`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
أحمد صبرى

- استمد من التأثيرية صفاء ألوانها ، ومن الكلاسيكية جمالاتها ورصانتها ومن الواقعية صدقها ومن الفن المصرى القديم شموخه .
- كانت أعماله هدفاً لهجوم الجماعات المتحررة التى ظهرت فى الأربعينات باعتبار أن أسلوبه فى الرسم ` أكاديمياً ` وأن لوحاته تمثل فن الصالونات .
- كان له أثر عميق من خلال الأجيال التى تتلمذت على يده فى كلية الفنون الجميلة .
- تتركز أستاذيته فى تصوير الوجوه وما يظهر بها من تعبير بالملامح وما تكنه الشخصيات من عواطف ونزوات ومشاعر وأحاسيس فلوحاته تمتاز باللمسات الحساسة القوية والألوان الشفافة الصريحة وفيها تتجلى أستاذية الرسام والمصور والملون .
د/ صبحى الشارونى


- كان لموهبته الغنائية أثر كبير على فنه الجديد إذ برزت خصوبته القصوى فى التلوين وتجلت براعته فى امتصاص ألوان الطيف وسكبها فوق لوحاته بغزارة متدفقة وكأنما يغنى بفرشاته عوضاً عن الترنم بحنجرته.
الفنان / حسين بيكار


- تتميز أعمال أحمد صبرى بالشموخ والوضوح ، برع أحمد صبرى فى رسم الطبيعة الصامتة والصور الشخصية ، تحس إزاء لوحاته بألفة بينه وبين من يصوره فالشخص فى لوحاته ليس الموديل وإنما الجليس الذى ربطته بالفنان وشائج مودة
- كذلك قيل عنه أنه من الفنانين الذين خلقوا ليضيئوا بفنهم وخبراتهم حياة مجتمعهم ولو كان ذلك على حساب حياتهم الشخصية ومقاصدهم النفعية .
- غاص فى أسرار اللون فأصبح عنده عمق وبناء هندسي وقيمة معمارية وتحليل نفسى لا مجرد طلاء سطحى .
- تغنى بالجمال والبهجة على أنغام ألوانه الشجية السابحة فى أطياف النور ومفاتن الحياة لكن القدر أبى أن يهبه قبساً ينعش روحه الحائرة ويتسلل الى قلبه المكلوم .
عز الدين نجيب


- إن قدرة الفنان أحمد صبرى وعظمته كفنان حقيقى .. ترجع الى أنه استطاع أن يتجاوز عالمنا الراهن والى نجاحه فى أن يتخذ من كل خبراته المعاشة أداة ناجحة لتفسير العالم ، إذا نظرنا الى تحقيق الشخصية الإنسانية واحترامها وبحساسيته الشديدة فى التعبير الجمالى .
- وكان اعتداد الفنان أحمد صبرى بنفسه وقوة شخصيته وإصراره على قوة الحق له دور كبير الأثر فى مسيرة حياته الفنية . التى اجتمعت فيها مأساة حياته التى اتسمت بالاضطهاد حيث ناصبه الكثيرون العداء فلا غرو إذا قلنا أن السخط النبيل والعذاب كانا مصدر وحيه وسر قوته ومن لا يعرف ذلك عنه لا يجد المفتاح الى فهم أعماله، وبعد أن تبوأ أحمد صبرى الصدارة فى تصوير البورتريه حرمه القدر من أعز حواسه كفنان مبدع وهى نعمة البصر وترك صبرى ظلام الدنيا ليلقى ربه فى التاسع من مارس عام 1955 .
الناقد / محمد حمزة

أحمد صبرى .. والعزف بالفرشاة
- تزينت قاعة بيكاسو بلوحات الفنان أحمد صبرى رائد فن البورترية فى مصر والعالم العربى، والذى كان يعجن للون بالروح، ويلون بالموسيقى أنغاماً تشعرك بالدفء وبقدرته اللانهائية على صناعة الدهشة لعلاقته الحميمة بمفرداته وتفاصيلها. تبهرك تفاصيل الأشياء وقدرة الفنان على اكتشافها وكشفها بشعيرات فرشاته، فقد كان يهتم بالتفاصيل الدقيقة وما بعدها ليغوص فى الروح، ويفتش فى الشخصية، ويطرح ما يميزها بايقاعات زمنية يحققها بالضوء.
- إنه يحاول إعادة تكوين العالم فى مساحة الشكل الذى يعتبره وسيلة للبحث عن رؤى إبداعية خاصة، فلوحاته لا تمثل قدرة وتمكناً وخبرة فقط، إنه يبحث فى الروح وفلسفة الأشياء وجوهر الجمال ليؤكد أنه يبدع، وليس عن سابق إصرار وترصد .
- لقد انجذب احمد صبرى للتأثيرية فأخذ منها الصفاء واهمية الزمن ، وتفاعل مع رصانة الكلاسيكية فاهتم بقوانينها وجمالياتها، كذلك قربة من الواقعية فجاءت لوحاته ترجمة جميلة للثقافة ، والجمال فعزف من خلالها أعظم الألحان .
- ولك أن تتأمل معى لوحة `بعد القراءة ` وقد وحد فيها بين التأثيرية والكلاسيكية، عند مشاهدتها تشعر بتفاصيل العلاقات اللونية والشكلية وترابطها واهتمام الفنان بالجو العام للموضوع، تشعر أن كل شئ فى حالة استرخاء متآلف مع السيدة التى أرهقتها القراءة، فصورها فى حالة من التأمل الشارد الذى بدا فى ملامحها وأكد هذا الجو الحالم فى الخلفية والتى ربطها بحرفn عالية بملابس السيدة. هذا بخلاف تفاصيل الوجه ونظرة العينين والنور والظل الذى جسد السيدة وكأنها تجلس فى سحابات ثلجية ناعمة تدفئها تلك الدرجات اللونية الساخنة التى تذوب مع سماويات الألوان التى بدأها بوسادة زرقاء يزخرفها الأحمر والأبيض بمقدمة اللوحة .
د. سامى البلشى
مجلة الإذاعة والتليفزيون - 2010
عازف الألوان
- وجه بيكار الذى رسم عشرات الوجوه التى تتدفق بالحيوية والحرارة، الصبى الذى علم فتيات الطبقة الأرستقراطية عزف الموسيقى ثم شب ليرسم وجوه الفلاحات ويترجم الريف والنوبة ألوانا وخطوطا، فيلسوف البورتريه الذى آمن بفكرة الاختزال حتى طبعت أعماله، والذى رأى الجمال والفن فى كل شيء يقول: `اليونانى أقام فنا تمثيليا، والرومان أبدعوا فنا عسكريا، أما الفن المصرى فهو صوفى،هو فن التأمل والتعمق والانصهار فهى الحضارة الوحيدة المتصلة بالسماء والروح والجنة والنار والميزان` بيكار الذى تأمل وتعمق وانصهر فرسم. له من تأمله وتعمق فى روحه ليختار أن يرسمه عازفا ربما اختزالا. إنها فلسفة اللحن التى يمكن بها أن تفسر عبقرية خطوط وألوان بيكار الرسام الذى تحل مئويته قريبا ويستحق ان يتم الاحتفال بها بشكل لائق.
د. محمد الناصر
جريدة الأهرام - 18/ 11/ 2012

- حين استدعى الاسكندر الاكبر الفنان ابيليس - رسام القصر الملكى - ليسجل صورته الشخصية، لم يكن يدرى أنه يفتح صفحة جديدة فى تاريخ الفن المرئى. لم تكن الصور الشخصية ` فن البورتريه` معروفة حتى ذلك الحين. صحيح أن تصوير الوجوه، كان قائما فى مصر القديمة منذ آلاف السنين، وان العصر المسيحى بعد العام الاربعين الميلادى، كانت طقوسه الدينية فى مصر، تلزم الأقباط بدفن صور وجوه الموتى معهم. الا أن تلك الصور جميعا، سواء مرسومة أو منحوتة، كانت تنطوى على سلوك شعائرى وتقاليد عقائدية. لم تكن خالصة لوجه الفن والتقاط الملامح، كما هو الحال فى صورة الاسكندر الأكبر.
- بدأ منذ الحين فن الصور الشخصية ينتشر على استحياء فى مجتمعات متفرقة من العالم. وكان معروفا فى الإمبراطورية الإسلامية، ومتاحف الدول حافلة بصور وجوه أباطرة الهند المسلمين وسلاطين ايران. لكنه - أى فن الصور الشخصية - انتشر فجأة على نطاق واسع مع اقبال عصر النهضة الاوروبية، فى مطلع القرن الرابع عشر. أصبح من أسس فن الرسم والتلوين، وتمثلت أروع نماذجه فى لوحة `موناليزا ديللا جيوكوندو` الشهيرة. وظلت تتعاظم أهميته حتى نهاية القرن التاسع عشر، حيث بدأ يفقد مكانته بعد ظهور آلة التصوير الفوتوغرافى، والاقلال من شأن المحاكاة.
- فى مصر.. كان الرسامون الذين صاحبوا الحملة الفرنسية سنة 1798، وأقاموا فى بيت السنارى بالسيدة زينب، أول من رسموا الصور الشخصية، استنادا إلى ما ذكره الجبرتى فى تاريخه. وحين تولى محمد على باشا الحكم سنة 1805، استقدم فنانين من أوروبا، لرسم الصور الشخصية له ولأفراد عائلته. وكان قصره - قصر الجوهرة - قبل احتراقه منذ بضعة عشر عاما ، يتوسط قلعة الجبل، ويحفل بمجموعة فاخرة من صور الوجوه، تتصدرها صورة زوجته. وقد نسج أبناؤه على منواله، وجلبوا رسامين من ايطاليا وفرنسا لأداء نفس المهمة لهم ولعائلاتهم. وتوجد حتى الآن مجموعة رائعة من لوحات صور الوجوه. من ابداع هؤلاء الفنانين الأجانب فى متحف المنيل - وهو القصر الذى كان يملكه ويسكنه، البرنس محمد على، ولى عهد الملك فاروق آخر سلالة أسرة محمد على، التى أطاحت بها ثورة يوليو 1952.
- لم يظهر هذا النوع فى فن الرسم الملون المصرى الحديث، الا بعد تخرج أحمد صبرى سنة 1916 فى مدرسة الفنون الجميلة، على أيدى الأساتذة الأوربيين. بدأت الصورة الشخصية المصرية، فى الانتشار بين الأوساط الأرستقراطية، بعد تعيينه مدرسا فى نفس المدرسة التى تخرج فيها، عقب عودته من باريس سنة 1929، من بعثته الثانية. اشتهر منذ ذلك التاريخ، بهذا التخصص الفريد الجديد. خاصة وقد برع فى تقنياته، التى خبرها فى أكاديميات باريس بإشراف أساتذة البورترية ` الفرنسيين`. كان أول رسام وجوه مصرى متخصص. وأول من نقل تعاليم هذا الفن، المستقاه من التقاليد الأوربية الأكاديمية، ذات المعايير الاجرائية، القابلة للتعريف والتقدير الدقيق. زاد من عوامل ازدهار هذا الفن بين يدى أحمد صبرى، أنه هو نفسه، نشأ وشب فى جو الصالونات الارستقراطية، والعادات التركية السائدة فى عصره، حين كان فن الصورة الشخصية، هو اللعبة المفضلة للعائلات الكبيرة، ذات الأعراق والحسب والنسب وكان الرسامون الأجانب ينفردون بتلبية رغبات تلك البيوتات.
- عشق أحمد صبرى هذا الجو الارستقراطى، المحسوب الحركات والكلمات، المعنى بالمظهر والشكليات، بالرغم من أنه عاش فقيرا ومات فقيرا، وقضى طفولته يتيم الأبوين فى سن الثامنة، وكفله جده ثم خاله. شب على عزة النفس والاعتداد بالذات، وان كان يعيش على ثمار البطاطا، التى أصبحت صديقا يوميا لمرحلة يفاعته، وقاسما مشتركا، لكثير من التكوينات الثابتة التى صورها فيما بعد. هكذا كان أول رسام وجوه مصرى، وأول من وضع تعاليم هذا الفن، المستقاه من تقاليد أوروبية اكاديمية.
- معظم ` البوروتريهات ` التى بين أيدينا، سواء فى متحف الفن الحديث، أو الواردة فى المراجع - ماعدا صور أسرته وأصدقائه - تصور شخصيات من أبناء الذوات، ونسائهم بنوع خاص، فى ملابسهن الرسمية، وزينتهن الكاملة، وجلساتهن ونظراتهن المترفعة، وأوضاعهن المحسوبة، وما إلى ذلك من معالم الارسقراطية. نادرا ما نشاهد بين الوجوه التى رسمها، فلاحين وفلاحات، أو صديقا لا تبدو على وجهه امارات الاصل العريق.
- لم يعن أحمد صبرى كثيرا برسم المناظر الطبيعية بالمقارنه بالصور الشخصية والنماذج الحية، والتكوينات الثابتة من الورود والازهار والاوانى والثمار. انتقى مناظره القليلة، فى أماكن تتمتع بجمال رومانسى هادئ، كالقناطر الخيرية التى رسمها سنة 1935 بالزيت على الخشب، أو `على شاطئ النيل`، التى ابدعها فى نفس العام، وصور فيها القوارب تركن إلى حضن الشاطئ، تسمق الأشجار من خلفها، فى تكوين كلاسيكى مهيب. كذلك المنظر الريفى، الذى رسمه سنة 1947، عالجه بنفس الاسلوب، البعيد عن الانطباع اللحظى الذى يصاحب المشاهد الريفية عادة.
- كان يرسم المناظر الخلوية، كما لو كان يصور وجه الطبيعة داخل المرسم، محسوب المعايير واللمسات والألوان. لذلك انطوت مناظره على قسط وفير من الثبات والاستقرار، وغالبا ما خلت من صور الأشخاص والحيوانات والطيور.
- كذلك كان مقلا فى رسم التكوينات الثابتة، الا أنها أكثر نسبيا من المناظر الطبيعية الخلوية، كان يفضل العزلة والعمل داخل الجدران الأربعة. فكانت التكوينات الثابتة أقرب إلى نفسه بعد الصور الشخصية، ومن أروع نماذجها لوحة ` الوردة والكأس`، وهى تكوين رومانسى، ربما رمز به إلى احساسه العميق بالوحدة، الذى لازمه فى طفولته وصباه. استطاع فى قدرة خارقة، ان يظهر بللورية الكأس الشفاف، وبقايا الشراب، وملمس بتلات الوردة النائمة بجواره. أما ` زهور الزيزينيا `، فقد رسمها سنة 1933 بالزيت على القماش. استعرض فيها براعته فى اظهار تغاير الملامس، بين الازهار وأوراقها والآنية الخزفية، والآفاق البعيدة التى بلغها، فى ترجمة روح الطبيعة.
- أغرم أحمد صبرى بالورود والأزهار. كانت العنصر الأوفى فى تكويناته الثابتة. تمكن من خلالها، ان ينقل إلينا احساس النضارة والحيوية، وكاد يبعث بأريجها، عن طريق الاتقان النادر والتوزيع المتقن بين الداكن والناصع، والتكوين الكلاسيكى ودقة الرسم، والبعد عن الاسقاط الفورى، فجميعها أساليب ناجحة لتوصيل الاحساس والمضمون، الذى يتخلل نسيج الموضوع المرسوم، حتى لو كانت آنية خالية من الأزهار، ومن خلفها كتاب مفتوح. اختلفت الملامس فى هذه اللوحة، حتى تجسدت خامات العناصر المرسومة، وبرزت على قماش اللوحة كأنها حقيقة واقعة.
- عشق أحمد صبرى الوجه الانسانى - خاصة وجوه النساء - عشقا عذريا ينطوى على الكثير من التقديس والتعبد للخالق. وبرع فى تصوير البشرة وملمسها واظهار حيويتها، بما يبرز شخصية النموذج المرسوم، وتضاريسه التى تحدد الملامح بدقة متناهية. مثل هذه اللوحات ذات المستوى الفنى الرفيع، لا تكشف عن جمالها وفتنتها وأسرارها من خلال الصور المطبوعة، بل فى الأعمال الأصلية ذاتها المحفوظة فى متحف الفن الحديث أو فى بيوت المقتنين سواء كانت مرسومة بالطباشير الملون (الباستل) أو بألوان الزيت أو الماء. فمبدعها - شأن كبار الرسامين - لا يحاكى الوجوه محاكاة المرآة، بل يضمنها شيئا من الشعر وقسطا من الموسيقا. وقد كان فى صباه يهوى الموسيقا والغناء، قبل أن يلتحق بمدرسة الفنون الجميلة 1911، ثم تفرغ للرسم والتلوين ليصبح فى تاريخ الفن الحديث علما، بين رواد الجيل الأول، الذى ضم محمود مختار ويوسف كامل وراغب عياد، من خريجى أول دفعة لمدرسة الفنون الجميلة، بالرغم من تخرجه بعدهم بخمس سنوات.
كان أسلوبه بنائيا يقيم الرسم بلمسات عريضة، كأنها مربعات الفسيفساء ينسج بها بشرة الوجه على قماش اللوحة، لمسة بعد لمسة فى تؤدة وأناة. يبدأ بتسجيل سريع للشخصية الجالسة، كأى رسام انطباعى، ثم يشرع فى التلوين، كأنه يجسم الشكل على صفحة اللوحة. ولو تأملنا صورة زوجته الفرنسية الأولى، التى أبدعها سنة 1927 بعنوان `ذات العقد ` بالزيت على القماش، لساورنا الشك فى نسبتها إليه. الا أنه صاحبها، وربما كانت الوحيدة التى صورها بهذا الأسلوب ولم يكملها، فبقيت على حالها الانطباعى المثير، المفعم بالحيوية والجاذبية، محفوظة فى متحف الفن الحديث، كان يبنى نموذجه على صفحة اللوحة، بصبر لا يفرغ. يضع اللون بعد اللون كأنه يبث الحياة رويدا رويدا. ينزلق بفرشاته العريضة مع منخفضات الوجه أو الجسد العارى الذى يصوره، ثم يتسلق بها المرتفعات برقة ولطف، فنشعر بصلابة العظام وطراوة اللحم والشحم، مستنفرا فى عيون المتلقى الدهشة والاعجاب، والرغبة فى مزيد من التأمل.
بقلم : مختار العطار
من كتالوج متحف الفن المصرى الحديث 1992 - صندوق التنمية الثقافية - وكتاب ( رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر ) الجزء الأول
فنان عصر .. وأستاذ جيل
- ` احمد صبرى ، هو الأثر الصالح الباقى فى فن التصوير المصرى ` عباس العقاد
- فى البدء كان تعليم الفنون الجميلة فى مصر وقفا على مجموعة من الفنانين الأجانب ، فتتلمذت أجيال المصورين المعاصرين على خط بدأ منذ باولو فورشيللا سنة 1908 وانتهى بروجيله بريفال .
- وعند انشاء مدرسة الفنون الجميلة العليا ومع بدايات نشاطها فى أواخر العشرينات أخذ الفنانون المصريون العائدون من بعثات الدولة الرسمية يشاركون فى تعليم الفن بها حتى أسلمت لهم مراسم الأستاذية .. وكان أحمد صبرى أحد اثنين يعتبران أساتذة المصورين المصريين من خريجى الفنون الجميلة بين الثلاثينات والخمسينات .
- وظل مرسم أحمد صبرى ومرسم يوسف كامل من أهم مراكز تعليم الفنون بمصر خلال هذه الحقبة.
- أحمد صبرى هو من طليعة جيل وعصر عبر عنه المازنى أصدق تعبير حين قال : ( لقد قضى الحظ أن يكون عصرنا عصر تمهيد وأن يشتغل أبناؤه بقطع هذه الاحجار التى تسد الطريق وتسوية الأرض لمن يأتون بعدهم )
- وكانت حياة أحمد صبرى مشحونة بالمعاناة والضيق والصراع ، عصفت تصاريف القدر ببواكيرها وأحاطتها المتاعب والاحقاد فى مسارها وختمت المأساة على نهايتها
- لم يكد يستقبل الحياة فى فى سنة 1889 بحى الجمالية بالقاهرة حتى فقد أمه فى الثانية من عمره ، وفقد أباه وهو فى سن الثامنة وعاش حياة قلقة بين بيت جده وبيوت أعمامه فى أحياء القاهرة القديمة ، وصبغت هذه الظروف نفسيته بالحزن وأشاعت فيها الهواجس والقلق والانطواء عن الناس .
- وعندما فتحت مدرسة الفنون الجميلة أبوابها فى سنة 1908 لم يدخلها فى بدء افتتاحها مثل أقرانه من الجيل الأول ولكن التحاقه بها جاء متأخرا سنتين عن أفراد جيله .
- وزودته المدرسة بحصيلة أكاديمية ورومانتيكية وتأثرية . وما أن انتهت دراسته بالمدرسة حتى خرج ليواجه طريقا مغلقا فلم يكن للفنان بعد مكانة فى مجتمعنا ..
- وبدأ أحمد صبرى مدرسا بمدرسة مصطفى كامل الابتدائية الأهلية ولكنه ضاق بمجالها المغلق فتركها وافتتح مرسما متواضعا بجوار المحطة وقنع بالعيش من بيع لوحاته لقلة من الأفراد بدأت تقبل على اقتنائها .
- وفى سنة 1919 سافر إلى باريس فى مغامرة لا تعينه فيها غير مدخراته الضئيلة ، وهناك لقى مختار حين كان يعد نموذج تمثاله ` نهضة مصر ` ويرتقب افتتاح صالون باريس الأول بعد الحرب الكبرى ليعرضه فيه .
- وفتح له لقاء مختار أفاقا من الأمل ، فهو قد حدثه عن المستقبل الذى ينتظر الفنان المصرى ، وعن رحلة طويلة نحو الأفق الجديد ، وعن وجوب الاحتمال رغم مشتة الطريق ، وصحبه معه إلى أكاديمية ` شوميير ` حيث كان المثال بورديل يلقى تعاليمه ، وإلى أكاديمية ` جوليان ` وأطلعه على قلب الحياة الفنية فى باريس .
- وشهد صبرى الحفاوة التى أستقبل بها تمثال مختار من سعد زغلول ورجال الوفد منذ قدومهم إلى باريس للدعوة للقضية المصرية ، كما لمس تقدير لنقاد الفن العالميين للعمل المصرى الكبير ، وشهادات الجدارة التى نالها ، فأيقظ ذلك حماسه ودفع عنه اليأس .
- وعاد صبرى من رحلة باريس مشرق الأمل ليصطدم مرة أخرى بقتامة الجو الذى كان يعيش فيه الفنان المصرى ، فبين تقدير أهل الفن فى باريس وأفعالهم فى القاهرة تجرع صبرى مرة أخرى مرارة الحسرات ، وقنع بالوظيفة التى اتسعت له ، وظيفة رسام للحشرات بوزارة الزراعة فى سنة 1923.
- وعرف صبرى فى مصر مجموعة من رجال الفكر والمثقفين ، وأرتبط بالعقاد بأوامر صداقة سمت بمعنوياته ، فقد وجد إلى جانب المجال الوظيفى المحدود هذا الأفق الثقافى الرحيب .
- وعاش حياته .. حياة الموظف الذى يسجل فى رسم الحشرات براعاته ، وحياة الفنان الذى ينطلق إلى مرسمه فى المساء ، ويقنع فى وحدته بتصوير نماذج من الطبيعة الصامتة ن ووجوه بعض المحيطين به .
- وأقام صبرى معرضه الاول بالقاهرة سنة 1935 لم سافر بعدها فى بعثة على نفقة الدولة إلى فرنسا ليستكمل إعداده الفنى .
- أثناء الرحلتين .. الرحلة الخاصة ، والبعثة الرسمية تتلمذ على ` بول البير ` و ` بيرون ` وأخيراً على ` هوجيرا ` ، فتلقى عنهم مجموعة من الفضائل الفنية - اعتبار الرسم هو أساس العمل التصويرى ، ومن هنا جاءت عنايته بالخط الخارجى حيث أهمية البناء فى اللوحة اختيار الوضع المثالى للنموذج ، والعناية بالتكوين وبهذا أصبح اللون عنده عمقاً وقيمة معمارية لا مجرد طلاء سطحى .
- وقد لزمت هذه الفضائل فن صبرى ، ولكنه أضاف إلى دروس معلمية استيعاب أسرار العمل الفنى عند الأساتذة الكبار الذين طال بحثه عنهم فى المتاحف .
- وكانت سنوات صبرى بباريس هى فترة الصراع بين النزاعات الجديدة التى تخلفت عن الحرب وبين القيم التى استقرت فى المتاحف .. كان فنانو ما بعد الحرب يحاولون تحطيم هذه القيم باطلاق صواريخ الفنانين ` الوحشيين ` عليها ، وهم الذين أحدثوا انقلابا فى الألوان وطريقة صياغتها والتناسق التقليدى بينها ، ويسلطون نحوها نظرات ` السيريالية ` النافذة إلى خبايا النفوس وعالم الأحلام ويدقون أوتاد التكعيبية ممهدة للتجريد .
- غير أن صبرى لم يجد فى هذه النزعات ما يتجاوب مع نفسه ، فالتصوير عنده لغة المرئيات ، ومحتواه هو التعبير عن الأشياء الحقيقية ، وكشف الجمال الكامن فيها ، ومن ثم عاش بمثاى عن صراع هذه الحقبة فى ظل أساتذة القرون الماضية ، يلقى هواه فى رهافة التعبير بالباستيل فى لوحات ` موريس كانتان لانور` التى تحمل روح القرن الثامن عشر وكذلك الصدق التصويرى والهيام بالنور واللون عند ` شاردان ` ثم هو لا يمضى مع المحدثين إلى أبعد من حركة ` أدوار مائيه ` فى القرن التاسع عشر.
- وعرض صبرى فى باريس لوحته ` بعد القراءة ` فحازت الإعجاب ثم عرض لوحته الفذة فى انتاجه الطويل ` الراهبة ` أو التأمل التى نال عليها ميدالية صالون باريس سنة 1929.
- وعاد صبرى إلى مصر ليعلم تلاميذه أصول الفن ويشبع فيهم احترام قيمه ، ويعرض فى معارض القاهرة لوحاته من ` الطبيعة الصامتة ` و صور ` الأشخاص ` يصوغها من نسيجه اللونى الذى تلتقى فيه المادة والنور وتتزاوج فيه حساسية الملمس مع رصانة اللون ووضوحه .
- ويلقى الناس عند صبرى الفنان عالما يسوده جمال التكوين ، والتناسق ، والوئام بينما تنوء حياة صبرى الانسان بصراعها الداخلى ، وصراعها مع الناس ، ، ومآسية العائلية ، ولكنه يظل مع ذلك يعتصر من قلبه الرحيق العذب .
- وتختتم حياة صبرى فى العمل الحكومى ليفرغ بعدها لفنه ، ولكن ضآلة معاشيه وظروفه العائلية والصحية تعكر صفو حياته وتلجئه فى أخريات أيامه إلى أن يبيع لوحاته باليناصيب ليدبر المال اللازم لعلاج عينيه ، فإن هذا الفنان الهائم بالنور والألوان تأبى الحياة إلا أن نحيط خاتمته بمأساة تكتمل حين يفقد البصر.
- وتنتهى عند هذا الختام الحزين حياة عاشها للفن والجمال رغم ضراوة الصراع الداخلى فى نفسه .. تنتهى فى التاسع من مارس سنة 1955 خالفه عملا يرى فيه العقاد أنه ` الأثر الصالح الباقى فى فن التصوير المصرى` .
- ولكن الجدل الذى طال حول صبرى فى حياته ، يمتد بعد موته ، ومن خلاله يختلف الرأى بين تقدير المعجبين ، وبين أحكام تصدر من تعجل فى النظر أو تحت تأثير بعض الاتنجاهات الحديثة التى قد يحجب استهواءها قيم الصدق فى اتجاهات غيرها .
- غير أن الاقتراب من أعمال صبرى ومعايشتها يتيح الوقوف على فضائلها .
- لقد اختار صبرى من مجالات التعبير ` الموضوع ` الذى يستطيع أن يتحدث بلهجة صادقة ، فلم يكن شاعر ` الطبيعة ` ولا مصور ` الحدث الخارجى ` وإنما كان فنان ` الصور الشخصية ` ومصور ` الطبيعة الصامتة ` أبدع التعبير عن ألفتها وعالج من خلالها قضية ` الملمس ` و ` التناسق التكوينى` .
- ولكن خط الاستمرار المميز فى أعماله كان ` للصورة الشخصية ` عبر من خلالها عن ` الصدق الموضوعى ` الذى كان أمينا عليه وصاغ نسيجه اللونى الرصين ، ونسقه التكوينى.
- وكان صبرى صادقا فى اختياره لمجال ` الصورة الشخصية ` ، فهو قد عكف على محيطه وبيئته ، لم يكن صبرى مصورا للبلاط ولا مصورا لاصحاب المراكز والسلطان وإنما كان مصور الطبقة الوسطى .. اختار نماذج فنه من الافراد المحيطين بحياته ، من الأشخاص العاديين فلم يشغله ما يشغل مصورى البلاط والعظماء من العناية بإبراز الأهمية الاجتماعية للشخص الذى يصورونه وانما اتجه فى حربه وصدق إلى تصوير شخصياته.
- وتشعر إزاء لوحات صبرى بألفة بينه وبين من يصورهم .. ألفة تنتقل من الفنان إلى المشاهد .. والشخص فى لوحاته ليس هو ` الموديل ` وإنما هو ` الجليس ` هو الانسان الذى ربطه بالفنان وشائج مودة . وإذا كان بعض الفنانين يعرضون من خلال (الصورة الشخصية) ` عينات بشرية ` فان صبرى يعرض ` الإنسان ` الصديق والأليف وهو يكشف فى لوحاته عن ` فردية ` جليسة حتى ولو التزم أوضاعا بذاتها ..
- وتشعر أمام لوحات صبرى بحيادة وموضوعيته ولكن هذه الموضوعية تصحبها محبة تضفى على اللوحة نبض الحياة الذى يسرى من الااتصال المباشر بين الجليس والمصور وصبرى لا يحور الشبه الجسمانى ولا يبالغ فيه وإنما يلتزمه .. الصدق عنده احترام للواقع .. غير أنه بجلو شخصيته من يصورهم فى وجوههم ، ويضع خصائصهم المميزة فى ملامحهم .. ويكشف أحيانا عن روحهم فى لمحة .. ومن خلال هذه الأعمال ترى مافى الأشخاص العاديين الذين تزخر بهم الحياة من اختلاف فى ملامح الشخصية ، وفى النماذج النفسية .
- ويتركز اهتمام صبرى فى ` الصورة الشخصية ` على جليسه فتختفى من أغلب لوحاته العناصر المكملة التى يستخدمها بعض المصورين لاظهار براعتهم التشكيلية .. وتكاد خلفية اللوحة عند صبرى أن تكون مجرد نسيج لونى خال من الزخرفة يحيط معالم الوجه الذى يرتكز عليه اهتمامه .
- ومرجع ذلك هو اهتمام صبرى بجليسه لذاته لا لما يحيط به ، ولانه وقد كانت الطبقة الوسطى ` محور فنه ` فإنه التزم صدق التعبير عنها فلا تلقى عنده بذخ الثياب والزينة التى تبدو فى لوحات روبنز ولا غناء ألوان تيسيان ولا العناية بالثياب والتفاصيل المحيطة التى تظهر فى لوحات فان ايك .. وإنما تلقى الانسان فى بساطته يطل عليك فى ألفة وكأن الفنان يقدمه لك لتتعرف إليه وتقترب منه لا لتنظر إليه من بعيد . وأن أحاطه بشئ فإنما يحيطه بجو أليف من أنسجة الشرق وأدوات الحياة العادية.
- وعندما صور صبرى بعض الأفذاذ فانه صورهم لا للتقرب أو للملق الاجتماعى وانما لصداقات تربطه بهم وتقديرا لاشخاصهم .. كذلك كانت لوحاته عن ` العقاد ` و ` المازنى ` و ` توفيق الحكيم `
- وفى هذه اللوحات وخاصة فى إنتاج مرحلته الوسطى التى تبدأ مع لوحته المعروفة ` الراهبة ` وتمتد حتى الأربعينيات ، فى هذه اللوحات نلمس توفيق صبرى فى اختيار الوضع المميز واللون المعبر والحركة الموحية .. فصورة العقاد تنم عن صلابة الارادة والاعتداد بالذات ، وعن نظرته النافذة فى آفاق المعرفة . تشارك فى هذا الايحاء للرائى الجلسة التى اختارها الفنان له ، ووضع اليدين ، وبعد النظرة والمسطحات اللونية المريضة والالوان التى آثر استعمالها للتعبير عن الشخصية ... بينما يستخدم الفنان فى صورة توفيق الحكيم اللون الهامس ، واللمسات الخافتة والتناغم الذى يحلق بالرائى بين أحلام هذا الفنان وآفاقه .
- ومن هنا يبدو ارتفاع احمد صبرى عن ` الواقع الفوتوغرافى ` إلى ` الواقع الفنى ` .
- ولئن كان صبرى لن يستخدم أساليب الاداء الشرقية فان ذلك لا ينتقص من الطرب بفنه فالتعبير الفنى يتسع لكل الاساليب ومناطه ليس التزام قوالب معينة وانما مناطه الصدق وفى الصفات الموضوعية لأعمال صبرى قرابة منا من حيث تميزها بالرقة والرصانة ورحابة النفس والبعد عن التعبيرات العنيفة التى تتعارض مع ألفة النفس المصرية وسلامتها .
- كذلك كان التزام صبرى لطريقته ما يبرره من ظروفه واحتياجات مجتمعه بل أن له فى التيارات الغربية أصداء تتجاوب مع زمنه . ففى الوقت الذى كان صبرى يعرض فيه ` بائعة الجوافة ` و ` عازف العود ` كان ` بلانسون ` و ` شابلان ميدى `يعرضان مع أساتذة الحقيقة ` عازفة الجيتار ` و ` مناظر الطبيعة ` .. وكان فى تيارات الفن الغربى نزعة إلى التزام الجمال والصدق والعودة إلى أعمدة الأكاديمية فى الفن بعد أن أرهقته أساليب التعبير العنيفة .
- ولقد ألقت الظروف على صبرى أن يكون رائدا فى تعليم الفن وأن يكون أستاذا لأجيال تخرجت على يديه .. وأمانة صبرى وصدقه واخلاصه اقتضاه أن يلتزم الاصول الحرفية التى تعلمها وأن يلقنها تلاميذه .. ولقد كان يبث فيهم قيم حبه للفن بحماس واندفاع .
كان طرازا من أساتذة المراسم الذين ادركوا واجب الأستاذية وتعانوا فى ادائه.
- ولقد قومت طريقة صبرى اتجاهات تلاميذه ورعتهم من الانحراف ، وأعانتهم على استكمال أساليب المعرفة الفنية قبل ابتداع أسلوب شخصى . وستظل قيمة أحمد صبرى باقية فى تاريخ نهضتها كفنان عصر وأستاذ جيل .
بقلم : بدر الدين ابو غازى
مجلة الهلال : يناير 1966
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث