`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
رضا عبد الرحمن حسنين
النور وبصيص الأمل والحب
- سابحات أم هائمات.. يبحثن عن شط أو ملاذ .. يمسكن بأنامل الأمل فى خيوط الضوء القادم من اللا مكان .. أو من البراج كاتم الجراح كى يطرد عتمة الكهوف ودامس السراديب وكى يقاومن دوامة القوة.. لسن نساء أو أجسادا.. بل هن أرواح تبحث عن رونق الانعتاق بعيداً عن أسر الغباء وكآبة الانغلاق .. إنه فنان مهموم منذ أربعين عاما.. مهموم بناسه .. لهذا فإن قضيته الإنسانية تذهب إلى المفرد الأبدى الثابت.. المرأة ومن منا لا يحب المرأة..أو لا يحب بها ومعها.. الحياة !!
ناس من حولنا ..
- تحية الصباح.. وسلام المساء.. احتضان العيون للناس وانفراجة المشاعر .. الناس فى الشوارع.. على المقاهى .. فى دروب الحيرة وميادين الترقب.. الناس فى العيون والناس فى القلوب.. الناس فى طوابير التوالى وصفوف الانتظار.. الناس رمز.. منهم الوحيد الثنائى والثلاثى لكن فى فراغ اللوحة عشرات بل مئات غيرهم.. ورضا عبد الرحمن مسافر دوماً فى مدن المشاعر يلتقط بسرعة ما يشحنه عاطفيا تجاه الناس الذين حوله.. وكأنه بؤرة التجمع أو قلب دائر الحنو , ولأنها مشاعر آنية فقد كان طبيعيا أن يكون الأداء مرتبطا بالحالة.. إنها اسكتشات سريعة واستدعاءات دافقة فبدا الموضوع ملتحما بالأسلوب وأيضا هناك إيجاز فى اللون فاللون الحقيقى فى الانفعالة الساخنة رغم رمادية اللون وكان حيادا لونيا.. والشخوص هى البطلة..
- وهذا المعرض لرضا عبد الرحمن يقام الآن فى الأردن بقاعة بعمان مظهرا صورة طيبة لفنان مصرى ملتحم التوجه مع الناس (مهمشون أم لهم مكانة ) إنه رصد عاطفى لمحيط البشر حولنا والذين لهم دو مصدر لنا.. أيضا صدى فكرنا .. ومبروك لرضا عبد الرحمن .
بقلم : إبراهيم عبد الملاك
صباح الخير - 12 /2 /2008
أيام صنعت الثورة ` لوحة لتشكيلى تدون انتهاكات `العسكرى` بتواريخ الأحداث`
- رضا عبد الرحمن: أوراق نتيجة الحائط دونت الانتهاكات وسمحت للمشاهدين بالتعليق على لوحاتى ..
- ابتكر الفنان التشكيلى الدكتور رضا عبد الرحمن طريقة فنية جديدة للاستفادة من `أوراق نتيجة الحائط ` التى يكون مصيرها المعتاد سلة القمامة، حيث صارت لهذه الأوراق أهمية كبيرة فى تدوين ذكرى انتهاكات المجلس العسكرى خلال إدارته المرحلة الانتقالية، حيث وضع عبد الرحمن عددا من التواريخ المهمة، التى شهدت أحداثا جساما، خلال هذه الشهور، على سطح لوحته الفنية التى سماها `أيام صنعت الثورة `، ` 2 فبراير`، `11 فبراير` ، كذلك 9 مارس، 29 يونيو، 9 أكتوبر، 19 نوفمبر ، 17 ديسمبر، تواريخ لأحداث لن ينساها المصريون بسهولة، أو هكذا يرغب عبد الرحمن،عبر عمله الفنى الذى وضعه فى وسط البلد، وسمح للمشاهدين له، أن يشاركوا فيه بتعليقهم، لتصبح اللوحة،عملا تفاعليا، مع المتلقى لها، فيوم 2 فبراير هو الذى شهد موقعة الجمل التاريخية، أما يوم 9 مارس فكان فض المجلس العسكرى لاعتصام ميدان التحرير بالقوة، وفى 29 يونيو وقعت أحداث مسرح البالون، التى لجأت فيها الشرطة لاستخدام العنف، فيما شهد 9 أكتوبر أحداث ماسبيرو الأليمة، التى وقع خلالها ضحايا من الأقباط، أما 19 نوفمبر، فكان مشهد انفجار أحداث محمد محمود، التى انتهت بسقوط شهداء وفقع عيون الثوار، وفى 17 ديسمبر اكتمل المشهد الأليم بأحداث مجلس الوزراء .
- يقول رضا لـ `اليوم السابع ` : ` بعد التنحى بفترة قصيرة بدأت التواريخ التى شهدت على الكثير من الأحداث فيكون لها اعتبار وأهمية، خاصة بعدما وقع فيها أغلب الأحداث المؤلمة، التى لم نكن نتوقع أن تشهدها مصر، بعد سقوط المخلوع، ومن هنا كان من الضرورى جمع هذه التواريخ فى عمل واحد لتجسيدها وتقديمها هدية فى عيد ميلاد الثورة الأول ` .
- ويضيف عبد الرحمن : ` حرصت على عرض اللوحة قبل ذكرى الثورة بأيام، لإكمالها بأكبر عدد من التعليقات والإمضاءات للجميع، وبذلك يتحقق هدف المشاركة من خلال التعبير بالفن الذى لا يحتاج للكثير من الكلام، ولذلك لم تزد التعليقات غالباً على جملة واحدة `. اللوحة التى تناثرت عليها مجموعة من التواريخ مجسدة، أيام فارقة فى عام الثورة، شهدت إقبالاً كبيراً من الجمهور والمارة الذين شاركوا فيها بآرائهم الخاصة، كما أعلنوا من خلالها نزولهم 25 يناير المقبل، مؤكدين أن `الثورة ما زالت مستمرة `.
بقلم : إيناس الشيخ
اليوم السابع - 15 /1 /2012
أيام الثورة ` التى يخلدها الفن وجمهوره`
- ` شهداء التحرير فى الجنة، ويسقط حكم `العسكر`، يكتب رجل أربعينى الجملة على لوحة كبيرة ويوقع عليها باسمه، ثم يعطى القلم لزميله كى يضيف جملة أخرى.
- فى ساحة ميدان عابدين، أقام `ائتلاف الثقافة المستقلة `حفلته الشهرية ` الفن ميدان ` أمس الأول استضاف الحفل شعراء وفرقا غنائية ومسرحية وعروض كاريكاتير .
- وفى منتصف الساحة كان المارة يتناولون أقلام الفلوماستر ويكتبون آراءهم فى الثورة والمجلس العسكرى والحياة على لوحة ضخمة .
- `أسمها أيام صنعت الثورة `، والحديث للدكتور رضا عبد الرحمن، الفنان التشكيلى صاحب اللوحة الفنية التى سمح للجمهور الكتابة عليها، اللوحة تحمل أوراق نتيجة تشير إلى تواريخ مهمة .
- 1 يناير : مذبحة القديسين .
- 25 يناير : بداية الثورة .
- 9 مارس : فض اعتصام التحرير وكشوف العذرية .
- 8 أبريل : الجيش يفض اعتصام التحرير واستشهاد على ماهر .
- 19 نوفمبر : هجوم الشرطة على معتصمى التحرير وانفجار موجة جديدة من المواجهة .
- وغيرها من أيام صنعت الثورة التى لم تنته بتنحى مبارك .
- يقول رضا إنه أراد أن يصنع عملا فنيا يخلد تاريخ الثورة ويسمح للجمهور بأن يكون جزءا منه، فيتناول الأقلام ويكتب ما شاء على اللوحة . `العمل الفنى عن الثورة للناس، مش المفروض يتكتب عليه ممنوع الاقتراب أو اللمس` .
بقلم : أحمد عطية
الشروق - 9/ 1/ 2012
عماد عفت ومينا دانيال وأحمد حرارة .. وجوه القرنفل فى ثورة السؤال
* وجود من قرنفل وعيون.. شهداء بعمر الورد ناموا على صدر الوطن .. هتافات بالحرية ورصاص من بنادق العسكر.. وشهادات لأرصفة الشوارع.. أنين الأمهات الثكالى.. رفاق يطالبون بالقصاص.. شعراء يكتبون وفنانون تشاركهم الفرشاة.. هل ضاقت الدنيا عليكم ليأخذكم الفنان فى قلبه.. أم أنكم تستريحون فى ملامحه الحزينة ؟!
- لم يكتف الفنان رضا عبد الرحمن بالتعبيرعن شهداء الثورة بتصويرهم أو التعبير عما أصابهم، ولم يلجأ إلى الأفكار التقليدية التى تصور ملامح الثورة فى المواجهات والتحدى، بل اختار أفكارا جديدة للتعبير وتفاعل مع الأحداث بمنظور فنى خاص به وتقمص دور كل شهداء ومصابى الثورة ليجمع كل الشهداء فى ملامحه ويتوحد معهم (الشيخ عماد عفت: مينا دانيال، أحمد بسيونى، خالد سعيد والمصاب أحمد حـرارة، وغيرهـم) .. ويقيـم معرضـا خاصـا لعـدد مـن الأعمـال الفنيـة فـى مجـال التصويـر بقاعـة البـاب. ( متحف الفن المصرى الحديث).
- تعمد الفنان أن تكون ملامحة ثابتة فى كل الوجوه، تحمل حالة من الشجن والتساؤل تأتى بمناسبة حلول الكرى الثانية لثورة 25 يناير والاقصاد فى التلوين يقصده الفنان لتأكيد حالة الزهد والبعد عن المبالغة وتلخيص المعنى الذى يسعى إلى تأكيدة فى الملامح التى تدخل مع الحالة البصرية فى حوار يأخذنا إلى معنى الشهادة وفكرة الثورة وتقييم الأحداث ومواجهة أنفسنا. أراد الفنان أن يرد على جميع الاسئلة حين وحد بينه وبين ملامح شهداء الثورة ليقول إنهم أحياء فينا، والأهم لتوصيل رسالة الى القاتل مؤكدا مواصلة الكفاح والتحدى.
- يصور رضا عبد الرحمن عبر سلسلة من اللوحات عددا من وجوه الشهداء والمصابين، معبرا عن الأحداث من خلالها بعيون حداثية، مؤكدا على سيادة الخط فى المحيط التعبيرى والمضمون الأساسى للصورة ، فمساحات التعبير تتأكد فى الملامح الموحدة المتداخلة، واستحضار القيمة الإبداعية فى التشكيل بلغة احترافية تؤكد المعنى ببراعة فى اخنزال التلوين والإيهام بتكوينات أخرى غير مرئية لأحداث وتداعيات يستحضرها المشاهد أثناء الرؤية بإشارات وأبعاد حققها الفنان، مثل إدخاله الحروف والكلمات وبعض الرموز كالهلال والصليب فى لوحة الشيخ عماد عفت ومينا دانيال. كل هذا يتبدى فى جاذبية الإغراءات الخطية وطغيانها كحالة جمالية برية على المغزى التعبيرى للإنسان فى المعنى الوجودى .
- هذه الوجوه علينا لتشغل أنظارنا بأحاديث وحوارات يجسدها الفنان لاستلهام الواقع بمنظور مغاير يتيح مجالا أكبر للرؤية، كذلك التوزيع اللونى والخطى وحسابات الضوء واحتواء االفراغ الدخلى للشكل والمحيط الخارجى له والسيطرة على المساحة الكلية للوحة والتى تؤكد الحدث بالتشخيص واللا تشخيص، أى بين تصوير الأحداث كاملة وتلخيصها فى وجه شهيد أو مصاب وغيابها عن المشهد تماما .
- تخرج رضا عبد الرحمن فى كلية الفنون الجميلة جامعة المنيا 1988قسم تصوير، وأقام العديد من المعارض الخاصة والجماعية بمصر والخارج، وحصل على عدد من الجوائز المحلية منها جائزة صالون الشباب الرابع 1992، والخامس 1993، وميدالية المعرض القومى للفنون التشكيلية 1993، كما حصل على الجائزة الدولية `ربيع النيل ` من بينالى سرسل الدولى للجرافيك بباريس.
د/ سامى البلشى
2013/1/19 - الإذاعة والتليفزيون
خطوات رضا عبد الرحمن
- `خطواتى` هو عنوان معرض الفنان رضا عبدالرحمن الخاص رقم ` 28` الذى يفتتح بقاعة سلامة بالمهندسين الاثنين القادم، ومع أن المعرض يضم مجموعة من أعماله خلال رحلته الفنية منذ تخرجه حتى الآن، حيث يضم المعرض حوالى أربعين عملا بين الاسكتش والتصوير الزيتى، إلا أن عنوان المعرض نفسه مغر بالتفكير، والسؤال، كيف كانت خطوات رضا عبد الرحمن؟.
- أى متابع لأعمال رضا عبدالرحمن لابد أن يلحظ أن خطواته كانت قوية ومحسوبة، أعماله على سبيل المثال لم تعان من التخبط فى البدايات وتجريب الأساليب المختلفة، ولكن حتى البداية كان الأسلوب فيها واضحا والشخصية متماسكة، لم يكن هناك ثمة ما يشير إلى أننا أمام فنان يبحث عن أسلوب.
- ربما كان العالم الذى أتى منه عبدالرحمن له علاقة بمشواره الفنى، هو ابن منطقة القناة، تحديدا من الإسماعيلية، وخريج، كلية فنون المنيا، حيث تعرف عن قرب على التاريخ المصرى القديم، وعاين التماثيل والرسوم الفرعونية، ولا حظ بنفسه أن المصريين امتلكوا حضارة كان الفن هو وسيلتها للخلود، رضا تشبع بكل هذا واستلهم هذه الحضارة وهو يعبر حتى عن قضايا آنية ومصيرية، وهو يطل يوميا بنفسه على هذه الحضارة من مرسمه، فى جزيرة الدهب، الحضارة التى شيدها المصريون وامتدت على النهر، الغريب انك تلاحظ ان المصرى رغم التراكم المعرفى والثقافى مازال محتفظا بعلاقته الفطرية مع النهر، لاحظ حالة الأمان والانسجام بينهما إلى درجة أن المصرى يتخذ من المركب بيتا أمنا له يمر من أمامك وأنت تتابع لوحات عبد الرحمن فى مرسمه، فتدرك العلاقة بين النبع والفنان.
د . محمد مرسى
نصف الدنيا - 16/ 11/ 2012
لوحات تقف على عتبات الاسطورة
فى معرض رضا عبد الرحمن بجاليرى مصر
أساطير الأقدمين تعكس عقيدة الفرح والشجن وتؤسس لعالم خيالى حيث يتماهى الحلم مع الحقيقة والخيال مع الواقع وأعطاهم الوفرة المعينة لحياة لا مثيل لها ولا يمكن لهذه التخيلات الخارقة والخواطر اللامعقولة أن تتحول وتتبلور إلا فى رحاب الفن لذلك لا تصبح الأسطورة أسطورة فى ذاتها بل تصبح العلاقة بين الفنان وواقعه هى نفسها علاقة أسطورية ولك منا أيضا اسطورته الخاصة والمهم علينا التقاط العلامات على مدى حياتنا حتى نبلغها وقد أفاض فى هذا باولو كويلهو فى روايته ساحر الصحراء أو الكيميائى وهذا ما يفعله الفنان رضا عبد الرحمن حيث يتبع من خلال تحقيق رؤيته الخاصة آثارا بصرية ونفسية لأسطورة مصرية أقيمت بالفعل منذ آلاف السنين إذن فهو لا يضيف لها بل من خلالها يبحث من علامات توصله لأسطورته الخاصة التى تلاحقه أينما أقام أكثر مما يلاحقها وأعتقد أنه مازال واقفا عند عتبات الأسطورة فمازال عند مشهد البوابات ولديه كثير من وقت قادم ليحقق كامل بلوغ اسطورته الخاصة التى بعثت إليه بعلامتها من كان طالبا فى فنون المنيا معايشا يوميا لأساطير القدماء فى الجنوب وحين أقام فى جزيرة الذهب فى حضن النيل بالشمال وصلته الرسالة الثانية وهو فى معرضه هذا .
ومفهوم الأسطورة الشخصية يظهر فى الفن المعاصر حاليا وقد أطلقها الناقد والمؤرخ السويسرى هارلد سيزمان على معرض فنى عبر كل عمل معروض عن تجربة شخصية للفنان ومقتبسة مواضيعه من سيرة ذاتية وهذا ما نراه من تجربة الفنان رضا حيث أقامته فى المكان جنوبا أو شمالا وطرح المكان اليومى لعلامات التقطها من موروث وتقليد ثقافى خاص يفرز فى تعاملات أهل الجزيرة المعاشة ومدى تأثر الفنان بتلك العلاقة اليومية كأحد أهالى الجزيرة وما يتركه فى نفسه من أثر أحدث تداعيا فكريا وفنيا مع فترة دراسته المعاشة بالجنوب بين أطروحات الفكر الأسطورى المصرى القديم المتمثل فى مفردات المدينة ومعابدها وناسها وكان هو أحد هؤلاء المنخرطين فى المعايشة مع البحث يوميا لتلك الأطروحات التراثية الأسطورية ليقدم لنا فى لوحاته الأخيرة أكثر من رؤية متداخلة ما بين المعايشة والأسطورة والتراث فى جدلية بين علام الموجود وعالم المنشود فرسم أحب الأشياء من حوله من أشخاص داخل جغرافيا مكان ممتلئ بالحكايا والأساطير تتخفى وراء الشكل لتأخذ مكانها فى جاليرى مصر بالزمالك وهى القاعة التى يديرها الفنان محمد طلعت المتميز فى قلب القاهرة باختياراتها الواعية لما تقدمه من فنون مصر المعاصرة .
فى كثير من لوحات المعرض ظهرت مهارة إقامة الفنان لشخوصه ككتلة معمارية مستمدة ومتواصلة مع المكان دون مباشرة حين جعل غالب شخوصه وهم فى الغالب شخصان يقفان دائما متواجهين مشكلين معا مشهدا رمزيا أو مجازيا لبوابات معابدنا القديمة وبينهما ما يشكل الدرب أو الطريق الذى هو رمز الحضارة المصرية القديمة كما جاء فى الجزء الأول فى تدهور حضارة الغرب لإزوالد شبنجلر وأيضا يرتبط هذا معنويا فى الذاكرة كما جاء فى جنائزيات المصرى القديم بأن روح المتوفى تمر إلى العالم الآخر عبر عدة بوابات فى مراحل مختلفة ويكون لكل بوابة حارس لنجد فى لوحات الفنان رضا أن العالم الأسطورى الذى انفتح عليه الباب ليس سوى باب الحلم والخيال وهو أيضا رمز العبور وهذا ما ندركه محققا فى مساحة لوحاته الجدارية الضخمة لنتلقى أيضا بفعل إيحاء الزمن فوق تلك المساحة المكانية بتقنية الفنان المتميزة للغاية كأنه ينبش المكان ليستخرج جوهر حكائيته القديمة لا ليرسم فوقه للتعبير عن تتالى الحدث اللونى وطبقاته لتبدو نتيجة قدم مرور الزمن مهشرة وتبدو فى مناطق أخرى من نفس المحيط المكانى للوحة فى سيولة لونية فى دفقها لأسفل كمعادل بصرى لسيولة الزمن فى مروره .
وقد استشعرت أمام لوحاته ببعد غير مرئى كبعد نفسى أدركته فى لوحاته ابنتى إزادورا وإيزيس وأوزوريس وزهر الرمان كأن اللوحة تفتح على مغارة بما يرتبط بصورة المغارة رمزيا ونفسيا برغبة فى الراحة السكنية كما أنها صورة السكن وحلم التأمل لذلك تفجر لوحاته مغارة خيالية محققة بموجبه ألوان ذهبية مهشرة بتكنيك رائع درجات من الأصوات الخافتة والهمسات الناعمة وفى مقابل هذا ومؤكدا له فى رغبة تهادى الأصوات والتأمل الحالم يكرر الفنان وحداته من الزهور والنجمات وأوراق الشجر الصغيرة وكلها مغلفة بصمت حريرى يتوجها مهابة ليلية والتى عبر تلك المهابة بالمواجهات الصامتة بين كائناته والتى تبدو كرمز للبصيرة أو كعينها المبصرة وموقع السحر من لا شعور الإنسان خاصة الواقف تجاهها حتى وإن لم تتواجه الكائنات كما فى لوحة أنوبس الحارس إلا أننا نلتقى بذات الحس من الاستبصار فرغم أن وجهى المراة وأنوبيس فى اتجاه واحد تسودهما سكينة مطبقة كأنهما ينظران إلى اللامحدود تحيطهما نجوم متناثرة كنمط من الأحلام يرتكز معظمه على صورة البطء والسفر البعيد عبر النجوم ويلعب هذا البطء فى السماء المرصعة بالنجوم دورا مهدئا بالنسبة للنفس القلقة تجاه ما تخشاه وتطلب الحراسة .
وأيضا مما يثير القلق رمزا فى اللوحة ذاتها نجد أنوبيس الذى اتخذه المصريون إلها لحراسة الجبانات ومثلوه بحيوان ابن آوى الذى شاهدوه يجول بين القبور فى الجبانات ينهش الجثث فجعلوه منه إلها لحراستها كى يتقو شره وكذلك اتخذوه حارسا للجثث أثناء عمليات التحنيط ونلاحظ أنه فى معظم لوحات الفنان تتألق نجوم فى الخلفية أو السماء دون وجود سحب التى قد تشير إلى التقلب وخفة الوزن والتحرر من قيود الجسد بينما شخوصه يتمتعون بأقدام قوية ثابتة مرتبطة بالأرض بينماى يعالج هو خيال الأسطورة .
اللوحات كبيرة الحجم أقرب لما تمثله الأسطورة المصرية القديمة من مشاعر ما بين العظمة والمهابة والسيطرة وأيضا سمواتها تنبت نجوما وزهرا ونبات بردى وألوانا مذهبة لتزيد من الإحساس بالمهابة كما ندرك هذا الإحساس بقوة فى لوحته إيزيس وأوزوريس وفيها ظهرت إلى اليمين سمكة نيلية عملاقة كحارس لإيزيس وحبيبها اللذين انتصفا وتناصفا المكان كأنهما جسد واحد لا ينفصم وفى تنوع ومهارة شديدين رأيناه يقدم فى رائعته البراق ثلاث معالجات للبورتريه فوق مسطح واحد بين الواقعى والسيريالى والتجريدى إن مشروع رضا عبد الرحمن الفنى يعتمد على المعاصر والموروث ويعتمد أكثر بعمله على الفكرة الحرة .
الناقدة / فاطمة على
جريدة القاهرة 2014
رضا .. أسطورة
فاجأنا رضا عبد الرحمن بمعرضه الجديد ذات الأعمال الفنية الصريحة التى اعتاد السيطرة عليها والسباحة فى فضاءاتها مكتشفا وباحثاً ومستلهماً من أعماق هذا الفضاء الغامض وصولا الى الجذور المصرية القديمة، ولد رضا فى الإسماعيلية؟! ودرس فى جامعة المنيا بكلية الفنون الجميلة، التى تتوسط مجموعة من الآثار الفرعونية والأديرة القبطية الاشمونية بنى حسن، تل العمارنه، تونه الجبل والتى أثرت على فكره واسلوبه كواحد من الفنانين المعاصرين الأكثر ارتباطا بالتاريخ فى مصر، واستطاع بتمكنه فى فن الرسم أن يضع حدوداً لاستثمار هذه الميزة التى يفقدها الكثير من الفنانين، وهذا وهذا يعد ذكاء إبداعيا لعمق ثقافة إدراك الفنان بإمكاناته الواجب عليه تنميتها وتطويرها وتفعيلها فى فضاء أعماله الفنية.
وهذا ما يحدث فى أعمال الفنان رضا الذى جعل من التزاوج التراثى والرؤية الفنية المعاصرة شكلا جديداً لحلم فنان يتحقق على فضاء بصرى ملموس، وتميزت أعمال الفنان الجدارية بتنوعها وضخامتها فى مختلف محافظات مصر، مما أثر ذلك على ضخامة مساحات أعماله الفنية، والفنان رضا عبد الرحمن كان ومازال له مساهمات ومشاركات فى إقامة المعارض الخاصة والجماعية بالإضافة الى مشاركاته، فى عدد من المبادرات الراميه الى تعزيز العلاقات بين الشرق والغرب على الساحة الفنية المصرية والدولية.
كما أسس الفنان مجلة فنية ثقافية تحت اسم ` بورترية ` وقام بتمويل طباعتها على نفقته الخاصة لعدة سنوات، من أجل نشر الثقافة الفنية وتعميقها فى المجتمع، والفنان رضا عبد الرحمن سبق أبناء جيله والأجيال السابقة عليه فى فن الرسم والتصوير، بالاضافة الى عمق رؤيته وبساطة ويسر سريان مفرداته عبر فراغ ذات عمق فسيح، تتحرك الزهور فى كل مكان تتلمس الفضاء والإنسان كنوته موسيقية مؤلفة بإحكام وإقتدار، وأحيانا أشعر بحركة الزهور كأنها نابعة من الروح أو حاملة الروح، نبض مستمر فى كل مساحة لون عبر عالم تتدفق من خلاله رموز ودلالات الأسطورة، وفى كتالوج المعرض المقام حاليا بقاعة العرض ` مصر ` الذى يديرها الفنان محمد طلعت مقدمة للناقد والباحث الدكتور ياسر منجى.
هنا نكون قد وضعنا ايدينا على مفتاح الشفرة التى تمكننا من ولوج فعالية معرض! ` أسطورة ` اذا يعاود رضا مراودة انثاه الفنية عن أسرار ألقها الجمالى، جاعلاً منها ` شهرزاد البوح` التى لا تكتفى هذه المرة بحكاية الحكايات نيابه عن أصحابها، بل تتصدى لتشخيص هذه الحكايات تشخيصا بصريا، تتخذ فيه من صورتها الذاتية مرآه، تتشتت على سطحها الغوائى، أحلام المهمشين المحرومين آنا، وتنعكس على مفاتنها أصداء قديمة من أقاصيص الجداب واللائى ورثنها عن جدود الجدود لتتماهى فى نسيجها موروثات (غابرة) موشومة ببقايا روائح مصر القديمة، وأنداء من صباحات مصر القبطية - الاسلامية ومساءاتها ما ترحت تتفاعل، فى مسار تيار جار من زخم شعبى حى تتخذ فيه المرأة موقعا مركزيا، باعتبارها شريكا للرجل فى الإنتاج، وملاذا للدفء من عوادى الزمن وذاكرة لحفظ التراث الجمعى، بعاداته وتقاليده وممارساته وقصصه، ومسئوله عن نقلها من جيل لجيل، فضلاً عن دورها الكونى الذى لم تتوقف عن لعبه منذ بدء الخليقة، بوصفها مصدراً لابتعاث المسرات الجمالية والحسية.
والفنان رضا تمكن من العطاء المتميز من خلال جمعية محبر الفنون الجميلة كأمين عام لها، والفتره القادمة ستشهد من الأنشطة المفاجأة للجمعية، ورضا يعد من خريجى أول دفعه بفنون جميلة المنيا 1988 عندما شرفت بتأسيسها وعمادتها، ومنذ بدايته كان لافتا للنظر نشاطا واصرارا وتحديا لتحقيق حلم كامن بداخله، ربع قرن من الزمان منذ تخرجه وقد حمل كما وكنزا بصريا، احتفظ به فى الذاكرة البصرية مما عاشه وتفاعل معه على شاطئ نيل مصر العظيم من آثار غير مسبوقه فى بنائها وروعة جمالها وعمق تعبيرها، فى أعمال رضا نجد المرأة وهى البطل، والطائر والحيوان والاسماك والزهور.
البناء التشكيلي فى معظم الأعمال معقد لكون العناصر قائمة بذاتها وسط فراغ منسوج بين زهوره وفراغاته فى مصفوفة نابضة بالطاقة التى تتولد وتتوالى وكأن الروح كامنه فيها، وتتميز بعض الأعمال الفنية بالتماثل والتوازن فى نفس الوقت، والبناء التشكيلى فى معظمه يتألف بين افقيات ورأسيات العناصر وحركة تبادل طاقة اللون الكامنة فى هذه العناصر المتوهجة، وعندما نتأمل الوجوه المرسومة بعناية والمظللة بدقة نكتشف عالما مليئا بالأسرار وعمقا تعبيريا غير مسبوق، وبدون افتعال.
ويأتى هذا العمق استجابه لسريان منظومة الفنان وقدرته على السيطرة على أدواته، فتصل المشاعر وتتدفق بفعل هذه الطاقة الثقافية والذاكرة البصرية الفنية، مضافا الى قاعدة البناء الجمالى المنفرد. يذكرنا الفنان رضا عبد الرحمن بالفنان ` سلفادور دالى` مع إختلاف الأسلوب والزمان والمكان دالى تمكنه من الرسم حقق له فنا عظيما على مدى التاريخ وكانت زوجته ` جالا` هى البطل فى كل لوحاته، فالفنان أحسن استثمار تميزه وتمكنه فى الرسم، فحقق فنا رائعا ومصرياً خالصاً، ونهر الفن يقدم الفنان وينتظر منه مزيدا من الإبداع لإثراء الحركة التشكيلية المصرية والعربية.
أ.د أحمد نوار
الأخبار - 2014
تحولات الشخصية المصرية فى معرض تشكيلى بالقاهرة
رضا عبد الرحمن يستعيدها من عباءة الأسطورة الفرعونية
يحتفى الفنان / رضا عبد الرحمن بالشخصية المصرية ، ويجعلها مدار اسئلته ورؤاه الفنية فى معرضة اللافت ` اسطورة ` المقام حاليا بغاليرى مصر بالقاهرة ، تتصدر الشخصية فضاء اللوحات بأحجام كبيرة واضحة ، ويبدو حضورها شامخا وصرحيا ، سواء فى تقاطعاتها مع حركة الواقع المعيش ، او مع حركة الزمن المنساب فى مجرى اسطورة لم يزل دفقها وسحرها يتجدد فى طوايا الروح والجسد ومرايا الحياة . إنها الاسطورة الفرعونية ، حجر الأساس فى معظم أعمال الفنان . وتوحد طاقة الحلم فى اللوحات بين كل هذه التقاطعات ، ناسجة جدلية مرنة وحية ، يتبادل فيها الواقع والأسطورة حقول الدلالة والأقنعة والرموز ، ويتناغم فيها باقتدار ومهارة عالية فضاء الرسم والضوء واللون .
يدفع الفنان أشكاله على خلفية فنية صلبة وشاسعة وغنية ، يشغلها بإيقاعات خطية وانبثاقات لونية متنوعة ، تنحو نحو البساطة والتلخيص ، لخلق صورة أكثر قدرة على التعبير ، وجعلها دوما محور الإيقاع . فالصورة هى مركز الاسطورة والواقع والحلم فى اللوحات ، تتماوج فى ظلالها كل عناصر اللوحة ، من شخوص وأشكال متجاورة ومتداخلة ، تومض بشكل صريح أو طيفى ، على هيئة حيوانات وطيور ونباتات واسماك ورموز تجعل اللوحة بمثابة حالة من الغمر الدائم فى الطبيعة وتحولات الزمن والعناصر والاشياء .
واللافت أن هذا الغمر يجعل اللون ينساب بحيوية فوق الصورة ، مكونا غلاله شفيفة ، وموحدا ما بين أبعاد التكوين الأعلى بالأسفل ، الخلف بالأمام ، فى تناظر موسيقى حى ، ينعكس بمستويات مسطحة على الصورة نفسها حيث تصبح اللوحة بمثابه معزوفة بصرية ، تترك أثر على عين المشاهد ، يشبة الذبذبة النغمية ، وتمتد روافد ذلك الاثر فى جسد الاسطورة والواقع والحلم معا ، كأنه لحن حى يتخلق عبر امتداده فى الزمان والمكان .
وفى اللوحات ، يتناسل الحلم بالاسطورة ، على نحو خاص فى ماهية الأنثى ، مخايلا طبيعتها كرمز للخصوبة والنماء ، ويحرص الفنان على عدم تهشير وتموية ملامحها فهى واضحة وفق تركيبة فنية وعاطفية خاصة بها ، مشدودة لعالم الأسطورة الفرعونية على نحو خاص ، نقطة حركتها تبدأ من ثباتها فى مكانها ، كما تبدو واثقة بنظرتها للعالم والاشياء من حولها بهذا الوثوق المشمس ، تتأمل الأنثى ظلها الملاصق لها كأنه طفلها الهارب من غبار الأزمنة وسطوة الصورة نفسها ، وفى الوقت نفسة ، تشى بحالة من الفرح الدافئ بالطبيعة ، التى ترفرف عليها ، فى عناقيد من التوريقات النباتية والنقوش والعلامات الخطية الخاطفة كالنجوم والورود ، تنسال وتتواثب على جوانب وفى عمق الصورة كأنها زخات مطر خفيف أو قطرات ندى تنزلق بعفوية من اوراق النباتات إلى فضاء اللوحة فى مشهدية رائفة تتسم بقدر كبير من الطزاجه ، وتعكس معايشة حميمة للطبيعة ، أظن أن الفنان استقاها من خلال مرسمة القابع فى إحدى الجزر بوسط نيل القاهرة .
تحضر الأنثى فى اللوحات مخفورة بكل عناصر اللوحة، وببراءة الطيور صديقة الأرض مثل ` أبو قردان ` و` أبو المنجل ` ووسط كل هذا يبرز الفنان حضور الصورة ويؤكد هيكلتها ، سواء بالتدرج الحاذق من فضاء الدكنة إلى النور ، أو بالمواءمة الشفيفة بين ألوان تبدو فى طبيعتها متضادة ، تتفاوت بين الازرق البراق المشع ، والبنى المشرب بحمرة دافئة ، والأبيض المخلوط بنثارات لونية متنوعة والاخضر الفيروزى بتدرجاته الداكنة والفاتحة والاصفر الذهبى ، لكن هذا التضاد ينحل بشكل موح فى جسد الصورة ، وينساب فى ملامحها ، بهندسية رشيقة مضمرة ، تمنح الشكل نوعا من البروز ` كالريليف ` وهو ما يذكرنا بالرسوم الناتئة على جدران المقابر والمعابد الفرعونية . إضافة إلى ذلك يضاعف رضا عبد الرحمن أحيانا من حضور الصورة باستخدام تقنية الرسم داخل الرسم ، أو الشئ وظله ، ليخلق نوافذ إدراك جمالية مغايرة للصورة ، ويؤكد قدرتها على التجدد من داخل نسيجها وبمقوماتها الذاتية الخاصة بعيدا عن مظان الإحالة إلى الكولاج ، أو أى مظاهر لتشخيصية مفتعلة .
وينأى حضور الأنثى الطاغى فى اللوحات عن فكرة الثنائية الشائعة مع الرجل فحضورها منفرد بذاته ، لا يتقاطع مع الرجل ، فى الوقت نفسة لا يلغى حضورة ، لكن هذا الحضور يظل دائما فى منطقة الظل أو الطيف، حيث نادرا ما تحتفى اللوحات بإبراز ملامح خاصة للرجل ، سواء فى طريقة الرسم ، او التكوين بل تكتفى . فى الغائب الأعم ـ بملامح كروكية ، تخفت فيها شحنة الفنان العاطفية إلى حد ما ، لكنة مع ذلك يلجأ إلى رمزية الحصان كوسيط تعبيرى فى بعض اللوحات بين الأنثى والرجل ، فى دلاله لافته على حالة من الجموع والانطلاق تشكل مدار فعالية الكائنين معا ، وتوحد بينهما . ورغم بروز التيمات الفرعونية فى اللوحات ، فإن اسطورة الانثوى ، أو الأنثوى الأسطورة ، تنداح فى حقول رمزية وفنية متعددة المستويات ، مما يجعلها مغتوحة بحيوية على الماضى والحاضر معا ، فهى رمز للأمومة والأبوة ، وفى ملامحها تتضافر صورة المرأة الصعيدية االصلبة ، والمرأة الريفية بـ` عبلها ` الفطرى النقى ، وكذلك امرأة المدينة المسكونة بهواجس الحداثة .
فهكذا ، لايبحث رضا عبد الرحمن فى لوحته وهو يشدها إلى أقصى طاقات التجريب ، عن حلول بصرية توائم بين طاقنى التجريد والتجسيد ، كما أنه لا يستدعى أسطورته المشتهاة من جراب الماضى فحسب ، لكنة يهضم ويتمثل كل هذا باحثا عن شكل جديد للفن والحياة معا ، يفيض فية كلاهما عن الآخر ، ويمنحة معنى وجوده وحريته وشهوته الأولى .. لذلك ، تتلاقح فى لوحاته بحجومها الكبيرة حدوسات شتى للمعرفة الإنسانية ، لا تخلو من رسائل تومض بعفوية تحت طبقتها البصرية ، سواء فى عربدة السكين أو فى براءة الفرشاة على براح المسطح التصويرى الغنى ، وهى رسائل لا تبحث عن إجابات مكتملة أو تقليدية ، وإنما تحفر أسئلتها الشائكة على جدار اللوحة والواقع معا .
جمال القصاص
الشرق الأوسط - 2014
أساطير رضا عبد الرحمن ...المرأة والوعود المؤجلة
حكايات تناقلتها ألسنة فتيات ` جزيرة الذهب ` حيث يقع مرسمة على ضفاف نهر النيل الخالد ، جلسات بوح فى غمرات الترويح عن النفس خلال انهماك نساء الجزيرة فى متابعة اعمال المنزل والحقل ، مشاهدات عديدة لرموز انثوية منغمسة فى ملاذ نيلى يقيها صخب المدينة ويحملها بتراث قديم وملامح أسطورية .
إرث فريد استلهم منه الفنان التشكيلى الدكتور رضا عبد الرحمن أفكار لوحات معرضة ` أساطير ` الذى جعل من الانثى فية شهر زاد ` البوح ` التى أعادت للأسطورة والوعود المؤجلة اعتبارها وتمردت على الواقع الحالى للمرأة المهمشة إلى الانثى الاسطورة القادمة عبر الموروثات المصرية القديمة والتى اتخذت فيها المرأة المصرية موقعا مركزيا باعتبارها شريكا للرجل فى الانتاج وملاذا للدفء وذاكرة لحفظ التراث الجمعى .
وكما يرى أستاذ الفنون الجميلة الدكتور ياسر منجى ، فإن رضا عبد الرحمن جسد هذا التجلى الانثوى فى كل أعمال المعرض حيث جاءت كل أنثى من بطلات لوحاته لتبتعث من ترسانة الفن المصرى القديم حزمة من العلامات البصرية التى يعيد رضا تأويلها فى إطار من فضاء الحكى .
وعبر محطاته الصورية فى لوحات معرضة يقص علينا رضا عبد الرحمن قصة الانثى الممسوسة بسعار رغبة مؤجلة فى مواجهة الفحولة الذكورية ، للأنطلاق نحو موروث الخصب والنماء وقصة الجمال فى مواجهة الحكمة ، فى لوحة ` تحوت والجميلة ` حين تطالعك تلك الفتاة المفتونة برواء أنوثتها بوضعية جانبية وقد اتشحت بثوب يضيق بمفاتنها النافرة فى تجسيد لحتحور المعاصرة ، وهى تقف قبالة طائر ` أبيس ` أحد تجليات المعبود المصرى القديم تحوت صاحب مقاليد الحكمة .
وحين تطالعك ` تمر حنة ` فى معرضها تعلن عن كيفية تمرد المفاتن الانثوية وتحررها عن الوقار الإسطورى للأنثى الفرعونية ، فإنها تدخلك فى صراع لا متناه بين البهاء والرواء والشغف من ناحية إلى الكبت والانزواء والتعفف من ناحية أخرى .
وخلال التقلب بين الافتتان والانزواء يكشف رضا عبد الرحمن فى ` أساطيرة ` الزيتية عن عالم من الاسرار والحكايات التى رواد فيها أنثاه عن نفسها ليبتعث عوالم من الاساطير علها تحقق بعض وعوده وأحلامة المؤجلة.
أحمد عبادى
الأهرام -2014
لوحات تقف على عتبات الأسطورة
- أساطير الأقدمين تعكس عقيدة الفرح والشجن وتؤسس لعالم خيالى حيث يتماهى الحلم مع الحقيقة والخيال مع الواقع وأعطاهم الوفرة المعينة لحياة لا مثيل لها ولا يمكن لهذه التخيلات الخارقة والخواطر اللامعقولة أن تتحول وتتبلور إلا فى رحاب الفن لذلك لا تصبح الأسطورة أسطورة فى ذاتها بل تصبح العلاقة بين الفنان وواقعه هى نفسها علاقة أسطورية ولك منا أيضا اسطورته الخاصة والمهم علينا التقاط العلامات على مدى حياتنا حتى نبلغها وقد أفاض فى هذا باولو كويلهو فى روايته ساحر الصحراء أو الكيميائى وهذا ما يفعله الفنان رضا عبد الرحمن حيث يتبع من خلال تحقيق رؤيته الخاصة آثارا بصرية ونفسية لأسطورة مصرية أقيمت بالفعل منذ آلاف السنين إذن فهو لا يضيف لها بل من خلالها يبحث من علامات توصله لأسطورته الخاصة التى تلاحقه أينما أقام أكثر مما يلاحقها وأعتقد أنه مازال واقفا عند عتبات الأسطورة فمازال عند مشهد البوابات ولديه كثير من وقت قادم ليحقق كامل بلوغ اسطورته الخاصة التى بعثت إليه بعلامتها من كان طالبا فى فنون المنيا معايشا يوميا لأساطير القدماء فى الجنوب وحين أقام فى جزيرة الذهب فى حضن النيل بالشمال وصلته الرسالة الثانية وهو فى معرضه هذا .
ومفهوم الأسطورة الشخصية يظهر فى الفن المعاصر حاليا وقد أطلقها الناقد والمؤرخ السويسرى هارلد سيزمان على معرض فنى عبر كل عمل معروض عن تجربة شخصية للفنان ومقتبسة مواضيعه من سيرة ذاتية وهذا ما نراه من تجربة الفنان رضا حيث أقامته فى المكان جنوبا أو شمالا وطرح المكان اليومى لعلامات التقطها من موروث وتقليد ثقافى خاص يفرز فى تعاملات أهل الجزيرة المعاشة ومدى تأثر الفنان بتلك العلاقة اليومية كأحد أهالى الجزيرة وما يتركه فى نفسه من أثر أحدث تداعيا فكريا وفنيا مع فترة دراسته المعاشة بالجنوب بين أطروحات الفكر الأسطورى المصرى القديم المتمثل فى مفردات المدينة ومعابدها وناسها وكان هو أحد هؤلاء المنخرطين فى المعايشة مع البحث يوميا لتلك الأطروحات التراثية الأسطورية ليقدم لنا فى لوحاته الأخيرة أكثر من رؤية متداخلة ما بين المعايشة والأسطورة والتراث فى جدلية بين علام الموجود وعالم المنشود فرسم أحب الأشياء من حوله من أشخاص داخل جغرافيا مكان ممتلئ بالحكايا والأساطير تتخفى وراء الشكل لتأخذ مكانها فى جاليرى مصر بالزمالك وهى القاعة التى يديرها الفنان محمد طلعت المتميز فى قلب القاهرة باختياراتها الواعية لما تقدمه من فنون مصر المعاصرة .
فى كثير من لوحات المعرض ظهرت مهارة إقامة الفنان لشخوصه ككتلة معمارية مستمدة ومتواصلة مع المكان دون مباشرة حين جعل غالب شخوصه وهم فى الغالب شخصان يقفان دائما متواجهين مشكلين معا مشهدا رمزيا أو مجازيا لبوابات معابدنا القديمة وبينهما ما يشكل الدرب أو الطريق الذى هو رمز الحضارة المصرية القديمة كما جاء فى الجزء الأول فى تدهور حضارة الغرب لإزوالد شبنجلر وأيضا يرتبط هذا معنويا فى الذاكرة كما جاء فى جنائزيات المصرى القديم بأن روح المتوفى تمر إلى العالم الآخر عبر عدة بوابات فى مراحل مختلفة ويكون لكل بوابة حارس لنجد فى لوحات الفنان رضا أن العالم الأسطورى الذى انفتح عليه الباب ليس سوى باب الحلم والخيال وهو أيضا رمز العبور وهذا ما ندركه محققا فى مساحة لوحاته الجدارية الضخمة لنتلقى أيضا بفعل إيحاء الزمن فوق تلك المساحة المكانية بتقنية الفنان المتميزة للغاية كأنه ينبش المكان ليستخرج جوهر حكائيته القديمة لا ليرسم فوقه للتعبير عن تتالى الحدث اللونى وطبقاته لتبدو نتيجة قدم مرور الزمن مهشرة وتبدو فى مناطق أخرى من نفس المحيط المكانى للوحة فى سيولة لونية فى دفقها لأسفل كمعادل بصرى لسيولة الزمن فى مروره .
وقد استشعرت أمام لوحاته ببعد غير مرئى كبعد نفسى أدركته فى لوحاته ابنتى إزادورا وإيزيس وأوزوريس وزهر الرمان كأن اللوحة تفتح على مغارة بما يرتبط بصورة المغارة رمزيا ونفسيا برغبة فى الراحة السكنية كما أنها صورة السكن وحلم التأمل لذلك تفجر لوحاته مغارة خيالية محققة بموجبه ألوان ذهبية مهشرة بتكنيك رائع درجات من الأصوات الخافتة والهمسات الناعمة وفى مقابل هذا ومؤكدا له فى رغبة تهادى الأصوات والتأمل الحالم يكرر الفنان وحداته من الزهور والنجمات وأوراق الشجر الصغيرة وكلها مغلفة بصمت حريرى يتوجها مهابة ليلية والتى عبر تلك المهابة بالمواجهات الصامتة بين كائناته والتى تبدو كرمز للبصيرة أو كعينها المبصرة وموقع السحر من لا شعور الإنسان خاصة الواقف تجاهها حتى وإن لم تتواجه الكائنات كما فى لوحة أنوبس الحارس إلا أننا نلتقى بذات الحس من الاستبصار فرغم أن وجهى المراة وأنوبيس فى اتجاه واحد تسودهما سكينة مطبقة كأنهما ينظران إلى اللامحدود تحيطهما نجوم متناثرة كنمط من الأحلام يرتكز معظمه على صورة البطء والسفر البعيد عبر النجوم ويلعب هذا البطء فى السماء المرصعة بالنجوم دورا مهدئا بالنسبة للنفس القلقة تجاه ما تخشاه وتطلب الحراسة .
وأيضا مما يثير القلق رمزا فى اللوحة ذاتها نجد أنوبيس الذى اتخذه المصريون إلها لحراسة الجبانات ومثلوه بحيوان ابن آوى الذى شاهدوه يجول بين القبور فى الجبانات ينهش الجثث فجعلوه منه إلها لحراستها كى يتقو شره وكذلك اتخذوه حارسا للجثث أثناء عمليات التحنيط ونلاحظ أنه فى معظم لوحات الفنان تتألق نجوم فى الخلفية أو السماء دون وجود سحب التى قد تشير إلى التقلب وخفة الوزن والتحرر من قيود الجسد بينما شخوصه يتمتعون بأقدام قوية ثابتة مرتبطة بالأرض بينماى يعالج هو خيال الأسطورة .
اللوحات كبيرة الحجم أقرب لما تمثله الأسطورة المصرية القديمة من مشاعر ما بين العظمة والمهابة والسيطرة وأيضا سمواتها تنبت نجوما وزهرا ونبات بردى وألوانا مذهبة لتزيد من الإحساس بالمهابة كما ندرك هذا الإحساس بقوة فى لوحته إيزيس وأوزوريس وفيها ظهرت إلى اليمين سمكة نيلية عملاقة كحارس لإيزيس وحبيبها اللذين انتصفا وتناصفا المكان كأنهما جسد واحد لا ينفصم وفى تنوع ومهارة شديدين رأيناه يقدم فى رائعته البراق ثلاث معالجات للبورتريه فوق مسطح واحد بين الواقعى والسيريالى والتجريدى إن مشروع رضا عبد الرحمن الفنى يعتمد على المعاصر والموروث ويعتمد أكثر بعمله على الفكرة الحرة .
الناقدة / فاطمة على
جريدة القاهرة - 2014
رضا .. أسطورة
- فاجأنا رضا عبد الرحمن بمعرضه الجديد ذات الأعمال الفنية الصريحة التى اعتاد السيطرة عليها والسباحة فى فضاءاتها مكتشفا وباحثاً ومستلهماً من أعماق هذا الفضاء الغامض وصولا الى الجذور المصرية القديمة، ولد رضا فى الإسماعيلية؟! ودرس فى جامعة المنيا بكلية الفنون الجميلة، التى تتوسط مجموعة من الآثار الفرعونية والأديرة القبطية الاشمونية بنى حسن، تل العمارنه، تونه الجبل والتى أثرت على فكره واسلوبه كواحد من الفنانين المعاصرين الأكثر ارتباطا بالتاريخ فى مصر، واستطاع بتمكنه فى فن الرسم أن يضع حدوداً لاستثمار هذه الميزة التى يفقدها الكثير من الفنانين، وهذا وهذا يعد ذكاء إبداعيا لعمق ثقافة إدراك الفنان بإمكاناته الواجب عليه تنميتها وتطويرها وتفعيلها فى فضاء أعماله الفنية.
وهذا ما يحدث فى أعمال الفنان رضا الذى جعل من التزاوج التراثى والرؤية الفنية المعاصرة شكلا جديداً لحلم فنان يتحقق على فضاء بصرى ملموس، وتميزت أعمال الفنان الجدارية بتنوعها وضخامتها فى مختلف محافظات مصر، مما أثر ذلك على ضخامة مساحات أعماله الفنية، والفنان رضا عبد الرحمن كان ومازال له مساهمات ومشاركات فى إقامة المعارض الخاصة والجماعية بالإضافة الى مشاركاته، فى عدد من المبادرات الراميه الى تعزيز العلاقات بين الشرق والغرب على الساحة الفنية المصرية والدولية.
كما أسس الفنان مجلة فنية ثقافية تحت اسم ` بورترية ` وقام بتمويل طباعتها على نفقته الخاصة لعدة سنوات، من أجل نشر الثقافة الفنية وتعميقها فى المجتمع، والفنان رضا عبد الرحمن سبق أبناء جيله والأجيال السابقة عليه فى فن الرسم والتصوير، بالاضافة الى عمق رؤيته وبساطة ويسر سريان مفرداته عبر فراغ ذات عمق فسيح، تتحرك الزهور فى كل مكان تتلمس الفضاء والإنسان كنوته موسيقية مؤلفة بإحكام وإقتدار، وأحيانا أشعر بحركة الزهور كأنها نابعة من الروح أو حاملة الروح، نبض مستمر فى كل مساحة لون عبر عالم تتدفق من خلاله رموز ودلالات الأسطورة، وفى كتالوج المعرض المقام حاليا بقاعة العرض ` مصر ` الذى يديرها الفنان محمد طلعت مقدمة للناقد والباحث الدكتور ياسر منجى.
هنا نكون قد وضعنا ايدينا على مفتاح الشفرة التى تمكننا من ولوج فعالية معرض! ` أسطورة ` اذا يعاود رضا مراودة انثاه الفنية عن أسرار ألقها الجمالى، جاعلاً منها ` شهرزاد البوح` التى لا تكتفى هذه المرة بحكاية الحكايات نيابه عن أصحابها، بل تتصدى لتشخيص هذه الحكايات تشخيصا بصريا، تتخذ فيه من صورتها الذاتية مرآه، تتشتت على سطحها الغوائى، أحلام المهمشين المحرومين آنا، وتنعكس على مفاتنها أصداء قديمة من أقاصيص الجداب واللائى ورثنها عن جدود الجدود لتتماهى فى نسيجها موروثات (غابرة) موشومة ببقايا روائح مصر القديمة، وأنداء من صباحات مصر القبطية - الاسلامية ومساءاتها ما ترحت تتفاعل، فى مسار تيار جار من زخم شعبى حى تتخذ فيه المرأة موقعا مركزيا، باعتبارها شريكا للرجل فى الإنتاج، وملاذا للدفء من عوادى الزمن وذاكرة لحفظ التراث الجمعى، بعاداته وتقاليده وممارساته وقصصه، ومسئوله عن نقلها من جيل لجيل، فضلاً عن دورها الكونى الذى لم تتوقف عن لعبه منذ بدء الخليقة، بوصفها مصدراً لابتعاث المسرات الجمالية والحسية.
والفنان رضا تمكن من العطاء المتميز من خلال جمعية محبر الفنون الجميلة كأمين عام لها، والفتره القادمة ستشهد من الأنشطة المفاجأة للجمعية، ورضا يعد من خريجى أول دفعه بفنون جميلة المنيا 1988 عندما شرفت بتأسيسها وعمادتها، ومنذ بدايته كان لافتا للنظر نشاطا واصرارا وتحديا لتحقيق حلم كامن بداخله، ربع قرن من الزمان منذ تخرجه وقد حمل كما وكنزا بصريا، احتفظ به فى الذاكرة البصرية مما عاشه وتفاعل معه على شاطئ نيل مصر العظيم من آثار غير مسبوقه فى بنائها وروعة جمالها وعمق تعبيرها، فى أعمال رضا نجد المرأة وهى البطل، والطائر والحيوان والاسماك والزهور.
البناء التشكيلي فى معظم الأعمال معقد لكون العناصر قائمة بذاتها وسط فراغ منسوج بين زهوره وفراغاته فى مصفوفة نابضة بالطاقة التى تتولد وتتوالى وكأن الروح كامنه فيها، وتتميز بعض الأعمال الفنية بالتماثل والتوازن فى نفس الوقت، والبناء التشكيلى فى معظمه يتألف بين افقيات ورأسيات العناصر وحركة تبادل طاقة اللون الكامنة فى هذه العناصر المتوهجة، وعندما نتأمل الوجوه المرسومة بعناية والمظللة بدقة نكتشف عالما مليئا بالأسرار وعمقا تعبيريا غير مسبوق، وبدون افتعال.
ويأتى هذا العمق استجابه لسريان منظومة الفنان وقدرته على السيطرة على أدواته، فتصل المشاعر وتتدفق بفعل هذه الطاقة الثقافية والذاكرة البصرية الفنية، مضافا الى قاعدة البناء الجمالى المنفرد. يذكرنا الفنان رضا عبد الرحمن بالفنان ` سلفادور دالى` مع إختلاف الأسلوب والزمان والمكان دالى تمكنه من الرسم حقق له فنا عظيما على مدى التاريخ وكانت زوجته ` جالا` هى البطل فى كل لوحاته، فالفنان أحسن استثمار تميزه وتمكنه فى الرسم، فحقق فنا رائعا ومصرياً خالصاً، ونهر الفن يقدم الفنان وينتظر منه مزيدا من الإبداع لإثراء الحركة التشكيلية المصرية والعربية.
أ.د أحمد نوار
الأخبار - 2014
تحولات الشخصية المصرية فى معرض تشكيلى بالقاهرة
- رضا عبد الرحمن يستعيدها من عباءة الأسطورة الفرعونية ..
- يحتفى الفنان / رضا عبد الرحمن بالشخصية المصرية ، ويجعلها مدار اسئلته ورؤاه الفنية فى معرضة اللافت ` اسطورة ` المقام حاليا بغاليرى مصر بالقاهرة ، تتصدر الشخصية فضاء اللوحات بأحجام كبيرة واضحة ، ويبدو حضورها شامخا وصرحيا ، سواء فى تقاطعاتها مع حركة الواقع المعيش ، او مع حركة الزمن المنساب فى مجرى اسطورة لم يزل دفقها وسحرها يتجدد فى طوايا الروح والجسد ومرايا الحياة . إنها الاسطورة الفرعونية ، حجر الأساس فى معظم أعمال الفنان . وتوحد طاقة الحلم فى اللوحات بين كل هذه التقاطعات ، ناسجة جدلية مرنة وحية ، يتبادل فيها الواقع والأسطورة حقول الدلالة والأقنعة والرموز ، ويتناغم فيها باقتدار ومهارة عالية فضاء الرسم والضوء واللون .
يدفع الفنان أشكاله على خلفية فنية صلبة وشاسعة وغنية ، يشغلها بإيقاعات خطية وانبثاقات لونية متنوعة ، تنحو نحو البساطة والتلخيص ، لخلق صورة أكثر قدرة على التعبير ، وجعلها دوما محور الإيقاع . فالصورة هى مركز الاسطورة والواقع والحلم فى اللوحات ، تتماوج فى ظلالها كل عناصر اللوحة ، من شخوص وأشكال متجاورة ومتداخلة ، تومض بشكل صريح أو طيفى ، على هيئة حيوانات وطيور ونباتات واسماك ورموز تجعل اللوحة بمثابة حالة من الغمر الدائم فى الطبيعة وتحولات الزمن والعناصر والاشياء .
واللافت أن هذا الغمر يجعل اللون ينساب بحيوية فوق الصورة ، مكونا غلاله شفيفة ، وموحدا ما بين أبعاد التكوين الأعلى بالأسفل ، الخلف بالأمام ، فى تناظر موسيقى حى ، ينعكس بمستويات مسطحة على الصورة نفسها حيث تصبح اللوحة بمثابه معزوفة بصرية ، تترك أثر على عين المشاهد ، يشبة الذبذبة النغمية ، وتمتد روافد ذلك الاثر فى جسد الاسطورة والواقع والحلم معا ، كأنه لحن حى يتخلق عبر امتداده فى الزمان والمكان .
وفى اللوحات ، يتناسل الحلم بالاسطورة ، على نحو خاص فى ماهية الأنثى ، مخايلا طبيعتها كرمز للخصوبة والنماء ، ويحرص الفنان على عدم تهشير وتموية ملامحها فهى واضحة وفق تركيبة فنية وعاطفية خاصة بها ، مشدودة لعالم الأسطورة الفرعونية على نحو خاص ، نقطة حركتها تبدأ من ثباتها فى مكانها ، كما تبدو واثقة بنظرتها للعالم والاشياء من حولها بهذا الوثوق المشمس ، تتأمل الأنثى ظلها الملاصق لها كأنه طفلها الهارب من غبار الأزمنة وسطوة الصورة نفسها ، وفى الوقت نفسة ، تشى بحالة من الفرح الدافئ بالطبيعة ، التى ترفرف عليها ، فى عناقيد من التوريقات النباتية والنقوش والعلامات الخطية الخاطفة كالنجوم والورود ، تنسال وتتواثب على جوانب وفى عمق الصورة كأنها زخات مطر خفيف أو قطرات ندى تنزلق بعفوية من اوراق النباتات إلى فضاء اللوحة فى مشهدية رائفة تتسم بقدر كبير من الطزاجه ، وتعكس معايشة حميمة للطبيعة ، أظن أن الفنان استقاها من خلال مرسمة القابع فى إحدى الجزر بوسط نيل القاهرة .
تحضر الأنثى فى اللوحات مخفورة بكل عناصر اللوحة، وببراءة الطيور صديقة الأرض مثل ` أبو قردان ` و` أبو المنجل ` ووسط كل هذا يبرز الفنان حضور الصورة ويؤكد هيكلتها ، سواء بالتدرج الحاذق من فضاء الدكنة إلى النور ، أو بالمواءمة الشفيفة بين ألوان تبدو فى طبيعتها متضادة ، تتفاوت بين الازرق البراق المشع ، والبنى المشرب بحمرة دافئة ، والأبيض المخلوط بنثارات لونية متنوعة والاخضر الفيروزى بتدرجاته الداكنة والفاتحة والاصفر الذهبى ، لكن هذا التضاد ينحل بشكل موح فى جسد الصورة ، وينساب فى ملامحها ، بهندسية رشيقة مضمرة ، تمنح الشكل نوعا من البروز ` كالريليف ` وهو ما يذكرنا بالرسوم الناتئة على جدران المقابر والمعابد الفرعونية . إضافة إلى ذلك يضاعف رضا عبد الرحمن أحيانا من حضور الصورة باستخدام تقنية الرسم داخل الرسم ، أو الشئ وظله ، ليخلق نوافذ إدراك جمالية مغايرة للصورة ، ويؤكد قدرتها على التجدد من داخل نسيجها وبمقوماتها الذاتية الخاصة بعيدا عن مظان الإحالة إلى الكولاج ، أو أى مظاهر لتشخيصية مفتعلة .
وينأى حضور الأنثى الطاغى فى اللوحات عن فكرة الثنائية الشائعة مع الرجل فحضورها منفرد بذاته ، لا يتقاطع مع الرجل ، فى الوقت نفسة لا يلغى حضورة ، لكن هذا الحضور يظل دائما فى منطقة الظل أو الطيف، حيث نادرا ما تحتفى اللوحات بإبراز ملامح خاصة للرجل ، سواء فى طريقة الرسم ، او التكوين بل تكتفى . فى الغائب الأعم ـ بملامح كروكية ، تخفت فيها شحنة الفنان العاطفية إلى حد ما ، لكنة مع ذلك يلجأ إلى رمزية الحصان كوسيط تعبيرى فى بعض اللوحات بين الأنثى والرجل ، فى دلاله لافته على حالة من الجموع والانطلاق تشكل مدار فعالية الكائنين معا ، وتوحد بينهما . ورغم بروز التيمات الفرعونية فى اللوحات ، فإن اسطورة الانثوى ، أو الأنثوى الأسطورة ، تنداح فى حقول رمزية وفنية متعددة المستويات ، مما يجعلها مغتوحة بحيوية على الماضى والحاضر معا ، فهى رمز للأمومة والأبوة ، وفى ملامحها تتضافر صورة المرأة الصعيدية االصلبة ، والمرأة الريفية بـ` عبلها ` الفطرى النقى ، وكذلك امرأة المدينة المسكونة بهواجس الحداثة .
فهكذا ، لايبحث رضا عبد الرحمن فى لوحته وهو يشدها إلى أقصى طاقات التجريب ، عن حلول بصرية توائم بين طاقنى التجريد والتجسيد ، كما أنه لا يستدعى أسطورته المشتهاة من جراب الماضى فحسب ، لكنة يهضم ويتمثل كل هذا باحثا عن شكل جديد للفن والحياة معا ، يفيض فية كلاهما عن الآخر ، ويمنحة معنى وجوده وحريته وشهوته الأولى .. لذلك ، تتلاقح فى لوحاته بحجومها الكبيرة حدوسات شتى للمعرفة الإنسانية ، لا تخلو من رسائل تومض بعفوية تحت طبقتها البصرية ، سواء فى عربدة السكين أو فى براءة الفرشاة على براح المسطح التصويرى الغنى ، وهى رسائل لا تبحث عن إجابات مكتملة أو تقليدية ، وإنما تحفر أسئلتها الشائكة على جدار اللوحة والواقع معا .
بقلم : جمال القصاص
الشرق الأوسط - 2014
أساطير رضا عبد الرحمن ...المرأة والوعود المؤجلة
- حكايات تناقلتها ألسنة فتيات `جزيرة الذهب ` حيث يقع مرسمة على ضفاف نهر النيل الخالد ، جلسات بوح فى غمرات الترويح عن النفس خلال انهماك نساء الجزيرة فى متابعة اعمال المنزل والحقل ، مشاهدات عديدة لرموز انثوية منغمسة فى ملاذ نيلى يقيها صخب المدينة ويحملها بتراث قديم وملامح أسطورية
إرث فريد استلهم منه الفنان التشكيلى الدكتور رضا عبد الرحمن أفكار لوحات معرضة ` أساطير ` الذى جعل من الانثى فية شهر زاد ` البوح ` التى أعادت للأسطورة والوعود المؤجلة اعتبارها وتمردت على الواقع الحالى للمرأة المهمشة إلى الانثى الاسطورة القادمة عبر الموروثات المصرية القديمة والتى اتخذت فيها المرأة المصرية موقعا مركزيا باعتبارها شريكا للرجل فى الانتاج وملاذا للدفء وذاكرة لحفظ التراث الجمعى .
- وكما يرى أستاذ الفنون الجميلة الدكتور ياسر منجى، فإن رضا عبد الرحمن جسد هذا التجلى الانثوى فى كل أعمال المعرض حيث جاءت كل أنثى من بطلات لوحاته لتبتعث من ترسانة الفن المصرى القديم حزمة من العلامات البصرية التى يعيد رضا تأويلها فى إطار من فضاء الحكى .
- وعبر محطاته الصورية فى لوحات معرضة يقص علينا رضا عبد الرحمن قصة الانثى الممسوسة بسعار رغبة مؤجلة فى مواجهة الفحولة الذكورية ، للأنطلاق نحو موروث الخصب والنماء وقصة الجمال فى مواجهة الحكمة ، فى لوحة ` تحوت والجميلة `حين تطالعك تلك الفتاة المفتونة برواء أنوثتها بوضعية جانبية وقد اتشحت بثوب يضيق بمفاتنها النافرة فى تجسيد لحتحور المعاصرة ، وهى تقف قبالة طائر ` أبيس `أحد تجليات المعبود المصرى القديم تحوت صاحب مقاليد الحكمة .
- وحين تطالعك `تمر حنة ` فى معرضها تعلن عن كيفية تمرد المفاتن الانثوية وتحررها عن الوقار الإسطورى للأنثى الفرعونية، فإنها تدخلك فى صراع لا متناه بين البهاء والرواء والشغف من ناحية إلى الكبت والانزواء والتعفف من ناحية أخرى .
- وخلال التقلب بين الافتتان والانزواء يكشف رضا عبد الرحمن فى ` أساطيرة ` الزيتية عن عالم من الاسرار والحكايات التى رواد فيها أنثاه عن نفسها لتبتعث عوالم من الاساطير عليها تحقق بعض وعوده وأحلامة المؤجلة.
بقلم : أحمد عبادى
الأهرام - 2014
خطوات رضا عبد الرحمن
- `خطواتى` هو عنوان معرض الفنان رضا عبد الرحمن الخاص رقم ` 28 ` الذى يفتتح بقاعة سلامة بالمهندسين الاثنين القادم، ومع أن المعرض يضم مجموعة من أعماله خلال رحلته الفنية منذ تخرجه حتى الآن، حيث يضم المعرض حوالى أربعين عملاً بين الاسكتش والتصوير الزيتى، إلا أن عنوان المعرض نفسه مغر بالتفكير ، والسؤال ..
* كيف كانت خطوات رضا عبد الرحمن ؟.
- أى متابع لأعمال رضا عبد الرحمن لابد أن يلحظ أن خطواته كانت قوية ومحسوبة، أعماله على سبيل المثال لم تعان من التخبط فى البدايات وتجريب الأساليب المختلفة، ولكن حتى البداية كان الأسلوب فيها واضحا والشخصية متماسكة، لم يكن هناك ثمة ما يشير إلى أننا أمام فنان يبث عن أسلوب .
ربما كان العالم الذى أتى منه عبد الرحمن له علاقة بمشواره الفنى، هو ابن منطقة القناة، تحديدا من الإسماعيلية، وخريج، كلية فنون المنيا، حيث تعرف عن قرب على التاريخ المصرى القديم، وعاين التماثيل والرسوم الفرعونية،
ولاحظ بنفسه آن المصريين امتلكوا حضارة كان الفن هو وسيلتها للخلود، رضا تشبع بكل هذا واستلهم هذه الحضارة وهو يعبر حتى عن قضايا آنية ومصيرية، وهو يطل يوميا بنفسه على هذه الحضارة من مرسمه، فى جزيرة الدهب، الحضارة التى شيدها المصريون وامتدت على النهر، الغريب انك تلاحظ أن المصرى رغم التراكم المعرفى والثقافى ما زال محتفظاً بعلاقته الفطرية مع النهر لاحظ حالة الأمان والانسجام بينهما إلى درجة أن المصرى يتخذ من المركب بيتا أمنا له يمر من أمامك وأنت تتابع لوحات عبد الرحمن فى مرسمه،فتدرك العلاقة بين النبع والفنان .
بقلم : محمد مرسى
16 / 11/ 2012 - مجلة نصف الدنيا
فى معرض رضا عبد الرحمن حنين يستقطر جذور الذاكرة
- يطالعنا ` رضا عبد الرحمن`، من خلال عرضه الراهن بـ` جاليرى ضى`، بمجموعة منتخبة من أعماله، التى تمثل شريحة تلخص خريطة المسارات التحولية الرئيسية فى تجربته الفنية. غير أن مايميز هذه الشريحة التلخيصية، على وجه التحديد، إنما يكمن فى تضمينها عددا من الأعمال، التى برغم أنها عرضت فى مناسبات سابقة، إلا أنها كانت مناسبات ضمن فعاليات وعروض خارجية، ولم يسبق عرضها داخل مصر قبل ذلك ، فهى أقرب ماتكون إلى جمل تركيبية شاردة ، يعاد استحضارها وتوليفها فى صلب النص البصرى العام لتجربة ` رضا عبد الرحمن `. اختار` رضا ` لهذه النخبة من أعماله عنوانا إطاريا دالا ، هو ` حنين `؛ معبراً من خلاله عما بات يصرح به فى مناسبات عدة ، مما يصفه هو نفسه بـ` الحنين الجارف لمصر ... المنشأ والعشق `، وهو مايندغم فى عمق إحساسه بقلق وجودى من نوع آخر، يتعلق بتجربته الفنية ذاتها ، نتيجة قرار الارتحال للولايات المتحدة الأمريكية، الذى يصفه بأنه شطره ` فنيا ووجدانيا`.
- وبهذا المفهوم ، يمثل هذا العرض حالة دفاعية فى المقام الأول، على المستوى الوجدانى، يحاول ` رضا ` من خلالها التشبث بمرجعية النشأة الأولى، والتحصن خلف أسوارها - ولو من خلال تجربة فنية موقوتة بزمن عرضها - لدرء تبعات الحنين وهواجس الافتقاد القاسى. هو إذن سعى لاستقطار جذور الذاكرة الساكنة فى أرض الميلاد والنشأة والتحقق الأول، وجهد لمد جسور بينها وبين بقاع الترحال وأصقاع الاغتراب .
- ومن زاوية أخرى، يعد المعرض فرصة لتأمل ملامح ذلك الخط الأسلوبى، الذى دأب ` رضا` على انتهاجه، وموالاة تطويره، والاسترسال فى مغامرة استكشاف أبعاده ، الجمالية والفكرية ، خلال السنوات الخمس الماضيات، مستحضرا فى صميمه وفحواه مرجعية الفن المصرى القديم ، بوصفها معينا لاينضب لتخصيب جدلية الصورة / التاريخ .
- كان هذا الاختيار المرجعى من قبل ` رضا ` متسقا تمام الاتساق مع تركيبته الشخصية ، من حيث افتتانه بهذه الحضارة الطاغية، ومع نزوعه الوجدانى والفكرى - من جانب آخر - لمعالجة قضايا وأفكار، متجذرة فى صميم الواقع الاجتماعى، وهو ما ظهر واضحا فى تجارب سالفة متعاقبة، بدا فيها انحيازه واضحا للرهان على الالتحام بالناس، والالتحاف بزخم التفاعل مع همومهم، واستبطان مايتيحه الانخراط فى علاقات وطيدة معهم من الاطلاع على حكايات شتى ، تنعكس على مراياها خصائص المجتمع المصرى وهمومه، وما يوفره ذلك الانخراط من إمكانات لسبر أغوار النفس البشرية.
- وانطلاقا من تأسيسه على هاتين المرجعيتين تحديدا - المرجعية المصرية القديمة ومرجعية النسيج الاجتماعى - كشف ` رضا ` عن انجراف قوى نحو الأنثى ، متخذا منها ( بطلة ) ومحورا لأعماله، بوصفها جوهرا أصيلا لنبض طاقة إلهام إبداعى لاتنضب، فضلا عن كونها تجسيدا كونيا مثاليا، لطائفة من الإشكاليات الرمزية والوجودية والوجدانية، التى مابرحت تؤرق المبدعين، على اختلاف مجالاتهم ، منذ بزوغ فجر الإبداع البشرى إلى الآن .
- وقد كان ذلك دافعا لـ` رضا ` ، آنئذ ، للانكباب على استكشاف المفاتيح الصياغية، التى قد تمكنه من فض بعض مغاليق هذا الاشتباك العويص ، بين ماهو اجتماعى يؤطر صيرورة نشاطه الفنى، وبين ماهو وجودى مضمخ بالنزوع الغريزى، فى صميم إشكالية علاقة الذكورة / الأنوثة، المبدع/ الملهمة، الفنان/ النموذج .
- ولم تنفصم عن ذلك محاولة مثيلة ، ظلت تؤرقه منذ بداياته، وإلى الآن، خلال سعيه الحثيث للمصالحة بين الإرث التاريخى للصورة، فى تجليها المصرى القديم - كمكون جوهرى من مكوناته الوجدانية والمعرفية ، كفنان منتم إلى ثقافة متمايزة بالضرورة - وبين ارتحالاته العصرانية، فى تجليات الخطاب الفنى العالمى الراهن ، بحكم انتمائه التاريخى للحظة المعيشة ، فى اشتباكاتها المدوخة بمستجدات الحراك الدولى، وكذلك بحكم مراوحاته المعيشية ، بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية ، كمستقر اختيارى له ، على المستويين الحياتى والفنى.
- هنا نكون قد وضعنا أيدينا على مفتاح الشفرة، التى تمكننا من ولوج مغاليق جوهر تجربة ` رضا عبد الرحمن` ، التى لايبرح يعاود فيها ، المرحلة تلو الأخرى، مراودة أنثاه الفنية عن أسرار ألقها الجمالى، جاعلا منها ( شهرزاد ` البوح )، ومتخذا من صورتها الذاتية مرآة ، تتشتت على سطحها الغوائى أحلام المهمشين المحرومين آنا، وتنعكس على مفاتنها أصداء قديمة من أقاصيص الجدات، اللائى ورثتها عن جدود الجدود ، لتتماهى فى نسيجها موروثات غابرة، موشومة ببقايا روائح مصر القديمة ، وأنداء من صباحات مصر القبطية - الإسلامية ومساءاتها ، مابرحت تتفاعل ، فى مسار تيار جار من زخم شعبى حى، تتخذ فيه المرأة موقعا مركزيا ، باعتبارها شريكا للرجل فى الإنتاج، وملاذا للدفء من عوادى الزمن ، وذاكرة لحفظ التراث الجمعى ، بعاداته وتقاليده وممارساته وقصصه، ومسئولة عن نقلها من جيل لجيل ، فضلاً عن دورها الكونى، الذى لم تتوقف عن لعبه منذ بدء الخليقة ، بوصفها مصدرا لابتعاث المسرات الجمالية والحسية .
تأتى الأنثى فى تجربة ` رضا عبد الرحمن ` لتعيد للأسطورة اعتبارها ، من حيث هى وعاء حامل للتراث ، وقابل فى الآن ذاته لتفكيكه وإعادة تأويله ، بعد ممارسة تضفيره مع جدليات الواقع المعيش ، وإسقاط تجليات الحاضر على أطلال أسطحه المتكسرة ، وهى حين تفعل ذلك ، فإنما تفعله وقد تلبستها صورة جدتها المصرية القديمة ، التى ظلت كامنة فى أعماق لاوعيها الجمعى ، تحت قشرة التغير المظهرى المخاتل .
- من هنا يبدأ ` رضا ` فى استثمار انجرافه فى تيار تراثه القديم متراكم الطبقات ، فكان خليقا بأن يورثه ذلك الانجراف حظوة الامتلاك بهذا الزخم التراثى إلى حد التشبع ، وإلى حد التقمص ، وإلى حد انفراج المخيلة الإبداعية عن معادلات بصرية لهذا المعين الذى لاينضب.
- استرسل ` رضا` فى استلهام ماوعاه من هذا الإرث الفريد ، معتمداً على التجلى النسوى - فى الصورة والفحوى - فى كل أعماله، إذ جاءت كل أنثى من بطلات الأعمال تباعا، وهى تبتعث من ترسانة الفن المصرى القديم زمرة من الصور ، وحزمة من العلامات البصرية ، التى يعيد ` رضا` تأويلها ، فى إطار يرسم حدوده موضوع كل لوحة من لوحاته، ويتحكم فى صياغة نسقها التكوينى واللونى معا، فنجد الأنثى الممسوسة بسعار رغبة مؤجلة ، وقد احتلت صدارة بعض اللوحات ، فى حضور إيروتيكى Erotic مشروط بأحكام الصورة المصرية القديمة ، خاصة فى إعلائها لقيمة الخط ، وارتكازها على الوضعات الجانبية، واحترامها لقيمة الفراغ ، بنفس قدر احترامها لقيمة الشكل المتواشج معه .
- وفى إطار هذا الاستدعاء ، يتخذ ` رضا ` من الترميز إطارا لإعلاء صدى البوج ، عن طريق بعض الحلول البصرية الذكية ، التى نراها تلعب دورا فى إجلاء المعنى وإغناء الصورة معا ، فنراه وقد جعل من رأس الأنثى - فى لوحات مختلفة - مستنبتا لأغصان شجرة رهيفة، أو مستقرا لتاج دائرى من المراوح التخيلية ، فى إحالة واضحة لفكرة الخصب والنماء . وقد يصل به الأمر إلى تضفير جسد الأنثى بأكمله داخل أجمة من فروع الأشجار المتشابكة، ليصير جسدها بديلا عن الجذع ، فى إشارة لاتخطئها العين نحو فكرة القطاف من شجرة الغواية الأولى ، واستدعاء لأساطير معبودات الخصوبة الإناث ، المتماهيات مع الأشجار فى مختلف الحضارات القديمة .
- ويرسخ ` رضا ` من هذا الحضور الأنثوى ، المترع بالنشوة والوعود الحسية / الروحية البهيجة ، من خلال معالجة بصرية، بسيطة وفعالة فى آن ، وذلك من خلال لجوئه ، فى كثرة ملحوظة من أعماله، إلى تكرار وحدات منمقة ، من الزهور والنجوم والأشكال الدائرية والحلزونية المصغرة ، تردد أصداء نبضها البصرى فى عموم مسطح اللوحة ، مستعيدة تقاليد التكرار الزخرفى فى تراث الفنون الإسلامية والشعبية ، مع استثمار الإمكانات الإشارية لهذا التكرار فى الآن نفسه . وقد سبق وأن ظهر توظيف ` رضا ` لهذه المعالجة التكرارية جليا ، فى معرضين سابقين من معارضه التى لقيت احتفاءً ملحوظا ، وهما : معرض` أنا فى الثورة `، الذى أقيم بقاعة ` الباب `، التابعة لقطاع الفنون التشكيلية، فى يناير من عام 2014 ، ومعرض` أساطير` ، المقام فى نهاية إبريل من العام نفسه ، بقاعة ` جاليرى مصر ` . وقد لعبت تقنية التكرار لوحدات بصرية بعينها - فى كلا المعرضين - دورا محورياً ، ظهر أثره وقتها فى جميع لوحات المعرضين تقريبا.
- كذلك فقد دأب` رضا `، فى العديد من أعماله ، على استحضار مفردات حيوانية وطيرية وسمكية دالة ، وانتقائها بما يلبى الضرورات الرمزية، المتسقة مع الحس الطبيعى Naturalistic ، المؤطر لكثرة من أعماله، وكذا مع المرجعية المصرية القديمة التى يرتكن إليها . نرى ذلك بجلاء فى حضور طائر` إبيس ` Ibis ، أحد تجليات المعبود المصرى القديم ` تحوت ` ، صاحب مقاليد الحكمة ، والمشتمل على أسرار المعرفة بين معبودات مصر القديمة، وهو يرقب فى صمت مشهدا لتماس كف العاشق الصامت مع أزاهير من ` عباد الشمس` Sun flower ، التى تستر مكمن العفة فى جسد المعشوقة الواجمة فى صمت . نراه كذلك معتليا طرف موجة لونية نزقة ، تغشى شفافيتها الوردية جسد الحبيبة، وقد رنت صوب المتبتل حاجبة ثمرتى نهدين واعدين. ثم يطالعنا كرة ثالثة، من فوق ظهر إحدى الراقصات المنحنيات، خلال ذروة انهماكها فى التثنى المحموم ، مستعيدة بمرآها الظلى المحايد Silhouitte أشكالا غابرة فى تصاوير ` جرزة ` Gerza و` نقادة ` Naqada . وفى مشهد رابع ، يرنو الطائر العتيق صوب عينى فاتنة بضة ، مكنته من اعتلاء ركبتيها ، فى تماس رهيف مع ذاكرة الفن العالمى ، فى تلكم الأعمال، التى طالما انشغل الفنانون من خلالها فى معالجة أسطورة ` ليدا وطائر البجع ` Leda and the Swan .
- غير أن ضيفا جديدا، يبدأ فى الحلول بحضور لافت ، بين نظرائه من كائنات مصر القديمة ، لاعباً دورا مؤثرا ، على المستويين البصرى والرمزى ، فى عدد دال من الأعمال المعروضة، منافساً ` تحوت ` و` أنوبيس `، وجاعلا من السمكة شريكا ثانويا ومكملاً تكوينياً . ذاك هو الحمار، ذلك المخلوق الصبور الحساس ، الذى طالما قاسى حضورا ملتبسا فى صميم الثقافة الجمعية ، برغم شراكته التاريخية المؤثرة لصناع الحضارة المصرية ، واستقراره كأيقونة ثقافية راسخة فى صميم المشهد الحياتى ونسيجه المتشابك .
- انشغل ` رضا ` بهذا المخلوق المغبون الحظ على مدار تجارب متعددة سالفة ، ليفرد له تجربتين أساسيتين منهما ، كانت إحداهما تجربة جماعية ، كان مدار الانشغال فيها معالجة المجسم النحتى لشكل الحمار، باعتباره سطحا قابلا للمغامرة التصويرية ، فى اقتران عصرى بمفهوم العمل التركيبى الفراغى Installation فى الآن نفسه. أما التجربة الثانية ، فكانت معرضا فرديا ، قدم فيه ` رضا ` تجربته الخاصة، تصويرا وتجهيزا نحتيا ، فيما بين شهرى ديسمبر 2015 ويناير 2016 بقاعة ` جاليرى مصر` .
- يطالعنا ` رضا ` فى غمار هذه التجربة بمعالجة جديرة بالتأمل ، لما يميزها من توجه ملحوظ نحو الاستفادة من الموروث الشعبى المصرى، وذاك إذ نرى ` رضا ` وقد عمد إلى تلوين مجسمات حميره ، بألوان تستعيد ذاكرة الابتهاج بتلك المجسمات السكرية الملونة، للفارس على حصانه، والعرائس الصغار ، التى تزدهى بها منصات حلوى المولد النبوى فى قرى مصر وأحيائها الشعبية . وقد زاد من ترسيخ هذه الإحالة ، تلك المفردات الزخرفية . البسيطة ، التى انتثرت فى توريقات نباتية ولألآت نجمية ، على أجساد الحمير الملونة البهيجة .
- غير أن `رضا `، من جانب آخر، لايغفل عن توليف هذا الاستدعاء الشعبى الاحتفالى ، مع اشتغالاته المناظرة على مسطحاته التصويرية، خاصة تلك المنتمية إلى تجربة معرض ` الحمار` ، إذ تتطابق ألوان مجسمات الحمير نفسها ، مع نظائرها من المساحات اللونى الشفافة ، التى توالى تشطير أسطح اللوحات، فى غلالات رهيفة ، تتقاطع مع مختلف مساحات الفراغ ، رابطة إليها أجساد الشخوص وأشكال المفردات البصرية المرسومة .
- وفى غمار هذه التجربة ، يفسح ` رضا ` المجال واسعا أمام تنويعات الخط Line ، لتمارس نزقها فى التثنى كيفما شاءت، معززا حضورها الطاغى ، ومستثمرا تعاليم الرسم كمهارة أولية ، فإذا بالشخوص والمفردات وقد استحالت فى أغلبها خطوطا حدية Outlines ، تتقاطع فى تغيمات متكاثفة النبرات مع غلالات اللون الشفاف ، المسحوبة فى مساحات منتقاة بعناية فى صميم كل تكوين من التكوينات الكلية للأعمال .
- على هذا النحو، يستكمل بنا ` رضا ` الترحال عبر محطاته الصورية فى لوحات معرضه الراهن، لنستجلى معه ، ضمن ما نستجلى، عددا من الأعمال ، التى تختلف، مذاقا وفلسفة، عن بقية الأعمال السالفة، إذ يكتفى فيها بالاعتماد على صراحة الحضور المباشر لضربات الفرشاة العفوية، التى ترسم - بمزيج من التعجل ، القلق والاستكشاف المغامر - حدود الأجساد وتفاصيلها ، بلون بنى عتيق النكهة ، زاد من تأثيره البصرى ذلك الملمس Texture الناشىء عن تضاد الوسائط الزيتية والمائية ، ليترك على أسطح اللوحات ذلك التفتيت المائى ، المحاكى لأثار انسحاب الموجات عن أسطح الصخور .
- وفى خضم هذا التنويع الأدائى ، يغازل فينا ` رضا` ذاكرة الصورة ، لنسقط عليه طيوفا من حضور الملكة العظيمة ` تى`، فى إطلالة رأسها الجليلة ، المعتدة بكتلة الشعر المستعار والتاج الملكى، تلك الإطلالة التى سبق وأن أفرد لها المبدع ` شادى عبد السلام ` دراسات متعمقة، تحضيرا لفيلمه الذى لم يكتمل ` أخناتون : مأساة البيت الكبير `. وفضلا عن ذلك ، يتماهى الشكل ذاته مع جميع الأشكال، التى سبق وأن صيغ بها حضور المعبودات الإناث، وكذا الملكات البارزات فى مصر القديمة ، وهن فى سطوع إطلالاتهن وقد امتلكن ناصية الاقتدار الأنثوى والسماوى معا .
- وخلال التقلب بين تلك التجليات والتداعيات، يستعرض ` رضا ` ترسانته من المعالجات السطحية غير التقليدية، التى ينفتح من خلالها مسطح اللوحة على فضاء أرحب ، يكسر الإطار التقليدى لفكرة الوسيط التصويرى الاعتيادى، عابرا شروط النوع والمجال ، وملامسا تخوم بعض الوسائط الجرافيكية والتجميعية ، التى تخلع على أعماله ثوباً قشيبا من الثراء البصرى ، وذلك حين نجده يعمد إلى تطويع إمكانات تقنية التذهيب ، ذات التقاليد العريقة فى تاريخ فنون الكتاب وتزيين المخطوطات . وكذا حين نمعن التدقيق والتحديق فى بعض لوحاته ، لنراه قد لجأ إلى إضافة بعض اللصوقات ، أو تثبيت بعض الوحدات التكرارية البارزة فوق مسطح اللوحة ، وكذا حين يمزج بمهارة بين معالجات اللون ، عن طريق تراكب طبقاته الرقيقة ، لتنتج عن ذلك شفافيات تراوح بين مغازلة عين المتلقى ، وبين إغناء السطح التصويرى بتراكمات يتردد صداها فى أنساق زمنية متعاقبة . ثم إذا به يقابل هذه الشفافيات ، بمواضع من التشبع الدسم لعجينة اللون ، فى أماكن التركيز استيفاء تفاصيل بعض المواضع المحسوبة من الأشكال ، خاصة فى وجوه الشخوص والحيوانات، التى يوليها عادة اهتماما خاصا، مظهرا فيها مهارته كرسام بورتريه متمرس .
- ومن بين الحلول البصرية التى توسع ` رضا ` فى تبنيها كذلك ، تقنية الإسالة ، التى يتم من خلالها ضغط فرشاة عريضة مشبعة باللون، على موضع بعينه من المسطح التصويرى، لتنثال دفقة من اللون لأسفل ، فى مسارات متوازية متفرعة ، معطية نمطا بصريا تكراريا ذا طابع خاص . وقد كان لهذه التقنية حضور خاص فى عدد من تجارب المصور الفرنسى ` جان ميشيل باسكيا ` - Jean Michel Basquiat (1960-1988)، كما تشهد حضورا مثيلا فى كثير من أعمال الفنان المصرى ` خالد حافظ `، أحد أبناء جيل ` رضا عبد الرحمن ` ، غير أنها تتخذ لدى ` رضا ` طابعا بصريا خاصا، يختلف عن مثيله لدى ` خالد `، جراء تواشجها مع جماليات الفراغ ، فضلا عن أنه يعمد إلى توظيفها بحساب ، منتقيا لها مواضع دالة داخل تكوينات لوحاته ،يتواتر أغلبها مابين الخطوط المحوطة لبطلاته الإناث ، وبين مراكز تفتح أزهاره الزخرفية ، فضلا عن مواضع الإنفصال والاتصال الخطية ، المحددة للتقسيمات الهندسية لأسطح بعض لوحاته ، وكأنها تفصل بين عالمى السماء والأرض ، أو ترسم الحدود المتخيلة ، بين عوالم الأرواح والأجساد .
بقلم : د. ياسر منجى
القاهرة 7-2-2017
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث