`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
صبرى ناشد اثناسيوس
عزف على الخشب
- لقد تعرفنا على الفنان `صبرى ناشد` منذ بداية السبعينات من خلال منحوتاته الخشبية، وخاصة تمثال `زهرة الصبار` الذى فاجا جمهور المعارض برقته وشاعريته، والذى اهدته سيدة مصر الاولى الى وزير خارجية امريكا السابق` هنرى كيسنجر`عندما ابدى اعجابه الشديد به ، ليستقر فى النهاية داخل سكرتارية ولاية واشنطن، كسفير لمصر، وفن مصر، فى الدنيا الجديدة..
ويكتسب فن المثال`صبرى ناشد ` من النبات صفة `النماء` والصعود الى أعلى، فتماثيله جميعها تنموا راسيا وهى تتسلق الفضاء بمرونة لولبية وتقاوم جاذبية الارض بما يتخللها من فراغات وتجاويف `جمالية ` تزيد من رشاقتها، وتخفف من كثافتها المادية ، فتتحول فى النهاية الى ما يشبه الاطياف الخشبية، أو الالحان التى تنساب وتطرق الاذان برفق ، أو كسحابات البخور وهى تتلوى فى الفضاء تنشر العطر وتداعب المشام بسحر لا يقاوم.. واذا جاز لنا ان نطلق على فن ( صبرى ناشد ) ( بالنحت المفرغ ) أو `المغفر ` فذلك للدور الكبير الذى تقوم به الفراغات والتجاويف والضفائر فى حوارها الملح مع الكتل النحتية التى تتلوى دون أن تفقد صلابتها، وترق دون ان تتنازل من هويتها المادية..
-غير أننا امام أعمال `صبرى ناشد ` نحس بقوة الانتماء الى مصر، والعالم، والعصر فى آن واحد،ففى الوقت الذى يعبر فيه بلغة نحتية متطورة جدا عن قلق الانسان وغزوه الفضاء بحثا عن `كوكب آخر` نراه يحيى الجندى المصرى الذى وهب مصر روحه ودمه بتمثال `الشهيد ` كما يحيى ذكرى عملاقة الغناء العربى ` ام كلثوم ` بتمثال `الاطلال`.. كما نراه يدندن بأنغام شرقية أصيلة أو يردد جملة زخرفية اسلامية يجسدها لتتراقص فى رقة بالغة فى الفضاء، وكأنه يأبى ان يظل الفن الاسلامى أسير البعد الثانى دون أن يتحرر وينطلق فى جميع الأبعاد، متحديا أكثر الاشكال النحتية المجردة تطورا.. !!
هذه التراتيل الخشبية، والأنغام المجسمة، خفقات قلب عاشق تقمصت المادة لكى تفوح بأسمى المعانى وابدع الاحاسيس.. وهى رغم ما يحيط بها من صنوف المعاناة المادية والنفسية، استطاعت ان تتحدى الظروف وتغض الطرف عن كل ما فى الحياة من عوائق وجحود لتثبت وجودها فى اباء واصرار.. وتواضع وحب كبير.
-إنها شاهد على أن الفنان الصادق، يعمل دون ان يشكو، ويعطى دون أن يقف وقفة المنتصر بين أعماله ، وأنه استطاع ان يستخرج من جوقة الصمت هذه الأناشيد المجسمة، التى تتصاعد ألحانها فى تناغم شجى لتتجه فى النهاية فى توافق سمفونى مصرى أصيل .
حسين بيكار


- تجربة ممتدة فى النحت الخشبى..إن العمل الفنى أوسع نطاقا من الحوافز التى حثت عليه فهو نتاج العبقرية والتدريب والبواعث البيئية والثقافية والرغبة المتحققة للفنان من أجل التعبير عن نفسه مثلما يندرج هذا التعريف على الكثير من الفنانين الموهوبين فى مجالات الإبداع الفنى المختلفة نجده ينسحب أيضا على قلة قليلة - استثناءات - من الموهوبين فى كل مجال من هذه المجالات التى تتعدد وتتنوع فيها الوسائط والتقنيات والأساليب والاتجاهات فى مجال النحت - مثلا يمكننا أن ندرك ونميز أشكالاً فنية من الحجر الصلد أو الجرانيت والرخام والبرونز والبوليستر والخشب والخامات المختلفة المجمعة وأن نتعرف على مبدعها من أول وهلة وهذا يعنى أننا عندما نتطرق إلى المثالين الذين تناولوا خامة الخشب فى صياغة أشكال نحتية سوف نتذكر على الفور أسماء مثل السجينى والعجاتى وعبد البديع عبد الحى وهجرس والوشاحى ومأمون الشيخ وصالح رضا وطارق زبادى وصبرى ناشد ومحمد سيد توفيق وغيرهم غير أن صبرى ناشد لازال من أكثر أولئك الفنانين انحيازا وولاءً واخلاصاً لخامة الخشب ولم يعدل إلى غيرها - بديلا - نستثنى ` طارق زبادى ` منذ أن تخرج من كلية الفنون التطبيقية قسم النحت عام 62 وعلى مدى أربعين عاما وهو مهموم ومشغول بنحت أشكال من الخشب الخام ، جذوع الشجر مستعينا فى ذلك بالمطرقة والإزميل وباقى الأدوات اللازمة لذلك وكما هو معلوم أن أبسط الأشكال الخشبية يتطلب تشكيلها وقتاً وجهداً وصبراً ومعاناة وتمكناً من أدوات التعبير وصحة جسدية أيضا حتى يقدر الفنان على مواصلة الإنتاج والعطاء المثمر ولطالما أنتج وابدع ` صبرى ` أشكالاً نحتية قيمة ورائعة محاولا فيها الإمساك بالحياة وبكل ما هو جوهرى فى الطبيعة ، كل ما هو إنسانى ورقيق دونما ، افتعال لذلك نجد ` الفورم ` عنده لا يعدو أن يكون فى كثير من الأحوال جملة تشكيلية مختزلة ودالة عميقة المعنى حتى ولو كانت هذه الجملة ` طائر أو سمكة أو انسان أو نبات أو غيرها من الإشكال المجردة التى لا صلة لها بالواقع المرئى .
هذه الجمل المعقد منها والبسيط يعكس ولع الفنان بالطبيعة والإنسان حتى امتزج الإثنان معا فيعدد من القطع الفنية بحيث يصعب تحديد هوية العنصر الطبيعى وما إذا كان نباتاً أو إنساناً .
فى واقع الحال إن مجمل الأشكال النحتية التى أبدعها ` صبرى ` بصرف النظر عن الفوارق التقنية والجمالية التى تميز بينها تظهر جانباً من قدرة الفنان على الاحتفاظ بتحولات صور المخيلة قبل وأثناء مراحل تنفيذ العمل الفنى حتى الانتهاء منه على النحو المطلوب وأيضاً قدرة على تطويع خامة الخشب الخام حسبما يريد لها الفنان شكلاً وموضوعاً ومضموناً وهنا تتجلى خواص اللدونة والمرونة والخفة والرشاقة والإيقاعية الموسيقية والحركة وجمال الشكل فى الفراغ المحيط وهى كلها قيم تشكيلية تضيف إلى الأشكال سمات جمالية أصيلة ومعاصرة .
إن صبرى فى سعيه الدائم نحو العثور على شئ جديد ومستلهم يعنى منذ البداية أن عليه أن يصوغ نفسه بنكران الذات والخلاص للمستضعفين فى الأرض والعاشقين للطبيعة والحقيقة .
د. رضا عبد السلام

معزوفات خشبية تقفز فوق السحاب
- وعندما نقترب أكثر من هذا الجنوبى القادم من قرية المريس بالاقصر تلمح فيه رسوخ الجبل وصلابته ورقة الفراشة وهشاشتها ولان الصعيد `الجوانى` له تأثير السحر على أهله فمعظمهم يكتسبون حساسية فنية فريدة فأول ما تقع عليه عيون الأطفال هى النخلة وأعمدة المعابد الفرعونية وأشرعة المراكب فى النيل وصوت الماء والطبيعة المفتوحة والمتدرجة من الأخضر إلى الأصفر يراعة النبات الصغير الذى سرعان ما ينمو ويمتلىء بالحياة كانت هذه المفردات وغيرها تجسدت فى أعماله النحتيه من خامة الخشب والتى بدات عنيقة خشنة وتموج بالحركة.
- وتحولت الى الرشاقة والغنائية وأشبه بمعزوفة موسيقية حالمة تتراقص فوق السحاب وفى مرحلة متاخرة مزج بين الانسان والنبات وفق فلسفته الخاصة التى اكتسبها من الحياة وتامل الكون ولخص فيها بخطوط رشيقة ملحمة الانسان ـ النيل ـ الكون وفى فترة مبكرة كانت أعماله من ذلك النوع السياسى القومى التى واكبت الافكار المطروحة فى الفترة من 60 الى 67 واشهرها تمثال العامل وتأتى النكسة كخط فاصل وحاد لهذه المرحلة وتظهر البراعم بعد 73 .


عونى الحسينى

أعمال صبرى ناشد الموحية بمصريتها الحميمة وأصالتها
- كلما تذكرت الصديق الفنان المبدع صبرى ناشد ، ارتسمت منحوتاته الخشبية أمام مخيلتى فى الحال .. يعود هذا ولا شك إلى أن لها حضوراً حياً وهادئاً فى ذات الوقت ، يترك له أثره وبصمته عند الملتقى … وربما يكون السبب فى ذلك أيضاً ـ إلى جانب مؤثرات كثيرة بلا ريب ـ إلى مدى الصدق والحب اللذين يتعامل بهما مع الخامة الأثيرة لديه ، خامة شجرة السرسوع التى نشأ منذ طفولته يشاهدها من حوله ويعجب بطبيعتها وتكوينها وصلابتها ومرونتها معاً …
- يكفى هذا الاستطراد كمدخل للتعبير عن أثر أعمال هذا الفنان الكبير فى نفسى منذ زمن بعيد ، وعلى ما أذكر منذ ما يقارب أربعين عاماً ، حين شارك فى بينالى الإسكندرية لدول البحر الأبيض المتوسط لأول مرة ولفت أنظار الجميع بأسلوبه المحلى الإنسانى وحواره مع الخامة ، بل ومحاورته لها وهو يطوعها ويتداخل معها بين الكتلة والفراغ ـ فى هدوء بالغ ودون ضجيج ليتحدث العمل عن نفسه ويوحى ويومئ بالكثير … وقد وجدت نفسى مندفعاً مأخوذاً بإبداعه لأول مرة فى ذلك الوقت والكتابة عن ذلك العمل دون أن ألتقى بالفنان أو أعرفه .. كان يقف بين جيل الشباب الواعد … يضئ عمله بروح جديدة حرة متوثبة … هو يذكر ذلك باستمرار حتى اليوم كلما التقينا .. وأنا ألتقى باستمرار أيضاً - بهدوئه وتواضعه ، وحنين الصداقة والمحبة الدائمة الحضور فى شخصيته ، ورغبته الدؤوبة المستمرة فى العطاء الإنسانى والإبداعى معاً … متعلقاً ـ حباً ـ بشجرة السرسوع المتفاهمة معه والمثيرة لخياله ليل نهار … يتميز صبرى ناشد أيضاً بممارسته للفن الخالص بكل مقوماته الجمالية المشحونة بالتوازن و الشديد الإيحاء .. وفى مقابل ذلك لا يتخلى أبداً ـ بين الوقت والآخر ـ عن التعبير الموضوعى المرتبط بالقضايا القومية الساخنة التى تهز وجدانه ، مثل انتفاضة الحجارة لأطفال فلسطين الشهداء والأحياء … ببراعة شديدة يستفيد الفنان ` صبرى ` من تمكنه من الخامة النباتية ويحولها إلى أحجار وسياط فى أيدى أطفال الانتفاضة .. ثم يعود مرة أخرى إلى فنه الخالص وجماليات الحس والشعور والتعبير عن تأملاته المجردة فى الحياة … ولقد فوجئت ذات يوم خلال إحدى زياراتى للشقيقة سوريا خلال بينالى المحبة باللاذقية بإحدى دوراته ، بأن للفنان صبرى ناشد تلاميذ فى الدول العربية يزورونه حين تتاح لهم الفرصة لينهلوا من فنه وإبداعه كمعلم وصديق لا يبخل على الشباب بشئ .. فى هذا المعرض الأخير الذى نشهده اليوم مع الشهور الأولى من العام الرابع فى الألفية الثالثة وبعد ما يزيد على أربعة عقود منذ التقيت بإبداعات ` صبرى ناشد ` لأول مرة فى بينالى الإسكندرية ، أستطيع القول بأن هذا الفنان القدير المبدع قد بدأ واستمر هو وإبداعه مصرياً حميماً مائة فى المائة … فى وقت وزمن تؤكد لنا أحداثه من حولنا محلياً وعربياً وعالمياً بأننا فى أمس الحاجة إلى الالتفاف والتآخى حول ذاتنا الخلاقة والمبهرة للعالم من قبل آلاف السنين .
كمال الجويلى


- كان للمثال ` صبرى ناشد ` تجاربه المتواصلة مع خامة الخشب فى تماثيله التى نحتها من أخشاب ، السرسوع والزيتون واللنج والماهوجنى ، منذ تخرجه من كلية الفنون التطبيقية - قسم النحت عام 1962 .. حيث استطاع الفنان أن يطوع خامة الخشب لتكون تجسيدا للحركة التى تضفى بدورها على التمثال مزيدا من الرشاقة .
وان حصاد التجربة التى يجمعها معرض ` صبرى ناشد ` لدليل على قدرة الفنان على التعامل الواعى مع الكتل الخشبية سواء فى تلك المجسمات التى تحقق توافقا بين الشكل والفراغ ، أو فى محاولته الجديدة مع النحت على الخشب ، والتى تحقق حوارا مسترسلا بين الظل والنور حيث تلعب المستويات المختلفة للسطح دورا هاما فى التشكيل والعرض الذى يقدمه الفنان اليوم بقاعة اخناتون بمجمع الفنون بالزمالك يضم بعض مراحل انتاج الفنان فى النحت على الخشب مع تجربته الجديدة فى النحت البارز.

د. مصطفى عبد المعطى

فن النحت بين الخامة والمعاصرة
- فن النحت من الفنون القديمة التى سبقت كثيرا من الفنون الأخرى فى اكتشاف الحقيقة المرئية للخامة والتى لم تكن دائما هى محور الصراع فى فروع الفنون الأخرى .
فقضية الخامة فى فن النحت ( فن المجسمات ) وهو التعبير الحقيقى الذى لابد من أن نطلقه على جميع الأشياء التى تحتوى على الأبعاد الثلاث - فقضية الخامة فى المجسمات هى قضية تأخذ القسط الأكبر من تفكير الفنان وذلك لايجاد الخامة المناسبه الصالحة لفكرة وسوف تظل هذه القضية طارحة نفسها فى المقام الأول وعلى الأخص فى فن المجسمات . ذلك لأن قضية الرؤية فى فن المجسمات هى قضية واقعية لأنها ليست مرئية بالقدر الذى لابد أن يكون تواجدها ملموسا حسيا أمرا هاما من اساسيات الرؤية قد يقل عنه فى مجالات الفنون الاخرى وعلى الاخص فن التصوير الذى قد لا تكون للخامة الأثر الكبير مثل تواجدها فى فن المجسمات . ونظرا لأن الانطلاق الأول بالشكل أو المجسم قد تاتى البادرة الاولى فيه من منطلق الخامة ونوعيتها ولذلك فقد أصبحت المجسمات هى الفنون الملامسة للواقع وليست الواقع نفسه لأنها ترتقى بالخامة الصماء الى منطلق الخامة المعبرة فيتغير مفهوم الخامة من الوجهة التعبيرية وتبقى أصالتها موجودة كاحدى العناصر الاساسية التى يتركب منها الشكل لاحتوائه على البعد الثالث الملموس والبعد الرابع الناشىء من الابعاد الثلاث وهو عنصر الضوء الذى يتركب منه الحجم الضوئى وهو نتاج للاسقاط الضوئى من الابعاد الثلاث مكونا البعد الرابع فى فن المجسمات الذى نطلق عليه ( الحجم الضوئى ) وهو الذى يرى كنتيجة فعلية وحقيقية فى مجال رؤيتنا للمجسمات .
والفنان صبرى ناشد فى معرضه هذا يقدم لنا تجربته الحية فى اطار هذا المفهوم بعد أن تأكدت له ثبات الخامة وأصالتها فى التعبير كاحدى المحاور الثابته الذى يدور حولها التعبير فى فن المجسمات مؤكدا على ان الخامة بطلاقتها الطبيعية يمكن فيها المحتوى الفكرى وعلى الفنان أن يغوص بداخلها مكتشفا أسرارها وكينونتها. - وهذا ما يؤكده الفنان صبرى ناشد من خلال ممارسته الدائبة فى فن الخامة محاولا اكتشاف أبعادها الحقيقية وانا لا نرى اى اضافة أخرى مضافة على الخامة لا تتحد مع طبيعتها - لان كونها خامة طبيعية وأصيلة لا تحتاج الى اية أضافة أخرى- وقد نجح الفنان / صبرى ناشد فى هذا المنطلق مؤكدا حواره مع الخامة فى النفاذ فيها مستخرجا اشكالا جديدة لا تبتعد عن الواقع ولكنها اشياء جديدة تفرض نفسها على واقع الحياة وتصير جزءا منها لا يمكن فصلها أو اعادة تركيبها مرة أخرى.
صالح رضا

صبرى ناشد .. راهب النحت الخشبى
- وقع الفنان ` صبرى ناشد ` زواجاً قبطياً مع خامة الخشب(1) ، فارتبطا معاً ارتباطاً حميماً ، ولايكاد يذكر اسم ` النحت الخشبى ` إلا ويكون اسمه فى مقدمة نحاتيه ، غير أنه لابد من الاعتراف بأن الصدفة ؛ أو بمعنى أدق الظروف الاقتصادية الصعبة التى عاشها مبدعنا الفقير هى التى مهدت لهذا الزواج ، فالعثور على قطعة من الخشب أيسر ، وأرخص من صب تمثال ، خاصة إذا استدعت الضرورة استنساخه معدنياً وكان من الطبيعى لفنان موهوب مثله ألا يقف مكتوف الأيدى ، نادباً حظه ، فلجأ إلى ` الخشب ` ، وبالألفة نشأت تلك العلاقة التى التى أثمرت معرضاً كاملاً ، كان أول معرض يحتفى بتلك الخامة ، وعلى مر الزمن عمقت علاقته بها ، ومنحته ماأمتعنا به ، كما منحته الجوائز ، والاعتراف ، والانتشار ، واحتلال موقع مرموق فى النحت المصرى المعاصر .
- ( البداية)
- عندما التحق بكلية الفنون التطبيقية عام 1957 قرر اختيار قسم النحت ، ولم يكن هذا الاختيار سهلاً فى ذلك الوقت ، فقد كان هذا القسم يمثل عقاباً لمن لم يسعفهم التفوق فى المواد الأخرى ، لهذا كان - هذا القسم - محاطاً بنفور الطلبة ، لقلة مايوفره من فرص العمل ، على النقيض من الأقسام الأخرى التى تعينه على اكتشاف فرص أوفر فى الأعمال الحرة ، غير أنه كان قد قرر ، ونفذ قراره ! . إن النوايا الطيبة ، غالباً ،تُصاب بالإحباط إذا قدر لها أن تُحاصر بحروب سوء الظن ، وفقر الموهبة ، لكنها فى حالة ` صبرى ناشد ` زادته صبراً ، وإصراراً ، فعوض فيما بعد النقص فى الدراسة المنهجية الأكاديمية ، وكان قد جهز نفسه لتجاوز تلك الحروب الصغيرة .. بالصبر ، ومواصلة العمل ، والتركيز فى استخلاص الخبرة من أستاذيه الفنانين: ` منصور فرج` ، و` حسن العجاتى` ، فتعلم من `منصور فرج `(2) أسس التصميم ، والصبر على الشدائد ! ، وتعلم من ` حسن العجاتى ` الصياغة الرشيقة لمنحوتاته ، وقبل ، وبعد كل شىء ، كان ، ويكون أستاذه الأكبر . .النحات الفرعونى ، غير بعد تخرجه فى الكلية عمل على إكمال ماكان ينقصه فى برنامج الكلية - كما قلت - فقد كان النظام فى الكلية لايزيد فى معظم الأحيان على نقل وحدة نباتية ، أو زخرفية ، فعمد هو إلى دراس الملامح الواقعية للأشكال ، وكان ثمرة تلك الدراسة تمقال بعنوان ` العمل ` ، اشترك به فى معرض ` الفن والعمل ` ، الذى نظمته وزارة الثقافة عام 1966 ، وعلى الرغم من حرصه على إبراز جوانب تعبيرية فى التمثال جاء ملتزماً بالنسب الواقعية لشكل الإنسان ، واحترام لكتلة،مع عدم إغفال التفاصيل الدالة على البعد الطبقى ، ويمثل التمثال عاملاً ، لعله من عمال التراحيل ، يحمل قفة ، وقد أفصحت حركة الرقبة الممتدة إلى الأمام ، والتفاف ساعديه حولها من الخلف ، عن درجة ثقلها ، ومدى معاناته ، واستمر موضوع ` العمل ، والعمال ` محوراً لمعظم أعماله فى الفترة من 61 حتى 67 ، وبعد النكسة العربية فى حرب 1967 أنجز بعض الأعمال المعبرة عن تلك المأساة من أعمال تلك المرحلة تمثال بعنوان ( مع كل شهيد يسقط السلام )وتمثال ( إرادة ) ، يمثل شكلاً إنسانياً يوحى بالشهيد ، يرفع يديه إشارة للاستسلام ، بينما ينقض طائر بين ذراعيه ، أما التمثال الثانى ، فيمثل استعارة من المنحوتة الخشبية الفرعونية الشهيرة باسم ` شيخ البلد ` ، والذى خالفه يرفع يده دعوة إلى اليقظة ، وإن افتقرت منحوتة ` صبرى ناشد ` إلى حيوية المنحوتة الفرعونية ، وربما لاحظ هو نفسه ذلك ، فنبهنى إلى أن منحوتات السنوات القليلة التى أعقبت النكسة قد افتقدت الرشاقة التى تميز معظم إنتاجه . ( تمثال الحب(3) ، وخطوة جديدة فى طريق النضج ) تتجلى فى هذه المنحوتة المزدوجة آثار من الفن الفرعونى ، من براعة فى التلخيص ، إلى نقاء فى الكتلة ، مع إضافة
درجة من ` الحركية ` . .همسية ، ومحسوبة. .انبثقت من الاستطالات الرشيقة ، ومن التماس ، والافتراق المرهف ، وتنوع ملامس الخشب . وتداخل أذرع المحبين فى شكل العلامة `×` يتوجها رأسان ، تفصح ملامحهما عن سكون الرضا ، والأمان ، وعلى النقيض من الفنان الغربى عندما يتناول موضوع الحب بشكل فضائحى ، نرى عند ` صبرى ناشد ` إعلاءً للجانب الروحى فى علاقة العاشقين ، ورفعها إلى مايوحى بالقداسة . إن التفسير ` الأخلاقى ` الذى طرحه ` ناشد ` عبر منحوتته `أسطورة الحقول ` ، وقارنها بمنحوتة النحات الفرنسى ` رودان` ، والتى تحمل نفس العنوان ، ستجد الفارق شاسعاً ، لابين فنانين مبدعين ، بل بين حضارتين مختلفتين ، ففى الوقت الذى لاتستشعر فيه ، وأنت أمام امرأة مختار العارية ، أية مشاعر جنسية ، تثير امرأة ` رودان ` بتفجرها كوامن الشهوة . تحمل منحوتة ` مختار ` - جينات - من الفن الفرعونى ، وتحمل منحوتو ` رودان` - جينات - من الكلاسيكيات الإغريقية ، والرومانية ، وتتضمن أعمال ` صبرى ناشد ` أخلاقيات ، وجماليات الفن الفرعونى أيضاً ، بالإضافة إلى أخلاقيات التربية القبطية .
- ( زهرة الصبار )
- ( زهرة الصبار ، أوثنائية الإنسان ، والنبات ، هى الثنائية الأساسية فى إبداع ` ناشد ` . . تتحد أحياناً ، وتفترق أحياناً أخرى ، وفى هذه المنحوتة يتحد العنصران . تصير سيقان الصبار سياجاً يحتضن المرأة ويحميها ، وتبادله المرأة حباً بحب ، تجلس برفق فى أحضانه ، وتحيطه بذراعيها . مانشاهده فى هذا العمل يمتد ليشمل بدرجات متفاوتة من البراعة معظم إنتاجه ، فهو يميل إلى تضفير العناصر تضفيراً ليناً ، وانتقالاته من كتلة لأخرى تتسم بالنعومة ، وعلاقاته التبادلية بين الكتل والفراغات محسوبة ومموسقة ، وقبل كل شىء ، وبعد كل شىء تكون الرشاقة بطلاً .
- إنه يلاطفنا فى معظم الأحيان ، ويهمس لنا ، ينقلنا إلى منطقة الأمان . نتأمل معه برعماً ، أو قوقعة ، أو شراعاً ، أو شكلاً من وحى الزخارف الإسلامية ، وباختصار ، هو يتناول أشكالاً يصعب انتقالها إل مجال النحت ، ونعجب لهذا التعامل الحنون مع الخشب ، وتلك الطراوة العجينية المدهشة ، يبتكر أشكالاً يصفها البلاغيون بالسهل الممتنع ، غير أنه يفاجئنا بصعب ، وعسير ، وممتنع أيضاً ، عندما تتوحد ` ثنائية الإنسان والنبات ` فى بناء تشكيلى واحد ، فظهور ` الإنسان ` يربك(4) عالمه النباتى السلامى ، فتمتلىء كتله الخشبية بتجاويف من كل نوع ، وتشابكات معقدة ، لاتعرف لها بداية أو نهاية .
- .. ومن نماذج الصعب الممتنع ثلاثة : منحوتة( البحث عن كوكب آخر) ، منحوتة ( الجنين )، ومنحوتة ( الحياة ) . تجتمع فى الأعمال الثلاثة خصائص مشتركة : امتزاج التجريد والتشخيص فى خليط مقبول . التشابه فى زحام العناصر ، وإن اختلفت منحوتة الحياة من حيث اقتراب شخوصها المنحوتة من الملامح الواقعية للإنسان ، غير أنها جميعاً تشترك فى الإيحاء بالقنوط ، فشخوصه محكوم عليها بالسجن الأبدى ، فهذا الأنسان الباحث عن كوكب مجهول يحلق . . لكن فى تجويف كهفى ، محاصر به من كل جانب ، ونفس الحال مع منحوتة `الحياة `، مع اختلاف فى شكل الحصار ، ففى تلك المنحوتة يتشدد الحصار، وينضغط معظمهم ، ويسقط البعض الآخر صارخين بالنجدة ، ولامن مجيب .. حتى الجنين لم يفلت من نفس المصير ، فهو محاصر بسجن الرحم ، حيث تنتشر الشرايين الخشبية ، وتتداخل تداخلاً مُربكاً لامناص منه . يبدو الجنين متورطاً فى شرك وجودى ، عاجزاً كل العجز .
- .. وهكذا ، يتداخل خطان تعبيريان عبر مراحله المختلفة : خط تأملى . جمالى . متفائل . وخط تعبيرى . رمزى . متشائم !
وبالنسبة لى فأنا أميل إلى جانب الخط(5) الأول ، ليس بسبب تفاؤله ، بل بما يتسم به من بلاغة ، وتخلص من ثرثرة التفاصيل ، وليونة ، وسهولة تشبه سهولة الاسترسال الخطى بالقلم الرصاص .
- ( . . والطيور ، والأسماك ! )
- لقد استلهم عدد من النحاتين المصريين موضوع الكائنات غير الإنسانية ، جسد بها كل فنان رؤية خاصة به ، فصنع ` صلاح عبد الكريم ` حيوانات ، وحشرات مقاتلة ، وشكل ` الدواخلى ` ديوكاً شرشة ، وشياهاً خشنة الملمس ، وأضاف ` غالب خاطر ` للحيوانات الطرافة ، والحركة ، وخلع ` عبد البديع عبد الحى ` على حيواناته الجرانيتية أبعادا رمزية ، وفى الجانب الآخر نرى عدداً ممن تناولوا موضوع النبات وقدمه بالصورة التى قدمناها ، غير أنه لم يكتف بموضوع ` النبات ` فاختار موضوع ` الطائر ` ، وموضوع ` السمكة ` ، وطيوره وأسماكه أليفة(6) على النقيض من ` الدواخلى ` مثلاً ، ومن أجمل منحوتاته ، بل من أجمل المنحوتات فى النحت المصرى المعاصر منحوتة بعنوان ` العصفور ` - المعروف على المستوى الشعبى بأبى فصاده ، وهو طائر دقيق ذو ذيل طويل يتميز بالرشاقة والحيوية البالغة ، واستطاع أن يشكل من الخشب شكلاً موحياً بالحركة ، مفعماً بالحيوية ، مموسقاً لحركة الكتلة ، خاصة تلك الحركة الملساء الواصلة بين الرأس والذيل . . الذى يصعد من جديد مشكلاً قوساً رشيقاً ، وتخف كتلة الخشب عند الذيل حتى لتكاد وتصير أشبه بشريحة ورقية . إن هذا الخط القوسى الرئيسى يجذب عيوننا إليه ، فنرى كتلة ` الطائر ` معلقة فى الفضاء ، ويهتم الفنان باتجاه ألياف الخشب ، لتسهم إسهاماً إيجابياً فى الحركة ، كتلك الألياف الأسطوانية الممتدة من الرأس إلى الجسم ، والتى تلتف فى دوائر تساعدها تضاريس الكتلة ذات الملمس الناعم ، وتشكل ساق الطائرة نقطة ارتكاز ، تؤكد باستقامتها طراوة ، ورشاقة المنحوتة ، وتلعب الألياف دوراً كبيراً فى منحوتة ` السمكة ` ، فبدون التوفيق فى اختيارها فى الموقع المناسب لفقدت ` المنحوتة ` معظم حيويتها ، وإذا كان الخط الخارجى لكتلة الطائر قد أنجح المنحوتة ، فالألياف الملونة والمتنوعة فى منحوتة ( السمكة) قد رسمت شكلاً أكثر إيحاءً من المنحوت الخشبى ذاته ، وعلى الرغم من التوفيق اللامع فى منحوتة الطائر ، فبراعة الفنان تستحق بصورة أفضل فى النحت المفرغ ! (7)
- ( الكل فى واحد )(8)
- .. أخيراً يندمج الخطان الفنيان ، ويتوحدان فى كيان واحد : الخط التعبيرى الرمزى ، والخط الجمالى ، الجانح إلى التجريد ، وأنتج هذا المزج شكلاً يكشف عن ملامح تعبيرية ، وتجريدية فى نفس الوقت ، وفى تلك المنحوتة الهامة ، التى بلا اسم ، يواجهنا بكتلة تقاوم جاذبية الأرض ، لانكاد نلحظ الدعامات المعدنية التى تحملها ، تأخذ الضفائر الخطية المتداخلة أشكالاً توحى باستلهامه للعناصر النباتية ، والزخارف الإسلامية ، تتبادل الحوار مع الفراغات الناشئة منها .لاتستطيع العين الاستقرار فى موضع واحد ، فكل التفافة تنقلنا إلى الالتفافة الأخرى وهكذا . . ومع ذلك فالجملة التشكيلية المفعمة بالحيوية لها بداية ونهاية ، بداية تشبة ذيل طائر ، ونهاية توحى برأس ، وإن كان الفنان لايريد لنا أن نقيم صلة بين مانراه وبين الواقع ، ولكنه أراد أن يقدم لنا جملة تشكيلية مكتملة ، كما أراد لعيوننا أن تظل متعلقة بالحركة الدائبة . . لكن داخل قوسين ، وتشترك الألياف المتنوعة فى درجاتها اللونية ، وأشكالها ، فى تأكيد الحركة المنحوتة من الخشب . غير أنه لايتركنا تماماً لدوامة التداخل ، بل يحسب إيقاعات الحركة وينحت الفراغ ويحدد مراكز القوى الرئيسية والمراكز المساعدة لها ، وفى هذه المنحوتة يكون مركز القوى الرئيسى فى وسط المنحوتة ، حيث يقوم باستقبال الخطوط القادمة من جانب ، وتغذية الجانب الآخر بإمدادات جديدة من الخطوط ، والفنان هنا لايقوم بدور الصانع الماهر فقط ، ولكنه أيضاً يقوم بدور القاضى العادل ، فيخفض من ` بطولة ` بعض العناصر حتى لاتتزاحم مع العناصر الأساسية ، ولست أدرى كيف استطاع الفنان أن يحتفظ ` بجيشان ` تلك الكتلة الخطية عبر سنوات التنفيذ ، وأن يتمرد على عالمه الذى يحفل جزء منه بالسلام والمودة ، ويحفل الجزء الآخر بالحزن والأسى !
بقلم : محمود بقشيش
مجلة : إبداع ( العدد 5 ) مايو 1986
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث