`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
عبد البديع عبد الحى جمعة
أطفال .. عبد البديع
- في المعرض الاستيعادي الكبير للمثال عبد البديع عبد الحي برزت الموهبة المدهشة في نحت تماثيل الأطفال التي لا يقدر عليها إلا عباقرة النحت في العصور القديمة مثل (برنيني)و (دوناتيلو) وحتى فن التصوير (فلاسكيز) و (موريلو) و(ماريا كاسات) ,(جول بالنت) الذي عاش في مصر وزينب السجيني التي صورت مرح الأطفال .
- وترجع صعوبة عمل تماثيل الأطفال إلي عفوية الحركة عندهم , وفي حالة الثبات فإن النوم يطاردهم كما حدث مع عبد البديع , فقد نامت طفلته فصورها في تلك الاغفاءة كأبدع ما يكون نحت عبد البديع أطفال الشوارع كأبدع ما يكون مثل الطفل الذي يلعب (أوله سنو) والطفل النوبي الذي نحته في البازلت رائعة متحف الفن الحديث والطفل السوداني بالعمالة السودانية وابنته النائمة وكان يقول لي الانسان هو أعظم مظاهر الحياة بالنسبة للنحات وحتى وجوه الأطفال هي اعظم تحد قابلته في الفن .
- ولد عبد البديع عام 1916 في عزبة جلال باشا بملوي وتوفي في 2004 ضحية لجريمة عبثية وهو من أهم المثالين المصريين الذين تعاملوا مع الخامات القاسية مثل البازلت والجرانية والحجر وكان صاحب موهبة عالية , بدأ حياته طباخا ورحل كمثال قدير , وبقيت أعماله الواقعية الخالدة تتحدي الزمن .
الناقد / مكرم حنين
الأهرام 15 /10/ 2008
شخصيات مصرية
- ولد الفنان عبد البديع عبد الحي في 30 يونيو عام 1916 بمدينة ملوي في محافظة المنيا - وهو الفنان عصامي علم نفسة بنفسة حيث تعلم القراءة في الكتاب ولم يكلم تعليمه وكان يعمل طباخا عند إحدي العائلات في ملوي وكان يهوى الفن فيأخذ الطين ويصنع منه ثماثيل صغيرة للجنود الذين كان يعجب ببدلهم الرسميه حتى أخبروه ذات يوم عن مسابقة (مختار للنحت) وكانت المسابقة عن ست الحسن .
- وتخيل عبد البديع ست الحسن على أنها فلاحة جميلة تمشط شعرها وصنع هذا التمثال وتقدم به للمسابقة وأعجبت به السيدة هدي شعراوي فقامت بشرائة ولما علمت بانه طباخ من ملوي طلبت منه أن يعمل عندها حتي ترعاه فنيا وقامت بإرسالة إلي قسم الحر بكلية الفنون الجميلة تحت أشراف المثال عبد القادر رزق واتاحت له مكانات كثيرة وفي اثناء الدراسة بالكلية حصل على الجائزة الأولي لمسابقة مختار مرتين لموضوعي العامل المصري والألعاب الرياضية وحصل بعد انتهاء الدراسة بالكلية على جائزة تمنح للممتازين من القسمين الحر والنظامي استمر هذا الفنان الفطري يملأ الحياة بأبداعاته بجوار اخلاصه في عمله في كلية الفنون الجميلة كعامل بسيط في قسم النحت وفي عام 1951 فاز بالميدالية الذهبية في مسابقة أنشئت بمناسبة انعقاد أول مؤتمر أفريقي أسيوي بتمثال لصبي يصعد سلما ممسكا بقوة ثعبانا حاميا للدنيا من سمومه وتستمر الإبداعات وفي عام 1973 وفي شهر مارس تحديدا لفت أنظار الوطن العربي بتمثاله عن الثعبان والقط (المقامة) وكان قد حصل على منحه تفرغ من الدولة عام 1960م حتى 1970 م وفي عام 1972 م فاز هذا الفنان الفطري الأصيل بجائزة الدولة التشجيعية في النحت ووسام الفنون من الدولة .
- وتماثيل هذا الفنان تعكس الآم ومعاناة الطبقة الكادحة من أطفال وحرفيين وتجسيدا رائعا للطيور والحيوانات والألعاب الشعبية والمواقف الإجتماعية والسياسية مما جعلها قريبة من وجدان الشعب وطموحاته فهو مرهف المشاعر منحوتاتة تتميز بالقوة وصدق التعبير وضرب الفنان عبد البديع مثالا في الإصرار والتحمل والعناد مع الخامات القياسية مثل البازلت والرخام والجرانيت وأبداع أعمالا تميزت بقوة التعبير ويعتبر الفنان عبد البديع الوحيد في مصر من المثالين الذي قام بنحت تماثيله من البازلت أو الجرانيت أو الرخام أو الخشب وكان الفنان عبد البديع زاهدا في الحياة لا يستهوية المال تكفيه كلمة تقدير وثناء وكانت سعادته أ يري الحب في عيون الآخرين ثروته الحقيقية كان يجدها في أدواته البسيطة تماثيلة الرائعة التي تزين جدران المتاحف وظل حتى آخر أيام حياته إنسانا مصريا بسيطا متمسكا بزية الشعبي الجلباب الصعيدي وبعادات وتقاليد وقيم ابن مصر الأصيل رافضا الانتقال لأحج الأحياء الراقية أة ارتداء الزي العصري البدلة أو البطلون بل ظل كما جاء من صعيد مصر بتقليدة وعادته واتسمت أعمال الفنان عبد البديع عبد الحي بالقدرات الأكادمية العالمية وبالواقعية المحببة المشحونة بالرمزية وكانت لدية قدرة باهرة على دقة التفاصيل في رقتها وكان يميل إلي التزميم في الأسطح دون خشونة تذكر إذ أنه يري أن الجمال في الخامة الصلبة يظهر بالنعومة .
- خلدت أعماله في متحف الفن المصري وفي متحف سوريا والمانيا وغيرها رحل الفنان وشيخ النحاتين عن دنيانا عن عمر يتناهز 88 سنة في عام 2004 وتبيقي ذكر شيخ النحاتين الفطرية في وجداننا لأنه أثري الحركة الفنية بروائع أعمال النحتية التي تشهد بعظمة هذا الفنان الأصيل البسيط الذي لم يغيره الزمن أو تنل منه الشهرة ةالأضواء ويكون مثالاً حيا لهذا الجيل ليتقتدي به ويعلم أن الحياة ليست بالعلم الغزير بل بالعزيمة والأصرار والتحدي مغلفة بعلم واسع من الحياة .

الأهرام المسائي 23 /10/ 2008
البازلت .. وضوء القلب
طالعتنا صحف الصباح - منذ أيام - بخبر مقتل الفنان المثال عبد البديع عبد الحى (1916-2004) فى حادث قتل مع سبق الإصرار والترصد ، على أيدى اثنين من المجرمين الذين هوت بهم البلطجة الى حد استباحة دماء الإنسان لتحقيق رغبات فاسدة لنفوس أكثر فساداً وقبحاً فى المجتمع ، درس المثال عبد البديع فى قسم الحرّ النهارى بمدرسة الفنون الجميلة العليا العام 1943 ، واشتغل طباخاً عند هدى هانم شعراوى ثم عمل بكلية الفنون الجميلة صانعاً للنماذج والتحف وصبّ القوالب النحتية بالكلية وبمرسمها بالأقصر ، اشترك على مدى خمسين عاماً فى معارض كثيرة بالداخل والخارج نذكر منها مسابقة مختار والمعرض العام ، وفى روما ، فرنسا ، هولندا ، السودان ، سوريا ، بينالى الإسكندرية ، كما حصل على منحة تفرغ منذ عام 1960 حتى 1970 ، كما فاز بعدة جوائز نذكر منها جائزة مختار للنحت ثلاث مرات أعوام 44،45،1948 ، جائزة ثالثة فى مسابقة الثورة فى عشر سنوات 1962 ، جائزة الدولة التشجيعية ووسام الدولة للعلوم والفنون من الطبقة الأولى العام 1974 ، تكريم بالملتقى الدولى للنحت بأسوان ، والمثال عبد البديع له قول مشهور يقول فيه `أخذت الحجر الصلب لأنه يعيش ، وصعوبة الحجر علمتنى الكثير ، علمتنى الاحتراس ، والحذر والصبر وقوة الاحتمال وعدم التسرع` استطاع مثالنا الراحل أن يطوع الأحجار الصلبة ويحولها الى خامات مطيعة يشكلها كما يريد ، بالنحت فيها بالرغم من قسوتها ، وهنا تكمن القيمة وعبقرية الإنسان المبدع حين يتجاوز الآلام من أجل التعبير الحى والصادق ، ونحن أمام نموذج يمتلك ضوءا متفرداً وغير تقليدى ، فتماثيله سوداء من أحجار البازلت والجرانيت والديوريت .. إلخ .. أصعب وأصلب أنواع الحجر ، ومعروف أن الألوان القاتمة تمتص - بطبيعة الحال - الأشعة الضوئية الآتية إليها من مصادر طبيعية أو صناعية على حد سواء ، الأمر الذى يجعل من الصعوبة التحدث عن ومضة ضوء داخل خلال هذه الأحجار ، ولكن ومضة الضوء هنا مركزها ومصدرها قلب عبد البديع عبد الحى والتى تبث من كيانه بالكامل أثناء احتوائه كتلة الحجر التى ينحتها وتنصهر فيها مشاعره وأحاسيسه الدافئة ، وحبه لوطنه .. وعزته وكرامته وشهامته كإنسان كريم ، ودود، محبُّ لكل الناس ، كان نموذجاً زاهداً فى كل شئ ماعدا حبه لفنه وقلبه المشدود للناس ، كان يتحدث عن الحجر كما يتحدث المحب عن حبيبه ، كان يلمس البازلت الصلب، كما لو كان يلمس جسد مخلوق قريب إلى قلبه، يلتف حول الحجر، يداعبه، ينحته، يشطفه، ينعمه، يخشنه، يشكله بأنامله القوية والشديدة العافية لتعاملها مع المطارق والأزاميل ، وحملها الأحجار الثقيلة ولذا نستطيع القول بأن مثالنا لم يمت ، فقد ترك منحوتاته حية بمعانيها وجمالها وبمضامينها كالأهرام والمعابد التى لا تموت .
أ.د./ أحمد نوار
جريدة الحياة - 2004
100عام على ميلاد عم عبد البديع
100 عام على ميلاد عم عبد البديع
لو أن الفنان عبد البديع عبد الحى لم يفعل شيئا فى حياته ، غير أنه أنجب الفنان شريف عبد البديع ، فقد كان يكفية ، أنه قدم معمارا للفنون الجميلة ، فلم أشعر يوما على مدى عقود عمر صداقتى به ، بوجود الأسوار الاكاديمية التى تفصل أغلب من يعمل فى هذا المجال عن الناس والواقع ، لكن الفنان عبد البديع الكبير تجاوز كل ما واجهه سواء طبقيا أو ندرة فرص التعليم ، او المنافسة المطروحة علية باعتبارة اختار مجالا لا يعرف بانصاف الموهوبين او الفهلوة ، مجلا لا يعترف غير بالمبدعين حتى لو اجتمعت كل قوى الفساد ، تظل قيمة المبدع ، وتتجلى حتى بعد أن يتركنا .
تحت ضغط متطلبات الحياة التى لا تتوقف عمل عبد البديع عبد الحى كصانع نماذج نحتية فى النحت .. حيث ارتبط بملامح الوجوه من أبناء الطبقة الكادحة والاطفال والحرفيين .
مائة عام تمر على ميلاد ابن الصعيد ، ففى 30 يونيو 1916 ، أنجبت مدينة ملوى ` محافظ المينا ` طفلا يحمل جينات أجداده ، طفلا يخترق الحجب ، طفلا قدر له ان يحاول قهر الاحجار الصلبه ، فى محافظة المينا ، فى السابعة من عمره عمل طباخا فى قصر الخواجة ` تادرس ` أحد أعيان ملوى ، ولأن حب النحت فى دمه فقد علم نفسه بنفسه كل شىء حتى التحق بالكتاب لكنه لم يكمل تعليمه ، ومع ذلك عندما قرأ عن المتحف الحربى توجه إليه ، حيث قدم مجموعة من التماثيل الصغيرة التى كان قد نحتها بالسكين الى مدير المتحف بالقاهرة وهو الدكتور ` عبد الرحمن زكى ` الذى كان أستاذا للعمارة الإسلامية وايضا العمارة الحربية ، فشجعه كثيرا على الاستمرار .
وفى عام 1942 خرج من ملوى متجها الى الشمال ` القاهرة ` ليشارك فى مسابقة مثال مصر الاول ` محمود مختار ` ` 1891 ـ 1934 ` بتمثال لعبة السيجة .
أما تمثال ` ست الحسن ` الذى يجسد وقفة فتاه على عتبة الباب الحجرية وهى تمشط شعرها ، فيعد نقطة تحول فى حياة الطباخ الساعى الى مرتبة الفنانين ، فقد حصل به النحات عبد البديع عبد الحى على الجائزة الأولى فى مسابقة مختار فى عام 1934 ثم سحبت منه لاعتراض بعض الفنانين المشاركين لكن عندما رأت السيدة هدى شعراوى التمثال وعلمت بالموقف ، استدعته على الفور للعمل لديها طباخا ، فما كان من النحات الطباخ إلا أن قام بإهداء التمثال الى السيدة التى شجعته ، بعد أن رفض بيعه الى والد الملكة فريدة !!
وقد كان لاستقرار عبد البديع عبد الحى وتشجيع هدى شعراوى أحد أسباب تألقة إبداعيا فلم تخطئة جائزة مختار مرة أخرى حيث حصل الجائزة الأولى عن تمثاله ` طارق النحاس ` عام 1944 والذى يجسد حرفيا يقوم بعمله فى تركيز كأنه يصلى فيما كشف الصديرى الذى يرتديه عن صلابة ساعديه وصدره الذى يواجه به الحياة بينما ربط النحات عبد البديع بين نظرة عين الحرفى ويده التى تمسك المطرقة بخيط خفى يعكس السحر الكامن فى التمثال والذى يعد واحدا من أفضل إبداعاته .
وأثارت الجائزة شهيه نحات الأحجار الصلبه فتقدم فى العام التالى الى مسابقة مختار ليحصل على الجائزة عن تمثال المراكبى وقيمتها 20 جنيها ، فيما دفعته السيدة هدى شعراوى الى الالتحاق بالمرسم الحر بمدرسة الفنون الجميلة ، وفى وقت كان عمره 27 عاما فيما رفض السفر الى إيطاليا أكثر من مرة على نفقة هدى شعراوى ، لكنه قد حصل على منحة مرسم الأقصر لتفوقه فى المرسم الحر ، ليدرس فى كنف أجداده المصريين القدماء فى الفترة من 1949 وحتى 1950 .
وتحت ضغط متطلبات الحياة التى لا تتوقف عمل عبد البديع عبد الحى كصانع نماذج نحتية فى النحت ، حيث ارتبط بملامح الوجوه من أبناء الطبقة الكادحة والأطفال والحرفيين ، تلك الأعمال النحتية التى تميزت بقوة التعبير والحركة فيما أضاف لفن النحت لأول مرة ، أعمالا تعبر عن تراث الألعاب الشعبية ، ويشترك فى ذلك مع المصور سيد عبد الرسول ` 1917- 1995 ` كما اشتهر بإنجازه مجموعة من الطيور والحيوانات .
اقتحمت أعمال عبد البديع عبد الحى متحف الفن المصرى الحديث تلك الأعمال التى تجمع بين التزامه الأكاديمية التى تعرف عليها فى مدرسة الفنون الجميلة أو منحة مرسم الأقصر والمسحة الفطرية التى تتسم به شخصيته الصعيدية الجنوبية ، كما تكشف إبداعاته ككل .. احترمه للخامات التى اٍستخدمها وخاصة الاحجار الصلبة القاسية .
تجاوزت شهرة عبد البديع الحدود فعندما شارك فى معرض اوزاكا باليابان أحدثت أعمال ضجة ، خاصة أنها كانت من الجرانيت فيما دعاه على المستوى العربى وزير الدفاع السورى ` مصطفى طلاس ` الأول عام 1972 فى سوريا ، لكن عبد البديع لم يستطع الحضور مع الوفد المشارك فى المهرجان لأنه يحمل بطاقة هوية متهالكة ، فما كان من ` طلاس ` إلا أن ذلل كل العقبات لحضوره ورؤيته ، فيما أهدى الفنان النحات الوزير السورى تمثاله المشارك فى المهرجان وهو عبارة عن ` قط يداعب ثعبانا ` فى الوقت الذى أهدى الوزير عبد البديع مسدسا وخمسين طلقة وعباءة سورية .
كان يكسر ` عبد البديع المشهد البصرى بنقابة الفانين التشكيليين ، فقد عرفته الحياة الفنية بارتدائه الجلباب ، والذى كان ينفرد به ، إلا أن سبب إصراره على ارتدائه بصفة مستمرة يرجع الى اصابته فى ساقه اليمنى عام 1956 ، وهو ينفذ تمثالا من البازلت فهوت البلطة على ساقة واستمر فى العلاج 3 سنوات ، فيما أثرت الحبيبات المتطايرة من الاحجار التى يقوم بنحتها على أسنانه وعينيه وظل يعالج فيها إلى أن اضطر الى أجراء عملية فى ألمانيا عام 1995 .
رحلة طويلة تراوحت مابين الصعود والزهو والإخفاق والمعاناة ، رحلة يغلب عليها التحدى والمواجهة العنيفة لظروف الحياة ذلك المعبد الذى أخذ وأعطى من طبيعة عمله فى النحت على الأحجار الصلبة ، وإن ظل وافيا للمعنى والقيمة والمبدأ وارتباطه بالتعبير بالبسطاء ، فقد قام بعمل تمثال نصفى لهدى شعراوى بعد وفاتها فى 12 ديسمبر 1947 .
وفى عام 1950 تزوج الفنان بالسيدة ` ملك ` لتصبح موديله الذهبى وانجب منها السيدة هدى المحامية والفنان النحات شريف أحد اعضاء هيئة تدريس كلية الفنون الجميلة بالمنيا .
ومع بداية الستينات حصل النحات عبد البديع على منحة التفرغ من وزارة الثقافة فى عام 1969 ورفض بيع تمثالين من البازلت حتى لا يخرحهما خارج مصر ، فيما منحته الدولة الجائزة التشجيعية فى النحت ووسام الفنون عام 1972 وشهادة الجدارة من أكاديمية الفنون عام عام 1982 .
وإذا كان الغدر قد هاجم ` عبد البديع عبد الحى ` نحات الأحجار الصلبة فجر الخامس من يوليو عام 2004 ليودع الحياة بعد عزلة طويلة سواء فردية أو جماعية تخص النحت والنحاتين فى بلد النحت نتيجة الحصار الذى ضربته الاسرة المصرية المتوسطة حول النحت ، بعد أن اصبح همها الأول البحث عن لقمة العيش ، وليس لديها وقت لاقتناء الأعمال الفنية عموما والنحت الصغير خصوصا باعتبار أن تلك الطبقة ظلت مستهدفة على مدار العقود الماضية .
نهاية درماتيكية .. تلك التى دفعت باسم نحات كبير الى ان تتصدر صفحات الحوادث فى الصحف اليومية صورته وخبر مقتله .. طمعا فى أمواله غير الموجودة أصلا .. لم يكن يتصور نحات الأحجار الصلبة التى طالما هزمها بأزميله ان تكون نهايته على يد لصين عندما اقتحما شقته فى الظلام ، تلك الشقة التى يعيش بها بمفرده ، ويظل بابها مفتوحا ليل نهار ، لمن يود السؤال عليه .. حيث تقول ابنته السيدة هدى التى تعمل بالمحاماة ، وتسكن فى العقار المجاور لشقة أبيها : ` نظرا إلى كبر سنه وعجزه عن الحركة ، كنت أتردد علية لقضاء احتياجاته فى الصباح والمساء ، ودائما ما أترك بابا الشقة مفتوحا حتى يتسنى للجيران دخول الشقة للسؤال عليه ` لكن يبدو ان المبدع دفع فاتورة ` الباب المفتوح ` فى عالم يغلق يوميا المنافذ .
سيد هويدى
القاهرة - 2016/11/1
: الحجر يجب أن يمتلىء بالحياة وينطق
- لم تسمح الظروف الاجتماعية للفنان عبد البديع بأن يرتقى سلم التعليم وأن يتدرج فيه وصولاً إلى أبواب الفنون الجميلة ولكنه وصل إليها عندما ارتقى سلم الموهبة الحقيقية القوية نحو النحت فى الأحجار الصلبة مثل الجرانيت والحجر الجيرى والبازلت ، ثم الرخام والخشب بعد ذلك .
- يتذكر عبد البديع ظروف حياته وسنينه الأولى دائماً كعطر جميل ولكن حياته البسيطه تحولت إلى معارك صغيرة وكبيرة وكفاح متتابع بعد وصوله إلى القاهرة بوتقه الصراعات فى الفن وفى الحياة أيضاً.
- ولد عبد البديع لأسرة فقيرة فى صعيد مصر فى مدينه ملوى وهى من المراكز التابعة لمدينة المنيا فى 30 يونيو 1916 وتعلم فى طفولته القراءة والكتابة فى الكتاب وحفظ الكثير من الآيات القرآنية وحاولت أمه أن تلحقة بإحدى المدارس الفرنسية فى ملوى ولكنها خشيت من ثأر العائلات فى الصعيد فخافت عليه وألحقته للعمل فى مطبخ واحد من أعيان مدينة ملوى منذ أن كان فى السابعة من عمره حيث عمل وأقام معهم سبعة عشر عاماً قبل أن ينتقل إلى القاهرة .
- ويذكر عبد البديع للزميلة الصحفية فاطمة على فى آخر ساعة 1985 حادثة هامة شدته إلى النحت يقول : ` فى عام 1973 طلبونى للجهادية ( الخدمه العسكرية) وكنت أحلم بأن أكون عسكرى فى الحربية ولكننى رسبت فى كشف الهيئة ` النظر` رغم خلوى من أى عيوب خلقية وقد دفعنى هذا الموقف لأن أتخيل كيف تكون صورتى لو أننى أصبحت جندياَ ، هل كنت سأصبح طوبجى أو بيادة أو سوارى (يقصد مدفعية أو مشاه أو فرسان) أو حدود وبدأت أعمل تماثيل صغيره لايزيد طولها عن عشرة سنتيمترات وكأننى أحقق أمنيتى.
- ويروى لى عبد البديع ` أن انفعالى بالموقف ضايقنى وحطم أمنيتى ولقد كانت هذه التماثيل متنفس لغضبى الشديد وكان أول تمثال عملته من قرن بقرة بمطواة صغيرة فى نفس اليوم `.
- ويضيف عبد البديع ` فى عام 1942 قرأت فى الأهرام عن وجود المتحف الحربى بالقلعة فتوجهت بتماثيلى إليه وهناك التقيت بأمين المتحف عبد الرحمن زكى ( الدكتور عبد الرحمن زكى كان أستاذاً للعمارة الإسلامية وعالماً فى العمارة الحربية بالتحديد) الذى رحب بهذه التماثيل الصغيرة وكان ذلك تشجيعا كبيراً لى .
- كان عبد البديع متابعاً لما ينشر فى الصحف ومتابعاً لها منذ صباه ويقول عبد البديع لصلاح بيصار فى المصور عدد 4-12- 1998` أنا أقرأ الأهرام منذ عام 1923 أيام كان ثمنه ثلاثة مليمات وهذا يعنى أنه كان يقرأ الأهرام وعمره سبع سنوات.
- لقد ساعدته القراءة فى التقرب إلى تلك الأحداث الفنية فى العاصمة التى تبعد مئات الكيلومترات عن أضواء المجتمع الفنى والسياسى والثقافى ، كانت الجريدة هى نافذته التى يرى من خلالها ويعترف من سطورها على الأحداث جميعاً وهذا يؤكد ذلك الطموح الدفين والذى حجبته ظروفه الاجتماعية ولقد كانت الجريدة هى المحور الثقافى الذى يتمسك به بذكاء الفنان الموهوب ولقد ظلت أحلامه وطموحه تبحث عن فرصه للتواصل مع مجتمع الفن إلى أن حانت لحظه ملهمه تظهر دائماً فى حواراته وفى كتابات الصحفيين والنقاد.
- بدأت هذه اللحظه عندما التقت عينا عبد البديع بخبر وجود معرض ومسابقة مختار التى كانت تقام تحت رعاية هدى شعراوى فى عام 1942 وكانت الصحف تمتلىء وقتها بأحداث الحرب العالمية الثانية بين الحلفاء ودول المحور وأيضاً حشود قوات الحلفاء فى الصحراء الغربية بمصر استعداداً لوقف زحف قوات المحور على مصر وقد كانت مسابقة مختار هى أهم المعارض الفنية فى ذلك الوقت وهى المسابقة التى تقام كل عام بجوائز لتشجيع المثالين الجدد وللاحتفاء بذكرى محمود مختار مثال مصر العظيم الذى توفى فى ريعان الشباب عام 1934 عن 43 عاماً تحت رعاية هدى شعراوى .
- قرأ عبد البديع خبر إعلان مسابقة مختار ويذكر عبد البديع لفاطمه على هذا التاريخ بكل الاهتمام ففيه خرج لأول مرة من حدود مدينه ملوى قاصداً القاهرة بعد أن أعد تمثالاً عن لعبة ` السيجه ` وهى لعبة مشهورة فى مصر بين الأطفال والكبار.
- نفذ عبد البديع تمثاله فى الطين وحمله إلى أحد المراكب قاصداً القاهرة واشترك به فى المسابقة ونال إعجاب الكثير من الناس ولفت الأنظار، ويقول عبد البديع أنه خلال رحلة المركب إلى القاهرة قام بعمل تمثال للمراكبى وقد استغرقت الرحلة تسعة أيام وجد عبد البديع نافذته لفن النحت من خلال مسابقة مختار التى كان لها أكبر الأثر فى تاريخ حياته مداوماً على الأشتراك فيها مصراً على الفوز وعلى وضع موهبته على الطريق متمسكاً إلى أبعد الحدود بخيط التواصل مع المسابقة ، فعند الإعلان عن المسابقة فى العام التالى 1943 وموضوعها ست الحسن اختار عبد البديع لقطه فنية طالما رآها وهى فتاه جميلة تمشط شعرها ونفذ هذا التمثال فى قطعه رخام ، ولا ينسى عبد البديع تشجيع الخواجه وأسرته له وفخرهم بما يفعل فى الحديقة وحدث أن رأى التمثال مهندس اسمه فؤاد حبشى وعرف منه انه ابن عم الدكتور لويس عوض وكان مهندساً فى المساحة ، اندهش ولما عرف أنه ينوى التقدم به إلى المسابقة عرض عليه أن يأخذه معه إلى هدى هانم شعراوى والتى وصلت إلى دائرة أملاكها فى المنيا فأخذ التمثال وذهب معه والتقى لأول مرة بهدى هانم شعراوى وكان بصحبتها مدير المديرية (المحافظ) محمد سلطان فأعجبت بالتمثال ووعدت بمساعدته وأيضاً عرضت عليه العمل فى قصرها بالقاهرة طباخاً فطلب منها فرصة لاستئذان الخواجة تادرس الذى كان يعمل عنه ما يزيد عن 17 سنه ولم تمانع أسرة الخواجه تادرس ما دام فى ذلك مصلحة له .
- يروى عبد البديع انه سافر بتمثاله إلى القاهرة متوجهاً إلى قصر هدى هانم شعراوى المطل على ميدان التحرير (تحول إلى جراج الآن) ، وقد هدم هذا القصر وقصر الكونت زغيب (متحف الفن الحديث) لبناء فندق ولكنه لم يبنى لأسباب فنية وكان ذلك فى عهد الدكتور عبدالقادر حاتم .
- قدمت هدى شعراوى التمثال إلى جبرائيل بقطر محرر مجلة ` الإيماج ` وقد كان سكرتيراً لمسابقة مختار وعند افتتاح المعرض حصل التمثال على الجائزة الأولى وقد اعترض الفنانون المشتركون على منح عبد البديع الجائزة وأمام ضغطهم الشديد رفعت الجائزة عن التمثال وكانت قيمتها عشرون جنيهاً مصرياً وكان من بين الحاضرين للافتتاح والد الملكه فريدة الذى عرض على هدى شعراوى شراء التمثال.. ولكن عبد البديع رفض بيع التمثال وقال لها أنا أهدى هذا التمثال لسيادتك ويكفى تشجيعك لى ومساعدتى. ويقول عبد البديع أن هذا هو أقل ما يكون تجاه سيده عظيمه مثل هدى شعراوى الوطنية الكبيره .
- ولكن ماحدث بعد ذلك انها منحته خمسون جنيهاً، وكان هذا التقدير مدهشاً ومذهلاً له ودافعاً قوياً للإجادة .
- فى مساء ذلك اليوم اجتمع فى صالون هدى شعراوى مجموعه من كبار رجال العصر مثل أحمد لطفى السيد باشا وعلى علوبة باشا وأيضاً على باشا إبراهيم الطبيب الأشهر. وكان الموضوع الذى التفوا حوله (الطفولة المشردة ).
- وكانوا يقصدون بذلك أطفال الشوارع والمهملين فى الضياع وقد كان هؤلاء المفكرين مهمومين بمشاكل الوطن وأبناؤه وقد تطرق الحديث إلى الموهوبين من أبناء مصر الفقراء وقد كان عبد البديع بموهبته القويه أحد هذه المحاور المطروحة ولم يكن عبد البديع وحده ممن أصبحوا تحت رعاية هدى شعراوى فقد سبق لها رعاية مثال مصر العظيم محمود مختار خلال فترة مرضه، بل وأنها وزميلاتها من الشخصيات النسائية كانوا يزورون محمود مختار متكبدين الأسفار والجهد لإعاده أعماله من متاحف باريس والمجموعات الخاصة فى إيطاليا وفرنسا وغيرها كما كان لهدى شعراوى عظيم الفضل فى إقامة متحف مختار وفى سجلها الحافل أيضاً رعاية الفنان محمود موسى الذى دعته للعمل بمصنعها للخزف بشبرا فى الفتره من 1933 - 1936 قبل دعوتها لعبد البديع بعشر سنوات .
- يذكر عبد البديع جزئية هامة فى تلك الليلة يقول لفاطمه على فى آخر ساعة .. نادتنى وأشارت إلى التمثال وكان على الترابيزة بالصالون (تمثال ست الحسن) وعلق علوبة باشا بقوله ` انت بتعمل الضلمه واللحمه والرز كده يا أسطى .. ردت هى .. هو فى المطبخ زى الفنون الجميلة... فقلت المطبخ أكله نأكلها النهاردة وننساها بكرة ..الفنون الجميلة شىء تانى ، فقالت طيب روح انت ` .
- بعد العشاء أصدرت تعليماتها .. غداَ نسافر إلى الإسكندرية وكان الفنان محمود سعيد بك قد استضافها فى فيلته بجناكليس طوال فترة شهور الصيف.. قلت هى تستحق كل هذا الاحتفاء من محمود سعيد فأيادتها بيضاء على الإبداع التشكيليى المصرى عموماَ ولعل من أبرز الجهود بالنسبة للفن والفنانين فى أعقاب ثورة 1919 قيامها وهى زعيمة الحركة النسائية بتكوين لجنة باسم لجنة تشجيع الفنانين قوامها نخبة من صديقاتها وتلميذاتها من سيدات الأسر الأرستقراطيه فقامت بشراء كل الأعمال التى عرضت فى أحد المعارض الجماعية وكانت 300 عمل فنى انتقلت لتزين جدران قصورهن ..
- هكذا يقول التاريخ ( لم يذكر عبدالبديع متى تم هذا الحدث أو تاريخ المعرض).
- يضيف عبد البديع ` بعد عودتنا من الإسكندرية ألحقتنى بالقسم الحر عن طريق البروفيسور كلوزيل( أحد أساتذة النحت البارزين) وهو أستاذ السجينى وعبد القادر رزق ، فنان فرنسى قدير وله تماثيل فى المتاحف المصرية عرف بالدقه الشديدة والتعبير القومى ، وله أيضاً أعمال فى المتاحف الفرنسية والمجموعات الخاصة.
- كان عمر عبد البديع 27 عاماً عندما التحق بالقسم الحر بالفنون الجميلة عام 1943 ، عن فترة دراسته يقول الفنان ناجى كامل أن بعض الأساتذة حاولوا تحويل عبدالبديع عن نوعية الاهتمامات النحتيه التى برع فيها بتوجيهها نحو عمل تماثيل أوروبية مثل مارى أنطوانيت أو غيرها غير أنه كان يفرغ طاقته المكبوته فى عمل تماثيل للموديلات أو لشخصيات مصرية ويروى ناجى كامل أن تمثال الطفل أو الصبى النوبى أنجزه فى حجر بازلت انتزعه من رصيف الكلية وحوله إلى تمثال وكذلك كثيراً من الأحجار المحفوظه انتشلها عبد البديع ليحولها إلى تمثال من مقتنيات متحف الفن الحديث بالقاهرة.
- ويعترف عبد البديع بأهمية وقوه المعلومات والدراسة فى القسم الحر والخبرات التى أذهلته سواء فى صياغة التمثال أو فى مراحل صب التماثيل أو تكبيرها فقلد كان يجهل كل هذه الحرف المحيطه بالعملية الفنية وبقول: ` عندما أدخلنى كلوزيل العظيم القسم الحر كانت نقطه تحول خطيرة فى حياتى بل انها غيرت حياتى نفسها والفضل يرجع لهدى هانم`.
- وقد كان كلوزيل من قبل رئيساً لقسم النحت بمدرسة الفنون الجميلة، المهم قبلت وكنت أعمل أشكالاً ونماذج .. على يد المثال عبد القادر رزق رئيس القسم فى ذلك الوقت وفى تلك الفترة عملت تمثال طارق النحاس .. واشتركت به للمرة الثانية فى مسابقة مختار ولكن دون علمها (دون علم هدى هانم) لأنى كنت أعمل عندها بشكل رسمى وخوفاً من شبهات التحيز لى .. صباح يوم الافتتاح دخلت عليها وطلبت منها بدلة جديدة وكنت أنوى الحضور .. قالت أنا مشغولة النهاردة وعندى افتتاح معرض بالكونتننتال ..؟ وبالفعل خرجت بعد الظهر بصحبة سيزا نبراوى وعند الافتتاح كان التمثال أخذ الجائزة الأولى، وقالت لجبرائيل بقطر أمام سيزا :هما بيشغلوا عبد البديع موديل فى الفنون الجميلة .. فقال لها دا تمثاله هو .. اندهشت وقالت ابن الإيه برضه مش سايب الحله.. (التمثال يمثل الرجل وهو يطرق حله أمامه) `.
- ويستطرد عبد البديع ` اتصلت هدى هانم على الفور بشيكوريل.. الذى أرسل مليانه بدل والجماعة السفرجية مسكونى ولبسونى وبسيارتها أخذونى إلى الكونتننتال.. هنأتنى ووقفت بجوارها.. علق دوس باشا (أحد أشهر باشوات مصر وأغناهم ) لسيداروس باشا وهما من الصعيد .. بلدياتك الطباخ كسب من تانى قالها وضحك معلناً تحيزة لواحد من أبناء قبلى `.
- كان فوز عبد البديع بالجائزة الأولى بتمثال طارق النحاس من أهم الركائز الهامة فى نفسيته وخاصة أن المشتركين فى المسابقة فنانون لهم قامتهم البارزة فى ذلك الوقت 1944 مثل جمال السجينى وحسن العاجاتى والعزازى وغيرهم وفتحى محمود وعبد القادر مختار (كانت المسابقة تحت عنوان العامل المصرى).
- السبب الثانى هو أن الفوز رفع رأسه أمام الراعية الكبيرة هدى شعراوى ومما يجب الإشارة إليه أن النقراشى باشا رئيس الوزراء هو بنفسه الذى افتتح هذا المعرض وكان تيمور باشا والأميرات من العائلة المالكة وعدد كبير من الوجهاء وسيدات المجتمع حاضرين هذا الإفتتاح أيضاً.
- أما السبب الثالث الذى وطد ثقته بنفسه هو تأكده أنه أصبح فنان المسابقات ولقد زاد ذلك من تعلقه بالمطالعه اليومية للأخبار الفنية وما تحويه من فرص للمشاركة فى المعارض وفى المسابقات.
- حاولت هدى شعراوى أكثر من مره إرسال عبد البديع ليدرس فى إيطاليا على نفقتها الخاصة وعرضت عليه ذلك بإلحاح إلى درجة انها جعلت الفنان الكبير محمد ناجى يلغى سفره ويؤجله أربعة أيام حتى يتسنى إرسال عبد البديع معه حيث كان متوجهاً إلى إيطاليا رئيساً للأكاديمية المصرية بروما فور إنشائها .
- ورفض عبد البديع قائلاً ` هناك فى إيطاليا عظماء وعباقرة مثل مايكل أنجلو ودوناتلو وروردان ، إزاى أسقى ميه فى حارة السقايين .. أخاف أغرق فى السكة جنبهم.. ` !!
- وأعتقد أن عبد البديع قد خانه التقدير إلى حد ما. ولكن ربما كان سيفقد هويته التى بناها على مخزونه المرئى الذى تكون خلال حياته فى طفولته وصباه وارتباطه بالأرض أو لربما كان جهله باللغة الإيطالية وإحساسه بأنه رجل إنتاج أو قناعته بما وصل إليه .. خاف عبد البديع للأسباب السابقة أو للأسباب التى لم نذكرها.
- وجد عبد البديع نفسه فى وسط راقى يعتبر على أعلى مستوى فى الحياة الاجتماعية فى قصر سيدة من أشهر نساء مصر بوطنيتها ورعايتها له فها هى الرعاية المادية والإنسانية فماذا يكون أمامه بعد ذلك سوى إثبات الوجود ومعاركه مع النحت فى الخامات . أما المسابقات فسوف تأتى تباعاً.
- يروى عبد البديع أن هدى هانم قالت له ` كفاياك مطبخ يا عبد البديع ` ففهم ببساطة أنها تستغنى عن خدماته فقد كان طباخاً ماهراً فجمع ستراته استعداداً لمغادرة القصر وعلمت ففاجأته وهو يغادر فقالت له أنا أطلب منك التفرغ للفن وتترك المطبخ والطبيخ فاعتذر وعاد إلى مكانه.
- كان عبد البديع يظل فى القسم الحر حتى ساعة المساء وحلول الظلام وكانت معظم دراساته بالطين الأسوانلى وعلى الرغم من ذلك كان عبد البديع يعمل بصبر فى الخامات القاسية طوال فترة دراسته ولقد فتحت الدراسة بالقسم الحر عين عبد البديع عن ماهية فن النحت فليس النحت مجرد صنعه لعمل التماثيل ولكنها تماثيل تنبض بالحياة والقيم الجمالية أيضاً وخاصة تحت رعاية كلوزيل.
- عندما انتهت فترة القسم الحر حيث تعرف على الكثير من المثالين الشباب فى القسم النظامى وكان بكل الشهامة يخف لمساعدتهم فى صب التماثيل بل ويشرح لهم كيفية عملها وكيفية تكبير التمثال وفى نفس الوقت وكان يسارع بكل همه فى مساعدة زملاؤه وأساتذته كان عبد البديع خدوماً للجميع ولكل من يلجأ إليه ويقول الفنان ناجى كامل أن الفنان المبدع جمال السجينى كان يتمنى أن يكون هو الموجه لعبد البديع وكان يقول ` يجب أن يكون لعبد البديع برنامجاً آخر يختلف عن الباقين ويجب إبعاده عن دراسة التماثيل الرومانية والإغريقية لأن مصريته فى فطرته `.
- وعلى كل الأحوال كانت لفترة دراسته وصحبته للطلاب الموهوبين أثرها الكبير على تطوير فهمه للاهتمام بزوايا العمل المختلفة وإدراك التمثال من كافة النواحى والاتجاهات وقد ظهر هذا واضحاً جلياً فى أعماله بعد التحاقه بالقسم الحر.
- فى عام 1945 كانت أخبار الحرب العالمية الثانية على أشدها وقد عانت القاهرة من غارات الطائرات الألمانية والإيطالية وانتشرت الكشافات المضيئة فى سمائها تبحث عن الطائرات والمدافع المضادة تطلق داناتها بينما يسمع فى كل مكان صفارات الإنذار والشوارع تمتلىء بالجنود الذاهبين أو العائدين قبل أن يحسم مونتجومرى موقعه العلمين فى الصحراء المصرية . وكانت القاهرة تعيش فى ظلام دامس بينما تدهن الشبابيك باللون الأزرق الداكن منعاً لتسرب الضوء . وكان عبد البديع يتابع فى الصحف ما يحدث على الجبهات ويحس بالخطر وقد فقد أمنيته فى أن يصبح جندياً وقد تأصل الخطر والشر فى بعض أعماله فيما بعد ، فالعالم أكبر بكثير من أن يحتوية وعليه أن يجسد بالرموز فكرة الشر والخطر وهذا ما حدث فيما بعد فى تمثالين الأول هو تمثال الثعبان والصبى والثانى هو تمثال القط والثعبان.
- كان عبد البديع يسقط المعانى على أعماله فما يحدث له فى الحياة يسقطه فى تماثيله وكان يربط بين الخطر العام والخطر الخاص دون وعى منه لأن الفطرة تغلب القصد والطبع يغلب التطبع ، الفطرى يقود ويوجه ويحدد وقت تنفيذ العمل فلا يوجد تأثير اجتماعى أو سياسى أو فكرى يحدد عمل عبد البديع وإنما ما يحدده هو ما يؤثر فى محيط حياته وخصوصيته .
- وجد عبد البديع طريقه نحو التماثيل الصغيرة سواء فى الطين أو الحجر، فى البازلت أو فى الجرانيت وقد برع فى عمل التماثيل من الطين الأسوانلى ثم عمل نسخة من الجص ومنها ينقل التمثال إلى الخامة الخالدة سواء الجرانيت أو البازلت أو الخشب وكان يجسد فى هذه التماثيل قوة الإحساس بالطبيعة بنبض الحياة فيها فها هو وجه الطفل من أسوان ووجه الفتاة الصغيرة يجسد فيهما عشقه لطفولته التى افتقدها فى الحياة العملية . كانت وجوه الصبية والأطفال افتقاداً لطفولته التى لم يعيشها وقد برع فى عمل الكثير من التفاصيل المذهلة بالإضافة إلى معالجة تضاريس الوجوة الصعبة فى أعمال تكاد تنبض بالبراءة والحياة . وربما كانت تلك الأعمال الصغيرة هى أجمل أعماله .
- فى عام 1946 فاز عبد البديع عن مثال المراكبى بالجائزة الأولى فى مسابقة مختار ويحكى عبد البديع عن هذا التمثال وعن قصته يقول : ` توجهت إلى القاهرة من ملوى ومعى أحد التماثيل الحجرية وعلى ظهر المركب كانت الرحلة ممتعة ورخيصة لى أنا والتمثال وتأثرت للغاية بوجه المراكبى وبالفعل قمت بعمله بالطين فى خلال الرحلة التى استغرقت تسعة أيام كنا نتوقف على شطآن بعض المدن والمراكز أو القرى ولقد عرضت هذا التمثال فى المسابقة ولم أتوقع فوزه ولكننى حصلت على الجائزة الأولى واحتفلت مع أحبائى من الفنانين وذلك على مقهى ` إيزائفتش ` بميدان التحرير من قيمة الجائزة .
- كان أكثر ما يحرص عليه عبد البديع هو الفوز والتفوق على أترابه أكثر من القيمة المادية للجائزة لأن عبد البديع كان يطلب ويتسابق من أجل التقدير الأدبى سنده الأول فى تأكيد مكانته بين الفنانين وكانت صلاته بالصحف والصحافيين جزء هام وخطير من تأكيد الوجود والمكانة معاً.
- عبد البديع كان يفخر عندما يقرأ ( فوز الطباخ بالجائزة الأولى ) ويذكر الناقد الراحل صدقى الجباخانجى فى جريدة الجمهورية أن المثال الإيطالى العالمى ` كانوفا ` كان طباخاً وقد بدأ رحلته مع الفن عندما قدم على مائدة الأمير قالب الزبد على شكل أسد جميل فأعجب به الأمير وقرر إرسال كانوفا إلى الأكاديمية للدراسة على نفقته وقد أصبح فيما بعد من أشهر مثالى العالم.
- انتهى عبد البديع من دراسته بالقسم الحر وقد ذاع صيته فى الأوساط الفنية من خريجى وطلبة الفنون الجميلة ونظراً لأن القسم الحر لا يعطى سوى شهادة بأن حامله قضى أربع سنوات فيه فقد عاد عبد البديع يبحث لنفسه عن صيغة اجتماعية فى شكل وظيفة ما .
- تم تعيين عبد البديع صانع نماذج بمرتب ضئيل وكان يحب عمله ولكنه بالقياس إلى ما تقدمه هدى هانم شعراوى كان هذا المرتب صفراً فحاجته للخامات والأدوات والمعيشة كانت كثيرة فتأثرت حياته ونفسيته فكيف يكون فناناً يفوز بالجوائز الأولى ويعين صانع نماذج ليرسمها الطلاب وكيف يكون مرتبه بهذا التواضع بينما هو قد عاش وسط القصور وبين رعاية كريمة لم تعوزه شيئاً ، دخل عبد البديع فى صراع كبير فى اللوائح فلم يكن هناك وظيفة اسمها فنان يتفرغ بفنه ولا يوجد غير الشهادات هى التى تقيم الإنسان ( التفرغ للفن نظام أنشىء عام 1943).
- لكن أكبر الأحزان التى واجهت عبد البديع كانت بمرض هدى هانم شعراوى ثم وفاتها فى 12 ديسمبر 1947 وعلى الرغم من استمرار الأسرة فى احتضانها لموهبة عبد البديع إلا أن الحدث كان عظيم الأثر عليه وعلى إنتاجه ومستقبله .
- كان عبد البديع قد شرع فى عمل تمثال نصفى للسيدة الفاضلة صاحبة الفضل مع بداية عام 1947 وقد انتهى منه.
- بعد رحيلها أقامت مدرسة الليسية فرانسية مسابقة فنية 1948 اشترك فيها عبد البديع بتمثاله ففاز بالجائزة الأولى لقوة التعبير وواقعيته ولكن نشوة النصر حجبتها أحزان الموت وسحابات القدر السوداء . وجد عبد البديع فى مرسم الأقصر ضالته فى الابتعاد عن مشاكل القاهرة وأحزانها وفى الوظيفة المتواضعة سلوى بعد فقد الأم الرحيمة العطوفة هدى هانم شعراوى كما كان يحب أن يسميها دائماً.
- انتقل عبد البديع إلى مرسم الأقصر بوظيفته وكان بالمرسم أيضاً الدارسين من المتفوقين سواء من القسم النظامى أو القسم الحر متفرغون لمشاهدة الإرث الثقافى القوى للفراعنة من جهة ومن ناحية أخرى الواقع الإنسانى النقى البسيط لأبناء القرنة والأقصر الذين يعمل معظمهم فى السياحة والآثار والعاديات والتجارة وكان الفنان صلاح طاهر مديراً لمرسم الأقصر منذ إنشاؤه1943 حتى 1953.
- تأثر عبد البديع كثيراً بسمرة الأطفال فى الصعيد، الذى ينتمى إليه وقد انعكس ذلك على قطع كثيرة من إنتاجه بعد ذلك وكان المرسم فى الأقصر يستمر مدة أشهر الشتاء ثم ينتقل الأعضاء بعد ذلك إلى بيت جمال الدين الدهبى فى حوش آدم ، بالغورية بالقاهرة القديمة ( هو منزل أثرى ذو فناء داخلى يزيد عمره عن 400 عام ).
- كانت مدة المرسم عامين للأعضاء فى البعثة الداخلية وقد قدم المرسم أسماء كثيرة فى محيط الإبداع ارتبطت أسماؤهم بالفن المصرى النقى البعيد عن التشويش الغربى على المواهب فى فترة تكون الشخصية الفنية.
- التقى عبد البديع بآدم حنين وأحمد عبد الوهاب وناجى كامل وغيرهم من المصورين ورغم لمسات التطور التى ظهرت بقوة فى أعمال هؤلاء تأثراً وانطلاقاً من الإرث صعوداً إلى المعاصرة . رغم رؤيته ومتابعته ومشاركته لهم إلا أنه لم يتأثر بحداثة أعمالهم التى برزت فى أوائل الستينيات وفى معارض التفرغ . وكانت معارض المرسم ( مرسم الأقصر ) من أهم المعارض على الإطلاق فى ذلك الوقت .
- فى عام 1950 نحت عبد البديع تمثال لعبة السيجة ( لعبة منتشرة بين الفلاحين فى القرى المصرية وهى لعبة من أصل فرعونى ).
- صور عبد البديع صبيان يجلسان القرفصاء ويلعبان أمام بعض ويبلغ عرض المثال متران وهو تمثال مدهش لكل من يراه وكان موجوداً بحديقة قصر هدى شعراوى.
- وفى عام 1951 نحت أيضاً تمثالاً عجيباً لصبى يصعد سلماً ويتأبط ثعباناً ويمسك برقبته بقبضة قوية ، حصل هذا التمثال على الميدالية الذهبية فى المعرض الذى أقيم فى مناسبة انعقاد أول مؤتمر إفريقى أسيوى .
- ويقول عبد البديع أن هذا التمثال يرمز إلى الروتين فالثعبان يريد أن يقتل الصبى ولكنه يحاول السيطرة عليه بقبضة القوية والصبى يرمز إليه ويرتسم على وجهه المعاناة فى تناول أكاديمى مدهش.
- برز الثعبان مرة أخرى فى تمثال الثعبان و القط عام 1970 وقد تناول المثال محمود موسى نفس الموضوع الثعبان والقط ولكن هناك اختلافات بين التفاصيل كل حسب شخصيته.
- عرض تمثال الثعبان والقط لعبد البديع فى سوريا مشاركاً فى مهرجان الفن التشكيلى العربى الأولى فى مارس 1973 .
- وقد أعجب بالتمثال اللواء مصطفى طلاس وزير الدفاع السورى فسارع عبد البديع بإهدائه إلى وزارة الدفاع فأمر اللواء طلاس بإهداء عبد البديع مسدساً وخمسين طلقة وعباءة تاريخية.
- وتسلمها عبد البديع فى مصر عن طريق المخابرات المصرية فى أبريل 1973 وقد كان تجديد رخصة هذا المسدس الأسبانى مشكلة سنوية تواجه عبد البديع رغم عدم استعماله على الإطلاق بل أن عبد البديع قد نزع منة إبرة التفجير.
- تفرغ عبد البديع أربع مرات على نفقة الدولة ( منحة التفرغ بموجبها يتفرغ الفنان لمدة عام يتجدد ثم يتقدم إليها بأعماله ومشروعه الفنى ) منحته الدولة التفرغ أول مرة عام 1960 وآخر مرة كانت عام 1970.
- وفى عام 1972 كتب الناقد الكبير والأثرى كمال الملاخ فى الأهرام فى صفحته الشهيرة ` فاز الطباخ بجائزة الدولة التشجيعية وهو المثال عبد البديع عبد الحى ( 57 سنة ) وكان قد حصل على التفرغ أربع مرات كان آخرها منذ شهرين.
- وفى عام 1966 كتب الناقد الشهير صدقى الجباخانجى عن ظرف تفرغ عبد البديع ` فى سنة 1960 أوصيت لجنة التفرغ منحة ستون جنيهاً وفى عام 1966 وافقت اللجنة على منحة التفرغ بمرتب خمسون جنيهاً ` وأضاف متعجباً من القرار الأخير إن موهبة عبد البديع كالحجر الصلد، وفى يديه طاقة قادرة أن تفعل أشياء كثيرة ، ويمكن أن تحقق لنا أمجاداً نفخر بها.
- فى 3 مايو 1969 نشرت الجمهورية خبراً يقول ` سفير المكسيك بالقاهرة زار المثال عبد البديع يحمل له رسالة من وزير السياحة المكسيكى ورئيس الاتحاد الدولى للمنظمات السياحية يطلب فيها شراء تمثالين من البازلت الأسود . ولكن عبد البديع رفض خروجهما من مصر واعتذر للسفير.
- وقد تردد على منزل عبد البديع كثيراً من الشخصيات لاقتناء بعض أعماله وكان أكثرهم سؤالاً عليه هو سليم اللبان المستشار السياحى للسفارة اللبنانية الذى اقتنى مجموعة من تماثيله.
- تزوج الفنان من السيدة ملك عام 1950 وأنجب ثلاثة أبناء ولدين وبنت أحدهما أصبح فناناً معروفاً وهو أصغرهم شريف عبد البديع الذى أصبح معيداً بقسم النحت بالفنون الجميلة والأوسط يعمل بوزارة الخارجية وهو منتصر والإبنة المحامية أكبرهم هدى.
- قدمت الأسرة كافة المساهمات للفنان فها هى زوجته موديلاً له طوال الوقت الذى يطلبه وقد ساعدته كثيراً فى دراسة الجسد العارى للمرأة والتعمق فى فهم طبيعته وأنجز مجموعة كبيرة من التماثيل النادرة بأحجام مختلفة صغيرة أحياناً عن الحجم الطبيعى وأكبر من الطبيعى أحياناً أخرى . وقد نقل عبد البديع ذلك الحس القوى والتميز الشديد للجسد الإنسانى وملمسه وتحليله الأكاديمى ثم الواقعى ولم يحاول عبد البديع الخروج من هذه الدائرة ولكنه بعد هضمه للجسد أقام تمثالاً كبيراً سماه الفجر لامرأة تخلع ملابسها فوق رأسها بدت فيه كتلة الجسد العارى الممتلىء بالحياة وبالأنوثة أكثر تبسيطاً مما سبق من تماثيله ولكن ما زالت المعالجة الواقعية قائمة فيه ويقول الفنان ناجى كامل أن هذا التمثال هو أحد نتائج فترة المرسم ويجدر بى الإشارة إلى تمثال مشابه أنجزه الفنان كامل جاويش باسم ( الخلاص).
- استقر عبد البديع وعائلته فى مصر القديمة مستأجراً منزل من دورين ولكنه عندما أراد أن ينفذ تمثالاً للفنان الراحل أنور عبد المولى من الحجر بارتفاع أربعة أمتار ليوضع فى مدخل مدينة الفنون ( أكاديمية الفنون ) بالهرم ، اشترى حكراً كان عبارة عن حوش مدافن ، وقد ساعده هذا الفناء على نحت التمثال وترك المنزل واستقر فى الحكر الجديد بمصر القديمة بعد نفق الملك الصالح.
- أثار هذا التمثال مجموعة من المشاكل وبحسب رواية عبد البديع أن الفنان المثال أنور عبد المولى فاز بالجائزة على ماكيت صغير لا يزيد ارتفاعه عن 60 سنتيمترا. وكان لا بد من تكبيره أولاً لعمل نسخة بالجبس ثم نقله إلى الحجر بعد ذلك ويضيف أن الفنان حامد سعيد الذى كان وقتها مديراً لإدارة التفرغ ساومه على نفقات التمثال حتى تم الاتفاق على مبلغ 400 جنيه ( أربعمائة جنيه فقط ) ووعده بأن يمنحه التفرغ كمنحة منه لتنفيذ التمثال وقد حاول عبد البديع رفع المبلغ دون جدوى وثارت مناقشات على صفحات الصحف والمجلات وانتقلت المعركة إلى المطالبة بحق عبد البديع الضائع إلى أن تم الاتفاق لزيادة المبلغ مائتى جنية وأنجز عبد البديع العمل فى زمن قياسى ولكن لم يحصل على بقية الاتفاق كما أنه لم يحصل على ما وعدوه به.
- لكن أهم نقاط هذا العمل هو أن عبد البديع قد وقع اسمه بطريقة يصعب طمسها على قاعدة التمثال مدافعاً عن رأيه بأن هذا التمثال ينتمى إليه أكثر مما ينتمى إلى أنور عبد المولى الذى أصر على عمل تعديلات فى التمثال بالطين الأسوانلى قبل صبه.
- نقل عبد البديع معظم التماثيل التى كانت فى دائرة شعراوى إلى حكر مصر القديمة بعد قرار الهدم التعسفى من قبل الدكتور عبد القادر حاتم لقصر الكونت زغيب مقر متحف الفن الحديث وقصر هدى شعراوى الذى كان تحفة العمارة الإسلامية ومبنى مكتبة الفن والمكتبة الموسيقية وكان من نتيجة ذلك تكدس التماثيل مع أدوات النحت مع قطع الأحجار والرخام والجرانيت فقد تحول الحكر إلى مخزن ضاق بالأعمال وبالبشر ايضاً وانعكس ذلك على الأسرة كلها وتأثرت نفسية عبد البديع بعد قرار المحافظة تمليك الأرض لشاغليها وفى نفس الوقت وهن بصره إلى حد كبير مما دعا التدخل الجراحى من الدكتور على المفتى الذى كان صديقاً للفنانين رحمه الله ثم أوصى بسفره إلى الخارج إلى ألمانيا ولكن يبدو أن نجاح العملية أو فشلها أمر لا يملكه المعالجون عن مطالعة الصحف. ومما يجب ذكره أن الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة أصدر قراراً بمنح عبد البديع معاش الرواد.

























بقلم : مكرم حنين
من كتالوج دراسة فى إبداع خمسة مبدعين مصريين
قاهر الأحجار عبد البديع عبد الحى
- ` أخذت الحجر الصلب لأنه يعيش ، وصعوبة الحجر علمتنى الكثير ، علمتنى الاحتراس والحذر والصبر وقوة الاحتمال وعدم التسرع ` . عبد البديع عبد الحى
- يواكب هذا العام الذكرى الثامنة لرحيل قاهر الأحجار المثال .. الأستاذ .. كبير النحاتين `عبد البديع عبد الحى` الذى تخصص فى قهر الأحجار العنيدة .. مثل الجرانيت والديوريت والكوارتز والبازلت والصوان وما شابهها .. ولم يدرس الفن دراسة أكاديمية فى بداية حياته لكنه خالط الفنانين .. وهو فنان إنسان حتى عندما يصور الأوز أو القط أو أى حيوان ، وأعظم ما يميز أعماله هو احترامه للخامة التى ينحت فيها تمثاله وعمق إحساسه بها حتى يشعر المتلقى بمدى تفاعله معها وحبه لها ..
- حالة ساحرة حينما ينطق الحجر ويفصح عن أحوال ومزاج إنسان قضى عمرأ مديداً فى معافرة الحياة واستكشافها بطريقته الخاصة ..
- تتميز أعمال عبد البديع بجمالها وصدق علاقة مبدعها بها ، علاقة يلمحها المتلقى فى التفاصيل من انحناءات الجسد ومواضع الكف واتجاهات النظر ..
- شئ أقرب للمعايشة والتوحد من قبل عبد البديع جعله يخرج لنا بمشاعر منحوتاته قبل أن نرى ملامحها ، فجعل من تحكماته على الحجر معبراً لحديثها الداخلى ، وهى فرصة ربما لن تسنح لشخوص الأعمال فى حيواتها الحقيقية ، إذ يتناول عبد البديع مواضيعه من الحياة المقهورة المهمشة والسرية للعالم ، بنات على مشارف الأنوثة ونساء عاملات فى طحن الغلال فى عالم يطبق بقسوة على أحلامهن وبوحهن اليومى ويتكتم على رغباتهن وأحلامهن ..
- أخرج عبد الحى بنحته للنسخة الحجرية لحياة هؤلاء العنان لموجة من المشاعر الدفاقة الصاحية لنعيد اكتشاف جمال ما يحيط بنا من أناس أسدل عليهم الفقر والاستغلال ستاراً من الوحشة والقسوة .
- هو أول من عبر عن الألعاب الشعبية والبسطاء والطبقات الفقيرة ، كما اشتهر بمنحوتاته للطيور والحيوانات واستخدامه للأحجار الصلبة القاسية .
- عانى ` عبد البديع عبد الحى ` الكثير فى بداية حياته حتى استطاع أن يكون من أهم نحاتى مصر ، حيث كان آخر معرض له بمركز الجزيرة للفنون بالقاهرة ، وكان ذلك بمناسبة االذكرى الثالثة لرحيله عام 2007 ، حيث بُهر كل من رأى الأعمال المعروضة ، والتى فاجأت الجميع وخصوصاً وجود بعض الأعمال التى لم تعرض من قبل .
- تميزت أعماله بالأصالة والإحساس الصادق الغير مفتعل ، وبإتقانه لملامح الوجه والالتزام بالنسب ، أعماله تتسم بقوة التعبير والبساطة وعدم التكلف .
- حياته بدأت صعبة ، فقد واجه ` عبد البديع الكثير من المشاكل والاضطهادات التى لم تستطع أن تؤثر على إبداعه بل حدث معه العكس ، فحينما كان يتعرض لمشكلة أو اضطهاد من أى شخص كان يواجهه بقوة وصلابة ، وكان يواسيه بإبداع عمل جديد يعطى له حقه ويرد له اعتباره .
- هو ابن محافظة المنيا ، ولد بعزبة جلال باشا بمركز ملوى فى 30 يونيو 1916 ، وكانت هذه القرية فى تلك الفترة تتبع مديرية أسيوط ، عمل طباخاً منذ عام 1930 عند أحد العائلات المعروفة بمركز ملوى حتى أواخر الثلاثينيات ، وكان فى ذلك الوقت يقوم بعمل تماثيل صغيرة من الطين ، حتى جاء سن التجنيد وكان يأمل بأن يلتحق بالجيش الملكى المصرى ولكنه رسب فى الكشف الطبى وكانت هذه أول صدمات حياته ، حيث أنه أهين لاعتراضه على النتيجة ، وقد وصل الأمر إلى الاعتداء عليه بيد الضابط الإنجليزى . مما أصابه بالغضب الشديد لإحساسه بالظلم والقهر ، فكان رد فعله هو توجهه لموهبته التى منحها له الخالق لتفريغ شحنة الغضب التى انتابته .
- هرع ` عبد البديع ` يمسك آزميله وأدواته ليقهر الحجر والظلم معاً ، وصنع أول تمثال له من عظام الحيوانات الذى حمل ملامح ضابط التجنيد فى صورة ` عبد البديع ` وهو يضرب الضابط الإنجليزى الذى اعتدى عليه . ثم أهدى هذا التمثال إلى المتحف الحربى بالقاهرة .
- انتقل` عبد البديع ` عام 1941 للعمل طباخاً فى مطبخ السيدة هدى شعراوى التى تبنت موهبته الفنية وأدركت قيمتها وضرورة رعايتها ، فوفرت له كل الوسائل وقدمت له الدعم اللازم لممارسة فن النحت على نطاق أوسع وأكثر
جدية .
- فى عام 1943 التحق بقسم الدراسات الحرة بمدرسة الفنون الجميلة العليا واستمر فيها حتى عام 1948 ، ومن تلك اللحظة بدأ ` عبد البديع ` الدخول فى الحركة التشكيلية المصرية بالمشاركة فى مسابقة ` مختار ` للنحت فى نفس العام بتمثال من الرخام ` ست الحسن ` الذى لفت إليه الأنظار كاسم جديد وحالة خاصة.
- بعد ذلك حدثت ضجة فى الوسط الفنى والثقافى والإعلامى عندما اشترك بتمثاله ` العامل المصرى ` - من الجبس - فى مسابقة ` مختار ` والذى حصل به على الجائزة الأولى ، ولكنه سرعان ما فاجأهم بعمل جديد فى العام التالى 1945 فى نفس المسابقة بتمثال ` الألعاب الرياضية ` - من الجبس - والذى حصل به على الجائزة الثانية ، فاستطاع بالجائزتين أن يؤكد وجوده نحاتاً بالحركة التشكيلية المصرية .
- فى حياته لم يقم سوى معرضاً فردياً واحداً فى عام 1946 بمدرسة الليسيه الفرنسية بالقاهرة ، وقد أعجب الجميع بأعماله واجتمعت تلميذات المدرسة وقررن شراء تمثال لطفل نائم دفعت كل تلميذة خمسين قرشاً آنذاك ليكون المجموع ثلاثين جنيهاً وتقدمن إلى ` عبد البديع ` لشراء التمثال ، وقد تأثر كثيراً بهذا وقام بصب عدة نسخ من هذا التمثال وأهدى لكل تلميذة نسخة منه مصغرة .
- وفى عام 1948عاد ` عبد البديع ` بتمثال نصفى للسيدة ` هدى شعراوى ` ليفوز به بالجائزة الأولى فى مسابقة ` مختار ` فى العام التالى ولمدة عامين حصل على جائزة منحة مراسم الأقصر بالقرنة للمارسة الفنية والمشاركة بالمعارض السنوية لفنانى مراسم الأقصر ، وذلك بعد رفضه منحة للدراسة بفرنسا التى أعطاها له الدكتور ` طه حسين ` وزير المعارف آنذاك ، وذلك لتعلقه ببلده وبالحضارة المصرية القديمة التى أثرت بشكل واضح فى أعماله .
- طُلب بعد ذلك ` عبد البديع ` ليعين بمدرسة الفنون الجميلة العليا فى مهنة صانع نماذج والعمل بمراسم المدرسة بالأقصر ` القرنة ` ، وبالقاهرة ` حوش قدم ` ، وذلك نظراً لموهبته الفنية العالية وقدراته التقنية الفائقة التى صاغت ونفذت العديد من الأعمال النحتية المهمة لكبار الفنانين المصريين آنذاك ، وفى زخم عمله لم ينس ممارسة إبداعه دون توقف ، وظل يشارك فى المعارض المحلية لفنانى مراسم الأقصر وفنانى أتيليه القاهرة والمعرض العام ومعارض جمعية محبى الفنون الجميلة وغيرها من المعارض الدولية فى إيطاليا وفرنسا وهولندا
- وفى عام 1956 عاد لــ ` عبد البديع عبد الحى ` الإحساس بالظلم والقهر مرة أخرى وذلك حين أصيبت ركبته إصابة شديدة أثناء عمله بمراسم كلية الفنون الجميلة أثرت على حركته ولم يوافق عميد الكلية فى ذلك الوقت على اعتبارها إصابة عمل ، ولذلك انطلق أزميله على الحجر لكى يدخل الفنان فى مرحلة جديدة فى حالة تشبه ما حدث له حين صنع أول تمثال ، وقد أطلق على هذه المرحلة ` الشكاوى ` وهى عبارة عن تشكيلات ثنائية الأبعاد من النحت البارز والغائر ` ريليف ` على ألواح من الجبس ، وكانت أولى هذه الشكاوى ضد عميد الكلية
- فى تلك الفترة توقف ` عبد البديع عبد الحى ` عن العمل بسبب إصابته ، كما أنه كان يحصل على راتب شهرى شديد الضآلة لايكفى القوت اليومى له ولعائلته ، ولذلك لجأ أن يسعى للحصول على منحه الدولة للتفرغ ، وحارب كثيرا حتى حصل فى أواخر الستينيات وبعد حصوله عليها انطلق فى إبداعه الفنى للعديد من أعماله الشهيرة والمنفذة من الجرانيت والبازلت والديوريت ، والتى ميزته فى ذلك الوقت ولازالت تجعله حالة خاصة فى حركة الفن التشكيلى المصرى .
- ومن بين أعماله الشهيرة ` البطة ` المنحوتة من حجر الجرانيت وتمثال ` القطة والثعبان ` من حجر الديوريت الذى عرض ضمن مهرجان الفنون الذى أقيم فى سوريا أيام الوحدة ، والذى أهداه الفنان إلى المتحف الوطنى السورى بدمشق .. اعتبرت سوريا التمثال تجسيداً حياً للمعركة بين العرب وإسرائيل فيما بين القط والثعبان ، والذى انتصر فيه القط الواثب على رأس الثعبان ، وقد فرحت سوريا كثيراً بهذا التمثال وأهدت ` عبد البديع ` وقتها شهادة تقدير ورتبة عقيد وعباءة ومسدس وجائزة تقديرية .
- أما تمثال ` الثورة فى عشر سنوات ` فقد حصل به النحات على الجائزة الثالثة فى مسابقة معرض الثورة عام 1962، وكُلف فى عام 1973 بتصميم وتنفيذ عمل نحتى ميدانى وهو تمثال ` الشهداء ` بمدينة ` طلخا ` إحدى مدن محافظة الدقهلية .
- حصل الفنان ` عبد البديع عبد الحى ` على عدد من الأوسمة والجوائز منها جائزة تقديرية من المعرض الأفريقى الأسيوى ، وجائزة الدولة التشجيعية فى عام 1972 من الحكومة المصرية دون أن يتقدم لها والتى كانت تمنح مصاحبة لوسام العلوم والفنون من الصبقة الأولى ووسام الاستحقاق كما حصل على شهادة الجدارة فى ديسمبر 1981 من أكاديمية الفنون ، وكرمه مهرجان كلية الفنون الجميلة الأول بجامعة المنيا عام 1983 ، كما كرمته الدولة فى 1987 تكريماً خاصاً فى صورة معاش استثنائى من وزارة الثقافة المصرية .
- ثم تدهور نظر الفنان بعد ذلك وأجرى عدة عمليات جراحية فى مصر وألمانيا لم تنجح إلى أن وصلت حالته فى بداية التسعينيات إلى شبه عجز بصرى .
- وتعود الحركة التشكيلية المصرية فى عام 2000 إلى تكريم الفنان فى سيمبوزيم أسوان الدولى لنحت الجرانيت ، كما كرمه الصالون السنوى لأتيليه القاهرة بعدها بعام ثم معرض الفن الفطرى الأول بقصر الفنون فى 2002، وأخيراً منحته وزارة الثقافة المصرية منحة تفرغ لم يسع إليها فى نفس العام .
- وقد أنتج فيلماً تسجيلياً يعرض قصة حياته ، وظل الفنان يقطن منزله ، يستقبل زواره حتى لقى مصرعه على أيدى لصين أرادا سرقته ، لم يدافع عنه أزميله هذه المرة بل فارق ` عبد البديع عبد الحى ` الحياة فى الخامس من يوليو 2004 ، بعد طعنه مرات عديدة فى القلب وهو نائم طمعاً بإمتلاكه ثروة طائلة لم يمتلكها أبداً .
- مات قاهر الأحجار جسداً لكنه باقى حياً فى ذاكرة الوطن .. فى وجداننا .. بميراثه الذى تركه لنا من (أعمال) منحوتات وأبناء وأحفاد وتلاميذ .. وستزال أعماله علماً فى مجال النحت المصرى .
بقلم : د. إيناس حسنى
مجلة الخيال : العدد ( الثانى و الثلاثون) نوفمبر 2012
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث