`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمود كمال عبيد
كمال عبيد .. الفنان المبدع
- الفنان كمال عبيد عرفت فيه الإنسان الذى يتميز بالوعى والرؤية الثاقبة.. هو بطبيعته مبدع يعتمد على وعيه بما يدور حوله، وساقه هذا الوعى إلى تهذيب حسه وغرائزة ، فأصبحت تعبيراته الفنية قوية واضحة.
- تعرفت عليه عندما كنت طالباً فى كلية الفنون الجميلة فى الخمسينيات، وكنا نتطلع دائما إلى حديث الأساتذة المحددين فى الفن من أساتذة التربية الفنية.. كنا نحج إلى المعهد العالى للتربية الفنية لنلتقى بهذه النخبة من المجددين فى الفن، المتحدثين عن الفن الحديث ومداسه واتجاهاته.
- وعندما بدأت ممارسة فن الخزف أو النحت الزخرفى همس فى أذنى أحدهم قائلاً لن تأتى بجديد، فقد سبقك فى هذا المضمار الأستاذ كمال عبيد. لقد أضاف إلى فن الخزف كل قيم النحت الخالد، وظل هذا فى ذاكرتى حتى التقيت بالفنانة أمينة عبيد فى أول معارضها فى فن الخزف، وكان معرضها يمثل شعلة نابضة بالتراث فى أسلوب عصرى لم لا.. وهى نجلة الأستاذ المربى كمال عبيد.
- وعندما نتحدث عن إبداعات الأستاذ كمال عبيد الفنية فهى كثيرة، منها ما هو نحت بارز لزملائه من أساتذة الفن والفلسفة (وجه للفنان سعد الخادم، والمربى يوسف العفيفى)، ومنها ما هو تماثيل مجسمة لشخصيات عرفها وعايشها أو قرأ عنها وتابع سيرتها الذاتية وهى كثيرة، من بينها (تمثال وجه للشيخ سلامة حجازى ، د .عبد الرزاق صدقى ، د . على باشا مبارك ، د. طه حسين، إسماعيل القبانى، د. حمدى خميس، د. مصطفى الرزاز، والفنان مصطفى الأرنؤوطى) ومنها ما هو حديث صامت دار دائما بين الفنان كمال عبيد وبعض الطيور والحيوانات الأليفة، شكله فى تمثيل خزفية.. رأى فى الأرنب الذكاء والسرعة وعبر عنه فى كتلة تتكور على هيكل عظمى قوى. ورأى فى الحمامة الوداعة والقوة وجاء به طائراً خالداً يذكرنا ` بحورس` الذى قدسه المصرى القديم. وعبر عن البقرة بقيم العطاء والخير للأرض المصرية كما جسدها المصرى القديم فى `حتحور` إله الموسيقى والنماء.
- وعندما اتحدث عن أسلوبه فى التشكيل النحتى فهو فنان مصرى أصيل، التقط من المصرى القديم وعيه بالكتلة حتى وصل بها إلى درجة الكمال.. مساحات واضحة وخطوط رشيقة تؤكد وعيه بالعلاقات الفنية للخطوط والأشكال.. استطاع أن يحول الجسم المرئى إلى خطوط وأشكال تحمل كل الصفات التى نعرفها عن هذا الجسم، ولكنها تمثل رؤية بصرية جديدة لا يغيب عنها حقيقة هذا الجسم.
- إن التشكيل فى أعمال كمال عبيد النحتية أو الخزفية هو عملية خلق تلخص ما هو مرئى تلخيصاً فنياً أقرب إلى التجريد.
بقلم : حسن عثمان

كمال عبيد .. الفنان المعطاء
- يشرفنى أن أشارك بكلمة عن فنان عظيم متعدد الجوانب وفير العطاء والبذل والإبداع وترك بصمات واضحة وأعمالاً بارزة فى مجال الفن التشكيلى خاصة فى النحت والخزف هو الأستاذ كمال عبيد
- وابدأ حديثى عن الفنان الأستاذ المعلم الذى جلست إليه كطالب فى المعهد العالى للتربية الفنية فى نهاية الخمسينيات بعد تخرجى من كلية الفنون الجميلة حيث كنت أعد نفسى لكى أمارس أجَل وأسمى مهنة التدريس فى مجال الفن التشكيلى .
- وكان من حسن حظى أن تتلمذت على يدى نخبة من جيل الرواد العظام الذين حفروا أسماءهم كعلامات مضيئة على طريق الفن الإكاديمى الذى خرج أجيالاً متتابعة تبوأت مكانتها فى الحركة الفنية المعاصرة ومن ينسى إلى جانب هذا الأستاذ العظيم كمال عبيد صحبة من العمالقة أمثال الأرنؤوطى وحمدى خميس وشفيق رزق ومحمود البسيونىوأستاذى الفاضل عبد الغنى الشال أطال الله عمره وغيرهم .
- لقد كانت بداياتى الأولى فى تعلم فن النحت على يد أستاذى العظيم كمال عبيد فقد كنت أتأمل بكل التركيز والفهم العميق كيف يصنع الأستاذ من هذا الطين الأصم بأنامله الساحره وعلمه وخبرته فيتحول هذا الطين إلى شكل يمثل قيمة من القيم الجمالية الرائعة. وكان الأستاذ متمكنا من أدواته مدركا لأسرار مهنته التى يعطيها بسخاء وبلا تحفظ لأبنائه الذين يتوسم فيهم الاستعداد والموهبة، وأزعم أننى كنت أحد هؤلاء الذين نهلوا من هذا المورد المتدفق وكان لهذا أبلغ الأثر فى تكوينى بع ذلك كأستاذ وفنان .
- لقد تعلمت منه التواضع أعظم ما يكون، والتفانى فى أداء الواجب أسمى ما يوجد، وكان وهو الأستاذ العظيم فى فنه وخلقه وخبرته يتعامل معى كزميل وصديق فلم أكن أحس بالرهبة معه ولكن بالحب والتقدير. ولقد تزاملنا بعد سنين الدراسة فى اللجان والمحافل العلمية والفنية وكنت نقيبا للتشكيليين وكان عضوا فى النقابة وفى كل هذه المواقف لم أنس أبدا قدره كأستاذ ومكانته كعالم فى مجال الفن التشكيلى والتربية الفنية كنوع من الوفاء والعرفان الذى تشربنا بروحها طيلة مسيرتنا.
- وعلى الجانب الأخر فلقد تابعت مع سيادته أعماله وابداعاته فى فن الخزف وكان كشأنه فى مجال النحت عملاقاً شامخاً ولقد كانت أشكاله التى أنجزها فى الخزف تتلألأ ببريقها وابهارها الذى يأخذ بالألباب والقلوب .
- وتحضرنى واقعة إن دلت على شئ فإنها تدل على شفافيته الصافية ، فقد زاملته مرة فى سفر إلى الأسكندرية وكنا نتسامر معا طيلة الطريق، لكنه كان مشغول الفكر والوجدان بعمل من أعماله الخزفية تركه فى المنزل ولا يدرى ماذا جرى له وإذا به يجده مكتملا عند عودته.
- لقد جمع الراحل الكريم بين وسامة الخلقة وكرم الخلق ومن النادر أن يجمع الإنسان بين هذا وذاك فى منظومة إنسانية واحدة.
- وفى الختام فهذه كلمات نابعة من وفائى لهذا الأستاذ الكريم والفنان العظيم لعلى أكون قد أوفيت بعض الدين الذى يطوق
عنقى بأفضاله وأياديه علىَ ونعاهده على السير فى نفس الطريق القديم حاملين القيم والمثل والمبادئ التى غرسها فى وجداننا وعقولنا.
أ.د . حسين الجبالى

ذكريات
- عندما التحقت بالمعهد العالى للتربية الفنية عام 1956 كان منهجه فى ذلك الوقت هو إعداد الطالب لممارسة التربية الفنية فى التعليم العام وكان ذلك بعد الحصول على (دبلوم) كلية الفنون الجميلة أو التطبيقية أو المعهد العالى للفنون (بنات) وقد اعددت نفسى فى حذرشديد أن استقبل مجموعة من أساتذة جدد بعد أن تعودنا على أساتذتنا فى كلية الفنون الجميلة على مدى خمس سنوات. وكانت مشكلتى فى ذلك الوقت هو كيف التعامل معهم لمدة عام واحد فقط وهى مدة الدراسة بالمعهد وهى فترة قصيرة بالقياس إلى فترة الدراسة بالكلية. ولكن تمخض هذا الوهم الزائف عندما قابلت أساتذتنا الجدد د. محمود البسيونى ود.حمدى خميس ود. يوسف سيده و د.مصطفى الأرناؤوطى والأستاذ سعد الخادم و د.عبد الغنى الشال و د. كمال عبيد الذى هو محور حديثى. كان كمال عبيد هو السبب الأول والكبير فى فك شفرة ما تخيلته قبل ذلك فى صعوبة إيجاد مسطح واضح ونقى فى إيجاد علاقة بين الأستاذ والطالب كان المثل الأعلى لى فى هذه العلاقة سواء اجتماعية أو فنية. كان يأخذنا إلى حلوان فى معسكر للطلاب تقيمه وزارة (المعارف) (لا أتذكر سببه الآن) كنا نسهر ونغنى ونمرح ونطبخ ونأكل سويا دون أن تكون هناك موانع تفصل بين الطالب والأستاذ.
- وفى معسكر بورسعيد الذى أقيم لإزالة آثار العدوان فى 1956 سجلت إسمى عندما علمت أن الأستاذ عبيد هو قائد هذا المعسكر. كنا نطلعه دائما على الأعمال الفنية فى كل مساء ونأخذ نصيحته الفنية ونتناقش فى وجهات النظر المختلفة فيما أنجزناه طوال اليوم .
- وبعد عشرة أيام من العمل الشاق فى إزالة آثار العدوان وانتاج الأعمال الفنية نظم لنا معرضا شاملا لأعمالنا فى المعسكر وأتذكر أنه فى أثناء المعرض احتفلت ببيع سكتش ملون بمبلغ خمسة جنيهات لجندى سويدى من جنود حفظ السلام الدولى وكان الأستاذ كمال عبيد على رأس هذا الاحتفال.
- اشتركنا معه فى عمل تمثال كبير للفلاح المصرى الذى حفر قناة السويس وكان من الطوب والاسمنتى متصدرا مدخل المعسكر ليعلن لكل زائر إصرار الإنسان المصرى على مقاومة الغزو والاحتلال وكذلك على مدى ارتباط الفن التشكيلى بالمواقف السياسية والاجتماعية. كانت هذه الجرعة الأولى لى فى مدى تفاعل الفن بالمجتمع. الفنان الأستاذ المربى الأخ الأب.
بقلم :أ.د. سامى رافع

الفنان كمال عبيد الذى رحل ولكنه لم يرحل عنا
- عاش الفنان كمال عبيد معنا صديقاً وأباً وأستاذاً - عرفنا منه الأخلاق العالية وسمو أفكاره التى كانت دائماً تعبر عن كل ما هو مادى - عاش معنا بأفكاره النبيلة وسماحة خلقة العالية - وكل هذه الأخلاق لم تأت من فراغ - فإن الفن واستاذيه الفن التى كان يتحلى بها - هى التى اعطته الكثير - ولولا هذا الإحساس المرهف الدفين فيه لما أعطى لنا الكثير من أفكاره لتلاميذه -فالفنان كمال عبيد هو هذا الهدير فى الإحساس الصامت الذى لم يتكلم فلم تسمع منه هذا الصوت العالى والرنين الأجوف - ولكنه كان هديره حلو المذاق يعطى ولا يأخذ وكلنا شاهدناه وهو فى قمة عطائه لهذا الجيل الذى يتبوأ اليوم مسئوليات كليات التربية الفنية وقيادتها.
- وصفحات الفن عند الفنان كمال عبيد كثيرة وعديدة - وإذا أخذنا صفحة واحدة فى أعماله وكفاحه فى عدة مجالات - وبالنظرة السريعة إلى أعماله النحتية لكثير من (البورتريهات) الشخصية - لرأينا فيها هذا الفنان الحالم الثائر فى تعبيراته القوية - وأستاذيته الناضجة - كلنا تعلمنا منه الكثير وأتذكر عندما كنت أزوره فى منزله فى المطرية فى هذا الحى الجميل الذى كان يعيش فيه ورعايته لحديقته وحبه للزرع والأشجار - وكنت فى ذلك الوقت أقوم ببعض الأعمال الخزفية معه. فوجئت بهذا الفنان أنه قد شرع فى بناء فرن خزفى كبير - وكنت خائفا من ذلك من أنه لن يعطى النتيجة المحققة - فقال لى اطمئن أنا قد درست وقرأت كثيرا عن هذه الافران وسوف يعطى لنا ناتجاً جيداً فوجئت بعد أن قام يحرق به لبعض الأعمال ودعانى إلى منزله وفوجئت بالنتيجة المبهرة بل قد فاقت ما كنت أتصوره من نتائج - ولاشك أن الفنان كمال عبيد هو هذا الفنان العنيد فى اجتياح المعارف والكشف عن سر الأشياء وباطنها هذه الرغبة الجامحة ما كان كمال عبيد فناناً مميزاً .
- وبالرجوع مرة أخرى إلى أعماله النحتية وهذه (البورتريهات) والتى كانت اختياراته كانت دائماً هى (بورتريهات) لأصدقائه وأشخاصه المقربين إليه وإن دل هذا على أن إنه لم يفقد حق الاختيار - فالفنان كمال عبيد ليس هو من هؤلاء الفنانين الذين يؤجرون إحساسهم لغيرهم - أو نظير بعض القروش والماديات - فقد كان الفنان كمال عبيد- هو الفنان الذى يتجلى بإحساسه المتفرد فى تعبيراته وعمقها - وأتذكر فى كثير من كثرة احتكاكه معى سواء فى الأعمال الفنية وغيرها - كان دائماً أحساسه صامتاً ومتكبراً - وكنت دائماً أقوم بمحاولة إثارته ولكنه لم يكن هذا الفنان الذى يمكنك إثارته فهو هادئ الطبع مريح المعشر تدخل إلى إحساسه بسهولة وتخرج بنفس السهولة التى دخلت بها - فهو هذا السهل الممتنع - وهذه السهولة البسيطة التى لا تحتوى على عقد نفسيه أو غيرها - هى التى ساعدته على أن يخرج لنا الكثير من أعماله فى غاية اليسر- وقد استطيع القول أن الفنان كمال عبيد هو أحد هؤلاء المناضلين فى شق طريقة للفن من خلال جهوده الخاصة وذاتيته فى احتواء التعبير الفنى الخاص به.
- وإذا رجعنا مرة أخرى إلى خزفيات كمال عبيد - وعلى الأخص فى مجموعة أطباقه وفازاته التى دائماً ما كانت تسحرنا بجمالياتها - والتى كانت متأثرة بالفن الإسلامى ويرجع ولع الفنان بهذه المؤثرات نتيجة إلى انضمامه إلى مجموعة الفن والحياة والتى حاولت استعادة تراث الأمة.
- ولقد كان الفنان كمال عبيد بحبه العظيم لهذه الموروثات الشعبية والاتية: هى التى أعطته الكثير من سر هذه الفنون الشرقية القديمة - ولم تكن السهولة واليسر متاحة فى ذلك الزمان - ولكن بإصرار الفنان ودراساته المتعددة فى فهمة للتراث الإسلامى لم يكن سهلاً - ولكنه استطاع أن ينفذ إلى لب موضوعية فهمه للتراث - حيث إنه لم ينزلق فى المفهوم السطحى وتقاليد التراث. ولعلنى أقولها وبحق فقد كانت درجة تشبعه بالمفهوم التراثى - هى أحدى مشاكله الفنية التى كثيراً ما عانى منها - ولقد كانت دائماً مثيراً معه مفهوم التراث حيث قلت له أن مفهوم التراث هو ظل الإنسان - وعندما يكون التراث ظلاً للإنسان فهو خلفه وعلى الأخص عندما يسعى الإنسان إلى التقدم فالتقدم دائماً إلى مصدر النور والأمل وليس إلى خلفه أو ظله فالإنسان بطبيعة الأشياء فهو لا يرى ظله ولكن يعلم إن ظلاً خلفه وليس أمامه - فالنظره العميقة لمفهوم التراث: هو فهمه وإدراكه - ولكنه لا يكون بمحاولة استدعائه مرة أخرى - حيث أنه هو نتاج الحاجة والظروف الزمانية والمكانية (الزمكانية). التى ما كثيراً ما تكون مطروحة فى عصر ما !!! وفى زمان ما !!!
- وكثيراً ما كان يتفق معى فى هذا المفهوم - ولكن قال لى يوماً ما إنه متعلق بهذا التراث بدرجة كبيرة ولا يعرف كيف يكون الفرار منها - حيث أنها تجذبه بكل معارفها ومفاهيم التراث أو أنه صار أسيراً لهذا الفهم - ولا يدرك كيف يكون الفرار منها - وأدركت فى هذه اللحظة أن الفنان كمال عبيد - ليس هو بالفنان الذى تدفعه التيارات الفنية المتدفقة من الخارج أو من الداخل - وهو يفضل أن يكون أسير هذه الحضارة ومنتمياً إليها وليس خارجاً عنها.
- وهنا أدركت أن الفنان كمال عبيد ليس هو بالفنان الذى تجذبه الرياح أو التيارات الأخرى وهذا الأمر أيقنته بعد ذلك - ليس من خلال إصراره على انضمامه إلى تراث الأمة أو بالولع به - ولكن إيمانه قد فاق الحقيقة من منطلق أن التراث هو جزء منه - لا يمكنه الإنفصال عنه أو البعد عن مدركاته التى أصبحت مكوناً حقيقاً لإحساس الفنان بالعمق التاريخى وأنه قد استبعد أى محاولة للمغامرة بخطوات قد تكون خارجه عن نطاق الحقيقة الفاصلة أن مصر بحضارتها وتكويناتها الحضارية لم تأت من فراغ ولكن هذا البنيان هو الإرث الحقيقى الذى ورثته شعوب المنطقة - وبذلك أصبح من العسير تركك هذا الإرث بكل ما فيه مدركات والتى تشبعت به كثير من الشعوب الأخرى - ولهذا السبب كان على الفنان المصرى عدم قدرته على ترك هذا الإرث الحضارى الضخم وخصوصاً بالنسبة للفن بشكل عام والتشكيلى بصفة خاصة.
- وبذلك أدركت أن من الصعب أن يترك الفنان كمال عبيد هذا الإرث دون أن يكون هو جزءاً منه - وإذا كانت هناك فنون أو حضارات وفدت على مصر فقد صبغة بالتفكير الوجدانى لمفهوم الإرث للحضارة المصرية القديمة (حضارة الفراعنة) وإذا كانت هناك حضارات وافدة سواء الإسلامية أو الرومانية وغيرها مما قد تأثرت لها وأثرت فيها - كان لشعب مصر رؤياه المتغيره نحو سمات هذه الحضارات - والتاريخ شاهد على ما قامت به مصر فى التأثير على كثير من الفنون الوافدة إليها وصبغتها بصبغتها الحضارية وأنى لعلى يقين واعتقد أن الفنان كمال عبيد هو من هذا النوع من الفنانين - الذى له ارتباط جذرى بتلاحمه مع هذه المؤثرات التشكيلية والعقائدية حيث أن العقيدة قد تكون جزءاً هاماً فى تشكيل البشر - وما يهمنا هنا هو هذا الارتباط الكلى للمفهوم الحضرى الذى يقوم عليه البناء العام للإنسان.
- وإذا كان الفنان كمال عبيد هذا الفنان الذى كانت جميع محاولاته هى الوصول إلى لب الحضارة الإنسانية - فيكون قد أثبت بالنظرة التاريخية المتفحصة وبدون نقل سمات هذه الحضارة ومحاولة لفهمها بعمق فهمها فى عصرها وما أدته فى تفاعل حضارى على مدار التجربة الإنسانية التى أثبتت أن المكونات الحضارية لا تتغير بمرور العصور عليها غير شكلها وصياغتها فى إطار عناصر جديدة - أو صياغات جديدة قد تبدو للوهلة الأولى أنها جديدة وهى ليست بجديدة.
- والفنان كمال عبيد هذا الفنان المارق الذى استطاع أن يضع قدميه على طريق الفن بكل الثوابت التاريخية والجغرافية فى هذه المنطقة الحساسة التى تعيش عليها الشعوب المتحضرة التى صنعت أول حضارة فى التاريخ.
- وإذا أردنا أن نعيد التاريخ فلابد فى إعادة رؤيانا مرة أخرى - على ثوابت ثابتة أن التاريخ لا يعيد نفسه مرة أخرى إلا إذا كانت هناك أفكار جديدة يعيش عليها الإنسان متلاحما مع أخيه الإنسان الأخر فى تحويل ثوابت حضارية جديدة لكى ينطلق منها إلى آفاق تكون أكثر نفعاً وارتباطاً للإنسان بعيدة عن ماديات العصر الخارق فى مفاهيمه الغير إنسانية وبعده عن الإنسان.
- وبذلك استطاع الفنان كمال عبيد أن يرتبط بالإنسان فقدم ما يحتاجه الإنسان فى إشباع أولاً لرغباته التعبيرية والاحتياجية وبذلك نجح الفنان كمال عبيد فى مسيرته الفنية وحقق من خلالها ارتباطه أولاً بالأرض وما عليها من بشر.
- وإذا كان هناك بعض الفنانين الذين فرقوا بين فنون النفع والفنون البحتة وكلا الاتجاهين - إن لم نعرف وظيفة الفن الحقيقة سوف نضل الطريق وتصبح فنوناً مجرد هراء ونغوص فى مفاهيم التعبيرات السطحية لمفهوم الفن دون النظرة الجادة للاحتياج الحقيقى لوظيفة الفن التى ناشدها وسعى إلى تحقيقها الفنان كمال عبيد على مدار كفاحة الطويل.
- كل الرثاء إلى الفنان كمال عبيد
الأخ والزميل والأب والأستاذ والموجه
إلى كل هذه الصفات النبيلة التى عرفتها عنه وتلاصقة معه طوال مراحل تاريخه الفن الطويل إلى من أحببت.
بقلم : أ.د. صالح رضا

` أستاذ أساتذة الجيل `
- نادراً ما تجتمع الصفات الحميدة النبيلة فى شخصية
- كما اجتمعت فى شخص الأستاذ كمال عبيد.
- الحكمة والرحمة والتسامح والعلم والفن.
- دائماً حكيم فى تصرفاته وأفكاره وأفعاله.
- رحيم بكل من حوله محب للخير متسامح.
- متفان فى إتقانه لكل شئ يجد لكل مشكلة حلا، لا تعقيد فى أمر من الأمور مهما كان حجمها.
- سمح معطاء لا يبخل بالجهد والعطاء من عمله وفنه.
- كبير فى علمه وفنه وأحكامه ، لا يسئ إلى أحد ولا يلفظ بسوء أبداً ولا ينتقص من قدر أحد أبداً متفائل لا يلوم ولا يئن ولا يشتكى .
- تعرفت بالأستاذ كمال عبيد منذ خمسين سنة لم تتغير أخلاقه وصفاته ، وعاصرت نشاطه الفنى وبحوثه القيمة من نحت وخزف وتربية ، فهو المربى للمثل العليا والمؤسس للفن الأصيل فهو أستاذ أساتذة الجيل.
- وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا فأكرمه بأبنائه يحملون صفاته وجيناته السوية القوية الإيمان.
- بارك الله فيهم جميعاً.
بقلم : أ. د . عايدة عبد الكريم

أستاذنا الفاضل الفنان/ كمال عبيد
- عرفته عن قرب فى نهاية الستينيات من القرن الماضى، فوجدت فيه الإنسان والأستاذ القدير والمتميز، جمع بين الفكر التربوى والإبداع الفنى فى أعماله فى النحت والشكل المجسم فخرج به عن القوالب التقليدية، وخرج بالشكل الخزفى التراثى إلى التعبير الحر المعاصر، فجمع بين الأصالة والمعاصرة فى أعماله تناول الطبيعة فى شتى عناصرها فكان الطائر والحيوان والإنسان والنبات مفرداته الثرية التى أكسبها الحيوية بتناوله لها بحسه العالى، فاكسبها بساطتها واختزل من هيئتها ما أكسبها تفردها وتنوعها. فالتجسيم عنه إيهام يؤكده ثراؤه الإبداعى، ومقدرته التعبيرية من خلال القيم الجمالية والتشكيلية، ومعالجته السلسة لأعماله بملامس حسية تتكامل مع بعضها بحذق وبراعة الفنان المتمكن والمتمرس الإستمرارية لمعايشة العمل من جميع الزوايا وببراعة شديدة تتيح للضوء الانسياب، ليؤكد وجود الكتلة العامة فى الفراغ المحيط، وفى وضوح شديد.
- تناولت أعماله فى التماثيل الشخصية مجموعة من الشخصيات العامة والمؤثرة كان لها دورها الهام فى تشكيل الحياة السياسية بمصر، فعبر بها عن وجدان الشعب المصرى فى تلك الحقب التى تعاقبت على أرض مصر خلال النصف الثانى من القرن العشرين.
- كان إلى جانب دوره كفنان قدير، ظهر فى جيل العمالقة بجوار أساتذته منصور فرج، وأحمد عثمان، دوره الجلى والواضح كأحد رواد التربية الفنية فى مصر أمثال محمود البسيونى، حمدى خميس، مصطفى الأرنؤوطى، وعبد الغنى الشال. كان تعامله مع البشر على كافة المستويات، وفى مختلف التجمعات واللقاءات دون التعصب لتجمع معين، لا يبغى سوى الصالح والمفيد للجميع مؤكداً على المثل، غارساً الحميد من القيم مهما لاقى من صعاب مما جعله مصدر ثقة وحب على كافة المستويات.
- كما كان لإسهاماته فى إنشاء أقسام التربية الفنية فى مصر والخارج الدور الهام فى انتشار أفكاره وآرائه التى نادى بها لتأكيد فلسفته الخاصة وفكر التربية عن طريق الفن والذى كان أحد رواده والعاملين على تطبيقه. رحم الله الراحل العظيم، وعلمنا من فيض علمه الغزير، وسوف يظل منهاجاً ونبراسا يحتذى به مدى الحياة.
بقلم : أ. د. فاروق إبراهيم

الفنان الكبير والعلامة الدكتور كمال عبيد
- ماذا أقول فى أستاذى الفنان الكبير والعلامة الدكتور كمال عبيد فهو الإنسان العظيم ذو الفكر الأصيل .. النابع من ذات وخبرات عميقة الثراء .. استطاع أن يحقق هذه الإنسانية الرائعة فى أعماله الفنية الخزفية والنحتية والمضيئة بكل معانى الخير والحق والجمال .. باستاذية لا نظير لها.
- كان رحمه الله ينبوعاً من الخبرة المتكاملة والحكيمة .. وفيضا من العطاء لاجيال عديدة من تلاميذه .. أساتذة مجالات الفنون والتربية الفنية .. وستظل أعماله وطرزه الفنية الخالدة مدرسة بل منارة للفن .. تضئ الطريق لكل باحث عن قيم جادة أصيلة ومعاصرة.

بقلم : أ.د. ليلى السندبونى

أستاذ الأجيال
- رحل عنا أستاذ الأجيال، الذى كان أخا لنا وصديقاً للجميع.. إنه الفنان المصرى الرائد كمال عبيد. رحل بجسده عنا ولكن روحه تحوم حولنا، نتذكر منها كلمته التى ينبهنا فيها إلى أهمية الفن المصرى القديم والفنون الإسلامية، فقد كان رحمه الله محباً للتراث والأرض، عطاءً لتلاميذه، كريماً فى بيته كما كان كذلك فى عمله.
- كان أستاذاً ومؤسساً للمعهد العالى للتربية الفنية للمعلمين، يحمل فكراً خاصاً ومدرسة متميزة فى فن النحت قائمة على الطبيعة والتراث واحترام تعبير الطفل وتشجيع طلبته بالجوائز، وقد شاهدت توزيع جائزة باسمه لأحسن دارس بالكلية فى فن النحت.
- وكان لى الشرف للدراسة على يديه ومن أوائل من درس فى مرسمه بالمعهد العالى للتربية الفنية للمعلمين عام 1957 نظام العام الواحد.
- جمع الفنان كمال عبيد الأستاذ مختلف الخامات وقام بالتجريب فى فن الخزف الإسلامى والرسم والتصوير الزيتى.
- لقد فقدناك كأستاذ لنا وبيننا ولكنك دائما معنا بما أرسيته فينا من قيم وفن وما خلقته لنا من تراث فنى كبير.

بقلم : أ.د . ليلى سليمان

الفنان الرائد الصديق
- كان أول لقاء شخصى بيننا فى أسوان عام 1951 حيث يقام المخيم التعليمى السنوى للمعهد العالى للتربية الفنية للمعلمين، يتعايش فيه الطالب مع الطبيعة والبيئة والأستاذ لمدة 15 يوما معايشة كاملة مع طبيعة أسوان الجميلة.
- وكان الأستاذ الفنان كمال عبيد أحد المشرفين من أساتذة المعهد على هذا المعسكر.
- كنت من المعجبين ` كطالب فن بكلية الفنون التطبيقية ` بأعماله النحتية واحترامه كرائد وكان اللقاء فى أسوان مع هذا الرائد الكبير لأول مرة.
- عايشت بعدها الفنان الرائد كصديق شخصى له ولأسرته منذ ذلك التاريخ، ساعد على ذلك محل اقامته بحى المنيل بالقاهرة، وكنت أنا وأسرتى نقطن الشارع الخلفى له.. جمعت الصداقة الشخصية أيضاً بينى وبين الفنان الكبير الراحل الأستاذ مصطفى الأرناؤوطى لقرب سكنه من المنيل (بحى مصر القديمة).
- ولعلنى أذكر هنا أنه من أهم أسباب التحاقى بالمعهد العالى للتربية الفنية للمعلمين شارع الأخشيد بالروضة عام 1953 كان الفضل فيها يرجع لكل من الصديقين كمال عبيد ومصطفى الأرناؤوطى.
- أثرى كمال عبيد حركة الفن التشكيلى خلال فترة الخمسينيات وما بعدها بما قدمه من ريادة فى فن النحت ` التشخيصى ` الراقى والذى تزامل فيه كريادة مع الفنان منصور فرج، أحمد عثمان، انطوان حجار، مصطفى متولى، جمال السجينى ، أنور عبد المولى..
أثرى كمال عبيد بشخصيته، كرياضى، ومثقف، وإنسان وكمعلم حياتنا تعلمنا منه الكثير وفتح أمام جيلنا وأجيال من بعدنا أفاقا نعايشها ومازلنا نتعايش معها.
- وأذكر دائماا مجموع الأساتذة كلهم أستاذى الفاضل عبد الغنى الشال وأ / كمال عبيد ومحمود البسيونى مع حفظ الألقاب كلها، يوسف العفيفى، حمدى خميس كان مقلا فى هذا الموضوع، الأرنؤطى الذين أنا أطلق عليهم وأطلق عليهم دائماً فى كل كتاباتى ` المبشرين ` مجموعة المبشرين لعلوم الفن والتربية الفنية، والذين حولوا الجانب الحرفى فى كليات الفنون إلى جانب علمى حقيقى وأكدوا أهمية العلم بالنسبة للفن وكان يوجد مباراه بين كلية الفنون التطبيقية وكلية الفنون الجميلة فى ذلك الوقت على حرفية الفن - وانا من خريجى المعهد العالى للتربية الفنية بالمناسبة وأدين لهؤلاء الرواد بالكثير - اللى حدث فى الخمسينات والستينات بالرغم من كل الجماعات الفنية التى ظهرت ، وكل ما قيل عن أسماء كبيرة فى الفن، أنا أقول أن المعهد العالى للتربية الفنية بكل الأساتذة الموجودين فيه حولوا الفكر، وأكدوا معانى كثيرة فى الفن أ/ كمال عبيد تعرفت عليه فى هذا المعسكر وأحنا كنا فى كلية الفنون التطبيقية أيضاً فى رحلة من الرحلات ويمكن ذكرياتى أيضاً مع الأستاذ الشال كبيرة جداً وكثيرة. سأذكر جانباً منها. الأستاذ كمال عبيد وجدته فى الصباح الباكر بيلعب رياضة تنس وبعد الظهر أجده فى مكان أخر مع تلاميذه كانت حاجة أستاذية فقد كان أستاذاً يتعامل مع الطلبة أولاده وزملائه كأنهم أصدقاؤه هذا جانب، بعد ما رجعنا أنا كنت ساكن فى المنيل وهو ساكن فى أول الشارع وأنا ساكن فى نهاية الشارع وكان الأستاذ مصطفى الأرنؤطى رحمه الله فى مصر القديمة وكان د/ حمدى خميس فى أول المنيل فكان فى لقاء أسرى دائماً مع المجموعة بعد الظهر على النيل من الناحية الثانية وأنا لسه مخلصتش فنون تطبيقية، جذبونى أيضاً لقسم الرسم أيامها وأتعرفت على الأستاذ حامد سعيد أيامها أيضاً من اساتذة التربية الفنية، سنة وأتخرجت ودخلت بعدها المعهد العالى للتربية الفنية وأتقابلت مع الأساتذة الكبار المبشرين للتربية الفنية فى مصر، مبشرين بالفن وعلوم الفن وفلسفة الفن فى مصر، كان الفن بالنسبة للدكتور كمال عبيد هو صداقته مع الآخرين، صداقة مع العمل الفنى نفسه، صداقة مع ذاته، صداقة مع أساتذته، الحقيقة أنا أتعلمت الكثير من هؤلاء الرواد ومن الأستاذ كمال عبيد شخصياً يعنى حبيت النحت لم أكن نحاتا صحيح كان عندنا فى الفنون التطبيقية أستاذ منصور فرج وأنا كنت ملازمه أيضاً، لكن الأستاذ كمال عبيد كان موضوعاً أخر كبيراً.
- كانت سمه من السمات المهمة جداً للدكتور كمال عبيد يعنى أنا أتعلمت كثيراً من أ/ كمال عبيد كأستاذ ودى أصبحت قليلة جداً هذه الأيام موضوع الأستاذ الملاصق لتلامذته وأنا يمكن أكون أكبر التلامذة بتوعه سناً هنا فى المجموعة الموجودة حالياً لكن أنا أدين الحقيقة له بالكثير. أ/ كمال عبيد كان ` دمه خفيف` جداً طبعاً وأحنا عارفين، كان جاد جداً وكان حريصاً على حاجات كثيرة أتعلمناها إلى جانب كل الحوارات التى كانت تتم داخل المعهد العالى للتربية الفنية مع الأساتذة ومع الأستاذ كمال عبيد ومعها بعد الظهر وعلى السندوتشات على النيل... الخ كانت بحق تلمذه داخل المعهد وخارجه، أرجو أجيالنا الحالية يأخذوا أمثلة من هؤلاء، اساتذتنا الكبار، اللى أحنا فى سننا هذا لسه متذكرين نقاط عظيمة جداً فيهم حولتنا إحنا شخصياً وما زالت تحول فينا يعنى أين الأستاذ اليوم الملاصق لتلميذه؟ أين الوفاء الموجود حاليا بين الحوائط حتى حوائط المكان؟ - رحم الله الفنان الكبير والمعلم والأستاذ والصديق والأخ العزيز وأرجو أن نكون دائماً على هذا الدرب.
بقلم : أ.د. محمد طه حسين

` معنا فى قلوبنا وفى أفكارنا بأعماله `
- هل الأستاذ أو المدرس بكلية فنية مبدع فقط؟؟
- أم لابد أن ينشئ مجموعة تواكبه فى الإبداع
- هناك الكثير .. ومنهم الفنان القدير` كمال عبيد ` أقول هذا .. عن علم !! فتخرجى معه قريب فى مدرسة الفنون التطبيقية حيث تخرجت عام 1941 وكنت فى التعليم الثانوى ومصادفة فوجئت بالفنان القدير حبيب جورجى داخل حجرة التدريس (التى فقدت فى المدارس) وكان كبيراً للمفتشين فأعجب بعملى وبأسلوبى، فسألنى عن مؤهلى .. فأكد علىَ بالدراسة التربوية، لذا التحقت بالمعهد العالى للتربية الفنية فى عام 1946 ففوجئت بـ (كمال عبيد) أستاذ النحت .. فكان تعامله معى كزميل فى المعاملة وكأستاذ فى التدريس هذه سمة قلما نجدها فهو كفنان فلا ننسى إبداعه العظيم خصوصاً فى تشكل ` الحيوانات `.
- ` كمال عبيد ` إذا كان أستاذاً وفناناً فيتوج بمعاملته مع الرئيس كما هى مع المرؤوسين.
- وهذا هو السلوك والخلق العظيم الذى سينير قبره، وكذا دعاء الفنانين التشكيليين لحبهم وتقديرهم له.
- ` كمال عبيد ` فقدناه ولكن معنا فى قلوبنا وفى أفكارنا مع أعماله الفنية.
بقلم : أ.د.يحيى أبو حمده

الفنان الخزاف كمال عبيد
- يعتبر الفنان الكبير كمال عبيد خزافا من الطراز الأول، رغم أنه نحات من الدرجة الأولى، أستاذ فى مادته، مرهف الحس، تلعب أنامله بخامة الطين فى حساسية رائعة، تجد فى أعماله الفنية سمات الشخصية التى يعبر عنها، عشنا معه فى المعهد العالى للتربية الفنية منذ عام 1957 حين شارك أستاذنا الكبير الدكتور الشال فى بناء الفرن البلدى لحريق الخزف فى سطح المبنى، كما قام بمد جسور الخزف بين الصحراء العبيدية جنوبا والصحراء الشالية شمالاً، كان الأستاذ عبيد يحسب الحسابات الدقيقة للفرن وقد قام بنفسه ببناء فرن لحريق الخزف كبير الحجم فى الفناء الخلفى للمعهد لقد ابتكر نموذجا لفرن الوقود يمكن للمبتدئ أن يحضر عدد قوالب الطوب الموجودة فى النموذج ويبنى فرناً بدقة واتقان.
- لقد كان خزافاً متمكنا فى مادته يساهم فى تعليم أبنائه الطلاب كما كان يقدم حوارات خزفية مع أستاذنا الكبير الدكتور الشال. لا يبخل على طلابه بأى شئ مهما كان، سألته ذات مرة عن بناء الفرن لأنى كنت أرغب فى بناء فرن فأصر على الحضور لمنزلى لمشاهدة الفرن ومتابعة بنائه ومنحنى من توجيهاته وإرشاداته.
- علمنا كيف نبنى الفرن الكهربائى وكيف نستخدمه. كما كان يناقشنا فيما نقوم به من تجارب ويوجهنا التوجيه السليم كان فيلسوفا ومربيا ومعلما وفنانا وباحثا وعالما.
- أذكر أنه كان ينادينى بأبو السيد كنت أحس بأبوته فى معاملاته معى ومع زملائى لقد كان لى شرف التتلمذ على يديه سواء فى المرحلة الجامعية أو الدراسات العليا وحتى خلال حياتنا معا فى الكلية كنا نتعلم منه الصبر والعلم والصدق.
- تتميز أعمال الأستاذ كمال عبيد الخزفية بقمة احترافه لتقنيات الخزف وتشهد على ذلك أعماله الفنية الخزفية التى تتميز بالأصالة والجدة والتفرد. سواء المستوحاة من التراث المصرى القديم أو الإسلامى أو الشعبى أو المعاصر.
بقلم : أ.د. السيد محمد السيد

لن يفارقنى حضنك الدافئ
- عندما جلست فى رحاب ذكرى عطرة لرحيل رجل عظيم، هو الأستاذ/ كمال عبيد تزاحمت فى وجدانى العديد من الخواطر، الخاطرة تدفع بالخاطرة تريد أن تأخذ مكانها. وفى زحمة الخواطر أدركت أننى لن أستطيع التعبير عما يستحقه هذا الرجل. فهل أبدأ بالحديث عن المعلم الفنان، أم بالفيلسوف المتأمل عاشق الروحانيات والذى كان رمزاً متوهجاً لها، أم بالرياضى الفذ الذى أحب كرة المضرب وبندقية الصيد وكان يشاركنا الكرة الطائرة، أم بذلك المضياف الكريم الذى فتح بيته (لى وللراحل النشار) لنأتنس به فى غربة الرياض، أم بالمجامل العطوف الذى أصر على زيارتى فى مرضى عندما سعى بكرمه المفرط وأخذ يخفف عنى ويداعب أبنائى بطاقته المتفجرة بالمحبة والعطاء.
- أربعون عاماً عرفتك فى الزمن الجميل، بل عرفت الزمن الجميل بك، أربعون عاماً من عمر أستاذيتك وصداقتك لى، فكنت حريصاً أن تكون صديقاً قبل أن تكون أستاذاً، أربعون عاماً تشملنا بحضنك الدافئ وعطائك الفياض، فكنت أستاذاً استثنائياً ونموذجاً فريداً وشامخاً.
- سيرتك العطرة، وذكراك فى عقولنا هى ذكرى الإبداع الحق، وهى ذكرى لزمن الشهامة والكرم والتواضع والتسامح والشفافية ونقاء الروح وحلاوة الحديث وخفة الظل وتوهج الحضور. لقد ساهمت بفنك وفكرك فى باكورة النشاط الطليعى الذى وضع اللبنات الأساسية للفن والتربية الفنية مع رفاقك الراحلين أمثال شفيق رزق وسعد الخادم وأبو خليل لطفى ومصطفى الأرناؤوطى وحمدى خميس ومحمود البسيونى، وعبد الغنى الشال أطال الله فى عمره، وقبل هؤلاء الرائدين حامد سعيد ويوسف العفيفى. وبفقدك ودعنا جيل الشوامخ، فكنت أحد الرواد العمالقة فى حركة التنوير فى الفن، وكنت كقبس من نور يبعث ضياءه إلى الكون، وكانت كلماتك سلاسل متصلة من الذهب، كنت ولازلت نبراساً للجميع.. بروحك وذكائك وفكرك وفنك، وستظل ذكراك إلى الأبد فى قلوب محبيك، سيبقى طيفك يفوق كل الصروح العظام. فأنت جزء لا ينسى من مسيرتنا الحضارية، وبكل منا جزء منك ومن فنك وعلمك.
- لقد تصديت بقوة لدعاوى التغريب والانتحال فى الفن، ومضيت بتلاميذك وحوارييك نحو تأكيد الهوية المصرية والكشف عن وجهها الشرقى - وعندما اكتملت رسالتك رحلت إلى الفردوس فى ملحمة يحف بها جليل أعمالك، بعد أن تركت فى كل منا بصمة من بصماتك. رحلت وتركت لنا أربعة زهور، نمت وازدهرت حتى صارت أربعة جنان يانعة ، يكفينى أن أذكر منها د. أمينة: الحديقة البكر.
- رحلت عنا ولم تمت، فأنت باق فى قلوب المئات من تلاميذك وأحبائك، فأنت قمة شامخة، والقمم لا تموت، وسيرتك تحف بها العطور، وعلينا أن ننتظر طويلا حتى يجود الزمان بمثلك.
- أنك لم تفارقنى ولو لبرهة، فلا زلت أسمع صوتك، ولازلت أستنير بحكمتك وأتلمس ودك، وأحيانا يعتصرنى الفراق، ويلوح أمامى حنين اللقاء وأتذكر نداءك لى ` أبو داوود` فأشتاق إلى سماعها منك.
بقلم : أ.د. سليمان محمود

أستاذى الفاضل، والدى العزيز.. كمال عبيد
- شرفت وكان لى الحظ العظيم أن أكون واحدة من الطالبات التى درست على يد الأستاذ والفنان والمربى والأب الأستاذ كمال عبيد. لقد كان لأدائه التربوى فى التعامل مع طلابه فى كافة المراحل التعليمية مذاقا وأسلوبا خاصا فى إيصال المادة العلمية بطريقة مشوقة وميسرة، تحمل الكثير من القيم الأخلاقية والتسامح والتعاون والتواضع وصحوة الضمير.
- ما أجمل وأكمل أن يتحلى الإنسان بكل هذه الصفات التى تفرد بها أستاذنا الجليل.
- لقد كنت أول دارسة تتلمذت على يده بمرحلتى الماجستير والدكتوراه فى مجال النحت مع بداية الدراسات العليا بكلية التربية الفنية بالزمالك عام 1968، وتعود بى الذكريات إلى نهاية الستينيات حيث كان منهاجه فى تأهيلنا كأكاديميين أن يستكمل معنا مالا نعرفه فى مجال التخصص وأن نغوص معه فى دقائقه، فقد كان يؤمن بأن تمكن الفنان من تقنياته وأدواته وتطويعها لصالح العمل ضرورة حتمية للوصول به إلى مبتغاه.
- لقد باح لنا بكل ما اعتبره البعض من الأساتذة والفنانين اسرار مهنة سواء فى مجال النحت أو الخزف، الكثير والكثير الذى لا يمكن حصره من الدروس المستفادة والعميقة الأثر، والتى تدل على نقاء الضمير والمخزون الثقافى فى الناتج من التجارب المتعددة فى مجال الفن والتربية الفنية. هكذا كانت معاملته لجميع تلاميذه ومريديه من الطلاب فى مرحلتى البكالوريوس والدراسات العليا. فهو الفنان المبدع والمربى الفاضل والأب العزيز، فهو حاضر فى أذهاننا جميعا، ولم ولن يغيب عن تفكيرنا لحظة واحدة ما حيينا.
- الحقيقة أنا كنت فى البداية تخصص خزف وحولت نحت، الحقيقة شعرت بالأبوه وشعرت فعلا بالأستاذ القدير والمربى الفاضل والفنان العظيم أ.د/ كمال عبيد الذى لم يتركنى فى حاجة أبداً سواء فى العلم أو فى التعامل مع الناس أو فى التقنيات، الحقيقة فعلاً لم يجعلنى أحتاج أبداً لأى شىء سواء فى النحت أو فى الخزف، ولم تكن توجد مراجع، ولا رسائل علمية فحقيقى كان يحاول أن يبسط لى كل شئ سواء فى اتصالاته بالناس اللى هو وصلهم، يتصل بيهم ويطلب منهم أن يساعدونى فحقيقى أنا شعرت إننى لست مجرد تلميذة عنده لكن بنت من بناته فعلاً لدرجة علاقتى بزوجى لما يحصل حاجة من كثرة ما نتكلم عنه فى البيت كان زوجى يشتكينى للأستاذ كمال عبيد، ويمكن كان يقوللى تعالى جنبى ويكلمنى كأنى بنت من بناته، فهو ليس أستاذا وحسب وليس إنساناً فقط ، هو الإنسانية كلها تتجسد فى شخصية الأستاذ كمال عبيد، أنا فعلاً فى مجال النحت علمنى كيف أتعامل مع الطلبة ، حتى إن د/ درويش لما يحضر الآن يقول لى لسه الطريقة بتاعت أ/ كمال عبيد بتتبعيها حتى الآن، واحد واحد أشوفه لأن هذه الطريقة أتحفرت خلاص جوانا، مقدرش إن أنا أتخلى عنها أتربيت عليها كان بيلمنا فى مكان مترين × مترين أنا والدكتور محفوظ، د/ درويش، د/ رشدان كان أكبر شوية ولكن كان نقعد فى حته مترين × مترين نشتغل وكان المكان على ضيقه يسعنا، مكنش فيه تنافس كان فيه حب وكنا كلنا بنشتغل، والأحجام كبيرة، لم تكن أحجام صغيرة، ولكن حسيت إن أنا كل أسبوع أجيب تمثال والأسبوع اللى بعده أشطبه، مش مجرد بطلع إنتاج، بحيث طلعلى فعلا فى خامة الطينة تراكوتا كثير جداً، وحبيتها، وحبتها من أيه؟ من الطريقة اللى هو بيعلمنا بيها، ازاى أنا ينكسر تمثل سليكات صوديوم وكأن مفيش حاجة خالص، ازاى أنا ألون؟ ازاى أنا أعمل ملمس؟ ازاى؟ ازاى؟ ازاى أعمل براد حقيقى علمنى كل التقنيات للتراكوتا بحيث أن أنا فعلاً يمكن 90% من شغلى تراكوتا، وعلشان هو حاسس إننى كنت بحب الخزف وأقسم بالله إنى ما تعلمتش خزف إلا من دكتور كمال عبيد لإن د/ الشال سابنى علشان أنا حولت نحت وكان تقنياته لا تتخيلها، يعنى السرية اللى كانت فى الخزف وكنا خايفين منها خالص، خلانى أعمل الجليز بالعيار، زى إن أنا أعمله بالكوب، دخلنى فى إنى أشتغل فى الفرن وأشوف وأحرق فى الفرن البلدى وأرص وأمارس وصنع لى فرن تجارب بالطين و يقول لى نعمل فرن ونعمل أسلاك، وأجرب وأشيل وأحط، يعنى تقنيات يمكن أنا فعلاً الخزف ده بقى كده عندى من الممارسة والخبرة والمعايشة اللى علمها لى أ/ كمال عبيد فى الشغل معاه ، د/ على بيقول الكركاز داهوه معلمنا من الألف إلى الياء فى تقنيات النحت لازم يعلمنا الكركاز ولازم يعلمنا البورتريه ازاى أعمله ولازم يعلمنا البنية الآن فى الدراسات العليا د/ درويش بيعانى من مرحلة دكتوراه مش عارفين يعملوا كركاز للبورتريه واحد عمل بورتريه ووقع، لكن أحنا وأحنا طلبة فى الأندر كان بيعلمنا كل شئ، مفيش سر النواحى الإنسانية اللى بنتكلم عليها فى الدكتور كمال لا تعد ولا تحصى دا أنا كنت بشتغل ألاقيه عامل فحم وحتة خشبة ورايح يجبلى أنا لحد عندى الشاى. أنا اللى تلمذته، بيجبلى الشاى وأنا قاعده بشتغل، مش كده بس كان بيجيب العيش والطعمية والدكتور الشال يشهد على ده، ويقول يا لا يا أستاذ الشال وكلنا مش الأساتذة لوحدهم والطلبة لوحدهم، ونقعد كلنا كأننا مش طلابه لأ كأننا بناته وولادة، لأجل هذا فأنا أشعر إنى فقدت الكثير، أقسم بالله أن أنا متعلمتش من أبويا زى ما تعلمت من كمال عبيد فى كل حاجة، أبويا خلف وربى، لكن ده علمنى سلوك سلوكيات ازاى أتعامل مع الناس، ازاى أتعامل مع الطلبة ازاى أكون محبوبة من الناس، مفيش كبرياء، مفيش زى ما بيقولوا العنطزه، مفيش الجرى وراء المناصب كل هذا زائل ولا يبقى إلا الإنسان وروحه الخالدة.
بقلم : أ.د. عفاف عبد الدايم

وهج من الضوء يشع منه ويتحرك حوله
- من أثمن الأشياء أن يمتلك الإنسان مصادر متنوعة للفخار ولمشاعر الامتنان والاعزاز والرضى .. ومن أثمن الأشياء أيضا أن تكون هذه المصادر مصادر بشرية روحانية البناء والبيان ..
- لقد كان الأستاذ والفنان كمال عبيد وسوف تبقى ذكراه - مصدراً للفخار والاعزاز بالنسبة لى، فأنا فخور حقا أن أكون تلميذا لكمال عبيد ..
- فى العام 1957 وفى اتيليه النحت بالطابق الثالث بالمعهد العالى للتربية الفنية بالروضة القاهرة التقيت للمرة الأولى بهذا العملاق الروحانى ... موجات من الود وموجات من الرقة والخفة والحنان والتراحم والحكمة والحسم تطالعك وأنت فى حضرته.. تعلمت على يديه أصول فن النحت وتتلمذت على بنود تلميحاته الفنية والجمالية والفلسفية .. تحركت الأيام كبرنا ونضجنا وصرت قادراً على متابعة قوته المنطقية والروحية على حد سواء .. ظللت دائما أسعى إلى لقائه وتحيته والاقتراب منه .. فى كل وقت وفى أى مكان .. لقد كان وسوف يبقى دائما حضوره الروحى عملاقا وخالدا .. تأملت منحوتاته وأدركت قدراته على بث السلام والجلال والسمو فى أعماله التى تؤكد امتلاكه لأسرار الجمالية المصرية التى امتلكتها وبثتها الحضارة المصرية القديمة ...
- لقد استطاع كمال عبيد بخبرته الذاتية العتيدة أن يتجه إلى عالم الخزفيات وتمكن من تحقيق نجاحات كبيرة فى هذا المجال إن الإشارات الصادرة من معرضه الذى أقيم مؤخرا بمجمع الجزيرة للفنون بالزمالك أنما تسمح لنا بمتابعة نماذج من أعمال هذا الفنان فى مجالات النحت والرسم والخزف..
- وبالرغم من الاختلافات الواسعة بين المجالات الثلاث النحت والخزف والرسم.. إلا أننا نستطيع وبيسر أن نلمس خيطا واصلا بين هذه المجالات الثلاث التى انتظمت فى معرضه فروح كمال عبيد تسيطر على كل شئ .. فلا يستطيع المتلقى إلا أن يتوقف كثيرا قبل أن يبدأ حركته داخل المعرض والتوقف هنا مصدره ليس بصريا فقط ولكنه توقف محسوم بالقوة الروحية الصادرة من كل الأعمال.. شئ غريب وجديد حقا أن يتملك المشاهد شعور بالمهابة والجلال شعور يذكرنا بلحظات الهدوء النفسى الذى يتملكنا ونحن فى اتجاه الدخول إلى معبد مصرى قديم.. أو ونحن نتحرك بقوارب فى منطقة الصخور جنوب أسوان أو ونحن نتحرك حول معابد فيله.. أنه نفس الإحساس أيضا الذى ينتابنا ويسيطر على مشاعرنا ونحن نرسو على شواطئ النيل حيث تتوقف المركب أمام مشهد معبد أبو سمبل ومعبد نفرتارى .. أنها لحظات مهيبة لحظات روحانية الطراز لحظات تدعونا إلى التأمل والاستغراق فى التأمل.. هذه هى نفسها المشاعر التى تملكتنى وأعتقد أنها تملكت الكثيرين غيرى من مشاهدى معرض كمال عبيد فى مركز الجزيرة للفنون .. لحظات التوقف لتلقى وتأمل المشهد الإجمالى لهذه الأعمال.. ثم وبعد مرور هذه اللحظات تحركت فى اتجاه الأعمال لتلقى رسالة كل عمل على حدة مجموعة البورتريهات أو الوجوه الشخصية والحديث عنها.. أنها ليست نقلا ميكانيكيا أو حرفيا للشخصية.. فأتت أمام حدث فنى تقف أمام وجه الأستاذ مصطفى الأرناؤوطى - على سبيل المثال - فتجد نفسك ترسو بعينيك على شواطئ التمثال لتبدأ فى الحال حوله أو بالأحرى رحلة حول معالم الوجه العيون الأنف القمم الجبهة الأذن الشعر.. هذه الرحلة تحكمها أنفاس الفنان أنه تمثال لوجه مصطفى الأرناؤوطى.. فمصطفى الأرناؤوطى حاضر.. لكنه غير حاضر بمفرده فمعه أنفاس وهمسات كمال عبيد.. ما أردت قوله هو أننى تمتعت برحلات روحانية حول البدن المادى لتماثيله وعندما انتقلت لتلقى تماثيله ذات الموضوعات العامة والتى شحنت بالكامل ينسق فنى خاص، وجدت أننى أتعامل مع حضور للحركة الهامة وللانتقال الهادئ من شخص إلى آخر ومن عنصر إلى عنصر مجاور.. أنها رحلة من نوع أخر تنتهى من القيام بها.. لكنها تبقى فى داخلك وتشكل معك رفيق دائم. القدرات ذاتها نتابعها من أعماله النحتية التى تمثل موضوعات للطيور أو للحيوانات.. وفى هذا المقام سوف اكتفى بالاشارة إلى النحت البارز - ريلييف - الذى يمثل موضوع الأمومة - بقرة وابنتها - حقيقى أن الوجود البصرى للبقرة ولابنتها موجود .. موجود بكفاءة وبقدرة رفيعة المستوى .. لكن الأجدر بالإشارة إليه هو ذلك النمو وذلك التواصل القائم بين الخطوط والأحجام والمستويات.. أنك لا تستطيع.. ولا تقدر.. على مغالبة قوة الارتباط بمتابعة سريان الخطوط وتداخل الاتجاهات أنك تشعر بالحنان وبالترابط وبالود حتى لو قلبت هذا العمل رأسا على عقب.. فالقضية ليست القدرة على تمثيل الواقع - كما قد يتوقع - صاحب النظرة السطحية - أنها القدرة على خلق المعنى وخلق المقصد وخلق الرسالة إنك أمام المعانى الحقيقية للأمومة وللمشاعر المرتبطة بها.
- ثم تتحرك فى اتجاه بعض أعمال الخزف وأتوقف أمام آنية صغيرة.. كم هى جميلة وكم هى مؤثرة وكم هى قديرة فى نقل مشاعر البشر والبهجة والسلام إلى أبصارنا وإلى بصائرنا.. وأنتقل لأقف أمام أحد أطباقه الخزفية الرائعة وأمام حكمته وصفاء نفسه وجلال تقنياته التى تبدو بسيطة بساطه كمال عبيد لكنها عميقة وبعيدة المنال أنها أخلاق كمال عبيد وقد انطبعت على سطوح الأطباق الخزفية.
- ومرة أخرى اتحرك فى اتجاه لوحاته المرسومة.. أنها كمال عبيد برقته وحنانه برقته وحكمته.. بصبره وحنكته.. بيسرة وحسمه وشجاعته.. البساطة الرائعة والعمق المذهل...
- أننى فى هذا المعرض وجدت نفسى أمام وداخل قوة روحية فى البداية وفى النهاية .. وجدت نفسى داخل القوة الأخاذة لكمال عبيد.. ذلك الإنسان الرائع والفنان الفذ.
- إن كمال عبيد شخصية متوحدة، بمعنى أن كل الكامن داخل كمال عبيد، سواء كان فى الجوانب الأكاديمية أو الفكرية أو الإنسانية، كل المفاهيم الراسخة عنده والمتجددة كلها، كانت متوحدة، حتى المعلومات الجديدة التى كانت تصله أيضا تدخل فى قضية التوحد، فهو كان إنسانا متوحدا، يصعب فيه الاختلاف، ومع تقديرنا للدكتور الرزاز فى حديثة العلمى عن ثلاثة مواقع للأستاذ كمال عبيد، إلا أنه من الصعب أن نقسم شخصية الأستاذ كمال عبيد، لأن شخصيته يصعب تجزئتها، فمن الصعب التحدث عن تماثيله دون الرجوع إلى شخصيته، ومن الصعب التحدث عن شخصيته دون الرجوع إلى أعماله، ولذلك كان كمال عبيد من الشخصيات ذات البعد الروحانى، بمعنى أن عنده قوة روحية بسبب هذا التوحد، وبسبب هذا القدر من التجانس.. كل مكوناته متجانسه، من هنا يأتى التأكيد على التوحد الكامل بين شخصيته الإنسانية وفنه.. ونذكر الآن إشارات مختصره عن السمات التى تميز أعمال كمال عبيد، وهى أيضا قضية يصعب تحديدها أو فصلها عن شخصيته الروحانية.
- لكن مع ذلك يمكن القول بأن هناك بعض الصفات أو السمات تبدو جلية فى أعمال كمال عبيد وهى أولا اليسر فى التفاؤل واليسر بالرغم أن فى حكم عقلية وقوية ولكن كل هذا يصل إلى حالة من اليسر، واليسر فى وجهة نظرى أصعب وأشق من التعامل التقنى المعقد، واليسر سنتكلم عليه فى جدارية البقرة التى فيها أمومة، السمة أو الأمر الثانى هو التأنى، التأنى فى حركة الخطوط التى نسميها الارتفاعات والانخفاضات الموجودة فى أعماله، لم نر زوايا، ولم نر تشتت، فيها نوع من التأمل، نوع من التدريج الانتقال التدريجى، من سطح لآخر ومن ملمس لآخر، الأمر الثالث التواصل بمعنى أنه لا يوجد مناطق فى أعماله الفنية تأخذ حقا أكثر من حقها فى جذب العين أو شد الانتباه، يعنى الشد البصرى الذى نتحدث عنه فى أعماله هو شد متواصل كما لو كان يأخذ عين المتلقى للتحرك المتأنى فوق تضاريس العمل الفنى، وطبعا هذا الأمر يحتاج إلى استعداد المتلقى لهذا التأمل.. كان كمال عبيد منجما للعطاء فى كل الأشياء السلوكية والفكرية والأكاديمية والإنسانية كلها متواصلة.. وعن السمات الجمالية فى أعماله، وهى تحتاج لحديث مطول، وليس من السهل علينا رصدها فى هذا المقام، ولكن أود أن نحاط علما ببعض هذه النقاط.
- .. تحدثنا عن التواصل، والآن نتحدث عن التتابع كمال عبيد كان قادرا على بث المودة بين أجزاء وتفاصيل العمل الفنى، وهو أمر روحانى يحتاج إلى الكثير من الشفافية لكى نستطيع أن تشاهد هذا الود الحادث بين أجزاء العمل الفنى، حتى التوتر أو البهارات التى كان يصنعها كانت من نوع هادئ وجميل ورقيق وإنسانى، توتر من نوع روحانى يبدو أنه مرتبط بالتقاليد المصرية القديمة.. ونتحدث بعد هذا عن سمة أخرى من سمات أعمال كمال عبيد، وهى التكامل، والتكامل قضية مرتبطة بالتراث المصرى الذى يؤكد على صفة الالتحام واكتمال دائرة الرؤية والتوحد مع العمل الفنى، هذا التوحد فى حضارات كثيرة يتحقق بطرق كثيرة، لكن عند كمال عبيد له ارتباط بالتكامل عند المصرى القديم، الذى هو ليس خطوطا عنيفة فى التضاريس المصرية، فالتضاريس المصرية من أيام القدماء حتى الآن، فيها قدر من اليسر فى التحرك من أعلا إلى أسفل أو من مكان إلى مكان، هذا الكلام موجود بالفعل فى أعمال كمال عبيد.
- سمة أخرى من سمات أعمال كمال عبيد هى الاتقان، كمال عبيد كان شخصية متقنة فى كل شئ، متقنة فى صياغته للحديث، متقنة فى تعامله الإنسانى مع البشر، متقنة فى تعامله مع تقنيات الفن المختلفة والمتعددة.
وهو كما ذكر الدكتور مصطفى الرزاز كان شغوفا جدا بالقضية الفنية ونحن جميعا تعلمنا منه الاهتمام بالقضية وأيضا أتاح لنا عدم الرهبة من التجريب والتجريب ده كان قضية مطروحة عند كمال عبيد بشكل قوى، أيضا أنا أرى أن من سمات أعمال كمال عبيد المثالية ولكن ليست المثالية الإغريقية أو الرومانية أو مثالية عصر النهضة ولكن مثالية من نوع مختلف ليست المثالية البصرية، ولكن المثالية ذات الأعماق، ليست بصرية وليست مادية، مثالية فيها كثير من الإشباع الروحى والإشباع الجوهرى الخاص بالجوهر، أيضا يوجد فى أعمال كمال عبيد قدر من العاطفة، قدر كبير من العاطفية فيها عاطفة، فيها عاطفته حضرت داخل الأعمال فى أى عنصر، أى وجه أو أى تمثال للكائنات الموجودة نجد أننا نشعر بقوة عاطفية تحتاج للكشف عن هذه العاطفية ، من أين أتت؟
- طبعا فى النهاية بالنسبة لمجموعة العناصر أو مجموعة الصفات أو السمات التى تميز أعمال كمال عبيد نجد أنه يبقى دائما النقاء، لدرجة أن ممكن نشعر أحيانا أن أعماله مصنوعة من مواد شفافة تحدثنا عن النقاء وسوف نتحدث عن الصفاء.
- فالنقاء يخص المادة ، والصفاء يخص النفس، وهو كان عنده القدرة على أن ينقى المادة التى يشتغل بها ولذلك حتى الطينة لما كان الواحد منا ينظر إلى التماثيل الخاصة به المصنوعة من الطينة، كان الواحد يشعر أن هذه الطينة فيها طاقة من الداخل تحرك الذبذبات التى تصل إلينا، يعنى ليست مادة سطحية ولكن هناك قوة داخلية كامنة داخل هذه الأعمال، ولذلك أنا شخصيا رأيت أعمال كثيرة لكمال عبيد منفردة لكن عندما دخلت إلى المعرض الذى كان فى الجزيرة أنتابنى شعور مختلف حقيقى وانتابنى حضور روحانى وأنا مؤمن بالحضور الروحانى واعتقد فيه ولكثرة الاعمال التى كانت موجودة فى هذا المعرض حدث تكثيف للمعانى التى بنقول عليها روحانية، وقد تبدو التماثيل تقليدية ولكنها ليست تقليدية فإنها مليئة بطاقات من الداخل.
- وبالرغم من تنوع موضوعات هذه التماثيل إلا أن الطاقة الروحية الصادرة من كل تمثال تكاتفت جميعها ليسمعوا أصواتهم للمتلقى الداخل على حضرة هذه التماثيل فتحولت من مادة إلى قوة لها تأثير حقيقى، لها تأثير فيه نوع من الرهبة، نوع من الجلال، نوع من التكامل فى العناصر المكونة للتمثال، كمال عبيد أيضا بسبب عدم القدرة على التجزئة، أظن أن هو كان عنده منجم روحانى كشروق الشمس، كمال عبيد دائما كان داخله نور، داخله كانت الشمس، كنت دائما أرى النور الخارج منه أو من المناجم التى عنده ولذلك كان كأنه موجة أو كأنه سحابة أو كأنه شعاع نور وليس مادة بشرية حقيقة، طبعا هذا الكلام فى الحقيقة بالنسبة لى ليس به أى مجاملات لأنه نحن جميعا نتفق على هذا ولكن بنعبر عنه بطرق مختلفة. فكان كمال عبيد له هذه الهالة المحيطة به وهو يتحرك، وهو يلعب تنس، وهو بيعمل نحت، وهو بيحاضر...، وطبعا أنا أرى أن هذه ملكة أو هبة ربانية يضعها فى بعض البشر لكى تكون قوتهم الروحانية والمعنوية وهويتهم ذات شكل آخر تذوب فيه الأشكال التى يمكن أن تشغل الآخرين، فشخصيته كانت فيها يسر شديد جدا ولذلك فهو كما قلنا من الشخصيات الى يصعب تجزئتها، التى يصعب أخذها من جانب وترك جانب آخر، شخصية متوحدة، شخصية نكرر أنها مليئة بالشمس والنور. ولذلك استطاع هو أن ينمى أو يشحن تماثيله بهذه الملامح التى تبدو أنها ملامح مليئة بطاقات أخرى يصعب الحديث عنه فى عجالة، واسمحوا لى أن اتحدث قليلا عن رليف واحد من أعمال كمال عبيد فى التقنيات والأسلوب، كمال عبيد التقنيات عنده كانت خادمة للرسالة التى يرسلها للمتلقى، ليس العكس والفنان لما يستغرق جهده فى الأمور التى تخص الأسلوب أو تخص الأسلوبية أو تخص هذه القضايا تصبح الرسالة غير موجودة، فهو كان فنان يهتم كثيرا بالرسالة التى تصل إلى المتلقى.
- هناك قوة دفع ضخمة فى العمل، ونحن شاهدنا الرسوم الخاصة بالثور الأسبانى المعروف لبيكاسو، والثور الأسبانى لبيكاسو كان له قوة دفع فى اتجاه معين، ولكن قوة الدفع هنا اعتقد أنها ذات مذاق مصرى. اللى هو يحدثك عن الموضوع بدون عنف شديد، فإنه ليس مضطرا هنا أن يضع خطوطا متداخلة تصنع انتقال ودفع لكن هو عمل أقواس ضخمة فى الخلف إلى أقواس هنا فى الأمام، الأم الكبيرة شايلة الرأس الخاص بالابنة لكن مفيش تحديد كبير هنا لكن لو نظرنا إلى مجموعة الخطوط الحاملة لهذا الحس ومجموعة التضاريس الحاملة لهذا الحس، نجدها كما لو كان هناك حديثا أو أصواتا صادرة من الاثنين، أيضا نجد أن هناك توحدا بين الأجزاء المختلفة لجسم البقرة الصغيرة (الابنة) وجسم الأم مرورا بأقواس أخرى تخص الأم ثم عودة إلى التفاصيل التى كلها دوائر متواصلة، دوائر فيها حنان، مفيش عنف فى الاتصال، أيضا هناك رجل الأم هى رجل واحدة لكن حاملة لكميات وأوزان هائلة، كأن الأم تعمل دفاعا لابنتها.
بقلم : أ.د. فرغلى عبد الحفيظ

العرفان بالجميل وألم الرحيل
- كلما نظرت إلى مكانة الخالى تتسع رقعة الحزن بداخلى ويزيد أسفى وحسرتى لفقداننا أستاذا جليلا ومعلما فنانا ومربيا صاحب مدرسة واتجاه فنى مميز، جمع بين قدرة الفنان المبدع والمربى الإنسان الذى استطاع أن يكون حكما فى جميع المواقف التى أدلى فيها برأى أو حاول أن يجد لها أو يدلى فيها برأى أو إيجاد حل لمشكلة استعصى حلها حتى يدلى فيها برأيه الذى يأخذنا به إلى الحل ببساطة ويسر وحكمة.
- لم أرى مثله فى التطرق إلى فعل الخير وقول الحق واتباعه وتنفيذه. كان إنسانا عف اللسان، يراعى فيه الفكر العميق الثاقب الذى يستند إلى تجربة واقعية وفنية وقد تميزت جماعته وجيله به، عندما لنا تصويراً كان مصوراً أكثر من المصورين ولم تقل إمكاناته فى كل ما قدمه سواء فى فن النحت أو الخزف أو التصوير أو غيرها عن أقرانه من أصحاب هذا النشاط الأصليين.
- وفى كثير من الأحيان كنت أراه مهندسا بارعاً وخزافاً عبقرياً ومصوراً صاحب مدرسة واتجاه.. لقد كان جاداً وخبيرا فى كل ما يتعلق بحل أى مشكل فنى أو غير ذلك مما يجابهه فى الحياة.. يستطيع خلال ثوان أن يصمم جهازا ويشغله بأبسط الحلول الموجودة أمامه أو متناول يده، أما التواضع فله أدلة وقصص تحكى عما أوصله إلى أعلى درجات التواضع والبساطة، محب للناس بطبعة بشكل عام ومحب للحياة لأنه فهم واستوعب تماما فلسفة النسق الإلهى فى الخلق ولدى عظمة الخالق والفكر الفلسفى الذى يجعلنا ندرك كل ما حولنا بشكل صحيح؛ وببساطة فإن ما قدمه لمجاله كان خيراً وحكمة وزيادة فى علم أو لبنة بناء.
- لقد ترك فى طلبته وزملائه من الأسس والعلاقات الإنسانية والفنية والعلمية ما يجعلنا نقول أن الأستاذ كمال عبيد علّم وربى وقدم لمجاله ولنا الكثير والكثير، وهو لازال بيننا بما كان له من فضل.
بقلم : أ.د. محروس أبو بكر عثمان

محمود كمال عبيد أستاذ عظيم، فنان قدير، وإنسان رائع
- أستاذى العزيز الراحل كمال عبيد علامة مهمة فى تاريخ الفن المصرى المعاصر بالرغم من عزوفه عن الدعاية والإعلام عن تجربته المتميزة كفنان وكمعلم وكإنسان فهو رجل متسع الأفق ومجال الإبداع والعطاء السخى.
- فهو كفنان قد عالج بأستاذية وعمق بصيرة فنون النحت والخزف بالإضافة للتصوير فى مجال النحت تدهشنى رصانة تكويناته المنحوتة فى الخشب لموضوع الأمومة وفى الحجر الصناعى والفخار والمصيص لموضوعات رمزية تعبر عن النيل محتضنا عنصرى الوادى السودان ومصر أو ترفع شعار الحرية والنهضة، ومنحوتات أخرى ترمز إلى إيزيس الباحثة عن روح الأمة أو زيريس لتوحدها وتبعثها ، ومنها ما يرمز إلى الجمهورية - وما يمثل زوجة شيخ البلد الفلاحة الشامخة الصامدة أمام تحديات الزمن، وزوجها - شيخ البلد، صاحب المهابة والهمة، والصعايده فى حلقة التحطيب، وبنت الحقل. وموضوعات نحتية من إنتاج مرحلة تحول سياسى نابض فى تاريخ مصر فى عصر تصاعدت فيه طموحات التحرر من الاستعمار وتأكيد الهوية المصرية كتعبير فنى يتوازى مع نزعة الكفاح ضد المحتل البريطانى ونبذ التبعية السياسية والثقافية منحوتات تعبر عن كل ذلك فى موضوع التعبير وفى منهج الصياغة التى ارتكزت على قيم النحت المصرى العريق برصانة الكتل وشاعرية التعبير عن الصريحة من ناحية والوادعة المسالمة من ناحية أخرى.
- نال العديد من تلك المنحوتات المبكرة للفنان كمال عبيد إعجاب الدوائر الفنية، وحاز البعض منها على جائزة مختار المرموقة فى دورات متعاقبة.
- من تراثة النحتى أيضا ما يمثل بحثا قائما بذاته فريدا من نوعه فى فن النحت المصرى الحديث مجموعة من التماثيل، أبدعها إبان تواصله مع جماعة الفن والحياة التى أسسها العلامة الأستاذ/ حامد سعيد مستهدفا إعادة البحث عن أسرار الطبيعة المصرية بكائناتها الأليفة والداجنة من وجهة تأملية تحليلية تبتعد عن التحليلات الاصطلاحية أو الصياغات التراثية بأنماطها المتبلورة، أنها دعوة للمعايشة والمصابرة مع مكونات البنية المصرية وإعادة اكتشافها لتوليد أسلوب غير سلفى من ناحية وغير متمسح بتيارات الحداثة الغربية من ناحية أخرى، فى هذا المضمار أبدع حامد سعيد نفسه روائع بالقلم الرصاص تمثل تأملات لشجرة النبق العتيقة التى أصبحت رفيق عمره لسنوات عديدة فى حوش داره وأبدع فريق العمل الذى تفرغ من مهام التدريس للبحث الفنى منهم - أحمد حافظ رشدان، محمد الحنفى عبد المجيد، جين جرجس، حافظ فهمى، أنور عبد المولى، خميس شحاته، محمود عفيفى، فتحى البكرى ومعهم الفنان كمال عبيد. أبدعو روائع بالقلم الرصاص تأخذ الإبهار وتشحن البصيرة التأملية، رسوما لفسائل النخيل والفروع الجافة رسمها محمد الحنفى عبد المجيد، وأشكال المحار وقطع من تماثيل فرعونية والأحجار والفروع الجافة وقد عالجتها عوامل التعرية وترك فيها الزمن بصماته أو تفاصيل من هضبة المقطم فى رقعة شاسعة منها احتفل فيها الفنان جين جرجس فيها بالزلط المنثور وحبات الرمال المكومة مع الصخور الرسوبية العملاقة.
- وكما يقول فؤاد كامل: إن تعلم الرؤية من جديد وتركيز الوحى وإنعام التأمل فى كل كائن وفى كل صورة وفى كل فكرة على حدة، وحتى تنكشف لأبصارنا وبصائرنا وتبوح لنا بسرها، وكل ما فى الوجود يستحق إنعام النظر، يستوى فى ذلك ورقة جافة على الأرض، وإعدام جميلة، ونملة على قطعة السكر، وهدير الأمواج.
- أراد حامد سعيد أن يعود وفريقه إلى جذور التواصل مع البيئة وعناصرها ومصافحتها مباشرة مثل أساتذة النهضة الألمان والهولنديين أمثال ديورر وهولباين وفان آيك، الذين كرسوا جانبا هاماً من بحوثهم الفنية فى دراسة مدققة للأرنب والبقرة وغيرها من الكائنات الأليفة.
- ومن ذلك المنظور فإن تجربة كمال عبيد فى نحت مجموعة من حيوانات البيئة المصرية الأليفة تعد إضافة فريدة فى النحت المصرى المعاصر، فهو الوحيد من هذا الفريق الرائع الذى عبر عن تلك الكائنات بصورة مجسمة، محققا جانبا فريدا فى تراث الجماعة حيث كان أمينا مع أهدافها فلم تتلون بالحلول الفرعونية فى البناء النحتى للكتل ولا بالقبطية فى فرطحتها وبراءتها، ولا بالاسلامية بطابعها الاصطلاحى الزخرفى، فقد كرس بحثه للتعامل المباشر مع `الموديل` موضوع النحت، دون وسيط نموذجى سابق، ولا حتى النماذج النهضية الألمانية الهولندية السابقة الإشارة إليها فى أعمال دورر وهانتر هولباين وفان آيك، أنها البيئة الخالصة لمواجهة النموذج الحى وترجمته إلى صياغة وليدة تلك المصايرة الزاهدة بلا حذلقة أو إفتعال، التى ميزت فلسفة حامد سعيد وانعكست على حوارية.
- تماثيل كبيرة الحجم نسبيا لحيوانات وطيور البيئة المصرية، الأرنب، الحمامة، وطائر الحقول أبو مركوب، وتفاصيل تمثل رأس القط، رأس العجل، رأس الوطوط وعمل أخر تكوينى يضم البقرة مع وليدها، باستثناء هذا العمل الأخير الذى هجم بالصياغة التكوينية الفرعونية، فإن تلك المجموعة النحتية بالغة النقاء والمباشرة والعذوبة أن نأمل إيقاع الخطوط الكونتورية والتتابع الهارمونى للكتل التى تندغم فى بعضها بنعومة وانسيابية تترجم ذلك النبض العضلى الحادث فى وجنات وصدر ورقبة الحمامة وفى ضلوع الأرنب وذيله وأنفه، تشعر عندما تجلس أمامها باهتزاز وهمى لنبض أنفاس حيوية هادئة، الملمح الثانى الهام الذى يصله مباشرة عندما أخلو إلى تلك الأعمال وأسلمها حواسى لفترة كافية، هو تلك الحالة التأملية التى تعيشها تلك الكائنات وكأنها ترجمة لحكمة الحيوان ومنطق الطير، وهى فى الآن ذاته تترجم ليس شخصيتها فحسب بل شخصية الفنان المبدع كمال عبيد، بصدقة وهدوءه وتأمله الصامت الثاقب.
- كانت جماعة حامد سعيد ومعهم كمال عبيد بمثابة تمرد سلبى من نوع ثورة زعيم الهند، غاندى، الذى قلب بمنجهية الإمبراطورية البريطانية راسا على عقب دون أن يرفع سكينا أو يمسك بنقدية، بالمغزل وبالعنزة قهر إمبراطورية الشمس التى لا تغرب. أنها تلك القوة التى تشبه نقطة المياه المتساقطة بلا كلل والتى تنحر البازلت وتحفز فيه أخاديد مع الالحام الصابر.


- وكانت التجربة مصادمة للتيار الذى عاصرها والذى ازدرى الواقعية والتمثيلية لصالح اعلاء المدخلات التكعيبية والسيريالية والتجريدية من ناحية، والتيار المهجن أو الناسخ أحيانا لملامح التراث الوطنى عبر وجوهه المتعاقبة.
- كانت كالجزيرة التائهة فى بحر الأمواج المتلاطمة احتفظت لكائناتها بحياتهم الوادعة فيما قبل الطوفان وعاشوا حياة `اليوتوبيا` الشاردة عن متغيرات العصر المتفجر وصراعاته.
- ومثل منهج غاندى حققت تلك التجربة اعترافا استثنائيا لتصبح مع تجربة حبيب جورجى التى تعهدها من بعده رمسيس ورضا واصف، هما الفرز المعترف بأصالته وفرادته داخل التيار المتدفق لتجربة الإبداع المصرى الحديث بكل تياراته فقد التف حولها بالتوفير والإعجاب فنانون طليعيون من أمثال رمسيس يونان وفؤاد كامل وكامل التلمسانى وسعد الخادم وأبو خليل لطفى، وكتاب مثل مصطفى مشرفة، وإيميه آزار وبدر الدين أبو غازى فى مصر، وفى أوروبا نالت إعجاب وتقدير هربرت ريد الذى كتب عنها بإعجاب باعتبارها واحة أصلية فى الفن العالمى فى مواجهة التقليد المسخ لأعمال بيكاسو وزملائه التى أصيب بها الفن العالم آن ذاك.
- لقد حققت هذه التجربة ذات النبض الهادئ مكانة مدوية فى الوقت الذى لم تحصل فيه التجارب المتفجرة والمصادمة على ذات القدر من التوفير والاعتراف.
- بالرغم من الجهود الجبارة التى بذلها مبدعوها فى خلخلة الجمود الأكاديمى والترهل التقنى. والاتباع النقلى للنماذج الغربية أو القومية.
- نخلص إلى أن تجارب مارقة تمثلها أعمال جماعة الفن والحرية ومترتباتها من جماعات جانح الرمال التى أسسها الشاعر جورج حنين ومعه زمرة من الفنانين المتمردين تشكيلياً واجتماعياً وسياسياً من أمثال رمسيس يونان وفؤاد كامل وكامل التلمسانى الذين اتخذوا شعارات مارقة مصادمة مثل (يحيا الفن المنحط) ومدوا جسور التواصل مع اندريه بريتون وزمرته السريالية فى فرنسا وإيطاليا والمكسيك وروسيا، كانت تلك الجماعة الثورية، الفن والحرية، تقف فى ناحية، وعلى ناحية أخرى تقف جماعة الفن والحياة بإيقاعها الهامس ونزعتها التصوفية التى وصل زهدها فى اللون والتباين أن لجأ حامد سعيد إلى وضع راقات من الشاش على سطوح لوحاته ذات الألوان الشفافة ليكثف من شفافيتها ومن زهدها فى الإفصاح لصالح استدعاء ملكه التأمل الهادئ والمتعمق.
- تلك التجربة التى انتهجت الواقعية الخالصة، المنحية لأية ملامح أسلوبية وجماعة الفن والحرية يمثلا جناحى ساحة الإبداع المصرى فى منتصف الأربعينيات وبالرغم من هذا التباين الظاهرى الواسع بين المذهبين، فإن كلا منهم قد انتبه لعمق واصالة تجربة الآخر مما يدلك على اتساع افقهم معا وعلى وعيهم برحابة عالم الفن القادر على احتضان التيارات المخالفة ديمقراطيا. كانت جماعة الفن والحياة مصادمة، ومارقة بطريقتها الخاصة تسعى وبنود مثلها مثل جماعة الفن والحرية إلى تحرير الفن المصرى من النقلية والاصطلاحية الجدباء.
- وبالرغم من ذلك فقد حظى جورج جنين ورمسيس يونان وفؤاد كامل وكامل التلمسانى بالشهرة التى يستحقونها كطليعة متمردة مستنيرة موهوبة بينما طفئت أنوار المجموعة الثانية وتواروا عن مسرح الحركة الفنية بمجرد انقطاعهم عن مواصلة العمل الذى عرفوا به. ولم تعد الأجيال الشابة ترى فهم علامة فارقة فى مسيرة الحركة الفنية التى نحاها الكتاب والمنظرون إلا ما ندر منها.
- تجربة كمال عبيد الخزفية:
- كان كمال عبيد حجة فى فن الخزف، لا يبارى فى السيطرة على وسائط وأدوات التشكيل بدءا من الأفران التى كان يبنيها بنفسه لتلائم نوعية الأعمال المستهدفة إلى التمكن فى تركيب العجائن الطينية والخلطات الكيميائية للمزججات الملونة والشفافة الصقيلة والمعتمة درجات البنى ولون الحجر والكتان والأزرق اللازوردى والأخضر الرصين وغيرها من الدرجات اللونية مصرية المزاج. فضلا عن حرية التشكيل على دولاب الخزاف والحفر والحز والخدش والرسم بالأكسيد الملونة والطلاءات تحت وفق الجليز، والبصم والاستنساخ وما يتطلبه ذلك من تخيل وإعداد ومهارات أدائية وطلاقة فى اكتشاف البدائل المتاحة لإنجاز العمل خبرة موسوعية معرفية مهارية إمتزجت مع حساسية وجدانية وأستاذية.
- أبدع كمال عبيد مجموعة من الأعمال المهمة كان فيها سباقا أثناء بحثه فى جماعة الفن والحياة، فقد أراد لأعماله الخزفية أن تكون بمثابة نماذج للاستخدام اليومى العصرى بينما تدب بجذورها فى أعماق التاريخ أبدع أطباق وأوانى وأصص وقواعد للإضاءة بلون أزرق أشبه بالاوبالين التركى ذو اللون التركوازى المعتم الرصين وبنى صياغة تصميمات تلك الأعمال على أساسى من دراسته للفن المصرى القديم مع إجراء الاختزال الملائم للأفكار الحديثة آن ذاك والتى ربطت بين جذور التراث الفرعونى وملامح الفن الزخرفى الجديد Art Deco Style .
- أكواب شبه مخروطية نقشت بجيل جديد من مشتقات زهرة اللوتس وأطباق وأباريق وقواعد للإضاءة الحديثة من ذات العائلة تمائم صغيرة وبلاطات وأطباق كبيرة تنتسب إلى الفن الإسلامى بمفرداته الارابيسكية التكرارية والمضفورة بالخدش على طبقة الطينة الملونة بالأكاسيد الكاولين والحديد والكروم والمنجنيز فتكشف عن لون الفخار الوردى فى تلك المناطق المخدوشة يوجد بين الملون والمكشوف طبقة من الطلاء الزجاجى الشفاف وفى بعض أعماله استخدم كمال عبيد الطلاءات الزجاجية الملونة والمختزلة التى تنحال إلى لون النحاس الصقيل. فضلا عن أن طواعية الفخار عنده قد شجعته على تحت التماثيل منها وحرقها لتتيبس وتدوم.
- هذه هى عطية كمال عبيد للفن المصرى بوصفه نحاتا ويوصفه خزافاً قديرا، ولكن عطاءه يتخطى كل ذلك فى كونه معلم فذ، ترك بصماته المعطاءه على مئات الطلاب وعشرات التلاميذ والمريدين الذين كان لهم المعلم والمرجعية والملاذ، الذين نبغ منهم العشرات فى عالم النحت وفى عالم الخزف معتمدين على الأساس المتين والمتابعة الصابرة لأستاذهم المكين، سواء قام بالتدريس لهم فعليا، أو تابع مسيرتهم حثيثا خارج إطار قاعات الدرس.
- بالرغم من الإمكانات العبقرية للفنان كمال عبيد كنحات وخزاف بل وكمصور قدير للمناظر الخلوية ولفن البورترية بالألوان الزيتية، الأمر الذى لا يعرفه الكثير حتى من الدوائر شديدة الاتصال به، تلك الإمكانات التى أبدع من خلالها أعمالا قليلة فى كل من تلك المجالات الثلاثة، والتى ترتفع بقيمتها إلى مستوى صفوة الأساتذة الكبار فى الفن المصرى الحديث، فقد آثر مثله مثل نخبة ممتازة من جيله أمثال سعد الخادم، مصطفى الأرناؤوطى، حمدى خميس، شفيق رزق، عبد الله جوهر وآخرين قلائل، تكريس طاقاتهم وجهدهم لخدمة أجيال متعاقبة من طليعة الشباب المبدع، وشحنهم بطاقة كانت قد قدرت لنموهم وتألقهم الشخصى كفنانين كبار، فاختاروبذلك قاعات الدرس على قاعات العرض، يواصلون تراثا وقدوه تركها أساتذة عظماء من جيل أسبق مثل حبيب جورجى، حسين يوسف أمين، حامد سعد، يوسف العفيفى فى حوار مع الفنان الكبير محى الدين حسين فى أعقاب رحيل أستاذنا كمال عبيد عن عالمنا فى هدوء المتصوف والزهاد، انسابت ذكرياته حول الرجل الذى تعرف عليه منذ عام 56 حيث كان عضوا فى جماعة الرسم بمدرسة الإبراهيمية الثانوية العريقة، وكان مدرس التربية الفنية الفنان الراحل حسنين محمد على وطلب منه ناظر المدرسة أن يقيم نصبا تذكاريا لشهداء معركة 1956، فحصل من المعلم على كتلة من الطين الزيتى - ` البلاستسين` وشكل بها هيئة شخص سامق يمثل فلاحة مصرية تحمل باقة من الزهور وراجع المعلم النموذج وأجرى بعض الإصلاحات، ثم عرضه على ناظر المدرسة الذى وافق على تكبيره فى فناء المدرسة، فبدأ بعمل الدعامة الهيكلية للتمثال بارتفاع ثلاثة أمتار. ثم باشر النحت إلى أن انتهى من التمثال بصورة جيدة ولكن الوجه كان قبيحا، فعاود ومعلمه عدة محاولات لتحسين هيئة وجه التمثال دون جدوى، فقال له المعلم، هانجيب مختص يساعدنا - وبعد يوم جاء الفنان كمال عبيد وقام بالعمل المطلوب فى سلاسة معجزة، من يومها أصبح محى حسين من مريدى كمال عبيد حتى قبل أن يدخل كلية الفنون التطبيقية فى نفس هذا العام 1956.
- وفى عام 1962 وبعد التخرج من الكلية قدم الأستاذ عبيد صديقه الشاب محى حسين إلى الفنان الكبير العلامة حامد سعيد فى مقر إدارة البحوث والتفرغ التى يرأسها وكان مقرها آنذاك فى باب اللوق. حيث التقى بالفنانين سعد كامل، وجمال السجينى، والمؤلف الموسيقى جمال عبد الرحيم، وبعد أن اقتنع حامد سعيد بكفاءة محى حسين الفنية كرسام والبحثية فى الدراسة التى أنجزها بتكليف منه أعطاه منحة التفرغ للإبداع الفنى، وواصلت العلاقة الجميلة فعاليتها منذ ذلك الحين وطوال حياة الأستاذ كمال عبيد.
- أما عنى وعلاقتى الحميمة بأستاذى العزيز الراحل فقد مرت أمام ناظرى شريط طويل من الذكريات ترجع إلى عام 1961 وعندما كنت أؤدى امتحان الخزف ضمن امتحانات قبول المعهد العالى للتربية الفنية، ويبدوا أن أدائى كان موفقا، فذهب الملاحظ وأحضر الأستاذ عبد الغنى الشال والأستاذ كمال عبيد، ولم أكن أعرفهما بعد، وأجريا حوارا قصيرا فيما بينهما وسألونى عن أسمى، ورددوا - ولد كويس - كويس حقيقى وهم يبتعدان عنى.
- وعندما التحقت بالمعهد كان يقول لى `يا أبودرش، لا تلبس بنطلونات سوداء فالطين والجبس يجعلوا منظرهم مضحك` ...
- وفى النصف الثانى من العام ألوذ إليه عند الضيق فيبادرنى بوضع أداه فى كوب به ماء وعند غليانه يصنع بيده كوباً من الشاى ويعطينى إياه، وحينئذ أعرض عليه ما أعمل أو ما يكدرنى فيتبدد غضبى وتتحول الجلسة إلى محاضرة خصوصية من تداعيات الموقف، فقد كان طلقا ومتبحرا وغزيرا.
- وفى امتحانات النحت، كان يحتفظ لى بتمثالى الذى نحته، وأحيانا يصنع له قالب بيده ويصب نسخة من مادة أصلب وأدوم، ويفاجئنى بها، كنت أهاب الخزف واخشى فعل الحرارة عليه ومفاجئات الحريق، وكيماويات الملونات والأكاسيد، فذللها لى بطريقة مدهشة فجرئنى عليها، كان ضليعا وسلسا، وحلالا للمشاكل الفنية بحق فأصبح النحت الخزفى فى النصف الأول من الستينات غرامى الأول وشكلت عشرات التماثيل والأشكال الصغيرة والكبيرة والأوانى، كنت أحملها بعد الجفاف إلى فواخير مصر القديمة لإحراقها، وكنت أحبذ تركها بدون تزجيج، فقط التلوين بالأكاسيد والخدش عليها، وتأثيرات الملامس باستخدام أدوات وبصمات مختلفة، فصنع لى فرن خزفى كبير وأخر صغير للتجارب واصطحبنى معه إلى أماكن شراء الخامات والميزان والهاون الصينى، لم يكن شيئا يقف أمامه كل معضلة ولها عنده حل، ثم توطدت علاقتى بمحى حسين فصرنا معا أصدقاء لأستاذنا كمال عبيد نلتقى عنده فى المطرية حيث مشغله، أو فى الحرانية عند محى حسين أو فى المنيل فى مرسمى منذ عام 1968 . كان شاغلنا الفن والمعرفة والحلول للمشاكل التقنية، وتجليات التراث بأشكاله وأنواعه وعندما سافر إلى البحرين والى السعودية أستاذا زائرا بسط أجنحة العطاء على الفنانين هناك وفى الإجازة الصيفية كنا نلتقى بحرارة الود والاعتزاز. وفى عام 1988 كلفنى الدكتور أحمد فتحى سرور وكان آنذاك وزيرا للتعليم، أن أوسس كلية التربية النوعية للفنون والموسيقى، وكان مقرها مدينة السلام، كان الأستاذ عبيد قد عاد واستقر بالقاهرة فطلبت منه أن يقوم بالتدريس معى فى تلك الكلية الوليدة، فلم يتردد لحظة، وكان يحضر أغلب أيام الأسبوع وظل لفترة يوجه الطلاب وهو واقف على قدمين طوال ساعات الدرس، لأن المبنى لم يكن قد وصله بعد مقاعد ولا مناضد. بينما كان الزملاء الأصغر يسوقون الأعذار للتخلص من تلك المسئولية الصعبة.
- وبعد عدة سنوات إرتأى أن يتعهد طلاب الفرقة الأولى بالتدريس ليؤسس عندهم المهارات الأساسية والوعى بأهمية فن النحت وأصوله وظل كذلك سنوات طويلة.
هذه مجرد خواطر وتأملات فى مشوار أستاذ عظيم وفنان قدير وشخصية رائعة.
- مصادر الإلهام عند كمال عبيد
- تعرفت على الأستاذ كمال عبيد ضمن فريق رائع من الأساتذة العظام غمرونا بالرعاية والتوجيه والحكمة، كان كل منهم لدية عطايا ذات نوعية خاصة وكان كمال عبيد يمنحنا الأشياء الجميلة، المعرفة والخبرة والإنسانية لقد شكلت خبرة هذا الأستاذ العظيم منظومة مدهشة من الخبرات ففضلا عن معالجته ألوانا مختلفة من الفنون والتعامل مع وسائط تعبير مغامره بمقدره وسلاسة وعكوفه على القراءة العميقة والدرس، فإن مصادر ألهامه تعد مكمن تكوين شخصيته الرائعة..


- الملاحظة التأملية تعد أحدى تلك الركائز المركزية فى تكوينه الفنى والثقافى إذ كان يحتفظ بقدر هائل من الشفافية فى اتصاله المباشر بالطبيعة ولم يكن يتصور أن الفنان يستطيع أن يقنع بالقراءة أو بالانكباب على خاماته فى مرسمه والتجريب فيها، كانت سجيته جميلة وكانت لدية قدره مدهشة على التفاعل المباشر مع عناصر الطبيعة ومعايشتها. ويوضح ذلك ما قاله الأستاذ الشال من أن الأستاذ عبيد كان يشترى حمام وأرانب ليربيهم كما كان يصطاد الطيور. كان إذن يرتبط بتلك الطيور والحيوانات بصورة حميمة ومباشرة وكان يشعر بنوع من السلام معهم ومن ثم فنرى أنه عندما نحت تمثال للحمامة، والأرنب، ورأس القطة ورأس العجل، والبقرة ووليدها، الحمامة والأرنب على وجه الخصوص، جسد فيهما شخصيته كما كان يحلو للمخرجين الكبار مثل هتشكوك أن يظهروا فى أقلامهم فى أحد المشاهد العابرة وكأنها توقيعه على الفيلم، كذلك كان يفعل كمال عبيد فى تمثالى الحمامة والأرنب، حيث أودع فيهما هدوء وسكينة عجيبة، ومسالمة مستكينة ولكن شامخة، وعزة نفس، نكاد نرى فى تمثال الحمامة نوعا من النبض فى بعض عضلاتها فإذا ما اخفقت رموشنا ونحن ننظر تتجلى لنا حركة فى مناطق معينة فى الحمامة أو الأرنب ونشعر بأنها تنبض فى وقار سكونى، أن الخطوط الإنسيابية فى تكوين كلا التمثالين تمثل الكائن بذاته مضافا إليه شخصية الفنان كامنة فيه. وهذا ما يسميه الكاتب الفرنسى العظيم `رينيه ويج` الذى كان كمال عبيد يجله كثيرا ويقرأ له بشغف ويكرر بعضا من نصوصه على مسامعنا، كان يقول: رجال الصحراء مثلهم مثل رجال البحر يميلون للخطوط المنحنية والملتفه التفاف الكثبان، وأن ذلك يتضح فى فنهم المولع بالخطوط الملتفة التفاف الكثبان. وكأنما كان رينيه ويج يتحدث عن فن كمال عبيد الذى يتجنب الخطوط والزوايا الحادة، وأنا استمتع كثيرا حين أتأمل تمثال الأرنب الذى أسعد بأنى اقتنى نسخة منه أهداها إلى الدكتور عبد الرزاق صدقى، وأنا أتأمل هذا التمثال لوقت طويل أشعر بتضاريسه وبعلاقتها الوثيقة بالكثبان الرملية عضلاته ليست بالضبط حيوانية، إذ تسلم الكتلة الإنسيابية نفسها إلى جارتها وتختفى نهاياتها فى بدايات الأخرى، كان كمال عبيد حريصا أن يعلمنا هذه المسألة باعتبارها من قيم النحت العليا يقول `النحت مش خناقة`، ويتجنب المطبات المباغته، لازم يتخيل كيف تسلم الكتلة نفسها لما بعدها.
- كان كمال عبيد موضع إعجاب الفنان الكبير رمسيس يونان، ربطته به علاقة جميلة فى رحاب تجمع الأستاذ حامد سعيد، وكان يونان يقول: ` من وراء الحواس يلتقى القلب بالذهن، ويلتقى الحلم بالواقع لرؤية الروح `، وقد تمتع كمال عبيد بنفاذ البصيرة وهدوء النفس والتواضع الجم مع قوة الملاحظة الذهنية والبصرية، إذ كان يكفيه عدة مقابلات عابرة لأحد زملائه أو أصدقائه، ليفاجئه بعد أسبوعين بتمثال يجسد رؤيته للشخصية بملامحها ومشاعرها، دون أن يتطلب النموذج المثول أمامه ولا جلسة واحدة. كانت لديه تلك القدرة العجيبة، يدرس الشخص بهدوء ويختزن ملاحظاته ثم يبلورها فى عمله النحتى المتكامل الذى ينبض بالصدق والحيوية. وبالمثل وكما أشرنا سلفا، تجلت هذه القدرة الاستثنائية فى تأمله للحيوانات والطيور من خلال تلك الألفة التى عايش بها الطبيعة وتوافقه مع جماعة الفن والطبيعة التى أسسها الرائد حامد سعيد، الذين آثروا حياة المتصوفين والزهاد فى مثولهم أمام جبل المقطم أو عظمة حيوان أو فسيلة نخله، يجاهد فى رسمها يوميا لساعات طويلة ولشهور ممتدة بقلم رصاص يشحذه بمبراته من آن لآخر ويغسل يديه تباعا ولا يفعل سوى التركيز المكثف للعنصر الذى كرس نفسه لرسمه.
- كان حامد سعيد يدرب تلك الجماعة على ترويض النفس حتى تشف الطبيعة جوهرها العميق الكامن منها، وليس اللهاث المتعجل للتسجيل الشكل.
- وبالرجوع إلى تمثال الحمامة نجد جاذبية بصرية خاصة عند عين هذا الطائر ثم لا تلبث أن تنتشر إلى بقية خطوط التمثال، المنقار والرقبة ثم الرأس، تراكب الفك العلوى للمنقار فوق السفلى، يتبين لنا النبض الحيوى فى الانتفاخ العضوى حول حدقة العين، بينما يصبح الجزء العلوى من الرقبة أكثر حدة وكثافة من خلال العين الشاخصة إلى زاوية مائلة سفلية مع قدر عجيب من التأمل والتدقيق.
- استعان كمال عبيد أيضا فى هذا التمثال بأداة مسننه ليكسب السطوح ملمسا إيقاعيا الخطوط المتموجة المتوازية كالتمشيط تركت أثراً يشبه زغب الريش المبلل، بينما اتخذت تلك التمشطات طبيعة أخرى على المنقار لتوحى بصلابته على خلاف الريش والزغب اللين، وعن ملمس الرأس والرقبة.
- هذه مجرد ملاحظات على نموذج واحد من أعمال الفنان العديدة ولقد أسهبت فى شرح خصوصية الملاحظة التأملية والشفافية مع الطبيعة وعناصرها كأحد الروافد لمركزية فى شخصية هذا الفنان الكبير وأشرت لماما باهتماماته العلمية فى القراءة العميقة، وضمنيا عن خبراته الواسعة فى مجال التشغيل بالخامات المختلفة وهى المحاور الثلاث التى تشكل مصادر الهامه، واجدنى فى حاجة إلى ختام كلمتى بعرض ملمح مهم ومدهش حقا، وهو جانب قد لا يعرفه الغالبية العظمى عنه، وهو أنه كان مصوراً مدهشاً، فعنده مجموعة لوحات زيتية صغيرة، ذات قيمة كبيرة، حتى أنه لو كان قد اكتفى برسمها، لأصبحت كافية لوضعه فى مصاف المصورين الكبار فى الحركة الفنية. ولكن نزعة التواضع عنده جعلته يخجل عن تقديمها للعرض، وعندما كنت أزوره فى المنزل، كنت أسأله ` أية اللوحة الحلوة دى ` ؟ كان يقول: ` حاجات على جنب كده` بيد أنى أرى فيها مقدرة وأستاذيه من نوع ما بعد التأثيرية فى رسم المنظر البيئى المصرى.
بقلم : أ.د. مصطفى الرزاز

كمال عبيد .. منهاجه الفنى والتربوى
- أبى واستاذى ومعلمى
- الحديث عنك وعن عطائك فى كل مجالات التعامل معك يطول ويطول حيث كان لقاؤك فى بداية العقد السادس من القرن الماضى أبان دخولى معهد التربية الفنية للمعلمين بالروضة آنذاك، وكان لقائى بك على طاولة التنس، فوجدت فيك المرونة وحضور الذهن وسرعة اتخاذ القرار، على هذه المساحة الضيقة، فكانت هذه واحدة من أسرار تعلقى بك منذ اليوم الأول للقائك.
- ومضت الأيام ودخلت علينا حجرة الدراسة فى الفرقة الثالثة، فتلقيت الدرس الأول فى كيفية التعامل مع خامة الطين وأيقظت فى حبى للنحت البارز، فى موضوع كنت أحبه (الرياضة) وأود التعبير عنه.
- ودارت الأيام وعملت معك وكان لى الشرف فى أول عمل فنى له صبغة الانتاج الكمى (أعمال خزفية خاصة بفندق شيراتون الدقى) ورأيتك تقوم بعمل كل صغيرة وكبيرة فى انتاج العمل، بداية من التصميم إلى التنفيذ إلى القوالب بل حتى أماكن ومعدات التجفيف البدائية ، وبناء أفران الوقود وتقنيات الطلاء الزجاجى والحريق، كل هذا كان ومازال ماثلاً حياً أمامى، آخذ منه الدروس والعبر.
- كنت أتجول آنذاك فى الأتيلية الخاص به بالفيلا التى كان يقطنها بضاحية المطرية. وكان يرى فى عينى بحاسة الفنان وحدسه، الكثير من الأسئلة الحائرة التى تدور فى ذهنى، وكنت أجد باستمرار الجواب الشافى على كل سؤال يدور بخاطرى.
- تعلمت ومعى الكثير من أبنائك ومريديك فى كل مكان نزلت أو حللت به كيف يكون التفكير العلمى لحل المشكلات، فكان ذلك نبراسا يهتدى به. بل كان منهاجا فى التفكير لكل تلاميذك من بعدك.
- تعلمت منك ومعى الكثير كيفية تناول العمل الفنى من الألف للياء دون تدخل ما من حرفى أو تقنى بالرغم من قسوة ذلك على الفنان الممارس إيمانا منك بأن كل مرحلة فى بناء العمل الفنى وصياغته تحتاج إلى التفكير والتطوير والإضافة وصولاً بالعمل إلى الابتكارية.
- تعلمت منك ومعى الكثير من طلابك كيفية تطويع الأداه والآله وتسخيرها لصياغة العمل الفنى، وكيف تكون ممارسة الفن أحد مبادئ تربية الفرد اقتصادياً.
- تعلمت منك كيف لا تكون التربية الفنية قاصرة على ناتج العمل الفنى بقدر أهمية ما يسبقه من عمليات ومهارات ومعلومات بل وغرس الكثير من الاتجاهات للمارس والمتلقى.
- حركت فينا الكثير من المواهب والقدرات التى ما كان لها أن تنجلى دونما معرفتك ومعايشتك لنا عن قرب وعن عمق، فداعبت صغيرنا وكبيرنا بالحركة، والكلمة، والقفشة وحركت فينا الكثير مما كنا نخشى الافصاح عنه - فعرفنا أنفسنا من خلالك.
- غرسك موجود فى كل مكان فى مصر والخارج، فى كلية التربية الفنية، فى أقسام التربية الفنية بكليات التربية النوعية، فى البحرين فى الرياض فى كل موضوع وطأته قدماك.
- ستظل تعاليماك معنا وعلى دربها نسير مدى الحياة، ستظل منهاجاً لنا والأجيال من بعدنا طالما استمرت الحياة، فأنت معنا ونحن بك ولك ندعوا بالرحمة والمغفرة جزاء ما قدمت، فعلمك وغرسك سينتفع به وسوف يكون صدقة جارية. نم هنيئاً فأنت مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
بقلم : أ.د. محمد درويش زين الدين

الفنان الرائد
- أستاذى، وأستاذ الأجيال .. الفنان الرائد أ.د. محمود كمال عبيد لا أقول اليوم أنعيك .. أنت قمة.. والقمم لا تموت ولا أقول اليوم أرثيك .. فأنت قيمة والقيم تبقى إلى الأبد. فأنت ذكرى وستبقى ذكراك دوما فى قلوبنا، سنذكرك رائداً وأستاذاً ومعلماً سنذكرك أباً وأخا وصديقاً، وسنذكرك إنسانا وفنانا ومبدعاً .. فلقد كنت بحق من أعز الرجال وأعظم الرجال وأعلى الرجال .. شملت بعطفك الأبوى كل أبنائك وتلاميذك وعلمت الجميع الكثير والكثير فناً وأدباً وعلماً وسلوكاً .. وكان عطاؤك على طول السنين عطاء بلا حدود حتى آخر رمق.
- على صعيد التربية .. كنت واحداً من جيل الرواد الذين تميزوا بإثراء حركة التربية الفنية المعاصرة فى مصر والوطن العربى بالرأى والفكر والتخطيط والدعم والممارسة، وعلى صعيد الفن كانت إبداعائك الخلاقة والمتجددة فى فنى النحت والخزف بصمات واضحة ومتميزة على صفحة الفن المصرى المعاصر وفى الميدانية سيظل عطاؤكم وتراثكم مشعلا هاديا لكل الأجيال الحاضرة والقادم

بقلم : أ.د. هالة عبد العزيز الخواص

محمود كمال عبيد الفنان.. المربى والإنسان
- لقد كان أستاذاً ومعلماً لأجيال من الفنانين المربين، إمتلك المهارات الفنية والعلمية، والقيم الإنسانية التى غرسها فى أجيال تتابعت جيلاً بعد جيل، فكان نتاج غرسه أجيالاً من المعلمين ذوى الخلق القويم، والفكر الناقد السليم، والتعامل الإنسانى للمبدعين من الفنانين. كان أستاذنا فناناً متأملاً، ومفكراً مبدعاً، أمتلك القدرة على التخيل، والتحليل، والاختيار والتعبير، فكان مبدعاً حقاً، تعامل مع الطبيعة بعقلية المتصوف الذى يبحث عن النظام الربانى الذى اعتبره معلمه الأكبر، فكانت رؤيته ثاقبة واختياره موفقاً، فجاءت أعماله رقيقة صادقة الحس والتعبير.
- لقد كان مفكراً وناقداً ومحللاً، إمتلك قدرة التعبير اللفظى بنفس كفاءته وقدرته على التعبير الشكلى، فكان ينتقى العبارات والمصطلحات ويضعها فى مكانها الذى لا تختل معه المعانى، بل معه تستقيم وتؤدى دقيق المعنى المراد للحديث.
- كان إنساناً يتدخل فى الأمور بقدر ما يحتاجه الموقف من حكمه، فإذا أبدى رأيه كان لا يخاف فى الحق لومة لائم، فكان نعم المعلم الحق، ثاقب الرؤية، إذا تحدث أفاض، يتعامل مع العقول وكافة الأعمار والتخصصات التى يتحدث إليها بقدر ما تحتاجه دون كبر أو تعال.
- لقد تعامل مع معطيات العصر من تكنولوجيا ومعلومات بعقلية الفنان المبدع، فكان نتاجه الفنى عنوانا للأصاله والمعاصره فى مجالى النحت والخزف، بل كان مزجه لهما ذا حس خاص تفرد به، حيث استخدم القديم والحديث من التقنيات ومزج بينهما بشكل متكامل ووحده عضوية محكمة.
- كان تعامله مع طلابه بالروح الأبوية، والعقلية الراجحة، فأعطى النموذج الحق للعطاء والتواضع والحكمه، وابداء الرأى السديد فى حل المشكلات، علم أجيالاً من المربين والمفكرين الذين سيحملون أفكاره ومبادئه، وسيظل بيننا روحاً حيه دائمة العطاء.
- رحم الله أستاذنا معلمنا وأدخله فسيح جناته.
بقلم : أ.د. أحمد سيد مرسى

الفنان الإنسان
- إن صوت المعلم والفنان كمال عبيد مازال يتردد كل يوم، فالفيلسوف لا يموت والفنان تظل أعماله شاهدة على إبداعه وصدقه مع نفسه وتراثه وبيئته. لقد تعلمنا الكثير من حبه وإخلاصه وانتمائه إلى الجذور.. إنه ابن لمصر تعلم من الأجداد وعلم الأجيال بالحب والوفاء.. لقد شيد كمال عبيد مع آخرين صرحاً للتربية الفنية قوامه فهم الطبيعة، والبحث والمعرفة فى الفنون، والتعمق فى فلسفة الحياة. إنه ذلك الفنان الذى بحسه المرهف وأنامله الرقيقة استلهم من الطير والحيوان صيغ جمالية جديدة، وبخبرته وتجاربه أبدع الأوانى ذات المعانى والألوان فأكسبها نمطاً وأسلوباً تميز به. إنه أول من أمسك بيدى عندما بدأت الدراسة وبحبه وتشجيعه وعلمه وفنه زرع فى الأمل، وجنى ثماراً من أجيال كثيرة. إن ذكراك ستظل إلى الأبد.
بقلم : أ.د. جمال لمعى

الفنان المربى الرائد كمال عبيد.. وتواصل الأجيال
- يتميز تاريخ الإبداع والفكر الإنسانى بأنه حلقات متصلة مستمرة تتداخل الأجيال فيما بينها من خلال سلوك الفنان المبدع.. والذى يرجع إليه الفضل فى حمل الرسالة بكل ما تتضمنه من عبء حتى يترك أثاراً فى المحيط الاجتماعى الذى يعيش فيه.
- ولقد تعلمنا دروساً هامة من مسيرة الرواد هى أن الإبداع الفنى طريق شاق.. وأن الريادة هى هبة من الله سبحانه وتعالى يخص بها أفراداً دون غيرهم.. وأنهم أصحاب رسالة يقبلون على تأديتها بسعة صدر ويبذلون الجهد الكبير والعظيم للدفاع عنها.
- إن الفنان الرائد المربى والصديق كمال عبيد.. هو من هذا الطراز، طراز الرواد الذين حملوا راية التربية الفنية فى مصر والعالم العربى.. فقد أبرز دورها الفعال فى تغيير النظرة للحياة.. وقد خاض المعارك أمام التيارات الفكرية التقليدية من أجل الكشف عن حلول من خلال منظور مبتكر وجديد لمفهوم التربية الفنية والفن فى مطلع الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى.. والذى كان يسيطر عليه مناخ محكوم بنظرة جمالية تتسم بجمود الرؤيا.. وعدم تقبل الجديد المبتكر.. وهنا كان الصدام.. والتصدى.. والانتصار وتلك سمه هامة رئيسية فى مفهوم الريادة التى ارتبطت باسمه.
- إن الفنان المربى الإنسان كمال عبيد كان وسيظل يذكره تاريخ التربية الفنية والفن التشكيلى من خلال إنجازاته فى كل منهما.. وسيظل رمزا من رموز الريادة مع كوكبة من رواد التربية الفنية، فالمتبع لمساره الإبداعى والتربوى والاجتماعى.. يلحظ ما يتميز به من أنه النموذج الأكمل فى التعامل والتواصل مع الأخرين زملاء - عاملين - ومربين.. إنه كان يتعامل ويتواصل معنا بصدر رحب وابتسامته المعهودة عنه التى لم تفارقه أبدا والمصحوبة برأى سديد فى قضايا الفن والحياة.
- الريادة هبه من الله وكمال عبيد من هذا الطراز وسيظل رمزاً من رموز الريادة.
- إنه النموذج الأكمل فى التعامل والتواصل مع الأخرين.
- كان يقدم خلاصة تجربته الفياضة بلا تحفظ أو حجب. عندما أتذكر تلك الحوارات والتى تعلمنا منها الكثير فى كيفية تناول الموضوع والوصول إلى نتائجه هذا بالإضافة إلى عرضه للنظريات الإبداعية فى مجال الفن وتوظيفها فى التربية الفنية بطرق شيقة.. مبسطة، وتشجيعه الدائم لكل الاتجاهات والأراء الفنية وعدم التعصب للرأى الواحد.. كل هذا كان يتم فى حواراته معنا فى سلاسة وتنوع مما جعل أثره بداخلنا باق.
- إنه فى حديثه وحواره الدائم كان يقدم خلاصة تجربته الفياضة بلا تحفظ أو حجب.
- فمن خلال تلك الحوارات العديدة والتى كان يسهم فيها بالرأى الممزوج بتجربته الذاتية الثرية التى كنا نتتبع نموها وننمو معها.. من خلال الآراء.. والافكار التى كان يطرحها.. بما تميز به من مقدرة تقديم المعرفة دون تعال بل كان يجعلها أمامنا ميسرة ومتاحة.. ويتيح لنا قدراً من المشاركة فى التوصل معه إلى الرأى الصائب.. ونكون مشاركين فيه ليس مفروضاً علينا ذلك.
- إننى عندما أتذكر تلك الحوارات الفكرية بحديقة الكلية والتى كان يطرح من خلالها موضوعات ذات جوانب متنوعة ومتعددة، بطرق مبسطة ندرك من خلالها أنه كان مثيراً دائماً للدهشة الممزوجة بإثارة العقل للتفكير فى أمور كانت تمر أمام عيوننا بدون التفات.
- وعلى الرغم من أننى لم يسعدنى الحظ فى التتلمذ على يديه - بالمفهوم التقليدى للتعليم المقصود - إلا أننى عشت على تلك القيم النبيلة التى غرسها فينا من خلال حواراته.. والتى ستنتقل خلال أجيال.. وأجيال هكذا ستظل معنا أستاذاً ومربياً وفناناً من جيل
بقلم : أ.د. حمدى عبد الله

فنان من جيل الرواد
- الفنان كمال عبيد رائد من جيل فنانى مصر اللذين حملوا أمانة بعث روح النهضة الحديثة فى مجال فن النحت الخزفى.. هذا الجيل الذى شق طريقة فى الصخر ليحقق معادلة الاستمرارية ليثبت للعالم أن ما حققه أجدادنا من إبداعات فنية أذهلت ومازالت تبهر العالم، هذه الإبداعات ظلت كتيار يجرى تحت السطح حتى ظهرت مع النهضة الفنية الحديثة. لتقدم لنا أعمال جيل من الفنانين حرص على أن يتمسك بجذوره الأصلية مع فهم وإدراك واع لكل التطورات الحديثة فى مجال التقنيات الفنية.
- الفنان كمال عبيد له تجربته المتميزة فى هذا المجال من خلال أعماله الخزفية التى نفذها بأحساس النحات المدرك لسمو العمل النحتى فى الفراغ. فتوحدت القيم الفنية فى أعماله النحتية والخزفية لتحمل الريادة فى مجال النحت الخزفى، ويمتد دور الفنان كمال عبيد ليحمل أمانة التواصل العلمى مع تلاميذه سواء فى مجال الخزف حيث يعطيهم من خبراته ونتائج تجاربه الممتدة ليضعهم على بدايات المعرفة وأكتساب الخبرات، كما يشرف عليهم من خلال الدراسات العليا والتى أثراها بفكرة وبحثه المتواصل من أجل تطويرها، كان سعيداً بما يحققه طلاب الدراسات العليا، سعادة الفنان والمعلم الذى أعطى بصدق ويرى الثمار بجهده المتواصل. وإذا كان للفن دوره فى تحقيق التوافق ما بين الإنسان وعالمه المحيط به، والارتقاء بالحس الإنسانى، فأن كل من تعامل مع الفنان الكبير كمال عبيد قد لمس لديه الإحساس الفنى والإنسانى العالى مقترنا بتواضع الأستاذ المعلم.
- رحل عنا هذا السمو الإنسانى ولكن تبقى أعماله الفنية دائما.. وكل عمل منها هو بمثابة تجربة فنية متكاملة فى مجال التشكيل النحتى والخزفى وتجربته الممتدة فى مجال تقنيات استخدام الخامات الخزفية، تبقى أعماله المتميزة فى وجدان كل من يشاهدها، وتمثل فى الوقت ذاته مجالا متسعاً لكل دراسى الفنون. أنها رحلة التواصل الفنى والحضارى ما بين الأجيال.
بقلم : أ.د. سمير شوشان

دماثه الخلق والثقافة الواسعة والعلم الغزير
- رغم قصر مدة التعارف مع الفنان الأستاذ الدكتور/ كمال عبيد فلقد تركت شخصيته الكريمة انطباعا لا ينسى أثبت فيه دماثه الخلق والثقافة الواسعة والعلم الغزير كما اثبتت إبداعاته الفنية الصادقة وحسه المرهف كما نذكر بالتقدير حوارته الفكرية فى مناقشة أول رسالة ماجستير فى كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية.
رحم الله فقيدنا وادخله فسيح جناته

بقلم : أ.د. طارق رجب زبادى

كمال عبيد الفنان.. الإنسان.. المعلم
- فقد الفن، كما فقدت التربية والتربية الفنية فنانا مبدعا، وإنسانا نبيلا، ومربيا جليلا ظل مخلصا لرسالته، راعيا لتلاميذه، فياضا فى عطائه حتى آخر نفس فى حياته.
- أثرى حياتنا الفنية كفنان مبدع بإنتاجه النحتى والخزفى المتنوع مما تذخر به متاحفنا الفنية، ومقتنيات محبى فنه داخل مصر وخارجها.
- كان معلما مربيا علمنا كيف لا يقتصر عمله على الحدود الضيقة لمجرد التدريس، وإنما يمتد للرعاية الشاملة لطلابه والإحساس بمشكلاتهم، ومشاركتهم وجدانيا من خلال الأنشطة الرياضية والثقافية والخلوية التى كان رائدا لها. كان يضبط فى غير قسوة، ويعدل دون تمييز أو تفرقة، واسع الأفق والاهتمامات.
- كان الأستاذ عبيد من أولئك المعلمين العظام الذين لا تملك أن تقطع صلتك به بعد انتهاء الدرس، وإنما تظل مشدودا إليه، وموصولا به، وأب عطوف، ومفكر واسع الأفق وقدوة عالية ومثلا يحتذى فى القول والفعل.
- كان معلما مفكرا، وفنانا فيلسوفا له رؤية شاملة، يستطيع بثاقب فكره النفاذ إلى ما وراء الشكل الظاهر للعمل الفنى. فالعمل الفنى عنده ليس مجرد مظهر أو قالب أو تقنية، وإنما هو وعاء يعكس مضمونا ورسالة، ويطرح فكرا وفلسفة.. وكان معنيا باقتناص هذا المضمون، وتجلية تلك الرسالة لتلاميذه عندما يتحلقون من حوله فيستشعرون عمق فكره وإحاطته، وسعة صدره وصدق مودته، وتحريضه على إعمال الفكر والتأمل.
- رحمك الله أستاذى الجليل النبيل بقدر ما أعطيت لتلاميذك وأبنائك، وبقدر ما زكيت فى نفوسهم من قيم، وبقدر ما أدركت من أن الله جميل بديع يحب الجمال..
آمين
بقلم : أ.د. عبد المطلب أمين القريطى

كمال عبيد فنانا ومعلما
- منذ أن كنت طالبا فى المعهد العالى للتربية الفنية الذى هو الآن كلية التربية الفنية جامعة حلوان وعلاقتى باستاذى الفنان الدكتور كمال عبيد كانت وظلت علاقة إيجابية متفاعلة على المستوى الفنى والرياضى والحياتى الإنسانى، حيث كان معهدنا يقع فى المنيل وكان عبارة عن مبنيين متقابلين يخصان البنين وكان العدد محدوداً ومع نهاية العام الأول يكون الأساتذة قد تعرفوا تماما على طلابهم سواء الذين يدرسون لهم أو الذين لم يدرسوا لهم بعد، ويبدأون فى تبنى المتميزين الذين برزوا فى نتائج السنة الأولى، ودخلنا السنة الثانية وانتقلنا إلى الزمالك حيث تم انضمام معهدى التربية الفنية للبنين والبنات فى عام 66/67، وكان مبنى البنات يحتوى ملعبا متميزاً مارسنا فيه العاب كرة السلة والطائرة والتنس وكرة اليد وبعض تدريبات الملاكمة، وكان أستاذنا رياضيا يعشق لعبة التنس، وكنا نحب مشاهدته وهو يمارس تدريباته الرياضية لهذه اللعبة وكان هو يجلس يشاهدنا أثناء تدريباتنا، وكنت أنا عضوا فى فريق الملاكمة وكذلك كرة القدم، وكانت مشاهدته لنا تحقق دافعية حيث أنه كان مؤمنا بأن ممارسة الرياضة تنشط العقل وتساهم فى ممارسة النشاط الأكاديمى وتقرب الأفراد ببعضهم أكثر وتصنع الألفة والمودة وتدفع بالمنافسة.
- هذه المعاملات داخل الملعب إنعكست بإيجابية داخل قاعات الدرس فهو الرياضى الخلوق المتميز بالهدوء والبسمة الدائمة وهو المعلم الجاد الملتزم فلم يتخلف يوما عن الحضور لمحاضراته فى مجالى النحت والخزف وفى ميعادها أيضا حسب جدولها، ونتيجة معرفته بنا من خلال ممارسة النشاط الرياضى إنعكس ذلك على ممارسة الفن سواء فى الدراسة أو فى متطلبات الاجتهادات المطلوبة فى المسابقات الفنية هو خير مشجع ودافع لتأصيل شخصية من يريد أن يحقق ذاته ليصبح كيانا فنيا ونحن طلبه لا نستطيع أن نكتشف تميزنا لكن عيون الأساتذة هى التى تحقق لنا ذلك، وكان الأستاذ كمال عبيد من هذا الصنف من الأساتذة الذين يعملون على كشف قدرات المتعلمين وتوجيهها أكاديمياً لتصبح شخصية متميزة، وقد زاد ارتباطى باستاذى حبى الشديد للتعلم وحبه الشديد للكشف عن المواهب بالإضافة لاننى أمارس الرياضة فباتت المعرفة بالاسم محققه لأغراض متنوعة كلها تصبح فى صالح الطالب الذى يساعده معلمه على شق طريقه.
- وقد كتبت عن قصة العمل الفنى النحتى الذى كنت أبنيه وأنا طالب فى الفرقة الرابعة فى عام 1968 وكان هو أستاذى فى تدريس مادة النحت وظل يوجهنى إلى أن انتهيت من بناء الهيكل المعدنى للعمل (الكراكاس)، وطلب منى الطلاء الأسود فطليت العمل وإذا به يوجهنى نحو تقديمه للمسابقة وقدمت العمل مع دهشتى البالغة وإذا بى أحصل على الجائزة، وكم كانت سعادته بالغة أن يقول لى أنت مندهش وأنا متأكد، وقد كان ذلك مصدر مداعبات لى على مدى زمن طويل حتى بعدما أصبحت أستاذا.
- أما الموقف الثانى الذى ذكرته فى مقاله لى عن أستاذى الفنان والمعلم والإنسان كمال عبيد فكان تسجيله لى كتابة لرأيه فيما أبدع من ممارسات فنية أهم ما فيها اغتباطه باكتشافى برعما وتسجيل شهادته وأنا يافعا فنيا، الله على كل هذا العطاء والتشجيع نحو المثابرة وتأكيد الذات.
- ولن أنسى ما حييت عندما تخرجت، وأنا طالب فى آخر البكالوريوس كان هو صديق للأستاذ الكبير رحمه الله عليه أ/ محمود النبوى الشال وهو الذى بيحكمنى التربية العملى فى مدرسة الإبراهيمية فى جاردن ستى، الأستاذ المرحوم محمود النبوى الشال قال للأستاذ كمال عبيد يوجد ولد فى التربية الفنية فى مدرسة الإبراهيمية عامل شغل حلو أوى، أفاجأ بالأستاذ الدكتور كمال عبيد دون علاقة بى بأكثر من أنى تلميذ من تلامذته كنت شغال معاه فى النحت جاء يرى ويسأل عملت ده إزاى لأنى كنت عامل وحدة نحت ووحدة خزف فى سنتى من حسن حظى سنة 69 كان الاحتفال بألفية القاهرة فعملت بنيه تكوينية لمسرحية من الورق مع طباعة منسوجات للمسرح مع قطعة خزفية تتعمل ميدالية مع تماثيل نحتيه توضع فى خلفية المسرح كفكرة تكاملية أدأية شد هذا الفكر أستاذى كمال عبيد وكان مساهماً فى أن أحصل على درجة يمكن تكون الدرجة كلها سواء من أستاذى المشرف أو أستاذى الممتحن (إنسانية المعلم) دافعية الإنجاز عند المعلم وأنا أتكلم بلغة أهل السلوك لأن الفن سلوك وخلق أهل الفن تكبير الصغار ومراعاتهم والاحتفاظ بهم ومراعاتهم واحتضانهم حتى أنى أتذكر أنه كان فى الرياض فى السعودية أفاجأ مرة من المرات وأنا كنت فى قطر أنه يرفع سماعة التليفون ويقوللى غلبتنى بالجلد بتاعك كل ما أروح مكان ألاقى ناس بتعمل جلد هذا حدث، ما تيجى تشتغل الشغلانه هنا إيه اللى وداك قطر على الأقل هتروح مكة وتزور بيت الله - بيجمع بين حالة الإنسان وظيفته والنفع العام - إن شخصية بهذا الوصف تكون شخصية جديرة بالتقدير، وفى لمسة إنسانية أخيرة عندما كان زملائى يعرفون عنى بعض الشقاوة اخترت زوجتى من طالبات الكلية وكانت متدينة وهى شاطره فنياً جداً، توسمت فيها المستقبل وليس الحاضر، فإذا بى أفاجأ بأنها تسأل مين عن على المليجى؟ تسأل الأستاذ كمال عبيد دون أن يخبرنى، واللى يقولى أبوها يقوللى أنا مش عارف الأستاذ رأيه فيك كده ليه وأنا شايفك خنفس، فقد أصابت أن يهديها على ما اعتقد على أنها احسنت الاختيار.
- لقد ظللنا أستاذى وأنا نتناغم بالمناقشات حول الفكر والفكرة والتفكير والنقله فهو فنان ومعلم من ذلك الصنف الهادئ والمحاور الدافئ والمؤمن بأن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، والثقة تدفع للتقدم والأبناء لابد وأن يكبروا ومهمة أهل الفنون فى المجتمعات صعبة وتربية المعلم النموذج أمر بالغ الصعوبة وعلينا أن نتعب لنصنع ذلك.
- وعلى الرغم من أسفاره واسفارنا كانت تجمعنا حلقات وجلسات مناقشات العلم والفن والحياة دوما، وما أجملها عندما عدت من الخارج لأعمل فى كلية التربية النوعية، وشاركت فى تولى المسئولية بها، وكان هو يأتى إلى الكلية ويجلس معنا ونسترشد دوما بكل توجيهاته ثم أصبحت عميداً وكم كانت لمحاته تدمع العيون عندما فتح ذراعية ليأخذنى بينهما فى حنان الأب ويباركنى ويجلس معى ليضع لى خطوطا حمراء وخضراء للتعامل وكيفية وضع وتحديد العلاقات فى العمل وأذكر أنه أعطانى اسفنجة وقال إنها تمتص من يتعامل معك، وعندما ستكون مسئولا - وأنا واثق من هذا - لابد أن يكبر حجم الأسفنجة - بعدد من ستتعامل معهم فتمتص عصبيتك وتمتص عصبيتهم، حتى تتمكن من اتخاذ القرار. لقد كان فليسوفا ومنصفا لكل صاحب رأى وفكر، ومعضداً لكل صاحب مبدأ أنه الأستاذ الدكتور الفنان الإنسان كمال عبيد علم يظل مرفرفا فى سماء الإنسانية عند المصريين.
بقلم : أ.د. على المليجى

قيمة وقيم معاً
- كلمات اليوم خرساء.. كطبل أجوف يتردد فى فضاء قيد يشل العقول.. لا تدرى ماذا أو كيف تقول صفع يلوى الأعناق.. ودمعة حيرى تلمع فى الأفآق.. والصمت الرهيب يلف الرفاق.. ويخيم على الرواق..
- فالصمت أجدى.. حيث تهتز الأعماق.. يا أصدقاء.. أليمه كلمات الرثاء.. صعبة هى.. وكل كلمات العزاء.. مر.. مر.. مر، كالعقم، كالصبر
- كل حرف ينطقه لسان.. يسرق إنساناً من إنسان
- إلى روح الرجل.. الأب والأستاذ.. الفنان والإنسان فقيد الفن.. الأبداع.. والعطاء.. والإنسانية.. الأستاذ الدكتور محمود كمال عبيد..
- تلاميذك، وأبناؤك، وأصدقاؤك الذين ودعوك، والذين لم يسعدوا باللقاء الأخير معك. تلاميذك وأبناؤك وأصدقاؤك الذين مازالوا يتجرعون مرارة البعد والفراق والرحيل الصامت والموجع.. والذين كان يجمعهم بك بلا موعد صالونك الارتجالى الذى لا يعرف حدود الزمان والمكان، عندما يتحلقون حولك ليستمعوا إليك ويستمتعوا بك، يصفون.. يتزودون.. يتعلمون منك حكمة الآباء وخبرة السنين وحنكة الحياة، فى الفن والعلم والفكرة والخلق وشتى صنوف المعارف والآداب فى الدنيا والدين، وفى أمور كثيرة منها الضارب فى عمق التاريخ ومنها ما يعاصر آخر مجريات الأحداث..
- تلاميذك وأبناؤك وأحفادك وزملاؤك وأصدقاؤك.. مهما ارتفعت هاماتهم، وسمت إبداعاتهم، وعلت مكاناتهم.. بكل الحب الساكن فى وجدانهم سيظلون يذكرونك صديقا وأبا وأخاً وجداً ، وأستاذاً ومعلماً ومفكراً ومنظراً، ورائداً ومبدعاً، وإنساناً وفناناً، وسيظل اسمك محفوراً فى قلوبهم، منقوشاً بحروف من نور لا تخبو شعلته، ولا تنطفئ جذوته ما طالت بهم الحياة. وستظل ذكرياتك معهم أقوالاً وأفعالا ذكرى تدق أجراسها دوماً وتتردد أصداؤها أبداً فى عالم النسيان فالقمم لا تنسى، والقيم لا تموت.. وأنت قيمة وقمة معاً. وسيظل غدنا يشبه الأمس.. فلا ينسى مثلكم.. ومثلنا لا ينسى.
بقلم: أ.د. عيد سعد يونس

أستاذنا... الفنان
- أستاذنا الدكتور الفنان كمال عبيد، الذى كان مفعما بالطاقة والحيوية والعطاء حتى آخر لحظة. لقد عرفته معلماً وفناناً وكان أول لقاء لى به فى كلية التربية الفنية جامعة حلوان، حيث إنبهرت به ولم أكن قد تعرفت به عن قرب عندما التف حوله الجميع ينصتون لآرائه فى جلسة نقاش خاصة بمقترحاته لأبحاث الدكتوراه والماجستير بكلية التربية الفنية، وشعرت وقتها أننى تلميذ يجب عليه أن يصمت ويسمع، واستنتجت من كل ما سمعت ورأيت أن وراء هذا الرجل إنسانا وفنانا وعالما ومعلما، وأن وراءه تاريخ طويل من العطاء. فكبر فى عينى هذا الرجل الرقيق المهذب، وسنحت لى فرصة الحديث معه فاكتشفت مدى ثقافته الواسعة ومحتواه الإنسانى العالى. وتعرفت بعد ذلك على أعماله ومؤلفاته وتتبعت سيرته فأصبح من القلائل الذين اتخذتهم قدوة فى حياتى، إنسان وفنان وعالم ومعلم.. تاريخ طويل من العطاء
بقلم: أ.د. محمد عبد الحليم محمد

كمال عبيد الفنان.. المربى.. الإنسان
- كان أستاذنا الراحل الكريم كمال عبيد، نموذجا رائعا وفريدا للريادة الفنية والعلمية والإنسانية، يتمتع بثقافة موسوعية، يلم بالكثير من الفنون القديمة والحديثة يضاف إلى ذلك رصيد هائل من الخبرة الإنسانية على أعلى مستوى، وقدره على العمل المتواصل بتركيز لا يصيبه الوهن أو الضعف، متحمس ومناضل قوى لقضايا التربية الفنية ودورها فى بناء شخصية المصرى، الحر والأخلاق.
- كان الفنان كمال عبيد فى إبداعاته الفنية، يربط الشكل بالمضمون فى لحمة واحدة، لا يمكن فصل أحدهما عن الأخر، كان يرفض الانقياد والتبعية، أو التقليد الأعمى للفنون الأوربية، بل كان دائما ما يؤكد على أهمية وضرورة فهم وهضم التراث، سواء كان محليا أو عالميا، واستيعابه وتمثله، ثم إنتاج الجديد والأصيل. كانت أعماله تشى برهافه الحس والوجدان، والسيطرة على عناصر التشكيل بفهم ووعى واقتدار. كان فذا وقديرا فى نحت البورترية، وطبعة بمسحة نبيلة من روحه الشفافة المبدعة، كما اتسع نشاطه الفنى كنحات رائد إلى مجال فن الخزف، الذى أبدع فيه وأضاف إليه الشئ الكثير، خاصة فنون الإناء، والبلاطة الخزفية، والحلى الخزفية.
- كان رحمه الله منتميا وبشدة، لحركة الفن القومى الحديث والمعاصرة، مع الارتباط بالتراث والجذور والواقع، وتأمل الطبيعة، حيث كان عضواً فعالاً ونشطا فى جماعة الفن والحياة التى أسسها الأستاذ الرائد/ حامد سعيد والتى استهدفت تأمل الطبيعة والتعبير عنها بشفافية وصوفيه، ولإيمانه بذلك انشأ جائزة سنوية فى مجال فن النحت، تمنح لطلبة ومعيدى قسم النحت بكلية التربية الفنية وموضوعها` تأملات فى الطبيعة` بهدف إثارة الاهتمام بالطبيعة لاهميتها فى تكوين الخبرة الفنية، لدى دارسى الفن والتربية الفنية. كان محركا ثقافيا وابداعيا، عندما سعى إلى تنظيم سلسلة من اللقاءات مع الأساتذة الرواد، بقصد تسجيل تاريخ انشاء كلية التربية الفنية ومراحل تطورها المختلفة، وإسهاماتها الميدانية فى مجالات الفكر والفن والثقافة بمصر والعالم العربى، من خلال الأساتذة المعاصرين لتكوينها، ومازالوا باقين بالمجال، والاستفادة من هذه اللقاءات المسجلة، فى تدوين تاريخ وتطور التربية الفنية، لمساعدة شباب الباحثين والدارسين للحصول على معلومات علمية، وتاريخية، صحيحة وموثقة وبادر بتسجيل اللقاء الأول فى هذه السلسلة ساعيا لنقل خبراته التراكمية الممتازة محققا للتواصل بين الأجيال الشابة الواعدة وبينه كرائد من جيل العمالقة.
- كان أستاذنا المربى كمال عبيد مثالا نادراً للأستاذ الملتزم، والمنضبط حتى اللحظات الأخيرة فى مرضه، يتميز بالموضوعية والعدالة والنزاهة، شديد التحمس فى عمله، يشهد له الجميع بالتميز والتفرد والكفاءة التدريسية والبحثية، شارك بفعالية واقتدا فى الكثير من اللجان المتخصصة لتطوير برامج وأنشطة التربية الفنية بمصر والعالم العربى. كما كانت له اهتمامات ممتازة فى مجالات التوجيه والإشراف العلمى والأكاديمى، على رسائل الماجستير والدكتوراه، فى مجالات فن النحت والتربية الفنية. يعمل باستمرار ودأب على التعرف على كافة التغيرات المستحدثة فى مجالات تخصصه واهتماماته الأكاديمية، مما جعله يتميز بين أقرانه وزملائه، بالمعرفة الكافية والممتازة بمواد التخصص ومصادره. كان يوفر لتلاميذه وطلابه فرصا تربوية جيدة، تتناسب وقدراتهم، مستخدما أساليب التعزيز المناسبة، يجيد استثارة دافعية طلابه للتعلم والمشاركة الإيجابية. كان له أنشطته العلمية والأكاديمية الكثيرة، حيث انتدب للتدريس بالعديد من كليات التربية الفنية، والتربية النوعية والتربية بمصر وبالعالم العربى. أيضا كانت له اسهاماته القوية فى مجالات خدمة المجتمع والبيئة، من خلال الإعداد والإشراف على العديد من البرامج والدورات التدريبية فى مجالات النحت والخزف بمصر وبالبلاد العربية وعلى المستوى الإنسانى، كان راحلنا الكريم، نموذجا فريدا ونادرا فى تعامله مع الأخرين من الزملاء والطلاب.. كان إنسانا جميلا يمتلئ قلبه بالحب والحنان والعطاء، فينشر الحب حوله كما يحمل النسيم اريج العطر. كان نموذجا ومثالا فريدا بين جيله من الشوامخ الأكاديميين، طالما سعى وساهم وجاهد فى سبيل إعداد الكوادر العلمية الشابة، من كافة الجوانب، أكاديميا وسلوكيا. كان مثلا وقدوة.. له بصمته التى لن تزول على مجتمع وأسره التربية الفنية بمصر وبالبلاد العربى.
- أن الرائد الكريم كمال عبيد الغائب الحاضر، لم يعرف الموت، فهو باق بيننا، مثل وقدوة ونموذج، قيمة وتراث حى باق إلى إن نلقاه.. فإلى لقاء أيها الأب.. أيها المعلم.. أيها الإنسان الجميل الذى أعطى جمالا لهذا الكون.
وشكرا لكل من ساهم وشارك فى إعداد هذه الأحتفالية. احتفالية الوفاء والعرفان والحب، من أسرته وزملائه وأصدقائه وتلاميذه ومحبيه.
بقلم : أ.د. محمد لبيب ندا

كلمة وفاء للفنان الأستاذ كمال عبيد
- كان اللقاء على أرض البحرين فى ديسمبر 1984 جاء الأستاذ كمال عبيد كخبير للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. استطاع فى فترة وجيزة أن يؤثر تأثيراً كبيراً فى مسيرة حركة النحت والخزف فى البحرين من خلال الندوات والمحاضرات والدورة التدريبية لمعلمى التربية الفنية بوزارة التربية والتعليم، بعد أن وجد أثناء تواجده فى مملكة البحرين غياب حصة التربية الفنية من الخطة الدراسية فى المرحلة الثانوية واعتبره إغلاق لنافذة تربوية هامة يتم من خلالها تكوين مواطن صالح متكامل الشخصية يتفاعل مع المجتمع ويؤثر به.
- ومن خلال العمل المتواصل ليلاً ونهارا استطاع هذا الفنان والمعلم والمربى أن يعطى كل ما لديه من أساليب وتقنيات فنية فى مجال النحت والخزف لم تكن معروفة لدى الكثير من مدرسى الوزارة مما فتحت لهم آفاق جديدة من المعرفة وتركت الأثر الكبير فينا كمربين وفنانين فى هذا المجال وكان بداية لانتشار فن الخزف فى معارض متخصصة بالبحرين كان أولها معرضى الأول فى عام 1988.
- وكان لى الشرف أن أكون المساعد له فى هذه الدورة مما جعلنى أتعلم الكثير على يد هذا الأستاذ والمربى الفاضل ليس فى المجال الفنى والتقنى فقط وإنما تعلمت منه كيف تكون مربيا وفناناً.
رحمك الله أيها المربى الجليل والفنان الكبير وصورتك فى ذاكرة تلاميذك ومحبيك فنعم الفنان المربى أنت
بقلم : أ.د. محسن التيتون ( رئيس جمعية خزافى البحرين )

الأب والصديق
- أحمد الله كثيراً وأشكره أن منحنى شرف أن أكون إبنة الأستاذ.. المربى.. الإنسان.. الفنان كمال عبيد.
- وإننى حين أذكره، فإنى أذكر مجموعة من القيم والمثل والمبادئ.
- وإننى أرى هذه الصفات تتبادل مواقعها وتتواجد فى شخص كمال عبيد سواء الفنان أو الأستاذ أو الأب أو الصديق.. الخ. وحين أتحدث عن كمال عبيد الأب فإننى عرفته أباً محباً لأبنائه الأربعة بنات وبنين، دون أدنى تفرقة فى مشاعر الأبوة والحنان والحب والعطف والرعاية. لم أشعر أبداً منذ طفولتى بأى مشاعر خوف أو رهبة فى الحوار معه فى أى موضوع مهما كان، بل كنت أستشعره الصديق الوفى المخلص المتفانى فى التفكير للإجابة عن أى استفسار، فقد كان يحيّد مشاعره وحقوقه كأب ويتناقش ويتحاور كصديق مخلص رقيق المشاعر والأحاسيس لكل من يلجأ إليه فى مشوره أو مشكلة، دون إشعارنا بالضعف أو الفشل أو.. بل يعزز فينا الثقة فى النفس والقدرة على تجاوز أى مشكلات أو عقبات مهما كانت ببساطة وسلاسة، ويبث فينا الاطمئنان والأمان برعاية الله عز وجل، لثقته فى صدق علاقتنا بالله سبحانه وتعالى.
- لم نتعرض لأى عقاب منه طوال حياته، وكانت توجيهاته لنا من خلال أسلوبين:
- الأول: ` القدوة `، مثل الصدق فى الحديث والأفعال، الالتزام والوفاء بالوعود، احترام الأخرين صغاراً وكباراً، القناعة والرضى بكل ما قسم الله، الإخلاص فى العمل، الكرم فى العطاء، تأمل إبداعات خلق الله عز وجل فى أنفسنا وفى كل ما يحيط بنا.
- أما الثانى: فكان من خلال القصص والحواديت ليغرس فينا القيم والمبادئ والسلوكيات التى يريد أن يعلمها لنا. فقد كان قصاصاً ماهراً، يجذب إليه كل من يستمع إليه لتميزه الشديد فى أسلوب القائه للقصة أو الحدوتة - والتى عادة ما تنتهى بالمناقشة والحوار الدافئ حول الهدف من هذه القصة أو الحدوتة، ومدى الاستفادة منها كى تتأكد لدينا القيمة أو السلوك الذى يريد أن يعلمنا إياه - وكذلك الفوازير التى يبتكرها لتتناسب وكل مرحلة عمرية، التى لا تتكرر ولا تنضب على مدى مشوار حياته سواء معنا أو مع أحفاده أو أى طفل يتقابل معه.
- نشأنا مع والدى فى فيلا كبيرة، خصص الدور السفلى منها ` كاستوديو` له، أعده وقام بتجهيزه بنفسه بداية من ورشة للنجارة والحدادة إلى مكان تجهيز وتحضير وتخزين الطينات والجبس والخامات الأخرى التى يمكن أن يحتاجها فى إبداعاته الفنية المختلفة، إلى مكان لممارسة انتاجاته الفنية، إلى مجموعة أماكن تشتمل على عدد كبير من الأفران الخزفية الكهربائية - التى قام بتصميمها وتنفيذها من الألف إلى الياء بنفسه - متنوعة فى أحجامها وأبعادها، بل كان منها ما يمكن أن يصغر ويكبر تبعاً لحجم وشكل العمل المراد حرقه، ومنها أفران صممت خصيصاً لقطعة واحدة بعينها، وأفران خصصت لحريق الأشكال الخزفية ذات البريق المعدنى..، ومجموعة من الأفران الصغيرة لاجراء التجارب الخاصة بالطلاءات الزجاجية - والتى أيضا كان يقوم بتركيبها وتجهيزها بنفسه - ، بالإضافة إلى مجموعة من الافران ( البلدية) التى قام أيضا بتصميمها وبنائها بيده، والتى كان قد خصص جزءا من حديقة الفيلا لها إلى جانب حجرة كبيرة لتخزين الأخشاب المختلفة اللازمة لعمليات الحريق فى تلك الأفران.. وقد تنوعت أشكال وأحجام تلك الأفران، التى بلغ حجم آخر فرن منها 2.5× 2×3 متر.. وقد قام بعمل العديد من التجارب فى مجال الخزف والنحت الخزفى فى تلك الأفران، والتى كان من نتاجها ما يزيد عن الثلاثة آلاف قطعة خزفية متنوعة الأشكال والمعالجات والتقنيات.
- ويحضرنى هنا عندما كان يقوم برص الأشكال داخل تلك الأفران بسلاسة ومهارة فائقة - حيث أنه لم يتعرض أى شكل من الأشكال للتلف أثناء عمليات الحريق - وهذا ما يؤكد صحة ودقة تصميماته لتلك الأفران.
- كنت طفلة صغيرة وقتها - فى العاشرة من العمر تقريباً - غير مدركة لأسس تلك العمليات ولكنى كنت أتأمل كل ما يقوم به الأب والأستاذ والفنان بإعجاب وانبهار شديد.. وقد كان يوكل إلى أنا وأختى ( آمال) عمليات التدفئة أو التعليل فى الأفران البلدية والتى كانت تستغرق ما بين 3 -6 ساعات تبعاً لحجم الفرن والأعمال التى بداخله - وهى الفترة التى ينال فيها الأستاذ كمال قسطه من الراحة والنوم فى اليوم - ، وإن دل ذلك على شئ فإنما يدل على ثقة كبيرة منحها الأب لبناته، محاولا من خلالها تنمية مجموعة من القيم والسلوكيات كالالتزام والدقة والحرص وتقدير جهود الآخرين.
- كذلك كان يشجعنا على الممارسات الفنية.. فمثلا كان يعد لنا بعض الأطباق الطينية ويعطينا مجموعة من (الدفر) المتنوعة، والبطانات الطينية الملونة، ويترك لنا حرية التعبير عما يجول بخاطرنا من موضوعات أو تصميمات.
- وهنا أذكر أنه جعلنى أشارك ببعض أعمالى الخزفية.. وأنا فى الثامنة من العمر.. فى معرض أقيم بالدار البيضاء فى المغرب، وقد حصلت فيه على جائزة. كما كان يشجعنا على عمل بعض التماثيل ويقوم بحرقها وأحيانا بطلائها بالطلاءات الزجاجية، ويحتفظ لنا بها، والتى مازالت موجودة حتى الآن.
- أما عن كمال عبيد ` النحات` فإننى أتذكر أنه كان يجهز `الكركاس` الخاص بالتمثال أو `البورترية` فى مساء اليوم الذى يسبق التنفيذ، ثم يستيقظ مبكرا.. كعادته ليروى الحديقة ويسقى الزرع (رغم وجود جناينى مخصص لذلك) حيث أنه كانت هناك علاقة حميميه بين كمال عبيد الإنسان والفنان وبين كل شجرة ونخلة وزهرة وحبة رمل فى الحديقة.
- وكانت بالحديقة شجرة `سبوته` ضخمة وكبيرة جدا.. كان ظلها هو المحراب الذى ينفذ تماثيله النحتية فيه، والذى كان لا يستغرق أكثر من ساعتين ليكون شبة منتهى.
- كانت طريقة بنائه.. للتمثال أو ` البورترية ` تتم ببساطة وسلاسة واقتدار وإحساس مرهف ومهارة فائقة تثير فى أى شخص متابع له الإعجاب والانبهار والدهشة من سرعة وأسلوب الأداء، والتمكن من التقنيات والأدوات والوعى الكامل بإمكانات وخصائص الخامة التى يتعامل معها.
- والمتأمل لأعمال كمال عبيد النحتية سواء `البورتريهات` أو الأعمال التى تعبر عن موضوعات رمزية يشعر بأنه أمام فنان مصرى أصيل جذوره ممتدة إلى ما قبل الأسرات... أعمال تحمل كل القيم الفنية والجمالية العظيمة التى ضمنها الفنان المصرى القديم أعماله، التى هى سر بقائها متربعة على قمة الروائع الفنية للحضارات المختلفة.
- ان سمة ` الصريحة ` التى اتسمت بها الاعمال النحتية للفنان المصرى القديم - والتى تحتاج لتحقيقها مجموعة من القدرات والمهارات الفنية والتشكيلية - كانت سمة مميزة لأعمال كمال عبيد، خاصة تلك الاعمال التى عبر فيها عن موضوعات رمزية.
- كمال عبيد الأستاذ.. المربى.. القدوة :
- نظرا لأننى إبنه الأستاذ كمال عبيد فلم يكن لى حق التلمذة على يديه أثناء دراستى بالكلية، وهذا شئ عظيم كنت أتمناه من كثرة ما سمعت عنه من جميع الزملاء الذين كان لهم هذا الحظ .. وشاء الله العلى القدير أن يحقق لى هذه الأمنية، حيث كان لى شرف الاشتراك معه فى تدريس مقررات التخصص لطلبة الدراسات العليا بكلية التربية النوعية بالعباسية . فعايشت عن كثب الأستاذ الإنسان والفنان القدير كمال عبيد.. فالفرق كبير بين أن تسمع عن أستاذ وأن تعايشه.. فكنت أتأمل سلوكياته ومواقفة وقراراته وأحكامه المختلفة التربوية والإنسانية والفنية.. أتأمل الأستاذ الإنسان.. المعلم الصديق.. الحليم الحازم.. العالم المتواضع.. الكريم فى العطاء، عطاء بلا حدود ولا أسرار.. المحب السعيد لمهنته.. المؤمن برسالته.
- ومن الأشياء التى لا تنسى له كأستاذ ومعلم، حرصه على إعطاء الطالب الخبرة الكاملة خاصة فى مجال الخزف.. نظرا لصعوبة توفر الأفران الخاصة لدى الدارسين.. فكان أحد الدروس الأساسية والهامة فى بداية العام عن أفران الخزف، تركيبها وأهمية وجود فرن تجارب لدى كل ممارس خزف.. ثم يقوم بعمل تصميم وبيان عملى عن كيفية عمل فرن تجارب، وفى اللقاء الذى يليه تكون المحاضرة هى تنفيذ كل طالب لفرنه الصغير (فرن تجارب)، ثم يقوم كل محاضرة بعمل تجربة صغيرة وحرقها فى الفرن لإكساب الطلاب مهارة وخبرة عملية لعمليات الحريق (الفخار - والطلاء الزجاجى).
- وبهذه المناسبة أذكر أننى عندما كنت طالبة بالفرقة الثالثة بالمعهد العالى للتربية الفنية نفذ لى فرنا صغيرا على هيئة شنطة يسهل حملها، لآخذه معى إلى المدرسة التى أقوم بأداء التدريب العملى بها، حتى يعيش الطلاب - طلاب المدرسة - الخبرة كاملة ، فهو كان يؤمن بأن الخبرة الناقصة لا قيمة لها.. وبالفعل كنت أقوم بحرق الأشكال مع الطلاب فى المدرسة، مما كان سببا فى إعجاب بعض الطلاب بالمجال، وحرصهم على الالتحاق بالكلية بعد حصولهم على الثانوية العامة.. وهذا ما قاله لى بعض الطلاب الذين قابلتهم بالفعل فى الكلية بعد ذلك..
- أذكر له موقفا وأنا طالبه فى البكالوريوس فى المعهد العالى للتربية الفنية، فى امتحان نهاية العام.. وكان وقتها درجة امتحان آخر العام تمثل 60% من الدرجة الكلية للمادة، وكانت نتيجة امتحان البكالوريوس هى فقط التى تحدد أوائل الدفعة.. وكنت بالبيت أستعد لامتحان مادة النحت غدا، وذلك بعمل مجموعة من `الاسكتشات` والأفكار المختلفة المتوقعة كموضوع للامتحان.. وعند عودته المنزل مساءا ذهبت إليه متلهفة للاسترشاد برأيه فى تلك `الاسكتشات` التى جهزتها، فإذا به يتركنى بدون أى إجابة أو توجيه.. شعرت وقتها بحزن وألم شديد.. فالأستاذ كمال عبيد لا يمكن أن يقصر أو يتراخى فى تلبيه أى مطلب لأى شخص مهما كان، فكيف يكون هذا موقفه معى أنا إبنته!!، وفى مادة النحت بالذات.. وفى اليوم التالى أفاجأ بأن الامتحان هو أحد الموضوعات التى توقعتها.. فتعلمت أن المبادئ والقيم تتفوق وتتغلب على كل المشاعر والأحاسيس، حتى ولو كانت مشاعر الأب نحو ابنته.
- وهنا أذكر أننى حصلت على الدرجة النهائية فى هذا الامتحان، وكأن الله سبحانه وتعالى يثيبه على تحديه مشاعر الأبوة ، والتمسك بالقيم والمثل والمبادئ.
- لم يكن عند الأستاذ والفنان كمال عبيد أى مشكلة فى الممارسات والإبداعات الفنية، فكل مشكلة ولها حل.. فهو إنسان متفائل، مؤمن بأنك إذا أخلصت للعمل الذى تؤديه.. حتى ولو كان جمادا.. فإنه يبوح لك بأسراره فلكل خامة أسرارها، وأن الإنسان إذا أحب هذه الخامة وأخلص فى عمله فإنها تبوح له بأسرارها، وتصبح طيعة، سلسة فى التعامل والتعبير عن الأفكار.
- أذكر أننى كنت استعد لعمل معرض خاص، وكان أحد الأشكال الخزفية التى نفذتها استغرق تشكيله منى وقتا وجهدا كبيرا.. حيث كان من الأشكال الصعبة فى البناء أو التشكيل اليدوى..، بالإضافة إلى أننى كنت سعيدة به جدا. وعند حريقه حريقا أوليا حدث به شرخ كبير بدأ من عند الفوهة وأمتد إلى ما يقرب من ثلث ارتفاع الشكل.. وعندها أيقنت أننى فقدت هذا الشكل العزيز.. وعندما ذكرت ما حدث للأستاذ كمال عبيد طلب منى إحضار الشكل، وعندما رآه ابتسم وقال: ولا يهمك بسيطة إن شاء الله، وبمهارة فائقة بدأ يخيط طرفى الشكل بسلك رفيع من النيكل كروم.. وهى فكرة لم أرها أو أسمع عنها حتى الآن، ثم قام بعد ذلك بعملية ترميم الشرخ بالطريقة المعروفة للمتخصصين فى المجال.. وتم طلاء الشكل بالطلاء الزجاجى وزخرفته وحرقه واختفى تماما أى أثر للشرخ أو الترميم، واصبح من أجمل الأشكال فى المعرض.
- كمال عبيد إنسان هادئ الطباع، مرهف المشاعر، رحيم ودود، وفى بار بأهله، مخلص محب لأصدقائه وتلاميذه، يلتمس دائما الأعذار لكل الناس فى أى تقصير مهما كان، بل ويقابل كل عمل يقوم به أى شخص.. كبير أو صغير.. بكل تقدير واهتمام واحترام..
- لم ينل الفنان كمال عبيد فى حياته التقدير الذى يتناسب وشخصه كفنان له قيمته المتميزة والمتفردة كنحات وخزاف مصرى صاحب رسالة فكرية وثقافية سامية وأصيلة، ولكنه نال ما هو أعظم وأرفع من ذلك.. نال حب كل كل الناس، وحب الله العلى القدير، فمن أحبه الله حبب فيه خلقه.
رحم الله الأب والصديق والأستاذ/ كمال عبيد
بقلم : أ.د. أمينة كمال عبيد

أين كمال عبيد من دائرة الضوء
- بدأ الفنان القدير كمال عبيد حياته العملية فى عام 1941 عندما شغل وظيفة مدرس تربية فنية بالتعليم العام ثم تدرج فى عدة وظائف أستاذ النحت والخزف بكلية التربية الفنية (جامعة حلوان)
- وخلال هذه السنوات كان كمال عبيد الفنان يصول ويجول فى الدراسات النظرية وفى الإنتاج الفنى شكل تماثيله من الطين الصلصال ثم عكف على دراسة فن الخزف عمليا ونظريا وفى نفس الوقت هو أستاذ وأب لكل طلبة التربية الفنية ومعظم الفنانين الذين شغلوا وظائف هامة فى وقتنا هذا هم من استمعوا إلى توجيهات ونصائح الدكتور كمال عبيد.
- هو إنسان يحب الفن ويعشق التدريس ويلقى بنفسه فى معترك البحوث والدراسات والجميع يعرف أنه من أوائل الفنانين الذين قاموا بوضع تصميمات لأفران الحريق فى فن الخزف وخاصة بالوقود الجاف ثم السائل ثم الأفران الكهربائية كان ذلك فى الستينيات حيث الجميع يتطلع إلى إنتاج خزفى فى البيت والمرسم الخاص.
- وجاء اهتمامه بفن البورترية بصفته نحاتاً وخزافاً وأبدع بورتريهات لعدة شخصيات عامة منها جمال عبد الناصر، طه حسين عميد الأدب العربى، الشيخ سلامة حجازى، والشيخ الباقورى، وإسماعيل القبانى، ولعلى باشا مبارك ثم كلف بتنفيذ مجموعة (بورتريهات) للأساتذة الرواد بكلية التربية الفنية.
- وعلى الصعيد الدولى فهو أحد الرموز اللامعة التى شاركت فى بينالى الأسكندرية وبينالى فينسيا وله عدة بحوث فى تطوير الإناء الخزفى من التراث الإسلامى. أين هو الآن؟
- سؤال يتردد دائماً على شفاه تلاميذه وزملائه وغيرهم من محبى فنه، هو الآن فى مرسمه يتطلع إلى تاريخ صنعه بنفسه واستفاد منه الجميع... ولكنه لم ينل حظه من الإعلام حتى يرشح لجائزة الدولة. رحيل فنانين عظيمين.
بقلم: أ. نجوى العشرى


- ما أحلى أن يعيش الإنسان لحظات تكريمه... بعد مشوار طويل من العطاء الفنى والإبداع.
- فى هذا الأسبوع احتفل أهل الفن والجمال بتتويج اثنين من رواد الحركة التشكيلية والتعليمية فى بلادنا... الأول أطال الله فى عمره هو الفنان د. صالح رضا الذى شاركناه جميعا فرحته بافتتاح معرض شامل لأعماله عبر نصف قرن من الزمان.
- وتأتى لحظة تكريم الفنان د. كمال عبيد بعد رحيله بأسابيع... اعترافا وتقديرا لروحه الطاهرة وهو المبدع والمعلم والفنان والمربى والإنسان.. ساهم فى تخريج أجيال من النحاتين والخزافين وإرساء قواعد العديد من المعاهد والكليات وأقسام التربية الفنية والنوعية فى مصر والعالم العربى.

بقلم : أ.د. ثريا درويش
جريدة الأخبار 20-3-2003
خبيئة كمال عبيد
- لم يكن هذا العنوان معداً من قبل افتتاح المعرض التكريمى لاسم الفنان الراحل/ كمال عبيد ، بل خرج بتلقائية شديدة أثناء حوار تتبعى متنامى للأعمال المعروضة ، فقد كان هذا التجمع الثرى المتنوع لما أمكن الوصول إليه من أعمال كمال عبيد يعبر عنه بصدق ` خبيئة كمال عبيد ` ، فالخبيئة لفظ يطلق على الاكتشافات الجديدة لكنز خبىء فى عصور ماضية ، وقد كان هذا التعبير صادقاً لأقرب المعاصرين للفنان كمال عبيد من تلاميذه وزملائه ، فحجم الثراء، وكثافة التعبير ، وصدق الرسالة ، وضخامة الأثر، وعمق المضمون ، وسلاسة وانسياب وتسلسل الأعمال إلى وجدان المتلقى تجعل من كل هذا كنز أو خبيئة كمال عبيد ، فرغم أن معظم الفنانين قد عاصروة عن قرب إلا أنهم جميعاً قد هالهم ما شاهدوه، فقد رسخت المعروضات كل ما تبناه هذا الفنان من فكر ومضمون قيمى، وجمال حسى حسى لمشوار حياته.
- إن السهل الممتنع فى أداء أنامله ` نحتاً أو خزفاً أو رسماً أو تصويراً ` تجعل من هذه الأعمال مدرسة فكرية وفلسفية عميقة استوعبت بوعى معطيات حضارة مجتمعها وهضمته جيداً وترجمته إلى نتاج جديد لا يقلد ولا ينقل ، ولكنه تشعر مع كل عمل بخلفية وجذور ممتدة لا تراها ولكنك تستشعرها فى أصالة كل عمل وفى مضمونة .. والغريب وغير المفهوم أن ترى تعبيرات قيمية بغض النظر عن نوعية العمل ، فأنت ترى الشموخ فى الأسد وفى الحمامة وفى الأرنب ، ترى القوة فى القط كما هى فى البقرة ، ترى الانسيابية فى البورترية وفى الريف رغم اختلاف التكنيك والعمل شكلاً وموضوعاً.
- كما أن المساحة الزمنية التى قدمت فيها هذه الأعمال تشير إلى ظهور مدارس فنية عالمية أثرت فى معطيات الفن فى كل الأنحاء ومع ذلك فإن عمق التجربة والأصالة والتشبع بفلسفة وخصوصية البيئة الحضارية الحاضنة لهذا الفنان لم تتركه منهباً لتلك الهبات ، بل استمرت قناعاته واضحة راسخة من أقدم أعماله إلى أحدثها.
- لازالت تعليقات الفنانين الكبار على قوة إعادة اكتشاف فنون كمال عبيد المتنوعة والمتدفقة وحيويتها تجعل من تعبير الخبيئة ` أصدق ما قيل عن هذا المعرض `.
بقلم : منار محمد سليم
جريدة الأهرام 24-11-2017
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث