`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمد الشعراوى عبد الوهاب

- خزاف مصرى أصيل عاشق للطين منذ بداية حياته الفنية وقد شارك فى النهضة الخزفية المصرية المعاصرة وهو يتجه نحو الانفرادية فى ابداعاته واتخذ من آيات القران الكريم تكوينات بنائية تساعد على التطهر والسجود للخالق جل شأنه .
- نغمة تشكيلية بديعة وروحانية تصدر من تشابكات حروف الآيات الكريمة فيها الايمان والصدق والمحبة .
- أعماله الخزفية بنايات معمارية لآيات الله الحكيم وتعبر عن صدق الرؤية وجمال الإيقاع وموسيقى التوحيد لله الخالق جل شأنه.

أ.د / رمزى مصطفى


- أحيانا يبدو لى أن الكتابة عن الفن والفنانين شىء ليس باليسير.. وأحيانا أخرى يملؤنى الحماس والرغبة فى الكتابة عن فنان وفنه بدافع صداقتى الحميمة له وتقديرى الشخصى لأعماله الفنية، أو ربما يكون الدافع أكثر بقليل من حيث شخصية الفنان الإبداعية والإنسانية ورصيده المميز،غير المسبوق فى مجال تخصصه .
- وشيخنا المبدع ( محمد الشعراوى عبد الوهاب 85 عاماً ـ مواليد السنطة غربية 1916 ) الذى التقيته أول مرة وكانت البداية الحقيقية لمعرفتى به كفنان وإنسان عزيز إلى نفسى، كان فى واحد من معارضه الخاصة بقاعة الدبلوماسيين الأجانب بالزمالك فى منتصف السبعينات عندما كنت وقتها طالباً فى كلية الفنون الجميلة بالزمالك، ومنذ تعرفت عليه فى تلك الفترة وعلى مدى خمسة وعشرين عاماً وإلى الآن بعد أن توطدت علاقتى به أكثر أجده لم يتغير كثيراً اللهم إلا فى ملاحمه وصحته التى تغيرت بفعل تقدم العمر وسريان الزمن… ورغماً عن ذلك فهو مازال يتمتع بخفه ظل وروح سمحة مرحة ووجه بشوش وقلب نابض طيب.. بل وحماس لا يكل ولا يمل من العمل.. هذه الخصال الجميلة التى يتحلى بها ذلك الرجل وغيرها جعلتنى وتجعلك قريب منه وتود أن تأنس بصحبته وتدردش معه وتسمع منه قصصه الحياتية الشقية وخبرات السنين التى أكتسبها وأصقلته كإنسان وفنان مبدع قلما تجد مثله فى زماننا. وحتى نتعرف سويا أكثر على ذلك الفنان القدير، لنا أن نعرف أنه ولد يتيم الأب والأم رباه عمه حتى أكمل تعليمه العالى بمدرسة الفنون التطبيقية قسم ( الخزف والقشانى ) الذى تخرج منه عام 1935 ثم عمل منذ تخرجه حتى عام 1963 بوزارة التربية والتعليم حيث تدرج خلال تلك الفترة فى مختلف الوظائف التعليمية بالتدريس فى المدارس الابتدائية فالثانوية ثم مفتشا للتربية الفنية والدراسات العلمية لفن الخزف بالتعليم الثانوى.. بعدها انتقل إلى وزارة الثقافة عام 1965 فى زمن ` د.ثروت عكاشة ` حيث تولى رئاسة قسم المعارض الخارجية بالتبادل الثقافى.. وفى عام 1967 سافر إلى اليمن الديمقراطية الشعبية كخبير فى إدارة الفنون الجميلة والمعارض الخارجية لمدة أثنى عشر عاماً حتى أحيل إلى التقاعد وهو هناك وعاد بعدها إلى القاهرة ليتفرغ تماما للفن وإقامة المعارض الخاصة والمشاركة بأعماله الفنية الجديدة فى المعارض الجماعية فى مصر والخارج أما أين يعيش الفنان الشعراوى حاليا وكيف يعمل؟ فذلك جانب آخر من سيرة حياته الذاتية لنا أن نعرفه. فهو يعيش مع زوجته فى شقة صغيرة من حجرتين وصالة ومنافعها حوالى 60م2 بمدينة 6 أكتوبر فى الدور الثالث. حجرة منها حولها إلى ورشة عمل ( استوديو ) ليعمل فيها وهذه الحجرة أو (الاستوديو) مليئة بالقطع الخزفية المختلفة القديمة والحديثة الإنتاج بل أكثر من ذلك أن باقى القطع الموجودة داخل صناديق من الكرتون ليحفظها فى أمان .
- ووسط هذا الحشد المتناثر من الأعمال هنا وهناك يمضى الفنان فى عمله بهدوء معظم أوقاته يرسم ويشكل خزفياته النحتية وما أن ينتهى من بعضها يبادر بنقلها على عربة خاصة إلى مصر القديمة لحرقها هناك فى إحدى الأفران التقليدية الخاصة بالفواخير، وبعد إتمام عملية الحرق يعود ثانية بها إلى منزلة ليحفظها استعداداً لمعرض قادم .
- وعند زيارتى له بين الحين والآخر ـ لأن مرسمى قريب منه جداً ـ للسؤال عن أحواله والاطمئنان على صحته أجده كعادته يستقبلنى بابتسامة حانية وروح أبوية رقيقة مرحباً بى فى داره ثم يسألنى هو بدوره عن أحوالى أنا وأبنائى وفنى.. وبينما أنا جالس معه أتحدث إليه لا تبارح عينى تلك القطع الجميلة الموجودة من حولنا فى كل مكان ..وقبل أن أسأله عن آخر أعماله أجده قد نهض فجأة وتحرك ببطء شديد نحو الأستوديو أو الحجرة المجاورة ويطلب منى أن آتى إليه ليرينى أحدث إنتاجه وأثناء مشاهدتى لأعماله، قطعة بعد قطعة أجده ينظر إلى ويتفرس وجهى ليعرف انطباعاتى ..وانطباعاتى أظنه يعرفها جيداً . فأنا أقدر أعماله وأتذوقها جيدا لكن مشاعر الفرح الحقيقة يمكننى أن أستشعرها ببساطة وهى ترتسم على وجهة (الطفولى) وفى صوته.. أنه سعيد بإنتاجه ولم لا هذه لحظة فارقة فى حياة الفنان المبدع .
- اسأله مشيراً بأصبعى إلى أحد القطع الفنية ما أسم تلك الآية القرآنية ؟ يرد قائلا : `هذه آيه الكرسى وتلك آيه الرحمن وذاك آيه من سورة البقرة .. الخ ` استطرد، لماذا لا تدون أسماء الآيات وكافة البيانات الخاصة بالعمل على ورق لاصق وتضع كل ورقة أسفل القطعة الفنية كنوع من التوصيف الكامل للعمل وفى نفس الوقت تيسر على المتلقى قراءة نص الآية باعتبارها ( موضوع جمالى )، مثلما يفعل بعض الفنانين حين يضعون عناوين لموضوعات أعمالهم إلى جوار العمل الفنى نفسه لييسروا على الزائرين للمعرض فهمها .
- أومأ برأسه لى مؤيدا اقتراحى ثم استطرد قائلا : ` أنا فى الواقع ـ أحيانا لا أرى ضرورة لذلك حتى لا ينشغل المتلقى بنص الموضوع على حساب القيمة التشكيلية والبنائية ويظن أنى خطاط أو حرفى.. أن أحد وسائلى فى التشكيل هو ( الطين ) الذى أحاول من خلاله أن أجسد المعنى النفسى والروحى لكلام الله عز وجل من خلال التقنيات الجمالية للخط العربى القديم `. الذى كان أحد وسائل التدوين اللغوى .. وكان إشارة ورمزاً أبجدياً من التواصل فى الفكر اللغوى ومن ثم تطور عبر الإبداع التجويدى الذى مر به فى الحضارة الإسلامية بداءا من اليمن إلى الحيرة .. ومن الحيرة إلى أهل الطائف فى قريش .
- والشعراوى هنا لم يقف عند الجانب اللغوى للأبجدية باعتبارها الوظيفى فى تحقيق الاتصال الفكرى والتخاطب عن طريق التدوين إنما وقف إلى جانب ـ الاثنولوجى ـ وما تحمله العلامة نفسها الحرف أولاً ثم الكلمة والجملة من معرفة أثرية وجمالية وتراثية كتشكيل مقصود لذاته. فى الواقع كان للفترة التى قضاها الفنان فى اليمن منذ عام 1976 وعلى مدى إثنى عشر عاماً كخبير فنون للمعارض الخارجية تأثير مهم على أعماله الفنية ( الفخارية ) التى أصبحت من أكثر الأعمال تميزاً فى السنوات الأخيرة .. يقول عنها `الشعرواى ` : كان لسنوات اليمن تأثير بلا حدود غيرت تفكيرى كلية ، كنت وقتها ساكن فى منطقة جبلية ، وكنت أظن الجبل مكون من طبيعة جيولوجية تشبه الكتابة الغائرة والبارزة كنت أتخيل وأقرأ أشكال من الكتابة، علاوة على البيوت اليمنية فهى أيضا أشبه باللوحات ، لوحة جنب لوحة، وهكذا.. إن واجهاتها تزخر بزخارف ونقوش بديعة مصنوعة من مواد بيئية ومنفذة بأيدى ماهرة .. وأيضا تأثرت بصهاريج المطر نظراً لاهتمامهم بزخرفتها من الداخل . كذلك المساجد .. التراث اليمنى عموماً ..أنا حبيت البلد دى فعلاً، كنت أشوف فيها نفسى بحسى الخاص.. واتعلمت من طريقة عملهم الدولاب الخاص بهم وهى طريقة تختلف عن الدولاب المستخدم عندنا فى مصر .
- ومن يشاهد القطع الصغيرة جداً من ( الأحجار الكلسية أو الطفلية التى التقطها من البيئة الصحراوية اليمنية ويحتفظ بها فى مرسمه يجد أنها قد أوحت له هى الأخرى بأشكالها النحتية المجردة بصياغتها وحلول مختلفة متنوعة .
- هذه الطريقة تسمى المندارة نسبة إلى العامل الذى يعمل على الدولاب يلف هو حولها بدلا من أن يلف هو عجلة الدولاب . وهو يحصل على الطينة من الأرض مباشرة وهى طينة غنية بالحديد والمنجنيز ـ طينة قوية تحتاج إلى درجة حرارة عالية حوالى 100 درجة .
- يعنى ذلك أن البيئة اليمنية والتراث اليمنى العريق بالإضافة إلى خبراته التقنية وثقافته .شكلوا معاً مصدراً حيوياً ملهماً لإبداعاته التى أتخذت أشكالا خطية ذات طابع بنائى، معمارى، تتناهى فيه الكلمات وتتعاظم وتتدرج فوق بعضها البعض من القاعدة إلى القمة كالأهرامات، أو تتجاوز وتتقابل وتتلاحم إلى جانب بعضها بما يشبه البيوت الجبلية .. بعضها يمكن قراءته والآخر يكاد يقرأ. كما يترتب على بناء الكلمات بهذا الأسلوب. سطر فوق سطر أو مصطبة فوق الأخرى ثم تحديد الكلمات بطريقة (الحفر والتفريغ والدمج) أشكالا ذات إيقاعات ومستويات وإبعاد وحجوم بعضها ناتئ والآخر غائر .. ما يشبه العمائر الصرحية ـ شديدة المعاصرة ـ لو شيدت على النحو الذى نراه عليه ـ بالالتفاف حول قطع الأشكال النحتية من الجوانب والخلف نجد أسطح مجردة من أى تفاصيل لنقوش أو كتابات، فقط أسطح ذات مساحات ومستويات غير منتظمة ومتساوية تحددها خطوط انسيابية ومتعرجة وحادة أحياناً.. تلك المعالجة تختلف عن الواجهة (الاربيسكية ) لكنها بالطبع مكملة لها ومتكاملة معها بنائياً وتشكيلياً. وتعمل على تنويع الإيقاع البصرى وموسيقية البناء من إيقاع وهارمونى. وفى نفس الوقت تبرز المحتوى الجمالى للشكل ذى النزعة الإيمائية أنه هنا ` يرفع من شأن (الكلمة) التى مجدها الله سبحانه وتعالى `كما يقول د .ثروت عكاشة و ` نرى فيها عراقة الماضى ولقاء حاضر عزيز العثور عليه .. كما نرى فيها مصر سيدنا الحسين وسيدى الشعرانى وحارة السنباطى وعطر الزمان والمكان الذى يجب أن يجد مكانه فى حياتنا فيرد فيها الروح.. ` هكذا يقول الفنان الراحل ماهر رائف.. أو كما يصفها الخزاف محيى الدين حسين بقوله : ` إنها نموذج للأصالة والتفانى فى الإبداع .. وسيفونية رقيقة مفرداتها تلك الحروف التى نسقت وتداخلت وتشابكت وتباعدت لكى تكون فى النهاية ذلك البناء المسموع المقروء ` .
- يبدو أن فى الطين أسرار لا يعلمها إلا الله ومن يلهمه أياه من المبدعين على الأرض وفى مصر يوجد عدد من الخزافيين الموهوبين الذين لديهم أصابع حساسة يشكلون بها من الطين أشكالا رائعة سواء فى الأوانى الخزفية أو التشكيلات الخزفية ـ نذكر منهم : نبيل درويش، جمال عبود، محمد مندور، جمال حنفى، محيى الدين حسين، طه حسين، زينب سالم، رمزى مصطفى،فتحية معتوق، تهانى العدل، ومرفت السويفى، وغيرهم .. وقبل وفوق هؤلاء جميعا ساحر الأوانى `سعيد الصدر `أول رئيس لقسم الخزف فى مدرسة الفنون التطبيقية والذى يرجع له الفضل فى تمصير قسم الخزف وتعلم الكثير على يديه . هذا الرائد ` الصدر ` تعلم منه ` الشعراوى ` الكثير من أسرار الصنعة عندما كان طالبا فى أوائل الثلاثينات ويصفه بأنه من الجيل اللى مش راح يتعوض .
- هؤلاء جميعا وغيرهم شكلوا ملمحاً أصيلا لفن الخزف فى مصر . وفى ظل هذا المناخ الفنى والإبداعى كان لابد للشعراوى أن يشارك فيه ويتفاعل معه وينتج هو الآخر أعماله المتميزة . وكى نعرف أكثر عن بدايات الشعراوى مع الخزف ومراحل تطوره كان لابد من العودة إلى الوراء قليلا زمن أواخر العشرينيات تقريباً إذ يقول عنها الفنان : بداياتى مع الخزف لم تكن واضحة، ولا كان عندى فكرة يعنى إيه خزف، ولا ممكن أكون خزاف فى يوم من الأيام ..أصل الفنون التطبيقية كانت فى الحمزاوى عند سيدنا الحسين. أمضيت سنتين فى الثانوية للحصول على شهادة الكفاءة لأنى كنت بحب الفن عموما . بعد السنتين دخلت مدرسة الفنون التطبيقية ولم يكن أمامى من خيار سوى دخول قسم الخزف والقيشانى أو قسم النقش والزخرفة وكان قسم الخزف قد أنشأ جديداً فاخترته . أما عن باقى الأقسام الأخرى مثل ( النسيج والنجارة والصياغة والميناء والنحت فلم يكن لى خيار فى أى منها لأنها كانت لأولاد الناس. المهم التخرج عام 1935 اتعينت فى مدرسة خاصة اسمها مكارم الأخلاق فى شبرا اتخرج منها عدد من تلاميذى الذين اعتز بصداقاتهم هم : عادل مراد الأمين الأول فى رئاسة الجمهورية أيام الرئيس جمال عبد الناصر ومن الفنانين إسماعيل طه ونبيل راشد وفؤاد تاج .. أمضيت عامان فى مدرسة مكارم الأخلاق وكنت أدرس وقتها مواد تربوية وليس خزف على وجه التحديد ، ثم انتقلت بعدها إلى التربية والتعليم ثم وزارة الثقافة ثم سافرت إلى اليمن بعد ذلك وهكذا .
- خلال تلك السنوات أنتج العديد من القطع الخزفية من بينها ( الآنية الخزفية ) التى هجرها إلى غير رجعة ـ نتيجة اقتناعه ـ فى منتصف الستينيات بأنها قالت كل ما عندها ولم يعد لديها ما يمكن أن تضيفه وتتجاوز التناول التقليدى له .. ومن ثم انصرف إلى تشكيلاته الخزفية لأنها اكثر اتساعاً وتعبيراً فى التناول وكانت أولى محاولاته التجريبية كلمات ( الله ، محمد رسول الله ، الله أكبر .. ) ثم تحولت ( الكلمة ) إلى (جملة تشكيلية ) ثم ( جمل إنشائية ) فى البدء كان يستخدم الطلاء اللامع ( الجليز ) والأكاسيد اللونية فى تلوين بعض قطعة الخزفية لكن ابتعد تدريجيا عن هذه الطلاءات البراقة التى كثيراً ما تخفى اللمسات الساكنة الهادئة فى التكوينات الطينية . كى يقدم لنا رؤيته الإبداعية الخالصة فى تلك الآيات والحكم والدعوات ذات الإيمان العميق .. كان الحرص من ذلك العودة إلى إستلهام الأصول الحضارية والجمالية للخط العربى وللعمارة العربية الإسلامية ، لإعلاء قيمة النص القرآنى وتأصيل التجربة فى قالب معاصر .
- يذكر أن هذه الحقبة من السبعينيات والثمانينيات شهدت تياراً فنياً متنامياً من ( الحروفيين ) العرب فى كل إنحاء الوطن العربى ومصر بخاصة خلال هذين العقدين بسبب الظروف السياسية والاقتصادية التى أعقبت هزيمة 1967 والتغيرات الاجتماعية التى ترتبت على ذلك نتيجة سياسة الانفتاح الاقتصادى وسفر أو إعارة الكثير من المواطنين المصريين إلى الخليج العربى وأعنى على وجه التحديد الفنانين، وكذلك بزوغ تيار دينى إسلامى متطرف .. هذه الأسباب وغيرها .. غيرت من مفهوم البعض لرسالة ووظيفة الفن وأصبحوا يستخدمون الخط فى تشكيل وصياغة موضوعات أعمالهم .. غير أن هذا التيار ما لبث أن تراجع بتغيير الظروف وظهور تيار حداثى (مشاغب) . والفنان الشعراوى يعتبر واحد من بين أولئك ( الحروفيون ) الذين حملوا لواء الحرف والكلمة والزخرف اللونى واالتجريد الغنائى على اعتبار أنه إحياء لفن ( عربى إسلامى ) من بين هؤلاء الفنانين المعروفين نذكر منهم : أحمد ماهر رائف ، خميس شحاته، عمر النجدى، عبد الحميد الدواخلى، حسين الجبالى، كمال سراج، محمد رضوان حجازى، فتحى جودة، يوسف سيده وغيرهم . ولو أن الشعراوى ظل حالة نوعية، فريدة إذا استطاع أن يحول مشاهداته المرئية لعناصر الأشكال الطبيعية إلى تصورات ذهنية يضمنها معنى جدلياً يستمده من الخيال الإنسانى فإذا ما كانت الوحدة الزخرفية والأرابيسك والكتابة ترمز لفكرة ما ومعنى ما فى الفن الإسلامى فإن صياغة هذه العناصر المتنوعة على نحو بنائى بالطين ترمز هى الأخرى إلى معنى جمالى صوفى النزعة هذه الأشكال البنائية تتخذ منظومة شعرية متكاملة ذات إيقاع موسيقى ( دينامى ) تصعده إلى مستوى روحى رغم ما قد يبدو فى ظاهرها أنها منظومة ( استاتيكية ) .
- يعنى هذا أن جوهر الدينامية الجمالية لأشكاله التجريدية ينبع من تحويل المرئى والمقروء إلى حالة جديدة . حالة ( الشكل الأمثل ) القائم على العلاقة بين الطبيعى والإنسانى، الظاهر والخفى ، السكونى والحركى ، وعلى آلية التكرار والتماثل والترديد ، والتسلسل الحلزونى المتصاعد للحروف والكلمات ..إنها رؤية إبداعية تمثل حالة توظيف هذا التنزيه والتوحيد كعقيدة دينية أى كصيرورة إنسانية تؤمن بأن الحياة الدنيوية يمكن أن تنطوى على التفكير بالحياة الأخرى فى نفس الوقت .
- أن الظروف الصحية غير المستقرة التى تلاحق الفنان الخزاف `محمد الشعراوى` بين الحين والآخر، وتوقفه عن العمل لأيام طويلة، تجعله يشعر بالحزن الشديد إلا أن إيمانه العميق بالله، وبالفن، يجعلانه قادراً على تجاوز الألم للحظات ليواصل تسابيحه الإيمانية الإبداعية بذكر الله ورسوله ليظل ممسكا باللحظة الفارقة، الخالدة، من حياتنا القصيرة الزائلة .
د. رضا عبد السلام

الزمان يتوقف عند ليلة هى خير من ألف شهر
ليلة من الدعاء والتوسل إلى الله العلى العظيم .. وقراءة القرآن الكريم وصلاة الليل فى خشوع .. هى متع روحانية لا تضاهيها متع تجتمع فى أى زمان أو مكان إلا فى بيت الله الحرام المكان ..وفى ليلة القدر الزمان.
ومن الصعب أن نجد لوحات فنية تضاهى تمثل هذا الصفاء الذى يتشعب فى روحنا شوقا فى معايشة ما فى هذه الليلة من نور يملأ القلب . ولكن ولهذا العمل الفنى الفخارى أمامنا خصوصية أنه قد جسد فيه الفنان الخزاف الراحل محمد الشعراوى الحروف والكلمات فى بناء مادى متماسك لسور ` الفاتحة ` و ` المعوذتين ` و ` القدر ` .
وقد نفذها بخامة الطين وتحديداً من الفخار المحروق وهى نفس خامة أجسادنا الطينية الحية داخلنا . لكنها هنا بأحرف وكلمات وبحس فنان صوفى عاشق مسبح باسم الله العظيم والذى قدم بأعماله الفخارية عشرات التكوينات من آيات القرآن الكريم وذكر الله والتسابيح والصلاة على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) .
وهذه القطعة الفخارية نراها مرئية .. وهاتان اللوحتان أمامنا التى يجلس فيها إنسان بسيط يقرأ فى كتاب الله وفتاة صغيرة تقرأ فى أحد كتب التفسير المبسط نستشعرهما مسموعتين بهمس الفتاة ونطق القارئ
ومجاهدته القراءة الصحيحة وهذا ما نلمسه من طريقة إمساكه لكتاب الله وانكفاءة وجهه كأنه يلتقط كل حرف حتى لا يخطئ وضعه فى مكانه الصحيح واللوحة بعنوان قارئ القرآن للفنان الأرمنى المصرى يرفان دمرجيان الذى أقام فى القاهرة لأكثر من أربعين عاما وليرسم لوحته بواقعية وتأثير إن قوة ضربات فرشاته علها تكشف عن قوة الطاقة الروحية لدى قارئ القرآن رغم بساطته الخارجية إلا أنه معايش لكل حرف ومعنى فى انهماك وتركيز كاملين وقد ساعدت لمسات اللون الأحمر فى اللوحة فوق الأزرق فى نشر حالة من الدفء .
أما لوحة الفتاة القارئة فهى للفنان المستشرق البريطانى فريدريك ليجتون وقد رسمها عام 1896 مستغرقة فى القراءة وقد أحاطها بجو شرقى ناعم ويمكننا استشعار قدر راحة الفتاة فيجلستها واستسلامها الكامل لما تقرأ وبتركيز عينها فى انتباه كامل وفى نفس الوقت فى تعبير بسيط .. وقد اهتم الفنان باستحضار روح الشرق فازدحمت لوحته بالنقوش الشرقية وزخارفها وإحاطتها للفتاة وقد جعل مسند كتابها منفذ فى رفاهية وجمال يوحى برفاهية الأجواء الشرقية .
أعود للفخارية الرائعة الممتدة إلى الجانبين كأجنحة ممدودة فى رشاقة وجعل قطعة الخزفية تنتهى عند قاعدتها بختامها : ` سلام هى حتى مطلع الفجر ` صدق الله العظيم .
وهذه الخامة التى هى خامة أجسادنا وهذه الكلمات الشريفة محفوظة فى القلب لتمتد عبرنا نحن الحمأ المسنون من سلالة لأخرى بمعناها الصوفى اللانهائى .
وهذه اللانهائية تدركها فى خامة الأرض التى لم تتغير منذ بدء الخليقة والكلمات الشريفة وهى كلمات الرحمن النورانية التى تمتد فى الكون وتحيطه إلى ما بعد فنائه .. وقد ساعد على هذا أن لم يجعل الفنان لفخارياته حدودا .. كخطوط هندسية حادة بل تركها مفتوحة بحرية وطلاقة ممتدة إلى الخارج .. وأيضا هذه السورة الرائعة لليلة مقدسة رائعة مستمرة ولا ندرك من أسرار هذه الليلة الكثير .. فمع امتداد الزمن كامتداد الكلمات تتكشف كل أسرار الكتاب الشريف بإعجازاته وروحانياته الممتدة عمقا فى الزمان والمكان .
بقلم / فاطمة على
مجلة أخر ساعة - سبتمبر 2010
كلمات مجسمة
- يجوز أن نصف الفنان بأنه ` أكواريلست` أى يرسم بالألوان المائية` ` أو` باستيليست `أى يستخدم الباستل` أو الطباشير الملون. نسبة الفنان هنا إلى ` الخامة ` تتضمن أنه رسام لكننا لا نسمى ` فنان الآنية ` خزافا لأن كل من يعمل فى حقل الخزف ` خزافا ` سواء كان نحاتا أو صانع أدوات كهربائية وصحية وأكواب وفناجين لذلك يستخدم- المؤرخون والمعلقون والنقاد الفنيون فى العالم المتقدم إصطلاح (فنان آنية) لتحديد مبدع الأوانى الخزفية الجمالية- غير التطبيقية النفعية.
- محمد الشعراوى عبد الوهاب واحد من الجيل الأول الذى تخرج على يد الصدر فى الفنون التطبيقية سنة 1935. خرج عن ` فن الآنية ` سنة 1968 وتحول إلى النحت الخزفى فاتحا ميدانا مبتكرا فى ` النحت الإسلامى`- إن صح التعبير. ناقلا آيات القرآن الكريم من الورق والجدران والمسطحات بما فيها النحت البارز إلى الشكل المجسم. مضيفا لغة الكتلة والفراغ.. والظل والنور.. والحيوية والحركة الديناميكية.. واللون، إلى الإيقاع والتوافق والتكوين الموسيقى.
- إنبثقت فكرة نقل `الآيات` من صفحات الورق إلى كتلة الصلصال مع رحلته إلى `جمهورية اليمن الشعبية` سنة 1974 أعير لينشئ قطاع الفنون الجميلة للدولة فكان أول اغتراب إلى بلد عربى لنا به وشائج دينية وتاريخية فضلا عن البيئة الفطرية البسيطة المنعكسة على البيوت والجبال وطبيعة الحياة الاجتماعية القبلية، سافر قبل ذلك فى مهمات إلى ألمانيا الشرقية والغربية والمجر وتشيكوسلوفاكيا والنمسا وسويسرا.. لكن هذه الرحلة دفعته إلى مزيد من `التدين` خاصة بعد أن طالت ساعات الوحدة وأيامها نوع التصوف ساعده عليه تقدم العمر وإحساس بالقرب من الله بالإضافة إلى الوحشة التي استشعرها فى بعده عن الأهل والزوجة والأبناء فى بداية إقامته. أحس بالحاجة إلى الاحتماء بقوة عليا وجدها تبرز له من بين سطور المصحف الشريف وكلماته.
- تذكرنا تماثيل شعراوى التصوفية.. التى واتته فكرتها فى ذلك الجو المفعم بالغيبيات، بكلمات الخطاط الذى قال: إننى أرى وجه الله وأنا أكتب حرف الهاء فى كلمة :`هو` من الجدير بالذكر أن معظم الخطاطين العظام فى تاريخنا كانوا متصوفين هذا الإحساس الخفى الشفيف خلع وشاحا سحريا جذابا على مخطوطات شعراوى المجسمة .إلا أن النزعة الصوفية التى تغمر فناننا تمتد جذورها عميقة إلى الأيام الأولى من حياته. البيئة الدينية التى عاش فيها منذ أن فتح عينيه على نور الدنيا. توفيت والدته وهى تهبه الحياة في عشرين أكتوبر 1916، فى قرية `كلا الباب` مركز السنطة غربية من أعمال طنطا التي وهبت شعبنا نخبة من صفوة الفنانين. في جميع الميادين تركها طفلا بعد عامين إلى بيت أبيه رجل الدين - فى باب الشعرية بالقاهرة . لكنه لحق بزوجته وفناننا الطفل لم يبلغ الخامسة بعد. فكفله عمه إمام مسجد الشعرانى.. بيئة دينية وأسرة لا شغل لها سوى الصوم والصلاة... وقراءة القرأن وإقامة الفروض والنوافل والاحتفال بالمواسم سافر إلى جدته فى القرية كل صيف... يلعب على شط الترعة ويصنع تماثيل الطين كما كان يفعل نحاتنا الراحل محمود مختار فى طفولته.
- فى ` كتاب` مسجد الشعرانى أو` الشعراوى` حفظ نصف صور القرآن. ومن غريب الصدف أن رفاق الحى كانوا يضمون نحاتناً الراحل : جمال السجينى.. والفنان : سيد عبد الرسول حين ترك الكتاب والمدرسة الأولية من بعده، التحق بمدرسة السلحدار الابتدائية بحى باب الفتوح فى سن الحادية عشرة حيث كان الرائد الصدر فى السنة الرابعة بنفس المدرسة كأن الأقدار رتبت لهما تعارفا مؤقتا قبل أن يلتقيا فيما بعد.
- لم تكن التشكيلات الخزفية ذات المضمون الدينى فكرة طارئة للشعراوى عبد الوهاب أفكار كامنة فى أعماقه تحينت الفرصة للخروج والتجسد والتعبير عن نفسها.عشق الصلصال منذ طفولته الباكرة لعب بالطمى على شط الترعة وشكل تماثيل الأشخاص والحيوانات من البلاستسين في حصص الأشغال اليدوية فى المدرسة الابتدائية وحين التحق بالفنون التطبيقية سنة 1931 ساقته الظروف إلى قسم الخزف دون إختيار كانت أقسام النسيج والنجارة مخصصة لأبناء أصحاب النفوذ وبطاقات التوصية. أحب التشكيل الحر منذ طفولته وكره حصص الرسم فى الابتدائى لأن المدرس يطلب رسم القلل والمكعبات باتباع قواعد المنظور. كان يعلق الأشياء فى سقف الحجرة على لوح خشبى يهبط ويعلو بأسلاك خاصة، حتى يرسم الأطفال والقلل والمكعبات فوق وتحت مستوى النظر. هكذا شب شعراوى يكره الرسم ويرفض التقيد بأشياء لا يحبها. كانت حصص الأشغال اليدوية تنسيه طعامه وشرابه إحتفظ فى جيوبه بأعواد القش والكبريت والسلك والمسامير يستخدمها عند الحاجة كأيد وأرجل لتماثيل الأشخاص والحيوانات التى يصنعها فى حصص الأشغال.
- ` الملك` ..` القدوس` ..` السلام`.. ` الله نور السموات والأرض` أسماء الله الحسنى ومختارات من القرآن الكريم مجسمة. مزججة أحياناً فخارية أخرى. تكوينات معمارية بنائية كأنها المعابد المشيدة إيقاعها كالتسابيح حروفها رموز تتكلم تشع قداسة وحكمة. يحسها المتلقى تسرى فى بدنه قشعريرة إجلال تخطر على باله أفكار مضيئة. تتراقص أمام عينيه أنغام ملموسة.. مثيرة جذابة ` إياك نعبد` إقتناها المركز الثقافى الألمانى. ` الله` إقتناها المتحف الفرنسى حين عرضها فى باريس سنة 1979. أسلوب مبتكر فى الإبداع ليس نحتا فى الصلصال. تشكيل بالشرائح والحبال والضغط تصميم بنائى يوحى بالعظمة والجلال لا عمل لفناننا فى اليمن سوى التشكيل. بيته هو ورشته الفرن فى الحديقة. يغترف الطين من أرضها مباشرة يجففه وينخله ينقعه ويصفيه. ثم يجففه إلى المرونة المطلوبة يشكله بعد ذلك ويحرقه حتى يتماسك ويتحمل السفر بالطائرة إلى القاهرة. حيث الإنضاج النهائى فى حرارة تبلغ درجتها 1350 مئوية.
- فناننا حر تماماً فى تشكيلاته سواء كانت أوانى على الدولاب.. أو بنائيات يدوية. لكنه ليس حرا من حيث الصنعة والخامة. إختياراته تكاد تنعدم في كل من نوعية الألوان والطين ودرجات الحرارة والتصميم الزخرفى السطحى. مصنع معين فى حى مصر القديمة بالقاهرة يستعين به شعراوى فى إنضاج إبداعه. يعد تشكيلاته وألوانه وطيناته بما يناسب درجة حرارة الأفران التى تشتعل بالمازوت أو تعمل بالكهرباء. لا وقت لوضع تصميمات على السطوح وتلوينها. لون واحد فقط.. أو مجرد فخار بلون يفرضه نوع الصلصال. يقوم بالطلاء الزجاجى فى المصنع مباشرة بعد الإنضاج... فى نفس اليوم يحضر` المشغولات ` من المنزل بالسكاكينى إلى المصنع بمصر القديمة `بضعة كليو مترات` فينكسر بعضها .ثم يعود فينكسر بعض آخر. يفقد ثلث إبداعه فى عمليات النقل. لذلك يختصر العمل ويبسطه إلى أدنى حد. هكذا وضع شعراوى كل مهاراته الفنية وقدراته الإبداعية فى `التشكيل البنائى` و` التصميم ` و ` الفورم أو القالب` . لايهتم بالسطح كزخارف وملامس وألوان وأساليب إخراج خزفى. لا يعنى باستحداث خلطات طينية لاستخراج أشكال معينة، وإجراء تجارب فى درجات حرارة مختلفة. كان بسيطا فى طيناته وألوانه.. يعتمد فى ` أوانيه` على نحت السطح بتصميمات خلابة جذابة مثيرة . بلون واحد في معظم الأحيان.
- بدأ شعراوى مشوار `الأوانى` سنة 1946 بعد عشر سنوات من تخرجه فى قسم الخزف بالفنون التطبيقية. عمل مدرسا فى `مكارم الأخلاق الابتدائية الخاصة` بشبرا والعباسية طوال هذه المدة. لم يشاهد خلالها قرصا دوارا ولم يقرب الصلصال إلا على طريقة الأشغال اليدوية. طريقة الشرائح والحبال الطينية وتركيبها بالبناء والضغط نفس الأسلوب الذى عاد إلى إستخدامه بعد أن هجر فن الآنية. نقل سنة 1946 إلى مدرسة العباسية الإبتدائية الأميرية حيث الفرن.. والصلصال .. والدولاب الدوار.. وبداية المشوار طوال إثنين وعشرين عاما متوالية لم يبتعد شعراوى عن الفرن والطين والدولاب. إستعاد خلالها تعاليم أستاذه : سعيد الصدر.. الذى تتلمذ عليه أربع سنوات `1931- 1935` فى الفنون التطبيقية. تعلم تجهيزات الصلصال والسوائل الزجاجية، الأكاسيد والتفاعلات الكيماوية من كلمات الأستاذ وهو يشرح خفايا التراث في المتحف المصرى.. والقبطى.. والإسلامى. وصحبته فى الزيارات الأسبوعية لحديقة الحيوان والتخطيطات السريعة .عشق الرسم أيامها بعد أن كان يكره لون البذلة التى يرتديها مدرس الرسم.
- تردد على الفسطاط حيث ` الفواخير` أنضج إنتاجه وإنتاج تلاميذه هناك وقضى أياما يتأمل ويتعلم ويستزيد. تتابعت الشهور والأعوام حتى بلغ الإبداع ذروته بين 1962 و1965. إنتدب حين ذاك إلى المعسكرات الصيفية لشباب الفتوة. وفرة فى الطين والأكاسيد. فرن جاهز ووقود. ثم تاريخ ميلاده الثانى كفنان آنية فى عام 1965 . معرضه الأول فى نقابة الصحفيين بالقاهرة . صادف نجاحا واسعا. تسلطت عليه الأضواء. رحب المعنيون بالفنون الجميلة بالنجم الجديد وإقتنت وزارة الثقافة عشرا من أوانيه المعروضة. كانت أوانيه ذات مذاق خاص. إختلفت عن كل ما يقدم فى المعارض العامة والخاصة أطلق عليها أسماء محددة `خرشوفة` .`بإذنجانة` ` كوز الذرة ` واضح أنه كان يستلهم الطبيعة فى تشكيلاته. مخروط بارتفاع عشرين سنتيمترا بلون برتقالى تنتظمه بروزات متلاصقة كحبات الذرة . كرة منبعجة تتجاور على سطحها بروزات كفصوص البرتقال لكنها فى لون الباذنجان حفر على كل فصل ما يشبه فرع النبات. قد يبدع آنية ضاق خصرها وتفتحت فوهتها فى رشاقة كالزهرة فى جدارها عيون تتأمل المتلقى على خلفية من الطلاء الزجاجى فى لون الرمال. لم يقنعه القالب أو الفورم ` الخط الوهمى المحيط بالآنية. نسبة الأرتفاع إلى الأقطار الوهمية المتقاطعة مع المستوى الرأسى. حفر سطح الآنية بوحدات زخرفية واستخدام لونين أحيانا.
- كان يهوى إستكمال التشكيل بعيدا عن الدولاب والواقع أنه لم يستمرئ العمل عليه فى يوم ما حتى عام 1968 حين ذهب إلى أوروبا لأول مرة بصحبة معرض الخزف المصرى المعاصر: شاهد فى متحف `براغ` تشكيلات فنية مستحدثة ومداخل تكنيكية ورؤى جديدة. تأمل العمارة بأنواعها. الشوارع والمدن الشعوب وفنونها. عاد بأفكار ومفاهيم كانت كامنة فى أعماقه شجعتها الخبرة الجديدة على التجسيد والظهور. ترك ` الدولاب` بلا رجعة بنى أونيه بطريقة غير منتظمة لا تتحكم فيها الاستدارة. جدران سميكة تسمح بالزخرفة البارزة. لم يجمع بين إبداعه الجديد والأوانى سوى أن له فوهة وقاعدة. إنصرف إلى التشكيل الحر بالضغط على شرائح وحبال الصلصال إزدادت أوانيه الجديدة حجما واتسعت سطوحها الخارجية لتفسح مجالا للزخارف البارزة. تطور به الأمر إلى التشكيل اليدوى التجريدى كخطوة حتمية تالية. تكوينات جمالية بحتة. قوامها علاقات الكتلة بالفراغ. وردد قولا وكتابة :أن الإناء قال كل ما عنده.. وعلى الفنانين الخزافين أن يبحثوا عن رؤية جديدة فى هذا المجال .. ويتركوا الإناء للمصانع!!
- لا ينبغى أن نترك عباة كهذا ونمضى فى حديثنا.علينا أن نؤكد أنها رأى خاص لفنان فى فن آخر لا يمارسه. لا يجدر بنا فى هذا السياق أن نغض الطرف عن كلمات: سعيد الصدر - باعث فن الآنية فى الشرق الأوسط فى القرن العشرين . يقول: `بدأت طريق فن الآنية وهو ممتد لا ينتهى`.
- نفس عبارة عظماء الفنانين مثل الفرنسى: بول سيزان - أبو الفن الحديث فى عصرنا قال. ` فتحت الباب فحسب` وكما نرى اليوم الرسامين الملونين يسترشدون بالأضواء التى نشرها سيزان، نرى فنانى الآنية يستنيرون بدورهم بأفكار ومفاهيم وأساليب تعبير كل من: ليتش الأنجليزى.. وحامادا اليابانى.. والصدر المصرى. من هذه المنطلقات الثلاثة شاهدنا الخطوات الجديدة المبتكرة التى حققها نبيل درويش. الإناء الذى قال ما عنده هو إناء الشعراوى. لذلك تركه وانصرف إلى فن جديد. التشكيل النحتى فى الصلصال ثم تحويله إلى خزف حين عرض إبداعه المثير فى فرنسا أكد المعلق الفنى بالتليفزيون هذه السمة بقوله: إن أعمال الشعراوى أشكال جديدة فى فن النحت.
- محمد الشعراوى عبد الوهاب فنان من نوع جديد. يتقن إستخدام خامات الخزف فى بناء وإخراج تشكيلات نحتية. مستلهما الحروف الهجائية العربية. يجسم بها آيات كتاب الله فى ثوب تعبيرى مبتكر يجمع بين قداسة المعنى وجمال المبنى وروحانية المضمون. حروفه وكلماته تعبيرات شكلية نابعة من أعماق إيمانه الصوفى. وجماع مهاراته الحرفية وقدراته الإبداعية المتلقى المسلم يستقبل منها رسالة الدين فى ثوب فنى رفيع وتعكس على الذوق الأجنبى نوعا من الطرافة والإثارة والروح الشرقية طالما التقى بها فى عمائرنا الإسلامية. تلك التى دفعت الفرنسيين بعد الحروب الصليبية إلى نقل كتابات عربية على مبانيهم على أنها مجرد زخارف جميلة.
- حين نلتقى بمقطوعات من `بنائيات` الشعراوى.. ندلف بخيالنا بعد لحظة تأمل إلى عالم آخر... ونتجول بأرواحنا فى معبد هائل.
- توافق إتجاه فناننا إلى إبداع مجسماته بالحروف الهجائية مع الموجة العامة التى أكتسحت أوروبا - أمريكا والعالم العربى فى السبعينيات. قبل أن يسافر إلى اليمن 1974، كان يتأهب لتحويل تجريدياته البحتة إلى حروف وكلمات بعد أن ظن بعض الفنانين أنه تأثر بما يجرى فى الخارج توفر له سبب وجيه ليهجر التجريد المطلق كما هجر فن `الآنية` من قبل. تحولت تشكيلاته رويدا إلى هذه الهيئة البنائية المعبدية... التى تسحر اللب.. وتأسر الخاطر.. وتقبض على الفكر.. وتجتذب الأرواح إلى حناياها وأعمدتها وقبابها. لا نمل من تأمل خطوطها الوهمية كلما أدرناها يمنة أو يسرة أو درنا حولها. تراكيب وعلاقات وتنغيمات موسيقية حلل الحروف إلى إستطالات رأسية وأفقية ودوائر وكرات. مع الاحتفاظ بالكلمات كاملة المعنى. لم يتبع فى إبداعه أصولا خاصة بالنسب الذهبية للحرف، حروفه مبتكرة النسب. يختلف شكلها وتعبيرها من تكوين لآخر. ومن معنى لمعنى. يحتفظ فى كل الأحوال بالإيقاع والاتزان... والتوزيع المتوافق.. ومعظم القيم الإستطيقية.
- يوما بعد يوم... إتجه فناننا إلى مزيد من البلاغة الإبداعية. سبق أن تخلى عن البريق المعدنى وزخرفة السطح بالرسم والتلوين. بدأ يستغنى عن اللون الواحد والطلاء الزجاجى مقتصرا على الفخار الخشن بألوانه الكابية المحددة بدرجات البنى. لا ملامس أو حيل جمالية مثيرة لا تدخل فى صلب البناء المعمارى للعمل . مجرد قيم نحتية مهما تعددت الكلمات وطالت الآيات يتخلى عن الألوان حتى لا تطمس فراغات دقيقة يحرص على إظهارها.. لو أنك زرت اليمن وتأملت جبالها المهيبة الرهيبة.. لتبينت الشبه الحميم بينها وبين تشكيلات الشعراوى البنائية. الطبقات الجيولوجية الأفقية تتعرج وتمتد عبر الجبل على مدد الشوف. كأن سيفا عملاقا شطره نصفين تتعرى الشرائح الصخرية المتعددة الطبقات لعينى فناننا كأنها سطور مختلفة السمك على صفحات كتاب الأبد. إنها كلمات الله قال لها كونى فكانت مساحات من الأحجار تترامى إلى بعيد. عروق صخرية مختلفة الأشكال والملامس والألوان.. `بنائيات` الشعراوى تشبه تلك القطاعات .سطور رقيقة وأخرى سميكة.. وبروزات وفجوات أودعها ما تعلمه من الجبل فى بساطة وتقشف وعظمة... وجلال.
بقلم :مختار العطار
من كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر والعالم العربى

- الفنان ` شعراوى ` يدرك بعد تجارب عمر طويل أن الطريق أمام الاناء الخزفى مسدود، وأن الاناء الذى عاصر الإنسان حياته عبر الأجيال قال كل ما عنده . ولذلك يضع نفسه أمام مشكلة ثورية فى مجال تخصصه الخزفى فهو يريد أن يحرر الإناء من مفهومه الوظيفى كوعاء يحتضن الورود أو تجويف يحتوى السوائل ، أو أداة نفع من أى نوع .. إنه يريده أن يستقل من نفعيته ليصبح عنصرا جماليا خالصا . وشكلا معبرا كقطعة النحت تماما ، لذلك يحول خبرته الخزفية كلها إلى مضمار التشكيل الصرف ، فيسد فتحة الإناء ليصبح جسما يحتضنه الفراغ ، وليفصح بكل عناصر الشكل واللون والحجم والبريق والملمس من كل معطيات التمثال .. إن الفنان شعراوى يفتح طريقاً جديداً للنحت الخزفى ، ويضيف لغة تخاطب جديدة إلى لغة التشكيل .
بقلم : حسين بيكار
من كتاب أفاق الفن التشكيلى
تصوف خزفى
- ` المهيمن. المقتدر . العزيز . العليم . القيوم . الغفار . الرزاق . الرحمن . الرحيم ..` بعض من أسماء الله الحسنى تقمصت الحروف والكلمات ، وصارت صفات مجردة تضئ الكلام إذا ما تخللته وتسمو بالنفس إذا ما تزينت بها . وتغمرها بالنشوة إذا ما تكررت ينتظمها إيقاع ثابت ، ينطوى على الشوق والانجذاب، والعشق الإلهى..
- وقد جعل كبار الخطاطين من أسماء الله الحسنى مادة لإبراز براعتهم فى تحسين الخط، وإظهار أجمل الاسماء فى أحلى الخطوط وأروع النماذج التى كانت تحتويها البيوت للتبرك والزينة ، وتجمع لدينا منها رصيد ضخم يعتز به التراث الإسلامى العريق . حيث كان الخط العربى والنقش هو البديل الذى عثر عليه الفنان المسلم لكى يفرز من خلاله ملكاته الإبداعية بدلا من التصوير الذى يعتمد على الشخوص والذى كان يعتبر من المحرمات أو المكروهات .
- ولقد تطور الأمر فى السنوات الأخيرة عندما تناول بعض الفنانين التشكيليين لفظ الجلالة والأسماء الحسنى كعناصر مجردة ، وراحوا يؤلفون منها لوحات تصويرية الأداء ثنائية الأبعاد ، تجريدية النزعة ، معتمدين على ما تصنعه الحروف الأبجدية من تواليف وتفريعات وتنويعات ، وما قد يترسب فى نفس المتلقى مشاعر صوفية ، وبذلك ظهر فى الأفق نوع من التصوير الدينى الإسلامى الحديث يختلف تماماعما يرى فى الكنائس المسيحية ، لعدم اعتماده على التشخيص والقصص وتبجيل الأشخاص ، وإنما على إبراز المعانى الصوفية التوحيدية التى توحى بها الأشكال المجردة والكلمات والحروف فى نسقها التصويرى الجديد ..
- كما يسبح اللسان بالكلمة المنطوقة تصاحبها الأنامل بتحريك حبات المسبحة ، كذلك تسبح العين بالكلمة المرئية المكتوبة وتتلوها فى صمت وتأمل وسكون قلب ، وبهذا يشمل التسبيح مزيدا من الحواس فيتعمق المعنى ويتأمل .
- هذا هو المنطلق الذى ينطلق منه الفنان ` محمد شعراوى ` الذى يعرض فى نقابة الصحفيين 35 قطعة خزفية من أعماله بعد عودته من اليمن الجنوبية التى كان معاراً بها كخبير للفنون الجميلة كلها عبارة عن تسابيح مجسمة ..
- إنه يقصد من هذه التجربة أن يشمل التسبيح مجامع الحواس وأن تشترك حاسة الابصار واللمس معا فى ترديد أسمى الصفات والأسماء .. إنه يريد أن يشرك العين والأنامل فى الذكر المرئى والملموس ، وأن يحول الصفة الالهية من مضمونها المعنوى الغيبى إلى شكل مجسم له قوام وشكل وثقل وملمس ولون وبريق ..
- هذا التسبيح المجسم استطاع أن يحققه الفنان ` محمد شعراوى ` بلغته الخاصة ، لغة الخزف ، الذى حوله من وظيفته النفعية أو الاستعمالية إلى أداة تعبيرية يضمنها أسمى المعانى . فقد كان الخزف ولا يزال يستخدم فى صنع الأوانى والأوعية ذات الاستعمالات المختلفة التى تدخل فى نطاق الفنون التطبيقية لا التعبيرية ولكن الفنان شعراوى ينجح فى توظيف الخزف أو الفخار المزجج فى وظيفة أخرى هدفها التشكيل المجرد والتجسيم الخالص القريب إلى النحت . بل هو بالفعل تشكيل نحتى يمكن أن نطلق عليه نحتا خزفيا . أو تشكيلا خزفيا ..
- وتكتسى مجسمات الفنان ` شعراوى` بطبقة من الألوان المزججة التى ينعكس عليها بريق يختلف باختلاف الأضواء المتساقطة عليها وذلك لغرض جمالى بحت القصد منه تنويع المظاهر .. وأحيانا يتعدى هذا البريق طبقة الاعتدال فيجأر بالصباح فيؤثر على وقاره وجديته وعمقه الصوفى الخافت .. كما أنه يستخدم فى جميع الأحوال أو معظمها أسلوبا واحدا أو متقاربا من الخط ، يتميز بالطراوة والرخاوة التى تفرضها معالجة الطينة أثناء تشكيلها .
- وقد كان من الأوقع الإفادة من معطيات الطرز المختلفة للخط العربى للحصول على مرادفات معنوية للأسماء المختلفة الطبائع والمعانى .. وفى تراتنا أمثلة متعددة توضح ما أقصد . فمثلا يتميز الخط الفارسى برقته ومرونته وانسيابيته بينما يتميز الخط الكوفى بصلابته وصرامته وقوته .
- وهناك بديهة يعرفها الفنان وغيره من الذين يسيرون على نفس الدرب وهى أن للأسماء دلالات رمزية ومعنوية ، وأن للخطوط وللألوان أيضا إيحاءات رمزية ومعنوية وردود افعال حسية وعضوية لا يمكن إنكارها .. ويا حبذا لو استغلت هذه الإمكانات الشكلية فى تأكيد المعانى المعبر عنها ، فيحدث التواؤم والتكامل بين الشكل والمضمون وبين المعنى والمبنى ، ويكتسب العمل الفنى صفته التعبيرية عن جدارة .
- إن بين الأسماء الحسنى صفات ` جمالية ` مثل ` الرحمن .. والغفار .. والمنان .. واللطيف ` كما أن بينها أسماء ` جلالية ` مثل ` المنتقم . الجبار . العظيم . المهيمن.. ` وبينما تتسم الصفات الجمالية باللطافة والرقة والنعومة تتصف الصفات الجلالية بالعظمة والقوة والجبروت .. ولذا يكون من الأوفق فنيا عند التعبير عن الاسماء الجمالية الاستعانة بالخطوط اللينة الإنسيابية وبالألوان الأثيرية الهادئة كاللون الازرق والسماوى والاخضر الباهت والوردى والرمادى .. بينما يستعان بالخطوط الحادة والمستقيمات والزوايا والألوان الصارخة والقائمة التى توحى بالكثافة والضخامة والعمق والقوة والثقل مثل اللون الأسود والبنى والبنفسجى والأحمر القانى عند التعبير عن الصفات الجلالية..
- إن العمل الفنى كل متكامل .. تتضافر فيه جميع عناصر التشكيل فى تأكيد الهدف الموضوعى . وتكون نسبة النجاح بنسبة القرب أو البعد من هذا الهدف .
بقلم : حسين بيكار
من كتاب أفاق الفن التشكيلى
الفنان محمد الشعراوى ( 1916 - 2003 ) ابتهالات بحبال الطين
- قليلون من النحاتين والخزافين من استخدموا حروف الكتابة العربية فى تشكيل مجسماتهم ، ويعد الفنان محمد الشعراوى أول من استخدم هذا الأسلوب فى أعماله المجسمة بالطين المحروق ليصير فخارا وردى اللون ، وذلك قبل عشرات السنين من شيوعه بين النحاتين والخزافين، مع فارق أساسى : وهو أنه لم يجعل من مجسماته مجرد تشكيلات مجردة كأغلب الآخرين ، بل اتخذ من ذلك وسيلة تعبير عن معانى روحية أقرب إلى الإبتهالات الدينية.
- وكانت له طريقة فريدة فى تشكيل أعماله حيث يفتل من الطين حبالا متنوعة السمك بين الرقة والغلظة ، ويكون منها حروفا وكلمات وآيات قرآنية وأدعية دينية وما شابه ذلك، بدون أن يخضع لقاعدة معينة من قواعد الخط العربى ، ربما كانت أقرب إلى الأسلوب الفطرى الحر فى الكتابة، ثم يشكل من هذه الكتابات المجسمة سطورا يقوم بتعشيقها فى بعضها البعض كالبناء المتلاحم فى شكل مكعب أو اسطوانى أو مخروطى مجوف من الداخل ، بما يسمح للضوء بأن يتخلل الثغرات والثقوب بين الحروف والكلمات ، ويتعرج الخط الخارجى للكتلة رأسيا أو أفقيا أو دائريا داخل الشكل الهندسى الذى قامت عليه سواء كان شكلا مربعا أو مستطيلا أو هرما أو مخروطا أو كرة ، بما يكون فى النهاية بناء ً أقرب إلى البيت أو المسجد أو الكرسى ، لكن بدون تعمد التشبيه بين الشكل ومعناه ، بل يكتفى بالإيحاء ، فيما يسمح للضوء بإيجاد حركة نورانية ، كما ينفذ من نوافذ الزجاج الملون والمعشق بالجص فى المساجد والقصور.
- والمعنى فى العمل الفنى ليس كل شىء، فلا يقل عنه أهمية أسلوب تنفيذه بل هناك من يرى أن الفن هو الأسلوب وليس الموضوع أو المعنى، بعبارة أخرى فإن الجمال يكمن فى `الشكل الفنى`، لذلك فإن أهمية منحوتات الشعراوى تكمن فى أسلوبه الفنى الذى يقوم على الإيقاعات النغمية للحروف وهى تنساب فى صعودها وهبوطها ، كصوت مرتل القرآن أو قارىء الإبتهالات ، فيصل أحيانا إلى ذروة الطبقة الحادة لصوت السوبرانو، ثم يهبط إلى قاع الطبقة الغليظة `البريتون`، وبين هذه وتلك هناك الكثير من الطبقات الصوتية لكن بلا صوت ، بل بلغة بصرية مكونة من حبال الطين ، فهى قادرة على أن تعطى إيحاءات مختلفة : فالشكل المستطيل أفقيا قد يوحى ببيوت خاشعة أو كائنات افتراضية متراصة ساجدة ، والشكل المستطيل رأسيا قد يوحى بمسلة فرعونية شامخة أو مئذنة تعكس الدعاء والإبتهال ، والشكل المربع أو المكعب مكين الأركان قد يوحى بكرسى العرش ، وأحيانا يترك الفنان حروفه لتعبر تعبيراً صريحا عن لفظ الجلالة ` هو`، لكنه يحورها فتبدو أقرب إلى أوراق الورد المتفتحة أو إلى شكل ` الطرَّه` الإسلامى.
- وكانت الأعمال المبكرة للفنان تكتسى بطبقة من الألوان الزجاجية `الجليز ` التى تستوى فى نار الفرن تحت درجة حرارة عالية ، بعد حرق الكتلة الطينية لتصبح فخاراً، إلا أنه فى معارضه الأخيرة استغنى عن الألوان مكتفيا بلون الطين الوردى المحروق ، تأكيدا للفطرة والتقشف والزهد من ناحية ، وللإيحاء - من ناحية أخرى - بأن جماليات عمله تحمله من القوة الروحية ما يغنيها عن أية حلل ملونة ذات بريق.
- واحتار النقاد فى تصنيف أعماله : فهل تنتمى إلى الخزف أم إلى النحت ؟ .. ذلك أن المفهوم التقليدى للخزف قد يكون إناء إسطوانيا مجوفا أو طبقاً فخارياً مسطحاً، وهذان لاينطبقان على أعماله، كما أن النحت كتلة مجسمة فى الفراغ من خامة معمرة ليست هشة، لكن هذا المفهوم للخزف والنحت فات عصره ، فتلاشت الحدود بين المصطلحات والخامات والأساليب ، وأصبح العمل الواحد يحتمل أن يجمع بين كل فروع الفن أو بعضها، من نحت وخزف وتصوير ورسم ، دون حاجة إلى تصنيفه تحت خامة بعينها .
- لكن دعونا نطلق على أعماله ` منحوتات فخارية `، نظرا لكونها فقيرة وهشة، لكنها رغم ما توحى به من التواضع والزهد، فإن مضمونها بالغ القوة والثراء بما يحمله من معانى قدسية وإيقاع متناغم، ما يجعلها تبقى صامدة تتحدى الزمن .
- وكان الشعراوى قد تخرج فى مدرسة الفنون التطبيقية عام 1935 وعمل مدرسا وموجها للفن بوزارة التربية والتعليم وخبيرا فنيا بوزارة الثقافة المصرية ثم اليمنية لعشر سنوات. وقد لقى حفاوة وتكريما فى بلده وفى عدد من دول أوروبا ، إذ حظيت أعماله بإهتمام كبير فى الأوساط الفنية بباريس وبون حين أقام معارض هناك ،واستضافته مدينة فاينسيا الإيطالية فى بينالى الخزف عدة دورات ، وأخيرا كُرِم فى بينالى القاهرة الدولى للخزف قبل وفاته بعام واحد .
بقلم : عز الدين نجيب
من كتاب ( الفن المصرى وسؤال الهوية بين الحداثة والتبعية )
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث