفل عيد ميلاد صديق لى وذهبت لإحياء الحفل لأننى كنت عازف ` كمان ` وكان العقاد من الحاضرين وكنت أسكن مصر الجديدة وهو الآخر من ساكنيها ، ونظر إلى مندهشاً وقال : أنت صلاح طاهر الملاكم ؟..فقلت له .. نعم فنظر مبتسماً وقال : أرنى يديك ! كيف تكون هذه اليد تلاكم وتعزف الكمان ؟! وجلسنا معاً نتحدث فى مواضيع شتى جعلته يعجب بى كثيراً لكثرة اطلاعى وكأن روحنا امتزجت معاً .. حتى إننى بعد ذلك عندما دعانى لصالونه الأدبى ليلة الجمعة كانت لى مكانة خاصة جداً فلم يبخل على بشىء ، كان يفتح لى قلبه وعقله وبيته ومكتبه ، وكتب أنيس منصور وقال : ` كان الوحيد الذى يستطيع أن يأخذ من مكتبة العقاد ما يريد هو صلاح طاهر ` ويضيف صلاح طاهر : كنا نسير يوميا معاً فى طريق المطار فى الساعة التاسعة والنصف لمدة ساعتين ويناقشنى فيما قرأت ، أثرانى بما اختاره لى من كتب وفهمت منه الفلسفات القديمة والحديثة ، لكننى أحببت ` نيتشه ` أكثر لأنه يؤمن بالقوة ، ولأننى كنت رياضياً وملاكماً .
- أما عن قصيدة ` الظنون ` التى كتبها العقاد فكتب صلاح طاهر عن هذا اليوم قائلاً: ` ومن المدهش أن تلك المرأة كانت تصغره بحوالى ثلاثين عاماً ، ورغم ذلك كانت تحبه جداً وكانت الحب الحقيقى فى حياته وكانت ممثلة شابة ، ولكن كان هناك خلاف بينهما ، كانت تريد أن تمثل وتستمر ، بينما هو يريدها زوجه له .. أذكر أنها كانت تصور فى جروبى ، وذهبت معه وقد خيرها بينه وبين التمثيل وانتظر منها مكالمة تليفونية ، حيث كانا على خلاف فكان يريد المبادرة منها وكانت حالته يومها رهيبة ..أما عن يوم الظنون فهو يوم انهيار العلاقة وطلب منى أن أرسم له لوحة عبارة عن تورتة يتهافت الذباب حولها ، وأخذها وعلقها أمامه فى حجرة نومه حتى يستطيع أن يتغلب على حبه لها وفعلاً نجح بتلك الطريقة .
- وفى مفكرته كتب عن زوجته عايدة التى قال عنها ابنه أيمن :لولا أمى ما كان صلاح طاهر .
- فكتب ` عايدة توأم روحى وفكرى كانت شخصيته قوية الثقة بى وبنفسها وحبى لها .. فقد كانت الكثيرات من الجميلات تأتين لأرسمهن وكانت عايدة تضيفهن ، أذكر أنها قالت يوماً لبعض السيدات أنها تحب كل من يحب صلاح `.
- أذكر أن هناك سيدة من تلميذاتى فى كلية الأداب كان حبها لى شديداً ، فقد كانت تجلس على دكة على النيل لتراقب منزلنا لعلها ترانى وذلك كل يوم حتى نطفئ النور فتعود لمنزلها وعلمت عايدة ، فما كان منها غير أنها نزلت إليها وأتت بها إلى البيت وقالت لها ` كل ما تحبى تشوفى صلاح تعالى البيت ` .. ولكنها أخذت عليها عهداً ألا تحاول أن ترانى من ورائها ، وذات يوم كانت عند توفيق الحكيم فى الأهرام وأنا كنت فى مكتبى بالأهرام وفى ذلك اليوم كانت محاضراتى فى كلية الآداب ونزل كل منا للذهاب إلى الكلية ورأيت أنه ليس من اللائق أن أتركها تأخذ ` تاكسى ` وأنا ذاهب إلى نفس المكان فعرضت عليها أن تأتى معى إلى الكلية .وعلى طريقة الأفلام السنمائية ونحن فى إشارة وقف تاكسى بجوار سيارتى ومن المدهش أن عايدة كانت تركب ذلك التاكسى فنزلت من التاكسى وقالت لها : ألم يكن بيننا عهد ؟ كده خلاص مش هاتشوفى صلاح تانى وكان قراراً نهائياً من عايدة .وتزوجت تلك الفتاة وسافرت مع زوجها إلى بلده العراق ولكنى فوجئت بها يوماً تزرونى بعد وفاة عايدة ..وها هى تأتى من وقت لأخر لكنى أبداً لن أنسى عايده بعد رحيلها .
- عندما تقرأ نوتة صلاح طاهر أو مفكرته لا تجد فيها خواطره الأدبية فقط وإنما أشعار للشعراء القدامى مثل المعرى وابن الرومى وامرؤ القيس ، وتجد بعض الحكمة ، فقد قال ابنه أيمن إنه كان دائما يمسك بالنوتة فى يده يكتب أى شئ يسمعه ويعجبه ، أو يرسم اسكتشات ، وكل هذه المدونات مكتوبة بالقلم الرصاص وهى نصيحة توفيق الحكيم له لأنه أوفر وأرخص!!
- ويعلق على موقف مع توفيق الحكيم يوم أن قرر أن يرسمه فقال : ` يوم قررت أن أرسمه جلست معه خصيصاً ثلاث مرات ولم أستطع لأنه كان يتحدث كثيراً ويتحرك أكثر أثناء كلامه ، ولا يوجد من يجارية أو يوقف سيل كلماته الساخرة المتتالية وكان فى نفس الوقت إذا جلس مستمعاً لا ينطق على الإطلاق وفى المرة الرابعة توسلت للراحل د.حسين فوزى بأن يكون موجوداً ليتكلم هو والحكيم يسمع وجاء حسين فوزى وتكلم والحكيم منصت ، وقد ذكره بتلك الفتاة الفرنسية التى كان يحبها وهو فى باريس فجلس صامتاً ساعة ونصف الساعة فكانت الفرصة بالنسبة لى وقام الحكيم ليرى تحضير اللوحة ، وفوجئت به يهتف الله الله .. كفاية كده يا صلاح ، قلت له : يا توفيق بك إنها تحضير ، فأقسم بالله ألا أضع خطاً أو لوناً ، وأخذ رأى حسين فوزى وأحضر محمد حسنين هيكل فأيده فى الرأى ، واضطرت تحت إصراره أن أوقع على اللوحة وكان ذلك أجمل وأسرع بورتريه فى حياتى .
أم كلثوم حولت كمال الملاخ إلى ` أبو الهول ` قال لى العقاد : أرنى يديك .. كيف تلاكم وتعزف الكمان
أما أم كلثوم فقد كتب عنها .. مثقفة جدا ًخفيفة الظل ، لا أنسى يوم كان ابن إمبراطور الحبشة ` هيلاسلاسى ` الذى يعيش فى انجلترا ويحترف الرسم أن طلب من كمال الملاخ أن يرتب لقاء له معى وأم كلثوم وكان ذلك فى فيللا أم كلثوم .
- وكان كمال الملاخ مؤمناً بأن الأقباط هم فراعنة مصر وظل يتحدث طويلاً فى ذلك الموضوع ، ولكى يثبت صدق كلامه وجه السؤال إلى ابن إمبراطوار الحبشة قائلاً : أليس هناك تطابق فى الشكل بينى وبين أبى الهول ؟! وأنقذتنا أم كلثوم من استمراره فى الكلام ساعتين ، وقالت : لا طبعاً فصمت الجميع ونظرنا إلى أم كلثوم التى أكملت قائلة : أبو الهول معنا من آلاف السنين ولم نسمع منه كلمة وأنت منذ أن جلست لم تصمت لحظة ..أين النسبة إذن ؟ وضحك الحاضرون وتحول كمال الملاخ إلى أبى الهول !!
- ويضيف صلاح طاهر فى مفكرته : قمت برسم أم كلثوم مرتين ، مرة منذ أكثر من خمسين سنة والمرة الثانية توفاها الله قبل أن أكملها .
- ومن اللافت للنظر فى قراءات صلاح طاهر أن الرياضة خاصة ` اليوجا ` قد جعلته دائماً يتحلى بالصبر على عكس معظم الفنانين فهم دائماً فى حالة مزاجية وانفعالية ، ولذلك كتب عن ` رذيلة الغضب ` قائلاً : ` كثيراً ما يفقد الإنسان حقه إذا ما جمح به الغضب ، وسرعة الغضب دليل على ضعف الأعصاب وقصر الذهن وعدم الاعتداد بالنفس ، وليس من شك فى أن الحليم يربح على الدوام وسريع الغضب يخسر على الدوام ، إذ إن غضبه الرجل العصبى تعتبر فى معظم الأحوال إهانة موجهة إلى من يخاطبه ،أما تؤدة الحليم فتعتبر أدباً ورجاحة عقل، وإن كانت مشوبة بالدهاء والمكر ، وقد يتحدث إليك أحب صديق إلى نفسك حديثاً فيه كل الخير لك ، ثم يغضب ويحتد فجأة وبدون مسوغ فتشعر بأنك قد بدأت تكرهه وتنفر منه،وقد يتحدث إليك عدو لك فى هدوء ورفق واتزان ، فتعشر بأنك تحبه، وتدهش لهذا الميل الطارئ الغريب فسريع الغضب عدو مصلحته ومصلحة الآخرين ، وحليم الطبع يربح على حسابه ، والغضبان فى ثورته يهبط بمستوى الفكر ويشوه معالم الوجه ويمسخ الإنسان ويحيله هزأ يبعث على الاحتقار ، ويستثير الضحك وقد كان فولتير عندما يشعر بنوبة غضب تعصف به يطرق على الأرض لحظة طويلة ، ويظل عاضاً على شفتيه وهو يفكر ، ثم لا يندفع إلى محدثة إلا وهو يبتسم ، وكان جان جاك روسو يخرج بغته ويختفى عن الأبصار ويظل يتنقل فى حديقته حتى تقر أعصابه ثم يرجع إلى زواره ضاحكاً يستأنف الحديث فى هدوء ، والحقيقة أن تدريب النفس على مثل هذه الأنواع من الرياضة المعنوية هو خير وسيلة لعلاج مرض الغضب `، ويختتم بقوله :` لا تجعل الغضب يملؤك ، إن الغضب علامة الفجر` .
- وكتب صلاح طاهر فيما يشبه مذكرات شخصية له قائلاً : ` حب القراءة المجدية ، وحفظ الشعر بدأ فى سن 11 سنة ، وكانت فى بيتنا مكتبة ثم كان اهتمامى بالرياضة البدنية منذ التاسعة من عمرى فى المدرسة الابتدائية ، ثم ركزت على الملاكمة فى سن 15 سنة وحصلت على بطولات فى سن 18 ، 19 ، وبعد العشرين تركت الملاكمة للأبد ، بعد ذلك انتابتنى إلى سن 23 سنة حالات نفسية سيئة ، قرأت فلسفة شوبنهاور التشاؤمية ، وأنا فى سن 19 سنة كنت أعزف كمنجة والتقيت بالعقاد فى سنة 19 سنة وظلت معى أبوة العقاد الروحية ، بعد ذلك التحقت بمدرسة الفنون الجميلة العليا فى سن 29 وكان العميد والمدرسون أجانب ..منهج التعليم أكاديمى بحت من الجميع .. احتوت رأسى فى مضمار الفن كل المنجزات الفنية من العصر الحجرى القديم إلى عصرنا الحاضر فى جميع بقاع الكرة الأرضية .. لكن أين أنا من ذلك الطوفان الرهيب فى مضمار الفن والثقافة ، أجتر المعلومات ولا يمكن أن أخدع نفسى والآخرين ، فكثير من المشتغلين بالفن ينطوون تحت لواء أحد الفنانين مقلدين أو متأثرين ، قد يكون هذا الأمر طبيعياً عند الآلاف ولكنه لا يمكن أن يكون عند صاحب رسالة فى الفن أو فى غير الفن .
- الرسالة قيادة وقدوة وابتكار بالمعنى العميق للكلمة، لم أكن راضياً عن نفسى طوال ما يقرب من عشر سنوات إجادة فى ناحية الصنعة بالمفهوم الدارج العادى ، إلى أن انفجرت الثورة فى داخلى ضد المألوف العادى ، معظم الناس أحباء لما ألفوا وأعداء لما جهلوا .انقلب أسلوبى فجأة وبلا تدرج من الأكاديمى إلى التجريدى ، انطلقت إلى آفاق أعلى يحدوها الصدق والخصوصية ، واستمرت الرحلة .
- رحل صلاح طاهر وترك علوة على الأعمال التشكيلية مكتبة بها حوالى 400 ألف كتاب ، حوالى الثلث فى الفن التشكيلى والباقى فى الفلسفة ورياضة اليوجا التى كان عاشقاًً لها .
- وهذه الرياضة جعلته - على حد قول ابنه أيمن - متصوفاً وأحياناً أخرى قديساً ، فكتب بعنوان ` إرادة الله `: ` الطبيعة فى حركة دائمة وفى خلق مستمر ، ولو شئنا تعريف ` الله ` لقلنا إنها إرادة عظيمة جبارة لا تهدأ ولا تكل ، فهو العامل وهو الفنان الأعظم وهو الحافز الحيوى للخليقة كلها، لا ينفك يبدع ولا ينفك يخلق ويفتن .
بقلم : فاطمة على
مجلة الإذاعة والتليفزيون - 2010
احتفال جاليري الفن بمئوية الفنان صلاح طاهر
- تخرج صلاح طاهر في مدرسة الفنون الجميلة عام 1934 ومنذ تخرجه قام بالتدريس بالمدارس الابتدائية ثم الثانوية بالمنيا والإسكندرية ثم القاهرة حتي عام 1944 ، وقد كان هذا بالتوازي مع عطائه الفني الذي كان علي قمة أهدافه وكما يقول الناقد الدكتور صبحي الشاروني في الكتاب الذي يحتوي علي أهم أعمال الفنان والذي تم طبعه بواسطة قطاع الفنون التشكيلية عام 2008 بمناسبة معرضه الذي أقيم بقاعة أفق من نفس العام : ` إن الفنان صلاح طاهر أحد أبناء الجيل الثاني الذي حمل مشعل الإبداع بعد جيل الرواد مباشرة فهو من الجيل المخضرم الوحيد في الحياة بدأ دراسته علي يد الأساتذة الأوروبيين ثم استكملها علي أيدي الأساتذة المصريين عقب عودتهم من بعثاتهم الفنية في أوروبا وفي البداية درس علي أيدي المصورين ` أينوشنتي ` و` بريفال` . ثم علي أيدي الرائد يوسف كامل وزميله أحمد صبري الذي كان من ألمع أقطاب الجيل الأول` .
- قد كلف صلاح طاهر في حياته إلي جانب فنه ببعض المهام الرفيعة التي تضعه في مواجهة المسئولية، فقد عمل سنة 1954 مديرا لمتحف الفن الحديث ثم مديرا للمتاحف الفنية منذ 1958 ثم مدير مكتب وزير الثقافة والإرشاد القومي 1959 ثم مديرا عاما لدار الأوبرا المصرية عام 1962 وقد عمل أيضا مستشارا فنيا للأهرام منذ عام 1966.
- أقام صلاح طاهر أول معارضه في مدينة المنيا عام 1935 ثم توالت معارضه واحدا تلو الآخر وذلك نظرا لإنتاجه الغزير وقد شارك في بينالي فينيسيا ثلاث دورات ومثلت أعماله مصر في المهرجان القومي ` مصر اليوم ` بالولايات المتحدة. وإلي جانب نشاطه الفني ترجم العديد من المؤلفات مثل كتاب ` في ظلال الفن ` .
- بالاشتراك مع أحمد يوسف وحصل في حياته علي العديد من الجوائز المحلية والدولية مثل جائزة جوجنهايم عام 1960 وجائزة بينالي الإسكندرية 1961 وعشق صلاح طاهر الموسيقي بحكم موقعه في دار الأوبرا وتعلمها، كما كان ملاكما بطلا بالإضافة إلي ذلك انخراطه في قراءة الفلسفة وعلم النفس، وسافر بعد ذلك في رحلة قصيرة إلي أمريكا وعاد من هناك ليتحول من أسلوبه التقليدي إلي الأسلوب التجريدي ومن التقيد الشديد بالطبيعة إلي الأشكال فيما وراء الطبيعة .
- لقد عبر صلاح طاهر في الثلاثينات عن الواقعية الأكاديمية وفي الأربعينات عن الأكاديمية ذات الطابع الكلاسيكي وفي الخمسينات اتجه نحو التعبيرية التشخيصية وفي أواخر الخمسينات أخذ يمثل نمطا مميزا في التعبير عن ` الفن التشخيصي ` حيث تفوق في تصوير الوجوه الشخصية ` البورتريه ` بالأسلوب الكلاسيكي الجديد وأخلص لتعاليم أستاذه أحمد صبري .
- ورغم استمرار صلاح طاهر في أسلوبه التجريدي إلا أنه لم يقلع عن طريقته التقليدية في رسم الوجوه الشخصية وكان يرفض رسم الوجوه الخالية من المعاني، ومر بمرحلة التصوف التي دفعته لإنجاز ما يقرب من 600 لوحة تصور لفظ الجلالة ` الله ` أسماء الله الحسني .
- ومع غزارة إنتاجه تعددت استخداماته للخامات اللونية فلم يقتصر علي نوع واحد ، بل تعامل مع الألوان الزيتية والجواش والأكريلك والألوان المائية والشمعية والباستيل وكان ينفرد باستخدامه قطعة من الإسفنج ليرسم بها فوق اللون تاركة تلك الآثار المرتجلة بفعل القطنة أو الإسفنجة أو اختيار الآلية المناسبة لصلابة السطح ومرونته وهذا ما كان يميز أعماله خاصة التجريدية.
- وقد رسم الريف والجبال والفلاحين وكل مظاهر الطبيعة وكان الإنسان علي رأسها ثم مر بمرحلة قاتمة استخدم خلالها الأبيض والأسود والرماديات لمدة عامل كامل. قد صور ما يقرب من 500 منظر طبيعي بالإضافة إلي 400 لوحة للوجوه الشخصية وقد تم اختيار مائة لوحة لهذا المعرض من ضمن 400 لوحة لم يرها أحد ولم تعرض من قبل رحم الله صلاح طاهر وبارك في حياة ابنه أيمن صلاح طاهر.
د . أحلام فكرى
جريدة القاهرة 5 يوليو 2012

- لقد أمضى منذ تخرجه فى مدرسة الفنون الجميلة العليا 1934 ما يقرب من ربع قرن يمارس- التصوير بالأساليب الشائعة ( من اكاديمية وانطباعية ) شأنه شأن أغلب ابناء جيله، متسقا مع الذوق السائد ثقافيا واجتماعيا، كما كانت أغراضه التصويرية تدور فى نفس المجال التقليدى، من رسم البورترية والمناظر الطبيعية والموضوعات البيئية... ثم فجأة - فى أواخر الخمسينات تحول إلى التجريد الحر للمساحات والخطوط والالوان معطيا ظهره للموضوع الاجتماعى ، ناشدا بناء موسيقيا مركبا متعدد الطبقات، لكنه فى الحقيقة لم يعط ظهره للمجتمع تماما، فقد أصبح الحس البيئى هو الهاجس المتغلغل والمتذبذب عبر طبقاته اللونية ودفقاته الخطية المندفعة، وهى تعبير عن صحوة اجتماعية انفعل بها الفنان وتحمس لها مع المد التقدمى أواخر الخمسينات ، مشاركا بذلك فى المشروع النهضوى للمجتمع .. وقد استقر منذ الستينات عند صيغة تجمع بين التجريدية والشخيصية، بأسلوب ايجابى يتيح للمشاهد المشاركة فى خلق عالمة ومشخصاته ومعايشتها، عبر تقنية جريئة فى استخدام الملامس والعجائن اللونية، بجرات أمشاط عريضة حرة الحركة، ونستطيع أن - نتلمس رؤاء الاجتماعية فيما توحى به بعض أشكاله الفنية الممشوقة من تجمعات بشرية ذات أزياء ريفىة وشعبية ، وهى تندفع فى اقدام او تتسامق كالعمالقة او تتنامى كالاشجار معبرة عن معانى رمزية، وقد نراها تتحرك على خلفيات من عمائر اسلامية وأماكن ذات صلة بالواقع، وان كانت تحلق فى أجواء خيالية.
- واذ تبدو فى تجربته التحديثية ظلال قوية من الاتجاهات الغربية الحديثة تحول بينها وبين الوصول إلى قطاعات عريضة من الجمهور وتضعها فى اطار فن النخبة فأنه- بروح الانطلاق المتوثبة لتخطى الثوابت والجوامد- يستنهض قوة الدفع فى المجتمع للحاق بالعصر الحديث.. بلغته وديناميته.
بقلم : عز الدين نجيب
من كتاب التوجه الإجتماعى للفنان المصرى المعاصر
صلاح طاهر الثابت والمتغير فى لوحاته
- إن لوحات الفنان الكبير` صلاح طاهر` تكشف فى جملتها عن تداخلات وتناقضات أسلوبية تستوقف المتابع، وأحياناً تثير دهشته، لما فى الانتقالات من مفاجآت، تبدو فى الظاهر غير مبررة .
- أن تطوره لم يحدث فى صورة توالد مسلسل منطقى يمكن التكهن به ، بل جاء فى شكل انقلاب عاصف على ما سبقه، ورغم ذلك - وهذا هو المدهش - أبقى عليه .. ليتعايش النقيضان جنباً إلى جنب، بلا تواصل !.
- وفى الوقت الذى تنوعت فيه لوحات ما بعد الانقلاب ظلت ، وأغلب الظن ستظل لوحات ما قبل الانقلاب - وأعنى بها لوحات ` البورتريه ` أو الصورة الشخصية - على ما هى عليه من التزام بالأصول التقليدية والقوالب المحفوظة .. رغم إدراكه-فيما أظن أن تلك القوالب لا تسعف بالكشف عن كوامن الشخصية المرسومة.
- وهو لا يمارس المصالحة بين النقيض إلا عندما يكون منصرفاً عن (النموذج / المقتنى للوحة ) .. عندئذ تتألق لمساته وطريقته البارعة فى تحريك وحذف عجائن اللون كما فى لوحة بعنوان : ` فلاحة` ...
- وهى فلاحة تنتمى إلى خيال مبدعها أكثر من انتمائها إلى الواقع ، عيناها شديدتا الاتساع .. شديدتا الدهشة ، وقفتها ساكنة . تذكر بوجوه الفيوم القبطية، تغطى بغطاء قوسى` معبدى ` ، ويبدو أن الفنان لم يكن يريد لنا أن نستدرج إلى إيحاءات الوقار والسكون ، فبث فى خطوطه المؤطرة اندفاعات حاسمة ، وملأ جسد المرأة باللمسات الجريئة ` البارعة المتنوعة ` فأشاع نوع من الحركة المحمومة وإن حوصرت بالموضع السكونى ` النحتى` ` للمرأة `...
- قامت اللمسات بدور آخر هو الترجمة البصرية لعناصر المرأة ، فاللمسات تأخذ شكلاً لولبياً مع جدائل الشعر، ودائرياً مع كتلتى الثديين ، وعريضاً وممتداً مع الملاءة ، بل إن زخارف الفستان ومنديل الشعر ، وجدت من اللمسات ما عبر عنها.
-على الرغم من تناقض هذه اللوحة أسلوبياً مع معظم لوحات ` البورتريه ` الأخرى له، فإنه لا يتناقض جوهرياً معها، بمعنى التمسك بنفس الأساس التكوينى والطابع السكونى والموقف التبريرى لعمل صورة شخصية ، أى خلق الملابسات الشكلية لالتقاط صورة ` رسمية `.
- يظهر فيها النموذج فى أحسن حالاته ، وهو تصور ساد جيل ` صلاح طاهر` من رسامى البورترية أمثال ` حسين بيكار `و` عز الدين حمودة `، وجعل هذا التصور مهمة الكشف عن مكنون ` النموذج ` محفوفاً بعائق الإناقة الخارجية وحاجز الوقار والسكون ، غير أن ` صلاح طاهر ` كان أقل مبالغة من زميليه فى إغراق سطح اللوحة بما يستوقف العين من المشهيات`.
- ومهما كانت الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التى جعلته يتمسك بأسلوب بعينه مع موضوع ` الصورة الشخصية ` فإن العودة إلى الطبيعة بين الحين والحين ودراستها تصقل مهارات الفنان وتشحنه بالجديد من الزاد ، وفى ظنى أنه لكى تجسد أو تصف ما يعتمل فى نفوسنا من انفعالات علينا أولاً أن نكون قادرين على وصف ما يدور أمام عيوننا من أشكال .
- نقطة التحول
- حتى عام 1956- أى قبل رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة - كان يدخل فى إطار الفنانين الأكاديميين الذين يعدون الأسلوب ` التأثيرى ` أقصى درجات ثوريتهم ، ولم يكن يشارك الجماعات الفنية التى عاصرها فى الأربعينيات طموحاتها فى تجديد ملامح الفن المصرى، أو التمرد على القديم من القوالب الفنية، أو الاعتراض على أوضاع سياسية واجتماعية تدعو لذلك ؛ بل إتخذ دائماً من المواقع الرسمية التى كلف بها معبراً إلى توصيل الثقافة الفنية .
- ولم يكن يحفل` بالأسلوب السيريالى `و` الأسلوب التجريدى` الذى ظهر على أيدى جماعة ` الفن والحرية ` على وجه الخصوص ، ربما بسبب وجودها - أى الجماعة- فى موقف الضد من الثقافة الرسمية والسياسية الرسمية .
وبسبب الغزو ` السيريالى ` و` التجريدى ` المرفوض كان يحتمى بعالم لوحاته الريفية، التى كانت تتغنى بحياة ريفيين هانئين ، لا علاقة لهم بالواقع ! .. ثم اعتنق ما سبق أن رفضه فى مدينة ` بوسطن ` بالولايات المتحدة الأمريكية ، على الرغم من أن الفنانين الأمريكيين كانوا مثل المصريين من حيث إنهم لم يبدعوا الأسلوب التجريدى بل نقلوه !.
- وهناك التقى بلوحة ` تجريدية ` لفنان مجهول فوجئ بفوزها بالجائزة الأولى ، فى معرض من المعارض السنوية الكبرى ، لقد أدرك هناك - فيما أظن - أن القيم الفنية ثابتة وإن تبادلت مواقع التأثير والأهمية ، فقد يحفل أسلوب فنى بالقيمة اللونية أو الملمسية أو الضوئية إلخ ، ويغلبها على بقية العناصر لتحقيق غرض تعبيرى أو تنظيرى ما ...
- جعلته تلك اللوحة التى نسى اسم مبدعها أن يستخلص حكمة ما .. وكانت الحكمة التى استخلصها هى ضرورة الانقلاب على نفسه ! .. وفى لقاء قريب معه 1988 أخبرنى بأنه ظل عاماً كاملاً مستغرقاً فى إنتاج أكثر اللوحات تطرفا فى التجريد . غير أنه حاسب نفسه بقسوة فى نهاية المدة ، فقد اكتشف أن كل ما أنتج مستعار من لوحات الآخرين ، فقرر الإقلاع فترة عن التجريد، واستلهام الطبيعة من جديد ، إلى أن استقر على ثوابت شكلت فيما بينها ملامحه الأسلوبية الخاصة.
- ملامح تجريديته
- لو اتفقنا مع عدد من النقاد ومع الفنان نفسه فى وصف جزء من إنتاجه بالتجريدى فإننا نلاحظ خلافاً واضحاً بين تجريدية ` صلاح طاهر ` و التجريدية الغربية - باعتبارها الإطار المرجعى لهذا الأسلوب ...
- وأول نقاط الخلاف وأهمها بين التجريديتين هى أن أسلوب ` صلاح طاهر ` لا ينفى بعض المشابهة مع الواقع المرئى ، ولا ينبذ التجسيم ، بل يتجه به أحياناً إلى أن يكون نحتياً ، وإبداعه يتسق مع التصور الرامى إلى وصف الذاكرة المصرية للفن بأنها ذاكرة الأشكال المجسدة والواصفة للواقع ، والميالة للبناء، وتظهر تجلياتها فى آثار الفن المصرى القديم ، والفن القبطى، ومدرسة الإسكندرية.
- ففى لوحة ` موقعه حربية `
- والتى أنجزها عام 1967 نلمح فيها ما ذكرته من خصائص ، فالعين لا تخطئ التعرف على أشكال السفن المتصادمة ، كما نشاهد فيها استبقاء لأصول المنظر الواقعى تكويناً واحتراماً للفضاء ، ويلمس المتلقى احترامه لأسس التصميم الكلاسيكى فى لوحاته التجريدية وغير التجريدية على السواء ..
- بل إن بعض لوحات تشبه تصميمات يمكن تطبيقها معمارياً كما فى مجموعة : بعنوان :` معبد` . وحتى عندما يصف لحناً موسيقياً فإنه يقدمه مجسماً ، منحوتاً ، واضح المعالم ، كما فى لوحة: ` نغم ثلاثى ` إن اللافت للنظر فى مرحلة ما بعد الانقلاب هو اتجاه اللون إلى التقشف الشديد، فاللوحة يسيطر عليها لون واحد يساعده لون آخر، ليس فقط للترميز أو الاقتصاد الإعلانى ولكن - فى تقديرى - للتركيز على القيمة الخطية .
- الحروف والكلمات
- برر ارتفاع المد الاحتفالى لاستلهام جماليات الحروف العربية بين الفنانين العرب انتقلت إلى عالم الحرف العربى ، قدم ما لم يتناقض به - هذه المرة - مع أسلوب فنى سابق فلا يزال ملتزماً بمنهج الاقتصاد البليغ فى اللمسات .. قد تصل عدد لمسات اللوحة الواحدة إلى خمس لمسات .. وربما أقل ، كما فى لوحة تعبر عن حرف الــ ` ح ` حيث رسم هذا الحرف بلمسة عاتية متقنة وبارعة يشبه قوسها موجة دوامية ، تتسيد كل مسطح اللوحة ..
- ولا ينبذ فى رحلته الجديدة ما تعلق به فى مرحلة ما قبل وما بعد الانقلاب : أعنى التجسيم والاعتراف بالبعد الثالث، وإلباس الحروف إيحاءات بكيانات إنسانية ومعمارية ، اختار لتجربته الحروفية الجديدة كلمة ` هو` يقول عنها إنه قدم نحو 400 تنويعة عليها .
- إن ما يتبدى فى حروفه يتسق مع أبرز الملامح فى تراثنا الفنى : أعنى عدم نبذ المشابهة فى الواقع المرئى، والعناية بالبنائية ، إلى آخر تلك الملامح التى ذكرتها فى سياق الحديث عن إبداعاته.
- إن لوحاته تجعلك تستشف منها - مهما كانت درجة اختلافك معه - عيناً مثقفة ، ويدأ بالغة المهارة ، فى تحريك عجينة اللون ، كما تستشف أيضاً فناناً عاشقاً لموسيقى الخطوط .
- قال لى أحياناً أعود إلى لوحة أستلهمها من عمل موسيقى، فأكتشف أننى نسيت تصوير بعض التفعيلات الموسيقية ، فأضيف نغمة هنا أو هناك ! وأضاف: لو لم أكن رساماً لكنت مؤلفاً موسيقياً بغير شك ، ولكنه القدر! ..
بقلم : محمود بقشيش
مجلة الهلال : أغسطس 1988
صلاح طاهر وعالم إبداعه
- لم تكد مدرسة الفنون الجميلة الأولى تغلق أبوابها عام 1928 بعد أن أدت رسالتها لمدة عشرين عاماً، حتى كانت المدرسة الحكومية تتهيأ للافتتاح بعد أن أعد المثال مختار برامجها ونظمها واختار أساتذتها وذلك بتكليف من وزير` المعارف` حينئذ الأستاذ على الشمسى .
- كان هذا هو عصر تحول المؤسسات التعليمية والثقافية التى قامت قبل الحرب العالمية الأولى إلى مؤسسات تابعة للدولة ..هكذا تحولت الجامعة الأهلية إلى جامعة حكومية ، وها هى مدرسة الفنون الجميلة التى عاشت عقدين من الزمان تتحول إلى مدرسة عليا رسمية تسبقها مدرسة تحضيرية تتحدد فيها امكانيات المتقدمين لدراسة الفن وتفرز مواهبهم ليوضع كل فى مكانه الصحيح.
- كان التفكير فى البدء متجها إلى قصر الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة العليا على حملة ` البكالوريا ` - شهادة إتمام الدراسة الثانوية حينئذ - ولكن مختارا أصر على أن تكون الموهبة قبل كل شىء معيار الاختيار ، وأن تكون المدرسة التحضيرية هى حقل التجربة والأختبار .
- وهكذا بدأت المدرسة التحضيرية تستقبل شباباً راغباً فى دراسة الفن ، غير أن قلة من هؤلاء هى التى اجتازت التجربة الأولى بنجاح .... وبدأت المدرسة العليا تستقبل من ثبتت جدارتهم وتخرج فيها أول دفعة كان فى مقدمتها حسين بيكار وعلى الديب فى التصوير ، وعبد القادر رزق ومصطفى متولى فى النحت وعبد السلام الشريف ومفيد جيد فى الفنون الزخرفية .
- فى أعقاب هذه الدفعة كان صلاح طاهر من أبرز من التحقوا بالمدرسة فى أول الثلاثينات فلحق بزملائه .
- كان من نصيب معظم أفراد هذا الجيل وظائف التدريس بمراحل التعليم العام ذلك لأن الوظائف الفنية فى مؤسسات الدولة ومعاهدها كانت مشغولة بالأجانب وخاصة بالفرنسيين .
- فمنصب مدير إدارة الفنون الجميلة توالى عليه مجموعة من الفنانين والنقاد الفرنسيين بدءا بالأستاذ هو تكير ثم شارل تيراس وأخيرا جورج ريمون أما رئاسة قسم التصوير بمدرسة الفنون الجميلة العليا فتولاها المصور الفرنسى روجيه بريفال على حين تولى رئاسة قسم النحت المثال السويدى كلوزيل .
- وفى عام 1929 عاد جيل الرواد من بعثاتهم إلى إيطاليا وفرنسا فعمل يوسف كامل وأحمد صبرى مساعدين لبرينال فى قسم التصوير واتجه محمد حسن وراغب عياد إلى معاهد الفنون الزخرفية والتطبيقية .وتتلمذ صلاح طاهر على الأستاذين يوسف كامل وأحمد صبرى فاقترب من فن يوسف كامل الانطباعى ، ومن الأكاديمية الرصينة التى تعلى من شأن اللون والتكوين وأساليب الأداء عند أحمد صبرى ، وعمل صلاح طاهر مدرسا بمدرسة العباسية بالأسكندرية ولكنه كان يواصل انتاجه الفنى ويعرضه تباعا فى صالون القاهرة الذى بدأت جمعية محبى الفنون الجميلة اقامته منذ عام 1924 كما انضم إلى جماعة الدعاية الفنية التى أنشأها الفنان حبيب جورجى وكان من بين أفرادها البارزين شفيق رزق وحامد سعيد ورمسيس يونان .
- غير أن مدرس الرسم بمدرسة العباسية الثانوية كانت له مواهب ومميزات أخرى .. قوة جسمانية هائلة وبطولات فى الملاكمة وقوة ذهنية معادلة لها. هذا عصر قراءاته الغزيرة فى الفلسفة والأدب وعلم النفس وكل ألوان الثقافة الجديدة فى تلك الأيام ، وهو عصر انبهاره بنيتشه ، وزمن صداتته الحميمة للعقاد الذى كان له أثره العميق فى تكوينه الثقافى ..يقابل ذلك كله ولع بالموسيقى وتذوق عميق لها.
- هل انعكس هذا الرصيد الثقافى الضخم على فن صلاح طاهر فى تلك الحقبة؟
- أن انتاجه فى ربع قرن يدل على أن آفاقه الثقافية مضت فى اتجاه ما على حين ظل فنه ملتزما التعاليم المدرسية ، أمينا على وصايا أساتذته وهذا ما يبين من لوحاته العديدة سواء فى فن صور الأشخاص أو فى فن المناظر الطبيعية .
- ظل صلاح طاهر مصوراً ممتازا لفن الصورة الشخصية ( البورتريه ) وفنانا رصينا لمناظر الريف التى عالجها بأسلوب يجمع بين الأكاديمية فى البناء والتشكيل ، وبين لمحة انطباعية فى طريقة التعبير عن اللون والنور.
- وبين عام 1945 وعام 1954 انتدب صلاح طاهر للاشراف على مرسم الأقصر فأتيح له التعرف على روائع التصوير المصرى القديم فى وادى الملوك ومقابر الأشراف ، ولكن تجاربه ظلت مختزنة ومضى انتاجه الفنى على النسق نفسه ، وأسندت إليه إدارة متحف الفن الحديث فى القاهرة فجعل منه فى فترة اشرافه مركزا من الثقافة واستكمل خبراته بسياجات فنية فى فرنسا وإيطاليا وأمريكا حيث عرض أعماله فى واشنطون وسان فرانسيسكو ونيويورك .
- ويبدو أن رصيد رحلة الأقصر الطويلة اختلط بسياحاته الأوربية والأمريكية وأحدث عنده هزة دفعته إلى أن يفك قيوده ويتمرد على تعاليم المدرسة.
- وشهد عام 1956 بدايات التحول فى لوحاته التجريدية التى جاءت نقيضا لأعمال ربع قرن من انتاجه .
- ورغم أن هذا التحول يبدو غريبا بالقياس إلى مرحلته السابقة فإنه يلقى مبرراته فى رصيده الثقافى واحاطته بمذاهب الفن التشكيلى واتجاهاته الحديثة ولعل الغريب هو التزامه على مدى طويل بالأساليب التقليدية واستمراره بمنأى عن التجمعات الفنية الجريئة التى ظهرت فى الأربعينيات فلم ينجذب إلى جماعة الفن والحرية والنزعة السريالية التى تمثلت فى أعمال كامل التلمسانى ورمسيس يونان وفؤاد كامل ، ولم يقترب من جماعة الفن المعاصر فى رؤيتها للبيئة من منظور نفسى وتعبيرى جديد ، ولم يمض مع الفنانين الشرقيين الجدد فى استمدادهم من مصادر تراثية امتزجت بالاتجاهات الحديثة المتمردة على الأكاديمية ، ولم يعتنق التجريد رؤية وأسلوبا كما فعل رمسيس يونان وفؤاد كامل بعد المرحلة السريالية ، وكما خاض التجربة مصطفى الأرناؤطى وأبو خليل لطفى.
- غير أن تحول صلاح طاهر لم يأت على سبيل التدرج وإنما حدث طفرة فاذا هو مسرف فى التجريد رافض للفن التشخيصى لا يقربه إلا عندما يمارس قدراته فى صور الأشخاص.
- كان طريق التجريد مفاجأة لكل من عرف أسلوب طاهر حتى منتصف الخمسينات ولكنه عاد بعد قليل فاسترجع رصيده القديم وعقد مصالحة بين التشخيص والتجريد فى مجموعة من لوحاتة نال على احداها جائزة الدولة التشجيعية فى فن التصوير عام 1959/1960 وهو العام الذى نال فيه محمود سعيد جائزة الدولة التقديرية فى الفنون.
- وقد استطاع صلاح طاهر بملكاته اللونية وادراكه للهندسة الداخلية للعمل الفنى وإحساسه الرهيف بسر الايقاع الموسيقى أن يبدع أعمالا من وحى رؤيته الخاصة للبيئة وفهمه الواعى للغة الفن الحديث.
- وعن هذه الأعمال نال عام 1960 جائزة جوجنهايم للتصوير ، كما نال عام 1961 جائزة بينالى الاسكندرية الرابع لدول البحر المتوسط عن لوحتيه ` حجاج ` و ` أفريقيا ` .
- ولكن حنين التجريد عاوده فرجع مرة أخرى إلى إبداع تصاوير جمعت رهافة الحس الزخرفى والتنغيم اللونى الذى تميز بالجدة والتناسق وأن كان فى بعضها جنوح شديد إلى الزخرفة. ويعد مغامرات فى عالم الألوان شهدنا مرحلة تميز فيها الفنان بالزهد اللونى ومال إلى التعبير باللون الأسود وحدة وهو لون يعتبره الكثيرون سلبيا وأن استطاع هارتدنج وسولاج ونيقولا دى ستايل من فنانى العصر الحديث أن يثبتوا فى متنوعاتهم اللونية السوداء بتدرجاتها المختلفة قدرة هذا اللون على التعبير والتنغيم.
- فى تنويعات اللون الواحد قدم صلاح طاهر مجموعة من اللوحات مستمدة من ثلاثة مصادر:
- العالم البستانى الذى عالجه قديما بواقعية وغمره بألوانه الوهجه .
- الأحياء القديمة بسحرها الآخاذ .
- عالم العصر الصناعى بآلاته وتركيبه المعقد.
- ولكن هل يقنع الفنان المتعدد الألوان يعزفها فى اقتدار باللون الأسود ولو تنوعت درجاته ؟
- ان الحنين إلى عالم الألوان يشده من جديد وقدرته على الأداء وامتلاك أسرار الأشكال تسوقه إلى مغامرة تجريدية جديدة تتميز بالشحنة الانفعالية والحيوية والتوتر فتبدو اللوحة فى حركة دائرية حيه أو فى موجات صاعدة متدفقة وكأن الفنان يستخدم رؤيته التشكيلية وملكه السمع الموسيقية عنده ليضيف إلى استاتيكية اللوحة ديناميكية الموسيقى .
- من هذه المرحلة قدم صلاح طاهر نماذج فذة من أعماله بعضها مستوحى من العوالم الكونية وخاصة عالم الفضاء وعالم البحار وبعضها مستوحى من مناخ العصر الصناعى وعوالم البناء والانشاء ولكن عوالمه تقدم إيحاءات من الطبيعة ولا تصورها كما هى بل هو يحور مشاهدها وتخلق عالما آخر معادلا لها .. عالما من الايقاعات التشكيلية تشير إلى البحار ولو لم تر بحرا ، ونلمح فيها سحر العوالم البستانية ولو لم تر معالم البستان فى الطبيعة ، وتزخر بالبراكين أحيانا وبالصخور أحيانا أخرى..
- وكان كل المشاهد الطبيعية تمر عنده خلال جهاز تقطير دقيق فتخرج خالصة مصفاة أو كأنه صانع عطور ماهر يعتصر من الورود والأزهار أريجها العبق ويعيد مزجه وتكوينه فاذا بنا ازاء معادل تشكيلى فيه عبير الأشياء ولكنه قد انفصل عنها واستقل بعالمه الخاص.
- ولقد استطاع صلاح طاهر بادراكه العميق للتكوين الأوركسترالى أن يخضع اللوحة لمنطق الخلق الموسيقى - فوحدة العمل الفنى لديه أشبه بالبناء السيمفونى ، والايقاع الترديدى الذى يتبدى فى الموسيقى يلوح فى الجملة التشكيلية تتكرر بأنغام لونية متنوعة وتراكيب مختلفة حتى تتحقق ذروة المتعة فى مجموع العمل الفنى .
- وتكوينات صلاح طاهر بعيدة عن المنطق التكعيبى الصارم وان ملكت الحس الهندسى الذى يخضعها بمنطق الوحدة التشكيلية دون أن يحد من تدفقها الفياض على سطح اللوحة كما تنساب الألحان فى العمل السيمفونى .
- فى السنوات الأخيرة فاز صلاح طاهر بجائزة الدولة التقديرية فى الفنون اعترافا بأثره وفضله ومكانته ، غير أن عملية الإبداع لم تتوقف عند القمة التى بلغها بل لعله بعد هذه الرحلة الطويلة يستعيد رصيد خبراته وتجاربه ويراجع أساليبه واتجاهاته فنرى أعماله الأخيرة وفيها ذروة الاتجاة التجريدى الذى بدأه منذ أكثر من ربع قرن .كما أن فيها عالما تشخيصيا تلوح فيه التجمعات الانسانية وتتبدى هيئة الإنسان فى تكوينات نحتية رائعة وفى عودته إلى الطبيعة نراه يستعيد ذكرياته المختزنة ولكنه ينأى عن السرد الواقعى إلى التعبير عن مكان مجازى ابتدعته رؤية الفنان فليست الصحراء هى صحراء بعينها ، وليس الريف قربه بذاتها ، ولكننا هنا ازاء نسيج تصويرى ، فيه استخلاص لروح المكان واكتشاف لهندسة الأشكال ، وإعادة بنائها لتظل اللوحة عالما بذاته هو العالم الابداعى للفنان.
بقلم : بدر الدين أبو غازى
مجلة إبداع :العدد ( 8 ) ا -8-1983
صلاح طاهر بداية من الأكاديمية الكلاسيكية وصولا للتجريد الكلاسيكى
- يعتبر طاهر من أكثر وأغرز الفنانين المصريين إنتاجًا فنيًا وأكثرهم شهرة في الأوساط الفنية والثقافية نظرا لصداقته المباشرة بالعقاد وتوفيق الحكيم والسيدة أم كلثوم.
- تتسم التجريدية بالأسلوب الذهنى الخالص والثراء الفكرى وهي ليست بالتجريدية الخالصة فهو يرسم اشكاله باسلوب ينبع من ذهن الفنان.
- البصيرة تنطلق إلى آفاق أخري بالغة السمو مذهلة لا تخطر على بال ترتفع بالإنسان إلى مستوى حضاري لا حدود له.
- ولد الفنان صلاح الدين طاهر بالقاهرة عام 1911، ورحل عن عالمنا عام 2007 ليترك وراءه مسيرة فنية عريقة طيلة حوالى قرن من الزمان مليء بالإبداع والتألق حيث أفرز أعمالا تصل لجميع أطياف المجتمع المصرى بكافة مستوياته ناتجة عن خبراته المختلفة على كافة الأصعدة حيث بدأ حياته المهنية بالتدريس بمدارس المنيا والإسكندرية، كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، مدير متحف الفن الحديث، مدير المتاحف الفنية، مدير مكتب وزير الثقافة والإرشاد القومى، مدير عام دار الأوبرا المصرية، مستشار فنى بالأهرام ، رئيس جمعية محبي الفنون لنلحظ أن الفنان إمتهن وظائف وقطاعات عدة واكتسب خبرات عديدة أفرزت تجربة ثرية أنتجت فن ذات طبيعة خاصة للغاية ذات فكر وفلسفه بالغة الخصوصية نابعة من تجربة حياتية رخيمة حيث تتلمذ طاهر على يد الفنان احمد صبرى كما استضافته هيئة اليونسكو لتبادل وجهات النظر الفنية ومن أهم مقولاته التى تنم عن وجهات نظرة فى التجربة الفنية الخاصة التى عايشها والمؤثرات الفكرية التى تأثر بها وأثرت تجربته الفنية حيث يقول (نحن ندرك الأشياء التى نعايشها عن طريق الحواس والبصر وهى أكثر الحواس التى نتعامل معها طوال يقظتنا وعملية الإدراك هذه تختلف وتتفاوت فى مستوياتها بين جميع الناس كل حسب تكوينه الثقافى وأفاقه الإنسانية كل ذلك من الأمور البديهية المفروغ منها ولاشك أن البصر عنصر هام جدا فى حياتنا اليومية وأساس رئيسى كخطوة أولى للمعرفة ولكن البصيرة هى التى تصنع السمو اللانهائى للبشرية فهى أبعد وأعمق وأوسع وأشمل وأبدع وأعجب من البصر وحين لا يستطيع الإدراك البصرى المباشر أن يتخطى حدود الواقع المحدود فإن البصيرة تنطلق إلى آفاق أخرى بالغة السمو مذهله لا تخطر على بال ترتفع بالإنسان إلى مستوى حضارى لا حدود له.. البصيرة هى عماد الروحانيات والحب والإبداع فى الفن( من هذه العبارات نخلص أن طاهر تجربة مصرية خالصة ذات عمق وأهمية بالغة وفريدة فى تاريخ الحركة التشكيلية المصرية، كما حصل الفنان على جائزة الدولة التقديرية ووسام الاستحقاق وكذلك جائزة جوجنهايم العالمية نتيجة المردود الفنى لطاهر ومراحلة الفنية المختلفة بداية من خطواته الداعمة للفن المحلى وصولا للفن العالمى فيما يتعلق بالتفكير فى الفن وممارسة الفن كإبداع إنسانى حيث يتسم طاهر بقدرات بالغة الخصوصية من حيث اعتماده على مبادئ صوفية روحية شديدة الخصوصية بأسلوبه وطابعه الخاص مما جعلته يتحكم ويسيطر أيضا فى الضوء ليحقق وببراعة إيقاعات متنوعه ومتباينة فوق مسطح لوحاته موظفا ومستخدما وبإحكام خبراته الشخصية وممارساته الفنية إلى جانب الخط واللون والمساحة كمنظومة ضوئية متكاملة يعتبر طاهر من أكثر وأغزر الفنانين المصرين إنتاجا فنيا وأكثرهم شهرة فى الأوساط الفنية والثقافية نظرا لصداقته المباشرة بالعقاد وتوفيق الحكيم والسيدة أم كلثوم وغيرهم من رموز مصر الثقافية والفنية مما حقق تكاملية المنظومة الفنية والفكرية والثقافية وخلق عالم شديد وبالغ الخصوصية فى حياة طاهر حيث بدأ الفنان أكاديميا كلاسيكيا ووصل إلى أعلى مستويات ومراتب الفن التجريدى من خلال تجاربه وأعماله شديدة الخصوصية حيث مر طاهر تفصيلا خلال مسيرته الفنية بسلسة مراحل وتطورات مختلفة متعددة ومتنوعه منها الأسلوب التقليدى الطبيعى والتجريد مع الإحساس بالشكل، اللاتشخيصية والتعبير الكامل، التجريد بالألوان، الواقعية الأكاديمية، الاكاديمية الكلاسيكية، التعبيرية الشخصية، التجريد الكلاسيكي وكلها تجارب استفاد منها الفنان بشكل مباشر فى تكوين وبناء أعماله خلال حقبة زمنية كبيرة وثرية مليئة بالفن والثقافة كما أن الفنان تميز أيضا بالنظام وترتيب وقته وعمله الفنى فلم يأتى التحول فى فن صلاح طاهر تدريجيا وإنما فجائيا دفعته إلى ذلك الحرية المطلقة فى المذهب التجريدى والمتعة الحقيقية التى يحسها وهو يعبر فى سهولة عن ذاتيته حيث تعتبر تجريدية طاهر ليست بالتجريدية الخالصة فالأشكال التى يرسمها ليست وليدة خيال بشكل خالص ذهنيا وليست منقطعة الصلة تماما بالأشكال الواقعية لكنها مزيج بين هذا وذاك ومع غزارة إنتاجه تعددت استخداماته للخامات اللونية فلم يقتصر علي نوع واحد، بل تعامل مع الألوان الزيتية والجواش والأكريلك والألوان المائية والشمعية والباستيل وكان ينفرد باستخدامه قطعة من الإسفنج والقطن ليرسم بها فوق اللون تاركة تلك الآثار المرتجلة بفعل القطنة أو الإسفنجة إلى جانب اختيار الآلية المناسبة لصلابة السطح ومرونته وهذا ما كان يميز أعماله خاصة التجريدية وصل طاهر إلى أعلى مستويات ومراتب الفن التجريدى من خلال تجاربه وأعماله كما رسم أيضا البورترية لمشاهير المجتمع والمناظر الطبيعية وموضوعات تجسد البيئة المحيطة به وهذه هى المرحلة السابقة للتجريدية المطلقة ريثما أتسم لوحات ومراحل طاهر الفنية بتناقضات فى أسلوبه حيث تصيب المتلقى بالدهشة المطلقة ليتوقف المتلقى أمام لوحاته من التامل وأعمال العقل والمتابعة بشغف وهى أحداث وتوترات تصيب المتلقى لأعمال طاهر حيث أنه التزم بشدة فى إحدى مراحله الفنية بالأصول التقليدية والقوالب المحفوظة التى رسم من خلالها البورتريه والصور الشخصية ثم اتجه إلى الصوفية الروحية التجريدية ولكنه تعامل معها بشكل بالغ الخصوصية يتسم به أسلوب طاهر الخاص للغاية تجبر لوحات طاهر المتلقى بأن يستشف بواسطها مواقف إنسانية وحياتية مختلفة بداية من تمكنه الغير مسبوق فى استخدام الألوان والعجائن وصولا للخطوط وهيكلة صياغات وموتيفات اللوحة وصولا للمؤثرات الخارجية لتجد نفسك أمام حالة فنية بالغة الخصوصية والتفرد مصحوبة بالفلسفة والفكر الإبداعى الذاتى كما تتسم تجريدية طاهر بالأسلوب الذهنى الخالص والثراء الفكرى وهى ليست بالتجريدية الخالصة فهو يرسم أشكاله بأسلوب ينبع من ذهن الفنان وانطباعاته الذاتية عن الأشياء المتعلقة بموتيفات مستوحاه من الطبيعة المحيطة وكيف يراها ويتأثر بها وفق قناعاته وفلسفته الشخصية حيث يستخدم الأشكال الواقعية ثم يبدأ فى تكرارها على مسطح لوحاته وفق منظومه إبداعية خاصة به مراعيا الجوانب البنائية جنبا إلى جنب مع الأسس الجمالية التشيكلية.
د . أمجد عبد السلام عيد
جريدة القاهرة 24 اغسطس 2021
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث