`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
سعد سعد الخادم

- يعتبر الأستاذ سعد الخادم رائدا من رواد حركة الفن المصرى الذين كرسوا ابحاثهم فى مجال الفن على عالم الفن الشعبى والجذور التراثية فى مجالات الحرف والصناعات فى مصر وقد كان معلماً واستاذاً لكل من تطرق الى مثل هذه الإهتمامات بالقضايا حول الفنون الشعبية ويرجع الباحثون الى مؤلفات القيمة ولكتاباته فى المجالات والدوريات العلمية وله اسهاماته فى الجمعيات الفنية التى شارك فى تأسيس وكان له دوره الواضح فى تشكيل عقلية معظم الفنانين الذين اضهروا اهتماما فى اعمالهم الفنية بالجذور الشعبية للفن فى مصر ، وظهر تأثير الاستاذ سعد الخادم فى الابحاث التى تناقش فى الجامعات المصرية لنيل درجات الماجستير والدكتوراه .



- بعد أن أتم سعد الخادم دراسته الثانوية بمدارس الفيرير والسعيدية بمصر، سافر إلى لندن بتشجيع من استاذه يوسف العفيفى حيث درس فى مدرسة الفن بـــ ( شلسى) بمدينة لندن حيث التقى بحامد سعيد وراتب صديق، ثم عمل بالتدريس والتوجيه بالمدارس المصرية وعانى من ظروف صعبة فسعى بمعاونة صديقه راتب صديق للحصول على وظيفة مدرس رسم فى السودان ولم يوفقا ثم مدرسا بالمعهد العالى للتربية الفنية، وانتدب لرئاسة متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1953 -1954، ومتحف الفن الحديث بالقاهرة عام 1960-1961 ، ويعد سعد الخادم رائداً وحجة فى دراسات التراث الفنى الشعبى، وأستاذا قديراً وكاتباً متميزاً له العديد من الكتب ومئات المقالات البحثية، حيث كان يقراً ويكتب العربية والانجليزية والفرنسية بطلاقه وتمكن، وكانت ثقافته واسعه ومنفتحة على التيارات الحداثية ومتوغلة فى أعماق التراث المصرى عبر العصور كما انه فنان مجدد عميق الرؤية والحساسية التشكيلية ، وكان إلى جانب كل ذلك محركا لنهضة الفنون التشكيلية المصرية فى الخمسينيات والستينيات وعضوا مهما فى جمعية محبى الفنون الجميلة، وتحول بيته وزوجته الفنانة عفت ناجى إلى متحف عام 2001 وتوفى فى 29 سبتمبر 1987 . فى النصف الأول من الستينيات توهجت ملكات سعد الخادم كباحث ألمعى عميق الفكر ثاقب البصيرة، نهم القراءة بالعربية والانجليزية والفرنسية، فضلا عن إنكبابه على دراسة مخطوطات السحر والفلك والحيل والصناعات والجغرافيا فى العصور الاسلامية والوثائق البردية فى المتاحف القومية، وكان استاذا قديرا للتصميم ولتاريخ الفن بالمعهد العالى للتربية الفنية حيث التف حوله عدد من الفنانين الشبان، كون بعضهم جماعة الفنانين الخمسة تحت رعايته، واكتشف البعض الأخر منعطفات جديدة فى الابداع المصرى بفضله، إذ كان استاذا ملهما قادر على اثاره الحفيظة الابداعية لطلابه، يكتشف خامات ووسائط غير متداوله فى التصوير والطباعة والكولاج ومحرك للتجريبية والجسارة فى التشغيل المتحرر وكانت زوجته الفنانة الرائعة عفت ناجى أول تلاميذه الذين استفادوا بقوة من توجيهاته وتجلياته، وفى عام 1962 قام برحله تاريخية مع طلابه إلى النوبة على مركب` البركة` متبرعا بمبلغ كبير بعد أن اقنع الكاتب الكبير يحيى حقى بدفع مبلغ مماثل ليتمكنوا من أخذ الطلاب معهم وتعويض امكانات الطلاب المادية، كانت الرحلة بمثابة مدرسة مكثفة من الفن والبحث والفكر والحوار فى قرى ونجوع النوبة واحدة بعد الاخرى وعلى ظهر المركب فى فترات الراحة والغذاء، توقف سعد الخادم عن الابداع الذاتى كمصور منذ نهاية الستينيات، وتوهج كمعلم وباحث ومؤرخ ومنظر من الطراز الأول.
- أما عن أعمال الفنية فقد اتسمت اسلوبيا بالتعبيرية والديناميكية وبالألوان المباشرة المتباينة فى أغلب أعماله، ومن أعماله الصرحية لوحة ( فتح عكا) مقاس ( 76.5 سم × 388.5 سم ) زيت على قماش الموجودة بالمتحف وهى تمثل مئات الجنود فى التحام ملحمى على شكل دوامات يتمركز فى قلب كل منها فارس مميز، تذكرنا باللوحة التاريخية التى تمثل المعركة بين الاسكندر الأكبر ودارا ملك الفرس كما أن له أعمالأ مميزة فى مجالات رسم الموديل بالقلم الرصاص والألوان والطبيعة الصامتة ذات المجموعات اللونية ` الحوشية ` : حيث بداً سعد الخادم فى لندن بدراسة القلم الرصاص حيث تمرد على أسلوب مدرسة شلسى للفن- الذى إتسم بالأكاديمية، فعالج الموديل والتكوين بعناصر وسمات شعبية مصرية - كمقعد النورج والسجاد الأسيوطى والمرجونات اليدوية الخوص- والقبقاب ـ وعند عودته من البعثة تعامل مع الألوان الطازجة الغير مدهوكة أو مقشوطة مضيئة ومتباينة فى موضوع الطبيعة الصامتة والمنظر الخلوى بأسلوب إختزالى جسور وبألوان وحشية عنيفة وتكوينات أقرب إلى التجريد مع قوة تعبيرية لافحة ـ وعندما ما زار السد العالى فى أوائل الستينيات أبدع مجموعة مونوتيب ملون عن السد العالى.
- وفى مرحلة لاحقة من حياته الفنية أبدع سعد الخادم أعمالأ ` أسمبلاجية `مركبه من خامات مختلفة وعناصر سابقة التصنيع، إتسمت بالخشونه وقوة التعبير الرمزيه ثم إتجه إلى النحت فى الخشب والصياغة المبتكره.
بقلم : د. مصطفى الرزاز
من كتاب الفن المصرى الحديث
العمدة فى تاريخ وتوثيق الفنون الشعبية سعد الخادم (1913-1987)
- فى الدقائق الأولى من يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من سبتمبر 1987، فارق سعد الخادم حياة الفن والثقافة في مصر والعالم العربي.. وينبغى فى هذه المناسبة أن نقف ونتأمل ونحصى من بقى لنا من جيل الشوامخ فهو واحد من روادنا الموسوعيين الكلاسيكيين، الذين وضعوا بصفتهم مضيئة فى سفر التقدم الثقافى.
- أحاط بالعلوم الإنسانية والفنون والآداب، وبخاصة ما يتعلق بالحرف الشعبية والتقليدية والتراثية بوجه عام وضع فيها المؤلفات الفريدة الأصيلة الغير مسبوقة، بالإضافة إلى الدراسات وأوراق البحث ليسد فراغاً هائلاً فى المكتبة العربية والعالمية كان نجماً متلألئاً بين الشوامخ الأكاديميين، قبل أن يتدهور مفهوم `الأكاديمية` فى العقدين الأخيرين فى أوساطنا الثقافية.
- ولد سعد الخادم (74 سنة) في 22 مارس سنة 1913 في القاهرة. كان أبوه طبيباً مثقفاً ومسانداً نشطاً لثورة مصر سنة 1919، وكثيراً ما أخفى المتظاهرين في عياداته فى ميدان الفلكي، وتنتمى والدته إلى عائلة `ذو الفقار` العريقة ما كاد يتم تعليمه العام حتى رحل فى بعثة إلى انجلترا سنة 1936، حيث رافق كلاً من: حامد سعيد - فيلسوف الفن المعروف - وراتب صديق - الرسام الملون والمفكر المرموق. لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939 أعادهم جميعاً إلى أرض الوطن، بعد أن حصل `سعد الخادم` على شهادة أساتذة الفن من `مدرسة شلى`. عاد ليشترك فى النشاط الطليعى للمفكرين والفنانين الشبان فى مختلف الروابط التى تشكلت فى ذلك الحين، ومنها `الشرقيون الجدد` و`الفن والحرية` - وهو الاسم الذى اتخذته جماعة السيرياليين. لكنه لم يكن سيريالياً بل مجدداً فى كل من الأسلوب والموضوع، يصور من الطبيعة بألوان تتميز بالصراحة والعنف والانفعال القوي، متأثراً بالاتجاه التعبيرى الذي كان مزدهراً فى أوروبا آنذاك. ونستطيع أن نتبين في لوحة `وجه الصعيدى` التي صورها بألوان الزيت على القماش سنة 1941، مدى تأثره بالرسام الهولندى `فان جوخ`، ولم يتوقف طوال السنين التالية عن الرسم والتلوين، وتطوير أسلوبه وخاماته، رغم انغماسه فى القراءة المتشعبة وإعداد `بطاقات البحث` عن المراجع الفرنسية والإنجليزية والعربية فى علوم التراث والعلوم الإنسانية. البطاقات التى ظل يدونها ويحفظها فهرسة فى نظام خاص حتى بلغت الآلاف عدداً. وكانت حجر الزاوية فى أستاذيته النموذجية حين تحول معهد التربية إلى كلية جامعية وبدأ إشرافه المتميز على رسائل الماجستير والدكتوراه. لا تحتوى هذه البطاقات على مقتبسات من كتب التاريخ والأنثروبولوجيا والآثار والتراث وعلاقة الفنون بالشعائر والطقوس عبر التاريخ وما إلى ذلك. بل أيضاً مقتطفات من كلاسيكيات الأدب الإنجليزى والفرنسى والعربى. وكان يكتب ويؤلف باللغات الثلاث إذا تطلب الأمر ويلقى المحاضرات.
- تكمن أهمية الرسائل التي أشرف عليها ووجهها باحثنا الراحل فى أنها ميدانية محلية، تزيح الستار عن جوانب كانت خفية فى تراثنا الفني، لم يطرق بابها باحث من قبل، وأصحبت مهددة بأن تضيع معالمها وتندثر كلما بعدت الشقة بيننا وبينها. وليس أسهل من الإهمال سبيلاً للقضاء على هوية شعب. فحين دفع السيناتور `كاتو` جيوش روما إلى `قرطاجنة` فى الماضى السحيق، لم يفعل أكثر من تدمير التراث ليمحو هوية الشعب القرطاجى وتتوقف سيرته فى التاريخ.
- تصدى `سعد الخادم` للتجاهل والإهمال والانشغال بتوافه الأبحاث، ومضى يقود تلاميذه وحوارييه نحو تحقيق وتوثيق التراث الشعبى، والكشف عن الوجه المشرق الأصيل للهوية المصرية فى الفنون والحرف اليدوية. اقتفى أثرها فى دار المحفوظات ودار الكتب والمتاحف والمقتنيات الخاصة والمخطوطات الصفراء البكر التى لم تمسها يد باحث من قبل، والمراجع الفرنسية والإنجليزية فضلاً على العربية والشذرات المنشورة هنا وهناك، وأحاديث الأحياء من الشيوخ المعمرين الذين عاصروا الحرف الشعبية وتوارثوا سيرتها.
- لا توجد رسالة واحدة بين العشرين ماجستير والخمس عشرة دكتوراه التى أشرف عليها. يمكن للدراس إنجازها مكتفياً بالجلوس فى بيته ونقل صفحات من بضعة كتب مترجمة، كمعظم الرسائل التى أجازتها الكليات الفنية منذ انتسابها إلى جامعة حلوان وقبل انضمامها.
- عالجت رسائله `أصول ونشأة الفانوس الشعبى المعروف بفانوس رمضان` و`الأوانى الشعبية` و`الحلي الشعبية` و`المشغولات العظم والقرن` و`الملابس المملوكية` و`تحقيق مخطوطة تخريج الدلالات المعينة على ما كان في عهد الرسول (صلعم) من الحرف والصناعات والعملات - للخزاعى من القرن التاسع الهجرى`...، وما إلى ذلك من الموضوعات التى تسد احتياجات ثقافية لا غنى عنها فى مواجهة تحديات بناء الشخصية المصرية والتعرف على هويتها التائهة فى مسطحات الفنانين ومجسماتهم خمس وثلاثون رسالة أنجزها خلال ثلاثة عشر عاماً تمتد من 1971 إلى 1984. لم يقعده عن الاستمرار سوى مرضه الأخير.. وإبعاده عن الإشراف بدعوى أنه غير حاصل على درجة دكتوراه (!!) - تطبيقاً للوائح المتخلفة التي مؤخراً الأمر الذى أدى به إلى الإشراف من الباطن على رسائل لم يوضع عليها اسمه - وهذه قصة رواها لى قبيل رحيله وهو يعتصر ألماً! - والآن. وبعد أن توقف عن العطاء، علينا أن ننتظر طويلاً حتى يجود الزمان بمن يكمل المسيرة، قبل أن يختفى تراثنا الشعبى فى ضباب الإهمال والاختيار السهل. فلو أننا نظرنا في ثبت الرسائل التي صدرت عن الكليات الفنية منذ عام 1968 (وهو تحت أيدينا) لصادفتنا موضوعات غريبة مثل `الوجود الإنسانى فى أعمال الرسام الهولندى: فان جوخ والتغير الاجتماعى فى التصوير الألمانى والحفر الأمريكى و`الضوء عند: `كارافاجيو` و`بيكاسو`... وغيرها مما لا يعنى سوى أصحابها دون الالتفات إلى تلبية احتياجاتنا الثقافية الضرورية للمجتمع - وهو الهدف الأول للمؤسسات الأكاديمية فى العالم المتقدم.
- مؤلفاته غير المنشورة كثيرة. لكن المنشور منها تسعة عشر كتاباً بدأها سنة 1953 بالفن والتربية الاجتماعية وختمها بالخزف سنة 1981. طرق فى بعضها موضوعات لم تنشر من قبل منها تاريخ الآراء الشعبية فى مصر 1959، الفن الشعبى المعتقدات السحرية 1964، والدمى المتحركة عند العرب سنة 1966.
- وتماشياً مع طابعه الشخصى العام المتسم بالوطنية والانتماء والولاء، نشرت له سلسلة من الشرق والغرب سنة 1965 مؤامرات الاستعمار ضد تراثنا الفنى. ثم الفن والاستعمار الصهيونى سنة 1974.
- كان يحيا بفكرة ووجدانه ومشاعره وأبحاثه مع الأيديولوجية الشرقية والعربية فى مختلف العصور الدينية والحضارية، لم يدخر وسعاً فى تأصيل التراث الشعبى الباقى من تلك العصور، والكشف عن الوشائج التى تصله بالثقافة المحلية فى تطورها - من حيث هى عادات ومعتقدات وتقاليد وقيم وسلوك يومى، لا يأتيها التغير إلا بطيئاً بتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية. كان يعيش التراث حياة ملموسة واقعية غير مكتف بأمهات الكتب والمراجع، فكان بيته فى حدائق القبة بالقاهرة متحفاً اثنولوجيا مصغراً، حافلاً بكل ما هو نادر وثمين من الأثاث الشعبى والتحف التى اقتناها عبر عشرات السنين. مخطوطات قديمة وصوانى نحاس محفورة يدوياً بالزخارف المملوكية والكلمات العربية، تستقر على قاعدة مروحية من الخشب المخروط العتيق.. وأحجبة ذات كتابات غريبة وتصميمات سحرية استطاع أن يحل طلاسمها ويفسر بها الوحدات الزخرفية الشعبية المتوارثة.. وأريكة خشبية شعبية يكسوها كليم أسيوطي، ونرج تحول إلى مقعد بعد أن اكتسى بنسيج صوفي مزخرف كان في الأصل بردعة.. وفانوس مملوكى حديدي كبير مدلى من السقف ومحلى بالزجاج الملون.. وعرائس خشبية مختلفة الأشكال والأحجام يرجع تاريخها إلى أكثر من مائة عام وبصمات - أختام - محفورة بزخارف شعبية كانت تبصم بها المنسوجات في الزمن الغابر، وتنويعات من الأوانى المعدنية والخشبية. وشريط صندوق الدنيا يروي قصة السفيرة عزيزة بريشة الرسام المجهول، والكثير الكثير من الأدوات الشعبية التى كانت متداولة بين جماهير المصريين منذ عشرات السنين.
- أما المقتنيات الأساسية لدى الباحث الراحل فهي مجموعة ملابس مملوكية نادرة وأخرى نمطية من الواحات والأماكن المنعزلة، وغيرها مما يشكل كنزاً تاريخياً يعز على معظم متاحف العالم. احتفظ بها فى `صندوق عروسة` شعبى من الريف، يرجع تاريخه إلى زمن طويل.
- دفع في مقتنياته آلاف الجنيهات. وسعى خلفها فى القرى والدساكر لكي يشبع عينيه منها ويتذوق تصميماتها على مهل، ويتفكر فى رموزها وإشاراتها، وأصول وحداتها التشخيصية التي كادت تختفى معالمها فى طيات التحوير والتجريد، لتؤدى دورها السحرى المتوارث من أقدم العصور.
- وحين تزوج سنة 1954 من الرسامة الكبيرة `عفت ناجى` - شقيقة الرائد الراحل `محمد ناجى` - تغير إبداعها التصويرى وانتقلت إليه هذه الرموز والإشارات لتحل محل الأساليب التأثيرية والأكاديمية. بل وصل الأمر بفنانتنا الرائدة إلى لصق صفحات من المخطوطات والعناصر الشعبية فيما يعرف بفن `الكولاج` كانت في طليعة من أبدعوا لوحات الـ سكولتو - بانتور- التى تجمع بين خصائص المسطحات والمجسمات. فكان لهذا الزواج أثر إيجابى فى تأصيل الهوية المصرية فى الفنون الجميلة والتشكيلية. واعتادت حركتنا الثقافية على أفكار وفلسفة راحلنا العظيم، التي تكمن خلف الإبداع الأصيل لبعض تلاميذه من خريجى كلية التربية الفنية التى عمل بها أستاذاً منذ إنشائها فى الأربعينيات كمعهد تربية للمعلمين يلتحق به خريجو مدرسة الفنون الجميلة ومدرسة الفنون التطبيقية لمدة عامين. تعرفوا بين يديه على `مصر القاع`.. مصر الأمان.. مصر السواد الأعظم التى تزخرف المقابر وتلونها بالأحمر والأصفر والأزرق فى قرية الهو بالصعيد، وترسم الأسود والأسماك والعصافير والثعابين بالرش على صدور رجالها وأذرعهم، وترسم الجمال والبواخر والطائرات على جدران البيوت كلما عاد الحجاج من الحجاز، وتزين عربات الكشرى والمراجيح والقوارب النهرية بتصميمات تمتد جذورها فى التاريخ السحيق وفي أنحاء أفريقيا، وتحمل من الدلالات ما يتعدى أشكالها السطحية البسيطة التى لا ندرى لماذا تهفو إليها نفوسنا نحن المصريين.
- وضع سلسلة من الدراسات بين عامى 1960، 1963 عن الحرف والفنون الشعبية للموسوعة، التي أصدرتها مصلحة الاستعلامات. وبين عامى 1962 و1964 نشرت له مجلة الثقافة - ذات المكانة الرفيعة - مائة بحث ويزيد. ولم يكف حتى رحيله عن تزويد الناشرين بالأبحاث والدراسات والمقالات التي تلقي الضوء على قضية التراث والهوية الفنية والوشائج التى تربطها بالثقافة العالمية. كان كريماً في عطائه يعمل للتاريخ ولكشف خصائص التراث فى عصر يندفع فيه الفنانون بجنون - بقصد أو بدون قصد - نحو الغرب فى استسلام فكري مهين. ولا يختلف اثنان على أن معظم مؤلفاته هى المرجع الوحيد فيما كتبت فيه.
- استفادت الأوساط الثقافية نسبياً من العطاء الفكرى للباحث الكبير، من خلال دعوته لعضوية بعض الهيئات الخاصة بالفنون الشعبية والمقتنيات الفنية وتحكيم بينالي الإسكندرية ومنح الجوائز الشعبية وغيرها، لكن المسئولين لم يدركوا الأبعاد الحقيقة لهذه الطاقة الفكرية الجبارة. فلم تهده الدولة الجائزة التقديرية التى منحتها أحياناً لمن هم أقل منه درجة هكذا لم يستفد المجلس الأعلى للثقافة بتلك الذخيرة المعرفية وهذا الفكر الخلاق.
- كل ما حصل عليه من تقدير هو الجائزة الثانية لفن الرسم الملون (التصوير) في بينالي الإسكندرية سنة 1967. فقد كان رساماً موهوباً قبل أن تجتذبه بحور البحث والتنقيب التى لا شطئان لها ولا قرار. أقام ستة معارض كاملة خلال أحد عشر عاماً تمتد من 1944 إلى 1955 لفتت أنظار النقاد بصدق التعبير وقوة العاطفة وبراعة الصياغة. وكان لا يتوانى عن الإسهام فى المعارض الجماعية كلما دعى إليها وله مقتنيات فى متحفى الفن الحديث بالقاهرة والفنون الجميلة بالإسكندرية، وبعض المجموعات الخاصة. لكنه توقف عن الرسم والتلوين تقريباً بعد عام 1970، مكتفياً بإبداع زوجته الفنانة الملهمة، الذى كان يشعر أنه يحقق ذاته أيضاً، الإبداع الفريد الذي لا ينال التقدير الكافى بسبب تخلف الحركة الفنية عن ملاحقة المضمون والهوية، وانشغال المسئولين بالشكل المطلق والثقافة الغربية. فأعمال `عفت ناجى` لها صلات بالتراث ابتداء من الفنون البدائية إلى الفنون الشعبية مروراً بالتقاليد المصرية القديمة والقبطية والإسلامية والمستحدثات الإنسانية، مع التشكيل بأساليب مبتكرة وخامات بلاستيكية والتوسع فى استخدام `الكولاج` فأدخلت على لوحاته الجلود والخيط والمسامير وكل ما يخدم المضمون، أما التكوين والتوزيع فيقوم على معايير وأسس استطيقية جديدة.
- .. والواقع أن الاتجاه نحو قيم الفنون الشعبية بهذه القوة وذلك الحماس من `سعد الخادم` و`عفت ناجى` بدأ الرائد الراحل `محمد ناجى` بتقريره المسهب الذى ألقاه فى مؤتمر براغ الدولى فى تشيكوسلوفاكيا سنة 1928 عن الفنون الشعبية فى مصر. كانت المرة الأولى التي تثار فيها قضية الفن الشعبي وكان `محمد ناجى` ملحقاً ثقافيا فى سفارتنا بباريس، لكنه اشترك فى المؤتمر وأوضح أهمية الفنون الشعبية فى مصر، بعد أن أنكرها المندوب الرسمى آنذاك وكان فرنسياً يعمل مديراً للفنون الجميلة فى مصر.
- بعد الشرارة التى أشعلها: محمد ناجى (1888/1956) اجتهد الباحثون في دراسة فنوننا الشعبية. وتعتبر مؤلفات `سعد الخادم` والرسائل الجامعية التي أشرف عليها أول مصنفات جادة في ميدان الحرف اليدوية والفنون الجميلة فى بلادنا. فالمتحف الاثنولوجي شارع القصر العينى بالقاهرة الذي يضم تحفاً وكنوزاً من فنوننا الشعبية. خال من أى فهارس وتوصيف وتوثيق وأبحاث تتعلق بمحتوياته.
- كان الفقيد يعتمد عليه في أبحاثه ويوجه إليه تلاميذه، ومازال المتحف أرضاً خصبة تنتظر الدارسين والباحثين عن الهوية، كثيراً ما رافق الطلبة والفنانين والأصدقاء ليكشف لهم أسرار الهوية المحلية ويعلمهم أن القيم الاستطيقية تختلف باختلاف المكان والزمان.
- العقلية المنهجية العلمية التي تحلى بها الرائد الكبير، انعكست على إبداعه الفني في الرسم والتلوين كما في عطائه الفكرى فى البحث والتوثيق. فالألوان الفاقعة التي اتسمت بها لوحات الزيت والأكريليات ذات مسحة شعبية بالإضافة إلى تعبيراتها فهى تتراوح بين البرتقالى والأحمر والأزرق والأخضر والأسود. وما إلى ذلك من ألوان تنتشر على عربات الكارو والترمس أما اختصاره لعناصر موضوعاته وبلاغته في صياغتها فتكاد تخفى حقيقة تلك العناصر وتدخل بها فى دنيا التجريد، يتضح هذا الأسلوب فى لوحات زوجة الفنان `فى الحديقة` 1958 و`برج الحمام فى قرية أبو حمص` 1958 و`بيوت النوبة` 1960 و`العمل فى السد العالى` 1965. كما تبدو بداياته الأولى في البورتريه الذي صوره بألوان الزيت سنة 1941 بعد عودته من لندن بعامين تكاد تختفي حقيقة العنصر المرسوم من لوحاته الأخيرة لكن المتتبع لتطور الأسلوب. يستطيع أن يتبين النمو المنطقى النابع من داخل الفنان، ومن رؤيته المتأثرة بقراءته الموسوعية ورحلاته إلى الصعيد والنجوع والقرى فى بلاد النوبة قبل غرقها فى مياه السد العالى، وشمالاً إلى البلدان الوجه البحري وبخاصة قرية أبو حمص حيث كان يرافق زوجته بين الحين والأخر إلى بيتها الريفى هناك.
- اجتذب انتباهه كل ما هو شعبى وريفى وأصيل. ولو أن وزارة الثقافة هيأت لمؤلفاته ومقتنياته المتحفية ولوحاته. ومكتبته النادرة باللغات الثلاث: الفرنسية والإنجليزية والعربية، مبنى خاصاً في حديقة متحف ناجى بمنطقة الأهرام، إذا لهيأت للباحثين فرصة ذهبية للتعرف على الطريق نحو فن أصيل معاصر.. وهوية مصرية...
د./ مختار العطار
من ( كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر - الجزء الأول )
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث