
	:استعرض الأخبار السابقة

`خمس فنانات فى بينالى القاهرة بين غواية التناص ورفرفات الحنين `

`خمس فنانات فى بينالى القاهرة بين غواية التناص ورفرفات الحنين `
(الناقدة الدكتورة هبة الهوارى)
في بينالي القاهرة الثالث عشر تقدم مجموعة من الفنانات أعمالهن التشكيلية التي تحمل منظوراً نسوياً مرتبطاً باستخدام آليات و تقنيات تشكيلية و مفاهيمية ترتكز على أسلوب التناص التشكيلي مع نصوص أدبية و موسيقية و توجهات النوستالجيا أو الحنين إلى الماضي القديم و تلك المجموعة تقدم الجسد و الحرب و الاغتراب و الشتات و حق العودة إلى الأوطان كما ذكرت الناقدة جوليا كريستيفا في استثمارها لأفكار جاكلاكان عالم النفس الشهير و هي في كتاباتها تطور فكرة أن للنساء طريقتهن الخاصة في إبداع رموز العالم -إبداع المجاز والكنايات الخاصة بهن-وأن أجسادهن هي أهم تلك الرموز في لا وعيهن وفي وفي إبداعهن الأدبي والفني بالتالي،حيث ينشغلن غالبا -في اللاوعي والإبداع سويا-بإعادة تشكيل ذلك الجسد وإعادة صياغة علاقته بأصله -جسد الأم-؛وإعادة صياغة علاقته بالعالم .
و لقد استطعت رصد تلك الروح المهيمنة على أعمال بعض الفنانات العربيات المشاركات في بينالي القاهرة هذا العام و هن : 1- أمينة زبير من الجزائر ،2- فرح بهبهاني من الكويت،3- رينا بانيرجي من الهند ،4- سما الشيبي أمريكا ،5- ميمونة جريزي إيطاليا.
تلك الآليات للتفاعل بين النص التشكيلي الذي قدمته الفنانات كل في مجال إبداعها و بين النص المكتوب أدبياً أو موسيقياً حيث تقوم بعمليات :التحرير verbalization يعني التحرير التشكيلي البصري لما ليس بصرياً بالأصل .و ينطبق على حالة التفاعل النصي بين الأنواع أو الأجناس المختلفة ، الأدبي و التشكيلي ، مثلاً (صياغة لوحة كتابياً ، الشعارات المرسومة التي ترمز إلى شيء ما) هنا تمنح الكتابة بعداً لفظياً أو ترجمة تحريرية لمرجع صوري كما استخدمت بعضهن الخطية linearization الكتابة ظاهرة خطية محكومة باستمرارية السطور أفقياً كما في أغلب اللغات أو عمودياً كما في الصينية و اليابانية يعمد الكاتب إلى ما يشبه تسوية لعناصر النص الأصلي الذي يتناصه هو و يناصصه ، و عناصر نصه الجديد في فضاء اللوحة و داخل حدودها المادية ، و بعد هذه التسوية يفيد من بدائل أخرى : تشويش و تراتب المقاطع أو التوكيد على بعض الأسطر بطبعها بحروف مختلفة مائلة أو سمينةكما استخدمن ظاهرة الترصيع أي زرع عناصر النص القديم في نص جديد ، و التشويش حيث يعمد الفنان هنا إلى أخذ فقرة من نص مكرس يتدخل هو فيه و يتلاعب به ، مدخلاً عليه إفساداً مقصوداً أو دعابة أو سخرية سياسية . ذلك الاستخدام الواعي لعمليات الإضمار أو القطع : حيث يمارس الفنان هنا الاقتباس المبتور أو إنقاص الكلام على نحو يحدثُ انحرافاً للنص عن وجهته الأصلية و يمنحه وجهة أخرى ، لم يكن المتلقي ليتوقعها . كما نلمح استخدام التضخيم أو التوسع يحول النص أو يحرفه بأن ينمي فيه في الاتجاه الذي يريد عناصر دلالية أو مسارد شكلية يراها الفنان فيه و لعلها كانت كامنة في النص كذلك نلاحظ آليات تشكيلية مثل المبالغة و التعددية ليس تضخيم العناصر كمياً بالضرورة لزحزحة أثرها بل في مبالغة معناها و المغالاة فيه نوعياً ، مما يفضي إلى كاريكاتورية خاصة. القلب أو العكس ، التخفيف و التكثيف و القطع و المونتاج
سما الشيبي و فن الصورة
************************
ولدت سما الشيبي في العراق عام 1973 و تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث تعمل أستاذاً لفنون التصوير الفوتوغرافي و الفيديو والصورة بجامعة أريزونا ، تتردد في أعمال الشيبي قضايا إنسانية ترتبط بمعاصرتها للحروب و تلك المناطق القلقة من العالم عبر الحدود وتجربة الاغتراب ، و تستخدم الجسد الأنثوي في التعبير التشكيلي ،حيث قدمت مجموعة من الأعمال الفوتوغرافية المنفذة بالأبيض والأسود،حيث كانت هي البطلة (الموديل) في أداء الشخصية المحورية في العمل و هي المرأة العربية، في عملها المسمى `عدالة` و تبلغ قياساته 72سم *48سم امرأة قوية ذات ملامح عربية تقف منتصبة مرتدية منديلاً قطنياً تربط به رأسها ،في وضع يشبه الإلهات حاملات الجرات في الحضارة اليونانية، و يد تمسك بجزع شجرة معلق بشكل أفقي فوق رأسها و اليد الأخرى عند خصرها في اعتداد و قوة،يتدلى من خطاف على اليمين سلة مصنوعة يدوياً من سعف النخيل تشبه تلك التي كانت تصنعها جداتنا في صعيد مصر وهي تحوي نبتة صغيرة كأنها (شتلة) بها ،و الخطاف الآخر في الناحية اليسرى يتدلى منه قنينة ،ربما كانت لزيت الزيتون أو ما شابهه،وتقدم سما ذلك العمل الفوتوغرافي الممتزج بصورةٍ ما بفن الأداء (البيرفورمانس) حيث تقدم تعبيراً جسدياً بذراعيها و وقفتها المنتصبة و إيماءة رأسها في شموخ و تعبيرات وجهها و عينيها كذلك،و اختيارها لنوعية و تكوين اللوني و الملمسي و الطرازي لتلك الملابس،تترك لنا سما إشاراتٍ صاخبة بالحياة حيث تومض أمامنا أيقونة المرأة الشجرة و التي يعتمد عليها فعل الاتزان حيث تحمل ثقل الحياة و الإنبات بشكلٍ متوازن توازناً ناتجاً عن ذلك التماثل المحوري المعتمد على ارتكاز جزع الشجرة على المرأة في المحور الرأسي للصورة،تلك العناصر البكر التي تعمدت سما أن تقدمها في صورتها الغضة غير المصنوعةذلك الوشم الذي يعبر عن النهر فوق عضدها،خشونة الخلفية الرمادية في أرضية الصورة في ذلك الجدار المتشقق، و هي تقوم بعبء قيام الحياة في هذا العالم وحدها، و الغريب انها تسميها `عدالة`،تلك هي صورتها الذهنية عن المرأة أصل الحياة، كذلك تقدم سما الشيبي في عملها المسمى `الحصاد` 2019 و هي تستخدم نفس القياسات للوحاتها 72سم *48سم المعروضة في قاعة العرض بمجمع الفنون `قصر عائشة فهمي`بالزمالك، حيث نرى المرأة المحور الرئيس للصورة و هي تحمل كراتٍ مصنوعة من الشباك التي يستعملها الصيادون في القرى الساحلية و هي تكون من صنع النساء أيضاً، تلك الشباك تكبل ذراعها الأيمن و تحمل بذراعها الأخرى خمساً منها واحدة تكبل رأسها،تصبغ يديها بالحناء و كما هي في هذه السلسلة يتكرر موقف الثقل المهيمن على رأسها و ذراعيهاو هي ترتدي قلادة ضخمة من النحاس تجثم فوق صدرها، في خلفية مضببة و يوجد ما يشبه سلسلة من التلال في امتداد البصر لكنها بلون رمادي داكن،و في العمل المسمى `باللاعبة` نراها و قد اتخذت نفس الوقفة المعتدة بذاتها و تحمل ثقلاً كبيراً فوق رأسها و هي تقع على المحور الرأسي للصورة تماماً، و كأنها العمود الفقري لهذا العالم، قائم بها و معتمدٌ عليها ، يبدو منها فقط الوجه و الكفين، حيث ترتدي الملحفة الصحراوية السوداء يوجد بعض الحركة في اتجاهات القماش الأسود ناتجة عن التفاتتها نحو اليسار و هي تحمل هذه المرة ثمانٍ من الأواني المعدنية،فوق بعضها رأسياً،تلك التي تستخدم في طهو الطعام مغطى كل منها بقرص دائري، يتردد نفس المعنى في نفس الجو الرمادي الضبابي و الملمس الخشن في خلفية الصورةحيث لا أحد يشاركها أثقالها المسيطرة و في نفس الوقت هي ليست منهزمة أو ضعيفة أو مستسلمة بل تتخذ تعبيرات جسدها المختفي في الملحفة اتجاهات و أوضاع المقاومة و الصمود، و تعبير وجهها فيما يشبه الغضب،نفس فعل الحمل الثقيل الساقط من أعلى الرأس ، نفس التكبيل للذراعين و الجسد ، هذه المرة يأتي القيد من الملحفة في حد ذاتها، و تستكمل سما الشيبي تلك المجموعة بصورة فوتوغرافية لها و هي جالسةً و تفترش نسيجاً يحمل الملامح التراثية الشرقية و كذلك ثوبها العاري الذي يكشف عن ذراعيها و الوشم، هنا تحمل المرأة قيدها بنفسها و هو على هيئة صندوق من الخشب به نافذة من القضبان المعدنية و المسطح الجانبي للصندوق المكعب يحمل زخارف شرقية هندسية نجمية،و هي ليست مكبلة الرأس فقط بهذا الصندوق الصارم و لكنها أيضاً تحمل بيدها الأخرى أنبوب النرجيلة التي تستكمل بها صورة العقل المخدر المغيب المسجون في غياهب الماضي، الأثواب في كل الصور تحمل ملامح تراثية شرقية، و هي في صورةٍ أخرى تحمل زجاجات في طبق دائري كبير فوق رأسها أيضاً و لكنها هنا تكاد تسقط و تميل على الناحية اليمنى للصورة و الإيقاعات المتماوجة تنجم عن ميل المحور الرأسي لجسدها و تماوجات الرداء الذي يلفها،و في الصورة التالية من هذه المجموعة تعود لنفس وقفتها المعتدة بذاتها و هي ترتدي زياً يشبه الأمهات في الأراضي الفلسطينية المحتلة و قد قدمت في خلفية الصورة تلك الفوتوغرافية الشبحية الرمادية لمدينة القدس و تبدو قبة مسجدٍ من بعيد و المرأة ترتدي عصابة للرأس سوداء كالمحاربين،و تحمل في يدٍ منجلةً في وضع مقاتل، و في خصرها يتدلى المفتاح ، و هي تحمل حقيبة شفافة ذات أطرٍ معدنيةٍ فوق رأسها،و كأن بيدها أن تقاتل ،و بيدها أيضاً أن تثور و تستخدم المفتاح المعدني الذي تشتمل عليه في طياتها، معلنةً أنها سوف تمد يدها و تفتك بالقيد. و في لوحتها الفوتوغرافية الأخيرة ترتدي ثوباً أبيضاً تراثياً يشبه ملابس الرجال و عليه صدرية منقوشة،و الحمل هنا إناء ربما كان من الفخار يحمل ملامح الزير الذي نعرفه في قرى مصر،و هي تقاوم الثقل المهيمن بوقفتها و قد فتحت ساقيها قليلاً و خفضت رأسها بشكلٍ يدل على المعاناة و اختفى وجهها إلا قليلاً خلف الغلالات البيضاء.
أمينة زبير من الجزائر :
************************
نوستالجيا غنائية قبل أن يحل الظلام
--------------------------------------
قدمت الفنانة أمينة زبير و هي فنانة تشكيلية تعيش و تعمل بين العاصمة الجزائر و باريس و تشارك في العديد من الفعاليات التشكيلية الدولية المرموقة، وعملها المسمى `فصيل متجانس`2019 و هو مكون من ثلاث أجزاء معروضة في متحف الفن الحديث ، في الجدار المواجه للمشاهد نرى ثلاث لوحات منفذة بالمونتاج الفوتوغرافي و قياساتها 80 سم * 67سم ،و على الجدارين اللأيمن و الأيسر نرى لوحة تصويرية أخرى مكملة لنفس الفصيل المتجانس ،و تقع إلى جوارها شاشة عرض تقدم فيديو أسمته الفنانة `الرقصة الشعبية الأخيرة قبل أن يحل الظلام`2019 ،في تلك اللوحات الخمس نرى عملية مزج و تكوين فوتوغرافي يحمل تجميعاً لعدد كبير من الوثائق المصورة و الملونة و الصور الفوتوغرافية المنفذة بالأبيض و الأسود و التي تنتمي لفترة خمسينيات و ستينيات القرن العشرين،بها مجموعة من مشاهير فن الغناء في الجزائر و مصر ، حيث نرى صوراً فوتوغرافية تمثل أغلفة لاسطوانات و أشرطة و ألبومات أو أغلفة لمجلات قديمة ربما،و فيها أم كلثوم و نجاة الصغيرة و شريفة فاضل،و أيضاً تحتوي هذه اللوحات الخمس صوراً للمطربة الجزائرية و أيقونة الغناء الشعبي بجار حدة،التي اشتهرت بأغنياتها المرتبطة بغناء القصبة الجزائري و كذلك تلك الأغنيات التي ارتبطت في وجدان الشعب الجزائري بالثورة و التمرد و مقاومة المستعمر الفرنسي في تلك الفترة مثل أغنية `جبل بوخضرا` ، و `الجندي خويا` و غيرها مما تبدو في عناصر المونتاج الفوتوغرافي الذي قدمته الفنانة بشكل موفق من الناحية المفاهيمية ، حيث صنعت ذلك المزج بين صور بجار حدة و أم كلثومو شيوخ غناء القصبة في جبال الأوراس الجزائرية و هبي القسم الشرقي من سلسلة الأطلس الصحراوي في شمال أفريقيا، الترديد الإيقاعي لصور (بجار) و حركة الألوان رأسياً و أفقياً ،و استخدام صور فوتوغرافية متنوعة من الأبيض و الأسود دعمت لدى المشاهد تلك النوستالجيا أو الحنين الى الماضي الجميل، و ذلك بمصاحبة الأصوات و الموسيقى التي تتردد من فيلم الفيديو المعروض على شاشتينهي تشير في تسميتها للعمل إلى تلك الفترات الثرية التي مرت بها بلادنا في مرحلة الثورات التحررية و المقاومة للاستعمار الأجنبي في الخمسينيات و الستينيات و التي كانت فترات ذهبية في تاريخ تلك الأوطان، و كأنها تكرس تلك اللحظات الحبلى التي تومض بالمعنى و التي ذكرتها الكاتبة ويندي شتاينر، لتردد معنا الفنانة تلك الموسيقى الصحراوية الشعبية و الأغاني الثورية ،و تأتلف العيون مع تلك الصور المحببة لذلك العصر بأزيائه و ألوانه و تصفيفات شعره، و عمليات المزج الفوتوغرافي الناجحة من الناحية الملمسية و اللونية و كذلك الاتجاهات لحركة التصميم ،بين تلك المجموعات الوثائقية من أغلفة و إعلانات الاسطوانات و بين صور شيوخ الغناء المشاهير في بلاد الجزائر.
استخدام أمينة زبير للتجميع الوثائقي الثري لتلك اللحظات الثمينة في ماضي البلاد العربية و تركيزها على الجزائر و مصر و إشارتها لحلول الظلام بهبوط الأفكار الظلامية و التطرفية على عقول الشباب، عرض الفيديو يحمل من الحيوية و الموسيقى و الذكرى النابضة بالحنين لأيام الصحوة و النهضة و الحياة، تصنع خلفياتها للمشاهد الراقصة الملونة بالبهجة بالنسيج الأندلسي و الأخشاب المعشقة في شجن و تستخدم تلك القوة الهادرة للجسد البشري الراقص ، الخلخلة التي تصنعها عن طريق المفارقات الفوتوغرافية و اللونية ، السعي نحو الآخر باختراق الوعي و زرع صورة جديدة للحياة ، تحمل تساؤلاً و ثورةً و تعبيراً عن التغيير و التجهيز في فراغ الصورة و الرسومات و التصاوير الفوتوغرافية مع المونتاج و لحظات التوقف و الصمت و الإظلام و الإشراق ، تلك اللحظات الساحرة التي استطاعت أمينة بنجاح أن تلتقطها من عمر الزمان حيث يبقى العمل الفني و تبقى الصور نابضةً لا تموت.
سارة العبدلي : رفرفات الحنين في ثلاثية اللجوء :
***************************************
تتميز الفنانة السعودية سارة العبدلي بأعمالها ذات الطابع الإسلامي و الذي يقترب في ملامحه من فن التصوير الإسلامي للمنمنمات الفارسية القديمة، و هي تقدم صورةً للمرأة السعودية التي تنتمي لمنطقة الحجاز التي تتمتع بامتزاج العديد من الثقافات و الحضارات الشرقية كمنطقة لملتقى الشعوب منذ القدم،و شاركت سارة في بينالي فينيسيا الدولي و عرضت أعمالها في المتحف البريطاني و معرض ساتشي و العديد من المسابقات الدولية و حصلت على درجة الماجيستير من جامعة مدرسة الأمير للفنون التقليدية في لندن حيث تمحورت دراستها حول الحرف التقليدية التي تميزت بها الفنون الإسلامية التراثية.
تقدم سارة العبدلي عملاً منفذاً بالطباعة على البلاطات الخزفية باللون الأسود على خلفية بيضاء ، يبدو و كأنه ثلاث صفحات من مخطوط إسلامي قديم،و قياسات كل لوحة 95سم *60سم ، حيث اعتمدت على ذلك الإطار التراثي بالغ الصرامة في التعبير عن معنى الحنين إلى الوطن و عودة أولئك المشتتون في البلاد إلى أوطانهم و لقد أطلقت على العمل عنوان `ثلاثية اللجوء` 2018 لأنه مكون من ثلاث بلاطات خزفية ملونة باللون الأسود و تحمل كتابات بالخط الفارسي في متن الإطار و الحشوات الجانبية له ، تلك النصوص هي أبيات من قصيدة (سنرجع) التي كتبها و ألف موسيقاها الأخوان الرحباني من مقام العجم في عام 1956 .
تصنع سار ة العبدلي تناصاً تشكيلياً بين عملها المنفذ بأسلوب الطباعة اليديوية على البلاطات الخزفية و بين تشكيلات االمنمنمات الفارسية و تستخدم نفس أساليب التلخيص و التجريد بها و تعتمد على التماثل و التناظر المحوري و ذلك الاتزان الصارم في مفارقة مدهشة مع تلك المشاعر المتدفقة الفياضة بالحنين إلى الوطن و إلى الأحباب هناك،و هي تجابه تلك الصرامة بذلك الانفلات الخطي التشكيلي الناتج من التموجات و الحلزونيات التي صنعت بها في لوحتها الأولى من الثلاثية ذلك البحر المتلاطم الأمواج و التي نفذتها بالخطوط المتتالية المتماوجة المتحركة بشكل نشط في داخل إطارها للحشوة الوسطى إن صح التعبير نرى شمساً مشرقةً عند خط الأفق و أجساداً بشريةً تمور في ذلك الخضم المحاط بترانيم الحنين ،حيث يسبح المحبون في لجةِ الأشواق و ألم الذكرى و اعتمالات الانتظار.
سنرجع يوماً الى حينا و نغرق في دافئات المنى
-----------------------------------------------
تستلهم سارة فعل الغرق من النص فترسم لنا بحراً شجياً من العاشقين،و تقدم في لوحتها الثانية من الثلاثية ذات المظهر المهيب الجليل و التي تبدو و كأنها ترتدي عباءة حجازية موشاةً بالنقوش المستوحاة من العناصر الزخرفية الفارسية النباتية و الحيوانية، كما استخدمت صورة المرأة و قد امتزج الجسد البشري بصورة الطائر و هي مجللة بهالة مستديرة تضيء حول وجهها و تمزج سارة بين تموجات شعرها الأسود و بين جسم الطائر و جناحيه و بين السحب في السماوات التي تتوسط اللوحة الثانية و هي تردد مع صوت فيروز الذي يظل يحيط بالمشاهد و كأنما هي تغني الآن معنا و نحن نشهد تلك العاشقة السابحة في الوجد :
هنالك عند التلال تلال تنام و تصحو على عهدنا
-----------------------------------------------
تستلهم سارة العبدلي تلك اللحيظات الساكنة الموارة بالحنين و ترسم لنا تلك التلال و عاشقين و نخلة يستظلان بها و يمتزج رداؤه بشعرها و يلتفان و يحيطان بالجسدين المتكئين على جذع النخلة في تناص تشكيلي بديع مع النص القرآني الكريم، يتماوج شعرها و يسري في اللوحة حتى يلف العاشق و يمتد متجهاً إلى خط الأفق و كأنه نهرٌ يشق صحراوات البين و يستحيل طائراً يبتعد مرفرفاً في الأفق نحو الوطن المفقود، و تكتب سارة في لوحتها الثالثة عن العندليب و ترسمه و هو يعود و تنقش زخارفها المنمنمة و تخط كلمات تتحدث عن البلابل و الطيور و السماوات.
سنرجع خبرني العندليب غداة التقينا على منحنى
بأن البلابل لما تزل هناك تعيش بأشعارنا
و مازال بين تلال الحنين و ناس الحنين مكان لنا
صلصلة الذكريات و صنوج الحادي تهدهد صحراوات الفراق في شجو الصدور حيث تهبط القوافل محملةً بالحنين و تزرع الوادي بالدموع حيث أحبابنا و إيقاع الوتريات الحزين .
د. هبة الهواري
القاهرة
أغسطس 2019
Heba Ezzat Elhawary

عودة

البوم الصور :

< 1 2 3 [4]