`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
بدر الدين أبو غازى

- أحتل مكانة خاصة فى الحركة الفنية لأن أهتمامه الأول كان منصبا عليها ، وكانت له شخصيه متميزة فى مجال الفنون التشكيلية لجهوده فى التعريف بالحركة الفنية إبتداء من الرواد الأوائل ومرارا بالتيارات العالميه المختلفة وحتى تقديم شباب الفنانين .
- هذا بالإضافة الى قيادته وتوجيهه للحركة الفنية من خلال المواقع التى إحتلها عندما أقام ندوة الخط العربى فى مجلس الفنون، وأشرف على مؤتمر الطابع القومى فى الفنون المعاصره .. ثم نشاطه مع الهيئات الدولية والمحليه بهدف إبراز الجوانب الإبداعية فى تراث مصر وحاضرها ..
- وقد عالج قضايا موقف الفن المصرى المعاصر من التيارات العالمية .. ورساله الفنان فى مجتمعنا .. واتصال الفن بالحياة.. ومشكلات الإبداع الفنى فى مصر بدءاً من العمارة حتى الفنون التطبيقية .. والمقومات لتحقيق الأصالة المعاصرة .. وأهم قضايا الفن والنقد فى مصر .. وعلاقة الفن بالأدب من خلال دراسة أعمال بعض رواد الأدب فى مصر .
الناقد / محمد حمزة

من خبايا التاريخ . بدر الدين أبوغازى الوزير المبدع الفنان
- فى تاريخ مصر رجال عاشوا كالمعالم المضيئة التى عبرت عن وجدان وطنهم ونطقوا بلسان مواطنيهم ، وتركوا أعمالا جليلة تشهد على قدرتهم فى أزدهار الحركة الفكرية بالأضافة إلى تميزهم فى تخصصهم وكان من هؤلاء الوزير الفنان ` بدر الدين أبو غازى ` تلك الشخصية الفنية الموهوبة والفريدة فى رحابة فكرها وسعه صدرها فكان رجلاً ذا فكر ، وبراعة فى الفن التشكيلى وعزة نفس وهمة . ولد بدر الدين أبو غازى فى عام 1920 فى وقت كانت فيه ثورة 1919 مشتعلة ، وكانت حناجر الوطنيين تنادى بحياة سعد زغلول وإلغاء الحماية والاستقلال ، وقضى طفولته فى منزل خاله ` المثال مختار ` حيث توفى والده وعمره ست سنوات فتشرب منه حب الفن ، وتفتحت مداركه على حب الوطن وكان أول درس تعلمه من خاله هو أن نهضة مصر تكمن فى حصولها على الحرية والاستقلال ، ويشاء القدر ألا ينعم ` بدر الدين أبو غازى ` بصحبة خاله طويلا حيث رحل ` مختار ` فجأة وهو فى الثالثة والأربعين من عمره وكان ابن اخته لا يزال صبيا فى الرابعة عشرة ، ومع ذلك استطاع ` بدر الدين ` أن يضمد جراحه ويحاول السير على منوال خاله فجمع المقالات التى كتبت عن أعماله وكان يقرأها على والدته شقيقة مختار ، كما تتبع مسيرته فى الفن التشكيلى فحاول ربطه بجذوره المصرية مؤكدا العودة إلى المنابع الأولى ، ومحاولا من خلال ذلك بناء الشخصية المصرية فى الفن المعاصر وكان بذلك رائدا للنقد فى مجال الفن التشكيلى ، ومع أنه اتجه فى دراسته الجامعية إلى دراسة القانون حيث حصل على ليسانس الحقوق من جامعة فؤاد الأول ` القاهرة ` عام 1914 فإن ذلك لم يمنعه من الإخلاص طوال حياته لخاله ` مختار ` الذى صمم ` تمثال نهضة مصر ` كما أنه لم يهدأ له بال حتى قامت الدولة بإنشاء متحف لتخليد أعمال محمود مختار فى حديقة الحرية بمنطقة قصر النيا بالقاهرة .. وبالإضافة إلى تميز ` بدر الدين أبو غازى ` فى النقد الفنى فقد كانت لدية خلفية كبيرة فى العديد من الأمور الثقافية فقد كان عاشقا للتاريخ ، وخلال عضويته فى مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية فى الفترة من عام 1979 وحتى عام 1983 قدم لها بالاشتراك مع صديقه ` كمال الملاخ ` العديد من الخدمات التى ساعدتها على البقاء والخروج من أزمتها المالية وذلك عن طريق اتصاله بمعارفه من المسئولين الكبار لامداد الجمعية التاريخية بالمساعدات التى جعلتها تقف على قدميها لفترة ليست بالقصيرة ، وأشهد أنه بفضل هذه الجهود سددت الجمعية ما عليها من التزامات أعادت إليها نشاطها .
- أما عن دوره الثقافى فمما يحمد له أنه بعد أن تولى منصب وزير الثقافة فى نوفمبر 1970 وكان ` مجمع اللغة العربية ` وقتذاك تابعا لوزارة الثقافة ، وكان فى حاجة إلى مبنى جديد بعد أن ضاق محله الكائن بشارع مراد بالجيزة بأعضائه وزواره ، كان ` بدر الدين أبو غازى ` من المشجعين على بناء مقر جديد للمجمع بمنطقة الزمالك أرقى أحياء القاهرة ، وباصراره وتشجيعه تم البناء وأصبح مجمع اللغة العربية بالقاهرة منارة تقوم برسالتها فى خدمة اللغة العربية بالقاهرة منارة تقوم برسالتها فى خدمة اللغة العربية والنهوض بها وهكذا كان بدر الدين أبو غازى عاشقا لمصر مؤمنا بحضارتها الأصيلة ، وتاركا بصماته الواضحة فى إعلاء اسم مصر والفجر بتاريخها ، فكان شخصية متفردة أثبتت حضورها على وجه المشهد الثقافى الفنى فى مصر والعالم العربى ، كما كان أنتاجه الفكرى والنقدى نموذجا فريدا لتجربة رائدة جعلته رمزا ومعلما من رموز ثقافتنا المعاصرة . رحمه الله رحمة واسعة ، وأدخله فسيح جناته .
عبد المنعم الجميعى
جريدة الوفد - فبراير 2010
بدر الدين أبو غازى مساندا لحركة الفن التشكيلى
فى ذكراه الثانية والعشرين
كانت الفنون تتنازع بدر الدين أبو غازى وزير الثقافة الأسبق الذى كان له دور بارز فى مساندة حركة الفن التشكيلى ، فكان يحمل رسالة التعريف بالفنون ونشر تذوقها وارساء دعائم النقد الفنى والربط بين الفنون وبين التيارات الثقافية الأخرى .. وربما كان لصلة القرابة بينه وبين المثال الكبير محمود مختار صاحب تمثال نهضة مصر ــ حيث كان ابن شقيقة الفنان- ولذا فانه عندما توفى خاله ولم يترك بعده ابنا أوابنة ، شعر بدر الدين ــ الذى لم يتجاوز انذاك الرابعة عشرة من عمره ــ مسؤلية اصدار موسوعة عن مختار والتى أصدرها فيما بعد فى كتابين سافر من أجلهما الى باريس ليجمع مادة الموسوعة من أصدقاء مختار فاكتشف أبو غازى موهبته وقدرته على النقد الفنى واستعداده لتحمل أمانه البحث فى مجال الفن التشكيلى فاستطاع ان يتربع على عرش النقد والتاريخ للفن التشكيلى بمصر والعالم العربى عن جدارة واستحقاق ، كما أن دراسته للقانون جعلته يكرس سنواته الاخيرة لانقاذ مدينة القاهرة من كل ما يشوه جمالها مدافعا عن كل لمسة جمال فيها ، وقد توجت جهودة باصدار قانون تجميل المنشآت العامة .
أما عن الوزارة التى تولاها عقب رحيل جمال عبد الناصر ، فقد ترك بصماته كوزير للثقافة خلال تلك الفترة القصيرة ، ومما قيل عنه ماكتبه الاستاذ فتحى رضوان فى تقديمة لكتاب ` رواد الفن التشكيلى ` الذى ألفة بدر الدين أبو غازى ففى الكتاب كل خصائص المؤلف .. فيه البساطة البريئة من التكلف والادعاء وفيه الايجاز الخالى من الثرثرة والالتواء وأخيرا فيه الصدق الذى ينبض بالايمان والمرارة ` قال عنه د. ماهر شفيق فريد استاذ الأدب الانجليزى بأداب القاهرة : كان أبو غازى ـ شأنه فى ذلك شأن فتحى رضوان والدكتور ثروت عكاشة ـ وزيرا ذا رؤية ثقافية مستقبلية ، ومثقفا كبيرا جال فى حقوق الادب والموسقى والعمارة ثم ألقى مراسيه عند فنى التصوير والنحت . وربما كان أفضل مدخل إلى شخصيته كتابه الصغير المسمى ` رواد الفن التشكيلى ` ( سلسلة كتاب الهلال مايو 1985 ) حيث يحدثنا أبو غازى فى مقدمة الكتاب عن تطور اهتمامة بالفن التشكيلى منذ بدأ يكتب عنه سلسلة مقالات فى جريدة ` الأهرام ` وفى صحف أخرى فى ثلاثينيات القرن الماضى وأوائل أربعينياته ، ومنذ الستينيات وجد مجال رحبا لقلمة حيث نشر عشرات الدراسات والمقالات والمتابعات للأحداث الفنية من معارض ومناسبات وشهريات للفنون التشكيلية فى مجالات الهلال والمجلة وإبداع .
وقد كان لرحيل أبوغازى رنة حزن عميق فى قلوب المثقفين والفنانين ، فكتب عنه فتحى رضوان فى مجلة ` الدوحة ` القطرية ( ديسمبر 1983 ) قائلا إنه كان نموذجا لانظير له بين المثقفين وحملة الاقلام فى العالم العربى .
وكتب عنه الفنان الناقد الأديب عز الدين نجيب ( جريدة الأهالى 21/9/1983 ) : ` إن أعظم ما امتلكه هو أسلوبه الفذ القادر على ان يكون جسرا بين الفنان فى برجه وبين الجمهور العادى فجعل أصعب المدارس الفنية وأغرب الاساليب المعاصرة أنهارا يجوبها بقاربه المنساب فى نعومة ، حاملا معه قارئه البسيط إلى شواطئ الجمال والسحر أو إلى جزر التمرد والثورة ` وبدر الدين أبو غازى ولد باقاهرة فى 14 مايو 1920 وتولى منصب وزير الثقافة ، وكان له جهد كبير فى انشاء نقابة الفنانين التشكيليين أقام أول معرض لرسوم الاطفال عام 1976 من أهم مؤلفاته ( خمسة فنانين معاصرين -الفن فى عالمنا ـ جيل من الرواد ـ المثال مختار ) ومن الجوائز والاوسمة التى حصل عليها جائزة مصر -فرنسا عن كتابه ( مختار ونهضة مصر ) عام 1949 وجائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 1977 ووسام الجمهورية من الطبقة الاولى عام 1979 وقد توفى فى 11 سبتمبر 1983 .
نجوى العشرى
جريدة الأهرام - 2005
دراسة بدر الدين أبو غازى.. الناقد والرسالة ` تأسيس المنظور القومى للفن التشكيلى `
- شاءت إرادة الله لعائلة مثال مصر العظيم محمود مختار ألا تكتفى بتقديم هذا الفنان النابغة - كما كان يسميه المثقفون فى عصره - ليكون أحد رموز نهضة مصر الحديثة وإنما زاد فضل هذه الأسرة وعطاؤها حين أنجبت شقيقة مختار ناقدنا الكبير بدر الدين أبو غازى، الذى قدر له أن يضع دعائم ثابتة لمجال ثقافى كان وما يزال جديداً على الحياة الثقافية فى مصر، وهو مجال النقد الفنى التشكيلى، أو كما كان يحلو لناقدنا أن يطلق عليه؛ `أدب الفنون التشكيلية`.
- ولقد تعددت الجوانب فى شخصية بدر الدين أبو غازى. إذ جمعت بين القانونى بحكم دراسته، والمشرع المالى بحكم وظيفته فى وزارة المالية لفترة طويلة؛ والإدرارى الكفء عندما تولى مواقع القيادة الإدارية إلى أن صار وزيراً، وأخيراً الناقد الفنى حيث كان إسهامه الحقيقى، وإضافته إلى رصيد الحركة الفنية التشكيلية، وإلى حياتنا الثقافية على وجه العموم. ولا شك أن هذا الجانب الأخير من جوانب شخصية بدر الدين أبو غازى هو الجانب الذى سيقدر له البقاء والتأثير؛ إذ استطاع بقدرة يميزها الدأب والمثابرة، ويجملها صفاء الفكر ونقاء الروح أن ينفذ إلى قيم جوهرية، وأن يجد طريقه ونظريته من خلال شتى الدروب والمسالك فى مجال ثقافى حديث على مصر، لم تكن قد تكونت له أية تقاليد أو أسس يعتمد عليها. وستظل القيم التى وضع بدر الدين أبو غازى يده عليها فى هذا المجال مصباحاً هادياً لكل من أراد أن يهتدى وسط ظلام الطريق، وهل هناك رسالة لناقد تصبو إلى بلوغ هدف أبعد من هذا الهدف النبيل؟
- بدايات
- بدأ اهتمام بدر الدين أبو غازى بالأدب منذ الثلاثينات، وقد استهوته فى تلك الفترة كتابات توفيق الحكيم وطه حسين والمازنى ويحيى حقى وعباس العقاد، وكان لطه حسين مكاناً أثيراً لديه، فقد كان فى رأيه الجسر الذى ربط الفكر الغربى والمفاهيم الغربية فى النقد بالتيار الثقافى العربى، كما كان أحد الدعامات الأساسية فى تكوين الفكر النقدى فى مصر حين تبنى اتجاه النقد الأدبى القائم على أساس علمى. ومنذ عام 1934 حين كان بدر الدين مازال طالباً فى المرحلة الثانوية، بدأ فى القراءات المتعلقة بالفنون الجميلة، كذلك بدأ اتصاله بالحياة الفنية من خلال متابعة المعارض والأحداث الفنية الهامة فى القاهرة. ولقد عايش ناقدنا فترة زمنية ازدهرت فيها العناية بالفنون، حين صاحب النهضة الأدبية تقديراً للفنون الجميلة تمثل فى بعض كتابات لطفى السيد فى `الجريدة` وكذلك قاسم أمين حين أوضح أهمية الفنون فى المجتمع وقدم لقرائه روائع الفنون العالمية، وفى نفس الوقت كانت نشأة بدر الدين فى أسرة تنتمى إلى محمود مختار ذات أثر عميق فى توجيه مجرى حياته، فقد لمح منذ طفولته وصباه اهتماماً خاصاً بإنجازات مختار الكبيرة، وتابع ما حققه من توفيق فنى فى مصر والخارج، وعندما مات مختار كانت وفاته خسارة قومية للبلاد، وتبارى رجالات مصر ومثقفوها فى تخليد ذكراه والكتابة عنه وعن فنه، مما أثار اهتمام الفتى الصغير ودفعه إلى متابعة ما يكتب بشغف، وكان ذلك تمهيداً للانتقال من الاهتمام بشخص مختار وفنه إلى الاهتمام بالفن التشكيلى بصفة عامة.
- وكان أول مقال نشر لبدر الدين أبو غازى فى نوفمبر 1936 بجريدة الأهرام وهو ما يزال يافعاً فى سن السادسة عشرة، وتناول فيه تخليد ذكرى الزعيم الوطنى محمد فريد بمناسبة مرور سبعة عشر عاماً على وفاته، وتبدت فى المقال تباشير موهبة أدبية، ومقدرة على الصياغة وانتقاء الألفاظ `ولقد طالع فريد إبان تلك المرحلة الأولى من حياته تاريخ مصر، وقرأ فى الصفحات الخالدة مجدها القديم، واستعرض حياتها الماضية والحاضرة، وأتيح له أن يسمع من بين ثنايا سطور تاريخها الحديث أنة موجعة وقفت لها دقات قلبه، فما لبث أن استرعى صوت استغاثتها سمعه، فاندمج منذ أتم تعليمه فى قافلة المجاهدين`.
- ومنذ حوالى عام 1940 اتجه بدر الدين إلى تكوين الجانب الخاص بثقافته الفنية على أساس متابعة دراسات النقد الفنى وكانت معظمها فى الخارج، لأن الدراسات العربية فى هذا المجال كانت محدودة، وكانت بداياتها مقالات لبعض الأدباء أمثال العقاد والمازنى بالإضافة إلى بعض الكتابات الصحفية لأحمد الصاوى محمد والآنسة مىّ، ولم تكن مقالات هؤلاء تتناول النقد الفنى بقدر ما كانت تتناول أهمية الفن فى الحياة وإبراز دوره فى تقدمها بصفة عامة. وحين بدأ رواد الجيل الأول من الفنانين ينتظمون فى أعمالهم ومعارضهم الفنية ظهر الاهتمام بالنقد الفنى وتقديم الأعمال الفنية، وأدرك المثقفون فى ذلك العصر رسالة الفن فى حياتنا الثقافية وضرورة تقديم دراسات عن أعلام الفن فى العالم، كذلك ظهر فى هذه الحقبة مجموعة من النقاد الأجانب أمثال إيتين مرييل، وموسكاتيلى، والكونت دار سكوت. كما بدأ الفنانون المصريون أنفسهم يطرقون مجال التعبير بالكلمة وكان من بينهم صدقى الجباخنجى وإبراهيم جابر، وصاحب ذلك أيضاً الاهتمام بالكتابة فى تاريخ الفنون عند محمود فؤاد مرابط، ومحمد يوسف همام، وأحمد أحمد يوسف، ومحمد عزت مصطفى، كما بدأ حامد سعيد فى الأربعينات دعوته وتأملاته النظرية فى الفنون والتراث، وبدأ يظهر الكاتب الناقد الذى يعطى الفن أكبر طاقاته عندما أخذ الشاعر الفنان أحمد راسم ينشر مقالاته التى توفر فيها على النقد الفنى، وصاحبه ناقد آخر هو الأديب بشر فارس الذى قدم نقداً فنياً يعد من روائع الأدب.
- فى هذا المناخ الثقافى الخصب الذى انفتح فيه أدب الفنون التشكيلية على أفاق فسيحة، واتسع نطاق ممارسة النقد الفنى، بدأ بدر الدين أبو غازى - مدفوعا بحبه للفن - محاولاته الأولى التى قدم فيها بعض الفنانين المصريين الشبان فى المجلات والصحف مثل روزاليوسف والأخبار والمصور، ولم تكن تلك المحاولات النقدية الأولى تلقى ضوءاً على الجوانب التشكيلية فقط، وإنما تفسح المجال أيضاً للحديث عن العوامل الاجتماعية والنفسية للفنان، ففى تقديمه لأعمال الفنان حامد عبد الله - الذى كانت له منزلة خاصة عند بدر الدين أبو غازى - يوجه الكاتب الأنظار إلى كفاح الفنان، ويشير إلى أحواله الاجتماعية، ويبين أهمية كل هذه العوامل فى تقدير عمل الفنان، ولكن شيئاً آخر يثير فى النفس إعجاباً عميقاً بهذا الفنان الشاب هو حياته وكفاحه من أجل فنه، فلقد سلك طريق الفن وسط حياة شاقة عابسة، لم يتلق أصول الفن فى ظل معهد يرعاه، أو أستاذ يرشد خطاه، فليذكر هؤلاء الذين يتوافدون اليوم على معرضه وهم يتطلعون إلى سر الجمال فى لوحاته، كفاحه الصامت من أجل فنه، وهذه الحياة القاسية التى أقبل إلينا منها، ليزدادوا إعجاباً بالرجل وتقديراً للفنان`.
- ومنذ محاولاته الأولى فى النقد الفنى بدا واضحاً منهج بدر الدين ونظرته للفن كظاهرة اجتماعية، ولقد ظل مثابراً على هذه النظرة، وإن كانت قد ازدادت عمقاً خلال سنواته التالية حين ازدادت خبرته بالفن ومقوماته الجمالية، ولقد دافع فيما بعد عن هذه النظرة التى لا تفصل الإبداع الفنى عن الحياة، ولا تعزل الفنان عن عصره وزمانه، فلكل عمل ذاتيته ولكن لكل عمل فنى أيضاً بعده الاجتماعى والنفسى، وشخصية مبدعة وطريقة تفكيره، والعوامل التى أحدثت أثرها فى تكوينه، وكل هذه الأسباب جميعاً عند بدر الدين تلقى الضوء على العمل الفنى وتجعل تفسيره متكاملاً.
- الكتاب الأول - محمود مختار
- وفى أثناء الحرب العالمية الثانية فرضت القيود على الصحف، وتوارى المقال الأدبى والفنى، ولم يعد هناك مجال متسع لنشر الكتابات النقدية، حينئذ اتجه بدر الدين أبو غازى إلى إعداد كتابه الأول عن `مختار - حياته وفنه`، وجاء الكتاب كما أراد له ترجمة أدبية لحياة فنان، وتأكيداً للعلاقة بينه وبين عصره ومعاصريه، وطبع الكتاب على نفقته الخاصة عام 1949، وكان أول مؤلف يصدر عن فنان مصرى. ويتبدى خلال صفحات الكتاب أسلوب بدر الدين والتزامه بالخط الفكرى الذى أخذ ينمو لديه، وهو التأكيد على البعد الاجتماعى والسياسى فى العمل الفنى، ولقد قسم الكتاب إلى كتابين، الأول منهما سرد فيه بأسلوب يجمع بين التسجيل والوصف القصصى سيرة مختار ووقائع حياته، وأفرد فى الكتاب الثانى تحليلاً لفن مختار وبدأه بمقدمة وافية عن نشأة فن النحت وتطوره فى مصر.
- ويشهد الكتاب الأول بمقدرة الكاتب على الصياغة الأدبية السليمة، بما احتوى عليه من صور بليغة ووصف روائى للمواقف الرئيسية التى عاشها مختار، وقد تمثلها الكاتب، وأضفى عليها رونق الصياغة الأدبية الرفيعة التى تضاهى كبار الروائيين، بقدرته على تجسيم المواقف ووصف المشاهد والأحداث، فهو يقول حين يصف البلدة التى نشأ فيها مختار: `تظل البلدة ترتقب مولد شيخها وتدخر له من زادها وتتهيأ للاحتفال بعيده، وعندما يقترب موعده تطفو فوق مشاغلها وأحزانها فرحة ساذجة، وينساب فى نفسها دعاء إلى الراحة، فتنصرف عن كفاحها الدائم لتعد نذورها وتؤهل عرائسها، وما يكاد فجر العيد يطل عليها حتى تكون قد فاتت مضاجعها، ونهضت للقاء أبناء جاراتها القادمين لزيارة مسجد القصبى والتبرك به، ويختال الجميع فى ملابسهم الجديدة التى لا تظهر إلا فى الأعياد، وتحمل الطوائف أعلامها وتدق البنادير، ويتطاير فى الجو الدافىء نتف من الأغانى، وتتردد الأصوات بالدعاء، وتمضى الجموع صوب المسجد الكبير حاملة نذورها، وفى ساحة المسجد تقام حلقات الذكر، ويخرج الخليفة بموكبه الحافل يطوف بهذه الحلقات، وعند مدخل البلدة تنصب المراجيح، وتتناثر عربات الحلوى، ويتزاحم الأطفال حولها للتمتع بهذه اللحظات النادرة فى حياة بلدتهم، وعندما يقبل الليل، ينصرف الناس إلى بيوت البلدة لمشاركة أهلها أفراحهم، ويظل صدى الليل يردد أغانيهم ومواويلهم وضحكاتهم حتى يلوح الفجر مرة أخرى`.
- وحين يصور بدر الدين حال مختار وقد ضايقه عدم تعاون الحكومة فى إتمام تمثالى سعد زغلول - وكانت قد اتفقت معه على انجازهما - إذ يلجأ إلى باريس حيث كان بعض الأصدقاء هناك يحيطونه بعطفهم لكى بنسوه محنته وفى ساعة الظهيرة يجلس فى شرفة منزله وتبلغه من `بارك مونسو` صيحات أطفالها وأشعة شمسها الدافئة محملة بعبير الزهور والأشجار، فيتساءل لم لا تكون الحياة دائما بهذه النصاعة والإشراق الذى يتفتح من `بارك مونسو` ويذكره التعارض بين تيارات حياته العاصفة وبين هذا الغدير الصافى بقصة نضاله منذ استقبل الحياة، ولكن يستعذب هذا النضال من أجل الفن، ويرضى بما ظفر به خلال مراحل، فالفن كما يقول بورديل `حرب خالدة`.
- أما القسم الثانى من الكتاب الذى تعرض فيه لفن مختار بالتحليل النقدى، فقد ظهرت فيه إحاطة الكاتب بأسرار ودقائق فن النحت وتاريخه، وبدأه بمقدمة عن نشأة النحت وتطوره فى مصر: `خلال القرون الطويلة من الحضارة القديمة استقرت آلهة النحت وطاب لها بهذه الأرض المقام، لم تغادرها ولم تنأ عنها إلا حين انطوى آخر عهود العهد المصرى القديم، واستقر بأرض الوادى الغزاة، فتوارت الآلهة وطوت سرها فى رمال الزمن`. بعد ذلك استعرض الكاتب فى مقدمته المراحل التاريخية التى مر بها فن النحت المصرى حتى وصل بها إلى مطالع القرن العشرين؛ حين لقى الفن عناية من المفكرين المصريين وأنشئت مدرسة الفنون الجميلة فكانت الخطوة الأولى فى ميلاد الحركة الفنية فى مصر، كما كان مختار رائد هذه الحركة الوليدة، ومن واقع ريادته أدرك صعوبة مهمته، إذ كان عليه أن يبعث تقاليد فن أجداده الأقدمين، وأن يعيد - تاريخ الفن فى هذه البلاد إلى دورته التى أوقفها الزمن.
- ثم انتقل الكاتب إلى استعراض المصادر التى استقى منها مختار فنه، وتتبع مراحل تطوره، كما أشار إلى التيارات الفنية التى تأثر بها. وتحت عنوان `فى ظل تماثيل مختار` ألقى الكاتب الضوء على القيمة الرمزية والتشكيلية لهذه الأعمال. ثم انتهى بفصل عن مصر فى فن مختار، وقد أدرك أن إشراقة العصر الذى مثله مختار لم تتجل فى تمثال نهضة مصر فحسب، وإنما تبدت أيضاً فى كل إنتاجه الذى جاء مجسداً لروح مصر `وحين تنظر إلى المقومات التى ساهمت فى فن مختار، تراها قد جمعت بين العصور التى مرت بالبلاد، ففيها جوهر مصر القديمة، وفيها أثر من عصر الإغريق وفيها لمحة من روح الإسلام وفيها أخيراً صدى من التيار الفنى الحديث الذى ساهم فى تكوين مصر المعاصرة`.
- ولقد أعلن الكتاب عن ميلاد ناقد فنى له فكر واضح، وعن أسلوب نقدى يتسم بالشمولية والعمق تفتقده الحياة الثقافية المصرية، فكان ذلك سبباً داعياً إلى التفات مجموعة من المفكرين لأهمية العمل الفنى والنقد الفنى أيضاً، وكانت دعوة الكاتب للمشاركة بتقديم مقالاته النقدية من خلال مجلة `الفصول` وكانت مجلة طليعية أنشأها الكاتب محمد زكى عبد القادر، والتقى بدر الدين فيها بمجموعة من الكتاب الكبار كانوا يشقون طريقهم الأدبى آنذاك، ومن بينهم أحمد بهاء الدين، ود. مصطفى سويف، ومحمود أمين العالم. وجاءت مقالات بدر الدين أبو غازى فى هذه المجلة بلورة للمرحلة السابقة، وتركيزاً على الدراسات النقدية التى تتناول أعمالاً فنية بذاتها، كما تقوم على متابعة أحوال الحياة الفنية. وفى الوقت نفسه كانت هذه المقالات تمهيداً للمرحلة الجديدة التى تعتمد على التناول المباشر للأعمال الفنية، والاهتمام بالدراسات الفنية والجمالية. فتوالى إنتاج بدر الدين ورسخت أقدامه، ونضج فكره النقدى. وأولى فى هذه الفترة أهمية خاصة لتراث الفنى المصرى، إذ أن كثيراً من الكتابات عن الفنون قد تناولته كتاريخ أو آثار، ومن هنا كانت محاولات بدر الدين إلقاء الضوء على الجانب الجمالى فى هذا التراث كى يكون رافداً من روافد الإبداع المصرى المعاصر.
- وبعد كتابه الذى أصدره عن مختار أصدر بدر الدين عدة كتب تعد إضافة هامة فى مجال أدب الفنون التشكيلية، ولعل أهم هذه الكتب هو `الفن فى عالمنا` 1973، وقد تضمن آراءه النقدية فى عديد من القضايا الفنية والجمالية المعاصرة.
- ومن خلال مؤلفات بدر الدين أبو غازى سواء كانت كتباً أو دراسات، نستطيع أن نستخلص الأفكار والآراء التى تشكل خلاصة تجربته النقدية، وهى آراء ترددت فى كتاباته العديدة، وهى بلا شك مجمل الرسالة التى حملها الكاتب مبشراً بها وداعياً إليها.
- حلم الفن القومى
-كان بدر الدين أبو غازى يؤمن بأن لكل بلد شخصيته الأصيلة، ونبرته الخاصة التى تنعكس على فنونه مادام بمنأى عن التبعية والتقليد، ولقد تردد حلم الفن القومى كثيراً فى كتاباته فالفنان فى رأيه `لا يستطيع أن يتنكر لأرضه وتراثه الذى يسرى فى نفسه مسرى الدم، فاكتشافات العلم الحديث وروح العصر تؤثر بالضرورة فى التيارات الحضارية، وتحدث فعلها فى التقارب بين البشر، ولكنها فى مجال الإبداع الفنى لا تستطيع أن تمحو ذاتية الإنسان، ولا فعل التراث فى نفسه` وكان يبرهن على صحة رأيه بفنون عديدة من دول الحضارات - كالمدرسة المكسيكية المعاصرة - التى قدمت إلى مجال التعبير الفنى الحديث إنتاجاً يحمل لاملامح شخصيتها فى نفس الوقت الذى ترقى فيه إلى مستوى العالمية. والطريق الذى ارتآه الكاتب للوصول إلى هذه الغاية يعتمد على حساسية الفنان نفسه، ومدى صدقه الفنى وقوة تمثله لروح عصره وبيئته.
-ومع أن بدر الدين كان من الداعين إلى استحياء التراث، إلا أن دعوته كانت بعيدة عن خطر النظرة الضيقة والمحدودة، أو افتعال واستعارة أشكال وسمات لا تتعدى الملامح المظهرية للتراث، أو تقحم بعض العناصر دون أن توغل فى أعماق التراث ذاته وتتفهمه، ومن ثم فهى لا تصل إلى نبضه العميق وروحه الكامنة، فمثل هذا الإنتاج فى رأى كاتبنا لا يمكن أن يتسم بالأصالة. وفكرة الفن القومى كانت لديه محصلة للفهم العميق لروح البلاد وفلسفاتها، واستظهار خصائصها المميزة، والكشف عما سنته الفنون على أرضها من قوانين، جاءت من وحى الطبيعة التى مازالت تشكل عنصراً ثابتاً وأبدياً، ومن هنا كانت دعوة الكاتب إلى أن يتجه الفنانون المصريون إلى التنقيب فى مشخصات الكيان المصرى خلال العصور، ففى اعتقاده أن ملامح هذا الكيان قد طمست معالمها، وساقنا ذلك إلى أن نوغل بعيداً قبل أن نبحث أنفسنا. ولقد أشار الكاتب بعد دراسة واستقصاء إلى بعض ملامح الإبداع الفنى فى مصر وأوجزها فى القدرة على التبسيط، والحس الهندسى والانتظام فى الشكل، والتزاوج بين الحساسية بالطبيعة والواقع من ناحية وبين النظام الهندسى من ناحية أخرى، والتأكيد على عنصر الإيقاع فى الفن، وإدراك الأشياء على نحو غير مادى.
-وفى مقابل خطر استحياء التراث بشكل خاطىء نبّه الكاتب إلى خطر آخر يتهدد حركتنا الفنية، ويأتى من مجاراة بعض الموجات الحديثة فى العالم واتباعها بدعوى التطور والعالمية فى عصر تخطى فيه الإنسان حدود الأرض وحلق فى أجواز الفضاء.
- ولم تكن الأصالة والمعاصرة فى الفن عند بدر الدين أبو غازى لتتحقق من خلال مواصفات معينة، فليس الفن عنده تركيبة معملية، وإنما هو `فيض من الوجدان والفكر` ومطلب الحداثة لفنوننا ينبع فى رأيه من مطلب الصدق، فما دام الفنان يعيش عصره فلابد أن يكون شاهداً عليه ومعبراً عنه، لذلك يشترط أن يعايش الفنان بيئته وزمانه، كما يتصل بوعى بتيارات عصره `وأن يتساءل دائماً من نحن؟ وماهى مقوماتنا؟ ثم يبحث عن ذاته الضائعة.`
- الفن المصرى المعاصر
- ولقد أدرك بدر الدين أبوغازى منذ كتاباته النقدية المبكرة أهم العوائق التى تقف فى طريق النمو الصحيح للحركة الفنية المصرية المعاصرة، التى لم يتيسر لها الاتصال والاستمرارية، ففيما عدا الفنون الشعبية لم يتواصل التراث الفنى فى مصر منذ العصر العثمانى، وفى رأى كاتبنا أنه لو قدر للتجربة المصرية أن تظل مستمرة وموصولة لكان دور الفنان المصرى المعاصر أكثر سهولة ويسراً، ولتوفرت للحركة الفنية المعاصرة خطوط للاستمرار تسير مع التطور الطبيعى والمنطقى، فالتراث المصرى كعامل جذب شديد للفنان المصرى لما يحتوى عليه هذا التراث من قيم فنية وجمالية عالية، فى حين أنه قد بنى على فلسفات وعقائد مختلفة، إلى جانب عامل انفتاح مصر على العالم المحيط بحكم موقعها الجغرافى المتوسط مما يجعلها بلداً غير معزول، كل ذلك قد خلق عوائق كان على الفنان المصرى أن يتخطاها ليصل إلى تحقيق المعادلة بين مقومات عديدة. والكاتب يوضح صعوبة المشكلة إذا قورنت بمجالات فنية أخرى مثل الأدب الذى ظل تياره موصولاً، ولم تنقطع خيوط الإبداع الفنى فيه. فأحمد شوقى جاء وتجربة البارودى ماثلة أمامه، وكذلك وجد طه حسين والحكيم والمازنى والعقاد تجارب أدبية اتصلوا بها ومكنتهم من تمثل القديم وتقديم الجديد.
- وفى الوقت نفسه استطاع بدر الدين أن يدرك حالة التذبذب التى يعيشها الفنان المصرى اليوم بين التراث وبين الأساليب الأوربية المعاصرة، وأن يشير إلى طريق الخلاص من أجل تحقيق ذاتية الفنان المصرى المعاصر وتأكيد هويته، حين ينبه إلى كنوز الفن الإفريقى التى هى أدنى إلى أيدينا من الغرب، وكذلك حين يؤكد بأن الفنون المصرية القديمة لم تبح بعد بكل أسرارها، ولم تستنفذ الطاقات التى يمكن استقطارها منها، فالفن القبطى يزخر بروائع لم تعرف، كما أن عنصر التجريد الذى يسود الفنون الإسلامية يمثل اتجاهاً فريداً فى تخطى الحدث والعرض الزائل إلى الدائم والخالد، وناقدنا يرى فى تراثنا مزيجاً من الخيال والحس الهندسى، وهذا المزاج الفريد يستطيع أن يقدم للفنان المصرى المعاصر التائه بين الاتجاهات الغربية حلولاً لكثير من مشاكله فى الصياغة الفنية واشتقاق الأساليب. وهذا الصدق للتراث والعودة إلى المنابع هو خير معين فى رأى بدر الدين أبو غازى على تحديد موقف الحركة الفنية المصرية من التأثيرات الأجنبية الوافدة وإعادة تقييمها على ضوء جديد، كما أنه سيفتح فى الوقت نفسه آفاقاً لا تحد للمعرفة الفنية وأساليب التعبير التشكيلية.
- وعلى الرغم من العوائق التى واجهتها الحركة الفنية فى مصر منذ نشأتها وحتى اليوم، فإن الكاتب يرى بأن الفنان المصرى المعاصر قد استطاع التخلص إلى حد كبير من التعليم الأكاديمى - وهو يقصد الاتجاه الواقعى والتأثرى - وأن يرتبط بتراثه وأن يستخلص من هذا التراث القيم التى تصلح لتشكيل فن مصرى معاصر - وأن يمضى فى خط قومى، كما استطاع أن يتماسك وسط موجة عاتية من التيارات الغربية الوافدة.
- وكان بدر الدين يعتقد بأن أكثر الفنانين توفيقاً فى تجسيد ما ذهب إليه - بعد محمود مختار - هو المصور السكندرى محمود سعيد، الذى اعتبره الرائد الحقيقى للتصوير المصرى المعاصر، وحظى لديه بمكانة خاصة فأفرد له المقالات والدراسات العديدة، مؤكداً فى أكثر من موضع بأنه يأتى فى طليعة القلة التى أرادت أن تحقق فكرة الشخصية القومية فى الفن مضموناً وصياغة، كما كان يرى بأنه أول فنان مصرى يلتقى فنه بالخصائص الأصيلة التى انبعثت من تقاليد بلادنا، ولقد حدا به هذا التقدير لفن محمود سعيد أن يصدر عنه كتاباً عام 1960، ولا شك أن تجربة محمود سعيد قد قدمت لكاتبنا نموذجاً يشهد على أن تحقق الشخصية القومية فى الفن ممكن دون اللجوء إلى لوحات الأقدمين بطريقة مباشرة، فهو لم يتجه إلى مبادىء فن التصوير عند المصريين القدماء، أو التجريد الزخرفى عند الفنان المسلم، وإنما قد عنى بالبعد الثالث وقواعد المنظور، ومع هذا فقد قدم صورة قومية التعبير، أدرك أبعادها كاتبنا، وكان قوامها العناية بإبراز الأحجام، والطراز النحتى، والمنطق المعمارى، وذلك الإحساس الذى يجعل المشاهد والأشخاص ثابتة وكأنها تعيش حياة غير حاضرها، وتلك كلها كانت الخيوط التى يلتقى فيها فن محمود سعيد بتراث بلاده، وهى خصائص تؤكد مصريته رغم اختلاف الأسلوب والصياغة.
- وبالإضافة إلى أن محمود سعيد كان من القلة النادرة التى قدمت بفنها تعبيراً شاملا عن بلادها حين أبدع صورة كاملة عن مصر كما أبدع جويا صورة كاملة لأسبانيا - فإن تجربته تقيم الدليل على أن قومية الفن لا تقف عند قوالب بعينها، وأن أسلوب الشرق والغرب يمكن أن يلتقيا، كما تقدم هذه التجربة فى رأى بدر الدين أيضا درساً عميقاً دلالته الأولى حاجة العقل المصرى والذوق المصرى إلى أن يتمثل كل الثقافات ويتأثر بها حتى يستطيع أن يحقق إضافة جديدة إلى الحضارة، ودلالته الثانية قدرة الفكر المصرى على أن يعبر عن ذاته ويظل مصرياً دون أن يشغل نفسه بقوالب وأنماط معينة `وإنما يكفيه أن يرسل نفسه عبر حضارات بلاده يعيش أعماقها ويدرك منطقها ليخرج من كل ذلك بلغة تلتقى لهجتها المحلية مع البناء العالمى والإنسانى معاً.
- الفن والاقتباس
- وعندما شهدت ساحة الفنون التشكيلية فى مصر إبان الأربعينات موجات فنية تعتمد فى حداثتها على أسس فكرية وجمالية أوربية كالسريالية والتجريدية، كان من الطبيعى أن يتخذ بدر الدين أبوغازى حيالها موقفاً محافظاً وحذراً فلقد جاء تكوينه الفكرى خلال عصر ساده الاعتزاز بالروح القومية والشخصية المحلية، ولقد دفع هذا الموقف المتحفظ كاتبنا إلى مطالبة الفنانين بمراجعة ما يأخذونه عن المدارس الأجنبية، وأن يكونوا حذرين فى السعى وراء موجات المودات الوافدة، ويهمنا أن نوضح موقف الكاتب الذى لم يكن نابعاً من اعتقاد بأن الفن له مواصفات محددة أو يتبع منهجاً بذاته، فلقد سبق الإشارة إلى رأيه فى ضرورة الانفتاح على العالم الخارجى وتفهم التيارات المعاصرة، وإنما كان أساس مطالبته هو الصدق فى الأسلوب فلا يعتنق الفنان اتجاهاً غير نابع من ذاته، أو يجرد ويحور لمجرد المسايرة للنزعات الحديثة: `فالأسلوب الفنى حين يصدر عن الفنان فإنه ينبض بالصدق ويشع بالحياة، أما الأسلوب المنقول أو المقتبس فلا يحمل غير سمات التقليد السطحى، ومن هنا يخرج العمل الفنى محملاً بأسباب فنائه` ويسوق الكاتب مثلا يوضح رأيه فى الاقتباس الفنى حين لا يجد فى الأسلوب التجريدى أية غضاضة فى بلد قدمت حضارته الإسلامية أروع الآثار القائمة على فكرة التجريد، ولكنه رأى القصور فى نقل تجريدات فنان بعينه دون أن يعانى الفنان المقتبس تجربته الإبداعية والفكرية.
- ويخطىء من يظن أن بدر الدين أبوغازى كان مناهضاً لفكرة التجديد فى الفن وعامل الابتكار فيه، لأن الفن عنده كان كالحياة نفسها يخضع لحتمية التطور والتغيير، غير أن التطور عنده لم يكن مجرد نقل وافتعال، فهناك فرق واضح بين ضرورة التطوير التى تأتى من طبائع الأشياء، وبين افتعال التطور عن طريق نقل أفكار الآخرين أو اقتباسها.
- لهذا فقد آمن كاتبنا بأن الفكر الساذج الذى ينادى باللحاق بالغرب عن طريق المضى فى سبيله وتقليد نزعاته إنما يحرم الفن من أقدس خصائصه وأهم مقوماته، فلكى يصل الفن المحلى إلى مصاف العالمية فإنه يجب أن يكون صادقاً، راسخ القيم، يستمد تطوره من الواقع المحلى ومن مثاليات المجتمع.
- التزام الفنان
- ولقد كان لعمق ثقافة بدر الدين أبو غازى وسعة أفقه أثر واضح فى تكوين رأيه عن مبدأ التزام الفنان، وكان مفهوم الالتزام محوراً لمناقشات ملتهبة فى الوسط الثقافى المصرى حين تصاعد المد الاشتراكى خلال الستينات، وكان رأى بدر الدين تقدمياً ومتفتحاً عندما أدان التفسير الخاطىء للالتزام فى الفن عن طريق وضع مواصفات معينة لمضمون العمل الفنى، وتقنين خاص لأشكاله كما كان ثاقب النظرة عندما لاحظ كيف خبت شرارة الإبداع والابتكار فى الأعمال الفنية عند العديد من المجتمعات التى تطبق النظام الاشتراكى، والتى اختلط مفهوم العمل الفنى فيها بلافتات الدعاية والإعلام المباشر. وكان عماد رأى كاتبنا فى الالتزام هو الاحترام لكرامة الإنسان، والتقديس لحرية التعبير الفنى، فالفن عنده نشاط يستعصى على المواصفات والتقنين، وقيمته الأساسية الكبرى تكمن فى مدى صدقه، ووظيفته الهامة هى تعميق الحياة وصدق التعبير عنها، لهذا فإنه يؤكد كثيراً على الصدق كمطلب أساسى، فحين يتوافر للفنان الصدق لموضوعه يتحقق تعمقه للمعانى الكامنة وراء الأحداث، واستنباط الرموز الوجدانية التى تربطنا بها. لهذا فهو ينكر وضع قيود على مضمون العمل الفنى فى المجتمع الاشتراكى، لأننا نبحث فى الفن عن شىء تقصر أدوات الحياة العادية عن أن تعبر عنه، وينبغى أن يكون الفن تعميقاً للإحساس بالحياة لا مجرد تسجيل مباشر لأحداثها.
- ويؤكد الكاتب أن هناك فرقاً بين الالتزام والإلزام فالالتزام ينبع من وجدان الفنان وصدقه لمجتمعه، أما الإلزام فتقنين تفرضه السلطة على إبداع يستعصى على التقنين`.
- أدب الفنون التشكيلية أو النقد الفنى
- كان النقد التشكيلى عند بدر الدين أبو غازى نوعاً من الأدب، فهو محاولة لتطويع الكلمة من أجل تفسير جوهر الأشكال. ولقد عكست أراؤه فى القضايا النقدية المختلفة نضجاً فكرياً ووعياً بخفايا هذا المجال الأدبى والفنى رغم قلة وندر الدراسات التى تناولته. وأولى كاتبنا أهمية خاصة لمواصفات الناقد الفنى الذى رأى فيه وسيطاً وجدانيا يختصر الأبعاد ويقرب المسافات بين الفنان والمشاهد، فهو يتحدث بلغته إلى طرفين أولهما الفنان المبدع لكى يحلل ويحدد موقعه فى إطار المسار الفن والمذاهب المختلفة، وثانيهما هو المشاهد أو المتلقى الذى يمهد له الطريق نحو بلوغ السحر الكامن فى العمل الفنى، ويساعده على حسن تذوقه، لهذا فالناقد يجب أن يتوفر فيه صفات عديدة أهمها الثقافة المتعمقة، والاتصال الفكرى بالحضارات، والإلمام بفلسفة كل عصر، كما يقتضى أن تكون هذه الثقافة شاملة بحيث تلم بطرف من كل طرز الفنون على مر التاريخ الإنسانى، وفى نفس الوقت فإنه يجب أن يكون للناقد ثقافة أدبية، فهو يترجم الإحساس بالعمل الفنى التشكيلى والقيم الفنية النشكيلية إلى وسيط آخر أداته الكلمة ليضىء بواسطتها العمل الفنى ويفسره `وكم يستعصى التعبير عن الفن بالكلمات`.
- وإعداد الناقد الفنى فى رأى كاتبنا ليس أمراً هيناً، إذ أن الناقد الفنى هو مزاج من إعداد المؤرخ والأديب والفنان أيضاً.
- كما أنه يضيف إلى مقومات شخصية الناقد القدرة على التوازن بين العقل والحس، لكى يكون مؤهلاً للكشف عن القيم المختلفة فى العمل الفنى دونما شطط فى الحكم أو تسرع فيه. كما لا ينسى الكاتب أن يشير إلى ما ينبغى على الناقد أن يتحلى به من تحر للصدق فى الكلمة، ومراجعة النفس قبل إصدار الحكم فى قضايا الإبداع الفنى، وأن يكون رائده دائماً الموضوعية والتجرد.
- ورسالة الناقد عند بدر الدين أبو غازى لاتقل فى خطورتها ومدى أهميتها وضرورتها عن رسالة الفنان المبدع. ورغم تعدد النظريات النقدية واختلاف مناهجها فإن الكاتب يرى أن العمل الفنى ذاته يظل عندها جميعاً هو محور النقد، واندماج الناقد فى العمل وتحليله إياه، والسعى نحو اكتشاف سر جماله يبقى المطلب الأساسى عند جميع النقاد مهما تعددت واختلفت مدارسهم النقدية.
- على أن بدر الدين كان يؤمن - كما أشرنا - بأنه إلى جانب العمل الفنى فإن هناك الفنان الذى أبدع العمل والظروف المحيطة به، والتى يمكن لها أن تلقى الأضواء على تقييم فنه، وتحديد موقعه من عالم الإبداع. وأضاف أيضاً إلى هذا العامل العنصر التاريخى للعمل الفنى، والحكم عليه بوصفه نتاجاً لفترة تاريخية بعينها.
- ولقد أكد كاتبنا مراراً بأنه لا يمكن خلق نهضة فنية إلا إذا واكبتها نهضة فى النقد، `والفنان الكبير فى حاجة إلى الناقد الكبير، وعيون المشاهدين فى حاجة إلى من يفتح لها الآفاق ويطلعها على الجوهر الإنسانى، ومواطن الجمال فى آثار الفنون`. ومن هنا آمن بدر الدين بأن النقد الفنى أصبح مطلباً هاماً وقضية أساسية فى الحياة الثقافية فى مصر `فى الكلمة أحياء لفنون الشكل ونشر لها، ولكن من يرعى الكلمة لتقوم برسالتها فى التعريف بالفنون؟` وكان يعتقد بأنه إذا ما توفر المناخ المناسب فى مصر لنماء النقد الفنى وازدهاره، فإنه ليس من المستبعد أن تصدر عن مصر وجهة نظر أصيلة وجديدة فى النقد الفنى عامة.
- لقد أدى بدر الدين أبو غازى للحركة الفنية التشكيلية فى مصر دوراً بالغ الأهمية، إذ كان عاملاً من عوامل اتزانها واستقرارها، برؤيته الموضوعية وأسلوبه الرصين، وحين رحل عنا فى سبتمبر 1983 افتقدت ساحة النقد الفنى بغيابه نموذجاً للناقد الأمين المنزه عن الغرض.
- إن كل ذلك يعمق لدينا الإحساس بالمرارة لغياب ناقدنا الكبير، الذى كان طرازاً خاصاً من الكتاب، فلم تكن الكتابة النقدية عنده عملاً يعتمد على التغطية الإخبارية للأحداث الجارية فقط، وإنما امتلك القدرة على استنباط المدلولات منها ليخرج منها بأفكار ذات عمق وشمول، كما كان منتمياً لذلك الطراز من الكتاب والفنانين العظام، الذين لم تقتصر العملية الإبداعية عندهم على مجرد المهارة وامتلاك أدوات الحرفة، وإنما امتد أفقهم الفكرى ليشمل حلماً قومياً يجسد روح البلاد ومنطق تطورها، ويعكس قبساً من مثالياتها، وملامح من اتزان شخصياتها الممتدة عبر الأزمان.
بقلم : د./ صبرى منصور
مجلة : إبداع (العدد 1) يناير 1987
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث