`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمد موسى ناجى

- كان ناجى صدى عصره - أعانته أحداث حياته والعناصر التى ساهمت فى حياته وفكره - وما أتاحته له ظروفه من سياحة وترحال على أن يجمع فى ذاته أطرافا من روح مصر تلك التى تمتد من طيبة الى الإسكندرية ، كذلك كانت الخطوة الكبرى فى حياة ناجى رحلته الأثيوبية الى منابع النيل فى أوائل الثلاثينات تلك الرحلة التى أطلقت نفسه من قتامة ألوان الشمال وأشاعت فى أعماله غناءً كانت بعض أنغامه تختفى وراء الخضوع للنظام .
- فى أعماله يميل الى ربط ماضى مصر الفنى القديم بحاضرها مع شغف بالطبيعة والارتباط الوثيق بها كما استلهم الرسم الحائطى عند المصريين القدماء ، تتميز لوحاته بشفافيه وتناغم مع قوة التركيب وتوازنه كما كان ملوناً بارعاً .
- يكمن السر فى تنوع أعماله الفنيه الى صدق المعايشة الفنية وذلك تحت تأثير زياراته لأوربا حيث عاش الواقع الأوربى بصدقه كفنان معاصر لحركة المدرسة التأثيرية .
- كان ناجى أول المعاصرين خروجا للطبيعة لذلك نبضت لوحاته بالكثير من الحيويه والتدفق .
- أعمال ناجى وثيقة تاريخية وإنسانية تحمل بصماته الإنسانية فنجد لوحاته مرتعا للبسطاء والمشايخ والطبيعة على سجيتها كما صور أقاربه ورجال الدولة والزعماء ورجال الدين .
الفنان / مكرم حنين


- `والعجيب أن يكون هذا المصور الأول قد استطاع فى خلال بضع سنوات من دراسته للفن .. أن يقطع المراحل ويجتاز العصور .. فينتقل من الكلاسيكية.. الى الرومانتيكية.. الى الانطباعية.. الى الحوشية.. ثم الى ما بعد الانطباعية.. دون أن يغفل فوق ذلك إلقاء نظرة عابرة على فن اجداده الأقدمين .
- ويعتبر الفنان محمد ناجى أول فنان مصرى يتصدى لعمل اللوحات ذات التكوينات والموضوعات التى تشغل بال وفكر الجمهور المصرى فى تلك الآونة .. كما أنه استخدم الاسلوب الواقعى فى ملاحمه ..
- وبرغم انشغال ناجى فى دراسة القانون.. وعمله بالسلك الدبلوماسى .. ثم تعيينه كأول مدير مصرى لمدرسة الفنون الجميلة - القاهرة - ومديراً لمتحف الفن الحديث .. ثم رئيساً للأكاديمية المصرية .. بروما .. كذلك دوره البناء فى إنشاء اتيليه الإسكندرية واتيليه القاهرة .. كل هذا لم يشغله عن الامساك بريشته ورسم الصور كبرت أم صغرت .. ولكنه لم يتركها ابداً .. إلا بعد ما وافته المنية داخل مرسمه بالهرم فى 5 أبريل 1956.. هذا المرسم الذى أصبح متحفاً بعد ذلك مخلدا `أعماله الرائعة `.
الناقد / محمد حمزة

محمد ناجى.. أول مدير مصرى للفنون الجميلة
- رغم تأثره بتوجهات التأثيريين ربما بسبب صداقته لفرسان المدرسة التأثيرية إلا أنه تمسك بعناصر الهوية المصرية ومكونات الشخصية القومية وكأنه فارس نبيل يرسم ملامح وطنية لبلده.
- مفتاح شخصيته هو إيمانه بأن الفن سبيل للتقدم والارتقاء والوعى فقد زواج بين عناصر الفن المصرى القديم والتناول المعاصر للقيم الجمالية واتخذ السفر والترحال والتعرف على الثقافات سبيلا .
- اتسعت البوابة التى دخل منها محمد ناجى إلى دنيا الفن، وانعكس ذلك على تمسكه بمدرسة الضوء واللون `التأثيرية ` تطلق النور من عقاله فقد توفر له مالم يتوفر لغيره، طبقة ميسورة، واكتسابه ثقافة الطبقة ودراسة الفن فى اوروبا، وسفر، وترحال، مناخا من الحرية وهو الأمر الذى يتفق مع ائتمائه إلى جناح فى الحياة الفنية المصرية، جاء عطاؤه من خارج المنظومة الاكاديمية، وتجاوزه الاساليب الفنية الأكاديمية، إلا أنه جمع بين موهبة قرض الشعر، وحبه للألوان والتعبير بها، فمن رحم طبقة برجوازية مصرية، ولد ` محمد موسى ناجى` فى 17 يناير 1888، بحى محرم بك، الإسكندرية، تلك الطبقة التى تحاكى البرجوازية الأوروبية، فى شكلها ودورها التحررى والتنويرى .
*عاصمة عصر النهضة :
- بمجرد أن انهى دراسته الثانوية فى المدرسة السويسرية بالاسكندرية عام 1906 اتجه إلى مرسم المصور الإيطالى ` بينولى` ` Pianoli `على طريقة تلك الطبقة، التى تجعل من صقل المواهب، شىء والدراسة شىء آخر، فقد سافر `ناجى` إلى ليون بفرنسا، لدراسة القانون والاقتصاد السياسى، لينهى دراسته فى عام 1910، لكن نداء الفن دفعه إلى عاصمة عصر النهضة الاوروبية، فلورنسا بإيطاليا، لدراسة الفن حتى العام 1914.
- وبعد العودة من أوروبا التى درس فيها الاقتصاد والسياسة والفن، اختار مرسما فى حى القلعة ` درب اللبانة ` بالقاهرة تلك المنطقة التى تعكس تراثا ثقافيا مميزا، ومع ذلك لم يكتف بذلك فسافر الى سيوة وجنوب مصر .
* مفتاح شخصيته :
- ولأن مفتاح شخصيته ناجى هوايمانه بأن الفن سبيل للتقدم، والارتقاء والوعى، فقد زواج بين عناصر الفن المصرى القديم والتناول المعاصر للقيم الجمالية، واتخذ السفر، والترحال، والتعرف على الثقافات سبيلاً، فيتجه هذه المرة إلى الشمال، ويقيم بقرية جيفرنى ( Giverny، عام 1918وهناك يتعرف على رائد الانطباعية، مونيه ( Monet، ورغم تأثر محمد ناجى بتوجهات التأثيريين، ربما بسبب صداقته لفرسان المدرسة التأثيرية، إلا أنه تمسك بعناصر الهوية المصرية، ومكونات الشخصية القومية وكأنه فارس نبيلاً، يرسم ملامح وطنية لبلدة .
- نادى ناجى بأن المدخل الصحيح لفهم الحضارة المصرية القديمة هو الفن وهو ما يفسر ارتباطه بمدينة طيبة بالقرنه، فى وادى الملوك، ودعا الفنانين إلى العودة للزخارف الجدارية على المبانى العامة وإعطاء دور أكبر للفن، والقيام بمهمة اكبر فى تثقيف الشعب .
* تأثير إيجابى :
- مسيرة محمد ناجى تجعله من الرعيل الأول الذين كان لهم السبق والمشاركة فى إقامة دعائم البنية الأساسية للنهضة الفنية الحديثة، وقد عاش فى الإسكندرية وكان له تأثيره الإيجابى على الحركة الفنية فيها، فقد كان عمل محمد ناجى ملحقا ثقافيا فى البرازيل عام 1924، ثم فى باريس، فقد تعرف على تجارب شعوب لها باع طويل فى الصناعات الثقافية والفنية .
- دفع حب الحضارة المصرية القديمة ناجى الى دراسة الفن اليونانى، والفن الرومانى، بهدف المقارنة، بل أقدم على عمل لوحة كبيرة عن مدرسة الأسكندرية ` 1929 ` تلك المدينة العالمية،على اعتبار أن مدرسة الاسكندرية، نقلت للعالم الغربى، العلم والمعرفة، وكانت قرية `أبو حمص ` التى نشأ فيها محمد ناجى، سببا فى ارتباطه بالريف، كما اوحت له بعمل لوحة ` جنى البلح ` عام 1912.
- كما كانت بعثة ناجى الى الحبشة عام 1932 محطة مضيئة فى مسيرته، وسببا فى نضج اسلوبه، حيث عاش بها حوالى سنة، صور الطبيعة بألوانها الصاخبة كما صور الأمبراطور ورجال الدين والكثير من الشخصيات البارزة فى بلاط `هيلا سلاسى` واهدى للنجاشى احد البورتريهات التى رسمها له.
* لوحات جدارية :
- أحب ناجى اللوحات الجدارية الكبيرة،فأنجز لوحة بمستشفى المواساة تمثل الطب عند العرب وعند قدماء المصريين، وتحتضن جدران مجلس الشعب لوحته الكبيرة عن نهضة مصر منذ عام 1922 وحتى الآن .
- توفى فى 5 أبريل عام 1956 بالجيزة بالمرسم الذى تحول الى متحف ناجى وبعد أقل من عامين صدر عنه فى دار المعارف بمصر أول كتاب من تألبف سعد الخادم وعنوانه `الحياة الشعبية فى حياة ناجى ` .
- وكانت وزارة الثقافة قد اقتنت مرسمة القريب من اهرامات الجيزة، فى عام 1962، بقيمة رسمية قدرها أربعة آلاف جنيه تمهيداً لتحويله إلى متحف للفنان وقامت شقيقته الفنانه `عفت ناجى` بإهداء الدولة أربعين لوحة زيتية من اعماله ومجموعة كبيرة من رسومه التحضيرية بالإضافة إلى مقتنياته الشخصية.
- وفى 13 يوليو 1968افتتح الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة ـ انذاك متحف الفنان محمد ناجى للجمهور بنفس عدد الأعمال الفنية التى تم إهداؤها.فيما اقتنت وزارة الثقافة فى عام 1987 مجموعة أخرى من اللوحات الزيتية لناجى `عددها 28 لوحة ` كما أهدت الفنانة عفت ناجى المتحف مجموعة أخرى من رسومه التحضيرية .
*عمليات ترميم :
- وقد جرى للمتحف بعض عمليات الترميم قبل أن يتولى المركز القومى للفنون التشكيلية ـ انذاك عملية شاملة لتطويرة وتحديثه وتوسيعه بنسبة 200% بغرض أن يتسع لاستضافة أعمال أخته عفت ناجى وزوجها الفنان سعد الخادم، قبل التفكير فى تحويل تجديد منزلهما فى حى الزيتون الى متحف وبمناسبة مرور مائة عام على ميلاد محمد ناجى صدر كتاب يضم رؤى لتسعة عشر ناقداً، عن المركز القومى للفنون التشكيلية `قطاع الفنون التشكيلية حاليا ` .
- وفى عام 1991افتتح المتحف بعد أعمال التطوير والتحديث وتزويده بكافة الأنظمة الحديثة من اجهزة إنذار ضد السرقة والحريق .
- ويبقى ان محمد ناجى جمع بين نشاط إبداعى متميز، والعمل العام فقم بتأسيس العديد من الكيانات الفنية والثقافية التى استمر عطاؤها حتى الآن، حيث بدر بذور كيانات كانت ومازالت مصدرا للإشعاع `أتيلية الاسكندرية 1945 ` `اتيلية القاهرة 1952` بفلسفة عميقة بعد ان خطط للجميع بين الفنانين والكتاب فى كيان واحد، وأول من دافع عن فنونا الشعبية وكان ناجى قد ساهم فى تأسيس `ارت كلوب `أو نادى الفن ` ` وبيت الفن` وعين كأول مدير مصرى لمدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة 1937 كما أقام مراسم لطلبة الفنون الجميله فى قرية القرنة بالأقصر 1941 ويعد أول صوت ارتفع ينادى بحملة انقاذ آثارنا التاريخية فى ابى سمبل 1947 كما تولى ادارة المتحف المصرى للفن الحديث .
سيد هويدى
القاهرة - 27/ 12/ 2011

`إن ما أسعى لتحقيقه فى رسومى السريعة هو تفادى الوقوع فى المشكلات الفنية..`كان محمد ناجى من جيل الرواد (يوسف كامل - محمود مختار - راغب عياد - محمود سعيد - أحمد صبرى) الذين بدأوا على مشارف القرن العشرين، وأقاموا دعائم النهضة الفنية ورسموا ملامحها فى مصر، كانت نشأته فى الإسكندرية، ودراسته القانون ثم التصوير فى فلورنسا بإيطاليا من سنة 1911 إلى 1914، ثم يأتى فى هذه الفترة اتصاله بأجواء طيبة - حاليا الأقصر- و إقامته (بالقرنة) ثم سفرياته المتعددة إلى أوربا واتصاله بمنابع الانطباعية على يد (مونيه) ومتابعة النظريات الفنية للتيارات والحركات الحديثة خلال عمله فى باريس، ثم تمرده على قيود الوظيفة وتركها، وإيفاده فى بعثة إلى الحبشة، إلى منابع النيل، التى انعكست على موضوعات فنية. هذه المسيرة الطويلة قد شكلت فكره ووجدانه، ومحاور فنه.. وقد جمعت لوحات (ناجى) ما بين لوحات تصويرية وجداريه أسلوبين متناقضين تماما فى التعبير.
الأسلوب الأول..
يتسم بالأداء الانطباعي فى استخدام الألوان ومزجها فى التعبير عن موضوعات محلية أو قصصية عن التاريخ وتسجيل المعالم الكبرى المشخصة للبيئة وأحداثها. ويراعى فى هذا الأسلوب الاستعانة بمفهوم - القطاع الذهبى - والتكوينات الهرمية، والمنظور والفورم والمعالجة اللونية والضوئية والملمس.. إلخ ..
الأسلوب الثانى..
يختلف فى منطق بنائه والمعالجة التشكيلية عن الأول، وهو هنا قريب الشبة جدا فى معالجة موضوعاته بالتصاوير الجدارية المسجلة على جدران المقابر والمعابد المصرية القديمة، سواء من حيث التقنية والخامات المستعملة والمعالجة التشكيلية أو فى طريقة بناء اللوحة على أسس رياضية. ولو كان (ناجى) قد أولى عنايته بالبحث فى هذا المجال ووازى بين حبكة التكوين والأداء والناحية القصصية، أي الشكل والمضمون، لكان أعظم تأثيراً فى النفوس، وأعظم قدرة على تحريك العواطف وهذا ما نشاهده ونحسه فى أعمال فناني المكسيك المعاصرين له مثل تمايو وريفيرا وسيكويروس، واوروسكو - إلا أنه على حد تعبيره آثر أن تكون نوع الصورة التى رسمها الفنان فى مخيلته، ويعدها فى ذهنه لابراز عمله الفنى وهو وحده صاحب الشأن الأول فى هذا المجال أي أن الفكرة هى الركيزة الأولى التى يؤسس عليها بناء العمل الفنى بكل عناصره وجمالياته. ولكن من الإنصاف أن نشير إلى أن اللوحات الجدارية عند ناجى ترجع أهميتها إلى أنها خرجت حاملة معالم المصرية فى التعبير الفنى، وكانت مبشراً بضرورة العودة إلى الجذور والمنابع الأصلية واستلهام جماليات التراث. وبالرجوع إلى أسلوبه الأول فى تصوير لوحاته الزيتية، نجد أن هذه الموضوعات بمعيار زمنه كانت تابعة للمذاهب الفنية التى سادت عصره، ففهمها وأخذ عنها ومزج بينها وبين معطيات بيئته مزجاً لا بأس به. أما عن رسومه الغزيرة: فبالإطلاع على دفاتره المليئه برسومه التخطيطية من دراسات وكروكيات لوجوه ومناظر وأفكار- التى سجلها للإفادة منها فى موضوعات للوحات كبرى- يمكننا القول إنه بالفعل عند استعراض مختلف المراحل التى مرت بها رسوم `ناجى` فى أثناء سفرياته وزياراته بدءا من `القرنة` بصعيد مصر، ثم انتقالاً إلى البرازيل والحبشة واليونان فقبرص. ثم إلى فرنسا وإيطاليا، ومنها إلى واحة سيوه. كل هذه الانتقالات التى صاحبته فيها رسومه واستنفذت وقتاً طويلاً من عمر الفنان إنما تؤكد سعيه وراء مثالية خاصة تتيح التعرف على ملامح شخصيته الفنية ومنهاجه فى اعداد لوحاته وصياغتها بطريقة مثلى. كانت أولى محاولات ناجى للرسم بالأقلام عام 1911، وقت أن كان يدرس الفنون فى إيطاليا، ويمكن أن نلمسها فى النماذج القليلة التى تركها لنا من إنتاج هذه الفترة وهى رسم الأشخاص ومدى حذقه وعنايته بالخطوط. وعند عودة الفنان إلى مصر عام 1914 نراه يتحول فى رسومه عن دراسة الجسم الإنساني الى تسجيل مظاهر الطبيعة فى البيئة المحيطة به ولا سيما المناظر الطبيعية بالقرب من ترعة المحمودية، ومناظر الريف بجهة أبى حمص، وتتسم هذه الرسوم بالأداء الخطى السريع وترجمة الأشكال أو الأشياء المرئية إلى كتل ومساحات من الفاتح أو الغامق دون إسراف فى التفاصيل، كما اكتسبت نماذجه قدراً من المبالغة البسيطة ترجع الى سرعة التسجيل فى التقاط الحركة. ومن بين لوحاته الزيتية الكبرى التى تدرجت عن رسومه التحضيرية فى هذه الفترة لوحتان: `الأولى: بعنوان(المحمل) - الثانية: (للنهضة المصرية). وفيما بين عامى 1914- 1918 ذهب إلى الأقصر لدراسته الفنون المصرية القديمة على الجدران فى المعابد والمقابر، للتعرف على أصولها وأنماطها وقواعدها، ونلمس فى رسوم هذه الفترة المبكرة حساسية الفنان وعصبية لمساته، والوصول برسومه الى حبكة التكوين التى تميز الفن المصرى القديم، وسوف نجد تأثير هذه الفترة تشكل أهم ملامحه الفنية، وخاصة فى تصاويره الجدارية الكبيرة أما إنتاجه فى الفترة التى سافر فيها الى البرازيل فكان قليلاً فى الرسم والتصوير، وكان تعليقه على هذا ` أن مناظر الطبيعة الخلابة فى هذه البلاد وأثرها السحرى على النفس لا تشجعنى على الرسم أو التصوير إلا فى نطاق ضيق، فلم ينتج ما يستحق الذكر سوى منظر من الريف.
وفى زيارته الى الحبشة عام 1932، أنجز ناجى مجموعة من اللوحات منها التى لم يستطع إنجازها فى البرازيل، التكوينات القديمة بألوانها نفسها. وتشهد الرسوم التحضيرية الملونة والتسجيلات السريعة للمناظر والوجوه والأشخاص فى وضعات مختلفة التى سجلها فى تلك الفترة على تحكم تام فى تكوين وحدات صوره، فرسم يد الحصان والفارس فى حركة واحدة، وما هى إلا خطوط قلائل لتلخص المنظر وتجمله فى موضوع يتسم بالعمق تغلفه أضواء وهاجة بالغة العنف. ويبلغ يسر الحركة فى هذه الرسوم أحيانا مبلغاً من الطلاقة فهذا النجاشى يرسم فى خطين، وهؤلاء اتباعه مجملون فى خطوط يسيرة، فالوجوه الحبشية تذكره بالوجوه المصرية المرسومة على التوابيت الأثرية التى وجدت بالفيوم، كما رأى حركات الناس وملابسهم استمراراً للفنون القبطية فى مصر قبل الفتح الإسلامى، ويذكرنا أسلوبه بالفنون المصرية ما بين القرنين الرابع والسادس الميلاديين وفى زيارته لليونان عام 1934 لمس فى آثار الفن الإغريقى قوانين الجمال المصدر الأول لفن عصر النهضة الكلاسيكى، كما رسم بحماس الكثير من المناظر المثيرة فى قرى اليونان وبلدانها، إنه يود أن يصف بأقلامه الملونة كل ما وقعت عليه عيناه وتأثر به من مناظر.هكذا نرى أن هدف الفنان الأول التطلع والبحث الدائمين عن عناصر فنية ومثيرات طبيعية يؤلف منها أعماله الفنية ، فمثلاً زيارته للحبشة ورسم مناظرها، أثارت فيه الرغبة فى إنجاز مشروع ضخم عن منابع النيل، يرسم بداخل قبة جامعة القاهرة، وكان ما أنتجه بالحبشة إنما هو رسوم تحضيرية لتكوين لوحات النيل الأزرق والنيل الأبيض. وهو حين يزور واحة سيوة ويرسم بها إنما يزورها برغبته فى رسم لوحة تاريخية لجامعة الإسكندرية تمثل تلاقى الفكرين المصرى والغربى، هذه اللوحة هى `مدرسة الإسكندرية` التى يذكرنا نسقها الهندسى بلوحة `رافاييل` مدرسة أثينا. ورسومه التى أنجزها فى الاقصر تمخضت عن لوحتين لإيزيس إحداهما - وهى كانت معلقة فى قاعة مجلس الشعب `الشيوخ سابقاً ` - تمثل موكب إيزيس الناهضة وقد أنجزت هذه اللوحة عقب ثورة 1919. أما الثانية فتمثل `دموع إيزيس` وقد عرضت ضمن مجموعة لوحات زخرفية لتزيين الجناح المصرى بمعرض باريس الدولى عام 1937. أما دراساته الكثيرة التى رسمها عن الريف المصرى، ولا سيما فى جهة أبى حمص فتتجمع عناصرها فى لوحة كبرى تمثل `الريف المصرى` معروضة فى متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية، وأيضاً لوحة `الطب عند العرب` التى يحاول فيها إظهار شخصية ابن سينا فينوه بالسبق العلمى الذى أحرزه هذا العالم.
هكذا تتبعنا ناجى ورأيناه كم كان مخلصاً فى مسعاه النبيل نحو تحقيق أهدافه الفنية من اجل فن مصرى يستمد مقوماته وأصالته من البيئة والثقافة العالمية وقد وفق بقدر ما أعطى من فكر وجهد متواصلين.
د. رضا عبد السلام
من كتاب الرسم المصرى المعاصر
الرسام الملون .. مصور الملاحم
- الأعماق التى نستشعرها فى لوحات محمد ناجى، تناظر ما نحسه فى أشعار أحمد شوقى والحان سيد درويش، وأدب توفيق الحكيم، وفكر طه حسين. الشكل عنده وعاء للفلسفة والأداء المتقن والصنعة وسيلة لإبراز المضمون. هو واحد من هؤلاء الفنانين الذين نذروا أنفسهم، للتعبير عن أفكارهم الاجتماعية والانسانية. فالمدرك الاجتماعى لديه، كان يمثل المحتوى، الذى تغلفه الخطوط والألوان. يودعها مضمونة الإنسانى باحساس مرهف ومعرفة واسعة. قرض الشعر يافعا وعزف الموسيقا على العود والكمان، فجاءت ألوانه شاعرية وخطوطه موسيقية وموضوعاته إنسانية. أما من حيث القيمة الفنية، فلو اقتطفنا تفصيلية من إحدى لوحاته، لحسبناها صورة تجريدية، لما فيها من دقة التصميم الشكلى، وتوافق التنظيم اللونى، وايقاعات خطية مثيرة. لكنه كان موضوعيا ككل الكبار من جيل الرواد.
- ارتبط ابداعه بالروح الشعبية الوطنية، وجذورها التاريخية عبر العصور الفرعونية والاسلامية. تغنى فى إبداعه بامجاد الماضى وجمال الحاضر. وهو من الرسامين القلائل الذين طرقوا عدة أنماط موضوعية، منها التاريخية على هيئة تكوينات صرحية مؤلّفة من لوحات سابقة الاعداد والدراسة. وبينها مشاهد من الحياة الريفية، معظمها فى قريته ` أبو حمص`. وفيها الكثير من صور الاقصر والقرنة ، والتراث المصرى القديم عشقه طوال أيامه.
- الإسلوب الفريد فى رسوم محمد ناجى وألوانه، لا ينفصل عن فلسفة المضمون ورمزية المعنى والموضوع، لأنه الصياغة الشكلية للمضمون والوعاء الذى يحمله، والجسد الذى يمسك الروح ويموت لو أفلتها. أما المناخ الفكرى والثقافى الذى عاش فيه منذ نشأته الأولى، نافذة، تساعدنا على قراءة لوحاته، دون أن يلهينا الشكل الجذاب المبهر، عن المعانى الانسانية والإجتماعية، التى ترتفع بها إلى مرتبة العالمية، اسوة بفنون الشعر والادب والموسيقا والمسرح. فلإبداعه علاقة وطيدة بالعقل والروح معا. يرتشف المتلقى منه الحكمة، وتشف مشاعره، وتشحذ حواسه، ويتذوق روعة القيم الإنسانية، ويدرك أن الإبداع الفنى ضرب من عبادة الرحمن. فاللوحات العظيمة لها مجال مغناطيسى، يعيد تنظيم مشاعر المتلقى وأفكاره.
- رسم فى لوحة ` المراكبية ` رجالاً أشداء على قدر عال من البطولة والقوة والفتوة، واللطف والاناقة فى نفس الوقت، مع أحكام التكوين والقيم الفنية، التى اكتسبت مزيدا من الجاذبية، عندما ارتبطت بموضوع المركب الشراعى وبحارته. فالموضوع عند محمد ناجى، ليس ضربة حظ، أو خاطرا عفويا، أو عاصفة من الخطوط والألوان تصطدم بقماش لوحته فى ساعة أو بعض ساعة، انما هو حصيلة مشوار طويل، من الحسابات الفنية المرهقة ، حتى يستقيم التكوين، وينتظم الإيقاع، وتتآلف الملامس، وتتناغم الخطوط والألوان فى كل متكامل. هكذا ابدع لوحاته الصرحية الشهيرة : ` نهضة مصر` و` مدرسة الاسكندرية ` و` وحدة قبرص`، ومجموعة لوحات مستشفى المواساة بالاسكندرية. فى تلك الروائع، كشف محمد ناجى، عن قدرات عالية نادرة، من حيث مهارة الاداء، واللياقة الذهنية والبدنية، والدراية بامكانات الخامات والأدوات، وحسابات تركيب العناصر، وعلاقات الخطوط ببعضها عبر اللوحة فيما يسمى ` ارابسك` فضلاً عن مناسبة التوليفات اللونية. بالإضافة إلى الملامح وتعبيرات الوجوه وحركة الأجسام ومعانى الرموز، خاصة فى الأعمال الصرحية.
- ينفرد محمد ناجى بين رسامينا الرواد، بغزارة لوحاته الصرحية. كان يستأجر مراسم خاصة لانجازها، أتخذ من بيت والده بالاسكندرية ستوديو فى بادئ الأمر، بعد عودته نهائيا من ايطاليا سنة 1914، عقب انهاء دراسته فى اكاديمية فلورنسا. لوحة `جمع البلح`، كانت باكورة ابداعه. استلهمها من قريته ` ابو حمص`. ومن مفارقات القدر، أنها آخر صورة لمستها فرشاته قبل أن يرحل عن دنيانا. أراد أن يعدّل من صياغتها، ويضيف إليها شيئا من الخبرة التى اكتسبها عبر مسيرة الابداع طوال اثنين وأربعين عاما، لكن القدر لم يمهله وفارق الحياة، وهى ما زالت على حامل الرسم، وأمامها لوحة الالوان والفراجين.
- فى نفس الحقبة التى امتدت لسنوات الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918، أتخذ مرسما فى قرية القرنة بالأقصر، فى الضفة الغربية لنهر النيل، بين الآثار المصرية القديمة ووادى الملوك أما لوحة `نهضة مصر` العملاقة، فابدعها فى مرسم خاص يناسب صرحيتها، فى بيت مملوكى قديم فسيح، فى درب اللبانة بالقلعة بالقاهرة، عرف فيما بعد ببيت الفنانين. ابدعها سنة 1919، بينما تهدر المظاهرات الشعبية الثائرة تحت نافذته فى ميدان القلعة. لم يكن تمثال ` نهضة مصر` قد أقيم بعد، ولم يكن المثال محمود مختار قد عرض نموذجه المصغر فى صالون باريس.
- تتمتع معظم صرحيات محمد ناجى، بالهوية المحلية وتمتد جذورها، إلى رسوم المصريين القدماء، فى المقابر والمعابد الفرعونية، التى عشقها طوال حياته، واعتبر الفنان المصرى الذى ابدعها، رفيقا مازال يحيا بيننا من خلال تلك الروائع. أما مرسمه التالى فكان فى اديس أبابا عاصمة الحبشة، اتخذه سنة 1932 حيث صور النجاشى والعائلة الملكية والطقوس الدينية. ومن بينها لوحة ` أحد السعف ` الشهيرة، المحفوظة حاليا فى ` التيت جاليرى` بلندن بانجلترا لكن لوحة `مدرسة الاسكندرية ` الكبيرة بدورها، فقد استكمل تصويرها، فى احدى قاعات متحف الفن الحديث سنة 1938، حين عين أول مدير لهذا المتحف. ثم اصطحبها معه إلى روما بعد تعيينه مديرا للأكاديمية المصرية هناك سنة 1947. خصصت له الحكومة الايطالية مرسماً خاصا لاستكمالها، وتعتبر من أهم وأعظم صرحياته.
- فى عام 1951 بعد إحالته إلى التقاعد بثلاث سنوات، بنى مرسما فسيحا فى منطقة حدائق الأهرام بالجيزة، قضى فيه ما بقى من عمره، وهو ما يعرف الآن باسم `متحف ناجى`، الذى شاهدت جدرانه اللحظات الأخيرة من حياة الفنان الكبير.
- لم يتنقل محمد ناجى بين عدة أساليب، ابان مشوار حياته الفنية، بعد انهاء دراسته الاكاديمية فى فلورنسا. لأنه بوجه عام يميل إلى الانطباعية فى ثوب موضوعى روائى، تخللته `مرحلة الحبشة `، التى تلألأ فيها، واتخذ شخصية فريدة ليس كمثلها مثل.
- لوحة ` موكب الأمير` ، واحدة من أروع أعمال الرسام: محمد ناجى أثناء اقامته فى بلاد الحبشة سنة 1932. صور فيها أحد أمراء الاسرة المالكة على صهوة جوادة، يحوطه حارسان خصوصيان من خلف ومن امام. يتسابقان على خدمته، بينما يمضى فى طريقه هادئا ممشوقا، فى عظمة تشعرنا بأنه يملك الأرض وما عليها. والجواد لا يقل عن صاحبه احساسا بالاعتزاز، فيتقدم رافع الرأس منتفخ الصدر، بين الحارسين المتفجرين بالحركة والنشاط. يرتديان الملابس الوطنية كأنها ملابس الاحرام. تظهر اكتافهما منها عارية معضّلة وتوحى بشرتهما السمراء بالقوة والعزيمة. وبالرغم من أن الأمير لا يبدو من وجهة شئ، الا أن الخطوط الوهمية، التى تحدد وشاحة وقبعته وهيئته، تنم عن الاستقرار والثقة. وانه يسير على أرضه وممتلكاته. تظهر فى الخلفية دنيا متشابكة من النباتات الخضراء الغُفل، نحس فيها بروح بدائية بكر. يقوى احساسنا هذا، بما يتوزع اللوحة من ألوان صريحة يغلب عليها اللون الطوبى والاخضر الزرعى. وتتميز النظم اللونية فى هذه الرائعة - كما فى مسلسل لوحات الحبشة - بالتباين والمساحات الرحبة نسبيا. واللمسات العريضة القوية ، فيزيد احساسنا باتساع أوراق النبات وغزارتها، كطبيعة المناطق الاستوائية. تكاد تلفحنا حرارة، تشع من ارجاء المكان المشمس، حيث يدفع وهج الشمس بالظلام إلى تحت الأقدام. لكننا نحس بالرطوبة وبخار الماء، يخفف من غلواء الشمس العمودية، وينعكس علينا هدوء وصمت يتمثلان فى الايقاع البطئ ، للمساحات الشكلية الفسيحة الخالية من التفاصيل كما تبطئ موسيقا الخطوط ، التى تكاد تنعدم فى الشريط الأخضر المترامى فى الخلفية.
- مثل هذه اللوحة، تعكس علينا شعوراً بالاستقرار، وتدعونا للتأمل فى بانوراما الحياة الانسانية وتوحى بمجتمع يعيش فى أعماق التاريخ، بينما هو حاضر بيننا فى واقع الأمر. استطاع الرسام العبقرى أن ينقل إلينا هذا الشعور، وأن يزيده تركيزاً كلما تأملنا التفاصيل، والنظم اللونية والملامس البصرية والخطوط الوهمية. يهمس بها إلينا بما لا تهمس به الأشعار المكتوبة أو الانغام المعزوفة. هنا تكمن عظمة محمد ناجى وعبقريته.
- كان فى مجموع روائع الحبشة، ملونا من نوع خاص. لا ينبغى أن نقارنه بأحد من روادنا الكبار. لان كلا منهم له أسلوبه ومؤلفاته اللونية وخطوطه التعبيرية. كما لا نقارنه برواد الحداثة الأوربية الذين عاصرهم، فهم المنابع التى استلهمها إلى جوار الطبيعة الافريقية كان فريدا بينهم رغم تأثره بالانطباعيين بزعامة مونيه، وبالاتجاه الرمزى كما يبدو فى لوحات جوجان. فهو ليس هذا أو ذاك، ولكنه محمد ناجى الذى تعتبر لوحاته - وبخاصة روائع الحبشة - ركنا ركينا فى صرح الحركة التشكيلية المصرية الحديثة.
- فى عام 1932، استضافة امبراطور الحبشة، طوال عام وبعض عام. رسم خلال تلك المهلة، هذه الروائع التى تعتبر نقطة تحوّل فى تاريخ الرسم والتلوين المصرى المعاصر. ونقطة تحول فى أسلوبه الذى بدأ انطباعياً، فى أولى لوحاته `جمع البلح`، التى صورها سنة 1914، بعد عودته من أكاديمية فلورنسا بايطاليا، عقب حصوله على ليسانس الحقوق من جامعة ليون بفرنسا.
- تعتبر مجموعة لوحات الحبشة ذروة إبداع محمد ناجى. ولكى نقدر المعايير المبتكرة التى طرحها من خلالها، ينبغى أن نسترجع صياغته الفنية السابقة، حين كان متأثرا بفلسفة الانطباعيين إلى درجة اتخاذه مرسما فى مدينة جيفرنى الصغيرة بفرنسا، حيث كان يعيش آخر سنوات عمره: كلود مونيه (1840 - 1926)، مؤسس الانطباعية وفيلسوفها. كان يجلس إليه وينصت إلى تعاليمه، حول الالوان والأضواء والصياغة الفنية، ويعرض عليه رسومه ويستمع إلى رأيه فيها.
- اجتاز محمد ناجى مرحلة طويلة، امتدت من 1914 إلى 1932، قبل أن يلبى دعوة هيلا سيلاسى امبراطور الحبشة. كان ينتهج خلالها المسار الانطباعى، المعتمد على تأثير الأضواء على المرئيات، وما تسفر عنه أشعة الشمس من تحليل الألوان. لكنه كان يختلف بشخصيته الابداعية المستقلة، اذ يؤلف تكوينات روائية ذات مضامين وموضوعات. ويستخدم الألوان لاظهار المعانى وطبيعة المرئيات ومضمونها. على العكس مما كان يفعله الانطباعيون، الذين لم يفرقوا فى المرئيات، بين ثمرة التفاح ووجه الفتاة، كمجسمات تسقط عليها أشعة الشمس وتتحلل الألوان. لم يأبهوا بالموضوع، وصَبُّوا اهتمامهم على تحليل الضوء، والمظهر الخارجى للمرئيات. وصوروا الانطباع وليس الشئ فى ذاته. كانوا خلويين يبدأون ابداعهم وينتهون وهم فى أحضان الطبيعة، بين المروج والشمس والهواء.
- أما محمد ناجى، فكان يعد التخطيطات السريعة والدراسات، بالأقلام والألوان، يصورها من الطبيعة بين النماذج الحية، ويعود بحصاده إلى مرسمه، ليعد تكويناته ويراجع حساباته وينشئ موضوعاته ويؤلف مضامنيه، حتى يخرج لنا تلك الروائع التى بين أيدينا.
بقلم : مختار العطار
من كتالوج متحف الفن المصرى الحديث 1992 - صندوق التنمية الثقافية - وكتاب ( رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر ) الجزء الأول
الذكرى المئوية وإعادة قراءته
- نظم المركز القومى للفنون التشكيلية مهرجانا لتكريم أحد رواد الفن التشكيلى فى مصر 1989، الفنان ` محمد ناجى `.
- ضم المهرجان معرضاً شاملاً لإنتاجه بقاعة النيل وندوات وكتاباً احتوى مختارات مما كتب عن الفنان . وعلى الرغم من الجهد الكبير المبذول الذى يستحق من أجله المركز القومى ومُعدّ الكتاب الأستاذ ` نبيل فرج ` التهنئة فإن معظم مقالات الكتاب تكشف عن طريقة فى التفكير تذُوب الحدود الفاصلة بين التكريم و `التألية ` .
- إن إحياء ذكرى فنان تعنى فى تقديرى إعادة قراءته واستخلاص القيمة الباقية فى إبداعه . وقدرتها على التأثير والحوار مع إبداعات أجيال لاحقة . أما فى حالة ` التألية ` فليس هناك غير المصادرة والإلغاء لكل إنجازات الآخرين حيث لا تتسع الساحة الفنية لغير فنان واحد.
- كان ` ناجى ` فناناً جادا بغير شك أميناً مع عصره ، أميناً مع قلقه الخاص !
- يبحث عن نفسه ، أو عن أسلوب شخصى يميزه ، بين مدارس ومذاهب وتيارات انبهر بها فى لحظات التلاقى الأولى ، غير أنه كان ينتقل من ` مدرسة ` إلى ` مذهب ` إلى `تيار ` فى خفة الطائر فوق الأغصان ... فانتقل من تأثيرية ` مونيه ` الذى كان قد إلتقى به شخصياُّ إلى ` سورا ` و` سينياك ` و `سيزان ` .. وقبل ذلك كان مفتونا بإبداعات `عصر النهضة` ويعلق ` رمسيس يونان ` على ذلك بقوله :
- ] كانت المرحلة الكلاسيكية فى فن ` ناجى` تقتصر على زيارة المتاحف ونقل صورة أو صورتين من عصر الإحياء . ولا يبدو لنا من تأمل أعماله اللاحقة أنه قد أفاد كثيراً من هذه المرحلة سواء فيما يتعلق بالثروة اللونية أومن حيث براعة التأليف وروعة الألحان [.
- إن النموذج أو النماذج الشخصية التى تعلق بها فى بعض مراحله لم تؤثر فيما أعلمّ فى الأجيال اللاحقة .. فقد كان الطريق إلى` النموذج الأوروبى ` ميسوراً أمام تلك الأجيال ، سواء بالاتصال المباشر بالمنابع ، أو بالاتصال غير المباشر بواسطة الكتاب .
- ولا شك أن الاتصال بالمنابع الأصلية أفضل من نقل أو استعارة نماذج وسيط.. ومع ذلك فقط كانت دعوة عصر ` ناجى ` إلى تمصير المنوذج الأوروبى قد وجدت ولاتزال تجد لها صدى .. وفى حين اقتصر التعبير عن توجهات قومية فى فن ` ناجى ` على الموضوع فقط ، تجاوز بعض من أبرز فنانى الأجيال اللاحقة حدود الموضوع الوصفى الخارجى إلى منطقة الأسلوب أو منهج الرؤية الفنية .
- ومن الدعوات التى تركت أثاراً دعوته إلى الإهتمام بالفن الشعبى ، غير أنها كانت دعوات نظرية تركت آثارها على إبداع شقيقته الفنانة ` عفت ناجى ` وزوجها الفنان `سعد الخادم` بينما لا نجد فى مجمل إنتاجه ما ينبئنا باستلهامه هذا الفن المعشوق . وحاول أن يقيم جسوراً مع إبداعات الفن المصرى القديم غير أن الناتج لا يكشف عن عمق هذا الاتصال ولا يكاد يتجاوز حدود ` النظرة العابرة ` على حد تعبير ` رمسيس يونان ` .
- وربما تساءلنا ونحن نتذكر رحلته ` الجوجانية ` إلى ` الحبشة ` : إذا كان ` جوجان ` قد هرب من الحضارة الأوروبية إلى حياة أقرب إلى الفطرة فى ` تاهيتى ` فما الداعى لفنان ينتمى إلى العالم الثالث وبينه وبين فلاحى عزبته فى ` أبى حمص ` بضع ساعات ما الداعى إلى زيارته الحبشية ؟
- يجيب ` رمسيس يونان ` .] لا نشك فى أن هذه النزعة الرومانتيكية هى التى حملت ` ناجى ` على الرحيل إلى الحبشة ، ثم الرحيل فى أواخر حياته - إلى قبرص [ .
- ولقد أشاد معظم نقاده بلوحات الحبشة لما بها من حرارة فى اللون وجراءة فى التنفيذ ، وفطرية فى الأداء .. وبعد أن تركت مرحلة الحبشة بعض الآثار على عدد من اللوحات أنجزها عقب عودته مثل ` جنى القطن ` و` عازف الأرغول ` و ` الصيد بالشباك ` ` و بنات ` ` أمينوفيس الرابع ` خفتت درجة الحرارة اللونية.
- وإذا كانت رحلة ` ناجى ` الإبداعية تضم عديداً من الأساليب المستعارة ، والموضوعات المختارة ، وتباينا فى المستوى الفنى فإن ` عجالاته ` اتسمت بصدق التعبير وحرارة الأداء والبراعة فى كثير من الأحيان ربما لالتصاقه المباشر بموضوعات واقعية قريبة إلى نفس مثل الفلاحين والحرفيين والحيوانات وخاصة ` الحمار ` الذى يرسمه بكثير من التعاطف .
- إننى أعد تلك العجالات المرسومة بالقلم الرصاص والأقلام الملونة هى أفضل إنجازاته ، ولا تزال رسالتها إلينا بالدعوة إلى الحوار مع الحياة .. قائمة وحية ، وأرى أن طموح ` ناجى ` إلى ` ابتكار أسلوب شخصى ` مؤثر كان أكبر بكثير من حجم موهبته.
- ويشخص رمسيس يونان حالته بقوله :
]- لم يكن من الممكن إذن ` لناجى ` ذلك الرجل المحتشم الذى لا يقبل حتى على ما يقبل عليه أمثاله من الفنانين من رسم العارى بل لذلك المتأنق المتحفظ الذى لا يخلع وهو يرسم حتى ربطة عنقه - أن يقدم على تلك الحركة المتمردة الفاجرة ` يقصد حركة السيريالية والتكعيبية ` التى تقضى أول ما تقضى بالتجرد حتى من القيود الخفية والأقنعة غير المنظورة [ .
- ورغم ذلك فقد نجح ناجى فى التأثير فى الجانب الاجتماعى فى الفن .. فقد كان أول مدير مصرى لمدرسة الفنون الجميلة ومتحف الفن الحديث ، كما أنشأ أتيليه الإسكندرية والقاهرة ، كما حاول كسر الحواجز بين الفنان والجمهور بجدارياته الشهيرة ، وطالب الدولة بتخصيص مساحات من المنشآت للأعمال الفنية ولا تزال الدعوة قائمة حتى الآن.
بقلم : محمود بقشيش
مجلة الهلال : يوليو 1989
محمد ناجى
- ذلك الرائد الذى لم يلق حظه من التقدير شأن غيره من الرواد الذين يخشى أن ينساهم الأحفاد وأحفاد الأحفاد.
1- لم يكن الأمر سهلاً ولا الطريق ممهداً أمام ذلك الجيل من الرواد حين امتشقوا ادواتهم وصوروا لبنى وطنهم، بل لبنى الأوطان جميعاً تلك التصاوير المبدعة.. لم يكن الأمر سهلاً بأى حال من الأحوال، فقد كانت جمهرة الناس لا تدرك حقيقة الكنوز التى يختزنها تراث الأسلاف القدامى، بينما كانت العين تنطمس بما كان يستجلب حولهم من فنون مستهلكة تزين بها القصور وبيوت أفراد الطبقة السائدة آنذاك.
- وقد كان محمد ناجى واحداً من أبناء مصر الذين تزودوا بالثقافة، ونهلوا من مناهلها غرباً وشرقاً، ورفضوا الاستكانة إلى الذوق الزائف المستورد الذى ضاعت فى خضمه معالم الشخصية المصرية الأصيلة، وأبى محمد ناجى أن يقنع بما درس أو أن يرتضى العيش الرغد الذى كان يمكن أن تكفله له شهادة الحقوق التى حصل عليها من جامعة ليون عام 1910. وما كان أيسر عليه أن تمتصه حياة الرفاهية التى هيأت له أن يلتحق بالسلك الدبلوماسى فى باريس وريودى جانيرو، وقد كان بإمكانه - على حد قول الناس فى تلك الأيام - `أن يتمرغ فى تراب الميرى` وأن يقنع عن بعد بممارسة هواية التصوير الذى درسه بعد تخرجه فى كلية الحقوق متنقلاً بين العواصم الفنية الكبيرة فى أوربا, إذ سافر عام 1910 إلى فلورنسه بايطاليا وأقام بها زهاء أربع سنوات استوعب خلالها درس الكلاسيكيين الكبار. وتشبع بمثاليتهم الفكرية ورصانة أدائهم ثم عاد. وسافر عام 1918 إلى جيفرنى بفرنسا حيث أقام مع صديقة الفنان التأثيرى الكبير كلود مونيه (1840- 1926) وعاين عن كثب تحولات الفن الحديث عبر التأثيرية خروجاً من الكلاسيكية والرومانسية اللتين صور ناجى فى ظلهما من قبل بعض أعماله الأولى.
-كان يمكن أن يقنع محمد ناجى- كما قلنا - بأن تجرى حياته على غرار هواة الفن الذين يمارسونه بالاضافة إلى وظائفهم الأخرى، فيجنب نفسه مشقة سوء الفهم من قبل الأهل والمعارف والمجتمع, ولكن محمد ناجى كان يتحرك بدافع من رسالة تقوده إلى ما هو أبعد منالاً ولو تحمل فى سبيله كل تضحية وعناء.
- يقول محمد ناجى فى مذكراته: `ليس أحب على قلبى من أن أعيش فى صحبة حميمة بالأسلاف، إن ذلك يملأنى بنوع من السعادة لا أكترث معه بأى من طموحاتى الأخرى، ولا حتى بترقياتى. إننى أحب فنى كثيراً، وهو يكفينى. وإن ما يهمنى أكثر من أى شئ آخر هو أن أبدع تصويراً ينفث فيه أسلافى شيئاً من حياتهم`. من كتاب الدكتورة نيرفانا حراز بعنوان `الدور الثقافى` لناجى فى مصر والخارج - طبعة 1983.
2- كانت الرسالة فى أعماقة.
- ومن ثم نفض عن كاهله الدعة، ونبذ راحة البال والجسد، ونزل لاداء دوره الريادى. وفى هذا السبيل تخلى عن وظيفته بالسلك الدبلوماسى وأحيل إلى المعاش بناء على طلبه عام 1930. وليس هذا بالقرار السهل على الرجل العادى، ولكن محمد ناجى لم يكن من هذا الصنف، بل كان يتطلع إلى الآفاق البعيدة، وانضم إلى رفيقيه الكبيرين محمود مختار ومحمود سعيد فى التبشير بنهضة الفن المصرى الحديث. وكان شأنه شأن الرواد الأصلاء معنياً على الدوام بالجذور، ووجد أن الفن المصرى القديم الذى كان نبعاً رشف منه حتى المحدثون من فنانى الغرب الكبار هو الدعامة الراسخة لهذه النهضة المصرية الحديثة. واستوعب جوهراً ضخماً فى الفن الفرعونى القديم وهو `الصرحية`. وأقدم ناجى بقدم راسخة ويد واثقه على ما لم يقترب منه صديق صباه وزميله فى الريادة محمود سعيد، وهو `التصوير الحائطى` وسجل على جدران عديد من الأبنية العامة تصاوير جمعت بين القيم القومية والأمجاد الانسانية، وهذه الأعمال يجدر أن تلقى مزيداً من التنوير والتعريف اليوم، فهى أعمال تبعث على الفخار واذكاء الشعور بالعزة فى قلب المواطن.
3-كتب - ناجى وحاضر - فى الفن وكان الحصاد كثيراً.. والعاملون قليل. ونزل إلى المعترك يبذل من جهده وعرقه الكثير، بلا دافع من نفع مادى أو كسب شخصى. وكان كل ما تقلده من مناصب أو أخذه على عاتقه من مهام، أعباء جساماً وليست مغانم، وقد كان نكران الذات صفة اتسم بها الرواد الكبار جميعاً، وهل ننسى كيف بادر محمود مختار - عندما وصف مجلس النواب تمثاله نهضة مصر بأنه عمل قومى - بالرد على نواب الشعب بأنه إنما يقدم ثمرة جهده هدية للشعب وتحية له؟ وربما بات مختار فى مشغله آنذاك ليالى بلا عشاء، ولكنه الإباء الذى اتصف به ذلك الجيل من المبدعين المعطائين الذين نأمل على الدوام أن يلقوا من الأبناء والاحفاد التكريم وعدم النكران.
4- الحصاد كثير والعاملون قليل. راح محمد ناجى يحرث أرضاً خصبه وإن علاها الأهمال والنسيان. نزل إلى حقل الفن. وبعد أن مارس الفن كهواية صار له فى الفن حياة. نفض عن وجهه القناع، وتخلص من الازدواجية التى يمضى آخرون فى التمسك بها من باب الجبن والخشية من غوائل الدهر ومما تخبئه الأيام، وأضحت أيامه ولياليه فنا خالصاً. وسافر إلى الحبشة فى بعثة فنية، وادار بذلك ظهره لأوروبا، ومضى صاعداً إلى المصادر والأصول، واستجاب إلى نداء الينابيع.
- وعاد من الحبشة وأنشأ فى الإسكندرية مسقط رأسه، حيث ولد فى 27 من يناير سنه 1988 وأقام فى صباه، رابطة للفنانين والأدباء هى أتيلية الاسكندرية عام 1932. وبعد عديد من السنين وعلى وجه التحديد عام 1953 دعا إلى انشاء اتيليه القاهرة وانتخب رئيساً له، وبين هذين التاريخين عيّن محمد ناجى مديراً لمدرسة الفنون الجميلة عام 1937 وكان أول مصرى يشغل هذا المنصب، ثم عين مديراً لمتحف الفن الحديث عام 1939 ومديراً لاكاديمية روما 1947 وظل يشغل هذا المنصب حتى عام 1950. ويعدّ محمد ناجى من أوائل الفنانين المصريين الذين عرفت أعمالهم طريقها إلى المتاحف الاوروبية. فإن `التيت جاليرى` تقتنى لوحة من أعماله بعنوان `موكب دينى فى الحبشه` أهداها إليها النائب البريطانى الفريد بوزوم على أثر معرض كان قد أقامه ناجى لأعماله فى لندن عام 1937. وفى العام نفسه أيضاً عهد إليه تزيين الجناح المصرى بمعرض باريس الدولى، ولم تكن توكل مثل هذه المهام إلا للثقاة من الفناين، وكان محمد ناجى آنذاك منهم.
5-النداء فى قلب فناننا ناجى قوى متأصل، وقد قاده هذا النداء فى فتره من حياته (1930- 1931) إلى الحبشة.. وقد كان هذا النداء الافريقى قريباً من ذلك النداء الذى جذب المصور الفرنسى بول جوجان (1848- 1903) إلى جزر تاهيتى البعيدة. وهناك فى الحبشة التقى محمد ناجى بشئ كانت تتعطش إليه أعماقه الطموح، ألا وهى الضوء القوى المتوهج، الذى يلمع على الأجساد الأبانوسية، والتقى أيضاً بالرحابة التى تتنفس فيها مشاعره وطاقته، فصعد إلى الأشكال الصرحية فى تشكيلات رحيبة. ومن لوحاته هذه انتقلت إحداها إلى التيبت جاليرى بلندن عام 1937 وكانت مرحلة الحبشة مرحلة هامه فى تطور ناجى ونضجه الفنى، فقد أتاحت له هذه المرحلة أن يتخلص من القيود التى تكبل الفنان المبتدئ، ويطرح عن كاهله نير التعاليم المدرسية التى تلقاها من قبل، وتحررت يده، وانطلقت بلا لجلجة إلى تنفيذ رؤاه. كسر محمد ناجى هناك الأغلال وصار متمكناً من صنعته، وما عاد بين الرغبة على التعبير والقدرة على ذلك أية عوائق مما تنهض فى أعماق الفنان المبتدئ. وجد ناجى فى الحبشة الموضوع الذى ينفعل به، والجمهور الذى يرحب بأعماله ويطالبه بالمزيد، والألوان والضوء والعلاقات، والرحابة التى يتوق إليها، وحصل على أغلى ما يحتاجه الفنان فى بدايتة حياته ألا وهو `الثقة بالنفس`.. وباختصار وجد ناجى نفسه. وإذا وجدها خشى عليها أن تبدد.
وما لبث أن عاد إلى مصرِّ، فمازال ثمة نداء أشد وأقوى فى أعماقه. إنه نداء طيبة، نداء الأجداد، نداء القانون الذى يكبح والتصميم الذى يدين العمل الفنى له بوجوده أولاً وأخيراً. ولكن من أجل ماذا أيضاً يكون العمل الفنى؟ هذا هو السؤال الذى طرحه محمد ناجى على نفسه كما طرحه أكثر من فنان كبير غيره، وتأكد لديه أن المضمون القومى هو الذى يعول عليه فى الأثر الفنى الذى يبقى. وراح يصور موضوعاته القومية وغاص بعيداً، إلى الينابيع المصرية الأولى، ووجد فى الفرعونية ضالته التى وجدها أيضاً مثله وعلى الأخص معاصره مثالنا الكبير محمود مختار. والحق أنها لحظة التقى فيها الفنان بنبضة عصره. فقد كانت مصر آنذاك تنهض نهضتها، وما كان بامكانها أن تجد فى الفن رموزاً لنهضتها الحديثة خيراً من رموز الفن الفرعونى وصوّر محمد ناجى أكثر من لوحة من وحى طيبة. ايزيس وايزوريس ليسا اسمين خطرا فى ذاكرة الانسانية فحسب، بل هما رمز العطاء والصمود واعادة البناء والانتصار على الشر والنهوض من العثرات والسقوط، والصحو بعد الهمود. هذه هى اللحظة التى التقى فيها الفنان بتاريخ بلاده. وراح يعيش محمد ناجى تاريخه القومى. `الطب عند قدماء المصريين` - `الطب عند العرب`، وأمجاد الطب عند المصريين القدماء وعند العرب أشاد بها العلماء والمؤرخون فى العالم كله.. وصوّر ناجى ذلك عام 1932 لمستشفى المواساة الذى كان ينشأ حديثاً فى ذلك الحين.
- وقد ارتبط طموح محمد ناجى الفنى بالأعمال الكبيرة على الدوام تأثراً بأعمال الفراعنه ومعبد الكرنك وشموخ أعمدته. كما كانت حائطيات عصر النهضة فى ايطاليا دافعة أيضاً إلى تصوير جدارياته على الأبنية العامة. ولعل لوحته الجدارية `موكب ايزيس` أو `نهضة مصر` التى صورها عام 1923 وتزين جانباً من مبنى مجلس الشعب و `زخارف القسم المصرى بمعرض باريس الدولى لسنة 1937` دليل على رحابة الرؤى عند ناجى.
- وفى جداريات ناجى التى أرجو مزيداً من الالتفات إليها يتجلى لنا أن تضحية ناجى بالمستقبل السهل المضمون فى وظائف السلك الدبلوماسى لم يكن اعتباطاً، فقد كان بداخل ذلك الفتى نداء قوى إلى تحقيق هدف كبير مهما ركب من أجله الصعاب، وقد اكتشف من خلال ممارسته للتصوير الجدارى أنه يجب أن يتخلى عن معتقداتٍ تشكيلية كان يعتنقها من قبل. فابتعد عن الرومانسية التى كان قد نفذ فى ظل تعاليمها لوحة `حلم يعقوب` وتخلى عن الغنائيات التأثيرية وفضل عليها القوة المعمارية وصراحة الألوان، وسخونتها كما تجلت فى أعمال جوجان.
6- ومن هذه اللوحات الحائطية (ومن بينها أيضا `مبايعة محمد على` عام 1948 وهى من مقتنيات متحف الحضارة بالجزيرة بالقاهرة)انتقل ناجى إلى لوحته الكبيرة `مدرسة الاسكندرية` التى تزين الآن قاعة الاجتماعات بمحافظة الاسكندرية، وفيها التقى خياله بأمجاد قومه ويبنى مجتمعه المعاصرين.. وصوّر ناجى هذه اللوحة الكبيرة (سبعة أمتار X ثلاثة أمتار) وبدأ العمل فيها عام 1940 محاولاً التوفيق بين الماضى والحاضر فى تاريخ مدينته الحبيبة `الاسكندرية`. وقد انجز اللوحة عام 1952. والحق أن ناجى وضع فى هذه اللوحة عصارة فكره وروحه وموهبته، ورد بالرفض على بعض الاتجاهات الحديثة، التى تناوئ الكلاسيكية القديمة ولا تجلب باسم الفردية المفرطة سوى انحدارٍ نحو التخريب والفوضى (نيرفانا حراز- بحثها عن ناجى - ص33).
- وتصور هذه اللوحة الكبيرة `مدرسة الاسكندرية` التى تسلم إلى العالم الغربى مشعل الحضارة. وقد تأثر ناجى فى لوحته هذه برافائيل فى لوحته (مدرسة اثينا القديمة). ويقول الفنان فى رسالةٍ له إلى شقيقته الصغرى الفنانة عفت ناجى إنه قصد بهذه اللوحة التنبيه إلى أن التصوير يجب أن يخرج عن اطاره الضيق الذى يريد بعض الفنانين المحدثين ان يحصروه فيها ويمضى، إلى آفاق اجتماعية يؤدى فيها دوراً تربوياً وإعلامياً. وهكذا يكون للفنانين وظيفة أكثر جدية وجدوى ونقاء، فيصلون بأعمالهم إلى عقول الجماهير وقلوبهم بدلاً من التردى فى العزلة المميتة لهم ولفنهم. وعلى أية حال لن يكون دور الفن هنا تكراراً واعادة لدور الكتاب والمقال والمدرس، بل لابد أن يكون له دور أكثر عمقا وتغلغلا إلى لب الحقائق التاريخية والعلمية. فاللوحة لا تنقل حرفياً حدثاً تاريخياً، ولا تحصر الرؤية فى جزئية، بل تتجه إلى جوهر التاريخ، وتعبر بالحقب والأزمان كلها، وتنقل إلى الجمهور الذى توجه إليه خطابها كلمة التاريخ الجوهرية وحكمته. إن ناجى يطلب من الفنان الا يستعلى على الجماهير ولا يتباعد، بل أن يحمل فرشاته وأقلامه ويصور لهم ما هو مفيد ودائم. هذا هو فى نظره جوهر الفن الخالد.
وإذا تأملنا تفاصيل تلك اللوحة عن كثب فسنرى فى جانبها الأيسر ابن رشد، والأفغانى، ومحمد عبده، ومصطفى عبد الرازق، والقديّسة كاترين ممثلة للمسيحية التى كانت شهيدتها وبفضل استشهادها انتشرت بين بنى الاسكندرية، والشاعر أحمد شوقى، والزعيمة النسائية هدى شعراوى، والمثال محمود مختار ومن خلفهم أحمد لطفى السيد مترجم أعمال أرسطو، والعالم الدكتور مشرَّفة، وطه حسين الذى تدين جامعة الاسكندرية له بفضل الإنشاء، ومحمود الفلكى عالم الفلك، وفى مؤخرة اللوحة ينبسط خليج الاسكندرية، وفى مركز اللوحة امرأة تمثل الاسكندرية ذات الاشعاعات الحضارية، وإلى اليمين العالم الأغريقى ارشميدس، وأنجاريتى وكافافيس الشاعران اللذان عاشا بالاسكندرية، وإلى أقصى اليمين كوتسيكا رجل الأعمال اليونانى الذى تبرع لبناء أكبر مستشفى بالاسكندرية سُمِّىَ باسمه، وسكيلاريدس الذى سُمِّىَ باسمه نوع من الأقطان المصرية، وجوداليس الطبيب السكندرى الذى أفنى حياته فى خدمة مرضى الجذام ومات بمرضهم، وإلى جوار هؤلاء جميعاً ديونيزوس إله اليونان الذى كان له شعبية كبيرة فى الاسكندرية. وبين هؤلاء وهؤلاء يضع ناجى صورته وصورة زوجه واخته أيضاً. خليط من كل الأحباب الذين نالوا حب الفنان لأنهم كانوا على مر التاريخ ابناء الاسكندرية البررة.
7- وقد كان ارتباط محمد ناجى بالطبيعة قوياً وعميقاً رغم المظاهر الانسانية العديدة فى عطائه. ومن أبداع مناظره الطبيعية لوحته `منظر من كوبرى الجلاء` (عام 1942) وهى من مقتنيات متحف الفن الحديث بالقاهرة. وفيها يلتقط الفنان مشهداً للنيل بانورامياً يمتد مبتعداً حتى الضفة الأخرى من `الروضة`، ولم تكن آنذاك كما يبدو من اللوحة قد ازدحمت بالعمائر الشاهقة المتلاصقة. ومنها يمضى المشهد إلى مشارف المقطم، ولم يكن بدوره قد رزح تحت المدائن الزاحفة اليوم ضاغطة على جسدة: والمنظر الذى التقطه الفنان فى لحظة من الصباح الباكر تجمعت فيها المواكب الشراعية التى تحمل الجرار والغلال من جنوب الوادى منتظرة ميعاد انفتاح الكوبرى كى تعبر من تحته متجهة إلى الوجه البحرى، منظر ما عدنا نألفه اليوم، ولكن فى لوحة ناجى سيظل يطل علينا من منظوره الشاهق كى يأخذ بمجامع قلوبنا، ونحن ننزل من أعلى اللوحة إلى أسفلها حين ركن الكوبرى وجزء من أعلى شجرة قريبة من الشرفة أو النافذة التى صور منها محمد ناجى المشهد.
-وإذا كان محمد ناجى قد عبَّر فى أعماله التشكيلية الكبيرة وعلى الأخص الحائطية منها عن القيم القومية، فهو لم ينس كيف كان الفنان الفرعونى شديد الاحتفاء بتصوير مشاهد الحياة اليومية، فمضى بدوره ينقل لنا فى العديد من لوحاته مناظر من الحياة الشعبية.
8- وإذا كان لنا أن نختتم هذه العجالة بفكرة نكرم بها ناجى من واقع تراثه منجزات `ابن سينا` العلمية. لماذا؟ لأن ناجى نفسه كان شديد الإعجاب بهذا الرائد واهتماماته التراثية والحضارية، فلعلنا نقترح مسابقة يكون موضوعها تمجيد العربى الكبير، وكان يمنىِّ نفسه بأن يعكف على تخليد ذكراه فى لوحة من لوحاته الحائطية الشمولية. كانت هذه أمنية من أمنيات ناجى الأخيرة، ولكنه المنية عاجلته فى الخامس من ابريل عام 1956 فلم يتسن له تحقيقها، فهل لنا أن نأمل فى تواصل الأجيال بأن نرى مثل هذه المسابقة تُجْرَى وتُرْصَدُ لها جائزة ولو أدبية باسم فناننا الكبير!
بقلم : د. نعيم عطية
مجلة : إبداع (العدد 7) يوليو 1988
محمد ناجى... إعادة اكتشاف
- فيما كانت تتعالى طبول الحرب وأصوات الدمار بالقرب منا، احتفلت مصر بافتتاح متحف جديد للفن التشكيلى، هو متحف الفنان المصور محمد ناجى (1888 - 1956) فى السابع والعشرين من يناير الماضى، والمعنى واضح لا يحتاج إلى تفسير، رسالة حضارية من شعب لا تخبو بداخله شعلة الإبداع، إلى عالم وحشى يحكمه قانون الغاب والأطماع... الفن - حتى ولو لم يقل كلمة مباشرة ضد الحرب والدمار - هو قيمة تنفى الهمجية والقبح، ودعوة للسلام والجمال.
- هذه عبرة التاريخ المصرى على مر العصور، ورسالة من روح محمد ناجى، الذى بعثت ذكراه بيننا من جديد قوية عارمة، بعد خمسة وثلاثين عاما من وفاته.
- التوقيت مهم أيضا، بعد شهور من إخماد الدعوة المريبة لتصفية متاحفنا الكبرى من مقتنياتها، ببيعها فى مزاد علنى تحت ادعاء تسديد ديون مصر، فكأنما استنفرت هذه الدعوة السخيفة فينا حسنا الحضارى، الذى ربما أصابته التحولات الحادة فى السنين الأخيرة بالتبلد المؤقت، فانتفض ليس فقط مناهضا لتلك الدعوة ومستمسكا بما لدينا من تراث، بل كذلك عاقدا العزم على نفض الغبار عنه وإحيائه، وعلى إضافة متاحف جديدة لروادنا من الفنانين، ولأجيال فنانينا المعاصرين، إضافة إلى إنقاذ متاحف الفن العالمى التى نملكها وتطويرها.. وإذا كانت وزارة الثقافة والمركز القومى للفنون التشكيلية يتحملان المسئولية كاملة عن تحقيق ذلك، فينبغى أن نذكر الدور التاريخى للمثقفين المصريين فى هذه المسألة من خلال مؤتمرهم الكبير بمسرح الأوبرا فى العام الماضى للتصدى لبيع تراثنا الفنى، وللمطالبة بوضع خطة للحفاظ عليه وتنميته، فصاروا بذلك شريكا فى صنع القرار وظهيرا له...
- والسؤال هو: لماذا البداية بمحمد ناجى؟
- الواقع أن الاختيار يتضمن رمزا بقدر ما يلبى حقيقة واقعة.
- أما الرمز فهو أن ناجى يعد مؤسس فن التصوير المصرى الحديث، والأب الروحى لحركتنا التشكيلية المعاصرة، بإبداعه المتميز وموهبته الكبيرة وسبقه - بعدة سنوات - لجيل الرواد الذين تخرجوا فى مدرسة الفنون الجميلة عام 1911، (ويحتفظ متحفه بلوحات زيتية هامة تعود إلى عام 1906) وبريادته المبكرة فى الانتقال بالفن المصرى إلى المحافل الدولية، حيث كان أول فنان مصرى يعرض فى صالون باريس عام 1920 ويحصل على جائزته الذهبية عن لوحته `النهضة المصرية` أى قبل عامين من حصول المثال مختار عليها بتمثاله `نهضة مصر`، وهى تحتل مكانها منذ عام 1922 حتى اليوم بالقاعة الرئيسية بمجلس الشورى. ولو استطردنا فى سرد قائمة أعماله الريادية لاحتاج منا ذلك الصفحات، لكن يكفى أن نشير إلى أنه كان أول دارس مصرى للفن فى أوربا فى تاريخها المعاصر حين التحق بأكاديمية الفنون الجميلة بفلورنسا 1910، وأول مدير مصرى للمدرسة العليا للفنون الجميلة بالقاهرة 1937، وأول مدير لمتحف الفن الحديث بالقاهرة 1939، وأول فنان مصرى يمثل بلده فى معرض باريس الدولى 1937 بجناح لا يحتوى غير لوحات فنية، وأول مدير لأكاديمية الفنون المصرية بروما 1947، وأول فنان مصرى يعتلى الجدران العالية بلوحات ضخمة فى أماكن جماهيرية عامة مثل المستشفيات وقاعات الاجتماعات، وهو مؤسس جماعة الأتيلية للفنانين والكتاب بكل من الإسكندرية والقاهرة (1935 ،1952)... إلخ.
- من هنا فإن تكريمه وإبراز دوره اليوم ليس مقصودا به شخصه فحسب، بل إن التكريم أيضا لرمز الرحلة الشاقة للحركة الفنية الحديثة بمصر منذ ميلادها حتى بلوغها سن الرشد.
- أما الحقيقة الواقعة: فهى أن متحف ناجى لم ينشأ اليوم، بل هو قائم بالفعل منذ عام 1968، بل هو قائم بالفعل منذ عام 1968، فقد افتتحه الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك فى 13 يوليو من ذلك العام بعد أن اقتنت الوزارة مبنى مرسمه عام 1962 بقيمة رمزية قدرها أربعة آلاف جنيه، وقامت شقيقته الفنانة عفت ناجى بإهداء الدولة أربعين لوحة زيتية من أعماله، أمكن مضاعفة عددها فيما بعد عن طريق الاقتناء من أسرة الفنان، وأضيفت إليها مجموعة كبيرة من رسومه التحضيرية إلى جانب متعلقاته الشخصية.
- إلا أن ما أصاب جميع متاحفنا من إهمال فى العشرين عاما الماضية شمل متحف ناجى، فطواه الصمت والنسيان وسط الصحراء المقطوعة عن أى وسيلة للمواصلات مع المدينة، ولم يكن المتحف فقط هو ما أصابه النسيان، بل كان أيضا اسم ناجى نفسه، ودوره فى حياتنا الفنية والثقافية.. هكذا فان مجهود وزارة الثقافة كان بمثابة إعادة اكتشاف هذا الفنان ورد الاعتبار إليه ووضعه فى مكانته اللائقة به، تأسيسا على نواة المتحف القديم، واقتضى ذلك إقامة توسعات معمارية بلغت 300% من مساحة المتحف القديم، قام بتصميمها المهندس المعمارى الدكتور جمال بكرى وقدمها هدية للمركز القومى للفنون التشكيلية الذى تولى إنجاز المشروع كاملا، فبدا قطعة فنية بديعة من الرخام الفضى، تسطع وسط شمس الصحراء بالقرب من أهرامات الجيزة ومعابدها، كأنما تستوحى منها المهابة والبهاء، وقد زود - فوق أجهزة الانذار والتكييف والتسجيلات الصوتية المصاحبة للزائر التى تشرح له أعمال المتحف - بفيلم سينمائى منقول على الفيديو عن الفنان وعالمه، وبالمطبوعات التحليلية والإرشادية المتنوعة مزودة بالصور الملونة، بما يجعل الزائر يعيش فى متعة، ويخرج وقد صار صديقا للفنان، حتى ولو لم يكن من عشاق الفن... وقد تكلف إعداد ذلك كله مليونا وربع المليون من الجنيهات.
- ومحمد ناجى هو ابن موسى بك ناجى مدير جمارك الإسكندرية، وقد منح جده لأمه لقب الباشوية من الباب العالى بالآستانة، وكان هو شخصيا أول فنان يحصل على لقب `البكوية` ويعمل بالسلك الدبلوماسى ست سنوات فى منصب مرموق كان يؤهله لارتقاء قمة أجهزة الدولة، لكنه تخلى عن ذلك كله فى لحظة واحدة من أجل فنه... هذا الفنان الأرستقراطى النشأة كان أقرب إلى الروح الشعبية من كثير من أبناء الطبقات الدنيا... وكان أقرب إلى رواد التنوير والنهضة المصرية فى هذا القرن. إن أعماله فى مجملها تتغنى بتراث قومى عريق وتزخر بالحمية الوطنية وتبشر بالروح الديمقراطية، كما تدعو إلى التفاعل الحضارى بين مصر وأوروبا.. وأحسب أنه يمثل فى مجال الفن ما كان يمثله طه حسين فى مجال الأدب والفكر ويطاول قامته..
- لقد انتقد الجمود الأكاديمى والفكرى والاجتماعى مثلما فعل طه حسين، وعمل على وصول الفن إلى نطاق الحياة اليومية للجماهير فى الأماكن العامة، مثلما عمل طه حسين على جعل التعليم كالماء والهواء للمواطنين، واتخذ ناجى من العقلانية - شأنه شأن طه حسين - إطارا ينظم مزاجه الإبداعى، واتخذ مثله من فرنسا قبلة للثقافة والمدنية، فعاش فيها وتتلمذ على كلود مونيه رائد الانطباعية مثلما تتلمذ طه حسين على كانط، واعتبر الثقافة المصرية أبا لثقافة حوض البحر الأبيض المتوسط مثلما كان يرى صاحبه، لكنه لم يذهب مثله إلى اعتبارها حتى اليوم جزءاً من هذه الثقافة وليست جزءا من الثقافة العربية، ولم يكن صدفة أن يكلفه عميد الأدب فور توليه وزارة المعارف برسم لوحة جدارية ضخمة عن `مدرسة الإسكندرية` رمزا للتلاقى الحضارى بين مصر الفرعونية والإسلامية وبين الأمم اللاتينية، وقد انتهى منها بعد سنوات وهى الآن تزين قاعة الاجتماعات بمحافظة الإسكندرية.
- لكن هذا الشاب الوقور المتحفظ الذى كان يرسم وهو يرتدى بذلته الكاملة ويتطلع إلى ارتقاء أعلى المناصب الرسمية، ويتوافق طبقيا مع واقع طبقته، كان فى الوقت نفسه متمردا على فكرها ومتناقضا بفنه مع مزاجها فكان يرى فى الشعب إبداعا يفوق ما تنتجه الأرستقراطية، ويرى فى الفلاح والمنتج حاضر البلاد ومستقبلها، ويجد متعته الكبرى فى مخالطة البسطاء والكادحين والباعة والصناع اليدويين، ويجعل من هؤلاء جميعا نماذجه المفضلة كأبطال للوحاته، بدلا من هوانم المجتمع ورجالاته وحكامه فى حللهم المطهمة وأوضاعهم المنشاة... ومنذ يفاعته - حين كان فى الثامنة عشرة من عمره - اختار طريقة الفكرى والفنى، فرسم الصيادين والمراكبية فى ترعة المحمودية وهم يشدون المراكب الشراعية بالحبال على الشاطىء، وعرض لوحاته عن هذا الموضوع فى معرض جمالى بالإسكندرية عام 1906 فكان أول معرض يشارك فيه رسام مصرى فنانين أجانب، ثم يحصل على الجائزة الأولى التى يسلمها له رئيس الوزراء، ولا يدير النجاح رأسه فينحو إلى محاكاة الفن الكلاسيكى السائد بموضوعاته البرجوازية المصطنعة إرضاء للطبقة الغنية التى بمقدورها وحدها اقتناء هذه الأعمال، بل يواصل بحثه الفنى، متمثلا فقط بإبداعات عصر النهضة الإيطالية، فى اختيار الموضوعات الدينية والملحمية ذات الجو الأسطورى، مثل لوحتيه `غار حراء` و`حلم يعقوب` وليس بوسع الرائى إذ يتأملهما اليوم أن يصدق أنه رسمهما وهو فى سن الثامنة عشرة.... ففيهما نوع من الحلم النورانى الأخاذ، إذ يشع الضوء من منابع مجهولة تظلل الشخصيات وهى تخرج من كهوف مظلمة أو تنساب فوق درجات سلم كأطياف غامضة.
- وبعد أن درس القانون بفرنسا أربع سنوات وحاز على الليسانس 1910 تلبية لرغبة والديه ليكون محاميا أو قاضيا، إذ به يتجه إلى فلورنسا بإيطاليا ليدرس الفن بأكاديميتها وليكون فى رحاب رواد عصر النهضة العظام أربع سنوات أخرى، ومع ذلك كان لا يمر عام إلا ويأتى من إيطاليا رأسا إلى الأقصر فى أجازاته ليعيش على سفح جبل القرنة فى حرم مقابر طيبة ومعابدها العريقة يدرسها ويسجلها فى لوحاته ممتلئا بالزهو بها، مخضعا لمهابتها وهيمنتها الروحية: قواعد التصوير التى تعملها فى الأكاديمية، بل وشطحات المدرسة الانطباعية التى كان يهواها فى شبابه المبكر ويستوحى أسلوبها.
- هذا ما نلاحظه وبجلاء فى مناظره لمعبد الكرنك (البحيرة المقدسة - طريق الكباش - واجه الكرنك... الخ) وما نلمسه أيضا فى مناظره للطبيعة المحيطة بآثار طيبة وجبل القرنة الرابض منذ آلاف السنين وهو يحتوى بداخله على معابد وادى الملوك ووادى الملكات ومقابر الأشراف والفنانين القدماء... لقد امتزجت الألوان القزحية المتوهجة للانطباعيين بالألوان الجبلية الترابي لجنوب الوادى.. وفى مقابل الهشاشة التى تتسم بها أجرام الانطباعيين ـ مع طزاجتها وشفافيتها ـ رسوخ متوازن وامتداد أفقى للجبل النائم إلى جوار النهر.. ولو تأملنا لوحته `الشيخ عبد الرسول` عام 1912 فإننا نكاد نستشعر فى جلسة الرجل الراسخة انعكاسا لتمثالى ممنون وهما يحرسان أسوار طيبة، ولم تكن ألوان هذه اللوحة وما أنجزه ناجى فى حينها إلا اشتقاقا من ألوان الجبل البنية والرمادية الشهباء التى تختزن بداخلها دفء شمس الصعيد.
- عاش ناجى سنوات الحرب العالمية الأولى فى أوربا. وطد خلالها علاقاته بالفنانين الفرنسيين خاصة فنانى الانطباعية وما بعد الانطباعية، وقد أصبح موزعا بينهما، فقد كان من ناحية مسحورا بشاعرية وانتعاش ألوان `مونيه` الذى عايشه شهورا فى مرسمه بجيفر فى عام 1918 وصاحبه فى رسم مناظر من الريف الفرنسى، وبارتعاشة لمسات سوراه وسيزلى التنقيطية، ومن ناحية أخرى كان مبهورا بمعمارية سيزان الرصينة، التى جاءت انقاذا للانطباعية من التفتت والذوبان والحق أن كلا النزعتين تمثلان التناقض الدائم فى نفس ناجى، لأنه كان يعيش فى قرارة نفسه انقساما بين الشاعر الرومانسى وبين المهندس العقلانى، وقد ظل حتى آخر أيامه موزعا بينهما.
- وكان اندلاع ثورة 1919 هو الخلاص لناجى من حيرته، فلم يتردد فى جمع أغراضه والعودة فورا إلى القاهرة مدفوعا بشعور كاسح بأن له دورا يؤديه لأمته.. هكذا كان يشعر دائما على امتداد حياته.. وفى منزل أثرى بدرب اللبانة بميدان القلعة حط الرحال، وأعد مرسما لرسم لوحته الشهيرة `موكب إيزيس` أو `النهضة المصرية`.. كانت كلمته الخاصة التى أضافها من خلال هذه اللوحة هى أن مسيرة الخير والعطاء والوحدة الوطنية لمصر لابد أن تنتصر وتستمر، فها هى إيزيس تجمع شتات الأمة: زراعا وصناعا ورجال دين، ومن خلفهم نهر الخيرات يتدفق... إنها ملحمة تستنهض الهمم الوطنية وتبعث الشعور بالعزة والزهو، على خلفية من الأسطورة ومظاهر الريف المصرى معا، رسمها بحس يجمع بين الأداء الكلاسيكى والبناء `السيزانى` والإيقاع المصرى القديم فى رسوم مقابر طيبة، ولاشك أن مناخ النهضة القومية الشاملة آنذاك كان عاملا أساسيا فى إنجاز هذه اللوحة، وهو المناخ الذى ترددت أصداؤه فى ابداعات معاصريه من شعراء ومسرحيين وموسيقيين، مع الوضع فى الاعتبار ريادته فى استخدام الرموز والبناء الملحمى والأسطورى فى عمل فنى، كاستعارته أسطورة إيزيس.
- فى العام التالى سافر ناجى إلى باريس ومعه اللوحة، واشترك بها فى صالون باريس السنوى الكبير، الذى يعد العرض به اعترافا بالفنان من أوسع الأبواب، وكانت المفاجأة أنه حصل على الميدالية الذهبية للمعرض وهى نفس الجائزة التى نالها المثال مختار بعده بعامين - بنفس المعرض - عن تمثاله نهضة مصر، وقد اقتناها البرلمان فى حينها.
- وإذا كانت الفترة من 1924 الى 1930 لم تترك لنا أعمالا فنية هامة لناجى، حيث انشغل خلالها، بالعمل فى السلك الدبلوماسى، بين ريودى جانيرو وباريس، فإن عام 1931 كان عاملا حاسما فى تاريخه الفنى، ذلك أنه استقال عام 1930 من عمله الدبلوماسى، وقرر التفرغ لفنه، ثم سافر فى العام التالى إلى الحبشة، مشدودا إلى نداء الطبيعة العذراء والفطرة البدائية، وإلى ذكريات جده لأمه وبطولاته بالحبشة... (نذكر هنا أنه كان يملك حسا عاليا بالبطولة). وقد ظل عاما فى ضيافة الإمبراطور هيلاسلاسى شخصيا، ولم يتوقف طوال هذا العام عن الرسم، وكأنه فى سباق مع الزمن لإنجاز إضافته الجمالية والتعبيرية الكبرى للأجيال اللاحقة، هذه الإضافة التى هضم من خلالها جميع الروافد التى تأثر بها من قبل: ابتداء من رصانة فنانى عصر النهضة الإيطالية، إلى رومانتيكية ديلاكروا، وانطباعية مونيه وسوراه، وضراوة فان جوخ وجوجان.... حتى تعبيرية وجوه الفيوم المصرية والأيقونات القبطية... لعلنا نلاحظ تأثره فيها بشكل خاص بتجربة جوجان المثيرة فى جزر تاهيتى فى أواخر القرن الماضى، واكتشافه لعالم بكر من الرؤى والتأملات والألوان المبهرة.
- لقد تضاءلت فى أعمال الحبشة سيطرة `الموضوع` ومباشرته، كما أصبح `الرمز` روحا متغلغلا فى نسيج العمل كله وليس مظهرا خارجيا للموضوع، كما أصبحت القيمة الجمالية متضمنة فى الأسلوب البنائى والتعبيرى كوحدة عضوية لا انفصال فيها، بحيث يستحيل التضحية بجزء أو خط أو لون منها دون أن يختل بناء اللوحة كله، وفى نفس الوقت فإن أى جزء من اللوحة يتضمن الكل بداخله ويدل عليه.
- بهذا يضيف ناجى إلى مرحلته السابقة نبعا أسطوريا يتصل بمنابع النيل الخالد، وبلاد بونت التى زارتها ملكة سبأ والتى بعثت إليها الملكة حتشبسوت رسلها، بلاد السحرة، والأرض الحمراء، والجبال المشتعلة باللون الأخضر، والفواحة بعطر الأقحوان.
- وبقدر ما تحققت فى لوحات الحبشة عالمية الفن والروح الإنسانية التى تتجاوز المكان والزمان، فإننا نشعر بقربها من تعبيرات الفنان المصرى القديم على مقابر طيبة - تلك التى عشقها صغيرا - ومن وجوه أهل النوبة وأسوان - ونشعر أيضا بأنها تتشح بجو معبق بالبخور والسحر، تحيط به - هنا وهناك - جلود النمور وخشب الأبنوس والدروع والخناجر المطهمة.
- وحين عرض ناجى لوحات الحبشة بلندن عام 1936 بمتحف التيت بهر الانجليز بها، وتحمس لها النقاد، واقتنى أحد النواب فى مجلس العموم البريطانى لوحة `أحد السعف` وأهداها الى `التيت جاليرى` ليستمتع بها رواد المتحف من عشاق الفن الحديث.
- وبقدر تنقلات ناجى بين بلدان عديدة، شهدنا تنقلات فى أسلوبه تبعا لارتباطه بطبيعة كل بلد: بين اليونان وقبرص وإيطاليا - هذا التنقل الدائم كان يعود إلى رغبته المزمنة فى الاكتشاف وإلى قلقه من أنه لم ينجز ما كان يتمنى أن ينجزه، أما تنقلاته الأسلوبية فربما تعود إلى التناقض الكامن فى نفسه بين العقل والعاطفة، بين كلاسيكية اليونان وفنانى عصر النهضة وبين طزاجة الانطباعيين وضراوة التعبيريين.
- فى سياق هذه التجارب والتنقلات الأسلوبية بعد عودته من الحبشة ظل وفيا للحياة فى القرية المصرية وعلى ضفاف ترعة المحمودية التى شب على شاطئها منذ طفولته.
- لذلك كان دائما يعود إليها ليرسم مشاهد الحياة فيها وحولها، وكذلك كان يعود إلى قرية أبو حمص، حيث المنزل الريفى للأسرة، وحيث يكون على سجيته أكثر من أى مكان آخر، لذا نرى فى رسومه منها تكوينات أليفة للعمل فى الحقول وأمام المنازل الريفية حاشدا جموع الفلاحين والفلاحات وصناع السلال والفخار وزحام الأسواق: من باعة وحيوانات وطيور، وقد كان شغوفا برسم الطيور الداجنة بالذات.
- إن هذه الأعمال أقرب إلى البساطة العفوية، دون أن يشغل ناجى نفسه كثيرا بالأساليب العقلانية، ولعله أيضا كان يحن فيها إلى اللمسة الانطباعية القديمة فى أعماله، فتخلل لوحاته تلك اللمعات الضوئية واللونية المتوهجة التى توحى بالطزاجة وعدم الاكتمال، ولو جاز لنا تشبيهها بالشعر فسوف تكون أقرب إلى الشعر الحر، متحررة من القوافى والأوزان العمودية التى كانت تسيطر على لوحاته التاريخية والرمزية.
- ويتصل بتلك الاعمال كم هائل من الاسكتشات والدراسات الخطية أو الملونة التى تركها لنا، فقد كانت الرسوم السريعة (بالخط أو باللون) بمثابة مذكراته اليومية وتعبيره اللحظى الحميم عن ذاته والعالم من حوله، دون تدخل مباشر لسيطرة العقل وحساباته، لكنها كانت فى نفس الوقت مقدمات لكثير من لوحاته، بما يجعلها بمثابة قاعدة ارتكاز راسخة لكل تجاربه، وهى فى حد ذاتها تتمتع باكتمال فنى وجاذبية فائقة، بغض النظر عن تحويلها فيما بعد إلى لوحات زيتية أم لا، وتنبع هذه الجاذبية من حيوية الخط وغنائيته المتراوحة بين الهمس المبحوح والصوت الصداح، إضافة إلى ما بها من روح الفطرة الساذجة ومن الجرأة على التلخيص والتعبير التلقائى.
- لكننا نراه يعود فى الأربعينات إلى الموضوعات الرمزية والقومية ذات الطابع البنائى الهندسى، فى لوحاته الضخمة عن الطب التى زين بها مستشفى المواساة بالإسكندرية، ثم لوحته مدرسة الإسكندرية.
- وبين عقلانيته الصارمة وعاطفيته الفطرية، حصلنا على عدد من اللوحات الكبيرة الهامة فى الثلاثينات والأربعينات، تمثل الاحتفالات الموسمية بنهر النيل والطقوس الشعبية والعادات والأساطير المرتبطة بالنهر، وأبرز هذه الأعمال لوحته `النيل الأحمر`... وكأن هذه اللوحات تعبير عن `الوفاق الصعب` بين مزاجه الرومانسى ونزعته البنائية الهندسية.
بقلم : عز الدين نجيب
مجلة: إبداع ( مارس 1991)
محمد ناجى ... الفنان الدبلوماسى
- يعدّ الفنان محمد ناجى (1888 - 1956) أحد الروّاد من الجيل الأول للإبداع المصري المعاصر، هذا الجيل الذي حفر عميقًا في مجرى نهر الفن الحديث.
- كان معه مثاّل مصر محمود مختار، ورائد `التأثيرية` المصرية يوسف كامل، وفنان التعبيرية الشعبية راغب عياد، ورائد فن البورتريه أحمد صبري والمصور والمثّال محمد حسن، وجميعهم قدّموا مساحة تواصلت مع المصري القديم واتجاهات الحداثة، وكانوا بداية الحركة التشكيلية التي انطلقت منها مذاهب وتيارات الفن المواكبة لروح العصر.
- كان قدر هذا الفنان الرائد أن يكون المؤسس الأول لفن التصوير المصرى الحديث قبل أول مدرسة للفنون الجميلة أنشئت عام 1908، وأسس هذا الفن من لوحات ذات رؤية فنية متميزة ، يعود تاريخها إلى عام 1907.
- فى التاسعة عشرة من عمره مثل ` حلم يعقوب` و ` غار حراء` وهو أول درس مصرى للفن على أسس أكاديمية بفلورنسا عاصمة الفن فى عصر النهضة الإيطالية بدءًا من عام 1910 إلى عام 1914 بعد دراسته القانون بجامعة ليون فى فرنسا ، ويعد أول من عرض أعماله بجدارة إلى جوار الفنانين الفرنسيين ، عندما عرض لوحته الجدارية الشهيرة ` النهضة المصرية ` فى صالون باريس ، وحصل على الميدالية الذهبية قبل 7 سنوات من حصول مختار عليها عن تمثاله الشهير ` نهضة مصر ` .
- نشأته
- ولد ناجى فى 17 يناير 1888 على ترعة المحمودية فى حى محرم بك بمدينة الإسكندرية ، كان والده يعمل مديراً لجمرك الإسكندرية ، وكانت له اهتمامات سياسية وأدبية وموسيقية تركت آثارها على الفنان ، والدته ابنه الفريق أول أركان حرب ، حكمدار عموم شرق السودان ، محافظ سواحل البحر الأحمر وقومندان حدود الحبشة ، راشد باشا كمال.
- تأثر ناجى بهذا الجو الذى تعيشه الإسكندرية وتلتقى فيه روح المدينة الإغريقية وجوها الأوربى ، الذى ربطه بالثقافة والموسيقى مع نسمة ريفية تحملها المراكب العابرة بترعة المحمودية وجو قروى يحيط بضفافها ، وارتباطه بحياة القرية ، حيث توجد أطيان أسرته فى بلدة أبى حمص .
- وتصف شقيقتع الفنانة عفت نشأته فتقول : ` عاش طفولته فى بيت الأسرة ، وهو بيت فسيح تحيطه حديقة كثيفة متنوعة الأزهار ، ويطل على ضفاف القناة ، حيث يمر المتنزهون على شاطئها فى عربات تجرها خيل مزينة السرج ، يجرى من حولها السياس فى زيهم المذهب ، ويجلس الشاب ناجى على ضفة القناة تحت شجرة الجميز التى تغنى بها فى أشعاره ` .
- كتب مرة فى إحدى رسائله يصف حياته هذة : ` الحياة السائدة هنا هى القناة التى تبدو لى قصيدة شاعرية وبطولية ، نرى فيها الرجال يجرون المراكب ويتسلقون الصوارى ، ويطوون القلاع ويدقون المجداف فى نقطة ارتكاز بقاع القناة ، لتدفع مراكبهم المحملة `.
- إسكندرية الشعراء
- ظلت الإسكندرية تعيش فى فكر ناجى ، على حد تعبير الناقد بدر الدين أبو غازى : ` إسكندرية الشعراء ` إنجريتى وكفافى ونيكولاييدس.
- عندما انتهى من دراسته الثانوية بالمدرسة السويسرية ، سافر إلى ليون لدراسة القانون فى 1906، وحصل على اليسانس عام 1910 ، ثم رحل إلى فلورنسا ودرس فن التصوير ، وعاد حاملاً فى أعماقه انبهاراً بفن مايكل أنجلو وليوناردو دافنشى ، وجاءت أعماله الأولى متأثرة بعمالقة عصر النهضة.
- أدى شغفه بالحياة الشعبية وارتباطه بصورها الأصيلة إلى اختيار بيت فسيح فى مدخل درب ` اللبانة ` أول مرسم لفنان مصرى ، وهو بيت أثرى على الطراز المملوكى بالقرب من قلعة صلاح الجين وجبل المقطم ، ويعود إلى الطراز العثمانى المتأثر بالعمارة المملوكية التقليدية ، ويعد ضمن أعظم البيوت الإسلامية بالقاهرة .
- بعدها أصبح البيت ذائغ الصيت ، وأطلق على المكان ` بيت الفنانين `، حيث سكن به عدد من الفنانين، منهم أستاذ التصوير بـ ` الفنون الجميلة ` الفنان الفرنسى بيبى مارتان ، وراغب عياد، ورمسيس يونان ، ومنير كنعان ، ورؤوف عبد المجيد ، وجمال كامل ، وشادى عبد السلام ، وكان آخر من سكنه المهندس المعمارى الشهير حسن فتحى ، كما شهد ميلاد الحركات الفنية الحديثة والمناقشات الصاخبة بين فنانى مصر ومثقفيها .
- خلال سنوات الحرب العالمية الأولى ( 1914- 1918) ( اتخذ مرسماً فى قرية القرنة فى طيبة ) الأقصر ( عند الضفة الغربية لنهر النيل بين الآثار المصرية القديمة ووادى الملوك ، وعاش بمنزل الشيخ عبد الرسول ، سعياً إلى التقاء الفنان بجذوره الفرعونية ، وتوحده مع الطبيعة والفطرة الشعبية هناك ، واتصاله بسر الآلهة المصرية وأساطيرها .
- وقادته إقامته بجوار مقابر الأجداد ومعابدهم هناك إلى انطلاقة مصورًا معالم تلك الحضارة الزاهرة بمزيج من ` الإنطباعية ` ذات اللمسات القصيرة المتجاورة التى استلهمت من ضوء الشمس والحس المعمارى ، متلمساً بداية الطريق إلى توحد التراث مع العصر .
- وكان من بين إبداعاته هذه الفترة لوحات عديدة منها ` مشهد من جبل طيبة ` ، و ` البركة المقدسة ` ، و` معبد الكرنك ` ، وطريق الكباش ` .
- فى مرسم مونيه
- لكن ناجى لم يلبث أن عاود الرحلة إلى الغرب، وكانت رحلته هذه المرة إلى شيخ الانطباعيين كلود مونيه، الذى أقام معه فى بلدة جيفرنى بفرنسا، وعرض عليه لوحاته، واستمع إلى نصائحه وصحبه للرسم معه، وبالرغم من إعجاب مونيه بطريقته وتشجيعه له نحو مزيد من التحرر والجرأة ، فإن ناجى انتابه بعض القلق الذى حال بينه وبين الاستمرار فى ` الانطباعية ` ، فتنقل من مرسم مونيه إلى مراسم أخرى لفنانين من رواد الفن الحديث ، مثل مرسم سينياك ، بحثاً عن الصيغة الهندسية والبناء المعمارى ، الذى يتجاوز التأثير اللحظى أو الانطباعى المتغير للضوء ، ويذيب معالم الأشكال وصلابتها ، فقد عاش ينشد البناء فى لوحاته ، كما دفعه ولعه بالتصميم إلى المزاوجة بين غنائية اللون ومعمار التكوين ، ومن هنا انجذب أكثر إلى جوجان أكثر مما استهوته أعمال الانطباعيين.
- ناجى وثورة 1919
- فور قيام ثورة 1919 ، قطع ناجى دراسته في فرنسا ، وعاد إلى مصر تلبية لنداء الواجب الوطنى ، وشرع فى رسم لوحته الضخمة ` النهضة المصرية ` أو ` موكب إيزيس ` بمرسمه القديم فى درب اللبانة بالقلعة ، وهى اللوحة الموجودة حاليا بمجلس الشورى ( الشيوخ) ، وعبر فيها عن المسيرة الحضارية لبلاده ، مستوحياً فيها أسطورة إيزيس وأوزوريس ، وعرض تلك اللوحة فى صالون باريس للفنانين الفرنسيين ، فكان أول فنان مصرى يشارك فيه.
- وتعرف ناجى فى باريس إلى مدام جوليت آدم ، الأم الروحية للزعيم مصطفى كامل، وصاحبة كتاب ` إنجلترا فى مصر` ، الذى أيدت فيه القضية المصرية العادلة ، ودافعت عنها أمام الرأى العام العالمى ، وقام ناجى بتصويرها بريشته فى أكثر من لوحة ، تعبيراً عن تقديره لموقفها من مصر .
- وجاءت الخطوة الكبرى فى حياة ناجى ، رحلته إلى إثيوبيا إلى منابع النيل باتفاق دبلوماسى ضيفاً على القصر الإمبراطورى ، وظل هناك عاماً كاملاً ، حدث ذلك أوائل ثلاثينيات القرن الماضى ، تلك الرحلة التى أطلقت نفسه من قتامه ألوان الشمال ، وأشاعت فى أعماله الغناء والألوان الدافئة ذات الحس الاستوائى .
- وهنا نتذكر الفنان جوجان عندما ضاق ذرعاً بالمدينة الحديثة ، وراح يبحث عن الحياة البكر التى لم تلوثها المدينة ، فوجدها فى جزيرة تاهيتى ، حيث يعيش الناس الفطرة النقية ، وأنتج هناك أروع أعماله
- مناخ جديد
بحث ناجى ، مثل جوجان ، عن مناخ جديد يثير خياله ويحرك فى أعماقه سطح البحيرة الراكدة ، وتطلعت الريشة إلى نهر النيل الذى يشق الوادى من الجنوب إلى الشمال، وراحت تتخيل الحياة عند منابع هذا النهر الذى يبدأ رحلته من جبال الحبشة ، وتحول الحلم إلى قرار والقرار إلى حركة ، كما يقول الناقد حسين بيكار: وسافر ناجى إلى الحبشة ، وأصبح أول فنان تطأ قدماه هذا البلد الإفريقى ، زار النجاشى هيلا سيلاسى ، وتوطدت الصداقة بينهما ، وصور عدة لوحات للإمبراطور ورجال البلاط ، كما أخذ أيضا صوراً عديدة للناس والمناظر الطبيعية.
- وفى عام 1933 عرضت أعماله التى أنجزها بالحبشة فى معرضين ، الأول فى بروكسل والثانى بمارسيليا ، واستمرت إبداعاته فى حماس وتوهج ، وزار اليونان وتعرف إلى تراثها الفنى ، ورسم من صور الحياة والمناظر المختلفة ، كما رسم عدة مناظر من مسقط رأس محمد على باشا فى مقدونيا.
- وظهر اعتداده بتاريخ الطب العربى والمصرى ، وأنجز مجموعة لوحاته الشهيرة ` الطب عند العرب` ، و` الطب عند الفراعنة `، و ` الطب فى الريف `، و ` الطب ينقذ الطفولة ` التى تزين مستشفى المواساة.
- لوحة مدرسة الإسكندرية
- فى عام 1939 بدأ ناجى في رسم لوحته الكبرى ` مدرسة الإسكندرية ` ، بتكليف من وزير المعارف آنذاك ، د. طه حسين ، ( وهى لوحة ضخمة 3-7 أمتار ) ، يذكرنا نسقها الهندسى بلوحات مبدع عصر النهضة رافائيل ، وخصوصا ً لوحته مدرسة أثينا ، وجمعت لوحة ناجى حضارة اليونان ، ممثلة فى الإسكندرية وحضارة العرب والإسلام ، ورمزها فى ابن رشيد يتسلم الرسالة الحضارية من العالم اليونانى أرشميدس ، والمسيحية ممثلة فى القديسة كاترين ، التى جعلها بملامح شقيقته عفت ، ثم الحضارة الحديثة والتقاء الشرق والغرب ممثلاً فى أشخاص جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ولطفى السيد وطه حسين ومحمود مختار ومحمود سعيد ومصطفى عبد الرازق وهدى شعراوى ، والشعراء أنجريتى وكفافى ونيكولابيدس ، وبعض العلماء الأجانب الذين أسدوا إلى الإسكندرية خيراً كثيرًا ،أمثال سكالارين وكوتسيكا.
- وفى هذه اللوحة جو رومانسى ، بل أسطورى ، يجمع هؤلاء الأشخاص حول الإله السكندرى اليونانى ديونيزيس، ويمزج أشخاص التاريخ بعرائس الموسيقى والمسرح ، ويجمع قلعة قايتباى إلى جانب منارة الإسكندرية وجامع أبى العباس المرسى .
- بين البيئة الشعبية والتراث
- يقول الناقد مختار العطار :` ارتبط إبداع ناجى بالروح الشعبية الوطنية ، وجذورها الوطنية التاريخية عبر العصور الفرعونية والإسلامية ، فتغنى بأمجاد الماضى كما الحاضر ، وهو من الرسامين الأوائل الذين طرقوا عدة أنماط موضوعية منها التاريخية على هيئة جداريات صرحية مؤلفة من لوحات سابقة الإعداد والدراسة ، وبينها مشاهد من الحياة الريفية ، معظمها فى قريته أبو حمص ، وبها الكثير من صور الأقصر والقرنة والتراث المصرى القديم الذى عشقه طوال أيامه ورحلته مع الفن ` .
- من هنا ، ومع ` نهضة مصر` ، أو ` موكب إيزيس` ، و ` مدرسة الإسكندرية ` نراه موغلاً فى الروح الشعبية ، ومرتبطا أشد الارتباط بالبيئة المصرية .
- فى لوحته ` الخبيز` نستشعر هذا الجو الريفى المشبع بالألفة واللمة بين الفلاحات ، وكيف يتشكل مشهد الرغيف ، كما نرى فى مقدمة اللوحة وفى الخلفية ، 3 فلاحات أمام العجين وإعداد الأرغفة بينهن واحدة تحمل طفلها ، وأخرى أمام وهج الفرن، بينما تتوسط اللوحة امرأة جالسة فى انتظار الخبز ، ولا يخفى هنا ارتباط الفنان بالبيئة من تلك العناصر من الكلب المضجع فى سلام ، والسلم الخشبى والزير ، وأعراش الثوم المعلقة على الحائط ، وكلها تعلن فرط تأملاته والتقاطه بوجدانه وإحساسه البصرى روح البيئة.
- ساهمت الألوان هنا فى إشاعة جو الدفء الإنسانى بين الفلاحات ، وفى الوقت نفسه الإحساس بحرارة ووهج الفرن ، وذلك من خلال سيطرة اللون الأحمر باللوحة ، مع التدرج اللونى بين الأصفر والبرتقالى.
- ومن البيئة الداخلية ، كما فى ` الخبيز ` ، يخرج ناجى إلى البيئة المصرية الطبيعية ، فتتألق أعماله كما لوحته ` الراعى بالأقصر `، التى يحمل فيها أحد الرعاة خروفا على كتفيه ممسكاً به من رجليه ، وفى الخلفية يبدو منظر ريفى حافل بالزروع مع دابة وبيوت.
- من عمق البيئة الريفية
- للفنان ناجى لوحتان من عمق البيئة المصرية الريفية ` الجاموسة والغلام `، و ` قروية على ظهر جاموسة ` .
- فى الأولى نطل على منظر عرضى للجاموسة ، بينما يبدو فوقها طفل صغير عار مستغرقاً فى النوم بسلام ، واللوحة يغلب عليها لمسات من الأزرق والأسود مع الأصفر الفاتح المضىء ، والمشهد العام للصورة يوحى هدوء الطبيعة وبساطتها وصفاءها .
- والوجه المقابل لها لوحة ` قروية على ظهر جاموسة ` ، لكن المشهد هنا يبدو من الظهر ، بما يؤكد براعة الفنان وقدرته التعبيرية على اختيار زاوية غير تقليدية مع حوارية فى تقابل بين الأحمر الدافىء والأخضر الداكن والزرعى .
- وتظل لوحة ` الفتاة وزهور الفول` من علامات فنه وارتباطه الكبير بالريف وأهله وناسه ، وهو هنا يصور فتاة بملامح الجمال الهادىء بوجه جانبى ( فى رداء وغطاء أزرق تحمل عيدان الفول ذات الأوراق الخضراء والزهور البيضاء ، هذا مع الترديد اللونى للأحمر ، متمثلاً فى تطريز الغطاء مع الرداء ، وتبدو الخلفية فى ألوان فاتحة مشرقة بمزيج من الأزرق والأحمر ، فى مسطح صريح يظهر حيوانا من حيوانات القرية ، استكمالاً للمشهد وتأكيد قوتة التعبيرية .
- كل هذا مع وجوهه التى تشدو بالتعبير من البراءة والنقاء كما فى ` وجوه من سويسرا ` إلى الفكر والصمت ، وكما فى مدام ` جوليت آدم ` ، والحكمة والوقار فى صورة أستاذه الإيطالى بنايوتى مع صورته الشخصية التى عكست بقسماته نظرته المتحفزة التى تطل من عينيه اللامعتين.
- منظر من النيل
- لاشك فى أن ما قدمه ناجى فى فن المنظر يمثل مساحة وعلامة فى عالمه ، وقد بلغ ذروته فى ` منظر من النيل`، الحافل بالعناصر المفعمة بالحركة وحيوية الألوان من الأزرق الصافى فى حركة الماء ، والأبيض في الأشرعة ، والأخضر في تيجان النخيل ، والممتد بالأبعاد من بداية اللوحة ومقدمتها إلى عمقها ، وغنائيات الأفقى والرأسى وأرابيسك البيوت فى الخلفية .
- كان ناجى يتابع الطقوس والعادات والأفراح والتقاليد الشعبية فى أى مكان يحل فيه ، بتعبير الناقد غازى الخالدى : ` كان كثير التأمل فى أصل الحركة ، ثم فى تفاصيلها ، ثم فى علاقة الإنسان بمحيطه ، إذ إن عناصر هوية المكان كانت من الهواجس التى شغلته أما من الناحية الفنية فيبدو أنه كان يرسم بسرعة وجرأة وعفوية ، ولا سيما لوحات الوجوه ( البورترية ) وحركات الفلاح المصرى ، والفلاحة وهى تقوم بدورها فى موضوع اللوحة ، وهذا يعنى أنه يضطلع بمسؤولية مهمة توثيقية ، قبل أن تكون فنية ` .
- وبقدر ما باللوحة من روح مصرية تحمل أيضاً معنى الفن من قيم وعناصر تشكيلية فى الإيقاع والتكوين ، وأيضاً منظومات لونية ، فإن فيها من السلم الموسيقى البصرى التناسق والتناغم.
- متحفه ومرسمه
- أنشأ ناجى فى الإسكندرية جماعة الأتيلية للفنانين والكتاب 1935 ، وعمل مديراً لمتحف الفن الحديث ، وشغل منصب مدير المدرسة العليا للفنون الجميلة ( كلية الفنون الجميلة حالياً) ، ويعد أول مدير مصرى لهذه المدرسة ، وعين مديراً للأكاديمية المصرية فى روما ، كما أنشأ أتيلية القاهرة للفنانين والكتاب أيضا ، وانتخب رئيساً له عام 1952 .
- وتقول شقيقته الفنانة عفت ناجى : في تلك الليلة من 4 أبريل عام 1956 عاد أخى ناجى من القاهرة إلى مرسمه بحدائق الأهرام ، بعد حضور اجتماع مع أصدقائه من المثقفين بجماعة أتيلية القاهرة للفنانين والكتاب ، رأيته مرهقاً ، تناول وجبه خفيفة وراح يمزح مع خادمه مبروك بكلمات رقيقة ، ثم استرسل فى العمل بلوحته القديمة ` جنى البلح ` ، وكان يسعى لتطويرها إلى رؤية جديدة ، ويعود رسمها إلى عام 1912 ، واللوحة البيضاوية مخصصة لتثبت فى سقف مرسمة ، وراح يضيف إليها لمسات فسيحة تجعل النخيل المحمل بثمار البلح أكثر شموخاً، وجعلت ألوان السماء والقرويين الذين يقطفون الثمار أكثر رونقاً وبهاء .
- وهكذا تترابط مفاهيمه هذه الليلة حول الفن والتقائه بخيوطه الدقيقة من الإبداع التى ينطبق عليها ما كتبه يوما ً:` إن القيم والمقاييس لن تتغير ، وربما أحسسنا بالنهاية القريبة ، وأشبعنا ظمأنا للجمال !` .
- وتضيف عفت : ` أتراه حقاً من تلك الليلة يحس بقرب النهاية ؟ فاستبد به الظمأ للجمال إلى حد الموت !` ، ليكون رمز البلح إذن رمزاً للارتواء من الجمال ، لأن ناجى قد دفع ثمناً له أنفاس الحياة !`.
- الليل والضحى والنهار
- إذا كان رائد مدرسة الفن والحياة الفنان حامد سعيد ، قد اعتبر فى كتابه ` الفن المعاصر فى مصر ` ، أن فن محمود مختار يمثل شعر الصباح ، وفن محمود سعيد يمثل شعر الليل ، فإن فن ناجى يمثل الضحى ، بما يشير إليه من معنى النهار وامتداده ، ونلمح ذلك فى بنائه الهندسى وإشراق ألوانه وتعبيره الجهير ، وفى تطلعه إلى الأبعاد الكبيرة والجدران الضخمة يخاطب عن طريقها الجموع بوجدانه وفكره.
- عاش ناجى ، كما يقول بدر الدين أبو غازى ` حياة عصره ` ، وهو عصر تلاقت فيه كل حضاراتنا وانبعثت فى قلب جيل واحد، كان التراث منبعاً من منابع هذا الجيل ، إلى جانب المصادر التى غذته بها حضارة البحر المتوسط ، ومنابع القارة الإفريقية .وحلق فى كل الأفاق ، وإن ظل مرتبط الأقدام بأرضه ، وخرجت لوحاته حاملة معالم المصرية ، فى التعبير الفنى نابضة بروح العصر`.
- شيد ناجى مرسمه بحدائق الأهرام ( الموقع الحالى لمتحفه ) عام 1952 وصمم المبنى ونفذه صديقه المهندس المعمارى رياكوميدس المقيم بالقاهرة فى ذلك الوقت ، وكانت تكلفته 5500 جنيه .
- وفى عام 1962 اقتنت وزارة الثقافة المرسم ، وحولته إلى متحف ، وأهدت شقيقته عفت الدولة 40 لوحة من أعماله ، ومجموعة كبيرة من رسومه التحضيرية ، إضافة إلى متعلقاته الشخصية ، وافتتح للجمهور عام 1968 ، وأعيد تطويره وتجديده عام 1991 ، ووصلت مقتنياته إلى 1200 لوحة ، تمتد عبر مراحله المختلفة منذ بدايته الأولى إلى أعماله الأخيرة .
- وتزين المتحف لوحة تعد تحفة فنية لـ ` جوليت آدم` ، الأم الروحية للزعيم مصطفى كامل وراعية دعوته الوطنية.
- ونطالع ، مع سيرته الذاتية وملامح من حياته ، العديد من الصور الشخصية له وعائلته ، من بينها لوحة زيتية تضم عائلته مع الخدم تتوسط المتحف ، وبورتريه لشقيقته الفنانة عفت تحمل قطتها ، والصور التى رسمها لأساتذته ومن أضافوا إليه الكثير فى حياته وتقديره لبعض الشخصيات الوطنية التى جسدها فى صوره ، مثل هدى شعراوى وطه حسين وأحمد شوقى وغيرهم .
- تحية إلى ناجى كفنان وإنسان عكس فى روائعه الفنية ملامح عصره وصلة الفن بالمجتمع والحياة.
بقلم : صلاح بيصار
مجلة: العربى الكويتية ( العدد748) مارس 2021
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث