`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
زينب مصطفى عبد العزيز
دفاع عن التشخيص وسحر الطبيعة المتجدد
- فنانو المناظر يمكن ان يجمعهم مسار عام واحد يوصفون من خلالة بانهم تشخصيون بانهم يستلهمون الطبيعة لكن الابداع الذاتى والخاص والمتميز لكل من اصحاب هذا المسار يكون له مذاق المنفرد وعطاوه المختلف تماما عن غير من المشاهد الطبيعية الذين يشركون معه فى الاتجاه .
- ياتى الاختلاف اولا من تميز خصائص كل شخصية واستحالة تطابقها مع غيرها فى الرؤية و التناول والفكر والثقافة والمشاعر والاحاسيس والطموح والاحلام والخبرة ايضا ...
- فلو التقى عدد من الفنانين حول مشهد فى الطبيعة بهرهم واحسوا بانه ضالتهم للاستلهام والابداع والتعبير لن يتماثلوا او حتى يتشابهوا فى المحصلة الفنية بالرغم من ان المشهد واحد والمصدر واحد .
- يستوى فى هذا الاكاديميون والواقعيون و التعبيريون و الانطباعيون التأثيريون الذين يتجهون الى الطبيعة من خلال تيارات ورؤى متعددة وعبر أزمنة متتابعة ...
- فى ضوء هذا تتامل احدث لوحات الفنانة زينب عبد العزيز التى تدخل فى تلك الاتجاة المرتبط بالطبيعة ترى الفنانة شغوفة بالمشهد الساحر المعبر و المشحون بالدلالات كما فى ساحة سيناء الشاسعة وتضاريسها الطبيعية التى توحى بالكثير للفنان المثقف سواء بمشاهدها المبهر او اتساعدتها وارتفاعاتها التى تطاول السحاب .... ان الفنانة تقف هنا مبهور ماخوذة تتلمس الوانها وفرشاتها وتترك ذاتها للاندماج بكل كيانها فى موجة من المشاعر الروحية ممتزجة بحس جمالى جياش .....
- وبقدر ذلك الاندماج وجيشان الاعماق تتالق اللوحة ويتبلور الصدى على سطح وملامس العمل الفنى ..لهذا تتفاوت حيوية الاعمال عندها بمقدار موجة التفاعل و الانفعال ...
- سترى ترجمة هذا فى حيوية الالوان وتوتر المسة وتماوج الدرجات شبة اللاواعى والذى يقترب باعمال الفنانة - فى اللوحات الاكثر تالفا - من اطار الانطباعية ...
- فى لوحة بانوراما سيناء .... نجد الدرجات القائمة الحادة الحادة تتحرك من كل اطراف اللوحة المستطيلة متجهة الى داخلها ثم الى قمتها تاركة وراءها حدة الموجة .... وهنا تهدا الالوان تماما ومع ذلك تشع بالضوء فى بؤرة ويبدو للمتلقى وكان الفنانة قد استحضرت فى مخيلتها معبدا تاريخيا اقيم منذ الاف السنين فطار شفافا وسط السحاب ليستقر فى هذا المكان .
- المجال لايتسع لتقديم كل الاعمال ومقارنتها وتامل مدى عطائها وفوران الشحنة فى لوحة او فتورها فى لوحة اخرى ..
- تتالق اعمال الفنانة فى المشهد الثابت وامام الطبيعة ... تشعر معها بانها تسيطر على مادتها وعلى مساحة اللوحة معا ...
- للفنانة زينب عبد العزيز مجموعتها اللونية الخاصة و المتميزة .. كما انها لاتكرر نفسها بل تتجدد وتضيف وتتجه الى حيوية العمل الفنى .. تلك الحيوية التى تصل بالعمل الى وجدان المتلقى وتترك اثرها على انطباعاتة ....
- هذا الاتجاه يحتاج الى تفان من أصحابه .. وهذه الفنانة هى إحدى علاماته المتحمسة بالفعل ...
- والحق أن حيوية العمل هى خير دفاع عن التيار الذى يمثله وسط بحر متلاطم من التيارات و الموجات العنيفة فى عالمنا .... هنا وفى العالم باسرة .
كمال الجويلى

عنفوان الزهور وخمول الأشجار
فى معرض زينب عبد العزيز النور والطبيعة
احترم للغاية رؤية الفنانة زينب عبد العزيز لمفردات لوحاتها من زهور كعباد الشمس وعصفور الجنة واللافندر واعتقد أن رؤيتها ليست مباشرة أو عابرة فى تعاملها مع عناصر الطبيعة كما يبدو إلى درجة ما من كثير من الكتابات المباشرة عن أعمالها ولم تنل حق قدرها من رؤيتها العميقة لمعطيات الطبيعة حتى أنها بعنوان معرضها الأخير ` النور والطبيعة` المقام حاليا بالمركز الدولى للتعاون الثقافى الدولى بالزمالك ، أجدها وقد جعلته عنوانا اعتياديا ليس فيه خصوصية بحثها الفنى فى شئ كثير ولا يعادل دلالة ما قدمت من طاقة ولون وضربات فرشاة وخطوط قوية ... فبينما تندفع بقوة وكأنها فوجئت بظهور النور فاندفعت تؤكد وجودها الحى تشق به سطح اللوحة مشرئبة تشوقا لتلقى الضوء وممارسة حقها فى الحياة على قصر فترته الزمنية فى مقابل هذا الاندفاع لممارسة الحياة نجد فى الغالب أشجارها وهى جزء من الطبيعة فى حالة انكماش كأنها أثرت الانزواء فى مشاهد تخلو من البشر كأنها مقطع ملقى فى الفراغ تحصر بينها ممرات بين سيقان وأوراق الأشجار كخمائل رتيبة تقضى ما تبقى لها من حياة .
لكن ماذا ترى فى زهور زينب عبد العزيز ؟
قد يرسم فنان زهرة مشيرا بها فى رومانسية إلى المرأة برقة وجمال وكثيرون رسموا الزهور فالهولندى فان جوخ رسم عباد الشمس لتحدى موهبته والفرنسى مانيه رسم زهور الماء لإدراك تأثير الضوء على نفس العنصر فى أوقات الضوء المختلفة وآخرون رسموا زنابق الماء وأميزهم الفنانة الأميريكية جورجيا أوكييف فى رسوماتها عن زهر الأوركيدا التى قدمته فى صورة رمزية وحداثية بشكل مقرب ومفصل لجسد المرأة أما الفنانة زينب لم تتبع منهجا معينا غير أنها فى البداية جربت نقل الطبيعة ثم وضح تأملاتها لها بعد ذلك فى سلسلة من اللوحات تلخص بها عنفوان الطبيعة مجسدا فى الزهرة لتعبر عن الطاقة الداخلية العنيدة فى أوراق وبتلات رقيقة تهفو لممارسة الحياة خاصة فى نبتتها ` عصفور الجنة ` ولتعبر زينب عبدالعزيز بفكرها الذى أخلصت له والبحث على طريقتها فى اختيارها لذلك العنصر الحى فى زهرة تلخص فيها رؤيتها للوجود وخفايا أو ما وراء ذلك الانبثاق للزهرة التى تفاجئنا بطاقة كامنة من الظلال واللون يبدآن معا فوق مسطح اللوحة .
واعتقد أن الفنانة زينب عبد العزيز تجتهد بمثابرة لتقدم ما يعادل الحياة باللون كما تراها لتفاجئنا زهورها بتلك الطاقة النافرة بعنف لتلقى الحياة وأن نظام وحقيقة الحياة تلخصهما فى تلك الزهرة الصغيرة وما تحمله من رغبة وحق وجود رغم عمرها الزمنى القصير جدا بينما حين رسمت الأشجار وهى بأعمارها الطويلة وبعضها المعمر رأيناها أشجارا عجوزا خاملة ساكنة وليست كالأزهار مرسلة نفسها بطاقة الحياة لذلك لا أرى زينب ترسم الطبيعة ولا النور وإنما ترسم طاقة الحياة حتى ولو أتت من داخل زمن قصير محدود أما زهر `عباد الشمس ` فى لوحاتها الباحث عن النور وتعشق الفنانة رسمه فى كل أوضاعه وفى حركة الزهرة بالكامل وهى تميل بكل أوراقها وساقها تجاه الشمس تستمد طاقة نورها وتحولها طاقة اندفاع ورغبة حياة وقد أجادت الفنانة فى دفع فرشاتها المحملة باللون السميك فى قوة وتأثير لملامس سطح قوى لتلك الزهرة الدوارة الباحثة دوما على مدى حياتها القصيرة عن النور فهى تدور مع الشمس أينما دارت وأوراقها الكبيرة تتمثل على هيئة إشاعية تشبه أشعة الشمس .
فاطمة على
جريدة القاهرة 4- 11- 2014
خمسون عاما من العطاء
- صُدفة تلك أم منحة من الله عزّ و جلّ هى التى دفعت دكتورة زينب عبد العزيز أستاذة الأدب الفرنسى و تاريخ الفنون بالجامعات المصرية إلى تكريس حياتها و جهودها على مدى عمرها لخدمة قضية شائكة بالغة التعقيد تدرأ بها عن عقيدة الإسلام ما يلّفقه له خصومه فى الخارج، فأصدرت ما يربو على عشرين كتابا علميا باللغة العربية و الفرنسية ، و ذرعت محافل المعرفة شرقا و غربا تذود عن العقيدة بحماس عرّضها لهجوم مكثّف ، ثم كرّست سنوات عديدة لتترجم معانى القرآن الكريم لتنقية الترجمات الفرنسية التى صدرت على مرّ الزمان من الشوائب، في أسلوب رصين أخّاذ ضمّنت هوامشه المآخذ التى انحرف فيها كبار المستشرقين عن جلدة الصواب، إما بقصدٍ أو بسوء نية أو عجزٍ عن إدراك معانيه الدفينة.
- وحسبُ كل عالم أن يكون مثل هذا العطاء من نصيبه، ولكن هذه السيدة لم تقنع بهذا المجد التليد وحده، فإذا هى تضيف إلى جهودها العلمية وجهادها الشاق عشق الفن التصويرى حتى غدت من نجومه اللامعات المبدعات، تنأى بنفسها عن لعبة التجريد.
- لم يعد فن ` البورتريه` أمام ما حققه الفنان البندقى الشهير ` كاناليتو` امتيازا للإنسان وحده ، يستعرض من خلاله ملامحه الشخصية و مظهره الاجتماعى بعد أن جعل مناظره الطبيعية ` بورتريهات` بالغة الإتقان و الروعة تغنّى من خلالها بمفاتن عشيقته ` البندقية` ( فينيسيا ) التى استحوذت على روحه و كيانه، فانبرى يُسجّل باللون روائع جمال مدينته المحبوبة مخلّدا على الدهر قنواتها وجندولها وسفنها وقناطرها وقصورها الباروكية الشامخة وأحافل سكانها الصاخبة، وإذا هو يبتكر `بورتريه المكان` بديلا عن `البورتريه الشخصي` التقليدي. وها هي ذي الفنانة المبدعة زينب عبدالعزيز تدلى بدلوها الفنى فى مجال البورتريه المكانى كمصوّرة نسيج وحدها فى حلبة المناظر الطبيعية بأنحاء مصر والنوبة وأسوان وشرم الشيخ وسيناء والمملكة السعودية، بل و فى أحراش أوغندا و مساقط مياهها، و إن كان لها العديد من اللوحات التى تتناول المجموعات البشرية من السكان العاملين فى مشروع إنقاذ آثار النوبة وأهالي المنطقة وتسجيل أسلوب حياتهم واهتماماتهم البيئية بل و بورتريهاتهم الشخصية التى انتقتها بعناية ملحوظة، فسيطرت عَبْر مشوارها الفنى الممتد على أدوات التعبير وعلى الجوانب التقنية لِتنفُذَ الى ما وراء السطح والشكل فتُعايش أعماق النفس البشرية و تستخلص جوهر كنهها، و تعبّر عن روح المكان وعن الإشراق المنبعث من باطنها. ومن هنا لعب الضوء بصفة عامة في إنتاجها دوراً أساسياً، وبات يفوح من لوحاتها عطرٌ يستقر في وجدان المشاهد.
- و كانت سباّقة الى اختيار العديد من المناطق المصرية النائية، فكانت كما أسلفت أول من تناول النوبة وأسوان بالتسجيل المصوّر قبيل مشروع ترحيل أهاليها وبعده، ثم شبه جزيرة سيناء بأنحائها المتباينة التضاريس ونجوعها التى ما تزال على الفطرة، وساحل شرم الشيخ الساحر، ووحات الجزيرة العربية وشواطئها، فتعايشت مع ذلك كله بحسّها ووجدانها و فرشاتها، معبّرة عمّا يجول بخاطرها وما يساورها من إنفعالات دون أن تُقحم ذاتها فيما تُصوّر لأنها دُرّبت على أن تتوارى باستحياء و تواضع وراء أعمالها، تاركة لوحاتها تُحدّث عن نفسها ببلاغة ما تلبث أن تنفذ سريعا الى القلوب.
- وهى تترك نفسها للدلالات الجوهرية توحى إليها بما تنطوى عليه دون أن تُعنّى نفسها بالتنقيب وراءها ، فحسبها التقاط هذه الدلالات وتسجيلها بينا هى تحسّ إحساساً عفويا بالبهجة التى أفاضها الله على الكون إحساسا عميقا، فهى ترى الوجود بما يحوى من خَلْقٍ وخُلُق سوياً لا مكان للشر فيه، على حين إذا أرادت تصوير البهجة و الصلة بين الله والكون، وما يربط الوجود بالله من عشق و تسبيح فاضت بذلك مواهبها الفنية الخلاّقة فيضا غزيرا، فأضفت على اللوحة المصوّرة إشراقة عذبة بألوانها الزاهية الجذّابة ، فإذا الوجوه تنفرج عن بِشْرٍ وتألق، و إذا التكوينات الفنية تجمع بين الطهارة و الجمال والإشراق ، و تبعد البُعد كله عن الحذلقة والإسراف، فإذا خطوطها متأوّدة في رهافة أخّاذة، وإذا ألوانها نضرة لكأننا نمرح وسط بستان زاخر بشتى الأزهار. لقد انطلقت بين المروج والغابات والأحراش والصحاري والوديان والطبيعة البِكر تستنشق نسائم الحرية والانطلاق، وكان ذلك خيرا لنا إذ فعلت، فلقد استطاعت بذكائها اللمّاح ودأبها وإصرارها أن تجعل من باقاتها النضرة سمة ذات مذاق خاص .
- والراجح أن فنّانتنا قد تراءت لها فى جولاتها كثرة من رؤى المشاهد الخلوية، فجنحت أحيانا الى تصويرها مع الغسق، وإذا بين أيدينا تسجيل واف لهذا الانطباع الذي يُشيع فى نفس المتأمّل هدأة الغروب وسكينته. كما لم يفُتها أن تضمّن نماذجها تقنية الفاتح والداكن `كيارو سكورو` الضاربة الى الحُمرة تارة وإلى الخُضرة الزاهية المتألقة أروع تجسيد وبراعة بلا ضريب حتى يكاد المُشاهد يبادر بالتصفيق إعجابا ونشوة أمام ما يتجلّى أمامه من علاقة رصينة بين الفراغ والعناصر التي يضمها، ولا غرو فقد جعلها إحساسها الرهيف باللون والتصميم أقدر ما تكون على التعبير عن ذاتها المحلّقة دوما. ولن نصادف إلا قليلا ما هو أشدّ واقعية أو أشدّ دلالة من أعمالها المصوّرة، فمهما طَوَتْها الأحقاب فلن يقع عليها نظر المشاهد إلا ويحسّ ما تستثيره أقوى حواسه اللمسية التي تمتلك ناصيتها والقدرة الفائقة على التعبير عنها. فلقد لقنت منذ تتلمذت وهي في سن الخامسة عشرة على يدي المغفور له زوجها الفنان لطفي الطنبولى أن المحاكاة الأمينة للحواف المحوّطة لا تُعد منظرا طبيعيا بحق، و أن تصوير الطبيعة يختلف كل الإختلاف عن تصوير الشخوص. كما فطنت منذ بداية مشوارها الفنى إلى أن الضوء والغلاف الجوي المحيط يؤديان دورا مختلفا فى تصوير المناظر البريّة عنه في تصوير الشخوص، وأن لهذين العنصرين في المناظر الطبيعية أهمية لا تقل عن أهمية القيم اللمسية.
- وإذا ما تفحّصنا إنتاجها بإمعان نلمس ترابطا موضوعيا بين أسلوبها والفن المصرى القديم، فلوحاتها استمرار وتواصل لنفس المفهوم المنادى بخلود القيمة الجمالية الإنسانية وبساطة التعبير، وهي الدعائم نفسها الذي يرتكز عليه أسلوبها.
- و أخيرا، يسترعى انتباهنا أنه فى نفس الزمن الذى طالع فيه الفنان اليابانى المعاصر `إيكوؤو هيراياما` (1930 ـ 1989) الجماهير باستخدام تقنية `الطيف الظلّى` (سيلويت)، أعنى تصوير شخوصه و أشكاله خالية من التفاصيل ــ وهى التقنية التى أطلق عليها مجمع اللغة العربية اسم ` الرسم الشبحى` الذى يُظهر منظر شخص أو غيره بلون قطعى لا فرق فيه بين ظل ونور ــ أقول تصادف أن تزامن ابتكار زينب عبدالعزيز هذه التقنية بنجاح ملحوظ فى أعمالها المصوّرة نلحظه فى العديد من مشاهدها. لقد اكتشفت أبعاداً جديدة فى أساليب التصوير بعد أن كثّفت هلامية الأطياف وأثيرية الأجسام وحوّلتها الى واقع ملموس.
بقلم : د. ثروت عكاشة
5 -1 -2005
زينب عبد العزيز والوجه المشرق لسيناء
- تحتل الدكتورة زينب عب العزيز بين صفوف فنانينا المعاصرين مقاما مرموقا كمصورة `مناظر طبيعية`، وهى تؤكد ذلك فى لوحاتها عن `سيناء` بل إنها فى هذه اللوحات تخطو خطوة أكبر من حيث السيطرة على أدوات التعبير، والتغلغل إلى ما وراء السطوح والأشكال، لمعايشة الأعماق والجوهر.
- أربعون لوحة بالألوان الزيتية، شاهدتها لزينب عبد العزيز حصيلة ثلاث رحلات قصار إلى `سيناء`. ولئن كانت الرحلات إلى هناك كثيرة ، إلا أن المهم بالنسبة للفنان المبدع هو التقاط روح المكان. وهذا ما حققته زينب عبد العزيز فى أعمال هذا المعرض، وسوف تشعر من مطالعة اللوحات أنك ترجو لنفسك أن تذهب إلى سيناء، وتنغرس جذورك فى رمالها، وتنمو نخلة من نخيل `وادى فيران`، ومويجة على شاطئ `حمام فرعون`، أو صخرة شامخة فى بدن جبل صامد صلب، أو إذا منّ الله عليك بنعمته تضحى شعاعا من الضياء المشرق عند أعلى قمم `جبل موسى`.
- وماذا رسمت زينب عبد العزيز؟ رملا، وصخرا، وبحرا، وجبالا ونخيلا، وقليلة من البشر، وضياء وعلى الأخص ضياء! إن سيناء فى عينى الفنانة هى أرض النور، ففى البدء كانت والكلمة، والكلمة كانت نورا، والنور انبثق من هنا، من أعماق سيناء. من عندنا تحرك ركب الحضارات وآن لها أن تعود.
- ليست هذه اللوحات دعوة فحسب إلى زيارة سيناء، بل إلى الإحساس بها فى داخلنا. وسوف نهتف أمام بعض الأماكن من خلال لوحات زينب عبد العزيز `هذا هو المكان الذى به سرت روحى`.
- تشرق الشمس، فتكسو الرمال المنبسطة بالذهب، وتطل من وراء الجبال المترامية تتلمس القمم بلمسات من التبر المذاب، وتمضى صاعدة إلى عرشها السماوى فتسطع الدنيا كلها بضياء، فى بعض الأحيان حارقة، تسود لها جذوع النخيل وقامات البشر، وفى بعض الأحيان تشعر كأن الشمس قد بعثت أشعتها من عليائها، تلهو على الرمال الساجية على الشطئان الزرقاء، سواء فى العريش أو فى شرم الشيخ (ذهب، نوبيع، قرية الصيادين).
- تشعر زينب عبد العزيز فى سيناء بأنها `مملكة النور` ولئن كان الضوء يأتى عادة إلى الأشياء من خارجها، إلا أنه فى سيناء نابع من الداخل من الأعماق، إنه الجانب الروحانى فى الطبيعة وفينا، ومن خلاله نتحاور مع الوجود وحتى الليل في سيناء، رغم هبته، مضئ.. فالقمر هناك واضح منير، والنجوم فى عليائها أيضا لامعات لأن الجو صاف خلا من كل تلوث وعوادم `وفى ضوء القمر تتشكل الموجودات` وتشعر بأنك تحيا فى أحضان `طبيعة إنسية` فتتحول الصخور على الأخص إلى `هيئات آدمية` تحرك فى النفس المرهفة شتى الخيالات.
- ويصل فن زينب عبد العزيز إلى أوجه فى لوحتها الكبيرة `الشروق على قمم جبل موسى`، أربع ساعات من الصعود عبر دروب وعرة، فى عتمة الغسق المندحرة، كى تدرك لحظة الشروق، وهى لحظة نسيت فى وجداناتنا المتحجرة نحن الذين طمست عمائر المدينة بصائرنا، وخنق الأسفلت بكورتنا، تحت ركامات آن الأوان أن ننفضها عن كواهلنا. بعد أن عادت سيناء إلينا. وهناك حيث صعدت بنا الفنانة فى رحلة حجيج إلى `منابع النور` نسمع هسيس الريح يهمس إلينا بشتى الترانيم والأهازيج، معبقة بأريج الخلاء. ويبدو جمال الطبيعة الضارى متسر بلا بغلالات الليل السوداء البنفسجية الزرقاء، وتلامس القمم الشوامخ هامات السحب وتتحاور معها حول `لغز الأبدية` وإذا كانت تساءلت يوما `أين تذهب الروح؟` فالمنظر بجلاله وسكينته يعطيك إجابة تطرح عن كاهلك الهموم، وتشعر أنك ولدت من جديد.. فقد انحسر عنك جرمك الطينى، وأضحيت بدورك أثيرا تسبح لخالق السموات والأرض. ومن أعماق هذا المنظر الذى يبدو كما لو كان لا ينتمى إلى أرض البشر، تبزغ شمس الصباح، تنفث ضياءها حانية فى أرجاء السحب، ولا تلبث أن تكسو سفوح الجبال بلمسات الذهب.
- وربما كانت أقرب لوحات زينب عبد العزيز السابقة إلى لوحاتها عن سيناء هى لوحات مرحلة التفرغ سنتى 71و1972 لرسم النوبة وأسوان. ولولا الخلفية الواسعة التى عاشتها الفنانة آنذاك لما استطاعت أن تصل إلى التعبير عن سيناء بهذا النضج. على أنه بمقارنة لوحات كل من المرحلتين بلوحات المرحلة الأخرى، يبين أن معايشة الناس فى النوبة كانت متاحة على نحو أكبر منها فى سيناء، التى بحسب أصلها التاريخى مكان للتعبد والعزلة ولهذا كان الإحساس بالخلوة وبضراوة الطبيعة أكبر فى لوحات سيناء منه فى لوحات النوبة. إنك تحس فى سيناء بأنك وربك على صلة وطيدة، وأنكما على وفاق. وأول ما يمكنك أن تنطق به أمام طبيعة سيناء - على حد قول زينب عبد العزيز هو ` ما أبدعك يا ربى! وما أبدع صنائعك!. ` إنك فنان عظيم`.
- وعندما يطول التأمل، فى السكون الممتد، وتتطهر الأذن فى الصمت المكين من الثرثرات الجوفاء ولرد القول، يبدأ الفنان فى اكتشاف صحراء أخرى، وبخاصة عندما يخفت الضوء فى الغسق، أو عندما يطلع القمر يمشى الهو بنا فى السماء وحيدا، يسكب على الجبال والوديان والسهول فضته الحانية. يغتسل الكون ويزيح النقاب أن محياه ( ) وفى ألفته بالفنان يبين عن رومانسيته كثيرا ما تنعكس على لوحات زينب عبد العزيز، وتتشكل الصخور والسحب بأعلى القمم، والظلال على طنافس الرمال بشتى الرؤى، وتهمس الألوان والأضواء بما هو أبعد من واقعها، وتشيع فى أرجاء اللوحات أنغام من موسيقى، تصطخب ضراوة فى بعض الأحيان، وتذوب رقة ووداعة فى أغلب الأحيان، وفى أحيان أخرى تعزف الفرشاة وبلا افتعال أنغاما من قبل ما جاشت به وجدانات أساطين الموسيقى على مدى الأزمان، ولكن لا عجب إذ أن النبع الصافى لكل ما هو من الفنون رفيع الشأن نبع واحد. وسيناء دواة عريقة ومقدسة لو غمست ريشتك بيقين فى أحبارها لدبجت من الكلمات والأنغام والتصاوير أحلاها. ومبارك من عرف السر، الذى لا يعطى إلا للمختارين، الذين يصعدون الدرج الشاق وبصفاء النفس ويعلمون، وكان من حظ زينب عبد العزيز أن تكون واحدة من هؤلاء، وهى لم تصعد بيسر أو تقفز الدرجات قفزا، بل سنين تلو سنين وهبت هذه الفنانة فرشاتها للطبيعة، وراحت فى محرابها تتعبد، تنحنى لقوانينها إكبارا عندما تسجلها، وبوله ترصد دقائقها. تغنى أغنيتها فلا تفتعل أو تشتط. مطواعة هى مثل العشب النضر يميل مع النسيم عندما يهب على البستان أو الحقل، وبتواضع الحكماء راحت تذوب فى الطبيعة، ترتمى بين أحضانها فتضحى مع النهر قطرة من مائة، ومع الشجر ورقة على غصن، ومع العصفور ريشة فى جناحه، ومع الصحراء ذرة من رمالها. هذا هو الدرس الذى يمكن أن تعطيه لنا `المحاكاة الواقعية للطبيعة` عند زينب عبد العزيز، فهى لا تستعلى، وعلى `الكنز الإلهى` تحافظ ولا تعمد إلى تبديده. إنها `تعيش` الطبيعة ولا تفصل نفسها عنها. تسجل ولا تقحم نفسها فيما تسجل. تعرف كيف تتوارى وراء عملها باستيحاء وتواضع ومودة. تصمت وتترك لوحتها تتكلم عن موضوعها كلاما يتصف بالوضوح والبلاغة وسرعة النفاذ إلى القلب. ولهذا كان تفاعل الجمهور بفنها تفاعلا بناء شديد الحماس. وهو ما يجعلها تشعر - على حد قولها - `المزيد من الرهبة كلما أمسكت الفرشاة`.
- وقد لقيت الطبيعة من الفنانين مواقف مختلفة، فمن الفنانين من يفرضون شخصيتهم عليها، فيأتى تعبيرهم عنها كثير الادعاء مفتعلا. ومنهم من يعمل فى صورتها تشويهات أو تحريفات، فيلوون بذلك عنقها لويا تبدو معه على ما ليست عليه مكرهة. ومنهم أيضا من يتخذها مطية للدعاية عن أفكار ومفاهيم غير متجانسة معها، فتبدو كملك فى ثياب مهرج أو داعر فى مسوح النساك. ومنهم من لا يحاكى الطبيعة، إلا فى ناحية واحدة هى قدرتها على التخليق فيمضون من هذا المنطلق يلعبون، وهى - أى الطبيعة - فى كل الأحوال لا تلعب. ولم تكن زينب عبد العزيز من هولاء، فموقفها من الطبيعة يخلو من كل `ضدية` أو `غيرية` بل إنها فى مقالاتها النقدية راحت تكشف عن زيف وفقر الكثير من الأعمال الحديثة المفتعلة باسم التجريب والحداثة، وظلت وفية للرؤية الواقعية للطبيعة.
- وما كان أسهل أن تنجرف زينب عبد العزيز من خلال دراساتها للفنون الأوربية والأمريكية وزيارتها لعواصم الفن بالخارج إلى `الطليعية` و`الحداثة` فما أيسر تقليد هذه الأعمال والكسب السريع للشهرة، ولكنها نزهت نفسها عن ذلك، واختارت الطريق الصعب. وكان خير عاصم لها أنها تتلمذت على يدى شريك حياتها المرحوم الفنان لطفى الطنبولى، الذى تكن له كل الحب والتقدير كأستاذ وزوج وصديق، فقد كان لطفى الطنبولى بدوره فنانا مخلصا لطبيعة بلاده، وأتاح لزوجته من خلال عمله فى قطاع الآثار عدة زيارات لأقاليم مصر منها النوبة والأقصر وأسوان، حيث صورت زينب عبد العزيز إلى جوار زوجها الكثير من المناظر الطبيعية فى تلك الأماكن. وما تذكره له دواما كأستاذ أنه كان يصر `أن تكون هى، ولا تتأثر بأى فنان آخر، حتى هو`.
- وقد بدأت زينب عبد العزيز ترسم منذ الصغر، بل وعلى حد قولها `قبل أن تتعلم الكتابة`. وقد مضى فنها يتطور بخطى متصلة ترمى إلى التعبير عن الواقع الذى تعيشه - ذاتيا وخارجيا - بأوضح وأبسط شكل ممكن وكانت الموسيقى من الفنون التى عشقتها ومارستها فى الصغر من عزف على البيانو، وغناء، وباليه. وهى أم لأستاذ فى الموسيقى الكلاسيك تخصص وحصل على الدكتوراه فى العزف على آلة ` الفيولا ` وهى تحب الموسيقى الكلاسيكية، ولا تطيق صخب ما يسمونه `الديسكو` وما شابهه، فهذه عمليات تحطيم حاسة الإنسان تحت شعار `العصرية` وبحكم اهتمامات زينب عبد العزيز فالقراءات التى تروق لها متعددة الجوانب وارتباطها بالفنون ومتابعة تطورها لم يمنعها من متابعة فتوحات القرن العشرين أيضا.
- ولدت بمدينة الإسكندرية فى التاسع عشر من يناير 1935، حيث أمضت المرحلة الابتدائية من تعليمها بمدرسة `سان جوزيف` بمحرم بك ثم المرحلة الثانوية `بالليسيه فرانسية` بالشاطبى وتخرجت من قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1962. وعملت مذيعة ومقدمة برامج فى التلفزيون فور تخرجها ولبضعة أشهر. ثم عينت مترجمة فى مركز تسجيل الآثار المصرية ومنه إنتقلت إلى كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر فور حصولها على الدكتوراه. ولا زالت تعمل هناك حيث تشغل وظيفة أستاذ لمادة الحضارة.
- وقد اشتركت زينب عبد العزيز فى المعارض العامة منذ عام 1955 كالصالون والربيع، وأقامت ثلاثين معرضا خاصا فى مصر والخارج ورغم تحمسها لفكرة الاستمرارية إلا أن الظروف الاجتماعية التى تعيشها واضطرارها لشغل وظيفة جامعية لا تسمح لها بالإنتاج المتواصل وكم كانت تتمنى أن تتفرغ لفنها، وألا تعمل شيئا سوى الرسم والكتابة، فالعمل المتواصل، حتى وإن اعترته بعض فترات التوقف هو البوتقة التى تصقل فيها نفس الفنان. وتغرى فترات التوقف التى مرت بها الفنانة إلى التزامها بإنجاز أعمال أخرى مثل اتمام رسائل الماجستير والدكتوراه والأبحاث الخاصة بالدرجات العلمية وهذه أعمال لا تحتمل تأخيراً، وتقتطع من المشتغل بها وقتا ليس بالقليل.
- وموقف الدكتورة زينب عبد العزيز الفلسفى من الحياة - على حد قولها -هى أن تعيشها بكل الصدق الإنسانى الذى تشعر به. والروابط بين الإنسان والكون المحيط به كثيرة ومتعددة، إلا أنه لم يلتفت بفهم إلا إلى الجزء المادى منها، بينما المجتمع الإنسانى بحاجة ملحة ومطردة إلى الالتفات للجانب الآخر ليحصل على الاتزان اللازم، `كلنا عابر وسبيل، حتى الوجود نفسه فالحياة مرحلة من مراحل تطور الكائنات بأسرها، من الإنسان الذى هو أسمى بما فيها حتى ذرات التراب` هذا ما تقوله الفنانة أستاذة الحضارة بجامعة الأزهر وتؤكد بفرشاتها وقلمها.
- وثمة ترابط موضوعى بين فن زينب عبد العزيز والفن المصرى القديم بمعنى أنه استمرار لذات الفكرة التى قام عليها الفن المصرى القديم وليس تقليدا لشكلياته الخارجية، فالفن الفرعونى قائم على فكرة خلود القيمة الجمالية ووضوح الرؤية والبساطة فى التعبير. وهذه هى الدعائم ذاتها التى تقيم عليها زينب عبد العزيز فنها. ولئن كان ثمة ضرورة أن يلقى الفنان نظرة إلى الوراء إلى جذوره، ليستمد من تراثه المعالم الأساسية التى يبنى عليها تعبيره الفنى، إلا أن استلهام التراث لا يعنى محاكاته، فالتقليد لا يخلق فنا، ولا يبعث إلى الحياة تراثا. ولكن الدعوة إلى أن يكون الفنان ابن عصر لا تعنى أيضا محاكاة الأنماط المستوردة أو المفروضة وتقليدها، بل تعنى فى نظر زينب عبد العزيز - إن أخذت هذه الدعوة محمل الجد والأمانة - أن يكون التعبير عن الواقع المعاصر للفنان من خلال الارتباط ببيئته ومجتمعه الأصلى. وليس أدل على ذلك من العودة حاليا فى بلدان أوروبا إلى التراث الخاص بكل بلد بعد `موجة التجريدات العامة` التى طمست معالم الحضارة والتراث المميزة لكل منها. ولعله يجدر بالفنان المعاصر أيضا أن يدخل بسمة بهجة أو يطبع لمسة حب على قلب إنسان هذا العصر المطحون الغارق فى غياهب الزيت والظلمات، وهو إن نجح فى ذلك يكون قد استطاع أن يحقق شيئا كبيرا.
- إن الحضارة هى أجمل ما أحرزه الإنسان من تطور فى كافة المجالات وتقدم الإنسان هو أسمى المخلوقات رغم كل ما يعترى بعض النماذج من عتامة نفسية تعوق تطورها الإنسانى ورقيها. ومصير الإنسان هو الفهم. والمزيد من الفهم، مهما طال به الأمد. ولكن ما يحزن حقا فى نظر الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذة العلوم الإنسانية هو الوقت الذى يحتاجه الإنسان لكى يفهم.
-عندما تتزاحم العمائر فى المدينة وتأخذ بخناق الفنان، يتوق إلى كسر هذا الإسار الذى استحال دمامة مستحوذة، يتوق إلى الخروج، إلى الابتعاد، وإذا كان الفنان فى بلاد أخرى يخرج إلى الجبال أو الغابات أو البحر فإن الفنان فى مصر يجد الصحراء تحيطه فيهرع إليها، ويغسل فى رحابتها عينيه من أدران المدينة، وروحه من وعثائها. وهو بذلك يلبى نداء عميقا دفينا يظل يهمس إليه ويدعوه إلى أن يشحذ همسته التى أضحت خائرة من جراء حياة الدعة فى الغرف المعتادة المغلقة وينطلق إلى حيث الضياء والهواء والرحابة.
- يختلى الفنان فى سيناء بالطبيعة، رمال، وصخور ونخيل، ومياه، وقليل من البشر والأبل، فيستطيع أن يستمع إلى أنفاسها وهمساتها وأدق نبضاتها، وللطبيعة أنفاس وهمسات ونبضات بحق، وليس ذلك من قبل المجاز أو الخيال، ولكن يجب أن تكون مرهف الحس كى تسمع ذلك الدبيب، والوجيب، والنداء.
- وليس ارتباط زينب عبد العزيز بالطبيعة جديدا فهو ممتد منذ طفولتها وتقول إنها كانت وهى طفلة تفرح بالطبيعة كأنها تذهب للقاء شخص حبيب. وحتى عندما شبت عن الطوق ومارست الفن فإن الطبيعة كانت تثير فى أعماقها انعكاسات ودوافع إلى الإبداع. ومن ثم كانت الطبيعةعندها نقطة انطلاق. وعند التقائها بالصحراء فى الصغر كانت لا تقاوم رغبة الاندفاع إلى أحضانها. وقد يعتقد البعض أن الصحراء ساحتها تشغلها رمال فحسب، ولكن الفنانة اكتشفت بعد تكرار زيارتها للصحراء، أن لكل بقعة فى الصحراء شخصيتها وجوّها وألوانها. تذكر زينب عبد العزيز ابنها عندما ذهبت فى الخمسينات إلى النوبة توغلت ذات مرة فى صحرائها حتى تاهت فى منطقة كانت تسمى `وادى الجماجم` وقد رسمتها فى إحدى لوحاتها. المكان جبل فى صخوره ما يشبه الجماجم `اسم على مسمى` مكان مغلق مخنوق. وهكذا تتنوع شخصية المكان فى الصحراء ولا تتكرر. وبصفة عامة تقول الفنانة إن الصحراء على الدوام تشدها، وتتجاوب معها، وتشعر أن فيها شيئا منها، فلا تحس اغترابا فى الصحراء رغم ما فيها من صمت ووحشة. بل إن الأصداء هناك تفد إليها ملونة، ومتنوعة المعانى. وربما أمكن أن نترجم أحد هذه المعانى إلى نداء بالذهاب إليها وتعميرها. وفى رحابة الصحراء لا تسمع صوتا بشريا بل هسيسا يحب وينادى. أما الإحساس فى الصحراء بالله فقوى وغامر، تتلاشى ذبذبات الأنانية ويشعرك الصفاء والزهد أنك تجردت من كل الأثقال التى تعوقك من الصعود إلى الحضرة الإلهية.
- فى منطقة العريش تلتقى بكثبان الرمال بالغة النعومة تمتد أمامك متراقصة فى خطوط إنسيابية. فإذا نزحت إلى الجنوب بدءا من الطور إلى شرم الشيخ ونوبيع وطابا وجزيرة فرعون فستلتقى بتكوينات صخرية. فإذا توغلت فى داخل سيناء إلى جبل موسى وسانت كاترين ووادى قيران فستجد بحوراً من القمم الجبلية تمتد إلى ما لا نهاية والظلال فى سيناء لها معنى، وتحس كأنك فى حمى روح كبيرة تبسط عليك جناحيها.
- وبالنسبة للجنوب على الأخص حيث ترتفع القمم العنيدة الشامخة إلى ما قد يصل أحيانا إلى ألفين وثمانمائة متر تكتسى مناظر الجبال والصخور رهبة وخشونة وصلابة، ويختلف طابعهاوانعكاساتهاعن كثبان الرمال فى العريش ثم هناك فى الجنوب تلتقى عيناك بشفافية قد لا تخطر لك على البال وذلك فى مياه البحر الأحمر. وقد تطلبت عملية التوفيق بين سخونة الألوان وصلابة الصخور وشفافية المياه هناك نوعية أخرى من المعالجة.
- وبخلاف الانطباع الجمالى والحوار النفسى فإن كل منطقة من سيناء راحت تمثل بالنسبة للفنانة مشكلة المعالجة، أو بعبارة أخرى مشكلة التعبير عما تراه وتستشعره. ومع مراعاة أن الضوء يلعب دوراً أساسيا فى مشاهد سيناء فإن الضوء يتنوع بتنوع المناطق، ويختلف باختلاف البقاع التى ارتادتها الفنانة بفرشاتها. ففى منطقة العريش على سبيل المثال كان على الفنانة أن تجد المعادل اللونى المناسب لنعومة الرمال، وأثيرية الهواء، والنخيل ذات الظلال الممتدة. واستحوذت على الفنانة الرغبة فى التعبير بخامة الزيت الصلبة عن الشفافية التى تتيحها الألوان المائية.
- ثم هناك الألوان فى الأزياء الشعبية. كل قرية تتميز بطابع معين من الملابس ذات الألوان الحمراء والبنفسجية والسوداء. وتارة كل الألوان فى زى واحد.
- وتختلف مشاهد سيناء عن مشاهد الصحارى الأخرى فى النوبة وأسوان ومرسى مطروح وبرج العرب، وذلك تبعا للتكوين والضوء وبالتالى المعالجة. وبالنسبة لسيناء يضاف إلى مشاهدها أيضا البعد التاريخى، والحضارى، والروحى.
- وقد رسمت زينب عبد العزيز من قبل صحارى الدلتا ما بين مصر والإسكندرية ورسمت برج العرب ومرسى مطروح، ورسمت صحارى أسوان والنوبة، ثم رسمت صحارى سيناء. ويمكن القول بصفة عامة أنه ما من لوحة تكرر أو تعوض الأخرى وهو ما يدل على ثراء الطبيعة، وعلى صدق صيحة الفنانة إذ تقول كيف يترك الفنان هذا الثراء، ويحصر فرشاته فى افتعالات صناعية محدودة الأطر. إن العالم فى الخارج قد أحسن فعلا إذ عاد اليوم إلى تعلم الرسم الواقعى من جديد.
- إن الطبيعة فى سيناء تساعد الفنان، إذ أنها سكونيه. ممتدة أمامه بلا تغير، ومن ثم يستطيع الفنان أن يطيل تأمله للطبيعة ويستغرق فيها دون خوف من أن يطرأ على ما أمامه تحول يفسد عليه لوحته. ولعل أكثر العوامل المتحركة على هذا المسرح الثابت هو الضوء، والحوار شديد الثراء بين ذبذبات الفنان والطبيعة، إذ أنه يجد نفسه فى خلوة تامة مع الطبيعة ، ويصل من فرط تأمله لها إلى نوع من التوحد بها، حتى ليكاد يخيل للفنان أنه هو الطبيعة التى من حوله، بل يخيل له أنها فى داخله، وليست فى خارجه حتى إن الفنان قد يستطيع أن يلون ويشكل الطبيعة بألوانه ورؤاه الخاصة، مثلما يغير ويشكل الضوء المنظر الطيعى الواحد فى مختلف ساعات الليل والنهار وهذا ما يحدث مثلا فى سيناء حتى إن الفنان أمام المنظر الواحد لا يمل من رسمه المرة تلو المرة وهو يتلون ويتشكل تبعا لضياء النهار والليل، والموجودات غير راسخة فى مكانها بل هى سابحة مع الزمن ممتدة عبر الأفق المفتوح إلى الأبدية. فإذا ما أقبل الليل وغطى القمر الكون بضيائه فإن الروح تخلع عن وجهها النقاب وتتجلى وضاءة براقة، ومهيبة.
- سيناء جنة الفنان حقا ليس ثمة ما يقطع عليه هناك تأملاته وخلوته. كيف كان العالم عند بداية الطبيعة؟ فى البدء كان الخلاء البكارة، وكانت الطبيعة تتربع.
- والصمت فى سيناء ليس كينونة سلبية جوفاء بل فى الصمت ذبذبة حوار وإشعاع داخلى، وفى السكون حركة مضمرة، فالجبال الراسخة تبدو للفنان إذا ما استغرق فى تأملها أنها تتحرك وبخاصة إذا ما سمقت قممها والتحمت السحب.
- ويرتبط رسم الطبيعة والصحراء عند زينب عبد العزيز بموقفها فى الفن. فالواقع المعاصر والارتباط بالبيئة والتراث على ما هو فى اللحظة التى يعيشها الفنان هو الجديد فى الفن، وليس الحيل التكنيكية والألاعيب المكرورة.
- والذى يدعو إلى المزيد من التشبث بسيناء هو أنها رمز إلى معانى كثيرة، فليست سيناء بالموقع العادى من مواقع الوطن ولا حتى من مواقع الدنيا كلها. إنها كانت ولا تزال نداء ينفذ إلى القلوب فيسمو بها ويدعوها إلى التأمل. ولهذا فهذه البقعة الحبيبة بحاجة إلى مزيد من الاهتمام بها من جهات عديدة متنوعة الاهتمامات وليكن إحدى هذه الجهات الفنانين، وحبذا لو أقيم فى سيناء دار لضيافة الفنانين أو مرسم مثل مرسم الأقصر سابقا، يوفد إليه أو يؤمه من الفنانين من يريد أن يزداد تغلغلا فى الطبيعة والتحاما بها، كى يتلقى منها أنفع الدروس لفنه، وفى الصفاء والسكون والتوحد يستقى مفاهيمه عن الجمال الأصيل والمتجرد من الحذلقات والبهارج التى يمكن أن يصيبه به زمن خربته المادة الصماء التى هى من الروح قد خلت، فبغت وتجبرت وساقت البشر إلى حافة الهاوية.
- وتتمنى زينب عبد العزيز أن تكون دائبة الزيارة إلى أرض سيناء، لترى منها مناطق لم تتح لها رؤيتها فى زيارتها الماضية، لقد مرت سريعا ببحيرة البردويل، ومناجم الفحم وسد الروافع والمغاليق ولكن لم يعلق بخيالها من هذه الأماكن إلا أمل فى أن تعود إليها فى المستقبل الذى نود أن تلقى فيه سيناء من أبناء مصر وفنانيها مزيدا من المحبة والاهتمام.
- عودة قبل النهاية إلى مفاهيم زينب عبد العزيز الفنية أنها تتوخى فيما ترسم موضوعية تنم عن مبلغ كبير من الصدق والجدية ومن منطلق الصدق والجدية هذا كثيرا ما تأتى لوحاتها مشربة `بالذاتية` ومفعمة `بالرمزية` وكل ذلك فى إطار `الواقعية `، على الدوام. لقد احتذت زينب عبد العزيز برائد الواقعية فى التصوير الحديث المصور جوستاف كوربيه ( 1819 - 1877 ) الذى كان يكن للطبيعة ـ وعلى الأخص طبيعة قريته أوران ـ أبلغ الحب والتقدير، وفى لوحاته يصل البحر بموجه ورحابته والجبل بصخره وضراوته إلى ذروة الجمال. وعلى الرغم من أنه قال لأحد سائليه إننى لم أرسم ملائكة لأننى لم أر ملاكا، فقد حفلت لوحاته الواقعية بروحانية لا تأتى إلا كفيض من قلب طرح زيف الحذلقات جانبا، وإلى على نفسه ألا يغمس فرشاته إلا فى محبرة الصدق ليسطر قصائد من الألوان والأشكال تبقى على مر الأزمان بقاء كل ما هو شريف ونبيل ومخلص.
- وفى ظلال واقعية جوستاف كوربيه نقرر أن زينب عبد العزيز لم يمنحها الله موهبة التعبير بالخطوط والألوان فحسب بل ونعمة القيام بسياحات بعيدة فى رحاب الفن أيضا من قراءاتها الواعية المستفيضة لتاريخ الفن إيان تحضيرها لرسالتيها لنيل الماجستير والدكتوراه من العلاقة بين الفن والأدب من خلال عبقريتى يوجين ديلاكروا (1798 - 1863 ).رائد الرومانسية وفينسنت فان جوج (1853 - 1890 ) رائد التعبيرية فعرفت أن البقاء فى الفن للأكثر إخلاصا وصدقا ونقاء. وماذا أكثر إخلاصا وصدقا ونقاء من التعمق فى طبيعة بلادها، كما تعمق كوربيه فى طبيعة بلدته أوران، صعودا إلى قسم الروحانية العليا؟. ولكأننا نستمع فى هذا المقام إلى صوت الأديب اليونانى الكبير نيقوس كازندزاكى (1883 - 1957) إذ يقول إنما الروح بالجسد يدرك، فالله من الطين خلق إنسا. زينب عبد العزيز فنانة صادقة مع نفسها، عايشت الطبيعة وانصاعت لها، وراحت تتأملها، وتتقصى عن اتجاهاتها ومظاهرها، وعلى الرغم من أنها فنانة مناظر طبيعية منذ زمن بعيد، اكتشفت فى سيناء جوهرا مكنونا يشع على الموجودات المادة وعلى الطبيعة كلها يفيض، وهذا الجوهر هو الضوء، الضوء النابع من داخل سيناء نفسها، من أعماقها، فسيناء لها تاريخ تليد، واتصال بعيد بالروحانيات والأديان، هى مهبط الأديان السماوية، ومن ثم كان ضوء الطبيعة فى هذا المكان المقدس معادلا للروح، ولنر الجبال فى عديد من لوحاتها ذائبة فى الضوء متأثرة به أبلغ التأثر. بحيث يمكننا أن نقول إن الإضاءة فى هذا المقام `إضاءة روحية` ولكأن الطبيعة فى `لحظة تعبد، ولنرى النخيل بدوره ذائبا فى الإضاءة الرمزية الموحية التى اكتشفتها الفنانة واعتنقتها فى لوحاتها، الإضاءة التى تأكل حواف الأشياء، وأيضا فلتلتفت فى هذه اللوحات إلى الإحساس بالهواء والأثير والرحابة، وبعبارة موجزة ببصمة الخالق على كل مفردات المكان، وليس من السهل على الفنان، إلا بعد اجتياز عديد من الاختبارات والاستحواذ على عديد من الخبرات التوصل إلى المستوى الذى يتعدى الماديات مع البقاء محافظا عليها.
- وقد سبق أن رسمت زينب عبد العزيز صحارى مصرية أخرى، رسمت صحارى النوبة وقفارها، ولكنها على الدوام كما قلنا تترك نفسها للمكان كى يعبر عن نفسه من خلال فرشاة ألوانها. وهناك فى النوبة، وكانت على وشك أن تغرق، ويغمرها مياه النيل إلى الأبد، تحدثت الصحارى عن القرية والضياع، فالصخرة السوداء وسط الماء وكانت من قبل قمة جبل يحط عليه نسور كأسرة، والزهرة وسط الرمال، والبحيرة والجبل، والزهرة وسط الرمال، والنباتات الوحشية، والسكون المخيم مثل شبح الموت على مرمى البصر، إنما أوحى للفنانة بعالم فى طريقه إلى الأفول، واستمعت فى أرجائه إلى نغمات حزينة لأغنية وداع ضاربة. وذلك كله قد اختلف فى صحارى سيناء. فالأغنية التى تتغنى بها ليست أغنية أقول حزينة، بل أغنية العودة، أهازيج فرح باللقاء بعد غياب، ولئن كانت النوبة القديمة قد غرقت، فسيناء باقية بوجهها المشرق إلى الأبد.
- ومن لوحات زينب عبد العزيز التى لا تنسي عن النوبة لوحتها `صخور وحشية` التى صورتها فى رحلتها الأخيرة إلى هناك. رمال ناعمة فى درجات من البرتقالى نزولا إلى الأصفر، تمضى بك إلى كتل ضاربة من صخور داكنة السواد مشربة بيسير من البنيات وقليل من الأزرق. وتستوقف أنظارها هناك، تحاصرك وتأسرك كما لو كنت إزاء سياج ليس بإمكانك اجتيازه، فتمضى منقادا ثقيل القلب مبهور الأنفاس تتابع تلك الكائنات التى تتشكل منها حواف ذلك السياج القائم عند الأفق المسدود بسفوح تلال لفحها لهيب الشمس مائلة محنية كأنها كائنات تمضى طوابيرها إلى المجهول ويكتمل المنظر بصخرتين عن يمينه ويساره، اتخذت كل منهما هيئة رأس وحش أسطورى ضخم ربما من حيوانات ما قبل التاريخ، بدت عليه أمارات التحفز والإصرار على البقاء مكشرا عن أنيابه متحفزا لمن تسول له نفسه أن يزحزحه عن موقعه أو يدفع به إلى اللحاق بطوابير السائرين إلى العدم.
- وسوف نلاحظ أن هذه الأنسنة للطبيعة ستصاحب زينب عبد العزيز فى مراحلها اللاحقة، ولئن كانت هذه الأنسنة تضفى بصمات رومانسية على بعض لوحاتها، إلا أن هذه الظاهرة تؤكد أيضا حقيقة من حقائق تاريخ الفن تؤمن بها زينب عبد العزيز، وهى أن الإبداعات الجديدة إنما تتخلق عبر عمليات جادة ورصينة من المخاص فليس ثمة ما يمنع من أن تظهر على لوحات فنان واقعى مخلص لفنه أمارات من رومانسية أو تعبيرية أو حتى تجريدية ولكن يجب أن يكون من باب الشطحات التى شاعت فى الفن الحديث، كفقاعات لا تلبث أن تتبدد وتذهب جفاء. وما من شك أن الريح وعوامل التعرية أحسن نحات فى الوجود، يعمل إزميله فى صخور الجبال فتتشكل بأشكال ليس ثمة ما يمنع من أن تبدو مثل هيئات أدمية أو حيوانات.
- وهذا ما حدث فى أرجاء سيناء، فلا يعود الفنان يقف أمام صخر أصم وإنما أمام روح إنسانية تنبض بها الجبال، تلك الجبال التى سمعت مع موسى كلمة الله. ويضحى الفنان فى حضرة ضياء سيناء أمام مناظر نورانية مجردة من الماديات، مناظر تلخص جوهر سيناء وتتفق مع مفهومها الحضارى والفنى والفلسفى عبر التاريخ، وقدد أطلت زينب عبد العزيز من موقفها الفنى الذى ظلت مخلصة له ولموضوعها وهو الطبيعة فرأت ما وراء سيناء، رمالا ونخيلا، وصخورا ومياها وضياء وسكونا، رأت الجانب الروحى، وبسطت ألوانها على قماش لوحاتها على نحو يؤكد هذه الحقيقة `المابعدية` ومن خلال الواقع نفذت إلى ما ليس واقعا، وفى الصمت راحت كما قلنا تتسمع إلى الأصوات التى تشد الوجدان. وهكذا فلئن كانت زينب عبد العزيز قد طرقت فى لوحاتها أماكن أخرى من مصر إلا أنها وجدت فى سيناء الموضوع الذى كانت بحاجة إليه حقا للتعبير عن رؤاها التى تجسمت فيها وتبلورت كل خبراتها السابقة.
بقلم : د./ نعيم عطية
مجلة : إبداع ( العدد 4) أبريل 1987
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث