`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمد حامد عويس

- ` إن التصوير الذى ينبع من صميم العروبة والاسلام و الذى يقدمة لنا محمد عويس يمثل صوغاً حياً لمشاكل تعانى منها البشرية جمعاء ` القى عليها الضوء فى لحظة معينة وفى مكان معين وخلاصة القول فهو تصوير عالمى ، يقدر عالمية مشاكل النمو والحق المشروع فى الدفاع عن النفس الذى يواجهها شعبه `شعب مصر`.
كارلوس اريان
ناقد اسبانى 1968

- رائد الواقعية الاشتراكية فى التصوير المصرى المعاصر.. أعماله ملحمة خالدة وترنيمة حب للإنسان .. فالإنسان دائماً هو بطل هذه الملحمة. والحياة فى جوهرها ملحمة درامية تتصارع فيها الأضداد .. والنور والظلام.. الجمال والقبح .. الأبيض والأسود.. النهار والليل .. الحب والكره .. الخير والشر .. وأعمال حامد عويس دائماً ما تنتصر للجانب الإيجابى والخيٍّر والمضىء فى هذا الصراع، فتغنت بالقيم الإنسانية السامية .
- من هنا .. كان انحياز الفنان حامد عويس للإنسان .. الإنسان المشيد للحياة من أجل غد أفضل للبشرية .. ففى أعمال عويس نجد الأمل يشرق دائماً من كل الوجوه.. رجل .. إمرأة.. طفل .. الكل تنظر فى عيونهم الشوق إلى الأجمل.. والأكمل.. إنها ملحمة تزرع فى الحياة تفاؤلاً بغد حتماً سيكون أفضل من الأمس واليوم.
- ولكن كيف كان هذا الانحياز الفطرى للإنسان البانى للحياة ؟
- لم يكن هذا اختياراً ومفاضلة ، بل قدراً وحتمية عاشها الفنان حامد عويس.
- فلقد عاش فترة طفولته وصباه فى قريته الصغيرة الوادعة فى صعيد مصر.. وهناك وفى هذه المرحلة من حياته اتحد مع الشواهد الكونية فى الطبيعة . عشق ألوان الحقول المتغيرة مع فصول السنة .. أحب رحابة الأرض واتساعها .. ونجوماً تتلألأ فى سماء ليل الصيف .. وشجرة تظله من شمس صيف حارقة.. وناساً طيبين . لكنه فى الوقت نفسه كانت تؤرقه وتنتزعه من هذه المتعة فى بعض الأحيان أحاسيس بريئة غير واعية بظلم واقع على هؤلاء الفلاحين الشغيلة من طلوع الشمس إلى غروبها فى كد وكفاح وشقاء .. وفى نهاية الأمر يقتاتون الفتات.. ولم يكن يقف عند هذا كثيراً بل كان فى النهاية يحاول طرد هذا الهاجس المؤرق معتقداً أن هذا الذى يراه إنما هو طبيعة الحياة المعاشة فى فلاحة الأرض.
- ولم يكن حامد عويس يدرى عن وعى فى هذه المرحلة العمرية أن كل هذا الذى يعيشه يترسب داخله ليكون فى النهاية أساس حياته فى المستقبل.
- وجاء إلى القاهرة فى بداية رحلته لدراسة الفن .. وثمة فرق بين الحياة فى تلك القرية الصغيرة هناك فى الصعيد.. حيث الأهل والذكريات.. وبين المدينة المبهرة بأضوائها .. المقلقة بضوضائها . وتبدلت الحقول بألوانها المستحمة فى ضوء الشمس فباتت هى الأخرى تشع نوراً . تبدل بهذا تلك الشوارع الأسفلتية.. وضاع خط الأفق الذى كانت تنام عليه الشمس عند غروبها ، أو تقف عليه نخلة تعانق السماء.. وحلت محله حوائط العمائر الشاهقة ، والتى راح الطالب حامد عويس يبحث عن ملجأ على سطح إحداها ربما يقترب أكثر من هذا الفضاء الكونى الذى تعوده وبات مفتقداً إياه بعد أن كان يعم قريته البسيطة .. أو ربما لتتكحل عيناه بتلك اللآلئ فى سماء الليل كما تعود.
- وضاع صوت الطبيعة الذى يسكنه.. الريح.. حفيف أوراق الشجر.. الطيور.. وحل محله أصوات ، موتورات السيارات ، وكلاكساتها . وبدلاً من المجتمع الواحد فى القرية.. مجتمع آخر منقسم إلى طبقات وفئات .
- كل هذا كان بالنسبة للطالب حامد عويس بمثابة الصدمة فى أولى خطواته للحياة فى القاهرة.
- ولكن.. ما باليد حيلة.. فهذا هو السبيل الوحيد لتحقيق حلمه فى أن يكون فناناً.
- والتقى بزملائه فى الدراسة بمدرسة الفنون الجميلة.. وكانت هذه المرحلة أهم محطة فى بنائه الفكرى والفنى.
- وكعادة أبناء الريف فى مصر فإنهم لا يندمجون بسرعة فى المحيط المعاش جديداً كأبناء المدينة.. ولكن الفنان حامد عويس قام بخطوة الاقتراب منهم على غير عادة القرويين وذلك عندما سمعهم يتحدثون بلغة لا يفهمها.. ويتبادلون عبارات غامضة عليه. وحباً فى المعرفة طلب منهم أن يشركوه فى هذا الذى يتحدثون فيه ، وأن يعلموه هذا الكلام الذى يسمعه لأول مرة.. وأعطوه من الكتب الكثير .. وبدأ يقرأ بنهم ولأول مرة يكتشف حامد عويس عالماً غريباً وغنياً من المعرفة لم يكن له به أية صلة .
- وملكت هذه القراءات النهمة على حامد عويس نفسه .. واعتنق ما بها من أفكار .. وكلها كانت قراءات فى الاشتراكية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، وأحقية الفرد فى نصيب عادل من الحياة الكريمة .
- وأصبح عضواً فى أحد الجماعات التحتية التى تؤمن بهذه القضايا وتسعى لتحقيقها .. لكن عويس كان منهجه مختلفاً عن كل هذه الجماعة فى وسيلة تحقيق هذا الهدف .. فلقد آمن فكرياً بهذا التوجه.. واختار الفن سلاحاً وهو الأقوى والأبقى لهذه المعركة ذات النفس الطويل.. بينما انخرط زملاؤه فى النشاط السياسى على طريقة الخلايا السرية .
- وهكذا اعتنق عويس فكراً فى العلم وأن صراعه السياسى عليه أن يتحقق من خلال الفن فلم يكن هدفه أصلاً تحقيق هذه البطولات المستترة الخائفة والتى يمارسها فقط أعضاء الجماعات السرية فى خوف وحذر .. فلقد آمن عويس أن الهدف الأساسى من وراء هذا النشاط والفكر والكفاح هو الناس البسطاء .. فكيف يمكن الوصول إليهم والتواصل معهم فى هذه الحالة من التخفى والخوف.
- إن هذا إجهاض للفكر .. فعلينا أن نحدد ميدان وسلاح المعركة إذا ما آمنا بها ، وإلا سيظل هذا الفكر خاصاً بالنخبة المثقفة يجترونه فى جلساتهم ومناقشاتهم الخاصة .
- ولم يكن التوجه بغريب على الفنان حامد عويس ، فلقد أيقظ هذا الفكر الذى قرأه فى الكتب ما ترسب داخله فى فترة طفولته وصباه فى القرية .. والذى كان حينئذ لا يعرف سبباً له إيماناً بقدرية الحياة .
- وأصبح الفن بالنسبة لحامد عويس قضية ورسالة بطلها وهدفها الإنسان المكافح من اجل الحياة الكريمة للخروج بالكادحين من هذه الظلمة الحالكة المفروضة عليهم .. فانحاز منذ البداية لطبقة العمال والفلاحين.
- وبدأت رحلة حامد عويس الفنية بالبحث والتنقيب فى الموروث الثقافى المصرى .. وفى الحضارات .. وفى تاريخ الفن .. وفى الفنون المعاصرة شرقاً وغرباً بهدف الوصول إلى لغة تشكيلية خاصة تحمل فى ثناياها جوهر هذا الفكر ، وذلك إيماناً من الفنان بأن وسيلته فى التعبير هى اللغة التشكيلية والتى إن لم تكن فى قمة اكتمالها جمالياً وفنياً فسوف تصبح قضيته الفكرية خاسرة .
- وبدأت الإرهاصات بالبحث فى اللون لأنه عماد فن التصوير فراح يدرس أساتذة الفن المعاصر .. وهنا تبرز مرحلة التأثر بماتيس وبيكاسو على وجه الخصوص .
- وحاول الجمع بين المتناقضات اللونية والتى كانت التعاليم الأكاديمية فى مصر ترفضها تماماً .. ولفت الموضوع عند بيكاسو اهتمام عويس لا سيما وهو يعالج قضايا إنسانية عامة .. وخرج كل هذا فى أعمال هذه المرحلة مثل .. (الخياطة) .. (قارئ الكوتشينة) .. ( التريكو) .. وكلها نماذج إنسانية بسيطة .. ثم (البلاج) .. (وفناء المدرسة) .. (ومحطة ترام كليوباترا) بالإسكندرية .. كل هذا فى محاولة لإيجاد حلول لعلاقة لونية جديدة حيث كان الفنان عويس يبحث عن لون متوهج.
- ويعيش حامد عويس فى الإسكندرية حيث البحر وعناقه مع السماء هناك عند خط الأفق الذى افتقده فى حياة القاهرة .. والصيادون .. والترام ذو الطابقين الشهير .. ومجتمع فنى ربما أكثر حميمية فى القاهرة ، وحيث يتألق فنانون عظام أمثال محمود سعيد ، ومحمد ناجى ، وسيف وأدهم وانلى .. وكثيرون من فنانى الجاليات الأوربية التى اتخذت لها من الإسكندرية وطناً .. أمثال .. بكى .. سباستى .. وهمبر .. وزنانيرى .. وبرندانى .. والنحات أسكاليت .. وغيرهم . والمناخ هادئ وموح بالتأمل والتفكير ..
- وفى هذا المحيط المستنفر للإبداع يصوغ الفنان حامد عويس أعمالاً تعتبر من أهم بناءات ملحمته الفنية .
- وفى رحلة إلى إيطاليا كان قد وطد الحوار مع أعمال فنانيها العظام أمثال جوتوزو . ومع كبار الفنانين المكسيكيين أمثال ريفيرا مما ساعده على اكتشاف طريقه الخاص الذى كان يبحث عنه فى دهاليز تحقيق أصعب معادلة فى مجال الإبداع .. لغة تشكيلية لا تطغى جماليات أبجدياتها على تجسيد رسالته الاجتماعية التى يؤمن بها ..
- فليس المهم عند حامد عويس إجادة التقنية والصياغات التشكيلية فقط .. بل عليها أن تحمل رسالة وقضية .. والإنسان هو قضيته التى تشغل باله وتملأ عليه فكره وكيانه .
- ومن هذه الخلفية المشحونة بكل هذا التكوين الإنسانى والفكرى والفنى .. جاءت ملحمة عويس الفنية .
- وأصبح ذا أسلوب متفرد فى الحركة الفنية المصرية المعاصرة لا تخطئه العين . فتصميم الصورة عنده يحسب بميزان الذهب فى دقة كل تفاصيله .. علاقات واتجاهات للخطوط والتقابلات بينها .. واللون وقدره فى كل مساحة وفقاً لدرجة ذبذبته على شبكية العين .. ويلعب الخط واللون معاً دوراً أساسياً فى جذب العين وحصرها داخل إطار الصورة .. وعناصر بناء الصورة عند الفنان حامد عويس تستمد من قانون طرحها على المسطح استقلاليتها الكاملة ، فهى لا تقبل دخول أى عنصر خارجها للمشاركة فى التصميم ، كما أنه لا يمكن لأى منها الحركة خارج التصميم هارباً خارج الصورة .
- وعلى الرغم من أن كل عناصر بناء الصورة عند حامد عويس ذات مدلول بصرى إلا أن التصميم عنده فى جوهره قائم على لغة تجريدية محكمة .. ولا يمكن أن يأتى هذا صدفة أو اعتباطاً .. بل هو نتيجة حتمية لفنان عمق تسكنه كل القيم الفنية عبر التاريخ الإنسانى .
- والإضافة الجديدة التى استخدمها الفنان عويس فى صياغة الصورة هو هذا التحقق التشكيلى القائم على نظرية اجتماعية آمن بها .. وهى أنه لكى يجئ الكل مكتملاً فلابد وأن يكون الجزء مكتملاً .
- وبإمكانية فذة حقق عويس هذه المعادلة تشكيلياً ببساطة وبلاغة نادرين .
- ولنأخذ مثالاً من أعماله لنرى فيه إمكانية تحقيقه لرؤيته الفنية .. الصياد والسمكة بلاغة الخط فى دقته ورقته ورشاقة حركته .. فهو يشكل عصب التصميم . ولنتتبعه فى رسم الصياد وحركة ميله وحركة ذراعيه مع السمكة الكبيرة .
- فالكتف اليسرى للصياد يميل مع حركة الرقبة إلى داخل الصورة مستمراً مع حركة الرأس والكتف اليمنى .. ثم عمود الشراع . ويرد على حركة هذا الخط حركة خط الذراع اليسرى للصياد والذى يسحب الخط المتجه إلى الخارج ويرده إلى داخل الصورة فى خطوط رسم بقية الذراع اليسرى واليد .. وفى أعلى الصورة من اليسار نجد أن حركة الذراع اليمنى المتجه إلى الصورة قد سحبت معها أيضاً خط الكتف المستمر مع عمود الصارى المتجه إلى الزاوية العليا .. ومع خط الذراع اليمنى تستكمل الحركة الدائرية عن طريق حركة السمكة الكبيرة والتى تتجه من الجهة اليسرى للصورة إلى الجهة اليمنى لتمسك بها يد الصياد اليسرى .. إنه إحكام دقيق للتصميم .
- وبلاغة الاقتصاد أيضاً فى اللون تلعب دوراً أساسياً فى توصيل القضية الفكرية للفنان .. فحساب اللون بهذه الدقة لم يستدرج العين إلى شرك تتبع النغمات اللونية للألوان المتعددة .. فربما تنشغل بذلك عن تلك الرسالة التى يريد الفنان توصيلها للمتلقى .
- إنها القدرة المتمكنة للفنان حامد عويس فى ميزانه الذهبى الدقيق هذا الذى حقق تلك المعادلة البالغة الصعوبة فى أن يجمع فى آن واحد بين هذا الجمال التشكيلى البليغ ووضوح القضية التى يؤمن بها .
- وإذا ما جاء دور نظرية اكتمال الجزء أولاً ليتحقق اكتمال الكل تشكيلياً .. فسوف نجد أن الفنان حامد عويس قد صاغ من كل مساحة مغلقة ومحصورة فى داخل التصميم كياناً مستقلاً قائماً بذاته .. ولننظر إلى نفس العمل .. الصياد والسمكة 1987 .
- نجد أن المساحة المحصورة بين ذراع الصياد اليمنى والسمكة جاءت عالماً خاصاً قائماً بذاته .. فالبحر ومجموعة المراكب بأشرعتها وصواريها .. كذلك خط الأفق وهذا الشفق فى السماء .. ولون السماء والبحر .. نجد أن عالم هذه المساحة منتهياً بها بعد أن أوحت زعنفة السمكة العليا برصيف خليج قد رست عليه مراكب الصيد . إنها جزء يحمل فى داخله رغم صغره موضوع الصورة .. عالم الصيد . والمساحة المحصورة بين ظهر الصياد فى أعلى يمين الصورة والتى بها أشرعة مفرودة لمراكب صيد لكن هذه الأشرعة الثلاثة تؤكد عالماً خاصاً بها .. إنها ليست امتداداً للمراكب التى تقبع تحت إبط الصياد ، حتى فى سمائها شفقية اللون .
- والمساحة العليا فى يسار الصورة والتى هى عبارة عن صارى لشراع صيد مختلف فى الحجم والمنظور وحتى أيضاً فى سمائه ودرجة لونها .. وزاويتا الصورة السفليتان شغلهما الفنان برؤوس أسماك لكن كلاً منها مختلف عن الأخرى وإن اشتركتا فى كونهما عنصراً واحداً ، فكل مجموعة منها تتجه فى حركتها كل من زاويته إلى داخل الصورة .
وحتى حركة الصديرى الذى يلبسه الصياد وقد قسم إلى أربع مساحات محددة ، وهنا أيضاً على الرغم من وحدة العنصر فى اللون والزخرفة إلا أنه أيضاً كل مساحة منها تؤكد استقلاليتها .
- إنها أستاذية وقدرة فائقة على تصميم الصورة بلغة غاية فى البساطة على الرغم من شدة تعقيدها البنائى .
- وأما عن الأداء التقنى عند الفنان حامد عويس فهو غاية فى الخصوصية .. فالفنان يقص نصف شعر الفرجون من أعلى تقريباً ودائماً ما تكون الفرجون صغيرة لا تتعدى رقم 2 أو 4 على الأكثر . وهكذا يصبح الجزء المتبقى من الفرجون خشناً وصلباً إلى حد كبير .. ويبدأ الفنان حامد عويس فى فرش اللون بهذا الفرجون الصغيرة بعد أن يكون قد أعاد صياغتها .. ومهما كانت مساحة اللون المفروش على المسطح كبيرة .. فهو لا يستخدم أبداً الفرجون الكبير .. وهنا تصبح التقنية نوعاً من التعايش والتوحد الكامل بين الفنان والعمل الفنى .. فالفنان فى هذه الحالة لا يضع اللون على المسطح بل هو يدمج هذا اللون ليتخلل سطح القماش فيصبح اللون والقماش شيئاً واحداً يجمعهما وسيط روحى وإيمانى بالفنان ..
- إنه أسلوب يؤكد فلسفة الفنان حامد عويس .. فالقضية رغم صعوبتها وتعقيدها إلا أنها تخرج فى ثوب بسيط بالغ الروعة .. إنه البسيط الممتنع .. فالقضية بالدرجة الأولى تهم البسطاء من أهله وعشيرته .. بل وبسطاء بنى البشر على اختلاف أجناسهم .
- هذا مثال فقط للاستدلال على عظمة هذا الفنان .. وهناك الكثير والكثير .. من الأعمال .. عمال الدريسة .. والتى نال عنها جائزة جوجنهايم .. وحديث القناة .. والسد العالى .. والقيلولة .. والبطالة .. وغيرها من الأعمال التى تشكل تراثة هاماً فى تاريخ النضال المصرى فكرياً وفنياً والتى دائماً ما يختار الفنان حامد عويس موضوعها وعناصر تكوينها بحكمة ودقة .. دائماً بطلها الإنسان .. وأناس أصحاء .. أقوياء .. طيبون .. متفائلون .. مؤمنون بغد أفضل على الرغم مما يبدو فى عيونهم من نظرة متأملة نحو آفاق بعيدة يشوبها فى بعض الأحيان حزن نبيل كما لو كانت نظرتها إلى الداخل لا إلى الخارج .. ولذلك نجد أن الفنان عويس غالباً – وإذا كان موضوع العمل داخلياً وليس فى الطبيعة المفتوحة - يفتح نافذة يطل منها الأمل ولنطل منها نحن على الغد الأجمل .
- إن هذه النظرة الاستبطانية المتأملة .. وهذه الثقة فى الغد .. وهذا الوضوح فى بساطة العناصر وعلاقتها .. وهذه الصرحية فى البناء .. وهذا اللون المشع الأخاذ على الرغم من أدائه البسيط . .
- كل هذه النظرة الاستنباطية المتأملة .. وهذه الثقة فى الغد .. وهذا الوضوح فى بساطة العناصر وعلاقتها .. وهذه الصرحية فى البناء .. وهذا اللون المشع الأخاذ على الرغم من أدائه البسيط ..
- كل هذا إنما تستمده أعمال الفنان حامد عويس من ذلك الموروث الحضارى للإنسان المصرى .
- لهذا كله فإن الفنان حامد عويس ظاهرة متفردة فى الحركة الفنية المصرية المعاصرة ، حقق معادلة صعبة فى الفكر الفنى المصرى لا يقدر عليها إلا من يملك قدرة وفكر وإيمان حامد عويس .
- لذا أجدنى مختلفاً مع من يعتقد أو حتى يظن أن الفنان حامد عويس قد ترجم إنجازات ثورة يوليو 1952 فى أعماله التشكيلية العظيمة .. والحقيقة فى رأيى هى أن ما جاءت به الثورة إنما هو تحقيق لرؤية وأحلام حامد عويس ..
- وعندما فكرنا فى سلسلة آفاق الفن التشكيلى إصدار هذا العدد عن الفنان الكبير حامد عويس كان لابد من أن يوكل بهذا الكتاب إلى أحد النقاد المدققين والمتابعين للحركة الفنية المصرية الحديثة والمعاصرة عن قرب .. علاوة على قدرته البحثية على اكتشاف جديده للفنان من الناحية الفنية والفكرية والشخصية .
- ومنذ اللحظة الأولى لم نفكر إلا فى الفنان الناقد عز الدين نجيب لما عرف عنه باقترابه فكرياً وانشغالاً بأهمية الإنسان .. تماماً كما هى انشغالات الفنان حامد عويس فى رحلته الفنية ..
د. مصطفى عبد المعطى

حامد عويس فنان مصرى
- الفنان محمد حامد عويس (1919) يعد من الفنانين القلائل فى الحركة الفنية المصرية والعربية الذين أثروها بفن تتحد فيه جذور الانتماء وحب الوطن .. فالقضايا القومية والاجتماعية كانت ومازالت هى شاغله الأول والأخير فرسم العمال فى المصنع وفى الورش الصناعية، وحرب أكتوبر، والناس بما تحمل من هموم وآمال من أجل حياة أفضل .. وهو أستاذ قدير تخرج من محراب تعاليمه ومعرفته الواسعة أجيال تلو الأجيال .. وهو فنان يعرف ما يفكر فيه وما يبدعه، لذلك تجددت أطره الفكرية فى فضائيات عالمه الإنسانى، ونستطيع أن نطلق عليه فنان المجتمع الذى ارتبط به بكل جوارحه .. ولد فيه ونمت جينات حبه وانتمائه له حتى صارت ملمحاً ثابتاً عليه دون مواربة فى الفكر أو الإبداع الفنى على وجه العموم .. وفنه يتسم بالبناء الراسخ لمفرداته وعناصره التى تحمل كماً من المشاعر والطاقة كأنها إنشاءات، قامتها راسخة البناء والمعمار، كما تتسم بالضخامة والقوة كصياغة متفردة ومعالجة امتدت فى نمو مع رؤية الفنان الخاصة لخلق عالم يعج بالتفاعل والحيوية والحركة، بالإضافة إلى قدرة الفنان على محو التفاصيل واختزال الحركة والمعانى الآتية من الخارج إلى الداخل .. كما نكتشف كونيات العمل الفنى وجغرافيا الفراغ المتوازن بين العمق والأفقى والرأسى، والعلاقة بين الكتلة القوية المتينة البناء والمشعة تعبيراً جاذباً لروح المشاهد المتأمل بعمق ، والألوان المتباينة والمتآلفة فى نفس الوقت بين البارد والدافىء فى حوار متسق، وفى حركة تداخل وامتزاج متواتر وانفصال متوازن بينهما فى آن واحد .. فالفنان حامد عويس لا يرسم الأشياء والناس والبيئة والموضوعات ذات الصبغة القومية بمباشرة كلاسيكية أو أكاديمية بل يرسمها بعد تفاعل شحنة الطاقة المتوهجة فيه مهجناً المعنى الدال على التعبير الموضوعى المستتر أحياناً والمباشر -رمزاً- أحياناً أخرى، الأمر الذى يحدث ارتباكاً بصرياً- بل صدمة بصرية- لأول وهلة مؤداها مزيدُُ من الانجذاب للعمل الفنى ..مزيد من التأمل والاكتشاف وفك شفرات المعانى الدالة الساكنة بين جسد الألوان والنابضة فوق نسيج اللوحة .
أ.د. احمد نوار
مجلة الفن - 2004

- استقبلت الأوساط الفنية نبأ فوز الفنان الكبير محمد حامد عويس بجائزة مبارك فى الفنون بفرحة غامرة وارتياح كبير وذلك لمكانة هذا الفنان المبدع وبصماته المتفردة على الحركة الفنية التشكيلية مبدعاً ومعلماً وأستاذاً للعديد من الأجيال التى تبوأت أماكنها نجوماً داخل الحركة من خلال رحلته الطويلة مع الفن فى دراسته له - أكاديميا - بالقاهرة قادماً من بنى سويف - مسقط رأسه - حتى استقراره فى الإسكندرية والتقائه مجموعة الفنانين الأجانب والسكندريين وكانت منطلقاً لتطوير أسلوبه من خلال ثورته على الأكاديمية وتحطيم الشكل وقواعد التشريح .
- استقر المقام بالشاب فى الإسكندرية عام 1949 بعد تخرجه فى المدرسة العليا للفنون الجميلة بالقاهرة عام 1944 والتى تتلمذ فيها على أيدى الرواد أحمد صبرى ويوسف كامل ليقف بقوة على أرض الأكاديمية متشبثاً بمقومات التشكيل الفنى القوى ودقة التشريح ملتزماً بالكلاسيكية فى التكوين وإمكانات المعالجات الجمالية وقد سعى بعد ذلك للخروج من أسر هذه الأكاديمية بوعى وفهم وتمكن وقد نجح فى إضفاء البلاغة والفلسفة والفكر والخيال على أعماله التى تميز بها طوال رحلته الفنية والتى فاقت الستين عاماً عرض خلالها إبداعاته التى تمثل الفن المصرى الحديث فى العديد من دول العالم : إيطاليا وبولندا وألمانيا وفرنسا وإنجلترا والنمسا والاتحاد السوفيتى السابق والصين، كما قدم أعماله للجمهور الإسبانى عام 1968 وقال عن عالم عويس الفنى الناقد الإسبانى كارلوس اريان : ` ولموضوعية هذا العالم الذى يقدمه لنا الفنان والذى يجعلنى أفكر فى صفوة التصوير الحائطى المكسيكى ، يتحتم الربط بين الإنسان والأشياء التى سما بها الفنان إلى مرتبة العمل الفنى ، كما أن هناك صفاء فى اللون وتناقضاً لطيفاً لا يجرح على الإطلاق . إن أعمال عويس بسيطة مترابطة ومتوازنة دون مبالغات ولمسات فرشاته صريحة وفيها تماسك وهذا دون غيره ما يلائم العمل ذا الطابع التذكارى الشامخ `مونيو منتال` إنه تصوير عالمى على قدر عالمية مشاكل النمو والحق المشروع فى الدفاع عن النفس التى يواجهها شعبه شعب مصر ، ولقد أسعدنا أن نتذوق بصورة مباشرة لوحات هذا الفنان الذى يعبر بصدق عن بلده .
- وبدأ عويس نشاطه بالإسكندرية عام 1949 مدرساً للرسم فى مدرسة الفاروقية لمدة 7 سنوات زامل فيها مجموعة كبيرة من الفنانين ، حيث التقى سيف وأدهم وانلى ومحمد ناجى ومحمود سعيد والنحات محمود موسى ، وقد التقى قبل ذلك بالقاهرة أثناء استكمال دراسته فى معهد التربية العالى للمعلمين بالفنانين عز الدين حمودة ويوسف رأفت، حيث جمعهم مرسم خاص يزاولون فيه نشاطهم الفنى وإبداعهم وشارك فى تلك الفترة - عام 1947 - فى تأسيس جماعة الفن الحديث .
- وبدأت ثمار تمرده الواعى على الأكاديمية تظهر وتتضح فى لوحات `الأمومة ` و `الخياطة ` عام 1949 حيث سعى فيهما إلى تكوين شخصيته الفنية المستقلة وأسلوب خاص جمع فيه بين التكعيبية والتعبيرية والتأثيرية، ويبدأ رحلة فنية إلى إيطاليا وفرنسا عام 1952 مع مجموعة من الفنانين زار فيها بينالى فينيسيا وقد انبهر بالجناح الإيطالى الذى اعتمد فنانوه على التعبير عن الواقع بصدق من خلال الواقعية الاشتراكية وبعد عدة زيارات للبينالى وبعض المزارات الفنية والمتاحف والميادين ينشغل الفنان حامد عويس بهذا التوجه من خلال هويته وبيئته ليعيد صياغة التشكيل لديه ويتخذ الطابع الصرحى فى أعماله وهو الطابع الذى استمر معه فى رحلة إبداعه حتى الآن وينتج روائع من أعمال يشار إليها مثل `المكوجى` عام 1952 و `خروج الوردية ليلاً ` ولوحة ` العمل` عام 1956 والتى حصلت على جائزة جوجنهايم الدولية فى نفس العام ليقتنيها متحف الفن الحديث بنيويورك .
- وتأتى نكسة عام 1967 لتلقى بظلالها على الفنان ، كما ألقت بظلالها على الشعب ليأتى تعبيره محملاً بالرموز وتتسم أعماله بالشجن والحزن البادى على وجوه وعيون شخوصه التى تحمل معانى الصمود والمقاومة والبناء، كما جاءت الألوان محدودة و`قورة ` استخدم فيها البنى والأسود ودرجاتهما ليؤكد الدراما والحزن داخل الأعمال .
- واعتمد عويس فى تكويناته على البنيان المتين الشامخ الخالى من التفصيلات فى أسلوب بنائى صرحى ليرسم `القيلولة ` عام 1961 وهى تمثل مجموعة من العمال فى غفوة القيلولة تتداخل وجوههم بأذرعهم وسيقانهم يفترشون الأرض وقد حفلت اللوحة بالخطوط والألوان والمعالجات الملمسية المتنوعة وقد حصل بهذه اللوحة على جائزة بينالى الإسكندرية عام 1962 وكان حصل عليها أيضاً عام 1958 والذى حصل فيه على جائزة صالون القاهرة .
- لقد أكد الفنان فى أعماله على الهوية المصرية منطلقاً من خلالها نحو آفاق العالمية، فقال عنه النحات الألمانى فريتس كريمر فى مقدمة كتاب عن فن عويس عام 1961 : ` إن فن حامد عويس بجانب ما يحمل من صفات إنسانية عالمية إلا أنك حين ترى لوحاته تؤمن أن صانعها لابد وأن يكون من مصر ، وذلك لما تزخر به هذه الأعمال من سمات شعب مصر وأمانيه` .
- يقتنى أعمال الفنان بالإضافة إلى متحف الفن الحديث بالقاهرة ومتحفى كليتى الفنون الجميلة بالقاهرة والإسكندرية ، متحف درسدن بألمانيا والذى اختار لوحة ` صيادين من الإسكندرية ` لينشرها فى كتابه ضمن 180 عملاً متميزاً بالمتحف ، كما يقتنى أعماله متحف الفن الحديث ببرلين - ألمانيا ومتحف الفن الحديث فى بوزان - بولندا ومتحف بوشكين ومتحف الفنون الشرقية بموسكو ومتحف الفن المعاصر بمدريد - إسبانيا .
- ولد محمد حامد عويس مع انطلاق شرارة ثورة 1919 فى أحضان نيل بنى سويف ويشكل بالطين هؤلاء الفلاحين بعد أن عايشهم وعاش معهم يخترق الحقول ليعيش تلك المشاهد والأحداث الريفية من الزراعة والحصاد وتشكيلات النخيل والأشجار والحيوانات والطيور ، بالإضافة إلى قصص البطولة التى عايشها فى تلك الفترة لتختزنها ذاكرته ويتشكل بها وجدانه لتكون أحد أهم منابع رؤيته الفنية .
- وأكد حامد عويس رغبته فى الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة بالزمالك ليسحب أوراقه من مدرسة البوليس التى كان قد تقدم إليها بناء على رغبة الأسرة وحلمها فى أن يصير ابنها ضابطاً ليتحول حلمه إلى حقيقة واقعة ويبزغ نجمه فى سماء الحركة الفنية التشكيلية فى مصر والعالم ويبرز كأحد أعلام الإسكندرية أستاذاً فى كلية الفنون الجميلة منذ إنشائها حتى أصبح عميداً لها ويحصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1999 فى رحلة إبداعية متواصلة توجت بجائزة مبارك فى الفنون هذا العام 2005 .
د/ محمد الناصر
مجلة نصف الدنيا 2005

- `اذا كان لى أن اختار من مجموع اللوحات التى احتواها بينالى فينسيا لوحة واحدة اقدمها الى العالم اجمع كتصوير لانسان هذا العصر فلا اتردد فى اختيار اللوحة التى قدمها الفنان المصرى محمد عويس .
جون بريجر - ناقد بريطانى 1958


- `أن فن محمد عويس بجانب ما يحمل من صفات انسانية عالمية الا انك حين ترى لوحاتة تؤمن ان صانعها لابد ان يكون من مصر وذلك لما تزخر به هذة الاعمال من سمات شعب مصر وامانيه ` .
فريتس كريمر - نحات المانى 1961


- إننى لم ار فنانا يتحدث بحب وتفاؤل عن بلده كما أرى ذلك بوضوح فى اعمال الفنان محمد عويس .
أ.د. بجدتوف
ناقد سوفتيى واستاذ تاريخ الفن باكاديمية الفنون بليننجراد

- هذا المبدع العظيم قيمة كبيرة فى تاريخ الحركة التشكيلية المصرية ، حيث يعد رائد تيار الواقعية الإشتراكية الذى اقتفى أثره كثير من الفنانين فيما بعد ..فقد التزم الفنان النبيل بالتوجه الاجتماعي الخالص، الملتزم بقضايا مرتبطة ارتباطا مباشرا بالعمال والفلاحين وأبناء الطبقات الكادحة، مما كان أبلغ تعبير عن قناعاته الفكرية التي انطلق منها، وكانت التوجهات الاشتراكية في عصر الثورة، وبالتحديد في عقد الستينات وبعد إعلان عبد الناصر قرارات يوليو الشهيرة، كانت تلك التوجهات هي النغمة السائدة واللغة المستحبة في التعبير الفني فنرى عويس وقد اهتم بالنسوة الكادحات في العمل على ماكينة الخياطة والتريكو ، والعمال في المصانع، والصيادين، كما نذكر لوحته الصرحية عن السد العالي والتي صورته رجلا قوي البنية يجري النيل، وتتدفق الناس، وتنطلق الحياة من بين رجليه وهو جالس في قوة ورسوخ يحتضن الجماهير.
- والفنان محمد حامد عويس حينما عبر عن الثورة والشعب والسد العالي وتأميم قناة السويس، لم يكن مجاملا للدولة أو عازفا في بوق الدعاية السياسية، بل كان مصريا مخلصا، معبرا عن نبض الإنسان المصري البسيط، و مستجيباً لتفاعلات تجري في المجتمع المصري و لاعتمالات الإنبات و النمو للمشروع النهضوي الثوري في ذلك الوقت .
- وفي لوحته : العمال في الصباح 63سم 48 × 48 سم عام 1953 ألوان زيتية على قماش ، متحف الفن الحديث القاهرة .
- يطالعنا هنا عزف هادر بمفردات القوة الراسخة لتمجيد الطبقة العاملة والتغني برموز تشكيلية تستقي مكوناتها العفية المتقدمة من اكتساح كطابور الجند و انطلاقات الفيضان ...تلك المعزوفة التي ميزت اتجاه (الواقعية الاشتراكية)..في عصر الستينيات الذهبي .
- و حينما ننصت و نستسلم لإيقاع المنظومة المقدسة الذي يهدر و تدقه أقدام أولئك الشرفاء الذين يمجدهم محمد حامد عويس و هم يتوجهون لعملهم في الصباح الباكر لينضموا للنشيد البناء الذي كان يصنع وجه مصر الجديدة ..و يبني عزتها و استقلالها البهي الجسور ...حينما ننسجم مع العزف و نبدأ في القراءة نرى هنا بوابة مصنع و المداخن تتضح في الخلفية و العمال يرتدون ملابس ثقيلة وأغطية رأس و أحذية غليظة صارمة راسخة على الأرض .تبدو لنا السماء كأنه الصباح الباكر في الشتاء القارس وجوههم متغضنة فيها جدية أيديهم ضخمة غليظة أحدهم يدخل المصنع على دراجته ، الآخر يشعل سيجارة اثنان يتبادلان الحديث ، العمال متراصون متلاحمون هم مثل الحائط القوي المتين المرسوم إلي جوارهم في مدخل المصنع منهم الراكب و المترجل.تلملم أبصارنا تلك الخــطوط غليظة قوية مترابطة مكونة تخطيطاً عاماً قوياً متماسكاً يجابه المتلقي بثقل و جسارة و عنفوان خشن يقبض على ذائقته و يتملكها و لا يفلتها أبداً . تلك الملامح الواقعية التي ليس فيها أي ملامح تراثية أو أسطورية . تقدم لنا عمالاً أقوياء أصحاء تجللهم مداخن عالية شامخة ، إيقاع الحركة المتقدمة إلي الأمام في نشاط وثقة رغم البرد حشد من العمال في مختلف الأعمار يمسك الرجل يد زميله بمودة وتراحم ،هناك جو عامر بالاطمئنان والسكينة.في بناء الكتل يشرع محمد حامد عويس في تكوين معمار متين يحتوي تلك الكيانات الرابضة القادمة نحونا في إصرار المكتسحة عتمة الليل صانعة نور الخلق البديع نرى العقد المبني الممثل لبوابة المصنع لم يكتمل وقد خرج من إطار الصورة. و خطوط الشبكية رأسية تتجه لأعلى دائماً تتصاعد مع النشيد ، خطوط المداخن تتجه إلي أعلى أيضاً في تحليق و سمو و دأب حيث إطار الصورة وكأنها تخترقها لتستكمل المسيرة المنظور يحفظ بصرنا فى مستوى النظر ، الفراغ عميق ممتد أفقياً .الإيقاع هادئ هادر راسخ منتظم يتولد من تكرار كتل المداخن الخمسة ، وتوزيع الوجوه بصورة متكررة يخلق إيقاعاً أيضاً و تلك الأحذية الغليظة ذات اللون الواحد موزعة في حركة إلي الأمام تأتينا مع الصباح و تنبت منها كل الخيرات و الآمال .
- ذلك اللون الرمادي الذي صبغ به محمد حامد عويس ملابس العمال يتكرر من المقدمة إلي الخلفية ويخلق إيقاعاً راسخاً غير ملحوظ مناسب للجدية الشديدة التي أسبغها على الموقف مكرساً لهيبة وقدسية بليغة . والمزيج البصري هنا يطوف بالمجموعة اللونية السائدة بين الرماديات و البنيات ، في تجانس مع لون المدخل و المداخن الخلفية ، في إشارة لطيفة إلي توحد العامل مع مصنعه وأدوات الإنتاج - التوظيف اللوني كثيف متوافق يخلق ملمساً خشناً، كما أن تحديد المساحات باللون الأسود يزيد من قوة الأشكال وغلظتها ، ويسري الضوء في الصباح الباكر ناعم حذر لكن التجسيم النحتي و التحديد الأسود الواضح يدعم الكتل الرابضة الآتية في جمع نبيل شريف ، و مصدر الضوء يقع فوق العقد في مدخل المصنع و يلقى ظله على الحائط .و يتركنا في دهشة و جلال و استقبال باهر نظل فيه لموكب مكثف من الشرفاء البنائين و العمال الذين يملأ بهم صدر المدى في حفاوة و فرح .
- لوحة الجندي ، ألوان زيتية على قماش 150 سم × 75 سم .
- نتنسم هنا معاً نسائم الفن التشكيلي حينما يتبلور ساطعاً نابضاً مع قلب المجتمع الثائر ومتغنياً بقيمه الإنسانية التي أفرزها المشروع القومي لمصر الذي استمسكت به بعد ثورة يوليو و الذي نحن في أشد الحاجة إليه الآن ، وهو طوق النجاة من ظلال الالتباس و المراوحات و القفز على القيم النبيلة و استغلال الجهل و فقر الوعي السياسي السليم و الانغماس في الدروشة السلفية الخطرة . حينما استمع المصري إلى نداء جذوره العفية الطاهرة الضاربة في عمق الكون ؛ ثار و نجح وأسقط النظام الفاسد ، ولكنه اليوم أشد ما يكون حاجة للمشروع القومي المصري في مجابهة الجهل والزيف والتأطير المصطنع ، مشروع يثمر حقيقة بازغة يقينية نقية يتوصل إليها بحسه و حدسه ووعيه الإنساني الفريد الذى استيقظ فى مارس 1919 و يوليو 1952 و يناير 2011 .
- حينما أنتج الفنان المصري هذا الفن التشكيلي لم يكن مجاملة للدولة و لا تحت سطوة أوامر سلطوية علوية بل نبت نبتاً و تفجر تفجراً صحياً سليماً صادقاً متنوعاً ، متجاوباً متناغماً متسقاً مع ذاته و جوهر نبض الجماهير.
- ولنقرأ معاً تلك اللوحة المسماة بالجندى : حيث يجلل محمد حامد عويس صدر المدى بذلك الفلاح العملاق المتطلع إلي الأمام قوي البنية يحتوي فيما بين ذراعيه نماذج مختلفة من البشر، يمسك سلاحاً معلقاً في كتفه يظلل هؤلاء الناس ويحميهم ، يرتدي ملابس تشبه ملابس الفلاحين أثناء العمل في الحقول و كذلك منديل الرأس ، يعزف مفردات من صورة مصرية ريفية : شجرة - نخيل وبيوت ومآذن ومداخن مصانع في الخلفية ، فهو لا ينسى ترديد معزوفة العمل بكل تجلياتها .النيل يمتد إلي نهاية الأفق ويقطعه جسم صخري ضخم . هي أيقونة البطل الذي قهر الطبيعة وبنى هرم مصر الرابع حين غرس السد في حضن ذلك النهر الغشوم .و نجت مصر من غوائل النهر و الفقر .هنا يمد الفلاح الجندي كفه اليمنى حانية حامية وارفة ،ينبثق من جسده العملاق حب فتى و فتاة متآلفين آمنين في قلب رسوخه ، تصدح البهجة في مرح الأطفال في المدى المفتوح بالبركة والنماء ، نرى فلاح معه حمار يأكل من الأرض التي يحميها العملاق.
- تواجهنا خطوط اللوحة قوية صريحة ومكثفة لا تشتت الرؤية ، متوافقة مع بعضها في تناغم ، فيها رسوخ واستطالة توحي بالثقل والثقة والأمان ، كما أن معظمها على هيئة منحنيات أكثر من الخطوط المستقيمة أو الزوايا وهو أكثر جمالا كما ذكر رسكن حين قال أن الخط محيط مميز حاد وتري ( نحيل - مرن - قوى ) فالخطوط تمنحنا دلالات رمزية مثل الاستمرارية والإحاطة والاشتمال وامتداد النيل إلي نهاية الأفق يوحي باللانهائية والحرية والأمل في المستقبل ، الخط يوحي بالحركة وهى هنا حركة هادئة رتيبة هادرة كسريان النهر .
- معظم الخطوط مآلها إلي أعلى اللوحة وهذه الحركة إلي أعلى هي إحساسنا بالمرح الطموح والمبالغة في الصفات الجسمانية للبطل والتخطيط يعطي شكل مثلث رأسه هي رأس العملاق وقاعدته هي البشر . وهو يمنح ذلك الجندى حجماً ضخماً بالمقارنة بأي عنصر آخر فى هذه اللوحة مما يذكرنا بصورة البطل الفرد في كلاسيكيات الواقعية الاشتراكية، وتساعد التماثلات في القيمة واللون والمواضع المكانية بين الإنسان بطل اللوحة والبشر القابعون فيما بين ذراعيه على تشكيل وإبراز الصورة المهيمنة للبطل وتوحيد العديد من العناصر في نمط مسيطر هو نمط البطل القوى العامل أو الفلاح كما يشكل جسم الإنسان الواضح في اللوحة مسطحاً متقدماً إلي الأمام في حين تمتد المسطحات الأخرى إلي الخلف في صورة غير واضحة متعمداً إبراز هذا الفلاح المكافح المدافع عن الوطن .
- نلاحظ نوعين من المنظور : منظور يكسب ضبابية في أثناء رؤية النماذج البشرية المختلفة من عمال وموظفين وفلاحين وعلماء وأطفال كذلك درجة الإضاءة التي تتلقاها هذه النماذج أقل بل هناك جزء منها يقع في منطقة ظل هذا العملاق المتصدر للوحة ، ومنظور آخر معكوس يعطي البطل حجما أكبر رغم وجوده خلف المجموعات البشرية . والألوان تحتوي على درجة عالية من الإضاءة ، لم يستخدم عويس أي من الألوان المشبعة أو الكروماتية (الكثيفة) ، بل اختزلت بإضافة الأبيض والأسود إليها ، لكن عموما هي تدور حول الألوان الدافئة في لون البشرة لكل النماذج البشرية ولون الصحراء جسم السد الصخري ، لون ملابس بطل اللوحة تشبه لون الأرض الزراعية الطينية ، يوجد استخدام خفيف لأخضر مصفر وأزرق في لون الأرض و لون مجرى النيل ،استخدام الألوان الباردة في الخلف والدافئة في الأمام يعطي إحساس قوي بالعمق الفراغى .
- هذا التكرار المنتظم للشكل ولاتجاهات الخط واللون وللمواضع المكانية والقيمة والملمس ، يساعد على تنظيم العمل وتقدمه باعتباره كلاً بصرياً يهيمن على الرؤى ، وذلك يساهم في تقديم حالة من التنظيم الخاص لنقاط الاهتمام الكبرى في اللوحة في مقابل نقاط الاهتمام الأقل أهمية .
- ثم تصبح الذروة الرئيسية للوحة بمنزلة التتويج للعناصر المؤلفة للنمط و لغيره من الأنماط المشاركة في العمل ، ويظهر ذلك جلياً في كل أعماله وخاصة في هذه اللوحة الاحتفالية برمز البطل الثورى الحر في عصر ازدهار ثورة يوليو الذهبى وتظل ثيمات بعينها (صغرى أو كبرى) قادرة على تكوين ما يسمى بالثيمات المتقابلة Counter Themes التي تقوم بأدوار أساسية في عمليات التوتر داخل العمل الفني وهذه البنية الدينامية الخاصة بالثيمات الكبرى والصغرى والمتقابلة هي التي تقدم القاعدة الأساسية للتكامل والصدق الساطع الذي يسري بين المتلقي والعمل الفني .
- قدم لنا الفنان محمد حامد عويس شفاه الله أغنيته الأثيرة لمصر وهي الجندي البطل العامل ...ذلك الفتى المغوار الذي تنتظره الجميلة ليأخذ بيدها ، ذلك الفتى النموذج يحوي بين جنبات جسده العفي كل بذور النماء والحضارة والفلاح ...قوة العمل البشري المخلص المؤسس على جذر ثقافة ووعي سليم .
- حامد عويس بين العزف على قيثارة اليقين واختيار العزوف .
- والفنان محمد حامد عويس حينما عبر عن الثورة والشعب والسد العالي وتأميم قناة السويس، لم يكن مجاملا للدولة أو عازفا في بوق الدعاية السياسية، بل كان مصريا مخلصا، معبرا عن نبض الإنسان المصري البسيط ، ثم نجد الفنان وقد عاد من جديد لممارسة إبداعه الفني عام 1981 بعد انقطاع دام حوالي عشر سنوات، نراه وقد ظل يطرق نفس السبيل القريب إلى نفسه، على الرغم من أفول نجم تلك التوجهات الثورية التي ارتبط بها الفنان، فهو لا يبدع لنظام سياسي ، بل يبدع استجابة لنبض الحياة، ووقع الموهبة التى لا تفتأ تثيره وتضغط عليه وتملى شروط الولاء للفن . ففى لوحته عامل 48 سم × 48 سم عام 1989 ، زيت على قماش، متحف الفن الحديث ، نرى عاملا يجلس على رصيف بجوار سور حديدي ، ونرى شجرة في الخلفية ومدخنة وشكل جمالون مصنع العامل قوي البنية يرتدي غطاء رأس شائع بين العمال يرتدي قميص أزرق يكشف ذراعيه وسرواله بني فاتح وحذاء نفس اللون، ينظر إلى لا شئ نظرة حائرة حزينة.هذا العملاق قوي البنية جالس منكمش متضائل مضغوط الساقين، صورة العامل القوي المتجهم الخشن المقدم على العمل في الصباح الباكر والشتاء القارس : تغيرت وتحول إلى شخص جالس عاقد يديه يسند إليها رأسه، ملابسه وبشرته نظيفة ملساء، لحاء الشجرة ناعم مصقول، خضرة الشجرة وما تحتها خضرة تبدو وكأنها صناعية غير طبيعية، منكمش قلق من ناحية المستقبل واضح أنه مجنب، مكبل، معطل عن العمل في عام 1989 . يحتل المصنع زاوية ضيقة قليلة الأهمية ليست في مكان الصدارة، وكأن المبادئ التي قام عليها هذا الاتجاه قد انزوت واختفت من واجهة الصورة مع تضاؤل التوجهات السياسية التي تساندها وتركت العمال في حالة قلق وتوجس من المستقبل. و كأنه يرى قوانين الخصخصة و هي تهدم صرح القطاع العام و تلقي بآمال الطبقة العاملة في ظلمات المجهول و تلهيهم عن هدم صرح الصناعة الوطنية ببعض القروش و تتركهم في العراء على أرصفة المصانع التي شيدت من دمائهم و أرواحهم ...و كأنه كان يرى الآثار المدمرة للتضخم الاقتصادي و انهيار المشروع القومي المصري و اتساع الفجوة الاقتصادية و الخلل الذي أحدثته عمليات الحراك الاجتماعي في مصر بعد قوانين الانفتاح و يجسدها هنا في `هذه البنية المنحوتة التي غاص فيها راس الرجل بين كتفيه وقدميه وذراعيه كوضع الجنين في بطن أمه، كما كتب أستاذنا الفنان و الناقد التشكيلي و الأديب عز الدين نجيب أنها تبدو في تأثيرها أبعد مدى من موضوعها المباشر: الذي اسماه الفنان في مرحلة لاحقة بالبطالة حيث رسم معالجة أخرى لها في عام 2000، حيث يتخذ الرجل هيئة الانتظار الأبدي لشئ قد لا يأتي، وتتمثل في ملامح الوجه المحايدة الخالية من التعبير، وفي العينين اللتين تحملان نظرة عدمية، فيها كل مأساة الوجود العبثي لطاقة معطلة ومحبطة وهي في أوج قدرتها على العطاء، وإذا كانت البطالة هي بوابة الانهيار القِيمي للمجتمع ولمنظومة التقدم فيه؛ فإنها على المستوى الإنساني، أعلى مستويات الهزيمة النفسية للفرد، وها نحن نراه وكأنه يختبئ هاربا داخل جسده، وملابسه ذات الألوان الباهتة، شأن كل ألوان اللوحة، تعبيرا عن ضياعه، الذي لا تشاركه فيه سوى قطة سوداء تقبع في ركن اللوحة الأيسر فيما ينتصب خلفه السور الحديدي كحاجز بينه وبين الحياة .
- وقد تأثر الفنان حامد عويس بمثاليات الفن المصري القديم والطبيعة في صعيد مصر، ومدينة الإسكندرية ، كما تأثر بكل من محمود سعيد، وأحمد صبري، وبيكاسو وفرنان ليجيه ، وكذلك رواد المدرسة الاجتماعية في المكسيك مثل ري?يرا، وسيكيروس، ويتضح ذلك في إشراق ألوانه وغلظة خطوطه ورسوخ وكبر حجم الجسم البشري: قوي البنية بارز العضلات وتمسكه ببعض قواعد المنظور التي تتفجر بأنشودته الأثيرة والتي يمجد فيها المصري البطل النبيل .
د.هبة عزت الهوارى
جريدة نهضة مصر 29 سبتمبر 2011
رحيل فنان الطبقة الكادحة
- عن 92 عاما رحل أكبر الفنانين سنا ومقاما فنان مصر الكبير حامد عويس أستاذ العديد من الأجيال الفنية وأساتذة الفن.. وقد رحل تاركا رصيدا ضخما من اللوحات المعبرة عن آمال وطموحات الطبقة الكادحة ومعبرا في الكثير من لوحاته عن آمال مصر وطموحاتها خلال النصر والعبور الكبير في 6 أكتوبر وأيضا أثناء النكسة.. ومعبرا في لوحاته عن العمال وكدحهم الدائم اليومي من أجل حياة كريمة.. كما عبر عن تمسك الفلاح بأرضه وعشقه لها ورعايتها تشاركه زوجته العمل.. كما عبر في لوحة هامة عن أهمية انطلاق الفتاة تجاه المستقبل تسلحا بالعلم.. وله العديد من اللوحات تصور حياة الطبقة المتوسطة ومظاهر هذه الحياة التي هي في مجملها تمثيل للحياة الاجتماعية في مصر بشكل أمين وحيوي.. وقد أطلق علي الفنان الكبير الراحل فنان الطبقة الكادحة أو فنان الواقعية الاشتراكية.. وقد عاش الفنان حامد عويس مصورا ومفكرا منشغلا بأهمية وجود فكر ومفهوم اجتماعي وسياسي في العمل الفني الذي دفعه منذ فترة مبكرة من حياته كمصور أن ينضم إلي الجماعات الفنية التي ظهرت وأثرت علي مسار الحركة التشكيلية المصرية في أعقاب الحرب العالمية الثانية معبرة عن القضايا المطروحة في مجال الفن وقضايا المجتمع.
- والفنان الكبير مواليد بني سويف 1919 وعمل مدرسا وعميدا لكلية فنون الإسكندرية وحصل علي درجة الأستاذية من أكاديمية سان فرناندو بأسبانيا.. وله مكانة علمية هامة وقد اقتني لوحاته العديد من أهم المتاحف في العالم مثل : متحف درسدن بألمانيا اقتني منه لوحة »صيادين من الإسكندرية«متحف الفن الحديث في برلين اقتني لوحة »المطرقة« .. متحف بوزنان في بولندا اقتني لوحة »الجالسة«.. متحف بوشكين في موسكو اقتني لوحة »إحنا الشعب« و»نحو النور« و»السد العالي «.. متحف الفنون الشرقية في موسكو اقتني لوحة »السد العالي 2«و»العمل في الحقل«.. متحف الفن المعاصر في برشلونة اقتني لوحة القيلولة.. متحف الفن المصري الحديث اقتني لوحة? »?وردية الليل« و»البطالة« .. متحف فنون الإسكندرية اقتني لوحة »الحصاد«: متحف الفن الحديث بالإسكندرية اقتني لوحة »اليلو التعايش السلمي«.. متحف كلية الفنون الجميلة اقتني لوحة »التعمير« .. متحف كلية الفنون بالإسكندرية اقتني لوحات? »القنال لنا« و»الحلاق« و»بائع الورد«.. ومتحف دولة قطر اقتني لوحات »الريف« و»صالون الحلاقة« و»العائلة«و»الورشة« و»علي شاطئ القنال« و»السمك والناس.
رحم الله فنان مصر الكبير الذي مثلها ومثل الفن المصري المعاصر عالميا في مناحيه الإيجابية العديدة.
فاطمـة عـلى
لوحة وفنـان - أخر ساعة
متاحف العالم تختطف أعماله حامد عويس.. رسمت فرشاته الحرية والعدالة الاجتماعية
- لا يمكن الاكتفاء بوصف الفنان حامد عويس برائد الواقعية الاشتراكية فى فن التصوير بمصر، مثلما حدث حين تناقلت الصحف خبر وفاته السبت الماضى عن عمر يناهز 92 عاما بعد صراع مع أمراض الشيخوخة. والسبب أنه لا يمكن ربط مسيرة فنان بقامة حامد عويس بمدرسة أو تيار فنى تنتعش سيرته بازدهار هذا التيار وتنطفئ وتخفت بضعفه وتجاوز الزمن له.
- صحيح أن الواقعية الاشتراكية حركة ظهرت بعد الحرب العالمية، وسلطت الضوء سواء فى الأدب أو الفن التشكيلى العالميين على الظلم الاجتماعى وعبرت عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وتبنت فى أغلب الأحوال الطبقة العاملة المناضلة، متشبثة فى ذلك بالرؤية الواقعية التى تبتعد عن التجميل، لكنها سرعان ما تحولت إلى الدعاية السياسية والاجتماعية المباشرة وصارت فى بعض الأحوال بوقا سياسيا مثلما كان الحال فى روسيا الستالينية فى 1934 وانتشرت فى البلدان الشيوعية فيما بعد.
- وصحيح أن الفنان الذى ولد فى محافظة بنى سويف فى عام 1919، انحاز فى أعماله للعمال والفلاحين، ورسم بفرشاته منذ بدايته ملحمة المواطن المصرى، إلا أنه تجاوز برحابة تجربته التصنيف الضيق لتيار فنى ما، وينفتح على معانى الحرية والعدالة الاجتماعية، ينتصر الفنان بفرشاته لكل ما هو إنسانى. فالتكوين الإنسانى الذى طالما ميز الفنان ولا يمكن أن تخطئه العين يهتم بتصوير العنصر الإنسانى فى خطوط دائرية ناعمة، ويظهر فى الوقت ذاته مثل كتلة نحتية ثبتت أقدامها فى فراغ اللوحة، هو هنا يفرض وجوده الثورى ولا يرضى عن الحرية بديلا. بل إن مسيرة حياة حامد عويس الفنية تعكس هى أيضا هذا الحس الثورى المتجذر، حين التحق بمدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة، ولم تتحمل روحه الفنية المتوثبة القواعد التقليدية والأكاديمية الضاغطة، فراح يدرس فى معهد التربية الفنية الذى كان ذائع الصيت ويطلق عليه فى الأوساط الفنية بفرنسية ميزت هذه المرحلة «البيداجوجى».
- وتتلمذ هناك على يد الفنان يوسف عفيفى، وصاحبه فى نفس المعهد مجموعة من الفنانين المجددين مثل جمال السجينى وجاذبية سرى وزينب عبدالحميد، وانضم عويس إلى جماعة «صوت الفنان» مع الفنان جمال السجينى فى 1943 وسرعان ما انفضت ليكونوا جماعة الفن الحديث فى 1946 التى كان يحكمها اتجاهان الأول معنى بالبحث عن الشخصية المصرية، والثانى منشغل بالبحث التقنى والجمالى فى إطار الالتزام بقضايا البناء الاجتماعى الوطنى، باعتبار الفن التشكيلى مكونا أساسيا فى الثقافة المصرية الشعبية، مبتعدين عما سموه بالفن الفولكلورى المتوارث والسريالية أو فوق الواقعية. وكانت هذه المجموعة متأثرة بالواقع الثورى الجديد الذى فرضته ثورة 1952 المصرية، والتقت أفكار حامد عويس بأحلام الثورة، فقدم العديد من الأعمال التى تصور حياة الفلاحين والعمال مثل لوحته الشهيرة «خروج العمال» عام 1953 والتى تصور لحظة خروج العمال من المصنع ككتلة بشرية متجانسة قامت ثورة يوليو لتنتصر لإرادتهم، وتحيل أيضا إلى قوة هذه الطبقة العاملة التى شهدت سنوات مجدها وازدهارها فى حقبة الثورة. أو لوحة «ناصر» التى تعرضها حاليا قاعة بيكاسو بالزمالك حتى 25 أكتوبر فى إطار معرض تشكيلى بعنوان «ناصر.. حلم الثورة» والتى تجسد بطريقة مباشرة صورة تطلع أعناق الجماهير نحو البطل الزعيم صاحب الكاريزما ويظهر فيها أسلوب اتبعه عويس فى العديد من الأعمال يعتمد على تضخيم حجم الشخصية، بطل اللوحة، وتكثيف المعنى من خلال هذا الرمز، مثلما فعل فى نموذج الفلاح والصياد وغيره من الأعمال.
- ثم تبدلت أعماله بعد زيارته لإيطاليا، حيث شاهد أعمال الفنانين الخارجين على المدرسة الإيطالية التى تأثرت بالحركة الفاشية. وتحرر من الرؤية الواقعية الضيقة لمجموعة فنية أو تيار ذى نكهة سياسية مثل الواقعية الاشتراكية والتى كانت تحول أصحابها إلى فنانين ينقلون فى أعمالهم صورة طبق الأصل من الواقع، صورة أشبه بالفوتوغرافيا الصامتة التى لا روح فيها. صارت شخصيات حامد عويس أكثر صلابة والتكوين أكثر ثورية، وانعكست هذه الثورية فى علاقته باللون وتأثر بكل من ماتيس وبيكاسو، وحاول الجمع بين المتناقضات اللونية، والتى كانت التعاليم الأكاديمية فى مصر ترفضها تماما طبقا للفنان مصطفى عبدالمعطى فى تقديمه لمسيرة حامد عويس. وأصبح مهموما بالقضايا الإنسانية العامة، يقتنص فى لوحاته لحظات فى حياة الناس العادية، وصارت النظرة المعاصرة لهذا المواطن الذى يعيش البطولة فى التفاصيل اليومية العادية علامة من علامات الطريق وخرج كل هذا فى أعمال هذه المرحلة مثل: «الخياطة»، «قارئ الكوتشينة»، «التريكو» وكلها نماذج إنسانية بسيطة، ثم «البلاج» و«فناء المدرسة»، «ومحطة ترام كليوباترا» بالإسكندرية.
- وفى إحدى لوحاته المعروفة «البطالة» التى قدمها فى عام 1989 يتجلى أسلوب عويس فى التكثيف من خلال الحجم الإنسانى الضخم للعامل الجالس القرفصاء، تلك الطاقة القوية المعطلة عن العمل، منكس الرأس، علت وتشنجت عضلات كتفيه لتغوص بينهما الرأس منكسرا، ونظرة تتطلع لغد مشرق، حيث الشجرة المورفة فى الخلفية، يضن عليه بالمجىء.
- وخلال مسيرة الفنان الطويلة، ظل منعزلا فى مقر إقامته بالإسكندرية، تتذكره قاعة الزمالك للفن بين الحين والآخر بإقامة معرض لأعماله، وأدركته أخيرا جوائز الدولة التقديرية فى الفن عام 2001، وجائزة مبارك فى الفنون عام 2005، كما حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1982، ونوط الامتياز من الطبقة الأولى عام 1985. لكن تظل المكتبة المصرية والجامعات فى حاجة إلى دراسات فى تجربة حامد عويس الفنية، وهو الذى اختارته دار نشر الفنون فى ألمانيا وقدمت كتابا خاصا عن عويس وفنه عام 1962 ضمن مجموعة الكتب عن الفنانين المعاصرين فى العالم، وتخطفت أعماله متاحف العالم مثل لوحة «صيادون من الإسكندرية» التى يقتنيها متحف درسدن فى ألمانيا، و«المطرقة والوعى» بمتحف الفن الحديث فى برلين، و«الجالسة» بمتحف الفن الحديث فى بولندا، و«السد العالى.. الأرض لمن يفلحها» فى متحف الفنون الشرقية فى موسكو، و«القيلولة» فى متحف الفن المعاصر فى مدريد.
دينا قابيل
الشروق - ثقافة - الجمعة 14 /10/ 2011
رحل هذا الأسبوع حامد عويس .. فنان `الطبقة الكادحة `.. أو الواقعية الاشتراكية
- بعد معاناة مع المرض رحل فنان مصر الكبير حامد عويس عن 92 عاماً ظهر الجمعة الماضية - وهو العلامة البارزة فى مسار الحركة الفنية التشكيلية من مصر من خلال ستين عاما من العمل المبدع والرائد الكبير من رواد الفن العربى المعاصر ولتنتهى رحلته الحياتية فى مستشفى الجامعة بالإسكندرية واتجهت جنازته بعد الصلاة من جامع المواساة متجهة إلى مدافن المنارة.. رحل الفنان تاركاً فنا ورصيدا وتاريخا محفوظا فى أعماله الفنية وتلاميذه هم أساتذة للفن المصرى المعاصر منهم الفنانون: فاروق شحاته.. مصطفى عبد المعطى.. محمود عبد الله.. عادل المصرى.. محمد سالم .. سعيد العدوى.. وعبد السلام عيد وغيرهم العشرات من كبار الفنانين ..وقد توجت حياته الحافلة بعشرات الجوائز من أهمها جائزة جوجنهاين العالمية وجائزة الدولة التقديرية وآخرها جائزة مبارك للفنون ووسام الجمهورية من الطبقة الثانية ونوط الامتياز من الطبقة الأولى.. وصدرت عنه كتابات متفرقة فى العديد من كتب الفن المهمة ومنها كتاب مهم بعنوان ` محمد عويس.. الإبداع والثورة ` للناقد الكبير عز الدين نجيب إصدار الهيئة العامة لقصور الثقافة وكتاب نشر فى إسبانيا وآخر فى الاتحاد السوفييتى وحول فنه قدمت عشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه بالتحليل والتقييم الفنى والسياسى والاجتماعى .
- وقد كرس الراحل الكبير حياته لقضايا المجتمع والإنسان مركزا على قيمة الحياة الكريمة للإنسان مترجما فى لوحاته فكرة تمجيد قيمة العلم والعمل والبناء بمعناها الواسع من أجل أيقاظ الأمل لدى أبناء الطبقة العاملة والكادحة من أجل حياة أفضل.. وقد سبق وقال الفنان حامد عويس فى هذا المجال : ` إننى أؤمن بأن ما يبدعه الفنان هو ملك للناس جميعا.. ومن هذا المنطلق أتوجه بفنى إلى الإنسان صانع الحضارة ومجتمعه`.
- وقد عاش فنان مصر الكبير محمد حامد عويس مصورا ومفكرا منشغلا بأهمية الفكر فى العمل الفنى والذى حفزه منذ فترة مبكرة من حياته كمصور أن ينضم إلى الجماعات الفنية التى ظهرت فى الحياة التشكيلية فى مصر فى أعقاب الحرب العالمية الثانية وكانت هذه الجماعات معبرة عن الأفكار المطروحة وقتها فى مجال الفن وقضايا المجتمع ، وقد كان مساهمة الفنان الراحل الكبير فى تكوين جماعة الفن الحديث قدمت بوضوح اتجاهه الفنى والفكرى ..وقد ضمت هذه الجماعة تيارين أساسيين.. أولهما الانشغال بقضايا الشكل الفنى والبحث عن صيغ تشكيلية جديدة من أجل تحديث التصوير المصرى وقتها وذلك لمواكبة أهم التيارات العالمية ومواجهة التيار الأكاديمى الراكد الذى كان سائدا فى ذلك الحين فى مصر، وثانيهما : مناقشة قضايا الفكر والمجتمع بحثا عن صيغة جمالية وتشكيلية جديدة لتوظيفها لخدمة قضايا اجتماعية وسياسية.
- ويأتى الفنان عويس فى مقدمة هذا التيار الثانى.. فبعد محاولاته الأولى فى البحث عن شكل جديد لفنه مستفيدا من المدارس الفنية الحديثة كالتكعيبية والتعبيرية والحوشية وغيرها، استطاع حامد عويس أن يبلور أسلوبا فنيا يمثل التيار الفكرى آخذا أشكاله من واقع الحياة اليومية ليوظفها جماليا لخدمة أهداف رمزية وتعبيرية مواكبا أهم الإنجازات والانتصارات التى حققها الشعب المصرى فى قضاياه القومية لذلك تميزت أعمال عويس بمضمون فكرى واجتماعى كبير وفيه تجميد ودفع لقيم العلم والعمل والبناء ليصبح من مجموع أعماله رائدا للواقعية الاشتراكية فى الفن المصرى المعاصر .
- وعقب هزيمة 1967 استمر عويس فى تضمين أعماله ذلك المحتوى الاجتماعى السياسى الذى يبعث روح المقاومة لتجاوز الهزيمة وتمجيد الروح الإيجابية الكامنة فى الشعب المصرى، ومن جانب آخر تميزت لوحاته بإحكام البناء والتصميم وجمالية عالية.
- والفنان الراحل الكبير جاء من جنوب مصر من بنى سويف التى ولد بها عام 1919 ليدرس الفنون ويعمل أستاذا بفنون الإسكندرية ثم عميداً لها ونقيباً سابقا لفنانى الإسكندرية، كما شارك فى تأسيس جماعة الفن الحديث وسافر إلى إيطاليا مشتركا فى تمثيل مصر فى جناحها بينالى فينيسيا عام 1958 وقد تخرج عام 1944فى مدرسة الفنون الجميلة العليا بالقاهرة وبعدها بعامين تخرج فى معهد التربية العالى للمعلمين بالقاهرة وعام 1967حصل من إسبانيا على درجة الأستاذية فى الفن من أكاديمية سان فرناند وللفنون بمدريد .
- وكان للفنان المصرى الراحل الكبير مكانة مهمة عالمية واقتنت أعماله متاحف كبرى لتوجد مصر فى متاحف مثل:
- متحف درسدن بألمانيا الذى اقتنى لوحة ` صيادين من الإسكندرية ` .
- متحف الفن الحديث فبرليه بألمانيا اقتنى لوحة ` المطرقة ` .
- متحف بوزنان فى بولندا مقتنيا لوحة ` الجالسة ` .
- متحف بوشكين بموسكو - روسيا مقتنيا لوحات : `احنا الشعب` و ` نحو النور` و ` السد العالى `.
- متحف الفنون الشرقية بموسكو - روسيا مقتنيا لوحة ` السد العالى 2 ` و ` العمل فى الحقل ` .
- متحف الفن المعاصر ببرشلونة - إسبانيا مقتنيا لوحة ` القيلولة ` .
- متحف الفن المصرى الحديث بالقاهرة مقتنيا لوحتى ` وردية الليل` و `البطالة `.
- متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية مقتنيا لوحة `الحصاد ` .
- متحف الفن الحديث بالإسكندرية متحف محمود سعيد مقتنيا لوحة `النيل والتعايش السلمى ` .
- متحف كلية الفنون الجميلة بالقاهرة مقتنيا لوحة `التعمير ` .
- متحف كلية الفنون بالإسكندرية مقتنيا لوحات `القنال لنا ` و `الحلاق ` و ` بائع الورد `.
- متحف دولة قطر بالدوحة مقتنيا لوحات ` من الريف ` و ` صالون الحلاقة ` ، ` العائلة `، ` الورشة `، ` على شاطئ القنال ` و `السمك و الناس ` .
- وكانت أخر مشاركاته فى المعارض الدولية والمحلية التى بلغت العشرات طوال حياته مشاركته الأخيرة التى مازالت فى العرض فى قائمة بيكاسو للفنون بالقاهرة مشاركا فى معرض `جمال عبد الناصر الحلم `.. رحم الله فنان مصر الكبير بما قدمه لمصر ولفنه ولمحبى الفنون وأساتذة وطلاب الفن.
** قالوا عن حامد عويس :
- قال الناقد الكبير `عز الدين نجيب`فى كتابة ` محمد عويس .. الإبداع والثورة `: فى أواخر الأربعينات رسم عويس لوحات ذات موضوعات اجتماعية مباشرة مثل النسوة الكادحات فى العمل على ماكينة الخياطة والتريكو.. والعمال فى المصانع أو المهن الصغيرة.. والمزارعين فى الحقول.. وقد غلبت عليها الألوان الرمادية والبنية القاتمة وتحديد العناصر بخط أسود وكان ذلك هو أقصر طريق نحو تحقيق قناعته الفكرية ونحو استيعاب الجمهور المستهدف أيضاً فيما انشغل النحات جمال السجينى بالتعبير عن قضية التحرر من القهر الاجتماعى والطغيان السياسى من خلال لوحات النحت البارز بواسطة الطرق على النحاس وانهمك يوسف سيده بتصوير الفلاحات فى الأسواق ونسوة الحارة وملامح البيئة الشعبية فى الموالد والأعياد .
- وقال فى نفس الكتاب : ` ويأتى زلزال يونيه 67 ويمر عام من الإحباط والسقوط لا يستطع أن يرسم فيه لوحة واحدة وشيئاً فشيء يستعيد ثقته بفنه ورسالته بعد أن أقنع نفسه بأنه لا يقف فى صف النظام أياً ما كانت رموزه بل فى صف الشعب الذى دفع ثمن سقوط السلطة فى هاوية الهزيم..فلتكن لوحته الجديدة ملحمة عن هذا الشعب ودعوة لنهوضه وأنشودة لصموده وإعلاء لإرادته وتجسيداً لإيمانه بالحياة والمقاومة والتعمير.. وهكذا ولدت لوحة `حماة الحياة عام 196 `.
- وعنه كتب النحات الألمانى الكبير `فرتس كريم `فى مقدمة الكتاب الذى نشرته دار نشر الفنون فى درسدن بألمانيا عام 1961 عن الفنان عويس : `إن فن محمد عويس بجانب ما يحمل من صفات إنسانية عالمية إلا أنك حين ترى لوحاته تؤمن أن صانعها لابد وأن يكون من مصر وذلك لما تحويه هذه الأعمال من سمات شعب مصر وأمانيه.. `
- وقال عنه وعن فنه الناقد الأسبانى الكبير `كارلوس أريان ` فى مقدمة الكتاب الذى نشرته وزارة الاستعلامات والسياحة فى أسبانيا عام 1968: ` إن التصوير الذى ينبع من صميم العروبة والإسلام والذى يقدمه لنا محمد عويس يمثل صوغاً حياً لمشاكل تعانيها منها البشرية جمعاء ألقى عليها لضوء فى لحظة معينة وفى مكان معين وخلاصة القول فهو تصوير عالمى يقرر عالمية مشاكل النمو والحق المشروع فى الدفاع عن النفس الذى يواجهها شعبه .. شعب مصر `.
- وعندما عرض محمد عويس أعماله فى بينالى فينسيا عام 1958مشاركاً فى تمثيل الفن المصرى فى ذلك البينالى الدولى المهم نال أول تقدير خارج حدود الوطن إذ قال عنه الناقد البريطانى `جون بريجر` فى مقاله له عن البينالى فى جريدة ` النيوستينس مان ` : ` إن كان لى أن أختار من مجموع الرسوم واللوحات التى حواها هذا البينالى لوحة واحدة أقدمها إلى الدنيا كلها كتصوير لإنسان هذا العصر فلا أتردد فى اختيار اللوحة التى قدمها الفنان المصرى محمد عويس`.
- وكتب عن فنه الناقد السوفيتى وأستاذ تاريخ الفن فى أكاديمية الفنون الجميلة بلينجراد دكتور ` بجدامون ` : ` إنني لم أر فناناً يتحدث بحب وتفاؤل عن بلده كما أرى ذلك بوضوح فى صور الفنان محمد حامد عويس ` ..
فاطمة على
القاهرة - 4 / 10 /2011
التصاوير النحتية لمحمد حامد عويس ( 1919 - 2011 ) : بين ملامح وطن وثورة شعب
- تظل الدائرة البيئية المحيطة بالفنان هى أهم قوة محفزة له على الوهج الإبداعى ، خاصة إذا علمنا أنها تشيد على عدة أعمدة ، مثل التاريخى والجغرافى والعقائدى والسياسى والإجتماعى، بما يشكل فى مجمله دائماً السيرة الذاتية لأى أمة تسعى للتميز بين أقرانها، لذا أعتقد أن المنهج النقدى السياقى هو المناسب فى تلك الأحوال لسبر أغوار العمل الفنى الذى يبدو آنذاك مكسياً بالسمت الشكلى والروحى والوجدانى لأجيال بشرية متتابعة داخل قطعة من المعمورة تفصح عن هويتها الإبداعية شديدة الخصوصية.. وإذا كانت تلك الآلية تظهر جلية فى عوالم الأدب والموسيقى والمسرح ، فإنها تكون أكثر تجلياً فى مجال الفنون البصرية ، وهو مايبدو بارزاً فى تاريخ الحركة التشكيلية المصرية المعاصرة عبر مئة عام ، منذ انطلاقها فى مطالع القرن الماضى مع تخرج أول دفعة من مدرسة الفنون الجميلة عام 1911م ، فى حضن إرهاصات ثورة 1919م ، مثل محمود مختار ومحمد حسن وراغب عياد ويوسف كامل ، إضافة إلى محمد ناجى ومحمود سعيد من خارج السرب الأكاديمى .. وقد كان هذا الجيل بداية لرباط قومى بالمنتج الإبداعى ، بما أعطى طاقة دافعة لأجيال تالية كى تقتفى أثر خطاهم التى عمقت من دلالة الصورة والتمثال وقتذاك .. ويعد الفنان الكبير محمد حامد عويس ( 1919م _ 2011م ) الذى رحل عن عالمنا مؤخراً ، هو أحد أكثر المبدعين الذين نهلوا من أبيارهم البيئية بوعى فكرى ونضج فطرى ، أمد بهما مشروعه الإبداعى ، حتى صار راسخاً فى الذاكرة المصرية الجمعية بين ملامح وطن وثورة شعب .. فقد ولد هذا المبدع الفذ فى الثامن من مارس عام 1919م بقرية ` كفر منصور ` التابعة لمحافظة بنى سويف ، لأم وأب ينتميان إلى فلاحى مصر كقطاع حمل أمانة الأرض منذ فجر التاريخ ، وذلك داخل أجواء ثورية متصاعدة ، وفى حضن جغرافيا ريفية مصرية على جناحى الوادى ، حيث سموق النخيل ومرح النيل وطراوة الطين وخضار الزرع وصبر البسطاء ودأب المكافحين وفرحة الأطفال ودلع الصبايا وحكمة الشيوخ وجلد النساء ، إضافة إلى لفحات شمس الظهيرة فى الغيطان وانسكاب ضى القمر على الساهرين فى ليل وديع.. وقد ظل الطفل محمد عويس ملتحفاً بهذا الطقس الريفى البديع، حتى بدأ يصنع تماثيله لحيوانات القرية من الطين الراقد على شاطىء الترعة كما يروى لنا الناقد الكبيرعزالدين نجيب فى كتابه القيم ( محمد عويس .. الإبداع والثورة )، حيث كانت البداية لإرساء معماره الإبداعى الناضج فيما بعد .. ثم التحق بكتاب القرية لحفظ القرآن وفك أبجديات اللغة التى أهلته لنيل الشهادة الإبتدائية عام 1933م ، قبل أن يفصح عن عشقه للفن ، عندما أبدى رغبته فى الإلتحاق بقسم النقش والزخرفة بمدرسة الصنائع التى هرب منها بعد الدفع به إلى قسم الحدادة، ليبدأ رحلة الدراسة بمدرسة بنى سويف الثانوية، تحقيقاً لرغبة والدة فى دخول مدرسة البوليس التى رسب فى كشف هيئتها كمقدمة لدخوله مدرسة الفنون الجميلة عام 1939م، بعد اجتيازه لاختبار القدرات بمساعدة الفنان الكبير عبد العزيز درويش، لنجده طوال النصف الأول من أربعينيات القرن الماضى ولعاً بالدراسة الأكاديمية والفعل السياسى فى آن، إذ ارتبط فكرياً ببعض الخلايا الطلابية النشطة وقتذاك، بالتزامن مع استفادته من الفنانين الكبيرين أحمد صبرى ويوسف كامل، جامعاً من أستاذيتهما بين الرصانة البنائية من الأول والإنطباعية الأدائية من الثانى، ليتخرج عام 1944م وقد بنيت معظم أركان شخصيته فنياً ووطنياً على أرضية فكرية منتمية راسخة، وهو مابدا فى رسوماته بالفحم لوجوه الفلاحين والفلاحات ، ومشروع تخرجه عن وباء الكوليرا الذى اجتاح البلاد آنذاك، بما يشير إلى بداية التحافه بسياق هويته على المستويين الإنسانى والإبداعى، لذا فقد بدت تصاويره حينئذ حبلى بإرهاصات لنحت ملامح وطن ينتظر ثورة شعب، فكان بديهياً أن يؤسس جماعة `صوت الفنان` بالمشاركة مع الفنانين صلاح عبد الكريم وجمال السجينى، ويقيمون معرضهم الوحيد عام 1946م، والذى اتكأ فى منهجه على مجابهة الرجعية والبرجوازية، قبل أن يحصل عويس على دبلوم المعهد العالى للمعلمين عام 1947م لكى يحصل على وظيفة مدرس .. إلى أن اختارت هذه المجموعة لنفسها فى ذات العام إسم `جماعة الفن الحديث ` التى انضم إليها نخبة أخرى من الفنانين، مثل عز الدين حمودة وزينب عبد الحميد ويوسف سيدة وسعد الخادم، وغيرهم ممن شقوا لأنفسهم أخدوداً إبداعياً وطنياً أثمر عند سقياه عن معرضهم بأتيليه الإسكندرية عام 1948م، وعلى رأسهم بالطبع عويس الذى كان قد بدأ ينشغل بالتعبير عن الطبقات الكادحة تحت تأثير ثقافته السياسية ذات التوجهات الإشتراكية الثورية، خاصة أن مصر كانت تمور من داخلها ببواكير ثورة محتملة ، وهو ماتمثل فى مظاهرات الطلبة والعمال عام 1946م، والتى قمعها إسماعيل صدقى، حيث انتهت بفتح كوبرى عباس الشهير ، ورغم هذا لم يستطع عويس الإفلات من تأثير الفنانين الأوروبيين من ذائعى الصيت حينذاك، مثل بيكاسو وماتيس وموديليانى ورمبراندت، وهو مابدا واضحاً فى أعمال تلك الفترة، مثل ` الخياطة `، ` الفتاه والقطة `، `العراف` ، `جالسة` `زهور 1 ، 2 `، `وجه 1 ، 2 `، ` مدخل`، ` شقيقتى سعاد ` ، ` والدى`، ويضاف إليهم تأثير أستاذيه أحمد صبرى ويوسف كامل كما أسلفنا.. ولكن تظل الطاقة التعبيرية الفطرية كامنة داخل عويس فى لهفة على أسلوبه المتفرد الذى لم يولد بعد، وقد تجلى هذا فى عمله ` أنشودة السلام ` الذى بدأت فيه تلقائيته الطفولية تطفو على السطح، متمثلة فى تلك البراءة البادية على وجوه عناصره البشرية من البنت والولدين الذين أمسك أحدهما بغصن الزيتون، أمام الحمامة الحائمة الحائرة.. وقد غلف أداؤه فى هذا العمل بكثير من العفوية على المستويين البنائى واللونى، حيث اختفى شغفه هنا بالإنضباط التشريحى للشخوص ، ومال إلى تأطيرهم بخطوط سوداء، تأكيداً لاحتواء شفافيتهم الروحية، فى حين رسخ لهذا فى الخلفية التى طغى عليها اللون الأخضر الزرعى الصريح، كمعادل للأرض التى امتزج فيها الرمادى بالترابى كمنبت للخير والتوالد والنماء المرتقب.. وفى هذا المقام أرى أن هذا العمل كان بمثابة البشرى لميلاد أسلوب جديد للفنان وانتفاضة شعب فى آن، حيث اندلعت ثورة 23 يوليو 1952؛ فبات عويس على أعتاب تحقيق حلم الصبا القديم بعدالة اجتماعية ، إضافة لقبضه على ناصية الأسلوب الملائم لتوجهاته السياسية، بعد زيارته لبينالى فينيسيا عام 1952م، ووقوعه على صيد ثمين فى الجناح الإيطالى ، حيث أعمال الثوريين الإشتراكيين، وعلى رأسهم جوتوزو وكازوراتو -على حد روايته لعز الدين نجيب فى كتابه المشار إليه سلفاً _ وفيما بعد تأثر بالمصرى محمود سعيد والمكسيكى ريفيرا .. وبالفعل تبدأ معالم تضافر الشكل والمضمون فى أعماله على خلفية ثورية قديمة تبلورت على أرض المشروع القومى الجديد الذى وجه بوصلته صوب الطبقات العاملة المكافحة من فلاحين وعمال وموظفين ، وهو مابدا فى باكورة أعمال عويس خلال تلك الحقبة ` وردية الليل ` الذى يعلن من خلاله عن انتمائه الممنهج لتيار ` الواقعية الإشتراكية ` على المستويين السياسى والفنى معاً ، حيث يصور فيه مجموعه من العمال التى أنهت ورديتها قبل أن تخرج فى هيئة عائلية منسجمة ، وقد بدوا فى ملابس أقرب إلى الزى الموحد بين جلباب وبزة وغطاء رأس وحذاء ، فى إشارة لعدالة اجتماعية مستترة خلف الملبس ، وهو ماتأكد فى الدراجة ذات الكشاف المضىء لاستحضار الجو الليلى ، والتى يمتطيها أحدهم فى مقدمة الموكب الملتحف من الخلف بعمارة المصنع ومداخنه المستعرة ، بينما انخرط الآخر فى إشعال سيجارة لم يستطع إشعالها أثناء الوردية ، وقد أكد عويس منهجه الفكرى هنا بذلك البناء المتماسك بين عنصريه الرئيسيين المعمارى والبشرى ، إذ بدا التماهى الرأسى والأفقى بين مجموعة العمال المتلاحمة ولبنات المصنع ، فى ترابط واضح بين خيوط نسيج العمل ، قبل أن يدعمه عويس بسيادة التقشف اللونى الذى تمثل فى المزيج المتداخل بين الرمادى والترابى ، ترميزاً لانصهار جسد الأرض بدخان المصانع بكسوة العمال ، كخليط ساحر عجنه الفنان بانسكابات ضوئية منيرة على مفردات المشهد ، علاوة على الضى القادم من بطن المصنع فى عمق الصورة ، وهى الدائرة الإشتراكية التى رسخ لها عويس بضفيرته الإبداعية الإجتماعية داخل مجتمع يشرع فى النهوض . . وأعتقد من وجهة نظرى أن هذا العمل يشكل منعطفاً فارقاً فى منجز عويس التصويرى ، حيث يعد نقطة انطلاق نحو تميز أسلوبى لم يفرط فيه الفنان حتى رحيله .. وقد تأكدت هذه الآلية الإحتشادية فى أعمال الفنان بعد تأميم قناة السويس عام 1956م ، ذلك القرار الفذ الذى صعد بنجم الزعيم جمال عبد الناصر إلى قمة المنحنى الشعبى ، وجمع حوله كل طوائف الأمة عن قناعة ويقين ، تأهباً لتحديات المرحلة التالية التى شهدت خوض معركة بناء السد العالى ، وهو مابدا عام 1957م فى عمل عويس ` الزعيم وتأميم القناه ` الذى حمل فيه ناصرعلى أكتاف جموع شعبية غفيرة متنوعة المهن والأعمار ، بين نساء وشيوخ وشباب وأطفال .. بين عمال وفلاحين وموظفين .. بين مدنيين وعسكريين ، إلا أن الفنان هنا وحد بينهم عبر حمأة تعبيرية مشتركة كست وجوههم المهللة وعيونهم المبتهجة التى تشى بثقة مفرطة فى قائدهم المنتمى لنسيجهم ، لذا فقد حرص الفنان على ارتقاء ناصر بنائياً فوق الرؤوس بكامل وقاره الكامن فى بزته الأنيقة ووجهه المبتسم ورأسه المرفوعة بكبرياء الراسخين فى حب الوطن .. وفى إيماءة رمزية دفينة ، نجد الفنان هنا قد مال للتسطيح الأدائى النسبى لوجوه الناس ، بما جعلهم كحبات المسبحة التى يجمعها خيط متين ينتهى بمناضل يلم شملهم عبر استثماره لإرادتهم ، وقد حرص عويس على توثيق المشهد بإبراز إحدى السفن وهى تمر من القناه فى عمق الصورة ، ليمزج بمهارة بين التعبيرى والتاريخى .. بين الرمزى والواقعى ، على جسر منهجى متواتر البناء .
وفى نفس العام كان عويس عضواً فى أول منحة تفرغ تعطى لفنان من وزارة الثقافة ، فانطلق منتشياً بحلته الأسلوبية الجديدة فى التعبير عن الطوائف الشعبية المغتسلة بعرق الكفاح ، مثلما بدا فى عمله ` القيلولة ` الذى يصور من خلاله ثلاثة من عمال الترحيلة وهم مضطجعون ناعسون فى فترة القيلولة التى تعقب لفحة شمس الظهيرة ، مميزاً كل منهم مهنياً بالسروال المشلوح والسترة الضيقة والصديرى المحدود .. وقد مال الفنان هنا إلى تنويع الإيقاع الحركى ، رغم التغفيلة التى تجمع الثلاثة بعد عمل مجهد ، حيث ظهروا وكأنهم يتقلبون على جنوبهم مدثرين رؤوسهم بأيديهم ، بينما اكتست وجوههم بمزيج من الشقاء والرضا فى آن ، ترميزاً لحالة الأمان التى سادت بسطاء الشعب آنذاك ، وهو ماأكده الفنان فى اصفرار أدوات البناء التى يرتكنون إليها ، وخضار الزلط الذى ينامون عليه ، ترسيخاً لمفهوم اقتناص النماء والرخاء من بين قساوة الصخور وصلابة الجبال ، وهو ماخيل للرائى أنه ترديد للدعوة الإستقلالية لبناء السد العالى وقتذاك ، عبر عزيمة مضطردة وإرادة عتيدة .. وقد سار عويس على هذا النهج فى أعمال أخرى ، بالتوازى مع عملية التضخيم فى النسب التشريحية ، لتأكيد الرسالة التعبيرية الملحة على عقله ووجدانه ، مثلما بدا فى عمل ` التعمير ` .. ثم نجده على نفس الدرب فى تلك الفترة يتجه صوب التركيز على الكيانات المهنية التى تقدمت المشهد فى تلك الحقبة ، مثلما بدا فى عمليه ` الحلاق ` ، ` الصياد ` الذين أعلا فيهما من قيمة الصنعة لمجتمع تتفتح عيونه على ضياء الأيدى العاملة .
وفى تجذير لقيمة الثقافة والعلم لكل طبقات الشعب نرى الفنان ينجز مجموعة أعمال يؤكد فيها واقعيته الإشتراكية ، مثل ` ولد وبنت من القرية ` الذى يدفع عبره بصبى وصبية إلى بؤرة التعبير ، كاسياً إياهما باللباس الريفى المألوف ، حيث استتر الصبى خلف جلبابه المخطط وطاقيته البيضاء وكوفيته البرتقالية وحذائه الاسود ، متأبطاً شنطته المدرسية بذراعه الأيمن ، بينما أمسك فى يده اليسرى كوزاً من الذرة الأخضر اليانع ، ترميزاً لمساواة العلم بخصوبة الأرض وقدرتها على الإنبات .. أما الصبية فقد سترها عويس بجلباب برتقالى منقوش بالورود ، وغطاء رأس مرقوش بصفوف من الزهور الخضراء والحمراء ، وقد أفلتت منه إحدى ضفائرها المدلاه على صدرها ، متجهة نحو حذائها الأحمر المصفر الذى غطى جزءاً كبيراً من جوربها الأزرق الفاتح ، وقد تأبطت الصبية هى الأخرى شنطتها المدرسية ، فى إيماءة لدور المرأة المستنيرة كشريكة أساسية فى المجتمع التقدمى الجديد الذى يبشر به الفنان هنا فى خلفية المشهد عبر النبات الأخضر الناهد من الحجارة البيضاء ، والشجرة وارفة الظلال والأوراق ، والتى سكن بداخلها زوجان من الحمام الأبيض الممارس للغزل ، فى تزاوج على جسر الخير المنتظر بين الإنسان والطير والنبات ، مؤكداً إياه على المستويين الشكلى والضمنى بذلك النبات الأحمر المشتعل الذى يخترق الركن الأيسر السفلى من الصورة .. وفى هذا العمل يرسخ الأسلوب التعبيرى الدائرى لعويس الذى يجمع فيه بين الواقعى والرمزى ، داخل منطقة إيحائية مرتبطة بالمرئى ، رغم محاولته للفرار منه جزئياً . . وقد كرر الفنان تلك التركيبة التصويرية الواقعية الإشتراكية فى عمليه ` قارىء ` ، ` نحو النور ` الذين أطر فيهما لقيمة المعرفة كضرورة لاغنى عنها لدى كل الطبقات الشعبية المكافحة التى نحتها فى عمله ` الجبهة الشعبية ` ، مؤكداً فيه على التكاتف الملحمى بين الفلاح بفأسه وزرعه ، والعامل بقادومه ، والمرأة كوتد مساند وولاد فى آن ، لتثوير المشروع النهضوى النامى . . وعند هذا المنعطف فى مشوار عويس الإبداعى كانت لغته التصويرية قد بدأت تكتسب السمت النحتى داخل مربع الصورة ، مع احتفاظه بقدر وفير من العاطفة السيالة تجاه عناصره الدافئة ، وهو مايبدو فى عمل ` بنت البلد ` الذى يدفع إلى بؤرته الشكلية والشعورية بإحدى البنات السكندريات اليافعات ذات الجسد الأنثوى الشهى البض ، بين صدر ناهد وفخذ ملفوف وخصر مضغوط ، وقد ارتدت فستاناً أبرز جمال بدنها ، وحذاءاً خفيفاً رشق من خطوتها ، بينما تأبطت أيضاً شنطتها المدرسية تحت ذراعها الأيمن ، وقبضت بيدها اليسرى على أحد الكتب ، فى تأكيد جديد من الفنان على مأثرة الجدية فى تحصيل العلم ، رغم تشبع العمل بفيض من دلال الصبايا ، حيث احتضن المشهد من الخلف بجو سكندرى خالص من سيدتين بحريتين بملائتيهما اللف ، وأحد الصيادين الجالسين ، وبعض المراكب بأشرعتها وسواريها ، وعمود كهربائى مضىء رغم الحلول النهارى ، بينما أطلق عويس كعادته الحمام وأوانى الورد على بلاط الصورة ، كنطفة سلام متكررة لديه مع النفس والأهل والوطن .. وأعتقد هنا أن هذا العمل هو بداية المعادلة عنده بين صرامة التعبير وليونة المشاعر .. بين متانة التكوين وطراوة الوجدان .. بين جدولة العقل ونداوة الروح .. وربما جعله هذا التوازن النفسى يلوذ أحياناً بتصوير الوجوه والحدائق ومحطات الركاب ، بشكل شمولى يستوعب عبره الممارسات اليومية للجماهير ، كما بدا فى أعماله ` حديقة شعبية ` ، ` وجه ` ، ` فى حديقة الحيوان ` ، ` زوجتى ` ، ` النيل فى أسوان ` ، ` الشهيد محمد شاكر حسن ` ، ` محطة ترام فيكتوريا ` .. ويظل الفنان يركض وراء مشاهده التى أمسى يستخدمها كأزميل مسنون ينحت به ملامح وطن فى بطن أحجار صلدة تشهد على ثورة شعب .. حتى حلت نكسة 1967م التى وجهت طعنة نافذة للوجدان المصرى ، سيما طائفة المبدعين ، وفى مقدمتهم بالطبع حامد عويس الذى طالما تغنى بأمجاد الثورة وبطولة قائدها ورجاله ، وهو ماجعله يتوقف عن الإنتاج لمدة عام تقريباً ، لكنه سرعان مااستعاد توازنه الإنسانى ، مستحضراً رصيده فى النضال السياسى والوطنى والفنى ، ليقدم لنا رائعته التصويرية ` حماة الحياه ` عام 1968م ، والتى يشيد فيها جسداً ضخماً لأحد الشخوص من ذوى السمت الريفى ، بسترته الرمادية المحبوكة التى حجبت جزءاً كبيراً من لباسه القطنى الأبيض ، بينما دثر دماغه بمنديل بنى .. وقد أكد أسلوبه النحتى فى هذا العمل ، بتحريفه للنسب التشريحية الجسدية ، عبر الرقبة العتيدة كجزع الشجرة ، والذراعين الممتدين كفرعين نباتيين قابضين على المدفع ، والكتفين المنبسطين كضفتى النهر ، أما الوجه فقد اكتسى بكل علامات الإصرار والثقة فى آن .. واستمراراً للتضاد الحسى الذى أشرنا له فى أعمال الفنان ، نجده قد ألقى فى حضن هذا الفلاح بسلاف اجتماعى بهيج يعادل صلابته الوطنية فى لحظات مواجهة الأزمة ، بين عروسين وقت زفافهما ، وحبيبين لحظة عشقهما ، وأم تداعب طفلها الرضيع ، وأخرى تلعب مع إبنتها ، وثانية ترقب إبنها وهو يلهو بالدراجة ، وذلك الفلاح الذى يصاحب حماره ، وتلك الفلاحة التى تبسط يديها بالمؤازرة ، وصبيان تمرح ، وصبيات تفرح ، فى كنف الفلاح الذى ظهر كحارس أمين على شرف الوطن .. وتعميقاً للغة التحدى فى مجابهة العدوان ، فقد جعل الفنان خلفية المشهد حبلى بمداخن المصانع وعمالها ، وبراح الغيطان وأشجارها ، فى حين ترك النيل يجرى فى بدن التكوين ، محافظاً من خلاله على نبض الحياه الذى يسكن جسد المصريين منذ فجر تاريخهم .. وعلى جانب آخر حقن الصورة بمساحة حمراء ملتهبة من الضلعين الأيمن والأيسر ، للإيحاء بالإبقاء على وتيرة المقاومة مشتعلة ، بالتضافر مع لحن البهجة المتصاعد ، كجديلة مصرية أصيلة تمثل جوهر فكر عويس التصويرى فى تلك الفترة التى أضحت حصاداً لما بذره فى العقدين السابقين عليها .. لذا كان بديهياً أن تستمر انفعالاته الإبداعية على صراط تعبيرى يفصل بين حمرتى الفرحة والمقاومة .. بين حمأتى الإنتاج والقتال .. بين همتى الحرث والجهاد ، وهو ماتجلى عام 1970م فى عمليه ` الحصاد ` ، ` أمريكا ` الذين يجمعهما وهج الوعى بكيانى الأرض كعرض أزلى ، والأمريكان كعدو تاريخى .
ويواصل عويس نضاله ضد اليأس بحصوله على درجة الأستاذية من أكاديمية سان فرناندو بمدريد فى إسبانيا عام 1969م ، ويستمر أيضاً فى منهجه الفكرى التصويرى حتى تحقق النصر المنشود يوم السادس من أكتوبر عام 1973م الذى لقن فيه جنودنا العدو الصهيونى درساً قاسياً ، واستعادوا الكرامة المهدورة ، وهو ما جسده الفنان عام 1974م فى عمله الشهير ` العبور ` الذى يستحضر فيه نفس الفلاح المستعان به وقت الشدائد ، تبعاً لما ألفناه من هذه الطائفة عبر التاريخ المصرى السحيق .. وفى هذه المرة يظهره برداء الحرب ، بين خوذة القتال وسترة العبور التى طرزها بساعة ضبطها عند الثانية وخمس دقائق ، وفى يده اليمنى شوكة ، وفى اليسرى منجل ، لينقض بهما على حصون أعدائه ، فى حين خرجت من بطن ذلك الفلاح المقاتل المتعملق حزمة من مواسير المدافع التى وجهت عيونها بشراسة لهدم خط بارليف على رؤوس من فيه ، حيث بدت هذه البناية المزعومة فى المشهد كشطائر خبز أعدت للإلتهام عند إفطار هذا اليوم الرمضانى الميمون .. وقد ظهرت رملة سيناء والقناه فى عمق الصورة ، مطوقتين بالنبات الأخضر ، بينما احتفظ الفنان بنفس مساحته الحمراء الملتهبة التى تدثر جسد المقاتل الفلاح فى سماء التكوين ، إمتداداً لمنهجه التصويرى المتكىء آنذاك على جديلة المقاومة والبهجة ، حيث كانت هذه المرة قرينة للنصر الذى طال انتظاره ، لتتطهر ملامح الوطن باكتمال ثورة الشعب .
وربما كان هذا التحول التاريخى فى مشوار مصر التى بدأت تداوى جراحها ، هو ماجعل الفنان ينعطف بتصاويره ثانية نحو البهجة الخالصة على الصعيدين اللونى والبنائى ، فاندفع فى نفس العام يلتقط بتصاويره يوميات أسرته وأهله وشعبه ، وخاصة نجليه حازم وعلا ، وذلك فى أعمال ` لحن راقصة ` ، ` علا ` ، ` د . حازم ` ، ` د . علا ` .. ثم يستمر فى دأبه الفنى والإدارى حتى أصبح عميداً لكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية من عام 1977م حتى تقاعده عام 1979م ، بعدما ظل أستاذاً بها قرابة العشرين عاماً منذ تعيينه عام 1958م .. وأثناء انخراطه فى إبداعه خلال حقبة الثمانينيات يرشحه الفنانون السكندريون كأول نقيب لهم فى الفترة بين 1982م و1986م .. والمدهش أن هذا لم يعقه عن شغفه بسبر أغوار الشخصية المصرية طوال حقب السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات ، مستعيداً ذاكرته الشبابية الأولى بين أحضان بسطاء شعبه ، وقد بدت أعماله بعد نصر أكتوبر فى ثوب شكلى مغاير نسبياً ، عبر ألوان أكثر صداحة ونقاوة بعد أن أقصى رمادياته التى كانت تطوق الغنائية اللونية لعناصره أحياناً ، فى حين صارت مفرداته أعلى وهجاً بعد تشبعها بنفحات النور الداخلى المتحرر نسبياً من الأسر الفيزيقى ، وهو مابدا فى أعماله ` الناس والسمك ` ، ` فنجان شاى ` ، ` حوار الصيادين ` ، ` الأجيال ` ، ` الصياد والسمك ` ، ` شمس الشتاء ` ، ` المكوجى ` ، ` خلف النافذة ` ، ` الهدهد ` ، ` د . مصطفى يوسف ` ، ` الميدالية الذهبية ` ، ` الأم ` .. وبعد تجوالنا فى جغرافيا شخصية عويس القومية التى تربت على مبادىء ثورية نقية ، يكون من البديهى أن ندرك أن نصر أكتوبر لم يقف حائلاً بين الفنان وقضاياه العربية المعلقة ، وهو ما تجسد عام 1975م فى عمله ` فلسطين ` الذى بشر فيه بصلابة المقاومة الناجمة عن ديمومة الميلاد .. ولم يكن أيضاً بمعزل عن أحوال وطنه المأزوم فى ظل نظام فاسد نهب خيرات البلاد ، وهو ماتجلى ببلاغة إبداعية عام 1989م فى عمله ` البطالة ` الذى دفع فيه بأحد عمال تصاويره القدامى إلى بؤرة الرؤية كبطل للمشهد ، بزيه المهنى المألوف ، بين سترة زرقاء وبنطال وحذاء بنيين وكلبوش ترابى داكن ، وقد تكور أرضاً ، واضعاً رأسه بين قدميه وذراعيه ، حتى كادت أن تختفى فيها ، بينما تجمدت قسمات وجهه واكتست بستارة من الحزن ، عبر عينين ساهمتين وخدود متهدلة وشارب غطى فمه الذى لم يعد يقوى على الكلام .. وربما يكون هذا العمل بمثابة صرخة مبكرة فى وجه من جرفوا الطاقة العاملة للوطن ، قبل أن يصيبوه بفيروس البطالة ، ورغم هذا فقد احتضن عويس الأمل كعادته الإبداعية ، من خلال الشجرة المورقة فى عمق المشهد ، مقابل المصنع الرابض خلفها كجثة هامدة بلا حراك .. ويبدو أن هذا النسيج التصويرى الإحتجاجى كان يحمل إنذاراً بانتفاضة أمة طالما عشقت العمل كعشقها للعبادة ، لأنه سبيلها للإرتقاء الحضارى ، لذا فقد رأينا عويس يغزل عملاً تصويرياً لنفسه عام 2000م ، ببزته الأنيقة وقميصه الحامل لرباط عنق مزركش ، وشعره الأبيض المشبع بسيل من حكمة السنين ، ورغم هذا فقد اكتسى وجهه بستارة الحزن ذاتها التى كست وجه عامله العاطل من قبل ، وانطلقت من خلفية الصورة نفس المساحة البرتقالية المحمرة الملتهبة التى سكنت أعماله فى حقبة حربى الإستنزاف وأكتوبر ، فبدا هو والعامل كمن ينتظران حدثاً جللاً ، وهو ماتحقق بثورة 25 يناير 2011م عبرانشقاق الأرض عن أهل وعشيرة الفنان الكبير محمد حامد عويس ، من عمال وفلاحين وموظفين وطلبة ، بين نساء وشيوخ وأطفال ، ليراهم بعينيه وهم يسطرون تاريخاً جديداً لمصر يحتفى بالحرية والعدالة الإجتماعية ، قبل أن تصعد روحه إلى بارئها فى الثلاثين من سبتمبر فى نفس عام الثورة عن اثنين وتسعين عاماً ، راضية مرضية بإنجازها المتفرد الذى سيبقى فى تاريخ الحركة التشكيلية المصرية والعربية ، كجدارية فصيحة تشدو بموال خالد بين ملامح وطن وثورة شعب .
محمد كمال
دراستى فى مجلة ` إبداع ` - العدد العشرون - خريف 2011
آخر كلمات حامد عويس في الثورة والفن
- ( 25 يناير.. هذه الثورة تمثل عملية رائدة بالنسبة للعالم كله والجميل فيها أن الشباب هو الذي قام بها بينما نجد العواجيز مازالوا في أماكنهم .. ولاشك أنها ستغير وجه مصر ) . تلك كانت آخر كلمات قالها لنا الفنان الكبير حامد عويس رائد الواقعية الاجتماعية في الإبداع المصري المعاصر، كان ذلك بمنزله بشارع جرين بمحرم بك حين التقينا به منذ ثلاثة أشهر من أجل إجراء حديث شامل معه لمجلة `الخيال` للفنون البصرية نشر بعددها الصادر في شهر نوفمبر.. وكان معي زميلي الفنان أيمن هلال . وكان معنا أيضا : أصدقاؤه وأحباؤه من أبناء الوطن من العمال والفلاحين يتحلقون حولنا يفترشون الحوائط في رسوم ملونة وأخري بالأبيض والأسود .. مع تلك النقوش التي تألقت بلمسته .. لمسة عويس والتي أبدعها بفرشاته كخلفية علي الجدران تتألق باللون وسحر التشكيل .. وأشبه بشهاب توهج جاء حديثه في تجليات وإشراقات نقتطف بعضا منه هنا . يقول عويس : كانت الدنيا غير الدنيا والحياة أبسط بكثير مما نعيشه الآن وكان الريف كما ولدته أمه في تلك القرية الصغيرة قرية `كفر منصور` من ضواحي بني سويف .. في هذا المناخ المفتوح علي النور والظلمة والخضرة والجفاف وقسوة الحياة وحنوها في مواسم الجني والحصاد وتلك المشاهد التي تمتد بالألوان التي تتألق في الطبيعة تتغير من حالة الي حالة مابين الشروق والغروب ودراما الاصوات الجهيرة المسموعة .. والانغام تنساب من الناي مع اغاني الرعاة والمداحين .. جئت الي الدنيا في الثامن من مارس من عام 1919 . ومن البداية هفت نفسي الي التشكيل فترة الطفولة .. كنت اخرج الي شاطيء الترعة وبدلا من الاستذكار كنت استبدل الحروف والكلمات بعمل عرائس من الطين وخيول وطيور وأطفال . وفي المدرسة الثانوية .. جاء اهتمام مدرس الرسم واحتفاؤه برسومي وتشجيعه لي الي حد أن كلفني بتزيين حوائط المدرسة من خلال تلك الرسوم التي كانت تضمها كراسة الرسم . ومن حسن حظي في ذلك الوقت ان جاء مدرس جديد للتربية الفنية ` الأستاذ نسيم مجلي` خريج مدرسة الفنون الجميلة العليا.. في هذا الوقت لم أكن اعرف شيئا عن تلك المدرسة .. وتوطدت علاقتي بأستاذي وبدأت ميولي تتأكد خاصة وكان يحدثني كثيرا عن طبيعة الدراسة بالمدرسة كما كان يجعلني أرسم معه في حجرة التربية الفنية وأطّلع علي كتب الفن .. وفي أحد الأيام حضر مفتش الرسم الاستاذ عناية الله ابراهيم وفي اعتزاز راح الاستاذ نسيم يطلعه علي رسومي فما كان منه الا ان أبدي اعجابه واهتمامه الشديد بها بل ونصحني بالالتحاق بالفنون الجميلة بالقاهرة ..وفي ذلك الوقت كنت أتردد علي سينما بني سويف وتعلقت بابطال السينما الصامتة من افلام رعاة البقر خاصة النجم جاري كوبر .. وكنت اجمع إعلانات الدعاية وانقل ماتضمه من رسوم مع الرسوم الملونة التي كان يحفل بها كتاب اللغة الانجليزية. ومازال حامد عويس يتذكر: بعد حصولي علي التوجيهية في شارع اسماعيل محمد بالزمالك وداخل فيللا امينة البارودي ` مقر مدرسة الفنون الجميلة خطف قلبي واستولت علي الدهشة حين طالعت تلك التماثيل التي تقف في فناء المدرسة محفوفة بالخضرة الظلية وقد بهرني تمثال افروديت هذه الحسناء التي تقف بذراعين مقطوعين وكم كنت أتمني في ذلك الوقت أن أكمل مانقص منها واجتزت امتحان القدرات وبعد عدة أيام .. هناك بمدرسة الفنون الجميلة وجدت اسمي معلقا بكشف الناجحين مع 14 من الطلبة .. وبدأت حياة جديدة .. في القاهرة سكنت بمنطقة شبرا الخيمة وكان هذا انتقالا اخر في الزمان والمكان ..خاصة وهي منطقة صناعية مزدحمة بالعمال في هذا الوقت من بداية اربعينات من القرن الماضي ..لم تكن هناك كتب للفن مثلما نحن الآن .. ولكن كانت هناك كتب عديدة في السياسة واخترت قسم التصوير لحبي الشديد للون . ولابد أن أسجل اعتزازي باثنين من أساتذتي: الرائد احمد صبري والفنان حسين بيكار وكان معيدا علينا في ذلك الوقت. كان أحمد صبري حازما حاسما في التدريس .. كان حادا شديد الحدة ولكن معلما بحق . كان عميق الرؤية وقد أثر في تأثيراعقلانيا كبيرا بل وميتافيزيقيا ايضا .. اما بيكار فكنت أحب أن ارسم كما يرسم وألون بمثل ماكان يلون .. وكان معي في قسم التصوير : يوسف رأفت، داوود عزيز، كمال النحاس، ادوارد مهني ومحمد نبيه عثمان. ويتخرج فناننا عام 1944 في الفنون الجميلة .. وفي عام 1952 يسافر حامد عويس في رحلة الي ايطاليا لزيارة بينالي فينيسيا وهناك يمتليء بالواقعية الايطالية ويوطد الحوار مع اعمال فنانيها العظام امثال جوتوزو . ومع لوحات عويس التي تجسد صورا من الحياة الاجتماعية .. تظل لوحته `وردية ليل- متحف الفن الحديث- 1953 ` صورة تجسد انحياز الفن للطبقة العاملة . يقول عويس : كان العمال بالنسبة لي كل شيء .. لم يكونوا مجرد موضوعات للرسم بل كانو يمثلون عمق الحياة الاجتماعية .. واذكر انني كنت في زيارة لصديق بكفر الدوار وهناك مصنع نسيج البيضا الشهير .. وعلي بوابة المصنع رأيت العمال وأمام المصنع تطل ترعة وكوبري .. كان العمال يعبرون الكوبري وفي هذه اللحظة رسمت العديد من الاسكتشات .. وكانت هذه اللوحة . في عام 1958 يعمل مدرسا بكلية الفنون الجميلة بالاسكندية في العام التالي لافتتاحها .. وتتأكد أواصل الصداقة بينه وبين فنان الاسكندرية الرائد محمود سعيد وينساب بينهما الحوار ولا ينقطع الحديث حول سحر الفن . يقول: أقرب أعمال محمود سعيد الي قلبي لوحات السمك والصيادين ..اما الفارق بيننا في الإبداع : أنا اهتم بشيء آراه مهما جدا .. اهتم بقيمة الانسان وعمله .. يهمني المضمون بشكل اساسي .. اما محمود سعيد فيهتم بقيمة الإنسان في حياته .. في جماله .. في طلعته كانسان . في اعمال محمود سعيد نوع من الجمال والطرافة .. هو يجعل الناس مبتهجين وسعداء اما انا فتجد عندي ` حتة مأساوية ` . ومن بين لوحاته الوطنية ` حماة الحياة و`العبور`.. قلنا له وماذا عن لوحتي `أمريكا - 1970 ` و`فلسطين - 1975 `؟ رد في بساطة : لاشك ان الفن له قدرة كبيرة علي التنبؤ ..وتمثل لوحة أمريكا تأكيدا علي هذا ..لوتاملتها تجد وردة حمراء وتجد الحصان الاسطوري الميكانيكي الطابع .. المسلح والمدرع فاردا ساقه يهم بتحطيم تمثال الحرية.. حاليا أمريكا تدمر نفسها بنفسها كما نري في العراق وأفغانستان وتصادر حرية الشعوب.. وهذا حدس من الفنان . أما لوحة فلسطين .. ففي البداية نجد الشعب ضعيف بفعل القوي الغاشمة لكن لايستسلم ومن هنا جسدته في صورة شخص فولاذي.. بجسد من المعدن الصلب والعضلات ذات طابع اليكتروني مسكونة بالتروس.. والبطن عبارة عن تجويف جعلت بداخله طفلا صغيرا .. بعد هذا بعشرين عاما ظهر هذا الطفل والذي كان في اللوحة بمثابة الشحنة.. ظهر متمثلا في أطفال الحجارة .. وهكذا يتنبا الفن أيضا! سألناه عن تلاميذه وأقربهم إلي قلبه؟ كلهم أبنائي واعتز بهم جميعا ..اما مصطفي عبد المعطي فقد حدث شيء تربوي بيني وبينه من البداية ..يشبه بداياتي ..مصطفي كان يميل الي القتامة في الوانه في معظم شغله .. وفي يوم قلت له: أنت `مابتعرفشي تلون !` ..وفي صمت التقط الكلمة وغاب عني مدة وأخيرا جاء الي بلوحة غاية في الابداع.. اللون فيها يفكرك بماتيس ولكن في لغة لونية خاصة .. اللون بيتكلم .. حاليا مصطفي عبد المعطي الوحيد في مصر الذي يبدع الابستراكت ` التجريد ` باللون عن فهم ووعي يدخل في فقه التصوير .. مصطفي` تشيله من هنا من مصر وتحطه مع الجماعة بتوع أوروبا `. والفنان الكبير حامد عويس .. صور بنت البلد في رداء عصري تحمل كتابا وحقيبة .. محفوفة بزوج من الحمام وأصص من النباتات وخلفها امراتين بالملاية اللف في حوار حول تك الفتاة التي خرجت من بينهما تتطلع الي المستقبل في تفاؤل. وقد جاءت لوحة ` البطالة -1989 `صورة شديدة البلاغة تصور هذا الرجل المقعد الذي تتجسد فيه ملامح العجز .. في كتلة تتشابك فيها اليدان دلالة علي اليأس وفقدان الأمل. ببيته ومن داخل مرسمه كانت تطل `عروسة المولد` والتي تمثل أحدث أعماله وهي لوحة لم تكتمل لمساتها يوم كنا هناك .. تمثل امتدادا وإيقاعا آخر للوحته التي رسمها من قبل عام 1958 لعروسة المولد ولكن في دنيا أخري جديدة فيها سحر اللحظة. تحية الي روح محمد حامد عويس بعمق لمسة تألقت بالسحر ومازالت تعكس لمعني الفن .
صلاح بيصار
جريدة القاهرة 18 أكتوبر 2011
عويس .. يدافع عن البسطاء بخطوط إشتراكية
-عندما عرض `حامد عويس` لوحاته في إسبانيا عام 1968، قال عنه الناقد الإسبانى `كارلوس إريان`: `أعماله تتميز بصفاء اللون، وتحمل تناقضا لطيفاً لا يجرح، فهى بسيطة ومترابطة ومتوازنة، وفرشاته صريحة، إنه تصوير عالمى يوضح الحق المشروع للمصريين البسطاء فى الدفاع عن النفس`.
- لم يعرض `عويس` لوحاته فى بلد أوروبى، إلا وتوقف عندها الجمهور والنقاد، فهو المشهور بالفنان الاشتراكى الذى يدافع عن البسطاء وحقوقهم فى أعماله بمنتهى البساطة والوضوح والإنسانية والجمال والتفرد فى الوقت نفسه.
-فى عام 1953، أى بعد قيام ثورة يوليو بعام، رسم `عويس` لوحته الفريدة `خروج العمال` التى تتناول مجموعة من العمال لحظة خروجهم من المصنع بعد انتهاء ورديتهم، استخدم عويس درجات اللون الرمادى فى معظم أجزاء اللوحة لارتباطه بدخان المصانع وتأثيره النفسى والمعبر عن حالة التعب بعد يوم عمل شاق، ورسم أحدهم يشعل سيجارة، وآخر يركب العجلة، وفى قلب اللوحة عاملان أحدهما يتحدث والآخر ينصت إليه، كأنه يحكى له ما حدث خلال اليوم، ويضع `عويس` على كل الوجوه أقصى علامات التعب والإرهاق بخطوط واضحة وصريحة، لتخرج لوحة من أجمل طرق الدفاع عن العمال وحقوقهم.
- ولد `محمد حامد عويس` فى مارس 1919 فى بنى سويف، وتخرج فى المدرسة العليا للفنون الجميلة عام 1944، ثم المعهد العالى للمعلمين عام 1947، وحصل على درجة الأستاذية فى فن الرسم من أكاديمية `سان فرناندو` الإسبانية عام 1969، وهو عضو مؤسس لنقابة التشكيليين، وجماعة الفن الحديث، واشتغل مدرساً لمدة 10 سنوات، ثم فناناً متفرغاً للإبداع الفنى، ثم مدرساً ثم أستاذاً مساعداً، ثم أستاذ قسم التصوير، ثم عميد بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، وأشرف على إدارة متحف الفنون الجميلة فى المحافظة نفسها.
-عرض `عويس` لوحاته فى إيطاليا وبولندا وإسبانيا وألمانيا والاتحاد السوفييتى والصين وفرنسا وإنجلترا، ونشرت كتب عنه فى معظم هذه الدول، وألقى فيها محاضرات عن فن الرسم والتصوير .

المصرى اليوم - الخميس 11/ 4/ 2013
طين الواقع وسماوات الفن
- تجدد الصدام بين رغبة الفتى العاشق للفن ورغبة الأب الطامح للصعود الطبقى.. انتصر الأب وتكون المفاجأة القدرية هزيمة أمل الأب برفض طلب الالتحاق بمدرسة البوليس
- فى قرية من قرى بنى سويف كانت طفولة الفنان محمد حامد عويس .. بموهبة فطرية صنع من الطين بعض التماثيل للحيوانات التى يراها وحبه للفن جعله يقف أمام رسوم محمل الحجاج على جدران بيوت الفلاحين، فطلب من `النقاش ` أن يقبله صبياً عنده ولكن الأسطى النقاش نصحه بأن يلتحق بمدرسة الصنايع ` قسم النقش والزخرفة ` بينما الأب وفق تعبير الفنان الناقد عز الدين نجيب يحلم ببناء ` جسر العبور الطبقى ` بأن يلتحق محمد بمدرسة البوليس ليتخرج ضابطاً. يتمرد الطفل على أبيه ويقدم أوراقه إلى مدرسة الصنايع وتكون صدمته الأولى، إذ تم توزيعه على قسم الحدادة ` نظراً لبنيانه القوى استسلم لرغبة الأب ودخل الدراسة الثانوية ببنى سويف .
* مفتش الرسم :
- وفى أحد الايام حضر إلى المدرسة مفتش الرسم ذكر الفنان عز الدين تقابل مع الفنان عويس وكتب عنه كتابه `محمد عويس ` الإبداع والثورة ` الصادر عن هيئة قصور الثقافة عام 2003 أن مفتش الوزارة أبدى إعجابه برسم محمد الذى طار فى سماوات الفرحة ثم تجدد الصدام بين رغبة الفتى العاشق للفن ورغبة الأب الطامح للصعود الطبقى. انتصر الأب وتكون المفاجأة هزيمة أمل الأب برفض طلب الالتحاق بمدرسة البوليس .. ما بين تقديم الطلب ورفضة، كان الفتى يقيم فى بيت عمته فى حى `أبو العلا ` فكان يعبر الكوبرى ليكون فى حى الزمالك وبه مدرسة الفنون الجميلة .
- توقف أمام المدرسة `التى كانت فيلا السيدة أمينة البارودى` يتأمل التماثيل الرخامية ومنها تمثال أفروديت. واندهش لأن نصفها الأعلى بلا ذراعين. بعد رفض قبوله فى مدرسة البوليس طار فرحاً إلى مدرسة الفنون الجميلة تموت الفرحة إذ انتهى موعد قبول الطلبات ينقذه أحد الطلاب بنصيحة: اذهب لمقابلة بابا لطيف هذا الأستاذ ` لطيف نسيم ` حقق حلم الفتى إذ أخذه من يده إلى الموظف المختص وطلب منه استلام أوراق الطالب على مسئوليته .فى هذا المناخ السابق على سيطرة الضابط على الحكم، لم تكن اللوائح مثل النصوص المقدسة. ولم يكن للبيروقراطية وجهها المتوحش مثلما حدث بعد يوليو 1952.
* حكاية الاباجورة :
- من المواقف الطريفة التى حكاها الفنان حامد عويس للفنان عز، أنه طلب منه رسم أباجورة ولم يكن قد سمع هذه الكلمة من قبل، فسأل أحد الطلبة عن معناها فقال له : اللمبة أم برنيطة .
- ظهر إسمه فى كشوف المقبولين فاتسعت أمامه سماوات الفن، ورغم أنه تفوق فى النحت، فقد اختار قسم التصوير. وفى عام 1941 تأسس اتحاد الطلبة ونظراً لشعبية عويس تم انتخابه نائباً لرئيس الاتحاد. شارك عويس فى إضراب للطلبة .- انتبهت التنظيمات اليسارية لنشاطه فانظم للحركة المصرية للتحرر الوطنى ذات التوجه الماركسى والتى كان يمثلها بالمدرسة الطالبان وليم إسحق وداود عزيز الذى كان أول من وجه نظر عويس لقراءة الأدب العالمى والفكر التقدمى..فقرأ الأدب الروسى ونظرية النشوء النشوء والارتقاء والمادية الجدلية إلخ.
* رسالة الفن :
- ازداد نشاط عويس فى العمل العام العلنى والسرى، وكلما تذكر أنه تقدم لمدرسة البوليس كان يتساءل لو أنه تخرج وأصبح ضابطا: ماذا يفعل وهو مكلف باعتقال الشباب المنتمى إليهم؟ لذلك فإن إيمانه برسالة الفن جعل مشروع تخرجه عام 1944حول موضوع `الكوليرا وملائكة الرحمة `عن الوباء الذى أجتاح البلاد فى ذاك الوقت . وكتب الفنان عز كان على عويس أن يخوض أول اختبار لقناعاته الثورية من خلال سلاح الفن، دون أن يسقط فى الدعائية لذلك حاول على المستوى الجمالى - تطبيق خبراته مستفيداً من أساليب المدرستين التعبيرية والوحشية وعلى مستوى المضمون كان المشروع تعبيراً عن مأساة قريته التى نكبت بالوباء ` الواقع المأساوى جعله - فى لحظات اليأس - يشعر بأن الخلاص يتطلب عملا أقوى من الفن، فعمل على تجنيد زملائه الفنانين عن طريق تشكيل جماعة فنية باسم `صوت الفنان` عام 1945 فكان من بين مؤسيسها جمال السجينى وآخرين .
* إبدع فنى :
- كان عويس مثالا للفنان الذى يتطابق إيمانه النظرى بإبداعه الفنى، فرسم فى أواخر الأربعينات لوحات ذات موضوعات اجتماعية مثل ` النسوة الكادحات ` والعمال فى المصانع والفلاحين فى الحقول. ثم تطور بأن حطم التقاليد وامتلك جرأة التشوية والتحطيم للأشكال السائدة متأثراً بالفنان بيكاسو فرسم ` خروج الوردية `، `عمال الدريسة `..إلخ وصور العامل وهو يقرأ والصيادين وهم ينسجون الشباك والفلاح يبذر الحب ويحصد المحصول وبنت البلد على الكورنيش معتزة بأنوثتها وكبريائها والموالد بصخبها والمراجيح بألوانها الزاهية. وجاءت كارثة يونيو 1967لتحطم صنم المشروع الناصرى ووفق تعبير الفنان عز ` زلزلت الهزيمة العسكرية - على عكس ما تم الشحن الإعلامى والتبشيرى به كل القناعات بمصداقية النظام فى تحقيق `مشروع النهضة ` أو بامتلاكه للآليات الضرورية لتحقيقه والدفاع عنه وعن الوطن ` `المصدر السابق ص 49 ` مرعام على الكارثة لم يستطع أن يمسك عويس الفرشاة وبعد زوال أثر الصدمة رسم لوحته الملحمية ` حماة الحياة ` : فلاح عملاق شامخ الرأس كالمارد متوج بمنديل قطنى كالإكليل، يمسك بمدفع رشاش ` لاحظ مغزى المدفع وليس الفأس` محتضناً نماذج مختلفة من الشعب : أم تذهب بأطفالها للمدرسة عروسان فى موكب الزفاف حبيبان يتناجيان .أطفال يلعبون وفى الخلفية تبدو مداخن المصانع والمآذن والحقول. إنها منظمة متكاملة للحياة كأنما جاءت صورة تذكارية للوطن ` ص50` ولأن عويس فنان أصيل كتب عنه الناقد الإسبانى كارلوس إريان ` إن التصوير الذى يقدمه لنا محمد عويس يمثل صوغا حياً لمشاكل تعانيها البشرية جمعاء، ألقى عليها الضوء فى لحظة معينة ومكان معين. وخلاصة القول انه تصور عالمى بقدر عالمية مشاكل النمو والحق المشروع فى الدفاع عن النفس الذى يواجهه شعبه ..شعب مصر ` ص51`.
* قراءة نقدية :
- خصص الفنان عز الدين نجيب الجزء الثانى من كتابة المذكور للقراءة النقدية لعدد من لوحات الفنان حامد عويس، فكتب عن لوحة ` الخياطة 1951 ` إنها إحدى ثمار بحثه الجمالى عن بنية تحمل مضموناً إنسانياً، متخذاً من عجلة ماكينة الخياطة مركزاً محورياً للوحة تدور من حوله حركة الخطوط والعناصر الأخرى، وبتركز الضوء على أحد جانبى وجه الفتاة، فيما يبقى الجانب الأخر مظلماً. ويحدد خط الشفتين والذقن وضعا جانبياً لوجه أخر وتستمر مساحة الضوء تحت ذقن الفتاة مشكلة قوساً ضوئياً عريضاً يحيط بعجلة الماكينة التى تديرها الفتاة، بينما تلتف اليد الأخرى كأنما تحتضن الماكينة التى تمثل شريان الحياة بالنسبة لها. .وقد عمد الفنان إلى تحريف نسب الجسم والأعضاء لتأكيد الحركة الدائرية للخطوط التى رأى أنها ضرورية لإحكام التلوين حول مركز اللوحة. أما فى لوحة ` الحلاق 1955` فقد تخفف الفنان تدريجياً من هيمنة الموضوع السياسى المباشر نرى الزبون مستسلماً للحلاق، وعلى ما فى اللوحة من بساطة إلا أنها لا تخلو من رمز أو دلالة تتراوح بين الرضا والاستسلام - تحت حد الموسى - للعهد الجديد `سيطرة العسكر `بكل سطوته وفى لوحة ` عروسة المولد 1958` تأكيد على اهتمام عويس بالثقافة القومية المصرية ` راصداً لمظاهر الاحتفالات والعادات والتقاليد الشعبية كمكون رئيسى للشخصية المصرية .
* تأمل وتعمق :
- والفنان عويس `مثل معظم أبناء جيله ` درس وتأمل بعمق تاريخ الفن المصرى القديم، فانعكس على الكثير من لوحاته. وهو الأمر الذى انتبه إليه الناقد والفنان عز الدين نجيب الذى ذكر أن عويس وعى أهمية الفن المصرى القديم، ويكن له إعجاباً فائقاً ويعده أستاذه الأول. وعندما رسم عويس `بورتريه ` لوالده كان ` يذكرنا بالوضع الجانبى للوجه فى الفن المصرى القديم ` وفى لوحة التعمير توحة حركة العمال باستمرارية العمل، وتذكرنا بالرسوم المصرية القديمة على الجدران .وأن عويس ` سليل المصريين القماء، انفراد بالطابع النحتى العملاقى المحفوف بالمهابه والرسوخ متأثراً بفن جدوده ` ولوحاته `فلاحات`، ` أعياد الميلاد `..إلخ ، تذكرنا ` بأسلوب النقش البارز فى الفن المصرى القديم ` ` مصدر سابق - أكثر من صفحة ` لذلك لم تكن مصادفة أن يتم عرض لوحاته فى أكثر من عاصمة أوروبية وأن يكتب عنه كثيرون من النقاد الأوروبين وأن يحصل على أكثر من جائزة دولية باعتباره أحد رواد الفن التشكيلى فى العصر الحديث وحفيدا أصيلاً لجدوده المصريين القدماء الذين أبدعوا مهد الحضارات الإنسانية .
طلعت رضوان
جريدة القاهرة - 2011
شىء آخر أبعد من الشكل الفنى
- يخطئ من يظن أن اختفاء الموضوع وسيادة ` الشكل` شرط الإبداع الفنى. وإلا.. ألقينا إلى البحر بأعمال: دافنشى وانجلو وبيكاسو ومختار ومحمد ناجى ومحمود سعيد.. وروائع الفن الفرعونى والتصوير الإسلامى.
- فناننا الكبير: محمد حامد عويس. لا يحيا فى برج عاجى بعيداً عن مسرح الحياة إذا مرت به تجربة إنسانية أشعلت خياله وفكره واستنفرت مواهبه وآثارت قدراته الحرفية ومضى يمنح تلك التجربة أو القضية الإنسانية `شكلا` و` قالبا` يعيش عملية إبداعية تستهدف ` تجسيد` خياله تشكيليا. تهيمن عليه فلسفته الإنسانية لموضوع الإبداع. `الصنعة و` القيم الاستطيقية` .. تخدم ` عملية التجسيد بصرف النظر عن مسائل القبح والجمال. أما الموهبة.. فتخلع على الإبداع كل ما يتحلى به من : طرافة وجاذبية وإثارة وإبهار.. وبلاغة وفصاحة. لا فن بلا خيال ولا خيال بلا واقع . بقدر ما يحتضن الإبداع مشاعرنا وانفعالاتنا بما فيه من مدركات إنسانية واستطيقية.. تقاس فنيته .هذه المدركات تشكل خيطا رفيعا ينتظم إبداع فناننا منذ البداية 1944. فلسفته.. حرفيته.. أسلوبه.. قدرته على الصياغة، كل ذلك نما وتطور عبر السنين .. مع نمو الخيال واتساع الثقافة.. وعمق الخبرات والتجارب. الإبداع لديه ` فكرة مستمدة من مسرح الحياة `.. ثم ` تجسيد فنى ` لها. أبدا لم يفكر فى ` علاقات` تشكيلية مبهمة مجردة مطلقة. لم يبعد بفكره ووجدانه أبدا عن الأرض والناس. الألوان والأشكال مع الشرارات الأولى للثورة الوطنية سنة 1919.. ولد محمد حامد عويس فى قرية كأنها غابة نخل رابضة فى حضن النيل العريض.. جنوب مدينة بنى سوبف فى صعيد مصر فتح عينيه على طلقات الرصاص وانفجارات الديناميت .. وإغارات الفلاحين من أهله على خطوط السكة الحديد يقطعون الطريق على إمدادات جنود الاحتلال. شب على قصص البطولات وملاحم التضحية والقتال حتى الموت، بدلا من حكايات الجن والعفاريت .. وحواديت الشاطر حسن العاشق الولهان. شب الطفل الصعيدى متين البنيان وقد رسخت فى ضميره ` المعانى الإنسانية` التى نراها، تخلع على لوحاته ` الحيوية ` والإثارة `.. فلا حيوية بلا موضوع..، ولا إثارة بلا حدث . ` المدرك الاجتماعى الرمزى` ،هو لب الإبداع ونواته عند حامد عويس، ومهارة الصنعة وحبكة الصياغة وبلاغتها زادته بهاء وطرافة وجاذبية.
- بعد ` كتاب القرية ` إختلف إلى المدرسة الابتدائية الكبيرة : بنى سويف يوميا كان يخترق الحقول ويعبر الجداول والترع. ويستظل بالأشجار والنخيل على ظهر جحشه الصغير يشرب المشاهد الخلابة بعيونه النهمة. ينصت إلى حديث الطبيعة وهى توشوشه بلغة الأشكال والألوان حتى الآن .. مازالت الحياة الريفية محفورة فى ذاكرته، يغترف منها الصور والمعانى تغنيه عن النماذج الحية ` الموديلات` فى تشكيل موضوعاته المثيرة . يسترجع مشاهد الفلاحين بوجوههم الصارمة الطيبة. فى الحقل حيث العمل والغناء على المصطبة حيث الدردشة والمناقشة في الأمسيات عاش حركاتهم وأشكالهم في حقول الذرة الشامية يجنون الثمار ينقلونها إلى الجرن... ثم يبدأ التفصيص. أيام كالموالد . يقبل فيها الغجر من التخوم المجاورة يبيعون ويشترون.
- زرعت أيام الطفولة فى عقل فناننا ` مدركات ومفاهيم` خاصة للقيم الإنسانية وتطبيقاتها على مسرح الحياة . نلمسها فى لوحاته. `مضمون اجتماعى رمزى ` يعبر عن المطحونين الذين يجدون المتعة فى التعاسة. من ركام الحزن والمرارة يستنفدون ذرة سعادة فى لحظة راحة أو كوب شاى.. إستلهم عويس ذكريات الطفولة فى سلسلة لوحات شهيرة.
- لوحة ` إحنا الشعب` فلاح مزروع فى الأرض كأنه نبت فيها من زمان ساقاه كسيقان الشجر. يقبض على المحصول بأصابع فولاذية غليظة ، بجوار عامل متين القوام .. وسيدة لا تقل عنهما قوة وصلابة. نوع من النساء لا تعرفه لوحات فنانينا الواقعيين والانطباعيين. للأنوثة عند عويس الصعيدى مفهوم غير الميوعة والطراوة ..إنها الصحة .. المشاركة فى حمل أعباء الحياة . يتضح هذا المفهوم فى لوحة ` نحو النور` من مقتنيات متحف بوشكين بالاتحاد السوفيتى. زيتية صرحية تصور سيدة شعبية ترافق صغيرها إلى المدرسة. إذا تغاضينا عن القراءة الروائية الدرامية وحللنا القالب الذى قدمه لنا الفنان. تبينا إلى أى مدى استطاع أن يحقق الاستقرار الشكلى الذى يخلع على العناصر شعورا بالإصرار والأمل.. يظهر فى عيون الأم وصغيرها.` التصميم ` جزء من المضمون ومؤكد له. التعبير.. والمدرك الإنسانى هو بغية الفنان ومرماه. القيم الفنية تجسد هذا التعبير الذى كان مرتسما فى خياله. بساطة المعالجة هنا، هى بلاغة ` القول ` وإثارة لخيال المتلقى وأفكاره .. الواقعية.. الصدق قوة التعبير العام.. رسوخ التكوين .. تضافر القيم الفنية على تأكيد ` المضمون الإنسانى `، معالم واضحة فى إبداع فناننا. لا تصدق أن فنانا موهوبا ينعزل عن مجتمعه وناسه .. يعتمد على عبقريته الفردية.. ثم يخترع روائع فنية هكذا من الهواء. الفن والفنان معا. إفراز طبيعى لمجتمع معين .. فى زمن ومكان معينين. إفراز الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. كما أثبت المؤرخ الكبير.. آرنولد هاوزر، فى مرجعه العظيم` التاريخ الاجتماعى للفن` ترجمة: د. فؤاد زكريا- 1967.
- .. لو أننا راجعنا إبداع عويس من بداية البداية لتبينا الخيط الاجتماعى الذى انبثق منه.. وظل يربط موضوعاته ويتحكم فى أسلوبه ولد مع الثورة الوطنية كما أشرنا .. وهبط على القاهرة كالطائر الغريب مع اندلاع الحرب العالمية الثانية ` 1939`.. التى شنتها ألمانيا وإيطاليا على الحلفاء لاعادة توزيع مناطق النفوذ.. إندفاع الحلفاء فى مقاومة النازية والفاشية أدى إلى إلهاب المشاعر الوطنية فى المستعمرات.. وتبصير شعوبها بمخاطر الديكتاتورية على الحريات الديمقراطية فى هذا الإطار.. إحتك الفتى الصعيدى بالمثقفين القاهريين في كل مكان، حتى معه فى قسم التصوير بمدرسة الفنون الجميلة، الذى لم يزد عدد طلبته على أصابع اليد الواحدة.
- جاء عويس إلى العاصمة ليحقق أمنية والده فى أن يصبح ضابط بوليس، وإذا بالظروف تقوده إلى المدرسة التى أوصاه بها جميع أساتذة الرسم فى التعليم العام.. وكان محظوظا حقا. تعلم على أيدى رائدى فن الرسم التصويرى فى مصر:` أحمد صبرى. ملك الأكاديمية، ويوسف كامل.. مصور الفلاحين وأستاذ الانطباعيين .عرف أن العالم أرحب من ` كفر منصور` الذى ولد فيه.. وأكبر من بنى سويف والقاهرة ومصر بأسرها. كان ذكياً.. متفتحا موهوبا.. متشوقا متطلعا طموحا. أدرك أن بنيته القوية لا قيمة لها بدون دماغ مفكر مثقف.
- أول نافذة أطل منها على عالم الفكر، كانت مقالة فى `مجلتى` - 1941- لأحمد الصاوى محمد، بعنوان: `نشأة الامبريالية الألمانية` .أحس بأضواء كاشفة تظهر خفايا المجتمع.. والحرب .. والإنسانية. بلدياته وأصدقاؤه فى الجامعة، أمدوه بسيل من كتب الفلسفة وعلم النفس.. والتاريخ والسياسة والاقتصاد، شعر معها أنه يولد من جديد. عقد العزم على أن يمتلك ناصية `الصنعة`.. حتى ` يقول` بالرسم والألوان ما يريد كما يقول` الشاعر والأديب بالكلمات.. والموسيقى بالنغمات الأسلوب الأكاديمى الذى رفع لواءه أحمد صبرى، كان يناسب أهداف التعبير عند عويس، بما فيه من روائية وعناصر تشبيهية ، فتتلمذ عليه حتى أنهى دراسته الفنية.
- .. هكذا.. الظروف الاجتماعية فى سنوات الحرب 1939 / 1945 ، أزاحت الستار عن نخبة من طليعة المثقفين والفنانين.. بينهم: محمد حامد عويس. كل لوحة من إبداعه لها دوافع خاصة ومضمون إنسانى يؤازره تشكيل فنى قوى.. ومعالجة جمالية طريفة تلعب فيه الرموز والكنايات والاستعارات دورا جوهريا لولا العناصر` الروائية المقروءة.. ما وجدت` البلاغة لها مكانا فى أعماله. وما لمست موضوعاته شغاف قلوبنا.. وأثارت فينا أحاسيس الدهشة.. والرغبة فى التأمل والتفكير الفلسفى. يزيدها جاذبية.. تلك الطرافة النادرة فى إبداع الفنانين .نحس أننا أمام `صورة ` ليس واقعا. لكنها تستغرقنا ونعيش معها عالما من الخيال الذي يجسده الفنان أمام عيوننا.
- بعد النكسة `1967` أبدع سلسلة من الأعمال الصرحية الرمزية، تميز من بينها لوحة ` الجبهة الشعبية` محارب شعبى عملاق.. يبسط حمايته على رخاء الأمة وسلامتها. تكوين طريف لأنماط مختلفة من النساء والأطفال والشباب. يمارسون حياتهم آمنين. يذود عن المنجزات العظمى. يتصدرها السد العالى. مضمون واضح وصورة اجتماعية لها زمان ومكان وطابع محلى. نشاهدها بعد عشرات السنين فنربط بينها وبين حياتنا فى حقبة تاريخية محددة ترسم فيها خطى أجداده الذين أبدعوا على جدران المعابد لوحات تجمع بين روعة الفن وأحداث التاريخ تكوين هرمى راسخ يكمل المعنى. ألوان هادئة تغمر الخلفية.. لتقدم هذا الفلاح المحارب القوى الواثق، الذى يبدو كأنه جزء من الأرض والسماء عويس من الفنانين القلائل الذين خاطبوا الجماهير مع الاحتفاظ بالقيم الفنية الرفيعة اشتهرت فى الستينيات بالتكوينات الصرحية.. وبساطة الخطوط والألوان. تتبدى أكاديميته فى دقة التشريح وكلاسيكية التكوين ... وعدم إلهائنا عن المغزى بالحيل التكنيكية . قد نلاحظ ` مباشرة تعبيرية و `طابعا خطابيا` يقللان من القيمة الفنية.. لكنها كانت ضرورة فى تلك المرحلة التاريخية 1944 .. نال درجة الدبلوم على لوحة بعنوان ` الملاريا فى مصر` إستمد موضوعاته منذ البداية من الحياة الشعبية المحلية صور الأمومة.. الطفولة.. الأسرة.. الفلاحين. إشترك فى الجمعيات الفنية وتردد على المعارض وأسهم فيها.. لم تطرأ على إبداعه تغيرات أسلوبية تميزه عن غيره إلتصق بالأكاديمية ذات التكوينات الكلاسيكية الثابتة وللون الوحد `مونوكروم` البعيد عن الانطباعية البهيجة والتعبيرية الصارخة مجرد ضربات متتالية بالفرشاة كأنها لبنات تصعد ببناء التكوين. أحس فى أعماقه أن ثمة شيئا ينقص إبداعه لكى يتصف بالحيوية والجاذبية والإثارة ... ويجسد خياله وفكرته. إسترشد بمعالجات الأساتذة الكبار: سيزان.. جوخ.. ليجبه.. ريفيرا.. بيكاسو براك. بل رسم إحدى لوحاته بطريقة `براك` على سبيل الدرس والبحث لمس كيف اختلف الفنانون فى أساليبهم واحتفظوا بشخصياتهم. لكن كيف يغادر قفص الأكاديمية ويفلت من قضبانه الضيقة ؟؟ أربع سنوات طوال عاشها فى الحيرة والقلق بعد تخرجه فى الفنون الجميلة. قضى منها سنتين طالبا فى معهد التربية للمعلمين.. وآخريين معلم رسم فى المدارس الابتدائية.. إنتقل بعدها مدرسا بالإسكندرية .. حيث رأى الماء بلا شاطئ آخر لأول مرة فى حياته. مجتمع أكثر انفتاحا شأن كل الموانى. إلتقى فيها بالأخوين : سيف وأدهم وانلى.. ومحمود سعيد.. ومحمد ناجى .. ومحمود موسى ونخبة من الفنانين الأجانب فى` الأتيليه`- جماعة الأدباء والفنانين والاستديوهات الخاصة حركة فنية نشطة تسمح بالظهور والبروز لكل ذى موهبة فى لوحة ` الأمومة `- 1949 بدأ تغير` القالب`.. واتضحت بدايات التناسق بين المدرك الاجتماعى و` المدرك الشكلى` يزيد أحدهما على الآخر أحيانا فيجنح إلى `الكاريكاتير` وهو من سمات التعبيرية الاجتماعية. ` قد يبدو الشكل الإنسانى كتلة صلبة كالصخر يندرك رأسه مخنوقا بين منكبين غليظين وذراعين قويين فى لوحة ` الخياطة `.. نلتقى بسيدة تحتضن ماكينتها كأنها جزء منها. نلاحظ فيها ثورته الأولى على الأكاديمية. خطوط تشكيلية تعبيرية لا علاقة لها بأصول التشريح، محاولات لتحقيق التوازن بين ` القيم الاستطيقية ` و` القيم الإنسانية`.. فى ذلك المناخ الفنى المثير، نشط فناننا حتى كانت رحلته الأولى إلى أوروبا فى يونيو 1952 . شاهد أصول الروائع العالمية فى المتاحف والميادين وقاعات العرض المنتشرة فى كل مكان، بعيدا عن صفحات الكتب والمستنسخات المطبوعة. كانت رحلته إشارة التحول نحو الأسلوب الذى نما عبر ثلاثين عاما.. واتخذ الطابع الصرحى البليغ الذى نراه اليوم.. ` المكوجى`.. أول لوحاته بعد العودة من روما وباريس` 1952`. إتضح فيها ` القالب المتوازن` الذى يعدل بين ` المدرك الاستطيقى` والمدرك الإنسانى الاجتماعى الرمزى وبين الظل والنور والعناصر التشكيلية، والعناصر الطبيعية التشبيهية يبدو المكوجى` كأنه منحوت فى الخشب. إعادة الصياغة تتخذ شكل التحريف. قصدها الفنان لصالح قوة التعبير ووضوح المضمون.. والعكس صحيح لولا التعبير والمضمون لما كانت الضرورة لإعادة صياغة العناصر التشبيهية حتى تصبح فنا.
- ` خروج العمال`. لوحة أخرى يتبلور فيها الأسلوب ` العويسى`، كل عامل` قالب تشكيلى`.. كتلة وتعبير. بينما اللوحة بجميع عناصرها التشكيلية والتشبيهية كل متكامل معبرة عن فكرة ` العمال صانعوا الحياة. تكوين بنائى يتدخل فى اللون ليساعد ` القالب ` إلا أن الألوان بدأت تزهو على لوحاته فيما بعد تجاوبا مع نصائح الرائد الراحل : محمود سعيد.
- الفلاحون فى لوحاته. صعايدة مصريون. يذكروننا بمعالجات الرسام المكسيكى دييجو ريفيرا 1886 - 1951، الذى استعار نماذجه من أشكال أسلافه الهنود: قبائل المايا والازتك. إحتفظ عويس بأصالته وصعيديته فى شخصياته المرسومة بقوة السحنة مصرية.. والبنيان المتين كبنيان الفنان. بل إن كثيرا من نماذجه على صورته. لم يركن إلى المنظور فى تحجيم لوحاته ومسرحتها، بل إلى التنظيمات اللونية ومساحتها ونوعيتها وإيقاعها. إنه الدرس الذى تركه الفرنسى: بول سيزان `1839 - 1906`.. أبو الفن الحديث. أما التكوينات فتعيد إلى ذاكرتنا التعاليم الأكاديمية التى تلقاها من أحمد صبرى أيام الدراسة.
- ` القيلولة `.. من أكثر لوحات الفنان جاذبية وطرافة نال بها الجائزة الأولى فى بينالى الإسكندرية سنة 1961 عمال يرتاحون وقت الظهيرة فى الصيف يختلسون غفوة على الرصيف يفترشون الحصى والحجارة. أحر من الصيف.. وأصلب من الزلط مفعمون بالحركة والحيوية بالرغم من أنهم مستغرقون فى النوم الخطوط والتشكيلات الإيقاعية لا تتركنا هادئين.. تقود تأملاتنا وخيالاتنا فى مسار حلزونى ينطلق من الصديرى الأبيض فى مركز التكوين تنساب تأملات المتلقى من ثم فى دروب الخطوط والألوان والملامس. وتشكيلات العناصر الخيالية من حشو التفاصيل التى لا تلعب دورا فى أى من الشكل أوالمضمون، تكاد تختلط الوجوه بالسيقان بالأذرع.. بعروق الخشب وحبات الزلط ، إستلهمها الفنان من النهضة الصناعية التى غمرت البلاد آنذاك فكرة تحول الفلاح من الريف إلى المدينة من الحقل إلى المصنع. من القطن والقمح إلى الحديد الصلب. مدخل محلى للإبداع الفنى.. لكنه إنسانى عالمى بدأ من العصر الصناعى فى القرن الـــ16 ..وانتشر بين شعوب العالم المتحضر حتى وصل إلينا.
- عند عويس ` العالمية مضمون` .. مدرك إنسانى عام ليست إبهارا بالخامات ولا إدهاشا بحيل الصنعة .إنها إحساس إنسانى يجد صداه القوى بين مشاعر كل الناس من حيث هم كذلك.
- يبدو أن بعض المعلقين السينمائيين ومن خلفهم المنتجين افسدوا معنى` العالمية ` ألصقوها بأى ممثل `خواجة` وأى مصرى اشترك فى فيلم أجنبى `العالمية` مضمون إنسانى نحسه في الروائع الفنية الشهيرة فى الموسيقى والأدب والفن التشكيلى مقياسها إجماع آراء كبار النقاد والفنانين المعترف بهم. وبقاء عطائها الفكرى الإنسانى على مر العصور. نسوق لذلك مثلا: ملاحم الشعر اليونانى المعروفة ` الإلياذة والأوديسة ` .. والمسرحيات الشكسيبرية التى مازالت تعرض حتى الآن وتلاقى إقبالا ونجاحا بين كل الشعوب ولوحة `جيرنيكا` التى أجمعت الآراء المعترف بها على أنها رائعة القرن العشرين.
- قام فناننا برحلات عدة: إيطاليا وفرنسا 1952 بولندا `1959` ألمانيا الديمقراطية 1960 أسبانيا `1967` الاتحاد السوفيتى` 1972، 1973` عرض أعماله في العواصم وكبريات المدن إقتنت بعضها متاحف : درسدن وبرلين .. بولندا مدريد.. بوشكين ` والفنون الشرقية ` موسكو فاز بجائزة جوجنهايم الدولية ` 1956` المقتنيات المتحفية الخارجية والجوائز العالمية مؤشرات للاعتراف الدولى.. ولو أن مسابقات بينالى فينسيا تعتبر المنطلق الأساسى لأى فنان تشكيلى نحو العالمية منه. ظهر: بيكاسو هنرى مور.. وماتيس.. ومعظم الفنانين العالميين. لكن عدم الفوز فى مثل هذا البينالى يرجع أحيانا لأسباب غير فنية..
- التجريد المطلق ` علاقات ` لونية وخطية، فى تكوين فنى تدخل فيه الملامس والإيقاعات والتوافقات. حين قاد هذا المنهج دعاته إلى العبث والزخرفة .وإبداع أعمال مسلية لا تصلح إلا للديكورات، خرجت نظريات تروج إلى إهمال الفوارق بين فنون النحت والرسم والزخرفة. بل إسقاط الحدود الثابتة التى تميز ` الفنون الجميلة ` أو ` الرفيعة ` .. عن ` الفنون التطبيقية ` أو ` الصغيرة ` متمثلة فى أدوات الاستعمال اليومى.
- محمد حامد عويس يعرف أن اللوحة الفنية كالقصيدة الشعرية والمقطوعة الموسيقية والأعمال الأدبية ينبغى أن تتوفر لها العوامل الفنية جنبا إلى جنب .. مع المضمون أو `المدرك الإنسانى ` يصمم لوحته على أسسها الاستطيقية وفى ذهنه خيالات وأفكار يسعى إلى تجسيدها بقدرته الحرفية وموهبته الإبداعية، لوحة ` إصلاح السيارات` : تلخيص بليغ وبناء محكم رصين. رسمها مرتين فى المرة الأولى كان يتوسطها عامل ثالث حذفه بعد عرضها لأنه يضعف التكوين. صفة من صفات البلاغة والأديب الجيد يكتب ما ` لا ` يستطيع حذفه الضرورى من الكلمات فى لوحة ` الأم ` :كل عنصر تشكيلى أو تشبيهى له أهميته وشخصيته ، مع الاحتفاظ بدوره المتكامل لتأكيد ` القيمة الفنية ` و`مدرك الإنسان` . الأشجار بفروعها وأوراقها.. مشغولة وملونة كل شجرة مختلفة عن الأخرى .. لكنها جميعا تؤدى لحناً واحداً ينضح بمضمون الأمومة. والآلات والإنسان فى لوحة `السد العالى` .. بدون تفاصيل تعبيراً عن انتصار الإنسان المصرى على البيئة يتجلى فى العناصر المرسومة والمعالجة التشكيلية البارعة.. ربما تذكرنا لوحاته عن الصناعة بالفرنسى: فرنان ليجيه` 1881 - 1955` الأمر الذى يشير إلى خصوبة إبداع فناننا.. وقدرته على الاستفادة من التراث الحديث.
- أساليب التعبير التشكيلى ليست موضات تظهر وتختفى. إنها إضافة تثرى الفنان الحق فيستخدمها ويضيف إليها، من أجل` تجسيد` الفكرة أى ` المضمون` أو` المدرك الإنسانى `.
- الفن إضافة ليس إنشاء جديداً لا أصل له. ` القيم الفنية` مكتسبات إنسانية أثبتت التجارب صلاحيتها وتوافقها معنا كبشر. الفن كالعلم يبنى جديده على قديمه.. مع تعديل وترشيد وإضافة `عمل إنسانى ` اشترك فى صياغة قواعده الجنس البشرى منذ فجر التاريخ. يبقى نامياً مزدهراً متطوراً ما بقى الإنسان. هكذا فناننا : محمد حامد عويس، يبنى إبداعه مستلهما التراث الإنسانى .. محدثاً به البشر فى كل زمان ومكان..
بقلم : مختار العطار
من كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر والعالم العربى

- ولد حامد عويس عام 1919، وحصل على دبلوم المدرسة العليا للفنون الجميلة 1944، ودرجة الأستاذية من أكاديمية ` سان فرناندو` بمدريد عام 1969، وهو من مؤسسى جماعة الفن الحديث وقد عمل بالتدريس إلى أن وصل إلى عمادة كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية.
- مثلث أعماله الحركة الفنية المصرية عالميا فى المعارض والبيناليات الهامة منذ عام 1952 وحتى الأن، وأقام معارض عديدة فى مصر وأوروبا والصين ، وأعماله ضمن مقتنيات متحفية وخاصة فى مصر والخارج. وبعد حامد عويس رائد الواقعية الاشتراكية فى مصر.
- حصل حامد عويس على جائزتى الدولة التقديرية وجائزة مبارك للفنون ، كما كرمته مكتبة الإسكندرية بإقامة معرض إحاطى لاعماله تمثل مراحل تطور تجربته الفنية وثم إصدار كتاب تذكارى عن تجربته الفنية. انتهج حامد عويس سبيلا بالغ التفرد فى مسيرته الإبداعية ، فقد ظل ومنذ الستينات وفيا لقضية الإنسان المصرى العامل الكادح فى إطار خصوصى داخل دائرة الواقعية الإشتراكية ، حيث شعر بتقدير كبير للمدرسة المكسيكية ذات الطابع النقدى الاجتماعى الإنسانى والسياسى.
- لم يتحمس عويس للتجربة الروسية فى الواقعية الاشتراكية فى التصوير، والتى تركز على التقنية والمبالغة المثالية المفرطة، ولكنه استفاد من استخدام الفنانين الروس الجرئ اللون الأبيض فى لوحاتهم.
- صور عويس أفراد الشعب من الناس العاديين فى حياتهم اليومية مع اهتمامه الكبير بالبعد الرمزى، فحينما يصور فتاة تحمل الكتاب متجهة إلى الجامعة، يجعل خلفيتها مجموعة فتيات بحرى. اللائى رسمهن محمود سعيد، كناية عن أن هؤلاء ينتسبن إلى ماض ولى، ويرمز إلى العمال فى خروجهم من المصنع وأثناء العمل ، والفلاحين وممثلى قوى الشعب العامل. صورهم عاملين مجهدين ولكن فى كرامة وأمل وطموح. وعندما صور الجنود من أبطال حرب أكتوبر، صور ما ردا مصريا يجتاح رموز العدوان، وفى نهاية طريقة زهرة ترمز إلى الأمان والسلام والتنمية، ويصور المناضلين الفلسطينيين فى هيئة عملاق يقاوم العدو الصهيونى وفى جوفه جنين يرمز إلى مستقبل الثورة وفى الضمار نفسه ، التعبير عن القضايا السياسية القومية ، رسم لوحة هامة سماها (أمريكا) رسمها عام 1974 ، صور فيها أمريكا وكأنها وحش ` روبوتى` تضخمت هيئتة كوحش متعطش للفتك بصورة عمياء، لا يمكن كبح جماحة ينفث الدخان القاتل من فتحاته الميكانيكية ويزدرى رموز التراث الحضارى العريق ويبدوا تمثال الحرية شاحبأ متنحياً ومنكسراً أمام هذا المارد المصنوع.
- ويصور عويس ملاحم ترمز إلى تأميم القناة وإلى التحرر من الاستعمار، وهو فى ذلك يتوازى مع الفنان جمال السجينى فى مجموعة مطروقاته النحتية على النحاس الأحمر من حيث موضوعات التعبير والطبيعة الرمزية، وفى تعبيره عن الصيادين يلتقى بصورة ما مع أعمال محمود سعيد من حيث صرحية الشخوص والتركيب البنائى للعلاقة بين العناصر باعتباره فنانا يتبنى الواقعية الاشتراكية، فإنه يميل إلى التفائل فى تحقيق مستقبل أفضل فرسم العمال والفلاحين فى صحة وازدهار وإشراف، كما حرص على فتح طاقات على الحدائق والسماوات الصافية فى تكويناته المغلقة داخل الغرف.
بقلم : د. مصطفى الرزاز
من كتاب الفن المصرى الحديث
حامد عويس .. فنان البسطاء
- بصماته واضحة ومتاحف العالم تحتضن أعماله..
- إن عمر الفن يوشك أن يكون هو عمر الإنسان ، فالفن صورة من صور العمل ، والعمل هو النشاط المميز للجنس البشرى ، وكتب ماركس هذا التعريف للعمل : ` عملية العمل هى نشاط هادف يرمى إلى جعل الموارد الطبيعة ملائمة للاحتياجات البشرية ، وهذه العملية هى الشرط العام اللازم لتبادل المواد بين الإنسان والطبيعة ، وهى الشرط الدائم الذى تفرضه الطبيعة على الحياة الإنسانية ، ولذا فهى مستقلة عن أشكال الحياة الاجتماعية ، أو بالأحرى فهى مشتركة بين مختلف الأشكال الاجتماعية ` .. وهذا بالفعل ما جسده الفنان حامد عويس فى لوحاته حيث وضح تأثره بالأحداث التى مر بها الوطن ، وانحاز فى أعمال كثيرة للعمال والفلاحين وأبناء الطبقة الكادحة .
- ورسم بفرشاته ملحمة المواطن المصرى ، وجسد معانى الحرية والعدالة الاجتماعية التى فرضتها ثورة يوليو 1952 ، وظهر ذلك فى العديد من لوحاته مثل لوحة ` خروج العمال ` ولوحة ` ناصر` ، كما استطاع عويس أن يجسد مصريته ووظنيته الشديدة حينما رسم باقتدار الأحداث المصرية التى تركت علامة بارزة فى أذهان البسطاء مثل تأميم قناة السويس ، والسد العالى ، كما أهتم بالعنصر النسائى الكادح الذى جسد فى إحدى لوحاته إحداهن تعمل على ماكينة التريكو والخياطة.
- ملحمة عويس
- يعد حامد عويس أحد رواد الواقعية المصرية ، حيث ظهر تأثره بشدة أفكار جماعة الفن الحديث الذى نبذ أعضاؤها الفن السيريالى بقوة ، فقد كانوا يؤمنون بأن الفن يجب أن يكون نبضا للجماهير ..يشعر بآلامهم وأفراحهم ، وبالنظر للفن عند عويس نجد أنه قضية إنسانية بالطراز الأول ، وتجلى هذا فى تنقيبه فى الموروث الثقافى المصرى ، وفى تاريخ الفن ، وظهر أيضا تأثره الشديد بنشأته على شواطىء الأسكندرية الساحرة التى أنجبت العديد من الفنانين مثل محمود سعيد ومحمد ناجى والأخوين سيف وأدهم وانلى ، فنجد عويس رسم ` البلاج ` و ` محطة ترام كليوباترا ` و ` حوار الصيادين ` و ` بنت البلد ` و ` الصياد والسمكة ` و ` شمس الشتاء ` .
- أعمال استمدها من نشأته الاسكندرانية ، تميز أسلوب عويس بالتركيز على الكتلة فى العمل الفنى والمبالغة فى كثير من الأحيان فى تضخيم بطل اللوحة وكأنه أسلوب معمارى فى الفن التشكيلى ابتدعه لنفسه ونهجه فى أعماله المتعددة ، من هنا تكمن فرادة العلاقة التى اتخذها حامد عويس متكئاً على أسلوبه الخاص الذى لا يمكن أن تخطئه العين ، أيضا كان متيم بالعنصر اللونى الذى يعتبره من أساسيات بناء التكوين فى لوحاته ، وألوانه فى معظمها واضحة متجانسة ترتبط بقوة بماهية العمل ودلالاته ، فتظهر عنده سطوة اللون وعنفوانه وارتباطهما بعنصر الحركة التى تضيف معان كثيرة للعمل الفنى عند عويس الذى يعتمد فى المقام الأول على القضية الإنسانية التى يسعى إليها من خلال أدواته بعيداً عن الصياغات التشكيلية التى تأتى فى المقام الثانى دائماً عنده .
- العالمى
- لـ حامد عويس مكانة عالمية كبيرة، فأعماله تحتضنها أهم المتاحف فى العالم مثل متحف الفن الحديث بألمانيا الذى يضم لوحته ` المطرقة `، و متحف درسدن أيضاً فى ألمانيا أقتنى لوحة ` صيادين من الأسككندرية `، ومتحف بوزنان فى بولندا مقتنيا لوحة ` الجالسة ` ، ومتحف بوشكين فى موسكو بروسيا يضم لوحات ` احنا الشعب - نحو النور - السد العالى ` ، ومتحف الفنون الشرقية بموسكو أيضا يضم ` السد العالى 2 - العمل فى الحقل `، ومتحف الفن المعاصر فى برشلونة فى اسبانيا مقتنياً لوحة ` القيلولة ` ، كما يضم متحف الفن الحديث بالقاهرة لوحتين ` وردية الليل - البطالة ` ، ومتحف الفنون الجميلة بالأسكندرية يضم لوحة ` الحصاد`، ومتحف محمود سعيد بالأسكندرية يضم لوحة ` النيل والتعايش السلمى `، ومتحف كلية الفنون الجميلة بالقاهرة مقتنياً لوحته الشهيرة ` التعمير ` .. وغيرها من الأعمال التى تنتشر هنا وهناك لتجسد تاريخ طويل لفنان قدير .
- كتب عن الفنان حامد عويس الكثير والكثير من الكتاب والنقاد والفنانين فى مصر وحول العالم من أهمها : ما قاله عنه الناقد الأسبانى ` كارلوس اريان `: إن التصوير الذى ينبع من صميم العروبة والاسلام والذى يقدمه لنا محمد عويس يمثل صوغاً حياً لمشاكل تعانى منها البشرية جمعاء القى عليها الضوء فى لحظة معينة وفى مكان معين ، وخلاصة القول فهو تصوير عالمى ، يقدر عالمية مشاكل النمو والحق المشروع فى الدفاع عن النفس الذى يواجهها شعبه شعب مصر .. وقال عنه الناقد البريطانى ` جون بريجر ` إذ كان لى أن أختار من مجموع اللوحات التى احتواها بينالى فينسيا لوحة واحدة أقدمها إلى العالم أجمع كتصوير لإنسان هذا العصر ، فلا أتردد فى اختيار اللوحة التى قدمها الفنان المصرى محمد عويس .. ، فيما قال عنه النحات الألمانى ` فريتس كريمر `، إن فن محمد عويس بجانب ما يحمل من صفات إنسانية عالمية إلا أنك حين ترى لوحاته تؤمن أن صانعها لابد أن يكون من مصر وذلك لما تزخر به هذه الأعمال من سمات شعب مصر وأمانيه.
بقلم : طارق عبد العزيز
مجلة أخبار النجوم 19-9-2019
الفنان حامد عويس ومدرسة الفن الإجتماعى
- هى عقد التفجيرات الثورية. سواء فى البُنى التحتية (اجتماعية واقتصادية وسياسية) أو فى البُنى الفوقية (الثقافة والفن والفكر). وكانت الجماعات الثورية بمختلف اتجاهاتها بمثابة سنون المحراث. تقلب بطن التربة بقوة وتعرضه للشمس. وتجعله مهيأ لاستقبال البذور, قابلاً للخصوبة.
- وعلى صعيد الفن التشكيلى كانت الجماعات الفنية المنظمة، هى الشكل الذى صنعه الفنانون للتعبير عن مواقفهم الثورية، التى تلاشت الحدود فيها بين الفن والسياسة، ومع احتفاظ كل منها بتميزه الفكرى، فكثيراً ما شهدت معارضها المتلاحقة مشاركة من فنانى مختلف الجماعات تأكيداً لوحدة الهدف.
- كانت أولى هذة الجماعات هى ، ` الفن والحرية` (1939- 1945) وإن كان مؤسسها هو الشاعر السوريالى جورج حنين، إلا أن نشاطها الأساسى كان تشكيلياً بقيادة الرسامين رمسيس يونان وكامل التلمسانى وفؤاد كامل، وقد اعتنقوا الاتجاه السوريالى ودافعوا بقوة عن مدارس الفن الأوربى الحديث، غير أنهم انغمسوا حتى قمة رأسهم فى العمل السياسى الثورى على أساس المذهب التروتسكى.
- وتلتها عام 1946 جماعة `الفن المعاصر` بقيادة الفنان حسين يوسف أمين، وكان أبرز فرسانها الرسامون: عبد الهادى الجزار وحامد ندا وسمير رافع وابراهيم مسعودة.. ولم تكن معنية بالغوص فى النظريات الثورية. بقدر ما اهتمت بالغوص فى التربة المصرية وجذورها الاجتماعية والأسطورية. وعبر فنانوها عن مأساوية الواقع بنظرة تصل إلى `الملهاة السوداء`. إلى الحد الذى جعل السلطات تأمر يوماً باعتقال الفنان الجزار بسبب رسمه لوحة بعنوان `طابور الجوع` ولم يتشفع للافراج عنه إلا الفنان محمود سعيد. الذى كان بحكم جذوره الطبقية صاحب نفوذ لدى السلطة.
وفى العام التالى مباشرة (1947) تألفت جماعة الفن الحديث بقيادة يوسف العفيفى، وكان أهم فرسانها النحات جمال السجينى والرسامون حامد عويس ويوسف سيده وسعد الخادم وعز الدين حمودة وزينب عبد الحميد ووليم اسحق وداود عزيز، ولحقت بهم بعد فترة جاذبية سرى.. وكان محرك الجماعة هو الرغبة فى اتخاذ الفن وسيلة لإيقاظ وعى الشعب. مع إذكاء روح الثورة على الفن البرجوازى الأكاديمى الجامد وعلى المدرسة السوريالية على السواء. التى تغلغلت فى الفن المصرى آنذاك، وقد اعتبرها فرسان `الفن الحديث` إفرازاً مرضياً لمجتمع أوربى مازوم، وجعلوا هدفهم السعى إلى خلق أنماط ثورية جديدة للفن.. وفى هذا المسعى نجدهم مع الزمن يتبلورون فى اتجاهين: اتجاه يركز على الشكل الفنى الجديد` مستفيداً من مدارس الفن الأوربى خاصة التكعيبية والتعبيرية دون اهتمام كبير بالقضايا الاجتماعية واتجاه يرتبط بواقع المجتمع وبتراث الشعب وبالمضامين الفكرية والنضالية، بما يمكن أن نعتبره إرهاصاً مبكراً بالواقعية الاشتراكية فى الفن قبل أن تصل اصداؤها من الخارج كنظرية جمالية، وقد استمرت معارض الجماعة حتى 1955، حيث تفرقت السبل باعضائها مع تغير الظروف الاجتماعية.
- والفنان حامد عويس ينتمى إلى الاتجاه الثانى فى الجماعة، ونستطيع أن نقول إنه الوحيد على قيد الحياة من هذا الاتجاه، ومازال على إخلاصه لتلك الأهداف ومازال أيضاً (وقد بلغ الثامنة والستين) يعبر عن انتمائه الفكرى، وإن كان أخر ما أنتجه يقف عند عام 1983 حسبما علمت منه قبل عام مضى.
- تخرج عويس فى كلية الفنون الجميلة بالقاهرة 1944، ثم التحق فى العام نفسه بالمعهد العالى للتربية الفينة الذى كان يؤهل خريجيه للعمل كمدرسين للتربية الفنية وكان ذلك هو العمل المتاح لخريجى معاهد الفن آنذاك.. ومثلما كان `حسين يوسف أمين` ، -رائد جماعة الفن المعاصر - استاذاً للرسم بالمدرسة الخديوية الثانوية لشبابها الذين غدوا من مشاهير الفن المصرى الحديث فيما بعد، كذلك كان `يوسف العفيفى` أستاذاً لمعظم فنانى جماعة الفن الحديث، ورابطة العقد بينهم، من خلال موقعه كأستاذ شاب بمعهد التربية الفنية عائد حديثاً من بعثة دراسية بلندن.
- واستمرت العلاقة بينه وبينهم حتى بعد أن تخرج عويس فى المعهد 1946، ليقيم هو وزملاؤه ومن انضم إليهم من كلية الفنون الجميلة معرضهم فى نفس العام تحت اسم جماعة `صوت الفنان` - لكن هذه الجماعة لم يتعد وجودها هذا المعرض، الذى كان تمهيداً لتبلور جماعة الفن الحديث وظهورها فى العام التالى.
- والحقيقة أن فكر الجماعة لم يكن متبلوراً فى منظومة واحدة متفق عليها بين أعضائها اللهم إلا الثورة الأكاديمية، والتصدى للسوريالية، والرغبة فى الالتحام بالمجتمع أما بعد ذلك فقد كان يتجاذبها - كما ذكرت - اتجاهان متميزان الأول يكتفى بالبحث التقنى من خلال الأساليب الغربية الحديثة وصولاً إلى أسلوب مصرى الطابع (ويمثل هذا الاتجاه حموده وزينب ويسرى). والثانى يتجاوز البحث التقنى إلى التزام الفن برسالة إجتماعية أو بالتأصيل لاتجاه شعبى (خاصة من خلال دراسة سعد الخادم للفنون الشعبية) والبحث عن أساليب واقعية تأخذ فى الإعتبار حركة التجديد فى الفن العالمى (وكان يمثل هذا الاتجاه عويس والسجينى وسيده وجاذبية وداود عزيز ووليم اسحق.. وجدير بالذكر أن الفنانين الأخرين كانا ضمن الحركة الاشتراكية المصرية ودفعا ثمنا لذلك سنوات فى المعتقل مما أثر على استمرارهما فى الانتاج الفنى).
- وقد ذاعت شهرة عويس فى الخمسينات والستينات كفنان اشتراكى ملتزم بقضايا الكفاح الطبقى والتحرر الوطنى وزيادة الانتاج، يواكب بفنه التحولات والأحداث المصيرية للوطن، بدءاً من أعماله الأولى للتعبير عن المرأة الكادحة خلف ماكينات التريكو والخياطة، إلى أعماله فى مرحلة النضج عن عمال المصانع وعمال الدريسة (إصلاح خطوط السكك الحديدية) التى نال عنها جائزة جوجنهايم 1954، ومن ذلك أيضاً أعماله عن تأميم القناة، وحرب 1956، وذهاب الأطفال إلى المدرسة بصحبة الأم (1956) (التى يحتفظ بها متحف بوشكين)، ولوحة الصيادين (التى يحتفظ بها متحف دريسدن).
- وإذا تجاوزنا اعماله فى الأربعينات التى يغلب عليها الطابع الرومانى الميلودرامى. فإن مرحلته الواقعية الرصينة بدأت عام 1952 بعد اشتراكه لأول مرة فى بينالى فينسيا الدولى والتقائه بالفنانين الايطاليين الذين يعتنقون الواقعية الاجتماعية الثورية، وقد وجد نفسه فيهم مثل `كازوراتو` و `جوتوزو` ويمكن أن نجد أوجهاً للشبه بين أسلوبه فى تلك المرحلة وأسلوب الفنان السكندرى الرائد محمود سعيد، مع فارق تقنى يتمثل فى اختزال الألوان والتركيز على الدرجات القائمة تعبيراً عن الرؤية الدرامية، إضافة إلى الفارق الفكرى بالطبع بين مثالية سعيد وجدلية عويس عن الواقع.
- إلا أن هذه القتامة تشف تدريجياً، مع استقرار الأوضاع الاجتماع فى الستينيات وتغزو الألوان البهيجة لوحات عويس وتمتلئ بالعناصر الزخرفية المتفائلة، وبزحام الحدائق والمهرجانات والأعياد، مع الدعوة للسلام والاشتراكية، وهنا يبدو (فكرياً) أقرب إلى المثالية و(تعبيرياً) أقرب إلى الغنائية، و(تقنياً) أقرب إلى الفن الفطرى (البرئ)... حتى يحدث زلزال 1967. فيتوقف سنوات عن الرسم، وعندما يستأنفه يتخذ أسلوباً رمزياً وأسطورياً بعض الشئ، للتعبير عن المرحلة الجديدة، أو على وجه أدق للتعبير عن رفض الواقع بعد الهزيمة.. فرسم لوحات كبيرة الحجم، صريحة الطابع، بطولية العناصر، تركيبة البناء عن المقاومة الفلسطينية ومواجهة الصهيونية ( لوحة إنسان الفولاذ)، ولوحة أخرى عن مواجهة التنين الامبريالى الذى يتخذ شكل حصان طرواده فوق مفاعل ذرى، وهو يبدو فيهما أقرب إلى السورياليين من حيث الطابع الفنى.
- وسواء فى أعمال هذه المرحلة أو فيما سبقها، فبوسعنا تحديد بعض الخصائص الأسلوبية العامة لفن عويس.
- فالتكوين عنده يقوم على عناصر مجسمة وبسيطة، يضطلع الخط الصريح بربطها رباطاً محكماً، وهو وإن كان يحرص على وجود البعد الثالث والتجسيم القوى، يفعل ذلك خلال منظور ذهنى بتأكيد أهمية العناصر بين المقدمة والمؤخرة فى اللوحة حسب الأهمية الموضوعية والدرامية لتلك العناصر.
- وليس حسب أهميتها البصرية فى الطبيعة وفق قوانين الضوء والمنظور كذلك يخضع منطقه فى تضخيم العناصر أو تصغيرها لحسه الأسطورى والتخيُلى، وهو ما يقابل فى الفن المصرى القديم (الذى يكن له إعجاباً فائقاً ويعده أستاذه الأول)
- الحس الدينى والعقائدى فى ترتيب العناصر وتضخيمها أو تصغيرها، ومن جهة أخرى فإن لعويس طريقته الخاصة فى الرسم فبرغم واقعيتها لا يتبع فيها قواعد التشريح، بل يميل -عادة- إلى الانتفاخ الأسطوانى للأجسام، وإلى التحوير والمبالغة والتشويه، بصورة أقرب إلى الفن البدائى أو الشعبى، قد يكون دافعه إلى هذا الرغبة فى تحقيق المزيد من الشحنة التعبيرية المباشرة عن الحركة أو المضمون الرمزى، أو قد يكون مرجعه إلى فطرته الإبداعية الخاصة، أو يكون قد تأثر فى ذلك بأساليب بعض الفنانين الأوربيين خاصة `فرناند ليجيه` فى مرحلته التكعيبية الأولى وبعض فنانى الواقعية السحرية مثل `هنرى روسو`.. لكن لعل أقرب المدارس الحديثة إلى مجمل تجربته الفنية هى المدرسة المكسيكية المعاصرة ذات النزعة الإجتماعية وعلى رأسها `دى ريفييرا` و `سيكيروس`.
- وقد أسهم عويس فى تأسيس كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1957. وعمل أستاذاً حتى شغل منصب عمادتها قبل تقاعده، وأسهم من خلال أستاذيته فى تخريج أجيال من الفنانين الذين حملوا لواء الفن فى الإسكندرية وقد أحتلت أعماله مكانها اللائق بها فى العديد من متاحف العالم مثل الأرميتاج وبوشكين بالإتحاد السوفيتى، والمتحف المعاصر بأسبانيا، ومتحف دريسدن، فضلاً عن متاحف القاهرة والأسكندرية.
- فى السنوات الأخيرة حاول عويس إعادة رسم بعض أعماله الواقعية القديمة مثل الحصاد والصيادين، مضيفا عليها نوعاً من التألق اللونى والتأنق الخطى واللمسى، مما جعل مهارة الصنعة غالبة عليها.
- إن حامد عويس يبدو على صعيد الحركة التشكيلية المصرية، التى تغلب عليها الاتجاهات `الشكلانية` والتبعية للأساليب الغربية صوتاً غربياً، وسوف يظل كذلك، ما لم يلتقط منه الشعلة فنان أو جماعة تعيد مجد جماعة الفن الحديث، قبل أن يتحول إلى ماض يليق - فقط - بالمتاحف.
بقلم: عز الدين نجيب
مجلة: إبداع (العدد 1) يناير 1990
حامد عويس بين خصوصية الرؤية وعمق التجربة وفرادة التعبير
- ولد الفنان محمد حامد عويس ببنى سويف عام 1919 ورحل عن عالمنا 2011 حيث عاش بالإسكندرية وعمل بها كمدرس بالتعليم العام ثم أستاذ بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية وحصل على الأستاذية فى فن الرسم من أكاديمية سان فرناندو بمدريد بإسبانيا وتولى أول منصب كنقيب للفنانين التشكيلين بالإسكندرية كما أشرف على متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية وكان عضو مجلس الثقافة بمحافظة الإسكندرية كما شغل منصب عميد الفنون الجميلة بالإسكندرية حيث قام الفنان بإقامة سلسة معارض عديدة فردية وجماعية ودولية داخلية وخارجية فى مصر وبولندا وإسبانيا وألمانيا والاتحاد السوفيتى وبكين وفينيسيا وموسكو وباريس وإيطاليا وجدة.
- كما مثل مصر فى بينالى الإسكندرية لدول البحر المتوسط حيث يعتبر الفنان صاحب أسلوب خاص وتجربة فنية ثرية تنبع من صميم مصر قلب العروبة والذى طالما يقدم أعمالا تجسد المشاكل التى تعانى منها بيئته وأحلامها وآمالها حيث يسعى عويس وبقوة إلى تسليط الضوء على المشاكل الراهنة والتى تنبع من مصريته حيث يعتبر عويس رائد المدرسة الواقعية الاشتراكية المصرية وأحد أهم وأبرز رواد التصوير المصرى المعاصر فهو يجسد لوحات تحمل فى طياتها موضوعات ذات طبيعة ملحمية حيث يعتبر الإنسان هو بطل كل لوحاته وأساس عملة الفني بما يعانيه ويكابده من مشاكل حيث يسعى عويس بشكل مباشر إلى التحيز من خلال لوحاته إلى الجانب الإيجابي والقيم الإنسانية الراقية حيث نلمح فى أعماله العمق والتقصى إلى جانب الانحياز الجارف للإنسان الذى يعتبر نواة الحياة لتأتى أعمال الفنان لتقدم الحلول من أجل حاضر ومستقبل أفضل للبشرية لنلحظ فى أعماله ميلاد الأمل من خلال إشراقة وجوه موتيفاته وصياغاته الآدمية بشكل عام.
- حيث كان يسعى دائما وأبدا من خلال أعماله الفنية إلى زرع التفاؤل فى الحياة ويظهر ذلك ويتجلى فى لوحاته المسماة الأم والتعمير والحلاق والعبور والصياد والسمكة وطائر الهدهد وشمس الشتاء وخروج العمال والقيلولة وكلام من ذهب وفلسطين وغيرها من اللوحات التى ولدت من رحم المجتمع المصرى وخاطبت قضياه ومناحى حياته وأحلامه وآماله، وكذلك عاداته وتقاليده وأحداثه التاريخية الفارقة فى تاريخه والتى سعى الفنان إلى تجسيدها بشكل عميق ليبرز دورها المهم فى حياة مجتمعه الذى يعايشه الفنان ساعيا ليصوغ إبداعاته وفق منظومة بديعة تحمل طابع ملحمى مميز يتسم به الفنان ليجسد الواقع المصرى بأدق تفاصيله لتأتى أعماله تحمل رسالة وقضية، فهو الفنان الذى دعم الحركة التشكيلية المصرية والعربية بفن تتحد فيه جذور الانتماء وحب الوطن حيث كانت القضايا القومية والاجتماعية هى البطل الرئيسى فى لوحاته وهى التى تجسد موضوعات تلك اللوحات حيث تتسم موتيفاته وصياغاته بالبناء الراسخ لتحمل بين طياتها المشاعر والطاقة لتدعم رسوخ البناء التشكيليى والإنشائي والتى تتسم فيه الكتلة بالصلابة والقوة إلى جانب تعددية وثراء اللون بين التباين والتآلف فى نفس العمل التشكيليى الخاص بالفنان إلى جانب اللون البارد والدافئ فوق مسطح لوحات عويس، لنلحظ حالة من الحوار المنسق والمرتب حيث يسعى لرسم لوحاته فى إطار من القومية الكلاسيكية لتأتى موضوعاته ذات دلالات تعبيرية موضوعية أحيانا ورمزية أحيانا أخرى ليجد المتلقى نفسه أمام حاله خاصة من التأمل والاستكشاف وتأمل المعانى والمضامين الأيدولوجية للعمل عند مطالعته مسطح لوحات الفنان، وقد سعى عويس فى لوحاته إلى التأكيد على الهوية المصرية منطلقا من خلالها نحو آفاق العالمية وقد رصد ذلك النحات الألماني فريتس كريمر من خلال تتبعه لأعمال الفنان حيث ذكر أن فن عويس بجانب ما يحمل من صفات إنسانية عالمية إلا أنك حين ترى لوحاته تؤمن أن صانعها لابد أن يكون من مصر وذلك لما تزخر به هذه الأعمال من سمات شعب مصر وأمانيه كما التزم الفنان بالتوجه المجتمعى فى مراحل مهمة من تاريخ مصر عايشها الفنان وأحسن التعبير عنها بمنتهى الحماس بل وكان ينتمى إليها وبقوة حيث التزم بالتوجه الاجتماعي المنحاز لقضايا مجتمعه وكان من أشد المؤيدين لها خصوصا فى عصر الثورة فى الستينيات حيث جسد الفنان أعماله وسعى لإبرازها وجعلها أيضا موضوعات لأعماله الفنية ليكون لغة تشكيلية قومية مثل لوحته المسماة السد العالى ولوحته المسماة تأميم قناة السويس ليرصد أحداث تاريخية وقومية غاية فى الأهمية وتشكيل وعى ووجدان الشعب المصرى كله كذلك سعى لإبراز دور الفلاح المكافح فى تلك الفترة فى لوحاته كما لوحظ تأثره بشدة بالفن المصرى القديم والطبيعة الخاصة فى صعيد مصر نظرا لنشأته الأولى وكذلك تأثره بمدينه الإسكندرية التى عاش وعمل فيها كما أنه تأثر بالفنانين محمود سعيد وأحمد صبرى وبيكاسو وفرنان ليجيه وغيرهم من الفنانين المصرين والأوربيين لكن الفنان مع ذلك تميز بأسلوبه الخاص والفريد من خلال التكثيف فى الحجم عند إنشاء صياغاته الآدمية فنجدة يصور العامل الضخم الجالس ليلقى الضوء على الطاقة القوية المعطلة عن العمل حيث رسمه منكس الرأس ليلفت النظر لمشكلة البطالة فى المجتمع المصرى فى تلك الفترة حيث أنه كان يراها مشكله كبيرة لابد أن يتم تداركها وحلها على الفور وهذا ما جسده الفنان فى لوحته المسماة البطالة وقد حصل الفنان على العديد من الجوائز نظرا لمسيرته الفنية العظيمة مثل جائزة الدولة التقديرية وجائزة مبارك للفنون ووسام الدولة من الطبقة الثانية ونوط الامتياز من الطبقة الأولى وغيرها من الأوسمة والتكريمات المستحقة لفنان مهموم بقضايا وطنه وقد كرم الفنان خارج مصر أيضا بأن اقتنت أشهر المتاحف العالمية أعماله مثل متحف درسن فى ألمانيا ومتحف الفن الحديث فى برلين ومتحف الفن الحديث فى بولندا ومتحف الفنون الشرقية بموسكو ومتحف الفن المعاصر فى مدريد وتعتبر لوحات الفنان من العلامات البارزة فى مسار الحركة التشكيلية فى مصر والعالم العربى.
بقلم : د./ أمجد عبد السلام
جريدة: القاهرة ( 27 -12- 2022)
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث