`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمد غالب خاطر

- اكره `الثرثره ` سواء فى تعدد الكلمات أو شرح اللوحات فالفن اكبر واعمق مع الوانه ورسومه .. من مجرد وصف وكلام يملأ به من يتخذ من الفن زيا فضفاضا اذن المتفرج فلا هو يسمع وبالطبع لا هو يرى وانما يومىء بابتسامة مجاملة لا اكثر .
- اننى عرفت الفنان غالب خاطر .. من لوحاته فى بينالى الإسكندرية يوما قبل أن أراه . فهكذا رأيت لوحاته فى صمت أنه فنان بعيد عن التضخم مثقف : نعم .. بلا ببغائية ` الالفاظ والمرادفات `، فنان نعم .. يميل الى بساطة التعبير اللونى الهادف غالبا مع التركيز على فكرة اللوحة فى خياله هو.. إن غالب خاطر . الذى رأت مصر أن تهدى فنه جائزة الدولة التشجيعية . فنان متفرد بأسلوبه وبهدوءه . لهذا فهو فنان مصرى أصيل . هل يتحدث أحد من فنانى ماضى حضاراتنا المتتابعة عن فنه أم أن فنه هو الذى يتحدث عنه ؟ هنا هو السؤال والجواب .
كمال الملاخ


- الحديث مع الفنان محمد غالب خاطر ممتع ومثير . ولد فى عام 1922 بالقاهرة ( الدقى ) وكان والده مهندس بمصلحة المساحة . ويتحدث الفنان عن والده ( وكان رحمه الله رجلا عظيما ـ عمل فى عدة مدن أهمها مدينة الأقصر ثم مدينة بنى سويف ـ كان مولعاً بالموسيقى والشعر والقراءة بجانب الهندسة ) ويذكر أنه كان تاركاً له حرية ممارسة الفن منذ صغره دون تدخل فيما يرسمه بل مشجعا له .
- ويضيف الفنان أن السيدة والدته الفاضلة كانت عطوفة عليه تعطيه المال ( الفلوس ) لشراء الألوان وأقلام الرصاص منذ بداية تعليمه بالمدرسة الابتدائية بمدينة الأقصر وهى مجاورة لمعبد الكرنك .
- ويستطرد الفنان حديثه مع مدرسه الأول للفنون الأستاذ عبد الجليل مدرس الرسم بمدينة الأقصر الابتدائية والذى أكتشف فيه تفوقه فى رسم المنظور ( البعد الثالث ) لأشكاله دون دراية أو سابق معرفة بعلم المنظور . وكان هذا الرأى حافزاً للفنان على الاستمرار فى الرسم بغزارة . وقد شجعه أستاذه عبد الجليل على مواصلة الرسم والاجتهاد وزيارة معبد الكرنك المجاور للمدرسة بصفة مستمرة باعتبار أن معبد الكرنك كنز فنى وتراث قومى وعالمى أيضا .
- وهكذا كان الفنان محمد غالب خاطر يعيش بعد خروجه من المدرسة داخل هذه الآثار الفرعونية بمعبد الكرنك بصفة مستمرة عاشقاً متأملاً هذه الإبداعات التشكيلية الرائعة الخالدة .
- ويقول الفنان ( كانت هوايتى الرسم والمعيشة داخل الآثار ـ بعد المدرسة والجلوس والتجول بمعبد الكرنك ـ كانت دنيا خاصة بى وبوجدانى ومشاعرى ـ مازلت أذكرها بوضوح كأنها أمامى وأشم رائحتها حتى الآن ) .
- ويتحدث الفنان محمد خاطر عن مدرسى الرسم بمدرسته بنى سويف الثانوية ويخص بالذكر الأستاذ فؤاد عبد العزيز الذى علمه كيف يرسم البورترية ( علمنى كيفية رسم البورترية وكان أول بورترية لى من تمثال ـ وقال لى ضرورة دخول الفنون الجميلة ) .
- ويشير فى حديثه الممتع إلى الأستاذ لطيف نسيم والذى يعرفه كل من دخل الفنون الجميلة بالقاهرة وكيف كان يصادقه ويلاطفه .
- ويتحدث عن عمله لفترة وجيزة بجريدة الأخبار وعن مقابلته للأستاذ رشاد منسى والذى أجرى له اختبار فى رسم بورترية بالخط ونجح فى الاختبار وصار يعمل فى مكان به صاروخان ورخا . وكثيرا ما كان يعمل لوقت متأخر من الليل ويمر عليه كل من مصطفى وعلى أمين مشجعين له فى عمله .
- غير أنه بعد فترة قصيرة طلب منه مقابلة أحمد أبو الفتح والذى طلب منه ( ترك الدار ) ونفذ الفنان ذلك دون سؤال عن السبب أو تردد فى تنفيذه . بل مع حيرة للأمر ويقول ( قابلنى بتاع الحسابات وقال لى أنك شيوعى ) . وتعجب الفنان لهذا الأتهام القائم على غير حقيقة .
- ويأخذه التأثر إلى الانتقال فى حديثه إلى ضياع المنحة الدراسية إلى ألمانيا والتى تقدم للحصول عليها وأقام معرض لأعماله بأتيليه القاهرة . وقد وقع عليه الاختيار لهذه المنحة من بين العديدين من المشتغلين بالفن والمتقدمين للمنحة . وقام بتقديم أوراقه إلى الإدارة العامة للبعثات وتناسى الموظف برفع أوراقه إلى الجهة المانحة وضاعت عليه فرصة السفر لدارسة الفن بألمانيا . ويقول ضاعت المنحة لعدم تقديم الورق فى الميعاد ( سهى عليه الموظف بالبعثات لإرسال الأوراق ) .
- ويواصل الفنان حياته وإنتاجه الفنى وينجب ولد وبنتان ـ الولد عاشق للموسيقى عازف ومؤلف والابنة الكبرى طبيبة حاصلة على الدكتوراه والابنة الصغرى مرشدة سياحية تجيد الألمانية والإنجليزية بطلاقة .
- ويذكر الفنان أن أولاده يمارسون الرسم ولكنهم عازفون عن إقامة المعارض والاشتراك فيها بأعمالهم ويكتفون بعرضها عليه ومنافستهم له . أما عن أحفاده فيقول ( أحفادى مازالوا صغار ، وضرورى منهم سيواصل الفن بطبيعة الوراثة والمعيشة ) .
- ويتحدث الفنان خاطر عن مشاعره تجاه الإنسان فيقول ( اهتمامى الإنسان ـ فى حياته الخاصة والعامة ـ وحريته ـ دوره فى تطور ونمو ورقى وطنه وبلاده ويطبق العمل الإنسانى ـ أين يوجد الإنسان وعايش ليه ـ وحرية الإنسان فى ما يراه ـ رؤياه السياسية والعقائدية ) .
- ويذكر الفنان أنه تقدم لمسابقة ( قناة السويس ) ويقول ( كانت لوحة ممتازة ـ ظريفة ـ أرجو أن أشاهد هذه اللوحة ثانيا ـ أين هى الآن ـ أين ذهبت ـ ضاعت ) .
- والفنان خاطر فنان القلم الرصاص المصرى وأعماله فى فن الرسم تصل إلى حد الكمال من ناحية القدرة الإبداعية والتشكيلية ومعالجة السطوح والملامس والظلال والأنوار له طابع خاص فى اختيار عناصر موضوعاته التى تميل إلى الإرتباط بالطبيعة ومقوماتها وتميل إلى دفع المشاهد إلى النظر والتأمل والتفكير عند مشاهدة أعماله ليكشف الحقيقة التى يبحث عنها خاطر بقلمه داخل لوحاته .
- رسومه غناء شاعرى توصيفى لجمال مخلوقات الله فى تركيب درامى ذو معنى يريد أن يعبر عنه الفنان بعيداً عن التجريد بل ملتزم بالواقع فى تركيبات ذات مسافات وأبعاد تحقق للمشاهد قدرة التحليق والتمثيل فى رحاب ما يريده الفنان ويذكر الفنان محمد خاطر ( الإخلاص فى العمل يحقق الهوية ـ وإنك مصر أكيدة وليس بصفة إعلامية ) . هكذا يؤكد الفنان المصرى محمد خاطر صدق الفنان فى مراحل إبداعه .
- ويؤكد أن شباب مصر معقود عليهم الآمال الكبيرة وأنهم مطالبون كما يقول ( عدم الأستعجال ـ سر وراء نفسك للوصول إلى الأهداف ـ استمر فى الإنتاج ـ الرسم التلوين ـ ارتبط بالطبيعة ـ حب البلد أساسى فى كل الأعمال ) .
- والفنان محمد خاطر حاصل على جائزة الدولة التشجيعية ( وقد رفض جائزة بينالى الإسكندرية اعتراضا على قرار لجنه التحكيم ) والفنان لابد أن يكون حرا فى إبداء رأيه مستمراً فى إبداعه بصدق ومحبة وإخلاص . وينهى حديثه بقوله أن حب البلد أساس كل الأعمال التى أرسمها – حبى لمصر هو الذى ربطنى بها إلى الأبد .
- كان حديثى مع أحد رواد فن الرسم فى مصر متعه أعتز بها وهو فياض فى ذكرياته محبا لمصر عاشقا لفنونها وشعبها وترابها .
أ.د. رمزى مصطفى


- اشتهر الفنان من خلال لوحاته الاجتماعية والسياسية فقد اهتم بمهاجمة النواقص الاجتماعية والنفاق السياسى وسيطرة الروتين من خلال لوحات واضحة الرموز تبالغ فى ابراز العيوب أو النواقص باسلوب يقترب من الكاريكاتير ليس فى الخطوط ولكن فى الرموز والصراحة وقوة التعبير فيصور الجهلاء على هيئة حمير ويصور استسلام المثقفين لدكتاتورية الحاكم وتكبيل حرية الرأى فى صورة حيوانات ختمت أفواهها ووضعت عليها الأقفال حتى لا تنطق بكلمة احتجاج وهكذا تميز الفنان بقوة موضوعاته وعلاقاتها المباشرة بالمجتمع .. مع السمو عن ان تكون من أعمال المناسبات فالاسلوب الرمزى والذكاء فى تناول القضايا والاسلوب غير المباشر يجعل أعماله قادرة على الحياة بعد عصرها وفى كل مكان - لانه حول القضية المحلية فى وقت معين الى قضية انسانية فى كل العصور .
د/ صبحى الشارونى

غالب خاطر ( 1922- 2009 ) بين النقد الاجتماعى ورصانة التشكيل
-تتميز أعمال الفنان غالب خاطر رحمه الله برصانة وجسارة وجدية ونقد اجتماعى بليغ. ويتضح في كل من أعماله مدي الجهد المبذول من ناحية التفكير والتصميم والإخراج .. وهو الأكاديمى الملتزم الحر الجسور الذي يخرج عن قيود القواعد المدرسية إلى أقصى آفاق التجديد والانطلاق وأزهى صور امتلاك ناصية التصميم والتكوين والتقنية التشكيلية وهو ما علمه رحمه الله لتلامذته حيث درس بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة من 1945، كما أقام رحمه الله أكثر من عشرين معرضاً خاصاً بمصر والخارج. وحصل على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1976. ثم حصل على وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى. وعلى الرغم من وضوح الدلالة لدى غالب خاطر يظل العمل بفضل قوة التعبير مشحوناً بمعانى لا تستنفذ من المشاهدة الأولى، فطالما مثل أمامنا الإنسان المصري الغارق فى طوفان السلبية والبلادة وغياب الهدف. كلما رأينا أعمال غالب خاطر كلما تذكرنا هذا الإنسان يظل حضور النقد اللاذع، والسخرية المرة، والضحك الذي هو كالبكا، ولكننا على هذا لا نطالع أعمالا مباشرة أو شعارات بل هنا شحنة مكثفة من التعبير تندفع في غلالة الشكل الفنى القوى، والتمكن من الأدوات، وبراعةالأداء.
- وموضوع غالب خاطر المفضل- إن لم يكن الأوحد - هو الإنسان فهو لا يصور مناظر طبيعية، ولا طبيعة صامته ولا زخارف أو حليات، بل هو أيضاً يتمسك ` بزهد لوني` مرده حرصه على ألا تلهي الألوان المتفرج عن الموضوع الذي يعرضه والقضية التي يطرحها. فالقناعة اللونية عند غالب خاطر تفسح الطريق كي يلتقي المتفرج مع مضمون اللوحة مباشرة. على أن الفنان في ألوانه القليلة المشربة بإضاءات فريدة أثبت أنه ملون ممتاز بالإضافة إلى قدرته الفائقة على الرسم.باستخدام الخيارات القليلة والبالتة المحدودة . وتلعب حركات الأيادي دوراً حيوياً في كثير من لوحات غالب خاطر. ويصل الأمر في بعض الأحيان أن تبني اللوحة كلها من أيادي تقول إشارات أصابعها المتناغمة عشرات المعانى والأحاسيس.أنها تتلاقى وتتضارب، تتصالح وتتنازع، تتقارب وتتنافر، تتبادل الود وتتراشق التهم. وفي كلمة موجزة نقول أن لوحات غالب خاطر ثروة فكرية وتشكيلية. وهذا ما يجب أن تكون عليه أعمال الفن الصادق.
- إنه فنان تمثلت مواهبه وقدراته منذ شبابه. وتجلت في بحثه المتواصل لامتلاك مقومات لغته التشكيلية فبهرتنا أعماله بقدرة الأداء والتوغل في أسرار الأشكال والألوان. وهو من القلائل الذين يمضي خطهم في صعود لا يتوقف ولا يهبط. وقد كتب عنه الأستاذ بدر الدين أبو غازي ما أورده غالب خاطر في مطبوعات معرضه بدار الأوبرا المصرية في أكتوبر 2002 حيث قال : `اللوحة عنده صيحة نقد ودعوة إلى التفكير وتجسيم رمزي للأحداث دون أن تهبط إلى دارج التعبير أو تنحو إلى النزعة الخطابية التي تجرد العمل الفني من سحره وقيمته وتحيله إلى لافتة من الدعاية السياسية أو الاجتماعية. وليس تحقيق هذه المعادلة الصعبة بين لغة الخطاب الفني وبين المضمون الاجتماعي يسيرا، ولكن الفنان غالب خاطر استطاع أن يبلغها بجدارة.. مكانته الفنية أكبر من حظه الوظيفى، وكان لمواهبه وقدراته أن تشق له طريقاً آخر غير الطريق الذي قدر له أن يسلكه؛ لو كانت المواهب والقدرات تكفي وحدها. ومن حسنات نظام التفرغ أن أتاح لهذا الفنان فرصة التفرغ من وظيفته والتحرر من مشاغل التعليم العام فأجاد وأبدع وحصل منذ سنوات على جائزة الدولة التشجيعية في الفنون. واليوم يعرض غالب خاطر ملامح من رحلة كفاحه الفنى متمثلة في تلك اللوحات التي نتابع فيها خطاه وتطوره، فيزيد التقدير لموهبته، وتتضح بجلاء لغته المميزة `.
- منذ معرضه الفردي الأول، الذي أقامه عام 56 بجمعية خريجي الفنون الجميلة، وكذلك في معرضه الثاني عام 1958 بأتيليه القاهرة يتضح توجه الفنان إلى أسلوب تعبيري ، انتقادي يلمس به مفارقات اجتماعية ، من هنا ، امتلأت لوحات ذلك المعرض برواد المقاهي الشعبية ، ومثل `التعبيريين ` اعتني بالتقاط التعبيرات المختلفة ، والمتباينة في الوجوه، والأيدي ، أو اصطنعها بالشكل الذي يعبر عن رؤيته. أما على مستوى الأداء.. نراه متخففاً، نوعاً ما، من القواعد الأكاديمية ، فيما يخص `التجسيم بالنور والظل` واللون، والالتزام بالملامح الواقعية للأشخاص، متجهاً إلى تحريف تعبيري- تبلور فيما بعد - كما تجلت بدايات ميله إلى الخطوط الهندسية المستقيمة، حيث تظهر في الخط الخارجي للشكل،فيخلق بذلك توتراً ، ونشاطاً، يقاوم به رخاوة الاستسلام للأسى، والمرارة. ويقدم لنا تحريفات في `المنظور الهندسي` .
- بعد عودته من ليبيا أقام معرضه السادس بقاعة أتيليه القاهرة للفنانين والكتاب عام 1964، وعكس هذا المعرض صعوداً في التلخيص الهندسي الواقف على مشارف التجريد، متناولاً به موضوعات تنتمي للشرائح الاجتماعية الفقيرة، كالكناسين، الذين احتلوا محور معرضه، بالإضافة إلى موضوعات أخرى أبرزها ` الحمامة `، حيث يقدم تنويعات عليها. يتخلص، في هذا المعرض، من إيحاءات المنظور الثابت، وينقل التضاد في النور والظل،إلى الخطوط الخارجية المستقيمة والمتكسرة، وتختفي الخطوط المنحنية نهائياً، مع موضوعات مشحونة بالمعاناة ، والألم ، في عالم كهذا لابد أن يحدث تحولاته على رمز السلام الجميل: `الحمامة`، فتظهر في لوحاته بعديد من الأرجل، والأظافر، تقاتل خطراً نستشعره ولا نراه.
- كما مارس غالب خاطر فن النحت، واختار خامة صعبة.. خامة الحديد الخردة، وشهدت السبعينيات اشتعال ، وانطفاء نشاطه النحتي ، تلك الأعمال المتحركة التي تنتمي إلى الأسلوب الفني الأوربي المسمي بـ ` الكينتيك آرت ` أو الفن الحركي ، كما انصرف الفنان في تلك الفترة عن الاهتمام بالقضايا العامة : سياسية ، واجتماعية. مستغرقا في قضية الشكل ، هاربا من العام الى الخاص ، ربما إيثارا للسلامة.
- تميز باستخدام مساحة بيضاء، صريحة البياض ، تؤطر عناصر لوحاته، وتحشدها في حيز محدد، وقد تقوم تلك المساحة البيضاء باختراق عناصر اللوحة لوضعها في مقابلة حوارية، كما تميز باستخدام مقابلات رمزية بين شكل الحيوان - وبالذات الحمار - وشكل الإنسان، مع ترجيح ساخر لكفة الحيوان، ولم يقدم لنا الحيوان، والإنسان كاملين، بل اكتفي من الحيوان بالرأس، ومن الإنسان بالرأس أيضاً والأطراف ، وسائط للتعبير. ووصل في أجادته في الدراسة درجة لافتة للنظر، تجاوز بها محاولاته الأكاديمية الأولي وتخلص بشكل حاسم من الألوان الصريحة التي كان يتعلق بها من قبل، والاكتفاء بتقشف خامة أقلام الفحم على توال مصنع بطريقة خاصة تترك على السطح لوناً نحاسياً، فهو لا يريد لعيوننا، وحواسنا التشتت فى استعراضات لونية هامشية، بل الاحتشاد من اجل أهدافه التعبيرية والجمالية.
- أوجد وحدة عضوية، عن طريق الدرجات الضوئية المتقاربة ، والتي وحدها لون ` التوال ` النحاسي، وظلال أقلام الفحم ، ثم تلك المساحات البيضاء وهي تقوم بتأطير العناصر المرسومة، التي بدت في هيئة نحتية ، أشبه بالنحت البارز على الميداليات. يدخل اللون أحياناً متسللاً، شفافاً متخلصاً من كثافته القديمة، حتى لا يصدم بذلك الخليط المتجانس من الفحم والنحاس ، بل يكون في خدمته ، وعلى الرغم من اعتراض عديد من الفنانين على الطريقة التي يتعامل بها ` خاطر ` مع الألوان الزيتية ، حيث يقربها من شفافية الألوان المائية ، يرى البعض الآخر: أنه وفق توفيقاً جيداً في تركيز عناصره المرسومة ، والملونة من أجل الوصول إلى أغراض تعبيرية اختارها .
- وفي لوحتيه كورال المقاس 2.1 × 1.28 متراً ولوحة وعود كاذبة مقاسها 1.37 × 1.36 متراً يبلغ في هذين العملين درجة عالية في الصياغة التشكيلية، فيستخدم عناصر: رأس الحمار، والأيدي البشرية بنفس اليسر الذي نراه عند فنان آخر يقدم وحدات هندسية محفوظة، وهو هنا يشغله البناء التجريدي، يستقبل به عناصره المشخصة ، بحيث ننسي للحظات أننا أمام رؤوس، أو أطراف مرسومة بعناية ، وننشغل بدورنا في الإيقاعات البصرية، ففي لوحة ` كورال ` تصطف رؤوس الحمير في صف مائل ، يقسم مساحة اللوحة إلى مثلثين متطابقين ، ويصبح `الوتر ` بؤرة مضيئة، فاصلة ، وواصلة بين الرؤوس المقتحمة ، الناعقة، وبين الأيدي المتشنجة بالتصفيق ، وأذن المستمعين التي تضخمت.. بما طرباً بصوت الحمير، ولوحة ` وعود كاذبة ` ، أراد بها أن يفضح ما تردده وسائل الإعلام ، وخاصة الصحافة، من وعود لا تنفذ فخصص أكبر مساحة في اللوحة يستعرض بها بيانات ، وعناوين مكتوبة على `كرمشات ` الورق ، الذي صار أشبه بتضاريس جغرافية ترى أعلى منظور عين الطائر.
- وفي المقدمة وبمنظور مختلف، تظهر عشرات الأيدي، قسمها قسمين : قسم متماثل تماثلاً قالبياً.. تمتد في نفس الاتجاه بصورة ميكانيكية، أما القسم الآخر فعلي النقيض من ذلك، تظهر الأيدي في تنوع كبير في التعبير عن الاحتجاج، والحركة، ويشكل الفنان من الأيدي الميكانيكية والأيدي البشرية حواراً رمزياً واضحاً، يتوجه في القمة صف من مشابك الجزار الحديدية الخالية، إلا من قطعة عظم .
- وفي معرضه الأخير الذي أقامه رحمه الله في قاعة الفنون التشكيلية بدار الأوبرا المصرية في أكتوبر 2002، نرى الفنان وقد انطلق يهاجم خطر العولمة، مستخدما أسلوبه الرصين وأدواته المتميزة في لوحات مثل الكورال وكيف والسوق ولماذا الحروب: حيث يصور العولمة والقوى الغاشمة في تلك الثيران الهائجة التي تسحق كل من يقف في طريقها ، كذلك تلك الأيدي التي تشير الى قارة أفريقيا وتكاد تفتك بها ، كذلك نرى الروح النقدية العالية حيث يسخر الفنان من المجتمع اللاهي المنصرف الغافل عن تلك القوى المتربصة به، فنراه يرسم الرجل برأس عجل، أو حمار، كما كان يفعل من قبل، و يصور البشر كأنهم دجاجات جبانة متخاذلة ، يعود غالب خاطر مرة أخرى ليضرب لنا مثلا للفنان الموهوب المهموم بقضايا مجتمعه ، الذي يتمتع بقوة الأفكار، وقوة الموهبة والتقنية العالية لتنفيذ هذه الأفكار.. رحم الله الفنان غالب خاطر رحمة واسعة .
د.هبة الهوارى
نهضة مصر - أبريل 2012

الفنان (غالب خاطر) رسام متميز فى الحركة التشكيلية المصرية المعاصرة يتعامل مع الخطوط والألوان والقيم الجمالية بمدركات إنسانية واجتماعية.. اللوحة عنده صيحة نقد ودعوة إلى التفكير.. وتجسيم رمزي للأحداث دون أن تهبط إلى التعبير الدارج أو تنحو نحو الخطابية التى تجرد العمل الفنى من سحرة وقيمته وتحيله إلى لافتة من الدعاية السياسية والاجتماعية.
(إنه من ذلك النوع الذى ينتمى إلى المثاليين الذين يطلون على العالم من أفق المثل العليا والفضيلة والطموح.. وليس موقفه الرافض إلا تعبيرا عن الوهن الذى يرى أنه أصاب مجتمعه(1)...).
وأعماله (المونيمنتال) كبيرة المساحة فى الرسم التى قدمها لجمهوره، ففى معارضة التى أقامها فى الستينيات والسبعينات، وتناول فوقها قضاياه الاجتماعية يعكس تمكنا عاليا من حيث قدراته الادائية التشكيلية فى صياغة العمل الفنى صياغة مباشرة محكمة، دون إعداد رسوم أولية، أو دراسات فهو حين يقدم على العمل يقدم ولديه تصور ذهنى مسبق، فصورة العمل وفكرته النهائية تكون قد أستقرت فى رأسه بعد معايشة وجدانية وذهنية لها عندئذ يبدأ بعدها (غالب خاطر) فى الرسم بقوة واندفاع دون توقف، أداته الوحيدة المفضلة فى ذلك هى (القلم الفحم) وهو: من الخامات التى يصعب الحصول بواسطته على نتائج الا بعد مجهود شاق - والفنان حين يستعمله، لا لسهولة العمل، أو لأن استخدامه أمر لازم فحسب بل لأنه يعطى أثرا دراميا فعالا.. واضعا فى الاعتبار طبيعة هذه المادة وإمكاناتها فى بناء العمل الفنى.
ولعل لوحة (قلب الأوضاع 1972) المنفذة بالقلم الفحم شكل (أ) تعطى مثلا عن أسلوب الفنان أداء وفكرا.. فنجده يرمز إلى فضول الأغبياء الذين يتعرضون لأمور بعيدة عن أختصاصهم أو فوق مستوى إدراكهم يرمز إليهم بالحمير التى تقحم نفسها فيما لا شأن لها به، وبدلا من أن ينقادوا إلى أصحاب الحق فى القياد، يتولون هم أمر قادتهم، فتنقلب الأوضاع ويصبح القائد منقادا بحبل حول عنقه، ويمشى كما تمشى الدواب، كما يتعرض أيضا لقضايا كالحريات، أو التصفيق الآلي.. والنفاق السياسي وجنون الكرة وأزمة المواصلات والروتين.. ويهاجم الحرب ومظالم الشيوعية، ففى لوحة (اجتماع الدجاج) شكل تراه يتهكم بل ويسخر من روح القطيع التى تؤدى ببعض الناس إلى الالتفاف حول شخص يستجيبون لرأيه ويأتمرون بأمره دون تفكير أو تدبير. نلاحظ فى هذه اللوحة مهارته فى الرسم واستعماله (للكونتراست) بين الفواتح والغوامق، والاقتصار على ألوان ثلاثة (البنى وهو لون القماش بعد تحضيره واعداده - والأزرق وهو السماوى أو الأبيض واستعمالهما فى الغالب إما استعمالا تشكيليا فى عمل توازن بين المساحات والكتل وإما رمزيا لاثراء المعنى.. أما الأسود فهو خطوط أقلام الفحم التى يرسم بها فوق (التوال البنى) ويحصل من خلالها على مساحات شاسعة من الظل والنور.. وهناك أمثلة أخرى للوحات يتناول فيها الإنسان والحمار باعتبارهما رموزا اجتماعية بل ويكادان يكونان القاسم المشترك فى أغلب أعماله أو تلعب حركات الأيادي، والتعبيرات المختلفة كرءوس الحمير دورا حيويا فى كثير من لوحات الرسم عند (غالب خاطر)، ويصل الأمر فى بعض الأحيان أن تبقى اللوحة كلها من أياد تقول اشارات أصابعها المتناغمة عشرات المعاني والاحاسيس، أنها تتلاقى وتتضارب، تتصالح وتتنازع، تتقارب، وتتنافر، تتبادل الود، وتتراشق التهم). ولعل لوحة (البيروقراطية أو الروتين 1979) شكل (ج) مثال مثير يشير إلى الطريقة التى صاغ بها عناصره وكأنه يقرض (الشعر الرمزى) (يتسم التكوين بالغرابة ويدع المتلقي إلى الدهشة وأعمال الذهن، والحمار الذى يطل من مركز اللوحة تلتقي به مجموعة من الأيدي تؤدى حركات التشجيع والاستحسان أو تشير إليه علامة الأهمية والمكانة، ثم شريط من أوراق التمغة وعديد من الاختام والتوقيعات الموزعة هنا وهناك.. وتعقيدات ممثلة فى خيوط ملتوية لا سبيل إلى حلها. وفى التكوين (نحلة) ترمز إلى أصحاب الحاجات من الجمهور، الذين يدورون مثلها بين المكاتب ويسقطون فى شباك البيروقراطية والروتين.. تكوين كامل الاتزان سريع الإيقاع، قوامة وحدات من أشكال الايدى والأختام وأوراق التمغة، متماسك العناصر داخل المساحات المربعة لكنه يشعر الملتقى بالتفكك والتفسخ الذى تتسم به البيروقراطية(2).. نجد الفنان كعادته يتجه إلى تبسيط الألوان وقصرها على البنى والأسود وظلال الأزرق السماوى.. هو بطبيعة الحال (يتمسك بزهد لونى مرده حرصه على الاتلهى الألوان المتفرج عن عصب الموضوع الذى يعرضه والقضية التى يطرحها. فالقناعة اللونية عند غالب خاطر تفسح الطريق كي يلتقي المتفرج مع مضمون اللوحة مباشرة. على أن الفنان فى لوحاته القليلة المشربة بإضاءات عاطفية تثبت أنه ملون جيد).
بالنظر إلى مجموعا رسومه المستخدم فيها الفحم نرى تنوعا فى التكوينات، كل تكوين له قانونه الذى يتلاءم وطبيعة الموضوع الذى يتناوله، والغرض المعبر عنه، يحكم هذه التكوينات الراسخة وعى الفنان بحسابات الشكل والفراغ.. والسالب من المساحات اللونية الأحادية فالأبيض مثلا ومثيلها من المساحات الإيجابية - القاتمة - التى تشغلها عناصر الموضوع، كذلك منطقة فى توزيع عنصر الإضاءة - الفوتوغرافي - فى محاور مختلفة من اللوحة مشكلا من خلاله إيقاعا دراماتيكيا متناغما مع الخطوط إلى سطح اللوحة المعتمة..إلخ. هكذا تجلت فى بحثه المتواصل قدراته فى امتلاك لغة التشكيل وجلاء لغته المميزة).
د. رضا عبد السلام
من الرسم المصرى المعاصر
الفن الإجتماعى
- كل الفنانين والنقاد يعرفون المثال والرسام الملون غالب خاطر لكن ` لجنة الفنون التشكيلية ` لا تعنى باختيار لوحاته لتمثيل الفن المصرى الحديث فى المحافل الدولية كالبيناليات، أو الداخلية كمعرض الــــ 15 الشهير الذى أقيم بمناسبة زيارة ملكة الدنمارك.
- ذلك أن ` غالب` ليس تجريديا أو أستاذا فى كلية فنية، لكنه من فنانى الطليعة رغم أنه مخضرم تخرج فى كلية الفنون الجميلة عام 1950.. أقام أحد عشر معرضاً فردياً وأسهم فى عدة عروض جماعية من بينها بينالى الإسكندرية.
- يتميز إبداعه بمنهج خاص وفلسفة إنسانية اجتماعية، ومن غير المناسب تصنيفه ضمن المجموعات المنتشرة فى حركتنا التشكيلية المعاصرة مثل ` التجريديين` و` العبثيين` و` الخطاطين` الذين يرسمون الأبجدية العربية ،و`الشعبيين` الذين يستلهمون وحدات الفن الشعبى أو مقلدى الأوربيين والأمريكيين من اتباع ` البوب ` و` الأوب ` و` الآرت بوفيرا ` و` الدادا الجديدة `.
- غالب خاطر نسيج فريد فى حركتنا التشكيلية المعاصرة .. يتعامل مع الألوان والخط والقيم الجمالية بمدركات إنسانية واجتماعية تلبى احتياجات المرحلة الثقافية التى نجتازها، ونحن على أعتاب القرن الواحد والعشرين، كما تربطه وشائج عالمية بتيار فنى ظهرت بوادره فى السبعينيات. تيار يعالج الموضوعات الاجتماعية والسياسية مثل ` التفرقة العنصرية `و` الدفاع عن حقوق المرآة ` متوخياً الرسم الواقعى الرمزى أو الواقعى المتفوق المعروف باسم `سوبر ريالزم` مبتعداً تماماً عن التجريد والعبث واللاشكل واللافن.
- يقول الناقد الأمريكى الشاب ` أدوارد لوسى- سميث `:` إن الفن السياسى يتفرع إلى` فن اجتماعى` يناسب عقلية المثقفين التى سادت السبعينيات. ولا يقتصر الأمر على التعبير الفنى والرسوم البيانية والعبارات المكتوبة، بل يتطور إلى التظاهر الفعلى ، كما حدث عندما عرض الفنان `هانز هاك` أعمالا عن ` التلوث ` ومن الأمثلة البارزة للرسام الإنجليزى المعاصر ` توم فيليبس` لوحة ملكة جمال جنوب أفريقيا صورها بالأكليريك والجواش على ورق ليعبر عن إدانته للتفرقة العنصرية سنة 1975.
- لا يمكن للمتلقى أن يقف موقفاً جمالياً محضاً من لوحات `غالب خاطر` ولا ينبغى للناقد أن يتناولها من الجوانب الشكلية أو ` الاستطيقية ` بالنسق الذى وصفه ` جيروم ستولنتز` فى كتاب` النقد الفنى موقفاً منحصراً فى المتعة الجمالية منزهاً عن الموضوع والغرض الاجتماعى ويقتصر فى تعليقه على تحليل العوامل المؤثرة على التذوق الفنى - شأن الصور التجريدية واللاموضوعية. كالعلاقات المتداخلة بين الخطوط والمساحات والملامس داخل التكوين والبناء الدرامى والانعكاسات المزاجية والنفسية لها. لأن المعنى والمغزى والمضمون. يحتل نفس مكانة الشكل - وربما أكثر درجة - فى لوحات ` غالب خاطر` فيستحيل على المتلقى أن ينظر إليها لمجرد ` التطلع ` و` التمتع` - كما يقول `ستولنتز`.
- فناننا يتغاضى عن القليل من الجوانب الشكلية فى العلاقات اللونية وتعبيرات الملامس وموسيقى الخطوط وإيقاع المساحات والوحدات ويتغاضى عن الكثير من التطريب والزخرفة فى سبيل الموضوع والمضمون لكنه لا يصل إلى حد اللهجة الخطابية، وإن كان يرتب رموزه وعناصره فى نظم مقروءة ففى لوحة ` اجتماع الدجاج` يعيد إلى ذاكرتنا - من حيث الموضوع - حكايات كليلة ودمنة وهى من عيون الأدب الإسلامى تروى على لسان الحيوانات قصصاً كتبها من القرن السادس بالسنسكريتية الفيلسوف الهندى ` بيديا ` ثم ترجمت إلى الفارسية فنقلها إلى العربية `عبد الله بن المقفع` المتوفى سنة 750 ميلادية أما كليلة ودمنة فاسمان لثعلبين يقومان بدور البطولة.
- يتهكم فناننا فى ` اجتماع الدجاج` على أدعياء النبوة والدجالين وكل من يستقطبون الساذجين من المثقفين والمتعلمين، ومع أنهم لا حول ولا قوة مثل الواحد منهم مثل العنزة الراقدة والدجاج يتحلقها كأنما يقدم آيات التعظيم والتمجيد - ضعف الطالب والمطلوب. يسخر من روح القطيع تؤدى ببعض الناس إلى الالتفاف حول شخص يصدعون لرأيه ويأتمرون بأمره دون تفكير ينظرون بعينيه ويسمعون بأذنيه ويسلكون بإرادته.
- نلاحظ فى هذه اللوحة دقة الرسم ومراعاة المنظور والاقتصار على ألوان ثلاثة أما `البنى فيطلى به قماش لوحاته عند إعدادها ثم يصور موضوعه بلون ناصع كالأزرق السماوى أوالأبيض. واللون الأسود هو خطوط أقلام الفحم يرسم فوق البنى كل ذلك فى تكوين كلاسيكى هندسى البناء العنزة فى وسطه والدجاج من حولها . ولذا لاحظنا أن تنظيم العناصر يتفق مع المعنى المقصود. يتضح أن الفنان استطاع أن يحقق العلاقة الداخلية بين الشكل والمضمون كما ينبعى أن تكون فلا يطغى أحدهما على الآخر.
- ثمة مسحة مصرية قديمة تلقى ظلالها على رسوم `غالب خاطر` ،وألوانه. فاللونان الطوبى والأزرق السماوى اللذان يسودان أعماله الأخيرة ، ينتشران فى رسوم المعابد والمقابر الفرعونية التى شب وترعرع فى رحابها. كذلك بساطة الخطوط والمساحات والطابع الروائى والعناصر الرمزية والصور الموضوعية البعيدة عن التجريد والعبث واللامعنى.
- ولد فى القاهرة فى إبريل 1922 لكنه لم يكد يبلغ شهره الثالث حتى نزح والده الموظف الحكومى إلى مدينة `الأقصر` العاصمة الفرعونية القديمة، حيث تجلت روعة التصوير المصرى القديم فى عهد الأسرة الثامنة عشر على جدران المقابر المنحوتة فى الصخر على تخوم المدينة. تحرر فيها الفنان من التقاليد الصارمة التى سادت ` الدولة الوسطى` ونحا إلى الروائية والتعبير الذاتى. خاصة فى رسوم مقابر الأشراف وكبار موظفى الدولة - وهى غير بعيدة عن المقابر الملكية فى وادى الملوك والمعابد الجنائزية الدير البحرى ` و` مدينة هابو حيث كان الرسامون أكثر التزاماً بالأصول الكلاسيكية.
- كانت مجموعة معابد الكرنك في طريقه إلى المدرسة الابتدائية في غدوه ورواحه ولم يدخر مدرسوه وسعاً فى تنظيم الرحلات إلى البر الغربى فتفتحت عيونه وعواطفه وأفكاره على هذا الجو التراثى الذى أتقن وصفه الباحث `جيوفانى جاربينى` فى كتابه المعتمد ` العالم القديم ` عاش خاطر سبعة عشر عاماً فى ربوع الفن المصرى القديم حتى حصل على الشهادة الابتدائية وأوشك أن ينهى المرحلة الثانوية قبل أن ينتقل إلى` المنيا` `بنى سويف` حيث أشار عليه موجه التربية الفنية بالالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة فدخلها سنة 1945.
- لعل لوحة ` البيروقراطية ` أو ` الروتين` تظهر الطابع الرمزى الروائى الذى أشرنا إليه رسمها سنة 1979 بخيال خصب. وصاغ عناصرها كأنه يقرض الشعر رمز إلى المضمون بعناصر طريفة مثيرة متقنة التصوير. بينما يتسم التكوين بالغرابة ويدفع المتلقى إلى الدهشة وإعمال الذهن.فالحمار الذى يطل من مركز اللوحة تلتف به مجموعة من الأيدى تؤدى حركات التشجيع والاستحسان. أو تشير إليه علامة الأهمية والمكانة. ثم شريط من أوراق التمغة وعديد من الأختام والتوقيعات موزعة هنا وهناك . وتعقيدات ممثلة فى خيوط ملتوية لا سبيل إلى حلها وفى قمة التكوين `نحلة` كالتى يلعب بها الأطفال ترمز إلى أصحاب الحاجات من الجمهور .الذين يدورون مثلها بين المكاتب ويسقطون فى شباك البيروقراطية والروتين، فلا ظهرا أبقوا ولا دهراً قطعوا ولا حاجة قضوا.
- تكوين كامل الاتزان سريع الإيقاع قوامه وحدات من أشكال الأيدى والأختام وأوراق التمغة متماسك العناصر داخل المساحة المربعة، لكنه يشعر المتلقى بالتفكك والتفسخ الذي تتسم به البيروقراطية ويرسم الابتسام على شفتيه. ولكى يفسح الطريق إلى المعنى والمغزى إتجه كعادته إلى تبسيط الألوان وقصرها على البنى والأسود وظلال الأزرق السماوى.
- التحوير ودقة الرسم والرمز بالعنصر والتعبير بالإشارة ، سمات إبداع `غالب خاطر` منذ أقلع سنة 1955 عن تصوير الوجوه والنماذج الحية (الموديلات) والموضوعات الشائعة كـــ `عازف الربابة` أصبحت لوحاته كالمقطوعة الأدبية والشعرية، تحمل جمال الأسلوب ومهارة الصنعة ودقة التعبير وانسيابية المضمون.
- لفت الأنظار منذ عشرين عاماً حين عرض ملحمته الصرحية الكبرى ، فى قاعة الفنون الجميلة بوسط القاهرة طولها 11 متراً وعرضها نصف المتر. صور فيها بالزيت على القماش ` قصة الإنسان والحضارة `.
- فى يفاعته التى قضاها بين الآثار الفرعونية فى مدينة الأقصر، رسم الأشجار والحقول والناس والحيوانات والطيور قبل أن يلتحق بالفنون الجميلة فدخلها على درجة من النضج جعلته يصبو إلى التعبير عن الخيال والوجدان.. وليس المحاكاة لم يجد جديداً فى جعبة أستاذه فانصرف إلى المكتبة ليتصفح أعمال الرسامين الأوربيين. ولعلنا لا نغفل عن تأثره فى مطلع حياته بأساليب الفرنسيين `بول جوجان` و`بول سيزان` لكن سرعان ما استخلص شخصيته الفنية التى تجمع بين الدقة والمحاكاة والرمزية.. والتحرر من التفاصيل وتعقيدات التلوين. واتسمت لوحاته بالنظرة الاجتماعية المستقاة من البيئة المصرية واستقراء الأحداث .وصدق التعبير وعن مدركات الجماهير فهى ليست مبادرة فكرية بقدر ما هى ترديد لما يجرى فى الحياة العامة والبيئة.
- تخرج فى الفنون الجميلة سنة 1950 وتقلب فى وظيفة `مدرس رسم` حتى استقر بعد أربع سنوات فى مدرسة `القريبة ` الإعدادية حيث اتخذ مرسماً فى حجرة منعزلة ظل فى المدرسة والمرسم إلى أن طلب إحالته إلى التقاعد سنة 1978 فنقل مرسمه إلى سطح منزله الذى ابتناه فى المعادى. لم ينقطع عن الرسم والنحت والتلوين وبالرغم من زواجه سنة 1954، وإنجابه ثلاثة أبناء أكبرهم فى الولايات المتحدة.. والثانى موسيقى يعيش فى ألمانيا.. والثالثة فى الثانوية العامة .كما ينشغل إلى جوار الإبداع الفنى بالتجديف وركوب الخيل ومختلف الألعاب الرياضية يدفعه إلى الرسم والتلوين إحساس إنسانى عميق بالناس من حوله .لم تبعده عنه التزامات الحياة الأسرية وتعقيدات المجتمع المتخلف بل إن هذه التعقيدات ذاتها هى موضوعات إبداعه. شاهد حافلة ذات مرة وقد انحشر ركابها داخلها حشراً وتعلق بأبوابها حشد يكاد يسقط تحت عجلاتها، وراعه أن وجه أحدهم يلتصق بزجاج النافذة يكاد يحطمه من فرط الضغط عليه فكان أن صور لوحة بعنوان `علبة السردين` سنة 1972.
- تلك الروح الاجتماعية الانتقادية تذكرنا بالاتجاهات الألمانية التى تزعمها `ماكس بيكمان` قبيل الحرب العالمية الثانية لكن فناننا بعيد عن التناول الكاريكاتيرى والمبالغة فى التحوير على حساب القيمة الجمالية بالرغم من اتفاقه الكامل مع المدخل الإنسانى الاجتماعى والعلاقة العضوية بالبيئة من هنا يتضح جانب `الحداثة` فى أعمال `غالب خاطر` من حيث إنها تلبى احتياجات الثقافة الجديدة للمجتمع المصرى فهو فنان صاحب رأى يشارك فى توجيه الحياة ويحلم بغد أفضل وفى رائعته عن ` الإنسان والحضارة ` التى عكف عليها شهوراً فى مرسمه بمدرسة ` القربية ` عبر بأسلوب رمزى جمالى جذاب عن انتصار الإنسان على قوى الشر والطغيان وحتمية السلام، عدة مشاهد مترابطة متسلسلة من اليسار إلى اليمين، يحكيها جميعا على طول الأمتار الأحد عشر بناء محسوب وإيقاع متغاير ونظم لونية متوافقة. أما العناصر المرسومة والرموز والإشارات فتؤلف `دراما إنسانية ` تنضح بالحيوية والنضارة. وهى فى تصميمها الأفقى الممتد تعيد إلى الأذهان رسوم الجدران فى المعابد والمقابر الفرعونية، حيث يروى الرسامون قصص الحياة الدنيا والآخرة فى تتابع عرفنا منه تفاصيل الحياة اليومية لأجدادنا ومعتقداتهم الدينية . فتسلسل الأحداث وتعاقبها فى الملاحم التصويرية مدخل للتعبير الفنى فى تراثنا العتيق. يمكننا أن نشاهده فى صورته البدائية منذ ثلاثين ألف سنة على جدران كهوف الإنسان الصياد فى ` التاميرا ` بآسبانيا، حيث رسم ولون خطوات الهجوم على قطعان الخيول واصطيادها. تبدأ ملحمة ` الإنسان والحضارة ` بتصوير المخ البشرى - منقولا من كتب التشريح تشع منه موجات كهربية إلى التفكير والاختراعات والتكنولوجيا. ثم أول صاروخ يمتد أفقياً تظهر بداخله الكلبة `لايكا` ورائد فضاء يسبح فى العالى يحيمه لفظ الجلالة. وتشكيل آدمى يعزف على الآلة `الهارب` بينما آخر يغنى وتطوف حمامة السلام البيضاء، بعد أن عششت في صدره ووضعت بيضتين، تكوينات مركبة تجمع الواقعية بالسريالية وبالرمزية بالتكعيبية بكل أسلوب يساعد تجسيد الخيال وتحويل اللامرئى إلى مرئى.
- وقد استعرض فناننا مواهبة الإبداعية ومهارة أدائه وقدرته على تحقيق القيم الجمالية البحتة كتغاير الملامس وتنغيم الخطوط وتوليف الألوان فى نظم جد مبتكرة فالموضوع الحديث والمضون العصرى واللغة التشكيلية المناسبة للثقافة الإنسانية فى نهايات القرن فرضت هذا الأسلوب المعقد والبسيط فى نفس الوقت لكن إيمانه بالإنسانية حفظه من ` التجريد` واللاتشكيلية و` العبث` كما أبعده إحساسه الفنى وصدق تعبيره وعدم حرصه على تسويق أعماله عن الأرتباط بالـ ـ`موضات` و` البدع ` الأوربية والأمريكية.
- كلما تأمل المتلقى هذه الملحمة التشكيلية إكتشف عوالم وقرأ أفكاراً وطار على أجنحة الخيال إلى سطح القمر وقرص الشمس ينشر الحياة فى أرجاء الأرض التى يسعى على أديمها البشر من كل لون.. سعداء، تعساء وانتهازيين يسيرون على الحبال وشرفاء أقوياء أشرار كالغربان وأخيار ينشرون الحب والسلام بين الناس.
- يؤكد علماء النفس أننا جميعاً فنانون من حيث أننا بشر لكننا نختلف فى الدرجة ويبدو أن `غالب خاطر` كان على درجة عالية منذ نعومة أظفاره فحين كان تعليم الرسم فى الثلاثينيات يعتمد على تصوير الأوانى والمكعبات فى مستويات مختلفة كان يتقن ` المنظور الهندسى` وهو مازال فى الأقصر الابتدائية.. فتركه أستاذه على سجيته يصور المناظر الطبيعية من نافذة الفصل ويبقى بعد انصراف الرفاق ليكمل الرسم والتلوين وكان يهوى الألعاب السويدية وينتظم فى فريق الكشافة حيث يخاطب زملاءه بالإشارة على بعد لا يسمح بوصول الأصوات ربما كان هذا ` الحديث الصامت` هو الذى نلتقى به الآن فى لوحاته، التى يتضمن كل منها رأيا وقضية بالإضافة إلى الجمال والقيم الفنية كلوحة `الحرب والسلام` وهى رأسية مساحتها 140 × 190سم بالزيت على القماش تعلوها أيد تشير إلى بعضها البعض كأنما تتبادل الأتهام، أو كأنها مسدسات توشك أن تطلق النار ثم حشد من آثار الأقدام بالبنى والأبيض ومجموعة من الجماجم تصنع علامة استفهام كبيرة رسمها بتوزيع رائع لشكل الجمجمة. تبدأ منظورة من المواجهة ثم تدور حول نفسها متتابعة فى إيقاع حزين، حتى تصل إلى الشكل الجانبى فتتم علامة الاستفهام التى تعنى هنا الاستنكار والرفض.
- وتتحقق فنية الشكل وإنسانية المضمون وتصبح أعمال فناننا فريدة فى معارضنا التشكيلية التى يقع معظمها في إطار `الفن غير الاجتماعي` أو ` الفن اللاموضوعي` الذى بدأه الرسام ` فاسيلى كاندينسكى` سنة 1921، حين أقام معرضه الأول كنموذج لهذا الاتجاه وهو رسام روسى الأصل هاجر إلى ألمانيا فى ذلك التاريخ ثم استقر فى فرنسا حتى توفى سنة 1944.
- مع المدخل الموضوعى والإحساس الاجتماعى تتسم بعض الأعمال بالحداثة المفرطة ويغلب عليها ما يعرف بـ` الفن الإدراكى` أو ` كونسبتوال آرت` وهو ضمن مصنفات الـــ` آرت بوفيرا ` أو ` الفن الفقير` الذى بدأ فى منتصف الستينيات وانتشر فى السبعينيات فى أوربا وأمريكا ثم انحسر فى العقد الثامن وإن كان المتخلفون من فنانى العالم الثالث مازالوا يخوضون تجاربه طور `غالب خاطر` معطيات هذا الاتجاه سنة 1975 في لوحة مثيرة بعنوان `الجمعية التعاونية` زواج فيها بين التجريد والتشخيص واستفاد من فضائل كل منهما فى تجسيد الخيال وبلورة المضمون فالأيدى المرسومة بدقة متناهية فى قاعدة اللوحة. تعبر بحركات الأصابع عن تزاحمها وتهافتها فى محاولة غير مجدية للوصول إلى الخطاطيف الخالية من الذبائح فى أعلى الصورة وبين الأيدى والخطاطيف تنويعات تجريدية جميلة من أشكال أوراق الصحف المهملة (المكرمشة) تظهر من ثناياها كلمات متفرقة بالخط الطباعى تقول الرغيف إلى أين؟ كلمة صريحة بلاغ للنيابة لماذا أنتم صامتون؟ .. السماسرة .. الإسكان. الصحة .. إلخ.
- والكتابة داخل التشكيل التصويرى هنا تحقق هدفين. أحدهما الإمتاع الجمالى وثانيهما المعنى المقروء.. فمع أنه أكاديمى المنهج يتوخى إتقان الرسم إلا أنه يستلهم الكثير من المدارس الفنية الحديثة ويضيف إليها. وينفرد بين رسامينا بالمضامين الاجتماعية والتوصيل الجيد.
بقلم : مختار العطار
من كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر والعالم العربى
غالب خاطر وفن الاحتجاج
- فنان ` غالب خاطر ` هو أحد الفنانين القلائل فى مصر، الذين تشغلهم هموم الواقع السياسى والاجتماعى المصرى ، على الرغم من عدم انتمائه إلى أى حزب سياسى، أو تجمع، أو جماعة من أى نوع ، بل يعيش فى عزلة، وكثيراً ما يلوذ بالصمت، فتظل فترة - تطول أحياناً - لا نسمع عنه شيئاً، ثم يفاجئنا بعدها بمعرض ، فيصبح ملء الأسماع والعيون .
- ويكون معرضه حديث الفنانين، والنقاد ، وجمهور المعارض ، بل حديث أناس لا تربطهم بالفن صلة ، فمعارضه أشبه بالملح فوق الجروح ، تمسك بتلابيب الأوجاع الاجتماعية ، وتشكل مجمل مراحله ` ترمومتر ` ينبض ` أولاً ` : بهموم المرحلة، و` ثانياً` : ببحث فى مجال لغة الشكل ، وحرص على امتلاك أدواتها ، و` ثالثا `: بالدأب فى نسج علاقة دائمة التطور، بالموروث الفرعونى، والشعبى، مؤداه بروح تتسم بالحرية ، والجرأة ، والمواجهة .
- والمدهش أن فورة الشباب لم تنطفئ عنه ، رغم بلوغه الرابعة والستين 1987، فما تزال نبرة الاحتجاج ، والتحدى عالية ، بل زادت عن ذى قبل ، كما واصل ما عرف عنه من تعفف، وانصراف عن ذوى السلطان ، كان من نتائجه عدم إدراج اسمه ضمن المرشحين بإنتاجه ، أو بشخصه ، لتمثيل مصر فى المعارض الدولية ، أو إشتراكه فى اللجان الفنية المختلفة ، وما أتيح له من فرص السفر، والاحتكاك ، بالعديد من فنانى العالم ، جاء بصورة شخصية ، ومن أبرز الدعوات التى وجهت إليه دعوة من متحف ` كنز ` الذى نظم معرضاً لآثار ` توت عنخ آمون` وكانت إدارة المتحف تريد أن تقدم للشعب الألمانى فناناً مصريا معاصراً يكون مقدمة للمعرض الأثرى ، فوقع الاختيار على غالب خاطر واستمر معرضه بالمتحف ثلاثة أشهر ، وقوبل بحفاوة إعلامية كبيرة.
- المعرض الأول
- منذ معرضه الفردى الأول الذى أقامه عام 1956 بجمعية خريجى الفنون الجميلة ، يتضح توجه الفنان إلى أسلوب تعبيرى ` انتقادى ` ، يلمس به مفارقات اجتماعية. من هنا، امتلأت لوحات ذلك المعرض برواد ` المقاهى الشعبية` ، ومثل ` التعبريين` اعتنى بالتقاط التعبيرات المختلفة ، والمتباينة ، فى الوجوه ، والأيدى، أو اصطنعها بالشكل الذى يعبر عن رؤيته.
- فى إحدى اللوحات - مثلاً - نشاهد لاعبى الورق محاطين بمشاهدين . هذا هو الظاهر،غير أننا نتأمل وجوه اللاعبين والمشاهدين نكتشف أن هذا اللقاء ليس إلا صدفة دبرها الفنان لكى يطلعنا على درجة من درجات ` الوحشة ` يعانى منها كل الحاضرين، والغائبين فى ذات الوقت ، أو اللائذين بجلودهم ، تاركين على أسطح الوجوه ما يوحى بالحزن الدفين، أو القنوط .
- أما على مستوى الأداء .. نراه متخففاً ، نوعاً ما ، من القواعد الأكاديمية، فيما يخص ` التجسيم بالنور والظل ` واللون، والالتزام بالملامح الواقعية للأشخاص، متجها إلى تحريف تعبيرى - تبلور فيما بعد ، كما تجلت بدايات ميله إلى الخطوط الهندسية المستقيمة ، حيث تظهر فى الخط الخارجى للرءوس ، أو بعض أجزاء الجسم ، وظهور خطوط سوداء حادة فى منطقة تماس الغامق بالفاتح ، أو فى موضوع الخط الخارجى للشكل ، فيخلق بذلك توتراً ، ونشاطاً ، يقاوم به رخاوة الاستسلام للأسى، والمرارة.
- المعرض الثانى
- وترتفع الشحنة التعبيرية للفنان فى معرضه الثانى عام 1958 بأتيليه القاهرة فنراه يخطو خطوات فى التحرر من الأصول الأكاديمية ، والانطلاق فى تحريفات الشخوص، وصعود الاحتفال بالخطوط الهندسية المستقيمة ، وتأكيد المواجهات الحادة بين النور والظل .
- دار الموضوع الرئيسى لمعرضه الثانى حول حياة الناس فى المقاهى الشعبية، أو فى ساحة مسجد الحسين ، وكالعادة ، كانت عينة الناقدة تمسك بمفارقات لاذعة، أحيانا، وتقديم إيحاءات عن ` الوحشة ` ، و`الاغتراب ` أحيانا أخرى .
- مقاهيه فى هذا المعرض تخلو - غالباً - إلا من المقاعد ، والمناضد ، يشكل منها جواً مسرحياً ، رمزياً ، فيستعير لها ملامح الإنسان ، فتصير المقاعد المصطفة شخوصاً تتهامس ، ويخترق الظل الكثيف نصلُ من الضوء الصريح، يمتد بدرجات أقل عبر المناضد البشرية ، قد نلمح شخوصاً ، مبهمة ، فى جوف الظلال الثقيلة، أو شبحاً لموسيقى يدندن بعودة إلى جوار الحائط ، يسير مُنكراً ، والفنان يرجح كفة ` الأشياء` على الإنسان ، فيخلى مساحة مرموقة لـ `جوزة ` أو ` مقعد ` أو ` منضدة ` ، فى هذا المعرض يقدم لنا تحريفات فى` المنظور الهندسى` ، مستخرجاً منه منظوراً تعبيرياً ، رمزياً على غرار السرياليين الأوروبيين .
- الأيدى وهى العنصر الذى سيحتل موقعا بطوليا فى وسائطه التعبيرية كما سوف نرى ، فيما بعد - فقد استولد منها إيحاءات متنوعة الحدة ، فاليد إذا أمسكت بشئ اعتصرته ، أو شدت القبض عليه ، وإذا تدلت فقدت كا ما يمت بصلة ` للفعل `، وتجسدت صورة لليأس..
غير أنه يتوقف أحياناً ـ ربما لالتقاط الأنفاس ، أو الترويح عن النفس ، استعدادًا لعمل درامى جديد ، فيتوقف عند تأمل جماليات ` طبيعة صامتة ` يستعير أبجدياتها من البيئة الشعبية كالربابة ، والقلة ، والزخارف الفطرية ، ويحتفظ بخصائص أسلوبه الفنى ، وإن أظهر ميلاً إلى الأخذ بأقرب الأساليب لميله الهندسى ، أعنى ` التكعيبية ` غير أنه لم يطبق قوانينها تطبيقاً حرفياً ، بل اكتفى منها ببعض الملامح .. تظهر فى بعض العناصر، وتختفى فى البعض الأخر .
-ولقد ثبت أن وقفاته التأملية ، واهتمامه بالزخارف الشعبية تركت آثارها ، وانتعش هذا الميل فترة .. كان من نتائجه إقامة معرض ، غير أن فناننا القلق يتمرد على نفسه من جديد ، وتعود نبرة احتجاجه عالية ، كما سنرى فى معرضه الأخير .
- المرحلة الليبية من 1959حتى 1962
- أمضى بليبيا أعواماً ثلاثة ، تقريباً، أقام خلالها ثلاثة معارض ، حفلت` بالمناظر الخلوية`، و`ملامح من حياة الناس` ، غير أن إيحاءات ` الاغتراب` و`الوحشة` كانت أرجح مع مفارقاته الانتقادية ، وأيا كان أيهما الأرجح فقد ذهب إلى البيئة الجديدة محملاً بمخزون وجدانى ، وجمالى صاحبه فى بيئته الجديدة.
- فنرى فى لوحاته ` بليبيا ` نفس الحوار الحاد بين الظل الكثيف، والضوء الباهر ونفس التغليب ` للأشياء` على `الإنسان ` فشخوصه فى ` ليبيا ` ما تزال شبحية مدبرة عنا ، والأماكن ما تزال مهجورة ، موحشة . إن حسه النقدى ينتعش أحياناً فينتج لنا لوحة - لنفترض أن اسمها ` سيدات من ليبيا ` - فاللوحة تمثل سيدات محجبات بملابس بيضاء أشبه بالأكفان ، يقفن فى صف، أمام سور حديدى ذى رءوس مدببة ، وخلفهن بحر ممتد بغير حدود .
- سلط عليهن الفنان إضاءة كشافية ، قوية ، فظهرن أشبه بمومياوات أثرية ، ويبدو أنه لم يرد لنا الإحباط هذه المرة ، فقدم ` الأمل ` ممثلاً فى طفلة تقف من الناحية الأخرى من السور، تاركة خلفها تراثاً من التخلف.
- معرض 1964
- بعد عودته من ليبيا أقام معرضه السادس بقاعة أتيليه القاهرة للفنانين والكتاب عام 1964 ، وعكس هذا المعرض صعوداً فى التلخيص الهندسى الواقف على مشارف التجريد ، متناولاً به موضوعات تنتمى إلى الشرائح الاجتماعية الفقيرة ، كالكناسين ، الذين احتلوا محور معرضه ، بالإضافة إلى موضوعات أخرى أبرزها ` الحمامة ` حيث يقدم تنويعات عليها .
- يتخلص، فى هذا المعرض ، من إيحاءات المنظور الثابت ، وينقل التضاد فى النور والظل، إلى الخطوط الخارجية المستقيمة ، والمتكسرة ، وتختفى الخطوط المنحنية نهائياً ، فتتلاشى نوايا التلطف، والمداعبة . لكن ... أى مداعبة وملاطفة مع موضوعات مشحونة بالمعاناة ، والألم ، فى عالم متخم بالفجعية؟!
- من هنا كان المثلث بتداخلاته المقلقة أساساً إيقاعيًّا للوحاته ، وفى عالم كهذا لابد أن يحدث تحولات على رمز السلام الجميل: ` الحمامة ` فتظهر فى لوحاته بعديد من الأرجل ، والأظافر ، تقاتل خطراً تستشعره ولا نراه .
- وعلى الرغم من تخلصه ، بشكل عام ، من ` البعد الثالث` أعطى بعض أعماله حساً نحتياً ، عن طريق التضاد بين ` الشكل الرئيسى` والعناصر الأخرى المساعدة ، وكان من الطبيعى أن يتجه إلى النحت ، ثم إلى التصوير المنحوت كما سوف نرى.
- معرض 1966
- فى معرضه السابع الذى أقامه عام 1966 بقاعة إخناتون ` القديمة ` ، قدم تجربة ربما كانت الأولى من نوعها فى مصر ، فقد قدم فى معرضه هذا ` لوحة واحدة ` طولها أحد عشر متراً ، وارتفاعها متر وأربعون سنتيمتر ، وكان من المستحيل عرضها كاملة بسبب ضيق مساحات حوائط القاعة ، فقسمها إلى لوحتين .
- أطلق على لوحته البانورامية عنوان :` العلوم الحديثة والإنسان ` ، يمثل النصف الأول من اللوحة ` مخاً بشرياً ` تنبعث منه إبداعات فى الفن والعلم ، أما القسم الثانى فيمثل ` شمساً ` تولد منها عناصر الحياة المتنوعة ، والمتغيرة ، والمتقلبة، فى تراوح بين السعادة والشقاء .
- والواقع أن الفنان كان كريماً ، ربما أكثر مما ينبغى ، فامتلأت لوحته بالتفصيلات الهندسية ، والاستعارات من الموتيفات الشعبية ، والفرعونية ، استزادها بالكلمات والحروف ، فإذا أضفنا أن ` اللون ` المسيّطر على مجمل اللوحة هو درجات الألوان الساخنة ، عندئذ يمكن تصور أى طبق شرقى قدمه لنا الفنان !.
- النحت
- من المصريين القلائل الذين مارسوا النحت ، واختار خامة صعبة ... خامة الحديد الخردة ، وشهدت السبعينيات اشتعال، وانطفاء نشاطه النحتى، ولقد أُعفى ` غالب خاطر` مما تعرض له الفنان ` صلاح عبد الكريم ` فى أواخر الخمسينيات من جدال عنيف بلغ - أحيانًا - حد استنكار أعماله إلى فن النحت أصلاً ...
- فقد كان يؤلف من نفايات الحديد تكوينات نحتية تشهد له لدى المتلقى النزيه ، بخصوبة الخيال ، وعمق الرؤية ، وبراعة التأليف ، غير أن معظم الفنانين، والنقاد قد توقفوا عند الوحدات المتناثرة ، التى شكل بها تمثاله متسائلين ، مندهشين مستنكرين .
- وقد دخل الفنان` غالب خاطر` ساحة النحت الحديدى، بعد أن اعترف به ونال رائده الأول فى مصر` صلاح عبد الكريم` عديداً من الجوائز الدولية، ونشر نبذة عنه فى قاموس` لاروس` الشهيرة ورغم ذلك لم يسلم ` غالبا خاطر` من بعض المشاكسات النقدية ، فمجسماته فضلاً عن كونها مكونة من الحديد الخردة .. تتحرك!
- وقد أثارت تلك الحركة عديداً من الاعتراضات ، سيقت من عدد من التراثيين الجدد منها أن تلك الأعمال المتحركة تنتمى إلى الأسلوب الفنى الأوروبى المسمى بـ ` الكينتيك آرت ` أو الفن الحركى . أكثر من انتمائه لموروث النحت المصرى ذى الطابع ` السكونى`.
- وقد رأى البعض الأخر انصراف الفنان عمّا عوّدنا من اهتمام بالقضايا العامة : سياسية ، واجتماعية ، واستغراقه فى جماليات شكلية تعتمد اللهو أساساً للإبداع ، وأوعز هذا الانصراف إلى مرحلة السبعينيات القاتمة ، وحرص الفنان على السلامة ، وفى ظنى أن ` غالب خاطر` يحرص فى كل معرض على أن يقدم شيئا يختلف به ، فى كثير أو قليل ، فى السائد عن الإنتاج الفنى ، أو يقدم إضافة ما ، لهذا السائد ، المقيم ، وكان السائد هو ` السكون `!
- إن هناك فروقاً واضحة بين منحوتات ` صلاح عبد الكريم ` ومنحوتات ` غالب خاطر` ، فـ ` صلاح ` يؤلف من الشتات العفوى كياناً عضوياً متماسكاً ، بينما يتجه ` غالب ` إلى التبسيط ، والقصدية فى ` إختيار ` وحداته ، وهى وحدات هندسية صريحة : دوائر - شرائح حديدية مثلثة شبيهة بالوحدة الشعبية - اليايات ... وفى معظم أعماله يستخدم ` الموتور` .
- وفى واحدة من منحوتاته استخدم ` الياى ` لإعطاء الحديد الصلب مرونة مطاطية ، كما فى منحوته ` العنزة ` رشيقة القوام ، يحتل ` الياى ` منها مكان الرقبة ، والجسم والضرع ، بينما ترتبط أرجلها بالقاعدة عن طريق مفصلات ، فلا تكاد تدفع `المنحوتة ` حتى ترد عليك بترقيص أجزائها !! .. لقد خطر لى الآن أن ` أتمنى ` وضع تلك المنحوتة فى حديقة للأطفال ، غير أننى أدركت على الفور أنه يتعين علىّ أولاً أن ` أتمنى ` وجود حديقة للأطفال !
- يميل الفنان ` خاطر ` إلى التجريب ، فلا يكتفى بالحديد ، بل يضيف إليه خامات تتناقض تناقضا كليا معه ، كما فى منحوته ` الطاووس ` حيث تلطَّف الألوان الشفافة ، وأقواس جسم الطائر من حدة الذيل الدائرى ، تدور حول بؤرته ثلاثة دوائر متداخلة ، محاطة بأنياب مثلثة ، حادة .
- كما نشاهد استخداماً آخر لخامة النحاس مع الحديد ، كما فى منحوته عن ` الكواكب` غير أن الحنين يعاوده إلى تعبيريتة الرمزية كما فى منحوتته ` الكلب`، النحيل الخائف من مجهول ما ، وعلى الرغم من اختفاء الحركة الميكانيكية ، فإن التمثال يظهر فى هيئة الكائن المتحرك.
- ويظهر نفس الاتجاه فى منحوتته ` المسيح يصعد إلى السماء ` ، ففى حين التزم ` صلاح عبد الكريم ` بالنسب الواقعية لجسم الإنسان فى منحوته عن ` صلب المسيح ` .
- اكتفى ` غالب ` بالإشارات الموحية ، والتلخيص الذكى ، فصنع صليبا عملاقاً أشبه بشكل ، الصليب اللاتينى ، فى قمته إشارة القداسة ، وتتصاعد على عمود الصليب شرائح مثلثة ، متصلة ، تضيق كلما ارتفعت ، إلى أن تتلاشى ، موحية بالذوبان فى المطلق، وعمود الصليب نفسه يتسع عند اقترابه من قاعدة التمثال، ويضيق كلما ارتفع عنها ، للإيحاء بوجود منظور خطى، وهذه الحيلة الفنية توحى بامتداد العمود امتداداً يتجاوز به شكله المرئى ، إلى نقطة وهمية للتلاشى ، وتحلق تلك الشرائح الملتفة حول العمود لتنغمس بدورها فى المطلق.
- المعرض الثامن 1980
- بقاعة الفنون الجميلة تبلورت خبرة السنين فى هذا المعرض ، وتوحدت نظرته الانتقادية مع ارتفاع فى مستوى الأداء ، وتصويب لهنات فنية سابقة ، فلقد عاد فى هذا المعرض تلميذاً نابهاً لبعض ملامح الأكاديمية ، ومبتكرا فى نفس الوقت لصياغات جديدة ، مع احتفاظه باستمرارية فى بعض خصائص أسلوبه الفنى ، وطابعه الخاص، أبرزها الحرص على المذاق الطريف، والتباين الشديد فى العناصر ، والعناية بالوصول إلى الأهداف التعبيرية بأقصر الطرق المتاحة ، وتبدت المقابلات على نحوين :
- النحو الأول :
- يتمثل فى مساحة بيضاء ، صريحة البياض ، تؤطر عناصر لوحاته ، وتحشدها فى حيز محدد ، وقد تقوم تلك المساحة البيضاء باختراق عناصر اللوحة لوضعها فى مقابلة حوارية .
- النحو الثانى :
فيتمثل فى مقابلات رمزية بين شكل الحيوان - وبالذات ` الحمار ` و`شكل الإنسان` مع ترجيح ساخر لكفة الحيوان .
- ولم يقدم لنا الحيوان ، والإنسان كاملين ، بل اكتفى من الحيوان بالرأس ، ومن الإنسان بالرأس أيضا والأطراف ، وسائط للتعبير ، ووصل فى إجادته فى الدراسة درجة لافتة للنظر ، تجاوز بها محاولاته الأكاديمية الأولى ، وصوب بها - كما قلت من قبل - الهنات التى سقط فيها بحكم درجة الخبرة . والجديد فى هذا المعرض، بل فى المعارض المصرية للفنان .
- أولاً التخلص بشكل حاسم من الألوان الصريحة التى كان يتعلق بها من قبل ، والاكتفاء بتقشف خامة أقلام الفحم على ` توال ` مُصنع بطريقة خاصة تترك على السطح لوناً نحاسياً ، فهو لا يريد لعيوننا ، وحواسنا التشتت فى استعراضات لونية هامشية ، بل الاحتشاد من أجل أهدافه التعبيرية والجمالية .
- كانت مثيرات المعرض مشكلات ، وخلل فى سطح الحياة الاجتماعية، والخدمية ، وأحياناً يغوص أكثر إلى عمق من أعماق الخلل، يستخلص منه` حكمة ما` ويقدم لنا خلاصة تجواله التأملى فى السطح، والعمق. فى لوحات يلمع فيها نصل` النقد` ، ويرتفع فيها نبض الرمز، وصوت الاحتجاج.
- الوجه ، والأيدى ، والأرض
- إن كل الوجوه التى رسمها حزينة ... متجهمة ... باستثناء وجه .. ` أنور السادات ` الذى يبتسم سعيداً !، وتفصح ملامح تلك الوجوه عن انتمائها الطبقى إلى الشرائح الفقيرة ، والمعدمة فى الواقع المصرى .
- كما تظهر بعض الوجوه متجاوزة تعبير السرور ..والحزن .. إلى منطقة الذهول وهى مضغوطة فى زجاج نوافذ المواصلات العامة ، وتشارك وجوه الحيوانات وجوه البشر فى الجهامة .. وإن اختلفت عنهم طبقياًّ ! ، فيظهر عليها ` الترفع ` خاصة وجوه` الجمال ` ولتأكيد ذلك فالفنان يحرص على وضعها فى الموضع اللائق بها .. أعلى اللوحة ، يمنحها قدراً مناسباً من الحرية ، فى الوقت الذى يثبت فيه أقدام البشر فى الأرض بمسامير!
- أما ` الأيدى ` - أحد أبطاله الرئيسيين - فيستنطقها ممكنات تعبيرية يريد لها السيادة فى اللوحة ، ووصول التعبير بها من التنوع لدرجة لافتة للنظر ، ففى اللوحة التى رسمها ` للسادات ` ظهرت الأيدى ، والأصابع ، محاصرة إياه بالتساؤل ، والرفض ، والتأييد ... ويبلغ صبره وبراعته مداه فى لوحة بعنوان` وعود فارغة ` .. رسم فى اللوحة أربعين يداً ، نصفها يتماثل تماثلا قالبياً ، والنصف الآخر يتنوع تنوعا مثيراً ..
- أما ` الأقدام ` - البطل الثالث - فقد قامت بدورها فى تأكيد خلل العالم الذى يتصدى له الفنان ، ويضعنا أما انقلابات مفجعة تسير على الأرض توضع موضع الرأس ، بينما تظهره وجوه ` الجمال ` فى القمة ، مترفعة ، متأملة ، مستشرقة المستقبل ! أما إذا وضع ` الأقدام ` فى موضعها الطبيعى فإنه لا يتركها دون أن يثبتها تثبيتاً فى مكانها ! .. ويستخدم ` خاطر ` رموزا أخرى جانبية كرمز `البالونة ` دلالة على فراغ الوعد ، والفعل ، أو مفتاح علب السردين ، لأحداث مفارقة لاذعة...
- ولأن الفنان يريد أن تصل رسالته إلى جمهور عريض ، فإنه يلجأ إلى ما يمكن أن يوحى بالتوضيحية ، كما فى لوحة ` المعادلة ` حيث يربط شكل الحمير ، وشكل الإنسان فى معادلة رياضية تمتلئ بعلامات الحساب المعروفة ، وعند علامة النتيجة يكون موضع الإنسان مغلول الرأس دلالة على التخلف العقلى ، أو يضع ` بالونة ` تشير إليها أياد ممتدة ، مجهدة ، من طول الانتظار ، وهكذا ...
- فقد أخذ ` غالب ` من الأسلوب الأكاديمى الالتزام بتسجيل الموضوع المراد رسمه ، ورفض منه عنصر ` المنظور الثابت ` الذى يفرض وحدة فى المكان ، غير أنه أوجد وحدة عضوية بديلة ، عن طريق الدرجات الضوئية المتقاربة ، والتى وحدها لون ` التوال النحاسى ` وظلال أقلام الفحم ، ثم تلك المساحات البيضاء وهى تقوم بتأطير العناصر المرسومة ، التى بدت هيئة نحتية ، أشبه بالنحت البارزة على الميداليات ...
- بهذه الطريقة يقنعنا الفنان عند درجات متوازنة ، لا تغوص بنا إلى أعماق وهمية ، ولا تقتحمنا ، وكأنه يريد لنا ألا ننسى حقيقة أننا أمام ` لوحات فنية ` ... لا واقع ، يدخل اللون أحيانا متسللاً ، شفافًا متخلصًا من كثافته القديمة حتى لا يصدم ذلك الخليط المتجانس من الفحم والنحاس ، بل يكون فى خدمته .
- وعلى الرغم من اعتراض عديد من الفنانين على الطريقة التى يتعامل بها ` خاطر ` مع الألوان الزيتية ، حيث يقربها من شفافية الألوان المائية ، أرى أنه وفق توفيقاً جيداً فى تركيز عناصره المرسومة ، والملونة من أجل الوصول إلى أغراض تعبيرية اختارها .
- ولو تأملت لوحات أثنين من رواد الفن الحديث ، أعنى ` سيزان ` و` فان جوخ ` فسنرى أن ألوان ` سيزان ` الزيتية قريبة من الألوان المائية فى شفافيتها على النقيض من ` فان جوخ ` الذى يتخم لوحاته الزيتية بالعجائن الكثيفة ، ويمكن أن نرى نفس التباين لا بين فنان وآخر، بل عند الفنان الواحد فى مراحل مختلفة فضلاً عن الاختلاف بين عصر وآخر .
- ولنتأمل الآن عدداً من لوحات معرضه .
- لوحة المعادلة مقاسها 2.37 متر × 1.37 متر
- عند النظر إلى اللوحة ، من وجهة نظر تجريدية ، نراها أشبه بخريطة جديدة للعالم ! يحتل كل رقعة منها مجموعة من ` الحمير ` وفى الطرف الأيسر من اللوحة توجد شريحة صغيرة نسبيًّا ` للإنسان!!`.
يمتلئ مسطح المساحة المرسومة بإشارات الحساب المعروفة ، بالإضافة إلى تكرار رقم (2) ، (3) . إن الدور الرمزى والتوضيحى لتلك الرموز لا يجعلها عبئاً على اللوحة ، بل على العكس وظفت للقيام بدور تشكيلى هام ، فقد أسهمت فى خلق توازن بين العناصر المختلفة ، فاستقامتها الهندسية أو استدارتها خففت من ليونة المنحنيات الكثيرة للإطار الخارجى ، كما قامت بتصنيف القوى العليا والسفلى ` للحمير` ! .
- وهكذا نرى أنه يضع العناصر الواقعية بناءً على نسق تجريدى - على سبيل المثال- يراكم عدداً من رءوس الحيوانات بالشكل الذى يسمح باستمرارية منحنى ، ينتقل به إلى مركز جديد من مراكز القوى داخل اللوحة.
- إن وضوح العناصر، وبخاصة الخط الخارجى المتصل Con- Tour ... ألا يذكرنا ببعض ملامح الفن الفرعونى ؟
- ` كورال ` مقاسها 2.10 متر × 1.28 مترا .
- يبلغ فى هذين العملين درجة عالية فى الصياغة التشكيلية ، فيستخدم عناصر: رأس الحمار، والأيدى البشرية بنفس اليسر الذى نراه عند فنان آخر يطلى وحدات هندسية محفوظة ، وهو كما قلت من قبل يشغله البناء التجريدى ، يستقبل به عناصره المشخصة ، بحيث ننسى للحظات أننا أمام رءوس ، أو أطراف مرسومة بعناية ، وننشغل بدورنا فى الإيقاعات البصرية .
- ففى لوحة كورال تصطف رءوس` الحمير` فى صف مائل يقسم مساحة اللوحة إلى مثلثين متطابقين، ويصبح` التوتر` بؤرة مضيئة ، فاصلة، وواصلة بين الرءوس المقتحمة، الناعقة ، وبين الأيدى المتشنجة بالتصفيق، وآذن المستمعين التى تضخمت ... ربما طرباً بصوت الحمير!.
- ` وعود كاذبة` مقاسها 1.37 متر× 1.36 متر .
- أراد بها أن يفضح ما تردده وسائل الإعلام ، وخاصة الصحافة ، من وعود لا تنفذ ، فخصص أكبر مساحة فى اللوحة يستعرض بها بيانات ، وعناوين مكتوبة على ` كرمشات ` الورق ، الذى صار أشبه بتضاريس جغرافية تُرى أعلى ` منظور عين الطائر ` وفى المقدمة وبمنظور مختلف ، تظهر عشرات الأيدى ، قسمها قسمين : قسم متماثل تماثلاً قالبياًّ ... تمتد فى نفس الاتجاه بصورة ميكانيكية ، أما القسم الآخر فعلى النقيض من ذلك ، تظهر الأيدى فى تنوع كبير فى التعبير عن الاحتجاج ، والحركة .
- ويشكل الفنان من الأيدى الميكانيكية والأيدى البشرية حواراً رمزياًّ واضحاً ، ويتوجه فى القمة صف من مشابك الجزار الحديدية الخالية إلا من قطعة عظم !
- أخبرنى الفنان ` غالب خاطر ` أنه يستعد لتقديم مفاجأة جديدة لم يطلعنى عليها ... إذن لننتظر !
بقلم : محمود بقشيش
مجلة القاهرة : يوليو 1987
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث