`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمود اللبان
الفنان محمود اللبان ( 1921 - 2002) الحارة المصرية .. والإبداع الفطرى
- الفنان محمود اللبان ( 1921 - 2002) الحارة المصرية .. والإبداع الفطرى
- كان محمود اللبان قبل هزيمة حرب 1967 بائعاً للحليب ومستحضرات الألبان، يملك محلا ذائع الصيت بحى الغورية يحمل اسمه، ويملك منزلا وله زوجة وخمسة أولاد، ويعيش حياة ميسورة حتى أنه لم يكن يستطيع أن يحصى نقوده .. لكن فجأة - بعد الهزيمة - أغلق دكانه وأوقف تجارته وسار فى الشوارع مذهولا يسائل نفسه عن معنى كل شىء .. ولما لم يجد إجابات لأسئلته المعذبة، اتجه إلى مسجد الحسين - ملاذ كل الفقراء والضائعين والممسوسين - يسأله الجواب وراحة البال .. ولم يكن الإمام الشهيد يرضى بأقل من أن ينذر له المريد روحه غير منقوصة، أن يصبح درويشاً من دراويشه .. هكذا فعل اللبان، سعيداً إلى رضا سيد الشهداء عنه .. وعاش فى المسجد وأقام به خادما للضريح، معبقا جنباته بالبخور، ساقيا الناس من قربته المعطرة بعطر ماء الورد زلالا مباركا، قانعا بقروش الهبات القليلة يلقيها إليه الزوار والمريدون ..
- فجأة قامت مظاهرات الطلبة عام 1968، واهتز الشارع المصرى وتفجرت مسيرته تضامنا مع الطلبة، ومطالبة بعقاب صانعى الهزيمة .. واذ بما تصوره اللبان شعورا بالأمان والسكينة ينقلب فى أعماقه انتفاضة غاضبة لايدرى مصدرها، فيترك نفسه سارا وسط المظاهرات، وإن بدت له شعاراتها غريبة على أذنه وعقله .. إنه رجل أمى بسيط الفهم لكنه اعتزل بيته وأولاده، وأقام فوق عربة بطاطا مهجورة خيمة صغيرة ينام فيها، ولكى يجد ما يقيم أوده راح يصنع مواقد صغيرة من الجبس لمدخنى ` الجوزة ` و` الشيشة` ، وراح يزينها بطريقة بدائية جذبا للمشترين الذين لم يكونوا يدفعون ثمناً، بل ` هبة ` ضئيلة حسبما تجود به أريحيتهم .. كان يحفر فوق الموقد زخارف ساذجة تجعلها أقرب إلى أوعية القرابين فى طقوس الأديان الوثنية .. إلى أن مر به يوما بعض الفنانين فاقتنوا كل ما صنعه وأجزلوا له العطاء .. وأخبروه أن ما يصنعه اسمه ` فن ` وأنه ` فنان موهوب، ` وأن بإمكانه أن يصنع أشياء أخرى بغير غرض المواقد وخدمة المدخنين والحشاشين .. وهكذا اكتشف اللبان ذاته .. وانطلق ينتج - بالأموال القليلة التى حصل عليها من بيع أعماله - تماثيل مكتملة، تمثل عالما غريبا يجمع بين الواقع والحلم، بين الحقيقة والسحر، بين رؤية الطفل ورؤية الرجل الملىء بالحكمة، جاعلا من الحيوانات الأليفة والطيور والأسماك أشقاء للإنسان فى فردوس عامر بالحب .. إنها جميعا أرواح هائمة تسرى عبر أشكال أقرب إلى الخيال والأسطورة وتثبت أقنعته الآدمية - وغير الآدمية - قرابة الدم والعرق بينها وبين أقنعة أفريقية أو هندية حمراء، كما تثبت أبراجه ذات الطوابق المتعددة المكتظة بالوجوه والتمائم السحرية، أواصر الغربى مع الطواطم السحرية فى ديانات المكسيك وجزر المحيط الهادى، بما يوحى بتواصل أنهار المياه الجوفية العالمية فى أعماقه ،كما ينم عن حدسه الإنسانى العميق وتجلياته الروحية الصافية.
- وسرعان ما تحول اللبان إلى ظاهرة فى الحياة الثقافية، فأقام له الناقد الأدبى رجاء النقاش - وكان وقتذاك رئيساً لمؤسسة دار الهلال - معرضاً فى بهو المؤسسة، قام بافتتاحه أكبر نحات مصرى آنذاك وهو المرحوم جمال السجينى ولفيف من أساتذة الفن والنقد ومن كبار نجوم السينما نساء ورجالاً ، وفى دقائق معدودة اقتنيت كل الأعمال المعروضة بأسعار رمزية، حيث أن الفنان لم يكن يبالى بالنقود أو يعرف القيمة المادية للعمل الفنى، وكانت النشوة بالأضواء والاهتمام من جانب الصحافة ونجوم السينما تحلق به فى سماوات شاهقة.
- وانتهى المعرض، وعاد اللبان إلى عربة البطاطا التى ينام فوقها فى ` حوش آدم ` بالغورية، وتبخرت النقود ، وعاد ليواجه وضعا جديدا غريبا : أنه أصبح يعى جيدا قيمه نفسه، ويرفض فى نفس الوقت وضعه الاجتماعى المزرى، بعد أن تقطعت الأواصر الاجتماعية بينه وبين أسرته، وكان يمكن أن ينهار مرة أخرة أو يتوه فى غيبوبة المخدرات أو ضريح الإمام .. لولا أمران : الأول هو ارتباطه بالشيخ إمام عيسى وأحمد فؤاد نجم والرسام محمد على ارتباطا أشبه بالإيمان الدينى بما يؤمنون به ويمارسونه، فى حب مصر ، والحرية، والعدل، وفى الثورة على أعداء كل أولئك .
- ووجد فى حياتهم المادية المتقشفة مثلا أعلى جعلهم قدوة له، وسار خلفهم كما لو كان درويشا فى ضريح الحسين ، سعيدا بأن يواصل إنتاجه فى رحابهم ووسط إعجاب محبيهم الذين يتوافدون كل يوم على منزل ` حوش آدم` .
بقلم : عز الدين نجيب
من كتاب ( الفن المصرى وسؤال الهوية بين الحداثة والتبعية)
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث