`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
يوسف كامل

- لم ينل يوسف كامل الريادة القوية لفن التصوير بمجرد التحاقه بمدرسة الفنون الجميلة في درب الجماميز - شارع بورسعيد الآن - ولكن بعد السير في درب طويل من الدراسة والكفاح والعمل الجاد المستمر والإصرار والعناد والاستزادة .
- تتلمذ يوسف كامل علي يد فورشيلا وهو فنان مشهود له بالأستاذية الاكاديمية بالاضافة الي مسحة تأثيرية كان لها تأثيرها عليه وفى إيطاليا تتلمذ على يد ( كالكاندارو ) وهو فنان تأثيرى مشهود له بالرسوخ فى لوحاته رغم جرأتها .
- وكان يوسف كامل محبوباً من زملائه وأساتذته لأنه كان دائم الاستغراق فى الرسم فى هدوء تام ..
- عندما عاد الى مصر لم يتغير كثيراً فقد أحب التأثيرية وكان يكرر دائماً عبارته الشهيرة ولدت تأثيرياً ولكن تأثيريا مصريا تحس بشمس الوادى فى رسومه .
- أحب يوسف كامل الريف وارتبط بحياة الفلاحين وهو من مواليد حى الطشطوشى بباب الشعرية وعندما استقر به الأمر فى ضاحية المطرية بعيداً عن ضوضاء القاهرة كان يدعو زملاءه وأصدقاءه ليكونوا الى جواره .
- انشغل يوسف كامل فى إنتاجه الفنى بقوة الضوء ولم يكن يعبأ بتحليل الألوان مثل مونيه وبيسارو وسورا وغيرهم بل كانت تحليلاته اللونية أقرب الى الأكاديمية ولكن كان يشترك مع التأثيريين فى تفريغ الكتله من ثقلها الأكاديمى فالكائنات هى مساحات يسقط الضوء عليها أو بجوارها في تباين .
- لم يتوقف يوسف عن الإنتاج طوال حياته ما عدا فترة أربع سنوات منذ عام 1958 وحتى 1962 بسبب مرضه وضعف عينيه ومالبث أن عاد الى الرسم حتى فاضت روحه ورحل معه فيض من التواضع والحب فى 22 ديسمبر 1971 عن ثمانين عاماً وما يقرب من ألفى لوحة زيتيه وكانت لوحته الأخيرة باقة من الزهور .

الفنان/ مكرم حنين

..الضوء جين حى
- ولد أستاذنا الفنان الرائد `يوسف كامل فى حى الظاهر بالقاهرة فى السادس والعشرين من شهر مايو عام 1891 ورحل فى الثانى والعشرين من شهر ديسمبر العام 1971 ` وفى الحقيقة أنه لم يمت، حيث ترك لنا روحه وإبداعه يتنفس عبر خلايا نسيج لوحات تشع ضوءا من مكنونات عجائن ألوانه التى امتزجت بأشعة الشمس الذهبية فى ربوع ريف مصر العظيم .. ذلك الريف الذى طمست هويته -الآن- بفعل تغلغل مظاهر المدنية الكاذبة، درس يوسف كامل فى مدرسة باب الشعرية الإبتدائية ثم مدرسة الفنون والصناعات الخديوية ثم التحق بمدرسة الفنون الجميلة العام 1908 عند إنشائها وتخرج العام 1911 ، ثم ارتقى سلم التدريس بداية من عمله مدرساً بالثانوى العام 1912 ثم بمدرسة الفنون الجميلة العليا 1929 مروراً برئاسة قسم التصوير بها العام 1937 - ثم مديراً لمتحف الفن الحديث 1948 : 1949 وحتى صار عميداً للكلية الملكية للفنون الجميلة العام 1950 وكان عضواً بالمجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ومقرراً للجنة الفنون التشكيلية ، وقد حصل على جائزة الدولة التقديرية العام 1960 .
عشق يوسف كامل الطبيعة بكل مشاعره ورؤاه الإبداعية ، وسجل بريشته بساطة الفلاحين وحياتهم الهادئة والتى تسير بإيقاع ونظام محكمين من شروق الشمس إلى مغيبها ، وكان من المريدين للمدرسة التأثيرية الأوربية ربما بحكم دراسته بإيطاليا عام 1925 ، ولكن دون تغييب لاختلاف الطبيعة والثقافة وخصوصية الفكر .. كل هذا حقق لتأثيريته تفردها، ويذكرنا ذلك بأحد أقطاب التكعيبية `خوان جريس 1887-1927` الإسبانى العالمى الذى نهج الاتجاه التكعيبى ولكن شخصيته وثقافته وذكاءه جعل إبداعه الفنى أكثر تميزاً واختلافاً عن بيكاسو أو براك ، وإذا نظرنا لتحليل الضوء فى أعمال أستاذنا الكبير يوسف كامل نكتشف القدر الكبير والتوافق المذهل بين مساحة اللون وبين أشعة الضوء الساقطة عليه وطاقتها اللونية التى تصل للعين بسرعة الشهب المضاعفة .. فالضوء عند يوسف كامل جين ينمو فى لمسات فرشاته .. ضوء يكمن فى عناصره ويتحرك بصرياً كلما تأملناه عمقاً وكلما لمسناه بالروح والعقل .. ضوء أفصح عن جمال البيئة الريفية المصرية التى تألقت فى زمانه ومكانه .. ولكون الضوء هو الطاقة المتوهجة لتحريك كوامن العناصر اللونية فقد أصبح البناء الجمالى جزءا لا يتجزأ من حالة التجانس والتوافق فى أعماله .. فهو فنان قدير وأستاذ كبير .
أ.د./ أحمد نوار
جريدة الحياة - 2004
الدراويش ) لوحة فى بيت هيكل يعلق عليها بنفسه)
-اللوحة اسمها الدراويش.. والذى رسمها هو الفنان المبدع يوسف كامل، ولقد رأيتها عنده يوما ذهبت فيه لزيارة معرضه الدائم فى بيته بالمطرية وكان الذى لفت نظرى فى الصورة هى حركة الدرويش الذى أمسك بالدف وفنى بكيانه كله وسط حلقة الذكر .
* الأستاذ يروى حكايته مع يوسف كامل المسروقة لوحاته ..
- شئ ما فى هذه الحركة كان حياً نابضاً كان المشهد الذى تصوره ليس خطوط زيت ولون، وإنما كأنه مشهد من لحم ودم .
- وفوق الحركة الحية كان فى الصورة هذا الطابع الذى يميز كل أعمال يوسف كامل وهو ضوء الشمس الغامر الذى يلمع فى كل لمساته ويتسرب إليها من الطبيعة المصرية المشرقة.
- ووقفت أمام اللوحة، وأحس يوسف كامل أننى أفكر فيها، وقال الفنان الطيب العجوز : لا .. اترك هذه اللوحة، إنها ليست للبيع بأى ثمن، لقد أعجبت بها زوجة ابنى وطلبت أن أبقيها لها .
- وتركت اللوحة فعلاً إلى غيرها وخرجت من بيت يوسف كامل ومعى ثلاث لوحات وغيرها.. ومضت شهور ثم جمعتنى بيوسف كامل فرصة أخرى وتحدثت إليه عن لوحة الدراويش.. وبعد أيام فؤجئت بيوسف كامل يجىء إلى مكتبى وهو يحمل اللوحة ويقول لى : لقد أحسست بحديثك عنها إنك أحببتها، وأنا أريد أن تكون أعمالى كلها مع الذين يحبونها .
- ولمح يوسف كامل تساؤلاً فى عينى فقال بسرعة: لا ..إنها هدية لك. ولقد بعثت إلى زوجة ابنى أستأذنها فى أن تسمح لى بأن أتصرف فى لوحة الدروايش وأرسلت إلى بموافقتها، وترك يوسف كامل لوحته على مكتبى وفى عينه نظرة تحمل كل حنان الأب الذى يرى ابنته بملابس الزفاف البيضاء تخرج من بيته إلى بيت رجل آخر.. أن ينسى نفسه.. وكل ما يذكره هو أن تجد السعادة حيث ذهبت وأن تجد الحب !.
محمد حسنين هيكل
مجلة الإذاعة والتليفزيون - 13/ 10/ 2012

- لم يكن يوسف كامل انطباعيا بالمفهوم الفرنسى، الذى تضمنته الرسوم الملونة، التى أبدعها كلود مونيه (1840- 1926) وحواريوه من `جماعة أنونيم`، فى المعرض الذى أقاموه فى باريس سنة 1874. انطلق فى هذا المعرض اصطلاح ` الانطباعية `، سكه الناقد الفرنسى ` لوى ليروى` ، حين شاهد لوحة بعنوان ` انطباع شروق الشمس` للرسام مونيه.
- اختلف ابداع يوسف كامل فى أسلوبه، عن المفهوم الذى ساد ذلك العرض القديم، وشاع تأثيره طوال الربع الأول من القرن، رسم يوسف كامل الريف المصرى والفلاحين والحقول والحيوانات والطيور، وأودعها فائضا من الحيوية والحركة الديناميكية. عنى بشكل الكائنات الحية والأشياء وبشخصيتها، وبذلك ينأى عن الانطباعية الكلاسيكية، التى لا تفرق بين الكرة وثمرة البرتقال، الا من حيث اللون وكيف يتحلل إلى عوامله الأولية. هكذا رأينا: كاميل بيسارو (1830 - 1905) - وهو أحد أقطاب ` الأنونيم `، كيف قضى حياته يتأمل البيئة وسقوط أشعة الشمس على مشاهده وحين تطورت الانطباعية على يد: بول سيزان (1834 - 1906)، تحول الناس والأشجار والأشياء، إلى مجرد أحجام، كالمكعب والمخروط والكرة، مع تآلفات لونية محسوبة.
- اختلف يوسف كامل جذريا فى ابداعه عن هذه المفاهيم، وربما كان أقرب إلى ` التعبيريين` ، اذ وضع الوانه فى مساحات أرحب ولمسات أكثر سخاء، بفراجين عريضة، تنم عن طبيعة الموضوع، والمناخ النفسى البهيج المريح، الذى يشمل مناظره الريفية والأحياء الشعبية. كما اهتم بالمعايير الجمالية، الخاصة بالتكوين والإيقاع والاستقرار، والارتباط بين العناصر، بعكس الانطباعيين، كما كان موضوعيا روائيا، يقص علينا حكايات الحياة فى أعماق الريف المصرى.
- صدرت أعمال الانطباعيين الفرنسيين، عن نظريات علم الضوء، وكيف يتحلل عندما يسقط على المرئيات. أما لوحات كامل، فتنبع من ثقافة انسانية اجتماعية، استمدها من الصحبة الفكرية التى عاشها. فبعد تخرجه فى مدرسة الفنون الجميلة سنة 1911، عمل مدرسا زميلا لفريق من المدرسين، اصبحوا فيما بعد من قادة الفكر والأدب والفلسفة فى مصر: العقاد والمازنى وفريد أبو حديد وأحمد حسن الزيات وغيرهم. هكذا جاء ابداعه محملا ببذور التنوير الانسانى أسوة برفيقه فى الدراسة: المثال محمود مختار (1891 - 1934) صاحب تمثال نهضة مصر.
- لوحات يوسف كامل مقابل مرئى، لأفكار وفلسفة وآداب تلك الصحبة المختارة - وقد قالوا قديما: كن عظيما وعش مع العظماء، وقد كان يوسف كامل عظيما، صاحب عظماء الفكر والانسانية. وكان شاعر الشباب: أحمد رامى، يتردد على مرسمه بالقرب من مسلة عين شمس، فالهمته حديقة المرسم قصائد تغنت بها كوكب الشرق ` أم كلثوم`.
- لم يأبه بتحليل الضوء والألوان القزحية، والشكل الناجم عن تأثير أشعة الشمس، فى الحقول والمروج والبرارى والأحياء الشعبية. اهتم بالتعبير الانسانى عن الروح المصرية، والمعايير الجمالية المحلية، منذ كان طالبا فى مدرسة الفنون الجميلة بدرب الجماميز، طوال سنوات ثلاث، مع أستاذه الايطالى `فورشيللا`، الذى كان يمزج بدوره بين الأسلوبين: الانطباعى والاكاديمى بطريقة تقترب من الصياغة التى ارتضاها يوسف كامل لابداعه فيما بعد. أما الرسم فى الخلاء، فليس من ابتكار الانطباعيين الفرنسيين. فقد شاع بين الرسامين فى عصر النهضة الاوربية، فى مطلع القرن الرابع عشر، مرادفا لفلسفة `الهيومانزم`، التى دعت إلى احترام الانسان والطبيعة والحياة الواقعية، فمضى الفنانون يرسمون البيئة ويتغنون بجمال الحياة.
- .. هكذا عشق يوسف كامل الطبيعة المصرية وتغنى بجمالها، ولم يكن فى ذلك مقلدا لأحد. رأى فى الطبيعة من حوله، البهاء والحلاوة فى كل ما يقع عليه البصر. ومضى يرسمها بشغف، وهو يطوف بأحياء القلعة وباب المتولى، بعد تخرجه من المدرسة سنة 1911. صور الشحاذين والفقراء، والسابلة البسطاء من الرجال والنساء والأطفال ، فى الحوارى والازقة. رأى فى تلك الموضوعات جمالا رومانسيا وسحرا. هناك.. سعت إليه `هدى شعرواى` - راعية الفنانين فى ذاك الزمان - واقتنت منه لوحتين. فلوحاته تعبر عن انطباعاته عن مصر، كما عشقها وأحس بها، دون التقيد بأى أسلوب مسبق أو نظرية. من هنا يمكننا أن نسك اصطلاح `الانطباعية المصرية ` على ابداع يوسف كامل، فى مقابل `الانطباعية الفرنسية ` فى أعمال كلود مونيه. وبشئ من التدقيق والتحليل، نصل بهذا المذاق اللونى والتعبيرى الذى ابتكره يوسف كامل، إلى جذور عميقة فى طبيعة أشعة الشمس المصرية.. الساطعة.. القوية معظم شهور السنة ، تمحو الكثير من التفاصيل من شدة الابهار، وتؤكد العموميات. الأمر الذى يقلل من الصفة القزحية، التى تقوم عليه صياغة الانطباعيين الفرنسيين، والتعدد اللونى والتنوع فى المساحات الصغيرة. لذلك كان يوسف كامل مصريا، حين اختار الفراجين العريضة واللمسات السريعة الانفعالية.. الفاقعة المعبرة، والتأثيرات اللونية العامة، للمرئيات وليس لأشعة الشمس.
- سافر يوسف كامل فى بعثة إلى ايطاليا سنة 1924، لاستكمال دراسته. لكنه كان متشبعا باحاسيس مصرية عميقة الغور، ازدادت بالدراسة تألقا، وأصبح أسلوبه أكثر احكاما وصقلا. نستطيع ان نتبين شخصيته الانطباعية المصرية، ملازمة للوحاته التى ابدعها فى إيطاليا، مثل `بائعة الورد` ومشاهد حوارى روما وازقتها، التى كان يصحبه إليها استاذه الايطالى: كرومالدى، اخصائى المناظر ورسم الوجوه.
- تحرر يوسف كامل من العزلة بين جدران الأستوديو، ومن الأساليب المحفوظة للرسم الاكاديمى، المتسم بالبرود والجمود والتأنى الممل، والحسابات التى تطمس شخصية العمل الفنى، وتقضى على الاسقاط الفورى، الذى يزوده بالحيوية والإثارة والجاذبية الغامضة، لا ندرى لها سببا لكننا نحس بها. مضى فناننا الكبير يمرح، بحقيبة ألوانه وقماشه وحامل اللوحات المتنقل، بين الحقول والقرى وبيوت الطين وأشجار الجميز. بل اتخذ مرسمه فى ضاحية عين شمس، ومسكنه فى ضاحية المطرية. بيت فسيح يتوسط مساحات شاسعة خضراء تتناثر على صدرها بيوت القرويين، وتسعى حيواناتهم ودواجنهم والابناء. مشاهد لم يفرغ من رسمها وتلوينها حتى رحل عن دنيانا وفى نفسه شئ منها!
- كان يوسف كامل يصور شخصية مصر، ممثلة فى الريفيين البسطاء، حيث يتبلور المعدن الحقيقى للمكان والزمان، والكيان الثقافى العريق، الذى نعرفه باسم: مصر. لم يصور أشياء بذاتها، وان بدت تشخيصية مقروءة، لكنه رسم سمة الحياة المصرية الأصيلة، التى تنضح بالهوية المحلية، وتميز ريفها وحقولها وناسها.. وحتى طيورها وحيواناتها، عن أى بقاع أخرى فى العالم. أنها عبقرية المكان، بما يتخلله من تراث لا نراه، ولكنه محسوس فى كل مكان وكل سلوك. كان يجلس يوسف كامل إلى قماشه وألوانه ساعة أو بعض ساعة، فلا تلبث أن تتألق على لوحته لمسات لونية عريضة سريعة، بهيجة متلألئة، جميلة كوجه مصر، تصور أسرة ريفية، تستظل بشجرة عتيقة من هجير الصيف، بينما لا يعبأ الأطفال والماعز بالحرارة اللافحة، فيقفزون من حول الرجل والمرأة. لا يقل التكوين والتلوين حركة عن الموضوع المرسوم، مما يحقق تكاملا مثيرا بين الشكل والمضمون، الذى يسفر عن حلاوة الدنيا وجمال الحياة، وان السعادة شئ داخل الانسان وليس خارجه. شئ يصنعه وليس شيئا يمتلكه.
- لم يحفل الفنان الكبير باطلاق أسماء على لوحاته. ربما لأنها مقروءة وتشخيصية، وتدور موضوعاتها حول الريف والأحياء الشعبية وقليل من صور الوجوه. لكن يمكننا التقاط بعض العناوين، التى كان يطلقها كلما سئل عنها. بينها لوحات رسمها فى روما أثناء استكماله للدراسة مثل: `بائعة الورد` و `عجوز من روما` كان ذلك بين عامى 1924، 1929. أما لوحة `الماعز`، فصورها بعد عودته إلى أرض الوطن. كان أصدقاؤه الفلاحون من جيران المرسم فى عين شمس، يحضرون له الماعز والحمير والطيور الداجنة، يصورها فى حديقة مرسمه. ومن اللوحات التى أبدعها فى أخريات أيامه: `الحمام` و ` الدجاج`. كان يعشق رسم الماعز والطيور، التى لم تزعجه سرعة حركتها، اذ كانت فرشاته وألوانه تفوقها سرعة.
بقلم : مختار العطار
من كتالوج متحف الفن المصرى الحديث 1992 - صندوق التنمية الثقافية - وكتاب ( رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر ) الجزء الأول
رحلة سياحية فى قاهرة الفاطميين
- كانت أروع لحظات العمر تلك التى كان يزورنا فيها أستاذنا الفنان الرائد ` يوسف كامل ` يحمل خلاط ألوانه وفراجينه ويشرع فى صحيح أخطائنا بفرشاته العبقرية.
- كنا ننظر إليه مبهورين كأنه اسطورة بعيدة التصديق .. والفرشاة فى يده يحركها بخفة ورشاقة كأنها عصا سحرية ما إن تستقر فوق اللوحة حتى تدب فيها الحياة ، وتتراقص فوقها الألوان.
- كان عائداً لتوه من بعثته فى إيطاليا ليكون أول أستاذ مصرى بين فريق الأساتذه الأجانب الذين كان يفصلنا عنهم حاجز غليظ من اللغه والهيبة والكلفة .. وكان بالنسبة لتاريخنا الوليد أول قطرة تهبط على واد حطمه الجفاف . فتلقفته عيوننا وقلوبنا بكل شوق وحب وأمل..
- وغاصت لمسات ` يوسف كامل ` فى أعماقنا كما تغوص قطرة الماء فى التربة الظمأى .. وأصبحت نموذجا اندفعنا نقلده تقليدا أعمى - يدفعنا انبهارنا بأستاذنا الذى هبط علينا من السماء ليخاطبنا بلغة نفهمها..
- ولأول مرة سمعنا عن شىء اسمه ` التأثيرية ` .كانوا يصفون بها لوحاته التى كانت تجاور أعمال الأساتذه الأجانب الذين كانوا يحتلون ميدان الإبداع الفنى فى تلك الفترة..
- كان للوحاته ` الطازجة ` التى جاء بها من إيطاليا أثر الشرارة فى نفوسنا .. كانت تمثل أركانا من أحياء روما العتيقة برطوبتها وقدمها .. تغلفها حلكة حالمة ما بين زرقاء وبنفسجية .. ويتسلل إليها شعاع مفاجىء من ضوء برتقالى ساخن يستقر فوق الجدران المتهالكة ، وينساب فوق حواف الدرج المتآكل ، فيشيع الدفء فى جنبات اللوحة ، ويصيبها برعشة لذيذة متثائبة كرعشة طائر أيقظه نور الصباح.
- كان هذا الإنعاش المفاجىء الذى يحدثه الضوء المرتعش هو ` الزغرودة ` التى تجلجل فى جنبات الصمت الناعس .. وكان فى نظرنا هو الفن.. كل الفن .. وما عداه عبث..
- لقد انبهر شبابنا المراهق بتلك الفتونة البطولية ، والفروسية الفنية التى أثارت بقية من سذاجتنا الطفولية التى كانت تثيرها قصص أبو زيد الهلالى والزناتى خليفة والشاطر حسن .. وجاء ` يوسف كامل` ليمثل هذه المعانى النبيلة التى يصبو إليها شباب هزمه الحرمان وقتله العطش الفنى.
- ثم بدأت قطرات أخرى ذات مذاق ولون مختلفين تتساقط علينا وافرة من الشاطىء الآخر .. عندما عاد إلينا الفنان الرائد ` أحمد صبرى ` بغنائياته اللونية وشاعريته وأورستقراطياته الصالونيه وأستاذيته فى فن الصورة الشخصية ` الهوية ` ومن بعده ` راغب عياد ` بعينيه الثاقبتين اللتين كشفتا عن مفاتن أحيائنا الشعبية وكنوزها الإنسانية الحافلة بمختلف الإيحاءات وكذلك ` محمود سعيد ` الذى أقنعتنا لوحاته بضرورة الغوص فى أعماق البيئة لاستخراج ما تبطنه من عصارات الأصالة واتقلاع المضمون من طيات تربتنا العريقة ..ثم جاء ` مختار ` ليعيد لنا الثقة فى تراثنا وأمجادنا ، ويسلط الأضواء على القيم الرفيعة الخالدة - ويلقى علينا أول درس فى التحرر من الاستعمار الفكرى والروحى والفنى ..
- وتعددت الروافد .. وصار لزاما على كل طالب فن أن يختار الوافد الذى يغترف من مائة .
- وأصبح لكل أستاذ حواريون وأتباع .. وكان أول حواريى ` يوسف كامل` وألصقهم به هو الطالب ` حسنى البنانى ` الذى رأس قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة فيما بعد. والذى يعرض حاليا فى المركز الثقافى للدبلوماسيين الأجانب عددا من لوحاته ذات الطابع المتميز الذى لا تخطئه عين..
- وازداد التصاق طالب الفن ` حسنى البنانى ` بأستاذه الذى اقتنع به لدرجة الذوبان فى أسلوبه وفلسفته التشكيلية .ثم ازداد التصاقاً به عن طريق المصاهرة .. وإمعانا فى السلوك فى نفس الطريق سكن فى حى المطرية . وهو نفس الحى الذى كان يسكن فيه ` يوسف كامل ` حتى يكون قريباً من المناخ الريفى الذى يستوحى منه موضوعاته .. وبذلك أصبح ` حسنى البنانى ` الوريث الشرعى لمبادىء أستاذه التى ظل أمينا عليها لدرجة التعصب.
- وهكذا انضم ` البنانى ` إلى زمرة عشاق الطبيعة الخارجية أو البيئة المصرية ريفها وحضرها . وأصبح يقضى أيامه متنقلاً بين القرى والنجوع يجوس خلال أسواقها وأكواخها ويشارك الفلاحين حياتهم اليومية فى ذهابهم إلى الحقل أو عودتهم منه .. ثم يعاوده الحنين إلى الأحياء الشعبية فيقف ساعات بين الدور العتيقة والمساجد الأثرية يصور ما تبقى من قاهرة الفاطميين التى خلع عليها الزمن رداء القدم.
- مسجلاً الحياة فى هذه الدروب التى يهددها الزحف العمرانى بالزوال .. ملتزماً بالنظرة إلى الطبيعة من الخارج دون أن يفارق السطح أو يجازف بالمغامرة فى سبر أغوار العمق ويحسن الفنان ` البنانى ` اختيار الزوايا التى يلتقطها ويحيل النظر إلى لوحة فيها مذاق ` الديكور المسرحى ` الذى ساعده عليه عمله كمصور للديكور لعدة سنوات لدار الأوبرا.. وهو يحسن كذلك تسليط الأضواء على العناصر المعمارية من خلال الفجوات المشمسة مقتحمة القمة الزرقاء المشبعة بلمسات يسقطها الفنان فى ثقة شديدة بغير تردد أو تلعثم برغم ما تحمله من لكنه أجنبية .. ولقد عاونته قدرته الفائقة ومهارته الحرفية ولياقته اليدوية وسرعة الأداء على التقاط حركات الناس والدواب وهى تنساب بين الدروب والأزرقة والأسواق المزدحمة ويطلقها فى لمسات سريعة تحكى عن المناخ الذى تنفرد به هذه الأحياء التى تقف على هامش القاهرة الحديثة.
- غير أنه من الخطأ أن ننسب أسلوب ` البنانى ` إلى المدرسة التأثيرية انطلاقاً من لمساته المرتعشة العصبية وبصماته النابضة غير المتأنقة ..ذلك لأن ألوانه لا تخرج فى مجموعها عن فصيلة محددة تتكرر فى جميع اللوحات بلا استثناء غير عابثة بالتغيرات اللحظية . والفروقات الضوئية الطفيفة التى تطرأ فى كل لحظة يعينها . وهى لحظة لا تتكرر.. الحقيقة هى ذلك الثوب اللونى الذى يخلفه الضوء المتغير على الطبيعة فى لحظة بعينها .. وهى لحظة لا تتكرر ..لها لحنها ورداؤها الذى تظهر به فى مهرجان الضوء المتجدد بعدد لحظات النهار .. وأصدق وصف يمكن أن يوصف به أسلوب ` البنانى ` أنه أسلوب تسجيلى يتسم ديناميكية اللمسة وطزاجة الانفعال وبراعة الأداء ..وهى قدرة تحتاج إلى تدريب شاق وإحكام التصويت لكى تحتفظ بطزاجتها ونضارتها وحيويتها .. وهى كذلك عوامل تبهر العين دون أن تتخطاها إلى ما هو أعمق .. إنها ألحان خفيفة يطيب للأذن سماعها بعد وجبة دسمة من السمفونيات الملحمية الثقيلة الوطء.
بقلم : حسين بيكار
من كتاب أفاق الفن التشكيلى
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث