
	:استعرض الأخبار السابقة

قراءة نقدية في أعمال ثلاثة فنانين أفارقة ... خيوط الماضي .. من الانتماء والتواصل الى الإستدعاء

قراءة نقدية في أعمال ثلاثة فنانين أفارقة ...
خيوط الماضي .. من الانتماء والتواصل الى الإستدعاء
( الناقدة: سوزي شكري )
نستكمل قراءتنا عن فناني إفريقيا المشاركين في بينالي القاهرة الدولي الثالث عشر، وجميعهم من الفنانين المعاصرين والمتميزين في الأسلوب الفني والمعالجة والصياغة والفلسفة، هم نماذج تمثل الانتماء إلى الهوية الثقافية الإفريقية، والانتماء بمعنى التواصل مع موروثات الماضي، وبالإستدعاء يأتى تعزيز هويته بكل ما فيها من رموز ومعتقدات ويقدمها فنيًا بلغة معاصرة.. والإنسان هو العنصر الجوهري في الفن الإفريقي، وأن استخدامهم لتجريد الواقع بالرمز فنًا مستقًل ، وليس تخوفًا من محاكاة الواقع، ما نتفق عليه أنه فن طقسي ورمزي وفردي في أساليب التعبير.
بعد ما قدمنا سابقًا، وفى مقال اليوم ، نوصى بعدم تعميم صفة موحدة عن الفن الإفريقي فكل دولة بالقارة السمراء لها رموز مختلفة، وإن كنا تجاوزًا نقول رموزًا إفريقية ، إلا أن لكل دولة رمزًا يحمل معنى يخص بيئته .. كما في أعمال كل من :
الفنان جمبى لوف باكومبانا -Ngimbi Luve Bakambana` - الكونغو، والفنان `أدمير كامودزينجيرير Admire Kamudzengerere - زيمبابوى، والفنان `ياسنت واتارا - Hyacinthe Ouattara - بوركينا فاسو.
------------------------------------------------------------------------
**الفنان جمبى لوف باكومبانا -Ngimbi Luve Bakambana ` الكونغو
`التحاور بالجسد`
الفنان الإفريقي المعاصر `جمبى لوف ` - الكونغو، فنان شاب درس الفنون الجميلة في `كينشاسا` مقيم في فرنسا ، لقب بأنه الفنان الأكثر اعتراضًا على أساليب الفن الغربية مدافعًا عن الفن في الكونغو أنه فن روحي طقسي محافظًا على جذوره الثقافية، الإنسان هو محور أعماله، الإنسان في روحانياته، الإنسان في مواجهة مع التاريخ، الإنسان في علاقاته بالآخر، واختار لنفسه الحوار الطقسي مع جسده، إيمانا منه بأن الجسد هو محور التعبير معتمدًا على الطاقة.
شارك الفنان ` لوف` بثلاث لوحات تصويرية، تتميز بوجود العنصر الإنساني وأيضا موضوعاته لها مضمون وهدف إنساني، إلا أنه استوقفتني هذه الجملة في سيرته الذاتية، أن الفنان `يتحاور مع جسده`، فهل هذا التحاور حوار فني بصري بين شخصيات العمل، وأين جسد الفنان ودوره في هذا التحاور؟ فرضية علينا أن نثبتها أو ننفى تواجدها .
اللوحة الأولى بعنوان: المرأة الفقيرة الغنية `The poor rich woman، ليس التناقض بين الفقر والغنى ، كعنوان لعمل فنى مرتبط بالمعنى المادي، بل نجده مرتبطًا بمعنى إنساني فقر الوحدة الموحشة، والغنى يتجلى في وجود الونس والرفيق والحارس الأمين ، باللوحة امرأة جالسة وحيدة، صاغها الفنان من مجموعة من الألوان المتداخلة هما اللون الأبيض والأخضر، ويأتي بينهما اللون الأحمر كإشارة لوجود أمر ما ، وأمام المرأة منضدة بها زجاحات زجاجية، وتحت قدميها يقف حيوان ينظر بحذر ويراقب القادم، يتلاقى هذا التكوين فلسفيًا مع وضعية الآلهة ` انوبيس` أحد الآلهة المصرية القديمة، الذي كان يقوم بحماية وحراسة أجساد الموتى من الملوك والملكات، إلا أن امرأة الفنان `لوف ` لا تزال على قيد الحياة، وهو ما يفسر معنى إشارة اللون الأحمر، بوجود تخوفات بداخلها وفى احتياج لهذا الحارس والونيس.
واللوحة الثانية: القناع الأزرق blue Mask A امرأة تتصدر اللوحة تسير ببطيء وإن تبدو واقفه، ترتكز على عصا تضع على وجهها قناعًا أزرق باكيًا، الأفارقة مثلما يصنعون الأقنعة، هم أيضا يرسمونها في لوحاتهم التصويرية، فالأقنعة الإفريقية لها وظيفتها الرمزية والروحية والطقسية، المرتبطة بالشأن العقائدي ولتجسيد أرواح الأسلاف، إلا أن ما قدمه الفنان` لوف ` في لوحته هو تعبير فلسفي آخر هي حالة درامية وتراجيدية للمرأة، والقناع هو إخفاء حقيقة الشخصية والاختباء وراء شخصية أخرى.
اللوحة الثالثة: حوار Dialogue، تمثيل لحوار بين الشرق والغرب، شخصان جالسان في مواجهة بعضهما، أحدهما إفريقي يضع Mask، والشخص الآخر يضع الكاب الغربي Western Capeوينظر إلى الإفريقي نظرة جانبية، يبدو فيها الغدر المرتقب، وبينهما منضدة عليها بعض الاشياء، ويتدلى من السقف `حبل مشنقة` وهو رمز مباشر لفترة الاستعمار الغربي لقارة إفريقيا، وهذه اللوحة تعبير بصري وتشكيلي عن فترة قاسية للأفارقة.
بعد وصف وتفسير موضوع لوحاته، نعود إلى السيرة الذاتية للفنان، وجملة `واختار لنفسه الحوار الطقسي مع جسده، حيث إن الجسد هو محور التعبير معتمدًا على الطاقة `، ومن هذه الجملة تداعت الاسئلة والافتراضات حول معناها، توصلنا إلى أن المقصود بها أمران، هما تقنية العمل، والطاقة النفسية للفنان بالحضور الجسدي في الفعل الفني، وأن الفنان يرسم بأصابعه كأحد أساليب الفن الأدائي، مستخدمًا ألوان الألكريليك والأصباغ، وهذه التقنية شكل من أشكال الحوار مع أسلافه، والجسد هو الوسيط، ولا يستخدم الأدوات المعتادة في الرسم، اعتقادًا وإيمانًا منه بأن الفن الصادق يعتمد على الحالة المزاجية والطاقة الروحية والذهنية التي يحتاجها الفنان أثناء العمل، يترك لنفسه الحرية حيث لا قيود، وتلك الطاقة الروحية هي `دينامية الجسد` تكمن فى التقنية الفنية والنفسية معا .
----------------------------------------------------------------------------
**الفنان `أدمير كامودزينجيرير Admire Kamudzengerere - زيمبابوي
`الخط المفتوح`
ليست مجرد مقولة أن `الفن مقاومة`، إنما هي حقيقة مثبتة، فكم من الأوجاع والأزمات والمصاعب، كانت الدافع والحافز والمؤثر المباشر على مشروع الفنان، الفنان الشاب ابن القارة السمراء، التي منحت العالم فنًا إنسانيًا وروحانيًا وأصيلًا المصدر ` آدمير كامودزينجيرير` الفنان المعاصر من مواليد زيمبابوي 1981، بعد استقلال زيمبابوي من الحكم الاستعماري البريطاني، وفى وائل التسعينيات تعرض والده ` كامودزينجيرير` إلى فقد وظيفته، إلا أنه كافح ولم يستسلم بذل جهدًا بقدر استطاعته من أجل أسرته، تأثر `أدمير` بقصة كفاح والده وعطائه، رحل والده ولم يكن `أدمير`موجودًا في زيمبابوي، بل كان في هولندا، ولم يستطع تحمل تكاليف عودته لحضور العزاء، تألم وذاق مرارة فراقه، ومن التوتر والنضال النفسي إلى المقاومة ليصبح التاريخ الشخصي وأرشيف الذاكرة، هو مشروعه الفني في الرسم والطباعة.
الفنان `أدمير` يرسم دوما ودون أن يقرر متى يرسم، فكلما احتاج إلى سماع صوت والده رسمه، وكلما اشتاق لملامح والده رسم نفسه باستخدام المرايا، في محاولة لفهم ما بينهما من ملامح مشتركة، ليجد أن ملامحه هي مزيج متناسق بينه وبين والده.
الفنان `أدمير` اختار لمشروعه الفني، خامة الورق وأطلق عليه ` مشروع الورق` في الرسم والطباعة باستخدام أوراق الصحف والمجلات، واختص أوراق دفتر الهاتف القديم بأهمية خاصة، دفتر الهاتف هو أوراق بها أسماء وأرقام وعناوين لشخصيات غرباء عن الفنان، ربما لم يعد لهم وجودًا، أو هم أحياء يشاركونه رثاء والده، أو شخصيات أجبروا على التهجير من الاستعمار البريطاني، وجد في هذه الخامة الهشة البسيطة أهميتها في تدوين ذاكرته عن ملامح والده رسمًا.
ثم تطورت التقنية من الرسم إلى تقنية monoprint الطباعة الحريرية واللثوجراف، واستخدام ألوان الأكريليك، وبعض الأصباغ استخرجها من الخامات الطبيعية، وعرض في مشاركته البينالى مجموعات رسومات خطية، تمثل فنيًا أشكال الخط المفتوح رسم بالأحبار، ومن الجانب الآخر لمعنى الرسوم، هو الخط النفسي المفتوح بينه وبين ملامح والده. وظف رسوماته بوضعها أحيانًا متقاربة، وأحيانًا متباعدة، لتُكون مشهدًا تعبيريًا عاطفيًا أشبه برقعة شطرنج ناقصة المربعات.
رسوماته خطية، سريعة الانطباع تبدو فيها العنف والقوة، وله طريقه نفسية وسيكلوجية في الرسم ، أحيانا يغمض عينه وهو يرسم بحثًا عن والده في أعماقه، وأحيانًا أخرى يرسم في الظلام ، وعندما يتوقف عن الرسم يجد أنه رسم خطوطًا متداخلة و لا يمحو منها خط ، لأنها جزء من ذاته ، ونتائج الرسم لم تتشابهه صورتان في رسوماته، وبعضها رسوم كاملة الوجه، كما تظهر أيضا في رسوماته شخصية والدته تلك المرأة الأولى في حياته.
وعن الفنان ` أدمير` هو أول فنان أول في زيمبابوي، تتم دعوته إلى الإقامة في امستردام لدراسة الفن 2012 - 2014، يقدم أعمالًا فنية في مجالات فن الأداء والفيديوارت والتركيب والرسم، وعُرضت أعماله في بينالي موسكو الخامس للفن المعاصر(2013)، كما عرض ضمن جناح زيمبابوي بينالي فينيسيا السابع والخمسين 2017.
---------------------------------------------------------------------------
**الفنان `ياسنت واتارا - Hyacinthe Ouattara - بوركينا فاسو
`خيوط الماضي`
الفنان `واتارا` من مواليد 1981 في بوركينا فاسو - يعيش في فرنسا، وعلّم نفسه بنفسه، يؤمن بأنه لا حدود بين المجالات الفنية، ولا تصنيف، وكل المجالات يمكنها أن تخدم المضمون بل وتصقل هدف العمل، شارك الفنان` واتارا ` أعماله هي تمثيل لانعكاس ذاكرة الماضي ،ما بين اللوحة التصويرية والتجهيز في الفراغ ، أنما الأكثر انجذاب في أعماله هو التجهيز فى الفراغ يستخدم الخيوط كرسالة للماضي من الحاضر، أعماله تدخل في نطاق التجريب بالخامات والخيوط إحدى خامات الأسلاف والأجداد ومنها يسترجع موروثات تراثه التي يفخر بها ، باعتبار أن الأفارقة، صنعوا من الخيوط أقشمة على النول الخشبي القديم، فهو يصنع ما يحتاجه لعمله الفني بنفسه ، يستخدم الخامات البدائية والبيئية والأقمشة والخيوط والمنسوجات، يخرجها من سياقها ليعيد تركيبها برؤيته الخاصة.
يتعامل الفنان مع خامة الخيوط، وكأنه طفل يلعب ويقص ويقطع وينتظر النتائج، ولا يعيد صناعة الأشكال مرة أخرى، فكل ربطة من الخيوط بتداخلاتها تخلق شكلًا جديدًا، لفات ملتوية لدرجة معقدة، إلا أن هذا الهوس بالأشكال العضوية هو ما صنع منه فنانًا مختلفًا، فيقول على منتجه الفني بالخيوط أنه `تشريح الأنسجة`، يصنع من هذا التداخل أشكالًا قائمة بذاتها أقرب إلى منحوتات من الخيوط، ومن الارتجال وعدم التناسق والاختلال يخلق توازنًا للأشكال، تلك الهدم من أجل البناء.
من اعماله عملاً بعنوان `anatomy of fabrics textile sculpture variabledimensions` وهو شكل فني غير معتاد صنعه من خامة الخيوط البدائية وقطع الأقمشة المجمعة، وصبغها بمجموعات لونية زاهية، وعملاُ أخر هو قطعة أخرى لشكل عضوي، صنعها بالخيوط والعقد والربطات بشكل دائري يتصدرها اللون الأحمر بعنوان `organic`، وايضا لوحة تصويرية بعنوان خرائط إنسانية `cartographie humaines` يرسم بعفوية وتعبيرية حشود بشرية ملامحها ملامح الأقنعة المتجذرة في تاريخ أسلافه ، شخصيات تختبئ وتظهر من بين المساحات بألوان متناقضة، شخصيات لها `عيون` تنظر بقوة واستغراب وتراقب، وكأنها عيون حراسة قادمة من جيل الأجداد إلى الأحفاد، مسطح اللوحة معد بطبقات تحضرية خشنة الملمس، تلك رمز الأرض الذي يستدعى منه معنى الماضي، ومن المسطح، الذي جعله يحمل تأريخ خلق تكويناته دون تحضير مسبق للرسم .
Suzan Shoukry Yacoub

عودة

البوم الصور :

< 1 2 3 [4]