
	:استعرض الأخبار السابقة

أعمال `بينالى الشرق` بين الإبداع والبعد الفلسفى (2)رموز ورمزية `سيروان` و`باولو`

أعمال `بينالى الشرق` بين الإبداع والبعد الفلسفى (2) رموز ورمزية `سيروان` و`باولو`
الديكتاتورية فى مواجهة الاستبداد!!
( الناقد والكاتب الصحفى - طارق عبد العزيز )
¬ربما يعتمد العمل الفنى على المواجهة والجرأة فى تناول الفكرة وعرضها على المتلقى من خلال إحدى الأدوات والتقنيات المعروفة تشكيليًّا، وفى أحيان أخرى يعتمد الفنان على الرمزية والحلول غير التقليدية مغلفة ببعض التلقائية وغموض الألوان فى توضيح فكرته ...
فالرمزية - فى الفن التشكيلى- تتلخص في أنها تغلف فكرة العمل الفنى ومضمونه بغلاف شكلي حسي...
والفنان الرمزى -دائمًا- يصور لنا أعماله الفنية اللامرئية بعمل مرئى مليء بالأحاسيس والرموز التى تصيبنا بالدهشة والتأمل فى آن واحد عند رؤية العمل لأول وهلة...
ومن أهم مميزات العمل الذى يعتمد على الرمزية الغموض والنزعة التجريدية بعض الشيء، وهذا ما يدفعنا إلى الرغبة فى الوقوف طويلًا أمام العمل وتأمل أبعاده الفكرية، وربما العودة مرة أخرى إليه لرؤية تفاصيل ربما لم تظهر بوضوح عند المشاهدة الأولى...، وهذا ما تأملته فى عملين من أعمال بينالى القاهرة الدولى فى دورته الثالثة عشر، العمل الأول للفنان العراقى `سيروان باران`، والثانى للفنان الإيطالى `باولو دولزان`.
ديكتاتورية `سيروان`
--------------------
الفنان العراقى الكردى `سيروان باران`، ولد فى بغداد وتخرج فى كلية الفنون الجميلة جامعة بابل ...، ويعد واحدًا من الرسامين المنتمين للجيل الجديد، وقد تم تجنيده لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى ...
تأثر باران كثيرًا بالجيش العراقى فى انتصاراته وانكساراته، فعند رؤية عمله المشارك فى بينالى الشرق المكوَّن من ثلاث لوحات ضخمة تحتوى على ثلاثة مشاهد جسدها الفنان بأسلوب كلاسيكى يميل إلى التجريدى، ومن أول وهلة تشعر بترابط العمل فى ألوانه ولمسات فرشاة باران المحسوبة بدقة وعناية لكنها بدون تفاصيل واضحة المعالم، وبشكل عام فهي تعبِّر عن البعد الفلسفى للعمل.
فهو - من وجهة نظرى- يجسد مشهد الديكتاتور الذى بدأ حكمه بقوة وهيبة، وقد ظهر هذا من رؤية المشهد الأول الذى غلب عليه المساحات السوداء والرماديات الداكنة ووقوف بطل اللوحة فى قوة وعنفوان بملابسه العسكرية ممسكًا بكلبه الخاص الذى يُشعِر بالقوة والتحفز -أيضًا-...
وفى المشهد الثانى يظهر بطل اللوحة فى زى مدنى اختلفت فيه الألوان، فظهر لون الأشجار والدم أسفل قدميه مع تغير حركة الكلب الخاص لتصبح غير واضحة، كأن الفنان هنا يقصد المرحلة التالية للفوز بالحكم...
أما المشهد الثالث والأخير فهو يجسد نفس الشخصية الرئيسة، ولكن بلباس الإعدام الأحمر، والغريب هنا أن الكلب الخاص تحول فجأة إلى عدو يهاجم بطل اللوحة بشراسة كأنه لا يعرفه، رامزًا لذلك بعدم وضوح الوجه.
فلسفة الفنان فى هذا العمل تنتقل بنا إلى عالم السلطة وقوتها فى البدايات، لكن الأمر انتهى فى المشهد الأخير الذى يعكس لنا الفصل الأخير من الديكتاتورية واقترابها من النهاية الحتمية وهي`الموت`، رامزًا لذلك بملابس الإعدام!
هيمنة `باولو`
--------------
الفنان الإيطالى `باولو دولزان` ولد فى بلدية ميدزولومباردو بمقاطعة ترينتو فى إيطاليا ودرس بمعهد الفنون الجميلة، ثم أكاديمية الفنون الجميلة بمدينة فينسيا...
ركز الفنان في عمله على رمزية التمساح والثور في لوحتين، البطل المشترك فيهما `الهيمنة` وهذا ما يظهر بوضوح فى اللوحة الأولى الذى شبه فيها التمساح الذى يعد رمزًا عند المصريين بالإله `سوبك` وهو يهيمن على الشكل الهندسى للتابوت الحجرى الذى يحمل جثمان `أوزوريس` وذلك وفقًا للمعتقد المصرى القديم - كما ذكر باولو-.
وفى اللوحة الثانية رمز إلى القوة في شكل ثور، لكن هذه القوة - مع الأشكال المتداخلة - عبرت عن الغموض الذي قد يصورها أنها قوة مدمرة، إذ فى أيقونات التصوير الحديث، يرمز الثور إلى الديكتاتورية العنيفة للأنظمة الاستبدادية التى هزت النظام السياسى العالمى فى القرن العشرين...
وبتأمل شكل الثور في وقفته ونظرته نجد أن بها كثيرًا من التحفز والاستعداد للمواجهة الحتمية، رغم ضعفه بسبب المحطات والأزمات المتعددة التي مر بها، والتى ستفرضها الظروف المحيطة بالواقع...
هكذا نرى رمزية `سيروان` و`باولو` في رؤية الديكتاتورية والاستبداد في مواجهة الهيمنة والقوة المدمرة.
الفكرة والفلسفة
----------------
سبق وأن ذكرت فى مقالى السابق أن الفن له تعاريف كثيرة، وأن لكل فنان فلسفته ورؤيته الخاصة.
لذلك فإن الناقد والمتلقى لهما رؤيتهما الخاصة التى ربما تختلف مع رؤية صاحب العمل نفسه، فبالنظر للعمل الأول الخاص بالفنان `سيروان` نجد أن القوة والغطرسة والاستبداد عناصر سيطرت على العمل فى أجزائه الثلاثة والنهاية كانت دامية، كأنه يعطينا درسًا قويًا نتيجة الاستبداد فى قالب تشكيلى.
لقد سيطر على الفنان ما شاهده فى بلده العراق من حروب طويلة ظهرت أثارها واضحة على أطراف العمل...
وفى الجهة المقابلة نجد أن عمل الفنان الإيطالى `باولو دولزان` يعطى معنًى قريبًا للعمل الأول حيث أن الفنان نجح في توظيف رمزية الثور فى الجزء الثانى من عمله إشارة إلى الديكتاتورية العنيفة للأنظمة الاستبدادية التى هزت النظام السياسى العالمى فى القرن العشرين، وربما شاهدنا ذلك فى لوحة الفنان بيكاسو الشهيرة `جورنيكا` التى استوحاها من قصف المدينة الأسبانية عام 1937، واستطاع أن يختزل بمهارته مرارة الحرب فى تلك اللوحة.
لكن الجديد فى عمل `باولو` هو التابوت الحجرى الذى أراه دخيلًا على العمل رغم ما قصده الفنان ونوه عنه فى كلمته، وربما لو تم حذفه ما تأثر العمل سلبًا فى معناه ومضمونه.
الفكرة والبناء
--------------
لا شك أن العملين يقتربان من الناحية التشكيلية والبنائية كثيرًا، وهو ما يتضح من ضربات الفرشاة التي تكاد تكون واحدة فى أجزاء كثيرة من العملين، يغلب عليهما الناحية التجريدية، مع الدقة فى نسب العمل الفنى بشكل عام.
الغموض هو العنصر الغالب والمسيطر على المجموعة اللونية للعملين، وهو ما ظهر واضحًا عند تأمل اللوحة الأولى للفنان العراقى `سيروان`، وعمل الفنان الإيطالى `باولو` بجزئيه، كأنهما يرسلان رسالة غامضة مغزاها:
(مهما كانت قوتك هناك نهاية حتمية، عليك أن تختارها وتعد لها بنفسك من خلال ما تفعله طوال حياتك)
كما يتضح أن العملين فى رمزيتهما ومضمونهما حولا - بعض الشىء- الدلالة البصرية إلى الدلالة السمعية، المستوحى من نباح الكلب في الجزء الأخير من العمل الأول الخاص بالفنان `باران`، وصوت الألم والأنين المستوحى -أيضًا- من ضعف وهزال الثور في العمل الثاني للفنان `باولو`.
وفي النهاية نجح الفنانان فى التعبير عن الفكرة من خلال التكوين والتشكيل والتعبير..
Tarek Abdel Aziz
Serwan Baran

عودة

البوم الصور :