`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمود مختار ابراهيم العيسوى
جوقة الشرف
`والتمثالان مضافاً إليهما تمثال (الحزن) يمثلون محطة هامة ترتبط إرتباطاً وثيقاً بتماثيل الكتلة فى الفن المصرى القديم والتى إزدهرت فى عصر الرعامسة وتتلخص فى تأمل مختار وتعمقه وتحليله بنائياً لتمثال الكتلة برصانتها وتوحدها وجمالها .. مما ولَّد وفجَّر طاقات فكرية قبل أن تكون فنية متجاوزاً النهج التقليدى لبناء التمثال .. فاستطاع مختار أن يكشف الجمال الحركى الإنسانى والعمق التعبيرى بفك الحصار والقيد الذى حدد وألزم النحات المصرى القديم بالحدود القصوى للمكعب .. وتجاوز هذه الحدود لا يتعدى ظهور الرأس فى بناء هرمى أعلى المكعب .. وظهور أصابع القدم المفلطحة ، ولكن مختار فى كاتمة الاسرار مد الساقين إلى الأمام فى حركة إرتكاز هرمية دعائمها من الأمام القدمان ومن الخلف القاعدة .. والركبة إلى أعلى وفى المنتصف والتى تمثل قمة الهرم فى كل جهة .. وبدلاً من إنضمام الساقين كما فى تماثيل الكتلة .. أبعد مختار الساقين عن بعضهما .. فأسقط النصف الأعلى عن كاتمة الأسرار إلى أسفل كأنه فتح باباً ليطل منه وجه كاتمة الأسرار وهى متكئة الرأس على ساعديها فى حالة من الصمت والتعبير عن نموذجٍ من الحياة متعمقاً فى روح كاتمة الأسرار وعن نظرتها كأنها تحمل فيها أسرار الحضارة المصرية .. وكأنها تحتضن عقل مصر بين ساعديها المتحدين كبناء رصين والفخذين والساقين فى وضع البناء الهرمى يحميان الرأس والقلب من خلال نسق إنشائى مركب .. هندسى التوازن .. رائع الحركة .. كينبوع من التعبير الحى المحرك للمشاعر .. وإذا تأملنا التمثال من الجانب الأيسر أو الأيمن .. سنكتشف جمال الحركة .. ليونة الجسد الهامس .. وهرمية البناء .. فإذا رسمنا خطاً بصرياً من قمة الرأس إلى أصابع القدم .. ومن قمة الرأس إلى نهاية القاعدة فى المقابل سوف نتلمس بناءً هرمياً راسخاً متيناً يحتوى بداخله أسرار الكون ، فقد جمع بين المميزات النفسية والشخصية والملامح الخارجية وإذا تأملنا كاتمة الأسرار من الأمام سنطالع هرمين متعاكسين ينبثق منهما من الأجناب هرمان واحد فى كل جانب مرتبطان بنسق متوازٍ ومتوالٍ ليبرهن ذلك على رؤية مختار الفنية وقدرته على التحول البصرى الهندسى إلى التحول التكعيبى العضوى فيما يخص النهج الفكرى لبناء المسطحات المختلفة الأبعاد وأيضاً المتنوعة المواقع .. والترابط المتجانس والعضوى الذى يؤكد على ترابط مفردات وتفاصيل كاتمة الأسرار .
` وهذه دلالة على أن حركة التطوير والتحديث فى الفن لم تتوقف فامتداد روح الإبداع الفنى وتواصل ينابيع التفكير فى الفن .. حرضت عبقرية مختار نحو تفتيت نظرية تمثال الكتلة وإطلاق حريتها.. وامتداد الأقدام فى هذه التماثيل يذكرنا بتقدم القدم اليسرى لتمثال (سعد زغلول) بالقاهرة والإسكندرية وبذراعه اليمنى يشير إلى الأمام .. فالدلالات لا تعرف حدوداً للزمن ، وتتحرك الرأس مع الكتفين والذراعين إلى الأمام ليلتقطها حِجْر كاتمة الأسرار فى حضن الساقين كأنها تحوى أسرار مصر .
أ.د. احمد نوار
جريدة الأخبار - 2002

- تحدثت فى مقال الأسبوع الماضى عن تمثال الكتلة فى الفن المصرى القديم وإرتباط هذه النوعية من التماثيل بالعقيدة المصرية القديمة .. كما أشرت إلى القيمة الفنية والجمالية وما سبقها من عمق فكرى اعتمد على نظرية هندسية الأشكال العضوية أو الطبيعية وميكانيكا البناء الهندسى وعلاقته بالبناء العضوى ، ولكون الفنون التشكيلية كسائر مجالات الإبداع فى الحياة وينطبق عليها نظرية التطور ومد التراكم الفنى فى حلقات متتابعة تعتمد على مرجعية الأسس الأصيلة للفن والتى أصبحت ثوابت الزمن المتغير والممتد .. وبرهاناً على ماهية الإبداع الفنى فى كل حقبة زمنية ..
`والحديث اليوم يتجه نحو الفنان المصرى المعجزة `مختار1891 - 1934` الذى إستلهم أسس فن النحت المصرى القديم من حيث متانة التكوين والتوازن والهندسة غير المنظورة للأشكال .. ويقول`بدر الدين أبوغازى 1924-1983` فى كتابه (المثَّال مختار) الذى صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 1994 ` ولكن طول تأمله فن بلاده أيقظ فى نفسه الإحساس بالجمال الهندسى ونمى عنده مقدرة التحليل والتركيز فتوالت تماثيل ( الفلاحة والجارة ) فى خطوط منحنية تعبر عن الدعة والليونة فى ( نحو ماء النيل ) وتردد إيقاعاً موسيقياً رائعاً كأنها نغم يوقعه النهر فى تشكيل هامس` كما قال الشاعر الدكتور `أحمد زكى أبو شادى 1892-1955` أحد مؤسسى مدرسة أبوللو الشعرية ` يا ناحتَ السرِّ فى تمثِالِ كاتمةٍ .. السِّـرُّ نَحتُكَ للتاريخ برهانُ ، رسمتها بالأجاص رسم كاهنةٍ .. وللتماثيل أسرار وكُهَّانُ` .
`كاتمة الاسرار شكله الفنان من الطين ثم سبكه من خامة البرونز طوله 129 سم وعرضه 94 سم وأقصى إرتفاع 131 سم والتمثال رائع الجمال قابع أمام متحف مختار بحديقة الحرية بالجزيرة ، وعرض مختار (كاتمة الأسرار واللقية) فى ` الصالون السنوى للفنون ` بباريس .. بعد أن عرض فى بداية حياته الفنية تمثال (عايدة) 1913 وعرض نموذج تمثال (نهضة مصر) عام 1920 .. أوصت لجنة تحكيم صالون باريس الشهير بمنح مختار وسام
- رأى الناقد :
- لقد كان محمود مختار صاحب دعوة ورسالة .. ورائد طريق لا يقف عند آحد اثاره الفنية فبينما يمضى ابداعه فى خطه الذى كانت نهضة مصر بدايته فإنه يمد جهوده الى ميادين أخرى بتعميم النهضة الفنية وثبيت دعائمها .. باعتبار الفن مصدر من مصارد الثروة القومية وإعلاء لذوق المجتمع .
وبرغم شواغله فى الإنشاء والاعداد للحركة الفنية فإنه لم ينصرف عن دوره كمبدع فى الفن .. ولم يقنع بالنجاح الذى أحرزه .. ولم يكتف بما أحاطه من تقدير فكانت آماله دائما أكبر من خطاه وكلما حقق شيئاً ضاعف الخطى .ولم يقف مختار عند مصرية الموضوعات والاهتمام بحياة الشعب وانما كان فنانا قوميا يتسلم التراث . ويشيع فى عروقه النبض والروح المصرية التى طافت بكل الحضارات وانغمست فى روح العصر .
- ورغم قصر عمر محمود مختار الفنى فقد خلف لنا تراثاً ضخماً من تماثيل الميادين ( نهضة مصر ) 1925 وتمثال سعد زغلول 1930 ومن حياة القرية المصرية صاغ قصائد منحوتة عبر فيها عن أحزانها ومشاعرها وأفراحها .
وهنا نلمح فن مختار وهو يتخلى ببطء وتدرج من تأثير المدرسة الباريسية التى تناولها فى مقتبل حياته والتى اتسمت بالرقة والحركة والتسجيل الواقعى الى مرحلة النهوض الفنى التى تكشف عن الجمال الهندسى الداخلى .فكان تمثال الفلاحة والجرة نراه أول عمل ينبض بالروح الفرنسية التى تأثر بها فى مرحلة تكوينة .. وفى تمثاله الفلاحة تجر الماء تفجرت الملامح والروح المصرية الأصيلة والتى تمثلت فى الانحناءات المستديرة لحاسة التكوين البنائى وتبسيط الكتلة مع انسياب الخطوط بسلاسة .
وينحت مختار تمثال على شاطئ النيل للفلاحة المصرية رامزاً للشعب بأسره فى خطوط وحدة حادة وتناسق .. حققت التوازن المعمارى للتمثال ، وتتجلى حاسة مختار فى توفيقة بين اختيار الشكل الفنى الملائم لكل موضوع يتناوله بالمعالجة ، وفن مختار كفنون هذا الوادى الفرعونى الإسلامى فن فيه ألفة مع الحياة كما فى تماثيله اشراقة التفاؤل .. ووضاءة الصباح وقد تلمح فيها الشجن ولكن الشجن من حب الحياة .. وكانت تعبيرات نماذجه الريفية تشير الى اليقظة والأمل .. ولقد كان الفنان مختار أحد طلائع النهضة المصرية المعاصرة المبشرة بالتفاؤل بالبعد القريب حيث تمثلت فى أعماله قدرة الفنان الإنسان على أن يعبر عن روح جنسه وشخصية عصره .. ومعالم بيئته وأن يؤكد ذاتيته من خلال تعبيره الشامل عن شخصية المجموع .
الناقد / محمد حمزة
مختار .. والتحرر من الكتلة
محمود مختار ومتحفه فى كتاب ` ذاكرة الأمة `
- صدر منذ أيام كتاب ضخم القطع ملون عن المثال محمود مختار رائد فن النحت المصرى للناقد الكبير الدكتور صبحى الشارونى والصادر عن الدار المصرية اللبنانية بعنوان : ` ذاكرة الأمة .. المثال محمود مختار ومتحفه ` .
- قدم الناقد الشارونى الكتاب بكلمات عن المثال الكبير بجزء من مقاله د. طه حسين عميد الأدب العربى بعنوان ` مختار مصر ` المنشور فى مجلة آفور بالفرنسية عام 1935 قال فيه : ` من العسير على شباب اليوم أن يتصور مدى دهشتنا وانبهارنا عندما بدأ الحديث عن مختار فنحن الآن نتكلم كثيرا عن الفن وندرسه وننظم له المعارض ونناقشه ونصدر الأحكام .. ولكن منذ خمسة عشر عاما كانت أمور الفن غريبة على الشباب المصرى غرابة اللغة السريانية .. لقد كان مختار ظاهره فذة وكان حدثا معجزا أثار إعجابنا بدون أن ندرك له تفسيرا وكانت هذه الفجاءة وتلك الدهشة التى صاحبت ظهوره هى التى جعلتنا نسميه جميعا النابعة وعلى شباب اليوم أن يعلموا تماما أنه إذا كان الفن الآن معترفا به تشجعه السلطات الرسمية فإننا ندين بذلك لمختار ولن ينسى له هذا الفضل أحد فهو دائما نابغتنا ` .
- شمل الكتاب الضخم الصادر باللغتين العربية والإنجليزية على قسمين .. خص القسم الأول عصر مختار وأعلامه وضم أبواب بعنوان بين القرية والحارة .. مدرسة الفنون الجميلة .. فى باريس .. مختار ثورة مصر الوطنية .. جهاد من أجل الفن .. الفنان والرائد .. رمسيس الثانى .. مختار محافظا أو ثوريا .. معرض باريس تمثالا سعد زغلول .. أصدقاء فن مختار .. مسابقة مختار .. بلاغة الصمت .. كلمات النقاد عن فنه . والقسم الثانى من الكتاب خص لمتحفه وضم عرضا لتاريخ المتحف ولمقتضياته من التماثيل مع رؤية تاريخية ونقدية .
- وسألت الناقد الكبير الشارونى عما يراه من رسالة لهذا الكتاب فى هذا التوقيت .
قال دكتور صبحى الشارونى واجه : ` فن النحت فى السنوات الأخيرة هجوما شديدا من اليمين ومن اليسار يتمثل على أيد المتطرفين الدينيين طالبان وأتباع أسامة بد لادن الوهابيين .. ثم عدم ارتفاع أى صوت من أصوات رجال الدين الإسلامى فى الوطن العربى للاعتراض على تخريب الآثار بدعاوى دينية . ويتمثل هجوم اليسار فى الحملة ضد تماثيل الميادين فى القاهرة بعد توقف دام طوال الخمسين عاما الماضية بعد الإطاحة بالنظام الملكى وحتى إقامة تماثيل طه حسين ونجيب محفوظ وعمر مكرم وعبد المنعم رياض .. وقد كان الهجوم عليها ضاريا من الجانب الآخر بدعوى وجود عيوب فنية بها دون الالتفات إلى أننا بعد فترة التوقف عن إقامة الفن الصرحى لابد أن تشوب التجارب الأولى بعض نقاط الضعف .. لكن الأصوات المعارضة من المتنورين فاقت فى ضراوتها أصوات المتزمتين الدينيين ` .
- ويضيف الناقد الشارونى : لهذا أخرجت رائد فن النحت المصرى المعاصر محمود مختار من الأدراج وأعدت النظر إليه وإلى تماثيله بنظره حديثة معاصرة وكتبت شرحا مختصرا لكل تمثال من تماثيله يتضمن الأحداث التى أحاطت به ومناطق القوة والجمال بالأضافة إلى دور هذه التماثيل فى إحياء الذاكرة للتعريف بفترة النهضة ومواجهة التخلف ومقاومة الاستعمار الإنجليزى والحصول على الدستور وبدايات التحرر لقد كانت العشرينيات من القرن العشرين هى سنوات النهضة نزع مظاهر التخلف والتبعية سواء للاستعمار الإنجليزى أو التركى .. لقد كان مختار المثال أحد قادة حزب الثورة الوطنية حزب الوفد الذى صنع أمجاد العشرينيات من القرن الماضى . ويكفى أن نتذكر الحملة الناجحة للتبرع لإقامة تمثال نهضة مصر من ملاليم وقروش الفلاحين .. وأن هذه التبرعات كانت تجمع من المصلين بعد صلاة الظهر أيام الجمعة من أمام المساجد .. فهذه عينة من أمجاد المصريين عندما يتحررون من التأثيرات الخارجية الإنجليزية والتركية والصحراوية إنها مصر عندما تصنع أمجادها بنفسها .
بقلم : فاطمة على
القاهرة - 2007
مختار والنيل والضوء ..
- محمود مختار (1891-1934) من الفنانين المصريين الرواد الذين أرسو قواعد لفنهم القومى والذى ارتبط بالتراث المصرى القديم وقيمه الفنية والجمالية، كما ارتبط بالوطن والحياة والبيئة فى مصر، وبالإنسان المصرى سواء كان رجلاً أو امرأة أو طفلاً أو زعيماً أو فلاحاً، ويأتى مختار كأول فنان ينحت تماثيل حديثة -فى بداية القرن العشرين- بعد المصريين القدماء، وكان عاشقاً للأحجار البيضاء الصلبة وميَّالاً إلى سبك تماثيله بخامة البرونز ، فى العام 1991 عندما احتفل المركز القومى للفنون التشكيلية بالعيد المئوى لمختار نظم له موكباً فنياً رائعاً انطلق من كلية الفنون التطبيقية وصولاً إلى تمثال `نهضة مصر` حيث استقر المشهد الرائع حول التمثال وفى حضور مئات المواطنين لتطلق حمامات السلام من أمام تمثال نهضة مصر .. رسالة إبداع وسلام .. مرسلة للعالم، وكان من فعاليات الاحتفال، عقد ندوات ومحاضرات بالمسرح الصغير بدار الأوبرا تحدث فيها العديد من الفنانين والنقاد وكان من بينهم الناقد الإسبانى الكبير `مانويل جاريثا فينيولاس` والذى كان يحتفل بعيد ميلاده الثمانين فى نفس يوم الافتتاح وفى بداية محاضرته التى صرح فيها بأن الشعب الأوروبى لا يعرف مختار !! قال `عندما زرت متحف مختار لأول مَّرة اكتشفت بالمتحف `دستة تماثيل` -أى 12 تمثالاً- يضارعون تماثيل المثال الفرنسى `رودان ` ثم واصل حديثه قائلاً `عندما عدت للفندق مساء أول يوم زرت فيه المتحف واتجهت إلى سريرى بعد أن قمت بإطفاء النور بالحجرة تخيلت تماثيل مختار البيضاء تنزل من على قواعدها بالمتحف وتتجه للنيل العظيم` واختتم كلامه بهذه العبارة `إذا أتيحت لى الفرصة لزيارة مصر ومتحف مختار مرة ثانية سأخلع حذائى قبل دخولى المتحف` هذه هى قيمة الفن المصرى الأصيل .. وفى نفس الوقت يؤكد لنا فينيولاس على أن الفن المصرى فى حاجة إلى الانتشار والتعريف به فى العالم ، وهو الأمر الذى غاب عن سياسة الدولة فى الوقت الذى تعاظمت فيه أنشطة وزارة الثقافة بدول العالم، ولكن الأمر يتطلب رؤية أشمل وأدق، تتلخص فى ترشيد هذه الأنشطة والاهتمام بتجويد المستوى والإعداد لها لتخرج بالكيفية والمستوى اللائق من طباعة كتالوجات باللغات الحية العالمية .. وتأليف إصدارات تترجم أيضاً بلغات العالم عن الفن المصرى المعاصر مع اشتراط إقامة هذه المعارض بقاعات المتاحف بهذه الدول أو القاعات الرسمية والهامة بها، مع الحرص على عمل الدعاية الكاملة والترويج لهذه البرامج والأنشطة من قبل هذه الدول ، فحديث الناقد الإسبانى دال على وجود قيم مصرية مدفونة غير مستثمرة على المستوى الدولى ، فهل من مؤسسات وطنية ترعى هذه المعارض لتضيف ومضة ضوء لحضارتنا المعاصرة فى دول العالم .
أ.د. احمد نوار
جريدة الحياة - 2004

- كان المناخ الفنى العام الذى عاصره محمود مختار أثناء اقامته فى باريس منذ عام 1911 وحتى عودته سنة 1921، وطوال تردده عليها إلى أن وافاه الأجل فى مارس 1934، مفعماً بالأساليب المستحدثة والبدع، لكنها لم تؤثر على أدائه بشكل جذرى، لأنه كان يعرف ماذا يأخذ وماذا يدع. ويقف من الحركة الثقافية العالمية موقف الرائد المساهم المعطى، وليس التابع المتلقى، وبالرغم من أنه أحاط بفلسفة الأتجاهات العديدة التى ظهرت فى أوروبا فى تلك الفترة الزمنية، لم يكن بالرجل الهين اللين الذى يميل مع الريح. كانت له شخصيته الانتمائية وفكرة المستقل وذكاؤه الذى مكنه من إثراء إبداعه بأفكار عصره، مستنداً إلى تراث فريد من الفن المصرى القديم، مضيفاً بصمته التى تضفى على تماثيله الحيوية والدنيوية والطرافة والجاذبية والإثارة، بالاضافة إلى `الجلال والهيبة` كما فى تمثالى الزعيم سعد زغلول. أما نصب ` نهضة مصر`، فيجمع بين تلك المعانى وبين عظمة البناء وتكامله ودقة الأداء. استلهم موضوعاته من الحياة المصرية العامة والمشاعر الاجتماعية، واستعار رموزاً وأوضاعا تراثية فى تمثالى الوجهين البحرى والقبلى. وإذا كان `ميكلانجلو` قد بعث النحت الكلاسيكى الإغريقى ودخل معه فى منافسة، فقد أدى `مختار` نفس الدور بالنسبة للفن المصرى القديم، وأضاف إليه ` الحيوية والدنيوية ` وأخرجه من ` الجمود والأخروية `، وهما الصفتان اللتان حتمتهما العقائد التى سادت الثقافة المصرية منذ آلاف السنين. وحين فاز بالميدالية الذهبية فى صالون باريس سنة 1929 عن تمثال `عروس النيل`، كان ذلك تقييما وتقديرا لبعدين أساسيين ينبغى أن يتوفرا لكل عمل فنى مرموق هما: الاصالة والمعاصرة. فتمثال عروس النيل يمد جذوره إلى ماضينا السحيق، ويستلهم فى نفس الوقت المستحدثات المقبولة الخالية من الإسفاف والواقعية، وبالمقارنة مع عظماء فن النحت الأوربى قديماً وحديثاً، نراه يفترق عن ` فيدياس` الإغريقى بالطبيعة وعن `ميكلانجلو` الإيطالى بالرقة والطراوة وخفة الظل، وعن `مايول` الفرنسى بعنايته بالتكوين الجمالى وعدم التزامه الدقة الحرفية، كما فى تمثال ` مناجاة ` حيث تستطيل ساق الفتى قليلا عن النسب الواقعية. ولو تأملنا التعبيرات ومتباينات المعانى لوجدنا ما يشير إلى تراثه وإلى قدرته التعبيرية المدهشة. كذلك تمثال رأس الزعيم سعد زغلول، التى تنضح بآيات العظمة والجلال والهيبة، الجديرة بزعيم أمة وقائد مسيرتها نحو الاستقلال، لقد أضاف محمود مختار إلى تراثنا تراثاً، ولن تتوقف دراسة أعماله، لإنها تحمل من خصوبة المضامين ما يلَبّى متغيرات الحياة الإجتماعية المحلية والإنسانية بوجه عام. سواء تماثيله المحفوظة فى متحفه المعروف باسمه فى القاهرة، أو فى متاحف أخرى مثل `متحف جريفين` بباريس، حيث يوجد تمثال للمغنية المصرية المعجزة ` أم كلثوم ` وتمثال ` أنّا بافلوفا ` أشهر راقصة باليه فى القرن العشرين. ستظل تماثيله مصدر الهام للفنون المرئية ، جنبا إلى جنب مع رسومه الكاريكاتورية ومقالاته الفنية ودراساته وأشعاره ورسائله الأدبية.
- بدأ محمود مختار خطواته نحو العالمية سنة 1913، حين عرض تمثال `عايدة ` فى صالون باريس، الذى كان يعتبر الإشتراك فى عروضه شهادة بالإمتياز. وبعد سبع سنوات عرض نموذجا مصغرا لتمثال` نهضة مصر` فاستنفر أقلام كبار نقاد فرنسا وأعلنوا ميلاد فنان جديد، يضيف أبعادا مبتكرة لفن التمثال الحديث، على أسس من التراث المصرى القديم. ثم عرض تمثالى ` اللقية ` و` كاتمة الأسرار`، اللذين علّق عليهما ناقد كبير بقوله ` انهما ظاهرة روحية فذة `. وفى عام 1930 - بعد اقامة نهضة مصر بعامين - عرض أربعين تمثالاً فى ` قاعة برنهيم` بباريس، ممثلاً وجه الفن المصرى المعاصر، ومؤكداً أسلوبه الفنى الفريد، وشخصيته المتميزة وقامته الشامخة بجوار `رودان` و `مايول` و` بورديل` و ` برانكوزى`.. وكل مشاهير عصره. وقد علّق ناقد فرنسى آخر على ابداع محمود مختار قائلا: ` فى زمن الخداع واهتزاز معايير التقدير الفنى، ما زالت القيم الجادة تحيا، وها هى بين أيدينا فى أعمال مختار المصرى`. أما الناقد `جورج جراب` فكتب مقدمة الكتالوج على شكل رسالة موجهة إلى الفنان الكبير قال فيها: `إن فلاحاتك وفلاحيك، وبنات الحقول فى أرديتهن البسيطة التى تلف أجسامهن فى خفر وحياء، يجمعن بين المظهر الدينى والسحنة الإنسانية الواقعية التى عرف أجدادك كيف يضفونها على تماثيلهم. قال رودان: الفن الخفاق بالحياة لا يعيد أعمال الماضى ولكنه يكملها. وتلك هى الرسالة العظيمة التى كّرست نفسك لها`.
- لكى نقدر قيمة هذا التحليل والتعليق، ينبغى أن نشير إلى أن الناقد جورج جراب صاحب تلك الكلمات، كان مديراً لمتحف رودان، وله عدة دراسات نقدية فى الأدب والفنون المرئية. وحين أقيم معرض فى القاهرة سنة 1938 يضم تماثيل: رودان ومختار ومايول وبورديل، ألقى محاضرة عن حياة مختار وأعماله، حضر لأجلها خصيصاً من باريس.
- لقد خاطب محمود مختار بتماثيله الآمال والأحلام والوجدان، وأثار الخواطر وجسد الخيال وامتزجت مشاعره بمشاعر قومه فسيطرت عليه فكرة نهضة مصر أثناء اقامته فى باريس. لم يكن تمثالاً لشخص أو تكليف من هيئة، بل مجرد احساس نابع من اعماقه لم يكن يدرى حينذاك أن شعبه سيكتتب لاقامته صرحاً جرانيتيا مهيبا كما نراه الآن يتصدر الطريق إلى جامعة القاهرة. هكذا جاء التمثال عملا قوميا موازياً لثورة 1919، وليس مجرد تعبير عنها. وكان المثّال الكبير يعرف ذلك جيدا ويردد فى كل مناسبة: ` لست صاحب التمثال بل الشعب هو صاحبه`.
- ولمحمود مختار كثير من الكلمات المأثورة ذات المعانى العميقة. فهى مثل تماثيله تثير الأفكار وتوقظ الاحساس، وتفتح العيون على بديهيات يتناساها الإنسان فى غمرة تفاصيل الحياة، وتدفعنا إلى إعادة النظر فيما درجنا عليه من مسلمات، فهو يقول مثلا: `ما نعرفه تماما ليس بالحقيقة على الدوام`. وحين دعا إلى فكرة الفن للفن، كان يقصد إلى الكمال والإتقان، لأنه كان يؤمن بالفن للحياة. وقد ردّد فى أبحاثه المنشورة إن ` دور الفنان فى الحضارة ليس مثاليا خالصا، فدوره الإجتماعى عميق الأثر، ومن الخطأ أن نعتبر النشاط الفنى ضربا من التسلية `. وحين نتأمل تماثيل هذا الفنان الكبير، ينبغى ألا ننسى ما يودعه إياها من مضامين رفيعه نابعة من مستواه الثقافى، الذى جعله جليسا وصديقا ندا لصفوة رجالات عصرة من الأدباء والفنانين والسياسيين والمفكرين، مثل الزعيم سعد زغلول الذى زاره فى باريس أثناء إنشغاله بنموذج تمثال نهضة مصر، وكبار الأدباء: طه حسين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم، والزعامات النسائية: هدى شعراوى ونبوية موسى، كما أنه ينتمى لجيل عمالقة الموسيقى المصرية الحديثة سيد درويش ورفاقه. وقد أوضح رسالته بقوله: ` الفن قوة قومية، يعبر بوضوح عن مميزاتها وخصائصها`.
- قال عنه الناقد الراحل: بدر الدين أبو غازى (1924 - 1983): ` بعد أجيال من الصمت، ظهر فى عشرينيات هذا القرن المثال محمود مختار، وخلفه المسار التاريخى الذى أمد عبقريته بفيض من التجارب، حتى ليعتبر نقطة بداية لفن النحت المعاصر. ولكنها بداية تحمل عراقه الأستمرار واصالته`.
- درس مختار فى مصر على يد النحات الفرنسى ` لابلان `، وفى باريس بإشراف المثال ` مرسييه ` ، ولكنه لم يهمل الجذور الأصيلة التى شبّ بين ربوعها. لم ينس النحت الفرعونى الذى علم الإنجليزى ` هنرى مور` أشهر مثالى القرن. كما تأثر بالمجسمات الشعبية المصرية التى كانت شائعة آنذاك، فى مشاغل الأزبكية وشارع محمد على. انعكس هذا التأثير، على التماثيل التى أبدعها أثناء سنوات الدراسة قبل أن يرحل إلى باريس سنة 1911: مثل تمثال أبن البلد المحفوظ بمتحف مختار بالجزيرة. بذلت محاولات مضنية دون جدوى، لتحديد تواريخ إبداع روائعه المحفوظة فى المتحف. الا أن المعروف أنه شكّل بضعة تماثيل صغيرة، ذات طابع شعبى ساخر، أثناء سنوات التلمذة فى مدرسة الفنون الجميلة العليا. الأمر الذى يوحى بأنه حين رحل إلى باريس، كان مسلحا بأحساس ناضج بفنون التراث المصرى القديم والمعاصر على حد سواء. فبالرغم من أنه بداية فن التمثال الحديث فى مصر والعالم العربى، فهو حلقة فى سلسلة طويلة. وقد ذكر: إبراهيم عبد المسيح، فى الكتاب الذى وضعه فى نهاية القرن الماضى، بعنوان ` دليل وادى النيل `، بيانا بأسماء العديد من الفنانين بينهم رسامون ونحاتون وخراطون ونساجون.
- لكى نعمق من نظرتنا إلى تماثيل محمود مختار، ينبغى أن نلم بشئ عن طفولته وحياته. فقد ولد فى احدى القرى فى العاشر من مايو سنة 1891، ومضى يعبث بالطين على ضفاف الترع ويشكل التماثيل، حتى شب عن الطوق فنزح إلى القاهرة فى الثانية عشرة من عمرة سنة 1903. وبعد خمس سنوات كان فى طليعة الملتحقين بمدرسة الفنون الجميلة، التى فتحت أبوابها لأول مرة سنة 1908 بدرب الجماميز بالقاهرة.
- يبدو أن نشأته الريفية، أرست فى وجدانه جذور الإنتماء، حتى أنه أثناء الدراسة فى باريس بعد تخرجه سنة 1911، ابدع تمثالين، أحدهما لخالد بن الوليد، وثانيهما لطارق بن زياد، وكلاهما من قادة الجيوش الاسلامية فى عصر الأنتشار والفتوحات الكبرى. كما اتخذ من الفلاح والفلاحة رموزاً قوية، للنهضة والحرية التى كانت تسود المناخ الإجتماعى المصرى حينذاك. لفتت روائعه أنظار نقاد أوربا، حتى قال عنه اندرية سالمون: ` لا أعرف فناناً عنى أكثر من مختار، بالعنصر البنائى واحترام الكتلة لذاتها فى فن النحت. ليس هناك فن أجدر منه، ليكون فن بعث ونهضة لقد دفعنا مختار دفعا لأن نلمس أعماق ضمير بلاده، حين عبر عن عاطفة كبرى تتمثل فى تمجيد جنسه`.
- أوضح الناقد الفرنسى بكلماته، كيف تمكن محمود مختار من تحقيق ` القيمة النحتية الإستطيقية المطلقة `، بالرغم من موضوعيته وتعبيره المقروء، ورموزه الإجتماعية وأفكاره الفلسفية، والتزامه بالتراث المحلى والتقاليد العريقة. كان `سالمون` يعلق على تمثال نهضة مصر، الذى أزيح عنه الستار سنة 1928. والواقع أن هذا الصرح العظيم يعتبر رائعة محمود مختار. صحيح أن تمثال الخماسين رائعة أخرى. لكن ` النهضة ` يزيد درجة، بما فيه من فكرة وطنية واجتماعية، استطاع الفنان تجسيدها بحجر الجرانيت الصلب، فى قالب مفعم بالحيوية، ويشيع جوا من الرهبة والهيبة والجلال. لا يحول المتأمل عينيه عنه، الا بعد أن يتلقى الرسالة كاملة. فالتكوين الهرمى، يكمل معنى الرسوخ والثقة والايمان بالمستقبل. مصر تتقمص جسد الفلاحة. تقف ممشوقة فى عظمة وأعتزاز. تلفها غلاله من الصرحية والخلود. أما القوى الوطنية فتتمثل فى ` أبو الهول `. تلمسها مصر الفتاة بيد سحرية، لتبعث من جديد وتستيقظ بعد طول رقاد. تعبيرات قوية عميقة هادئة، توحى بالتصميم على المضى قد ما فى طريق الثورة ، التى أندلعت قبل عام واحد من ابداع مختار لتمثاله وعرضه فى صالون باريس سنة 1920. لا تقل مكانة هذا الصرح الجليل، بالنسبة لفن التمثال فى العصر الحديث، عن مكانة ` الجرنيكا ` لبيكاسو، فى فن الرسم. فهو يعبر عن مصر الوطن والأمة والشعب والمسيرة، ولا يصور السلاطين والحكام.
- كان محمود مختار يدرك قيمة الأشكال ذات الدلالة فى فن التمثال. مما صنع وحدة بين الشكل والمضمون، تجسد المعانى وتبلور الأفكار، وتتسم بالاثارة والجاذبية والسحر الذى لا يعرف له المتلقى سببا. لم يصور الفلاحات بسذاجة سياحية، بل باحساس عميق وعاطفية قوية، وفكر ثاقب وروح تنتمى إلى تراب القرى التى ترعرع فيها. تحدث عن هذه الدلالات الكاتب الكبير يحيى حقى فقال: ` فى وقت يسبق بزمن طويل، اهتماماتنا بالدلالات الفنية فى حياة الفلاحين، نرى مختار يفطن لها. ولكنه لا ينقلها نقل مسطرة، بل يرفعها إلى ذروة الفن، حينما يسعى فى تماثيله الصغيرة، إلى أن يربط بين هذه الدلالات، وبين أصولها الغارقة فى ثرى مصر`. ` فكرة ضئيلة لا أظن أن الأدب قد أنتبه لها أو عرف كيف ينتفع بها`.
- لوحتان من الرخام الأبيض منحوتتان على جانبى تمثال إيزيس، يعتبران من معجزات النمنمة النحتية البارزة، اذا قورنت بمثيلاتها فى الماضى السحيق عند الفراعنة والإغريق، أو الماضى القريب فى عصر النهضة وما بعده. لن نلتقى فى مثل هذه الدرجة من الاتقان الحرفى والفنى على السواء. تمثلت فى هاتين اللوحتين التقاليد المصرية القديمة، فيما يتعلق بالتصفيف وإيقاع الاطراف، والتغاضى عن المنظور والتفاصيل الدقيقة غير المعبرة. لكنها تتفوق على النحت البارز فى الحجر فى مقبرة ` تونة الجبل`، من العصر الإغريقى الرومانى فى مصر. كما أضاف على النحت البارز فى عصر النهضة الأوربى: البساطة والبلاغة والرمز والعبرة والحكمة. هنا.. تكمن عظمة محمود مختار، الذى لو توفرت لسيرته وأعماله سبل الاعلام العالمى.. لاتخذ مكانته الصحيحة كواحد من عظماء الحداثة فى القرن العشرين. جنبا إلى جنب مع الفرنسى ` أوجست رودان` والانجليزى `هنرى مور`.
- أما تمثال إيزيس نفسه الذى يعلو القاعدة، فهو بدوره رائعة منحوتة فى الرخام الأبيض، يصور الألهة المصرية، تجلس القرفصاء وترفع ذراعيها خلف رأسها، مجللة بالحزن واللوعة على أوزوريس ومأساته فى الأسطورة الفرعونية. نظرة باكية وتعبيرات أسيانة، لكنها لا تخفى المسحة الملكية والأمجاد السماوية والحنان الدافق.
- لقد مضت أكثر من مائة عام على مولد المثّال العبقرى، وما زالت روائعه تحتفظ بنضارتها وحيوتها، تثير المشاعر وتجذب النفوس، وتضرم شعلة الفكرة المقدسة.
- من المعروف أن مثالى عصر النهضة الأوربية نافسوا فن التمثال الاغريقى الكلاسيكى، الذى عاش منذ 2500 عام. كل من زار روما والفاتيكان، يعاين بعينيه كيف أنتصر ميكل انجلو فى تلك المنافسة. بالمثل.. لا تقل تماثيل محمود مختار عن تلك الروائع جميعا، وتتميز بالنكهة المحلية، المستمدة من تراثنا الذى كان أول معلم للبشر. علمهم القيم الفنية المطلقة، مع الإحتفاظ بالموضوع والمعنى والمضمون والفكرة والفلسفة. نسج على منوال الأجداد، مع اضافة اللمسة الدنيوية الواقعية الشاعرية، التى أنتشرت فى باريس ابان اقامته بها (1911 - 1920)، متأثرا بأوجست رودان الذى شاعت نظرياته الفنية آنذاك. لقد وضع مختار يده على أسرار العظمة فى التماثيل المعاصرة، والتراث المحلى والعالمى، لقد وعى الواقعية الشاعرية من أوروبا، والحركة المعبرة من الاغريق، والجلال والهيبة من المصرى القديم، وخفة الظل من الفن الشعبى فى زمانه. مضمنا كل هذه القيم الفنية، أفكارا اجتماعية وفلسفة انسانية، فى مهارة وبراعة ودقة.
- كأعمال كل العظماء، كانت تماثيل محمود مختار ترديداً لنبض شعبه فى حركته الاجتماعية نحو التغيير، مع الثوار قولا وابداعاً، حتى حين شكل تماثيله الصغيرة الشهيرة للفلاحات. أبدعها مفعمة بالقوة والحيوية والخصوبة والأنوثة. ليست أنوثة الجوارى ، بل أنوثة شجاعة معتزة بنفسها. حتى تمثال المناجاة، المنحوت فى الرخام الأبيض بارتفاع قدم واحد، يلتقى فيه الحبيبان بلا اسفاف أو ابتذال. تتدلل الفتاة فى رقة وعذوبة، بينما يبثها الفتى لواعج حبه. تكوين كلاسيكى هرمى رزين. تكمل فيه الظلال والأضواء والملامس الناعمة حديث العاشقين. أما تمثال وجه الفلاحة، فاختار له خامة البرونز بارتفاع يقارب نصف المتر، ليكمل تعبير الوجه الذى لوحته شمس الحقول، مع تقطيبه خفيفة، لا تخفى الجمال الوقور تحت منديل الرأس. ولا شك أن تمثال الخماسين هو تحفة فلاحات مختار. لولا ملامح الوجه الصغير نسبياً، البارز فى أعلى التكوين، لحسبناه تشكيلا مجردا عنيفا، يصور الانطلاق والمقاومة والصراع. تكوين مثير من الحجر الصناعى بارتفاع نصف المتر، حافل بالقيم الفنية والاثارة والجاذبية.
- لاينبغى ان ننظر إلى فلاحات صاحب الخماسين نظرة بسيطة. أو نظن أنها مجرد تعبيرات عن رقة الريف المصرى. لم يكن مختار مجرد نحات عبقرى، بل كان مفكرا يحس بقضايا شعبه، ويقول بتماثيله ما قاله ثوار 1919. وكان ينفذ تماثيله بالخامة المناسبة للشكل والمضمون. فالمناجاة بالرخام الأبيض. ووجه الفلاحة بالصلصال المصبوب برونز، حتى تكمل الملامس من تعبيرات الصلابة والمشقة، رغم الجمال المصرى الأصيل، والحجر الصناعى لتمثال الخماسين، حتى توحى الملامس الدقيقة بهبوب العواصف الرملية.
- معظم تماثيل الفلاحات، أبدعها بين عامى 1924 و 1930. تتراوح ارتفاعاتها بين قدم واحد ونصف المتر. ولعل تمثال الفلاحة التى تمسك جرتها بيد واحدة، وتنحنى عليها كأنما تملأها، من روائع تلك المجموعة بعد الخماسين. فالحركة الرشيقة الصحيحة، تنضح بالحيوية والقوة والنشاط. والخطوط الحلزونية التى تصل الرأس بالكتف بالذراع، بالجرة بباقى الأطراف والعناصر، تتفجر بالديناميكية.
- هكذا أثبت محمود مختار أن الواقعية، قادرة على اظهار القيم الفنية المطلقة.
بقلم : مختار العطار
من كتالوج متحف الفن المصرى الحديث 1992 - صندوق التنمية الثقافية - وكتاب ( رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر ) الجزء الأول
من رواد الفن الحديث فى مصر محمود مختار
- هو رائد الحركة الفنية فى مصر .
- عاش حياته كلها للفن بعيداً عن الوظائف الحكومية ، وعمل باقى زملائه مدرسين للرسم وهم الذين كانوا أول دفعة تخرجت فى المدرسة المصرية للفنون الجميلة ، التى أنشأها الأمير يوسف كمال بحى درب الجماميز وفتحت أبوابها لتسقبل أول فوج من الراغبين فى دراسة الفنون الجميلة فى 13 من مايو عام 1908 ، وعقد امتحان القبول ووقع الاختيار على ذوى المواهب الفنية التى أدهشت أساتذتهم الأجانب وزادتهم يقينا بأن مصر هى مهد الفنون فى العالم بأسره ، وأن الفنون المصرية هى اللغة المرئية التى أكدت وجود أول حضارة متكاملة للإنسان على سطح الأرض.
- ولم تكد الدراسة تستمر عامين حتى أتم الرباعى الأول دراسته وهم محمود مختار ، ومحمد حسن ، ويوسف كامل ، وراغب عياد ، وتجمع هؤلاء الفنانين الناشئين إنتاج وافر العدد من أعمالهم ، واغراهم تشجيع أساتذتهم على إقامة معرضهم الأول فى عام 1911 وأسفر عن نجاح لم يكن متوقعا عندما افتتح المعرض فى بيت شيده تاجر العاديات ` ناهمان ` ليضم لفيفا من الفنانين الأجانب المقيمين فى مصر ، ولا يزال البيت موجودا فى شارع شريف حيث يشغله - حالياً - بنك التصدير والاستيراد المصرى ، وكان من بين العارضين محمود مختار ، ويوسف كامل ، ومحمد حسن ، وعلى حسن ، وعلى الأهوانى ، ومحمد رائف ، وراغب عياد ، وأنطون حجار ، ومحمد إسلام ، وفريد نجم ، وتوفيق شارل ، ومحمد سامى.، وكانت أعمال مختار درة المعرض ومنها تمثال كاريكاتيرى لخادم مختار ، وباع ثمانى نسخ منه ويعرف باسم ` ابن البلد ` بسعر جنيهين ذهبيين لكل نسخة .
- ولد محمود مختار فى 10 مايو من عام 1891 من أب كان عمدة قرية طنبارة ، بالمحلة الكبرى ، وانتقل مع أمه إلى قرية نشا ، من قرى المنصورة على أثر خلاف دب بينها وبين أبيه ، ثم انتقلت أمه إلى القاهرة للعلاج تاركة الصبى فى رعاية أخواتها ، وكان متعودا فى أصيل كل يوم الجلوس على شاطىء الترعة يلهو بصنع تماثيل صغيرة من الطمى .واصطحبه الشيخ محمد أبو غازى زوج خالته إلى القاهرة فى عام 1902 ، بعد أن تعلم القراءة والكتابة فى كتاب القرية ، ليضمه إلى أمه ونصحها بإلحاقه بالتعليم الابتدائى بالأزهر .ولم تمض فترة طويلة حتى أعلن عن افتتاح المدرسة المصرية للفنون الجميلة ، وكان يبلغ من العمر سبعة عشر عاما ، فتقدم إليها فورا واجتاز اختبار القبول بقدرته الفذة التى اكتسبها بالمران على تشكيل الطمى فى سنوات طفولته.
- وبعد أن أتم دراسته بمدرسة الفنون الجميلة المصرية بتفوق شهد به أساتذته وشجعوه على السفر إلى باريس ،فأبدى رغبته للأمير الذى رحب بطلبه وأرسله على نفقته فى عام 1911 قبيل إعلان الحرب العالمية الأولى ( 1914 - 18 ) وتفتحت آمامه آفاق جديدة للفن أضافها إلى عشقه لفن أسلافه متمثلا فى أبى الهول ، ذلك التمثال الضخم الذى يبعث فى قلوب الناظرين إليه الإعجاب والرعب، واستطاع مختار بموهبته وذكائه أن يجمع بين الاتجاهات والأساليب المستحدثة وبين عراقة فن الأجداد فى تمثال ` عايدة ` الذى كان أول عمل فنى لفنان مصرى يعرض فى الخارج فى عام 1913 ويفوز بالتقدير والتعظيم على صفحات الجرائد فى باريس التى كانت مركز إشعاع للفنون الحديثة ومكان تجمع كبار الفنانين المجددين ، وفى تمثال ` نهضة مصر ` الذى عرضه لأول مرة فى صالون الفنانين الفرنسيين عام 1920فأدهش عقول من شاهدوه ببساطة وقوة المسطحات التى يتمثل فيها العنصر البنائى الفرعونى الطراز ، وبراعة الخطوط الرشيقة المنغمة التى استهوته فى الفن ( الكلاسيكى ) الإغريقى فى تمثال الفلاحة التى ترمز إلى مصر المتطلعة فى ثقة واعتداد بعد أن كشفت عن وجهها الحجاب الذى عزلها عن العالم مئات السنين ، وتحمس الزعيم سعد زغلول لإقامة هذا النصب التذكارى لثورة 1919 فى القاهرة ، وطلب من ويصا واصف رئيس مجلس النواب اعتماد المال اللازم ، وتم تشكيل لجنة استشارية بمرسوم ملكى ، واكتتب الشعب بدعوة أمين الرافعى صاحب جريدة الأخبار بعد أن أفسح صفحات جريدته لأقلام الكتاب والمواطنين المتحمسين ممن وجدوا فى هذا النصب ما يردد الدعوة إلى وحدة الصف فى مواجهه الاحتلال ، فكتب مجد الدين حنفى ناصف الذى شاهد التمثال فى أثناء دراسته فى باريس وقرأ ما كتبته صحافتها تمجيدا لفن محمود مختار ، وأعقبه الدكتور حافظ عفيفى وكان من بين أعضائه الوفد المصرى برئاسة سعد زغلول عند زيارته باريس للدعوة إلى القضية المصرية ، وأيد دعوة أمين الرافعى إلى الاكتتاب الشعبى ، وكتب ويصا واصف فى 2 مايو 1920 كلمة تضمنت ما شاهده من تماثيل مختار فى متحف الشمع المعروف باسم ` متحف جريفان ` فى أثناء توليه إدارة المصنع الفنى فى سنوات الحرب العالمية الأولى إلى أن عاد مديره الفرنسى بعد انتهاء الحرب فى عام 1918 ، وكانت منحة الأمير يوسف كمال قد انقطعت عنه فى تلك السنوات وتبعه واصف بطرس غالى فى 3 مايو مؤيدا اقتراح الدكتور حافظ عفيفى الذى عاد فكتب فى 26 يوليو مقاله الثانى يثنى على أبناء الشعب من الطلبة والعمال البسطاء على ما تبرعوا به من قروش ويوجه اللوم إلى أولئك الذين يحبسون المال بأنهم يسيئون إلى سمعة مصر ..
- وتوالت التبرعات من 50 مليما و 200 مليم و 600 مليم إلى خمسة وعشرين جنيها ، وتولى المتبرعون من البسطاء دعوة الأثرياء فى القاهرة والأقاليم للاكتتاب حتى بلغت جملة التبرعات ستة آلاف وخمسمائة جنيه .
- وقرر مجلس الوزراء فى 25 يونيو عام 1921 الموافقة على إقامة هذا النصب التذكارى تحت إشراف وزارة الأشغال - وكانت تتبعها الفنون الجميلة - واعتمدت له ثلاثة آلاف من الجنيهات فى عام 1922 لقطع الأحجار ونقلها من أسوان إلى القاهرة ، واعتمد البرلمان - فى عام 1924 - مبلغ اثنى عشر ألف جنيه ، غير أن مؤامرات تعطيل العمل بحجة إعادة النظر فى موقعه - وتزعمها المهندس صالح عنان وكيل وزارة الأشغال - أدت إلى التوقف أكثر من عام ونصف العام إلى أن انقشعت الغيوم فى عهد الوزارة الائتلافية التى رأسها عدلى يكن باشا ، ووافق البرلمان على تخصيص ثمانية آلاف جنيه أخرى ، واشترطت وزارة الأشغال فى أغسطس عام 1927 - أن يتم النصب التذكارى فى ثلاثة عشر شهرا ، ولكن مختار أتمه فى ستة شهور فقط ، وظل يترقب إزاحة الستار شهوراً إلى أن احتفل رسميا بإزاحته عنه فى 20 مايو من عام 1928 بعد وفاة الزعيم سعد زغلول فى عام 1927 .
- وفى عام 1930 ، أقام مختار معرض شامل لأعماله فى باريس ، واستدعى على أثر نجاحه لإقامة تمثالى سعد زغلول فى القاهرة والاسكندرية، وعندما تولى إسماعيل صدقى رئاسة الوزارة فى عام 1930 أنشأ لنفسه حزبا باسم حزب الشعب وألغى دستور سنة 1923 ، وعطل الحياة النيابية ، ومنع إقامة تمثال سعد زغلول مما اضطر مختار إلى مقاضاة الحكومة بعد أن أعد النماذج منذ إسناد التمثالين إليه فى سنة 1927 .
- وأثار قبول محمود مختار عمل التمثالين للزعيم سعد زغلول من أحجار جرانيت أسوان - أسوة بفنانى مصر القدماء الذين كانوا يصنعون منها تماثيل الملوك والفراعنة - ثائرة خصوم سعد فأقاموا العقبات التى حالت دون تحقيق هذه الرغبة .
- وأصر مختار من جانبه على صنع التمثالين رمزا لكفاح سعد زغلول الوطنى الذى حشد إرادة الشعب المصرى بأسره ليحطم أغلال الاحتلال البريطانى بعد أن أعد لهما الدراسات التحضيرية ورأسين لسعد زغلول للتمثالين .وفى تمثال القاهرة استعار مختار وقفة سعد عندما كنا نراه يلتقى بأفراد الشعب فى السرادق الذى يقام بجوار بيت الأمة مكان ضريحه الأن ، رافعا يده اليمنى وهو يقول : ` اسمعوا وعوا: : ` وكان يردد هذا النداء مرات إلى أن تهدأ عاصفة الجماهير التى كانت ترحب بمقدمة هاتفه بحياته والاستقلال التام أو الموت الزؤام .وأحاط القاعدة بأربع لوحات من النحت الغائر : الزراعة - الصناعة - وتحية أهالى الأقاليم للزعيم - والنيل. وأربع لوحات من النحت الباز : مصر تحيى سعد - والعدالة- والدستور - والإرادة ، وتمثال الإسكندرية يمثل سعد ماشيا ومرتدياً معطفه ، وعلى القاعدة تمثال الوجه البحرى من أمام - وتمثال الوجه القبلى من خلف - و13 نوفمبر على الجانب الأيمن من النحت البارز - وهتاف الجماهير على الجانب الأيسر من النحت البارز ، والنصبان التذكاريان تمت سباكتهما من معدن البرونز فى باريس ونصبا فى مكانهما بعد رحيل محمود مختار عن عالمنا .
- كان سعد زغلول يمثل آمال شعب مصر ويدفعه إلى الجهاد والاستمرار فى النضال .وكان محمود مختار يجد فى فنه الأداة لتخليد كفاح مصر بزعامة سعد واعتزازه بقوميته ، وجمال الحياة فى الريف المصرى .
- وفيما رواه لى المرحوم محمود سعيد فى عام 1957 أنه علم بمرض محمود مختار فى باريس وعلم أيضا بموعد وصوله إلى الاسكندرية فى الثانى من شهر مارس عام 1934 فذهب إلى الميناء مع صديقه اليونانى المهندس جان نيكولايديس لاستقباله ولم يكن هناك غيرهما وأخذاه إلى فندق سيسيل للراحة ، وأشار مختار إلى حقيقة صغيرة وطلب من سعيد أن يفضها فأخرج ما فيها من بين لفافات من ورق الجرائد فإذا به يجد فيها تمثالاً صغيرا لجواد من الجبس ، وقال مختار إلى سعيد : خذه هدية منى .
- وكان سعيد سعيداً حقا بهذه الهدية ووضعها على ` البيانو` ببهو الدور الأول فى قصره الصغير فى جناكليس حيث كان يعيش مع والدته وزوجته وابنتهما نادية 00وذات مساء من عام 1940 زاره ( الملك ) فاروق زوج فريدة ( صافيناز ) ابنه شقيقته من يوسف باشا ذو الفقار ، وبعد انصراف فاروق وحاشيته تفقد سعيد التمثال فلم يجده ، فاستجار بزوج شقيقته الصغرى حسين سرى باشا لكى يقنع فاروق بإعادة التمثال فى مقابل أى لوحة من لوحاته بديلا له ، وأضاف محمود سعيد : وإلى اليوم وبعد أن رحل فاروق عن البلاد لم يعثر على أثر لهذا التمثال .. وفوراً شكلت لجنة برئاسة المرحومة السيدة هدى شعراوى لتخليد ذكراه فى السابع والعشرين من مارس من كل عام بإنشاء ` جائزة مختار ` للنحت ، وكان موضوع المسابقة الأولى لعام 1935 تمثال نصفى لمختار وفاز بالجائزة الأولى إبراهيم قطرى ، والجائزة الثانية الأستاذ أنطون حجار ، والثالثة كانت من نصيب أبو العيون ، والأول والثالث كانا من طلبة الفائز الثانى مدرس النحت بكلية الفنون التطبيقية ، وقدمت معرض هذه المسابقة الأولى الذى أقيم بفندق الكونتنتتال بميدان الأوبرا على جريدة روز اليوسف اليومية فى 29 مارس 1935 .
- واستمرت المسابقة تقام فى كل عام تخليدا لذكرى مختار حتى عام 1948 بعد وفاة السيدة هدى شعراوى بعام وكان موضوعها ` تمثال نصفى لزعيمة النهضة النسائية ` وفاز بالجائزة الأولى عبد البديع عبد الحى - وكان يعمل طاهيا بمنزلها قبل أن يتفرغ لفن النحت بتشجيعها - وفى سنة 1949 تبنت مجلة المصور المسابقة الخامسة عشرة تكريما لذكرى مختار وكان موضوعها ` الجندى المجهول فى حرب فلسطين ` وفاز بالجائزة الأولى فتحى محمود ، كما أقام محمد شعراوى نجل الفقيد مسابقة فى الموضوع نفسه ، وفاز بجائزتها مصطفى نجيب .
- وفى 27 مارس عام 1952 افتتح محمد رفعت ( باشا) وزير المعارف العمومية متحف محمود مختار المؤقت الذى أعده الفنان راغب عياد مدير متحف الفن الحديث وفاء منه لزميله مختار .وكان المتحف يشغل ثلاث قاعات منعزلة فى حديقة المبنى العربى الطراز الذى كان يشغله متحف الفن الحديث بشارع قصر النيل رقم 3 بجوار قصر محمد شعراوى ( باشا ) حيث كان يجتمع مع سعد زغلول وعبد العزيز فهمى لإعداد المذكرة التى تقدموا بها إلى المندوب البريطانى مطالبين بجلاء القوات البريطانية .وكان متحف مختار يضم 59 قطعة وفى 23 يوليو 1962 افتتح متحف محمود مختار - بمناسبة مرور عشرة ـأعوام على قيام الثورة ، وهو المتحف الذى أسندت وزارة الثقافة إلى المهندس رمسيس ويصا واصف تصميمه والإشراف على تنفيذه بحديقة التحرير بالجزيرة ليستوعب ما كان بمتحفه المؤقت إلى جانب ما أمكن التوصل إليه وإحضاره من باريس .وهناك 23 تمثالاً ضمن المقتنيات الخاصة فى القاهرة وباريس ، وستة تماثيل مجهولة المصير ، وخمسة تماثيل من الجبس ملك أسرة مختار، وتمثالان حطمهما بيده بعد أن عرضهما فى باريس، وتمثال بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة ، و27 تمثالاً بمتحف الفن الحديث بالقاهرة ، وتمثالان بمتحف الشمع ( متحف جريفان ) بباريس أحدهما لسيدة الغناء العربى أم كلثوم والثانى لراقصة البالية الروسية ` أنا بافلوفا` التى اشتهرت برقصة موت البجعة ، وتمثال عروس النيل الموجود بمتحف ` جى دى بوم ` بباريس
بقلم : محمد صدقى الجباخنجى
مجلة :القاهرة ( العدد 5 ) مارس 1985
نهضة مصر
- `تمثال نهضة مصر ليس ملكا لأحد ولم يقم بصنعه فرد واحد بل هو ملك لمصر، ومصر كلها صنعته وسترفعه على قاعدته`
- كلمة مختار قبل إزاحة الستار عن تمثال نهضة مصر والذى نحتفل بمرور مائة عام على عمله.
- إذا ماتتبعنا النماذج أو الماكيتات المختلفة للتمثال، لنجد نضج كبير في الفهم والرؤية الفنية، فبدأ بعمل تمثال لرجل يحمل سيفا، إلا أنه لم يجد أنه يعبر عن النهضة، فلا نهضة مع تهديد بسلاح، وكذلك لا نهضة في بلد مع نصف المجتمع وتجاهل النصف الآخر. من هنا بدأ في عمل ماكيت آخر لتمثال نهضة مصر وهو لرجل وامرأة، رجلا يستيقظ في صحوة أبو الهول وتسانده تلك المرأة الفلاحة الشامخة بوقارها. تحتوي بيد وتتحرر بيد أخرى. إلا أنه قد عدل الماكيت مرة ثالثة حيث كان يظهر في النسخة الثانية من التمثال التأثير الأوربي، ولكن في النسخة الثالثة ظهرت الأسلوب المصري الرصين الذي جاء من المصري القديم وأكده بإختيار خامة الجرانيت له. فكان مختار أول جيله حمل مسئولية التنوير على عاتقه ومؤكدا في نفس الوقت على هويته. غير مباليا المصاعب التي واجهته. بل أصبح مثلا في الدأب والإصرار على العمل حتى في ظل أصعب الظروف. حيث اعترض وقتها الملك على وجود الفلاحة كرمز لنهضة مصر إلا أنه سمع صوت الشعب وشعر بمعاناته. فما التمثال إلا تتويجا لكفاح شعب عبر التاريخ.
- كان مختار يتفانى في حب فنه حيث وهبه حياته وضحى كثيرا من أجله بكل الإعتبارات والقيم. حيث أنه آمن بأن `سر الفن فى الحب` وهى كلمة المثال أنطوان بوردويل.
- لم يكن مختار فنانا فحسب بل كان مثقفا واعيا لنبض الجماهير وإرادتها في التحرير مجسدا رمزها التنويرية مثل تمثال سعد زغلول والذى قام بعمل تمثالين ميدانيين له، مسجلا على قاعدته مشاهد من ثورة ????م على شكل ريليف بأسلوب المصرى القديم أيضا. فهو يجمع ببراعة فائقة بين الأسلوب الأكاديمى الغربى، والتقليدى المصرى.
- حيث بدأ يعمل بحماسة شديدة، بعمل عشرات من النماذج والدراسات التفصيلية، وأراد له أن يكون عمله صرحا كبيرا يرتفع إلى ?? متر، كمنار يعبر عن شموخ هذا الشعب وكبريائه. واحدا فى ميدان الإسماعيلية، والآخر بالأسكندرية فى ميدان سعد زغلول، وقد قوبل التمثالين بتعنت كبير ووضع عراقيل كثيرة لعدم إتمامه. حيث ظهر غضب القصر من أمر التمثالين، فكيف يعلو تمثال سعد زغلول بالأسكندرية على تمثال محمد على؟!
- ولكن مختار كان مأخوذا بحماسة العمل وبرغبته فى تسجيل ملحمة بلاده.
وإذا ماتم استعراض مختار في مشواره الفني نجد أنه احتفى بالمرأة احتفائا جديرا بمشوارها ونضالها في الحياة، فهي الحبيبة والأم والربة والمرأة العاملة والفلاحة. بداءا من بداية التاريخ. كإيزيس وعروس النيل، إلى حضورها فى الثورة كثائرة فى الخماسين، أو فى عملها اليومى أو نزهتها كالفلاحة والجرة ، وعلى شاطئ النيل، نحو ماء النيل، كاتمة الأسرار ... وقد تناول تشكيلها لتأكيد أكثر من صفة، إما الوداعة والملاطفة، أو الوقار والشموخ، أو المقاومة وعدم الإستسلام، أو الحزن. يجمع فيها بين التبسيط والتجريد الإنسيابي مؤكدا على الحس الهندسي والتوازن والتناغم ومتانة التكوين وكلها تعلمها من أسلوب المصرى القديم فى النحت بأسلوب أكاديمي كلاسيكى غربى.
بقلم : حورية السيد
مجلة: إبداع ( يناير 2021 )
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث