`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
رشدى اسكندر جرجس

- رشدى اسكندر لديه احساس قوى بما يمر بالمجتمع المصرى والعربى من احداث تهتز مشاعره فى تلك المناسبات كأنها رجع الصدى ، فتترك بصماتها على لوحاته فى تكوينات داراماتيكية مثيرة . صور قبيل ثورة يوليو ، غارات الفدائيين على جنود الاحتلال واشتباكهم معهم فى معارك دموية عبر عنها بتشيلات مفعمة بالحركة والحيوية ، مع تبسيط الالوان وتأكيد الانفعال وواقعية بعيدة عن المبالغة ، لكنها بليغة قوية التأثير ، ركز مضمونه على تنظيم الالوان ، وتعامل الخطوط المحددة للعناصر فى موجات متلاحقة وايقاعات سريعة . مع التعميم والبعد عن التفاصيل واتقان الجو الدرامى الذى قضى فيه صدر شبابه . اذ كان اثناء الحرب العالمية الثانية يتقلب بين المسارح رساما ومؤلفا وممثلا هاويا أحيانا فى فرقة رمسيس قبل أن يكمل السادسة عشرة من عمره وفى عام 1935 وهو مازال طالبا فى مدرسة الاقباط الكبرى الثانوية ـ أنشأ ` جمعية نهضة المسرح للتمثيل والموسيقى ` وقدمت له مسرحيتا : ` العبرة ` و ` العفاف ` .
- ولعل نتبين قدرته على مسرحة تكويناته فى رائعته التى رسمها سنة 1971 ، ويوم احتراق قلبه مع احتراق دار الاوبرا المصرية ، التى عاش بين كواليسها عشرين عاما ، عاشقاً فنونها من أوبرات وباليه ومسرحيات وموسيقى ، مسجلا معظم ما قدم على خشبتها ، بخطوط سريعة وألوان مثيرة تذكرنا بعظماء الملونين من رسامى البالية : سيف وانلى والفرنسى ادجارديجا . ولعل أحدا غيره لم يسجل ويؤرخ تلك الواقعة المروعة التى دمرت قطعة غالية من تراثنا ، صورها تستحم بلون النيران والدماء والجريمة .. والحب المسفوح . عبر عن هذا الحدث الجلل بلوحة صرحية التكوين . تعكس جوار رومانتيكيا دراماتيكيا يحمل معانى اللوعة والضياع إنها المرثية وملحمة التأبين التى لم يهتز بمثلها رسام اخر فى مصر أو العالم العربى .
- المعارض التى أقامها ` رشدى اسكندر ` فى العقدين الواقعين بين 1942 ، 1962 كانت جميعا بعنوان ` ليالى القاهرة ` . آخرها كان فى قاعة متحف الفن الحديث وتحت ايدينا كتالوج هذا المعرض الذى ضم 266 لوحة زيتية . تعتبر البوما لما قدمته الاوبرا خلال تلك الفترة . بينها اكثر من 50 تكوينا لاستعراضات ` فرقة رضا ` تتصدرها ` رنة الخلخال ` و` الخمس فدادين ` و ` فانوس رمضان ` و ` عرائس المولد ` و ` الفيضان ` رسمها بخطوط سريعة بسيطة والوان ليلية تنضح بسحر الشرق الذى اتقنت تلك الفرقة تصويره ، بحركاتها الرشيقة واوضاعها الشامخة وقفزاتها الطائرة . استطاع ` رشدى ` أن يترجم المضامين والمعانى بلمسات فورية يخيل لنا أنه لا يعنيها الامر الذى اضفى على التكوينات والموضوعات حيوية فياضة وديناميكية غريبة وقوة تأثير تشع بهجة ونشوة كما رسم ما يقرب من اربعين عملا عن ` فرقة باليه التليفزيون ` . رقصات شعبية روسية وصينية وأسبانية ويونانية ولبنانية وايطالية ونمساوية بالاضافة الى رقصات : الاباريق .. والصحراء .. والريف المصرى .
- استطاع أن يحول ايقاع السيقان والايدى وحركات الاجساد الى ايقاعات خطية ولونية وتشكيلات مرئية . رسم الشخصيات بخطوط شحيحة تثير نفس الملتقى خيالات وافكار وانفعالات عارمة ، حتى ليكاد يسمع الموسيقى ودقات الارجل وتصفيق الكفوف والصناجات . وعن فرقة ` نيللى مظلوم ` صور : السوق .. وناعسة .. والشموع واكثر من خمسة وثلاثين تكوينا غاية فى الرقة والجمال .
بقلم : مختار العطار
من كتابه ` ليالى القاهرة بالألوان `
ليالي القاهرة بالألوان رشدى اسكندر 1918-1989
- هو واحد من العصبة القديمة - أن صح التعبير - التى شقت صخور المجتمع المصرى لتفتح طريقاً نحو تذوق الفنون الجميلة، واحد من طليعة من أمسكوا بالقلم ليكتبوا فى النقد الفنى فسطر مئات المقالات والدراسات والتعليقات عن الفن والفنانين والأعمال الفنية واحد من أوائل من صوروا بالفرشاة والألوان أعماق الحياة المصرية والشعبية معبراً عن أفراحها وأتراحها وآمالها وآلامها.
- آلاف اللوحات والرسوم والتخطيطات - بمختلف الأساليب - عالجها بحكمة الشيخ وحماس الشباب ومهارة الخبراء الطويلة المتنوعة والدراسات الأكاديمية للفنون الجميلة من رسم وحفر ونحت وزخرفة أسس عدة مراكز فنية وأقام الندوات وألقى المحاضرات، ووضع أهم مرجع باللغة العربية فى تاريخ الفنون الجميلة الحديثة - فى الشرق عامة ومصر خاصة. نعنى كتاب `50 سنة فن` الذى جمعه وصنفه وعلق عليها سنة 1960 بالاشتراك مع صديقه كمال الملاخ.
- نزح إلى أمريكا فى مطلع الثمانينات واستقر فى لوس انجلوس حيث يتابع الإبداع وإقامة المعارض ومعاونة الفنانين المصريين الوافدين. ويلقى الأحاديث عن مصر وحركتها المعاصرة محاضرته التالية ستكون فى أكتوبر القادم فى المركز الدولى للطلبة هناك، حيث يشرف على تنظيم معرض للرسامة المعروفة وسام فهمى.
- هذا هو: رشدى اسكندر (17 سنة)، أحد الرواد الذين رفعوا صرح الفنون الجميلة، فى بلادنا على أكتافهم. وخرج من عباءتهم كل الرسامين والنحاتين والحفارين المصريين. الذين نلمس فى إبداعهم الانتماء إلى هذه الأرض.. وهذا المجتمع..
- نزح فناننا فى السابع من يوليو سنة 1980. قطعتها زيارتان قصيرتان للقاهرة، حين شده الحنين إلى الربوع التى شب فيها وترعرع.. واستبد به الشوق للأصدقاء العديدين ورفاق الطريق من الكتاب والفنانين. لكن من نكد الطلع أنه سقط مريضاً بالشلل النصفى بعد وصوله إلى `نيويورك` بيومين. لم تقعده الصدمة عن تحقيق الهدف الذي راح من أجله. كان يصحب قرابة المائتى كيلوجرام من اللوحات والأدوات والألوان، ليقدم سلسلة من المعارض يقدم فيها إبداعه المصرى المعاصر إلى شعوب أمريكا عبر القنوات الرسمية التى تتحكم فيها عوامل غير ثقافية. لم تكن أول مرة يزور فيها أمريكا سبق أن أقام فيها ثلاثة معارض فى ستة شهور سنة 1974. لكنه عقد العزم هذه المرة على الحياة بصفة مستمرة مبدعاً مسهماً فى إعلاء راية الثقافة المصرية الحديثة. ما كاد يشفى من مرضه حتى شهدت قاعة المكتبة العامة بمدينة `كانزاس` باكورة نشاطه. ففى المدن الكبيرة هناك لا تخلو الأماكن العامة كالمتاحف والبنوك والمكتبات، من قاعات لعرض الفنون والإسهام في الحركة الثقافية، بدون خصم `نسبة` من حصيلة المقتنيات بل تتحمل تكاليف العرض والأعلام. أما القاعات التى يمكلها ويديرها `تجار الفن` المحترفين فتقطع أكثر من نصف المبيعات فى مقابل الإيجار وطباعة الكتالوج وبطاقات الدعوة وتكاليف حفل الافتتاح.
- انتقل فى نوفمبر من نفس العام إلى `لوس انجلوس` واستقر فى `كاليفورنيا` بصفة كاملة حيث الجو أكثر صفاء وبدأ العمل ومصر تملأ جوانحه وتتمثل فى خياله من منظور بعيد، تنفجر بزحام الجماهير الساعين فى كل مكان. وأحس بمأساة لبنان والعراق والعالم العربى. ووجدت هذه المعانى والأحاسيس طريقها إلى لوحاته. واكتشف أن `العبث التجريدى` لا يعيش إلا فى عقول بعض فنانى مصر والعالم الثالث. أما فى أمريكا وأوروبا فالتشخيص والتعبير الواقعى والالتصاق بقضايا المجتمع والتمكن من دقة الرسم، هى المعالم التى تميز الفن والفنانين حتى الأعمال التجريدية القليلة هناك. تنطوي على مدركات جمالية رياضية وفلسفية اجتماعية على مستوى رفيع. لا ينحط إلى ما نراه فى معارضنا من حضيض.
- رشدى اسكندر لديه احساس قوى بما يمر بالمجتمع المصري والعربي من أحداث. تهتز مشاعره فى تلك المناسبات كأنها رجع الصدى. فتترك بصماتها على لوحاته فى تكوينات دراماتيكية مثيرة. صور قبيل ثورة يوليو، غارات الفدائيين على جنود الاحتلال واشتباكهم معهم في معارك دموية. عبر عنها بتشكيلات مفعمة بالحركة والحيوية، مع تبسيط الألوان وتأكيد الانفعال وواقعية بعيدة عن المبالغة، لكنها بليغة قوية التأثير، ركز مضمونة على تنظيم الألوان، وتعامل الخطوط المحددة للعناصر فى موجات متلاحمة ومتلاحقة وإيقاعات سريعة. مع التعميم والبعد عن التفاصيل وإتقان الجو الدرامي الذى قضى فيه صدر شبابه. إذ كان أثناء الحرب العالمية الثانية يتقلب بين المسارح رساماً ومؤلفاً وممثلاً هاوياً أحياناً في فرقة رمسيس قبل أن يكمل السادسة عشرة من عمره. وفي عام 1935 - وهو مازال طالباً فى مدرسة الأقباط الكبرى الثانوية - انشأ `جمعية نهضة المسرح للتمثيل والموسيقى` وقدمت له مسرحيتاً: `العبرة` و`العفاف`.
- ولعلنا نتبين قدرته على مسرحة تكويناته في رائعته التي رسمها سنة 1971، يوم احترق قلبه مع احتراق دار الأوبرا المصرية، التي عاش بين كواليسها عشرين عاماً، عاشقاً فنونها من أوبرات وباليه ومسرحيات وموسيقى. مسجلاً معظم ما قدم على خشبتها، بخطوط سريعة وألوان مثيرة تذكرنا بعظماء الملونين من رسامى الباليه: سيف وانلي والفرنسى: ادجارديجا. ولعل أحداً غيره لم يسجل ويؤرخ لتلك الواقعة المروعة التى دمرت قطعة غالية من تراثنا، صورها تستحم بلون النيران والدماء والجريمة.. والحب المسفوح. عبر هن هذا الحدث الجلل بلوحة صرحية التكوين، تعكس جواً رومانتيكياً دراماتيكياً يحمل معانى اللوعة والضياع. أنها المرئية وملحمة التابين التى لم يهتز بمثلها رسام آخر فى مصر أو العالم العربى.
- المعارض التى أقامها `رشدى اسكندر` فى العقدين الواقعين بين 1942، 1962 كانت جميعاً بعنوان `ليالى القاهرة`. آخرها كان فى قاعة متحف الفن الحديث وتحت أيدينا كتالوج هذا المعرض الذي ضم 266 لوحة زيتية، تعتبر ألبوماً لما قدمته الأوبرا خلال تلك الفترة. بينها أكثر من 50 تكويناً لاستعراضات `فرقة رضا` تتصدرها `رنة الخلخال` و`الخمس فدادين` و`فانوس رمضان` و`عرائس المولد` و`الفيضان` رسمها بخطوط سريعة بسيطة وألوان ليلية تنضح بسحر الشرق الذى اتقنت تصويره، بحركاتها الرشيقة وأوضاعها الشامخة وقفزاتها الطائرة. استطاع `رشدى` أن يترجم المضامين والمعانى بلمسات فورية يخيل لنا أنه لا يعنيها الأمر الذي أضفى على التكوينات والموضوعات حيوية فياضة وديناميكية غريبة وقوة تأثير تشع بهجة ونشوة كما رسم ما يقرب من أربعين عملاً عن `فرقة باليه التليفزيون`. رقصات شعبية روسية وصينية وإسبانية ويونانية ولبنانية وإيطالية ونمساوية بالإضافة إلى رقصات الأباريق.. والصحراء.. والريف المصرى.
- استطاع أن يحول إيقاع السيقان والأيدى وحركات الأجساد إلى إيقاعات خطية ولونية وتشكيلات مرئية. رسم الشخصيات بخطوط شحيحة تثير فى نفس المتلقي خيالات وأفكار وانفعالات عارمة، حتى ليكاد يسمع الموسيقى ودقات الأرجل وتصفيق الكفوف والصاجات وعن فرقة `نيللى مظلوم` صور: السوق... وناعسة... والشموع وأكثر من خمسة وثلاثين تكوينا غاية فى الرقة والجمال. أما باليه `نوفو سيبرسك` السوفيتى، فعرض له ما يربو على 55 لوحة، احتوى فيها مشاهد `كسارة البندق` وتكوينات الساحرة.. معركة الجيش والفئران.. والخفافيش، ورقصات منوعة، صورها ببراعة وموهبة نادرة مجسداً أجواء الديكور الروسى الرائع وتوزيع الأضواء، وروح الشعر والخيال حتى أن العارف من ذواقة البالية والأوبرا والمسرح، يستطيع أن يميز جنسية كل صورة فى هذا الحشد الفنى، ويفرق بين المصري والسوفيتى.. واليوغسلافى الذى له أكثر من ثلاثين لوحة أو الأوبرا الألمانية التى رسمها فى ثلاثين أخرى.
- كان المسرح لفناننا كالمصباح للفراش لا يضل طريقه أينما أقيمت الاستعراضات والباليهات والأوبرات والمسرحيات وحفلات الرقص والموسيقى، فيتردد عليها بانتظام مع إقامة ودفتر تخطيطاته.. طالما تغنى بهذه الفنون الرفيعة ولاحق بفرشاته وألوانه حركاتها الرشيقة وإيقاعها وموسيقاها. من مقاعد المتفرجين حينا ومن بين الكواليس أحياناً. وفى مطلع تجربته، حين استبد به العشق والشوق إلى تحويل الرقص والموسيقى إلى خطوط وألوان، تلقى دورساً فى البالية فى معهد سيدة تركية بحلمية الزيتون، حتى يتمثل الحركات واتزانها وتوافقها، فيستطيع التعبير عنها بخطوط قليلة بليغة تروى عن الخفة والجمال والشعر المرئى .. وتروى ظمأه للبهجة والسعادة فى ليالى القاهرة.
- .. يعيش رشدى اسكندر حياته الفنية طولاً وعرضاً، يعيشها مبدعاً قارئاً دارساً ناقداً مؤرخاً. فضلاً على تشكيله عدة منظمات لتنشيط ورعاية الفنانين ونشر التذوق الفني. آخرها كانت `الجمعية الأهلية` التى أبرزت مجموعة من الفنانين المرموقين اليوم، ومازالت تؤدى رسالتها بعد تركه لها.
- ولد في أبريل سنة 1918 فى حى شبرا بالقاهرة وما كاد يشب ويختلف إلى المدرسة حتى ألقى بنفسه فى بحر الفن المتلاطم وكون `جمعية نهضة المسرح` التى أسلفنا ذكرها. وحين توفى والده سنة 1935 فى نفس العام الذى أنهى فيه دراسته الثانوية، حاصرته الضغوط الأسرية ليشغل وظيفة أبيه في المحكمة المختلطة رغم أنه لم يكن أكبر الأبناء. فثار على الموقف وبدأ المشوار ملتحقاً بمدرسة الفنون الجميلة معتمداً على نفسه. ركن في غرفة فوق السطح بالقرب من شارع المسارح والملاهي. سكن بين حشد من الممثلين والممثلات والراقصات. وبدأت `ليالي القاهرة` ترتسم فى لوحاته الزيتية وتذكرنا بروائع الفرنسى `تولوزلوتريك` التي صورها فى ملهى الطاحونة الحمراء في نهاية القرن الماضي. استطاع رشدي أن يسجل انطباعاته في تكوينات مثيرة تحكى مأساة الليل الماجن فى قاهرة الأربعينات أثناء الحرب العالمية الثانية، روى بالفرشاة والألوان كيف تخفي مظاهر اللهو والمرح مأساة الإنسان التعس الذى يلعق التراب من أجل لقمة العيش. امتدت هذه الفترة من إبداع فناننا إلى ما بعد تخرجه سنة 1942، وله منها مجموعة فريدة من اللوحات، بعضها محفوظ في متحف الفن الحديث بالقاهرة.
- كان يعيش مع نماذجه وموضوعاته فوق السطح قرب شارع المسارح والملاهى، يلمس ما يرتعون فيه من مرض وإملاق، ويرافقهم مساء تحت الأضواء وعلى خشبة المسرح وأنغام الموسيقى وإيقاع الدفوف وجلجلة الضحكات في هذه المجموعة الأولى من أعماله المعنونة `ليالى القاهرة` أستطاع أن يسجل انطباعاته عن الحياة الاجتماعية القاهرية فى العقد الذى سبق ثورة يوليو. اتسمت رسومه الملونة حينذاك فيما نعرفه باسم `المدرسة التعبيرية` فقد تمكن بالألوان الصارخة والمبالغة فى الحركات والنسب من تصوير الجو العام المفعم بالعاصفة المشحون بالانفعال القوى. كما نلمس اللهجة الساخرة الانتقادية فى كل من التكوينات والعناصر والبيئة المحيطة. وبينما يتجه إلى التعميم والتغاضى عن التفاصيل لا تفوته ملاحظات صغيرة ذات دلالات عميقة.
- لم يكد يتخرج فى مدرسة الفنون الجميلة حتى ألتحق بمعهد الآثار المصرية القديمة لمدة عامين، عمل خلالها في مجلة `مسامرات الجيب` رساماً وناقداً ومعلقاً فنياً، وحين شاقته دراسة التراث الفرعونى وأحس بضرورته لترشيد أسلوبه الإبداعى، قبل عرضاً للعمل بمدينة الأقصر في صعيد مصر فى حفائر البعثة الفرنسية للآثار بمعبد الكرنك، حيث قضى عامين آخرين ينقل بدقة التصاوير المصرية القديمة. الأمر الذى جعله يتشرب فى صدر شبابه تقاليد هذا الفن العريق.. ويستشعر قيمه الجمالية الجليلة.
- لا يفوت المتلقى الذواقة أن يلمح أثر هذه الدراسات النظرية وتلك الخبرات العملية على أسلوب `رشدى اسكندر` فى إبداع لوحاته الزيتية، خاصة تجربته المثيرة فى حفائر معبد الكرنك يلمحها فى بلاغة الخطوط وبساطة الألوان والتخلى عن التفاصيل غير المعبرة لم يتأثر بسطحية الفن المصري المتمثلة فى العيون اللوزية المنظورة من الأمام أو الصدر العريض والأجساد النمطية ذات الحركات الكلاسيكية، وإنما استخلص الجوهر الأستاطيقي للتراث مضيفاً الحيوية والمضمون الدنيوي وحداثة الأسلوب. فالحداثة عنده تتفق مع مفهوم الأمريكى `كلين جرينبرج` فى أنها: تلبية للاحتياجات الفكرية والاجتماعية والعاطفية والجمالية للمجتمع. فهى بالنسبة لرشدى اسكندر `مدرك اجتماعى` موضوعى وهو لم يستخلص فكرته عن الحداثة من فراغ . بل من دراساته وقراءاته المتنوعة وجولاته في معظم بلدان أوروبا التى زار متاحفها وشاهد أحدث معارضها وألتقى بالكثيرين من فنانيها. بل مثل مصر فى مطلع شبابه سنة 1950 فى `بينالي فينيسيا` بلوحة بعنوان `ضاربة الودع` وهى نفس الدورة التى شارك فيها صديق عمره نحاتنا الراحل `جمال السجيني`. كما طاف بمعظم البلدان العربية ضمن الوفود الرسمية التي مثلت مصر في المؤتمر الأول للفنانين العرب فى بغداد سنة 1973، وفى العام التالي فى نفس المدينة عرض أعماله فى معرض السنتين للفنانين العرب. ثم فى الرباط بالمغرب. كما زار الكويت ولبنان وتونس والجزائر والأردن. الأمر الذى أضفى على إبداعه طابعاً شرقياً في كل من الأسلوب والموضوع والمضمون المناسب للثقافة والمكان والزمان.
- حين نزح إلى أمريكا بصفة نهائية منذ خمس سنوات، اشتد التصاقه بطابعه القومى وثقافته المحلية وتاريخ بلاده، وبعد معرضه الثاني في قاعة مكتبة جامعة `كاليفورنيا` توطدت أواصر الصداقة بينه وبين المشرفين فدعوه لإلقاء المحاضرات عن الفن المصري المعاصر. وتحين الفرص لينظر فى الكتب القديمة ومراجع التراث الفرعوني والقطبى والإسلامى يستمد منها صحة نفسية واستنارة فكرية وتوهجاً عاطفياً ومزيداً من النشاط الإبداعي وحين يركن إلى مرسمه يسترجع مشاهد وموضوعات الحياة الشعبية المصرية التى كثيراً مارسها في الماضى حين كرس فنه لتصوير معالم أحياء القاهرة والحياة الاجتماعية التي تميز سكانها. بنفس الأسلوب الذي يمزج بين واقعية التعبير بألوانها الصارخة.. وشاعرية الخيال بم فيها من تمويهات حالمة. لم يبدع لوحات توثيقية تسجيلية للأحياء على نسق ما سجله حفارنا الكبير `الحسين فوزى` لمساجد القاهرة ولكنه صور روح الحى وشخصيته في تكوينات تجميع بين العمارة والنماذج الإنسانية والعادات والتقاليد.
- وبمعايشته للحركة الفنية الأمريكية بصفة مستمرة فى الفترة الأخيرة تبين أنها لا تنجرف إلى التجريد العبثى كما يشاع عنها، وليس فى المعارض التى تقيمها مكتبة الجامعة دورياً لفنانين من أنحاء الدنيا اتجاها موضوعياً تشخيصياً سوى قلة نادرة من الفنانين. وهؤلاء ينطوى إبداعهم عل ثقافة رفيعة وفلسفة اجتماعية، ولا تخلو معارضهم التجريدية من لوحة تشخيصية أو اثنتين. وينزعون فى كل أعمالهم إلى الفكر الإنسانى والمضمون العام والابتكار في الأسلوب التعبيرى واستخدام الخامات. ويبدو أن فناننا قد تأثر بهذا الجو الثقافي. فأبدع سلسلة من اللوحات بالأصباغ على أوراق البردى التى كان يستخدمها المصريون القدماء. متأثراً فى إبداعه بالفنون الإسلامية والموضوعات المسيحية والانطباعات المصرية القديمة ومدفوعاً بالحنين إلى مصر الذي ولد ودرج في ربوعها. وشب وتعلم وعمل وتزوج وأنجب، وأسهم في بناء ثقافتها الحديثة وشيد صرح الذكريات. وإذا كنا نلحظ نزعة دينية في بعض لوحاته، فأنها تلح عليه بين حين وآخر منذ مرضه بالقلب لأول سنة 1971. تمخضت فترة رقاده عن سلسلة من التخطيطات لموضوعات تصور جانباً من قصص الإنجيل. شاهدناها في معرضه الشامل بعد سبع سنوات فى `قاعة السلام بالقاهرة` بينها صورة `هروب العذراء` التي نفذت بخيوط البرودي، و`العشاء الأخير` التي طبعتها هيئة الاستعلامات المصرية بالرغم من بساطة الأداء فى هذه اللوحات، فإن اللمحات واللفتات والإيماءات اللونية والخطبة والتشكيلية التى تجريها فرشاته، تشير إلى التمكن من الأدوات والخامات، والإحساس المرهف والفكر المشحوذ والقدرة على تجسيد معنى الزهد. فقد تشرب الإحساس الدينى إبان مرضه حتى أصبحنا نلمسه في صدق التعبير عن الخبرة الانفعالية الشخصية. نفس الصدق الذي نستشعره في سلسلة `أحياء القاهرة` و`الموضوعات الوطنية والقومية` و`الصورة الشعبية` و`ليالى القاهرة` بما فيها من أوبرا وباليه ورقص شعبى. نلمس فيها جميعاً صدق التعبير الناجم عن صدق التجربة الاجتماعية والجمالية. فالمراحل الفنية عند فناننا ليست شكلية سطحية أسلوبية ولا علاقة لها بالواقع والبيئة والحياة الاجتماعية المحلية والعالمية، لكنها مراحل موضوعية اجتماعية فلسفية - شأن المراحل التى يمر بها الكتاب والشعراء والموسيقيون. أما المدارس الأسلوبية كالتأثيرية والتعبيرية والتجريدية وما إلى ذلك. فهي `وسائل` و`مطية` نحو الهدف الآسمى وهو المضمون الاجتماعى الإنسانى. ولأن `التجريد` ليس هدفاً فى ذاته، نراه يستخدمه فى خلفيات موضاعاته التعبيرية ليزيد من تأثير عناصرها وفاعلية خطوطها وألوانها. لكننا نستطيع التقاط أسلوبه التعبيري المتميز من بين آلاف اللوحات، لأنه يتسم بالحرارة والجاذبية والحيوية.. والشخصية المحلية ذات الصدى الإنسانى. الأمر الذي أضفى على لوحاته شخصية فنية خاصة ربما كان اهتمام فناننا حتى يومنا هذا بالتخطيطات السريعة من الطبيعة أى رسم الاسكتشات - من العوامل الجوهرية فيما تتضمنه لوحاته من `حيوية` فهو لا يتخلى أبداً عن دفتر تخطيطاته حتى فى أمريكا وهو يجتاز عامه السابع بعد الستين. اكتسب هذه العادة منذ يفاعته حين ألتحق بمدرسة الفنون الجميلة. كان أستاذة الفرنسى `بيبى مارتان` - وهو من أكبر رسامى فرنسا رغم أنه ليس من أكثرهم شهرة. كان يصحبه خلفه على دارجته الشهيرة ويمضيان إلى `سوق امبابة` على الضفة الغربية من نيل الزمالك. ويجلسان هناك إلى المقهى البلدى يعصران الليمون على أكوام الشاى ولا يعودان إلا وقد امتلأت دفاتر الاسكتش بعشرات الرسوم السريعة للبائعين والمتسوقين ومختلف السلع والحيوانات. تعلم فناننا الكبير من يومها أن روح الصورة وحيويتها` تكمن في البيئة والمجتمع والإسقاط الفوري والانفعال بأحداث الحياة. تكمن فى الموضوع والمضمون داخل الشكل والأسلوب. وأن الفن من الناس وللناس.
- ولأن `رشدى اسكندر` موضوعي واقعى تعبيرى مرتبط بحياة شعبه وناسه، لا تخلو لوحاته من أسماء تدل عليها وتعين المتلقى على تذوقها والدخول إلى عالمها. فمن سلسلة `ليالي القاهرة` فى المرحلة الأولى رسم: دقى يا مزيكا.. تواليت.. راقصة.. والآن يبدأ الكباريه. ومن المرحلة الشعبية صور: المراجيح.. وهبة المصحف.. الحصير.. ضاربة الودع. وفي الموضوعات الوطنية رسم: المقاومة.. العدوان.. النكبة.. ومن قصص الإنجيل: صلب المسيح.. المعجزة.. الهرب. ومن الأحياء: القلعة.. العتبة.. سيدنا الحسين.. أحياء الإسكندرية وشواطئها. كما أبدع سنة 1964 عن القضية الفلسطينية، معبراً بخطوط قليلة ومساحات لونية يغلب عليها الأصفر، عن ضياع الشعب بأكمله وخروجه من دياره صفر الأيدى.
- وإذا كانت لوحاته عن فلسطين تتسم بالتجريد الهندسي، فله تجارب أسلوبية مختلفة لم تخرجه عن التعبيرية الاجتماعية. مجرد اتجاهات تحديثية لمخاطبة العصر. منها مجموعة لوحات مرسومة على خلفية كأنها أوراق محترقة أو ورود قديمة. يتجه بذلك إلى الإشارة إلى أن الموضوعات المرسومة تتعلق بالتراث أو الفلولكلور. وفي جميع معالجاته الأستطيقية نراه مستفيداً من خيرات الاتجاهات الأسلوبية الحديثة بالإضافة إلى شخصيته الفنية الخاصة ففي لوحة `النقرزان` - وهى تعبير عن موضوع شعبى أصيل - استخدم الخلفية شبه المحترفة للدلالة على القدم والعراقة، ونحا إلى التكوين البنائى المعمارى للإيحاء بثبات واتزان العصا الطويلة المرتكزة على جبهة الرجل. بعكس ما نراه فى التشكيلات الطائرة في مجموعة لوحات الباليه التي تبدو فيها الراقصات كأنهن رموز النوتة الموسيقية مجرد لمسات عالية الرفاهية والرقة كأنما يرسم بالهواء على الهواء، تختلف هذه وتلك عن الألوان الكثيفة وقسوة التعبير وصلابة التكوين فى السلسلة الأولى من `ليالى القاهرة`.
أن الرسام الملون `رشدى اسكندر` راشد للحداثة الفنية فى مصر يستطيع شباب فنانينا أن يستلهموا إبداعه المتميز الغزير عبر ثلاثة وأربعين عاماً. خاصة بعد أن تخلت عنه الكليات الفنية ودخلت فى عباءة العبث التجريدى واختلط الهواة بالمحترفين بالمدعين.
الناقد: د./مختار العطار
من (كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر - الجزء الأول)
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث